القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِيليا أَبو ماضي الكل
المجموع : 9
كَم قَبلَ هَذا الجيلِ وَلّى جيلُ
كَم قَبلَ هَذا الجيلِ وَلّى جيلُ / هَيهاتَ لَيسَ إِلى البَقاءِ سَبيلُ
ضَحِكَ الشَبابُ مِنَ الكُهولِ فَأَغرَقوا / وَاِستَيقَظوا فَإِذا الشَبابُ كُهولُ
نَأتي وَنَمضي وَالزَمانُ مُخَلَّدٌ / الصُبحُ صُبحٌ وَالأَصيلُ أَصيلُ
حَرٌّ وَقَرُّن يُبلِيانِ جُسومَنا / لَيتَ الزَمانَ كَما نَحولُ يَحولُ
إِنَّ التَحَوُّلَ في الجَمادِ تَقَلُّصٌ / في الحَيِّ مَوتٌ في النَباتِ ذُبولُ
قِف بِالمَقابِرِ صامِتاً مُتَأَمِّلاً / كَ غابَ فيها صامِتٌ وَسَأولُ
وَسَلِ الكَواكِبَ كَم رَأَت مِن قَبلِنا / أُمَماً وَكَم شَهِدَ النُجومَ قَبيلُ
تَتَبَدَّلُ الدُنيا رَبَدُّلَ أَهلِها / وَاللَهُ لَيسَ لِأَمرِهِ تَبديلُ
يا طالِعاً لَفَتَ العُيونَ طُلوعُهُ / بَعدَ الطُلوعِ وَإِن جَهِلتَ أُفولُ
عَطفاً وَرِفقاً بِالقُلوبِ فَإِنَّما / حِقدُ القُلوبِ عَلى أَخيكَ طَويلُ
أُنظُر فَوَجهُ الأَرضِ أَغبَرُ شاحِبٌ / وَاِسمَع فَأَصواتُ الرِياحِ عَويلُ
وَمِنَ الحَديدِ صَواعِقٌ وَمِنَ العَجا / جِ غَمائِمٌ وَمِنَ الدِماءِ سُيولُ
ما كُنتُ أَعلَمُ قَبلَما حَمِسَ الوَغى / أَنَّ الضَواري وَالأَنامَ شُكولُ
يا أَرضَ أورُبّا وَيا أَبنائَها / في عُنقِ مَن هَذا الدَمُ المَطلولُ
في كُلِّ يَومٍ مِنكُمُ أَو عَنكُمُ / نَبَأٌ تَجيءُ بِهِ الرُواةُ مَهولُ
مَزَّقتُمُ أَقسامَكُم وَعُهودَكُم / وَلَقَد تَكونُ كَأَنَّها التَنزيلُ
وَبَعَثتُمُ الأَطماعَ فَهيَ جَحافِلٌ / مِن خَلفِهِنَّ جَحافِلٌ وَخُيولُ
وَنَشَرتُمُ الأَحقادَ فَهيَ مَدافِعٌ / وَقَذائِفٌ وَأَسِنَّةٌ وَنُصولُ
لَو لَم تَكُن أَضغانُكُم أَسيافَكُم / أَمسى بِها مِمّا تُسامُ فُلولُ
عَلَّمتُمُ عِزريلَ في هَذي الوَغى / ما كانَ يَجهَلُ عِلمَهُ عِزريلُ
إِن كانَ هَذا ما يُسَمّى عِندَكُم / عِلماً فَأَينَ الجَهلُ وَالتَضليلُ
إِن كانَ هَذا ما يُسَمّى عِندَكُم / ديناً فَأَينَ الكُفرُ وَالتَعطيلُ
عَوداً إِلى عَصرِ البَداوَةِ إِنَّهُ / عَصرٌ جَميلٌ أَن يُقالَ جَميلُ
قابيلُ يا جَدَّ الوَرى نَم هانِئً / كُلُّ اِمرِئٍ في ثَوبِهِ قَبيلُ
لا تَفخَروا بِعُقولِكُم وَنِتاجِها / كنَت لَكُم قَبلَ القِتالِ عُقولُ
لا أَنتُمُ أَنتُم وَلا أَرباضُكُم / تِلكَ الَّتي فيها الهَناءُ يَقيلُ
لا تَطلُبوا بِالمُرهَفاتِ ذُحولُكُم / في نَيلِها بِالمُرهَفاتِ ذُحولُ
إِنَّ الأَنامَ عَلى اِختِلافِ لُغاتِهِم / وَصِفاتِهِم لَو تَذكُرونَ قَبيلُ
يا عامَنا هَل فيكَ ثَمَّةَ مَطمَعٌ / بِالسِلمِ أَم هَذا الشَقاءُ يَطولُ
مَرَّت عَلَيها حِجَّتانِ وَلَم تَزَل / تَتلو الفُضولَ مَشاهِدٌ وَفُصولُ
لَم يَعشَقِ الناسُ الفَناءَ وَإِنَّما / فَوقَ البَصائِرِ وَالعُقولِ سُدولُ
أَنا بَسَمتُ وَقَد رَأَيتُكَ مُقبِلاً / فَكَما يَهَشُّ لِعائِديهِ عَليلُ
وَإِذا سَكَنتُ إِلى الهُمومِ فَمِثلَما / رَضِيَ القُيودُ الموثَقُ المَكبولُ
لا يَستَوي الرَجُلانِ هَذا قَلبُهُ / خالٍ وَهَذا قَلبُهُ الجَهولُ
لا يَخدَعَنَّ العارِفونَ نُفوسَهُم / إِنَّ المَخادِعَ نَفسَهُ لَجَهولُ
في الشَرقِ قَومٌ لَم يَسَلّوا صارِماً / وَالسَيفُ فَوقَ رُؤوسِهِم مَسلولُ
وَجَهِلوا وَلَم تَجَهل نُفوسُهُمُ الأَسى / أَشقى الأَنامِ العارِفُ المَجهولُ
أَكبادُهُم مَقروحَةٌ كَجُفونِهِم / وَزَفيرُهُم بِأَنينِهِم مَوصولُ
أَمّا الرَجاءُ وَطالَما عاشوا بِهِ / فَالدَمعُ يَشهَدُ أَنَّهُ مَقتولُ
وَاليَأسُ مَوتٌ غَيرَ أَنَّ صَريعَهُ / يَبقى وَأَمّا نَفسُهُ فَتَزولُ
رُبّاهُ قَد بَلَغَ الشَقاءُ أَشَدَّهُ / رُحماكَ إِنَّ الراحِمينَ قَليلُ
في اللَهِ وَالوَطَنِ العَزيزِ عِصابَةٌ / نَكِبوا فَذا عانٍ وَذاكَ قَتيلُ
لَو لَم يَمُت شَمَمُ النُفوسِ بِمَوتِهِم / ثارَ الشَآمُ لِمَوتِهِم وَالنيلُ
يا نازِحِنَ عَنِ الشَآمِ تَذَكَّروا / مَن في الشَآمِ وَما يَليهِ نُزولُ
هَمُّ المَمالِكِ في الجِهادِ وَهَمُّكُم / قالٌ تَسيرُ بِهِ الطُروسُ وَقيلُ
هُبّوا اِعمَلوا لِبِلادِكُم وَلِنَسلِكُم / بِئسَ الحَياةُ سَكينَةٌ وَخُمولُ
لا تَقبَضوا الأَيدي فَهَذا يَومُكُم / شَرُّ الوَرى جَعدُ البَنانِ بَخيلُ
وَعَدَ الإِلاهُ المُحسِنينَ بِبَرِّهِ / وَكَما عَلِمتُم وَعدُهُ تَنويلُ
لِمَنِ الدِيارُ تَنوحُ فيها الشَمأَلُ
لِمَنِ الدِيارُ تَنوحُ فيها الشَمأَلُ / ما ماتَ أَهلوها وَلَم يَتَرَحَّلوا
ماذا عَراها ما دَها سُكّانَها / يا لَيتَ شِعري كُبِّلوا أَم قُتِّلوا
مَثَّلتُها فَتَمَثَّلَت في خاطِري / دِمَناً لِغَيرِ الفِكرِ لا تَتَمَثَّلُ
تَمشي الصَبا مِنها بِرَسمٍ دارِسٍ / لا رِكزَ فيهِ كَأَنَّما هِيَ هَوجَلُ
وَإِذا تَأَمَّلَ زائِرٌ آثارَها / شَخَصَت إِلَيهِ كَأَنَّها تَتَأَمَّلُ
أَصبَحتُ أَندُبُ أُسدَها وَظِبائَها / وَلَطالَما أَبصَرتَني أَتَغَزَّلُ
أَيّامَ أَنظُرُ في الحِمى مُتَهَلِّلاً / وَأَرى الدِيارَ كَأَنَّها تَتَهَلَّلُ
وَأَروحُ في ظِلِّ الشَبابِ وَأَغتَدي / جَذلانَ لا أَشكو وَلا أَتَعَلَّلُ
إِذ كُلُّ طَيرٍ صادِحٌ مُتَرَنِّمٌ / إِذ كُلُّ غُصنٍ يانِعٌ مُتَهَدِّلُ
وَالأَرضُ كاسِيَةٌ رِداءً أَخضَراً / فَكَأَنَّها ديباجَةٌ أَو مَخمَلُ
يَجري بِها فَوقَ الجُمانِ مِنَ الحَصى / بَينَ الزَبَرجَدِ وَالعَقيقِ الجَدوَلُ
وَالزَهرُ في الجَنّاتِ فَيّاحُ الشَذا / بِنَدَى الصَباحِ مُتَوَّجٌ وَمُكَلَّلُ
وَالشَمسُ مُشرِقَةٌ يَلوحُ شُعاعُها / خَلَلَ الغُضونِ كَما تَلوحُ الأَنصُلُ
وَالظِلُّ مَمدودٌ عَلى جَنَباتِها / وَالماءُ مَغمورٌ بِهِ المُخضَوضِلُ
لِلَّهِ كَيفَ تَبَذَّلَت آياتُها / مَن كانَ يَحسَبُ أَنَّها تَتَبَذَّلُ
زَحَفَ الجَرادُ بِقَضِّهِ وَقَضيضِهِ / سَيرَ الغَمامِ إِذا زَفَتهُ الشَمأَلُ
حَجَبَ السَماءَ عَنِ النَواظِرِ وَالثَرى / فَكَأَنَّهُ اللَيلُ البَهيمُ الأَليَلُ
مِن كُلِّ طَيّارٍ أَرَقَّ جَناحَهُ / لَفحُ الحَرورِ وَطولُ ما يَتَنَقَّلُ
عَجِلٍ إِلى غاياتِهِ مُستَوفِزٌ / أَبَداً يَشُدّدُ العَجزَ مِنهُ الكَلكَلُ
خَشِنِ الإِهابِ كَأَنَّهُ في جَوشَنٍ / وَكَأَنَّما في كُلِّ عُضوٍ مِنجَلُ
وَكَأَنَّما حَلَقُ الدُروعِ عُيونُهُ / وَكَأَنَّهُنَّ شَواخِصاً تَتَخَيَّلُ
مَصقولَةٌ صَقلَ الزُجاجِ يَخالُها / في مَعزِلٍ عَن جِسمِهِ المُستَقبِلُ
وَمِنَ العَجائِبِ مَع صَفاءِ أَديمِها / ما إِن تَرِفُّ كَأَنَّما هِيَ جَندَلُ
ضَيفٌ أَخَفَّ عَلى الهَواءِ مِنَ الهَوا / لَكِنَّهُ في الأَرضِ مِنها أَثقَلُ
مَلَأَ المَسارِحَ وَالمَطارِحَ وَالرُبى / فَإِذا خَطَت فَعَلَيهِ تَخطو الأَرجُلُ
حَصَدَ الَّذي زَرَعَ الشُيوخَ لِنَسلِهِم / وَقَضى عَلى القُطّانِ أَن يَتَحَوَّلوا
ما ثَمَّ مِن فَنَنٍ إِلى أَوراقِهِ / يَأوي إِذا اِشتَدَّ الهَجيرُ البُلبُلُ
وَإِذا القَضاءُ رَمى البِلادَ بِبُؤسِهِ / جَفَّ السَحابُ بِها وَجَفَّ المَهَلُ
وَقَعَ الَّذي كُنّا نَخافُ وُقوعَهُ / فَعَلى المَنازِلِ وَحشَةٌ لا تَرحَلُ
أَشتاقُ لَو أَدري بِحالَةِ أَهلِها / فَإِذا عَرَفتُ وَدِدتُ أَنّي أَجهَلُ
لَم تُبقِ أَرجالُ الدَبى في أَرضِهِم / ما يُستَظَلُّ بِهِ وَلا ما يُؤكَلُ
أَمسَت سَمائُهُمُ بِغَيرِ كَواكِبٍ / وَلَقَد تَكونُ كَأَنَّها لا تَأفَلُ
يَمشونَ في نورِ الضُحى وَكَأَنَّهُم / في جُنحِ لَيلٍ حالِكٍ لا يَنصُلُ
فَإِذا اِضمَحَلَّ النورُ وَاِعتَكَرَ الدُجى / فَالخَوفُ يَعلو بِالصُدورِ وَيَسفَلُ
يَتَوَسَّلونَ إِلى الظَلومِ وَطالَما / كانَ الظَلومُ إِلَيهِم يَتَوَسَّلُ
أَمسى الدَخيلُ كَأَنَّهُ رَبُّ الحِمى / وَاِبنُ البِلادِ كَأَنَّهُ مُتَطَفِّلُ
يَقضي فَهَذا في السُجونِ مُغَيَّبٌ / رَهنٌ وَهَذا بِالحَديدِ مُكَبَّلُ
وَيَرى الجَمالَ كَأَنَّما هُوَ لا يُرى / وَيَرى العُيوبَ كَأَنَّما هُوَ أَحوَلُ
حالٌ أَشَدُّ عَلى النُفوسِ مِنَ الرَدى / الصابُ شَهدٌ عِندَها وَالحَنظَلُ
مالي أَنوحو عَلى البِلادِ كَأَنَّما / في كُلِّ أَرضٍ لي أَخٌ أَو مَنزِلُ
يا لَيتَ كَفّاً أَضرَمَت هَذي الوَغى / يَبِسَت أَنامِلُها وَشُلَّ المِفصَلُ
تَتَحَوَّلُ الأَفلاكُ عَن دَوَرانِها / وَالشَرُّ في الإِنسانِ لا يَتَحَوَّلُ
ما زالَ حَتّى هاجَها مَن هاجَها / حَرباً يَشيبُ لَها الرَضيعُ المُحوِلُ
فَالشَرقُ مُرتَعِدُ الفَرائِصِ جازِعٌ / وَالغَربُ مِن وَقَعاتِها مُتَزَلزِلُ
وَالأَرضُ بِالجُردِ الصَواهِلِ وَالقَنا / مَلأى تَجيشُ كَما تَجيشُ المِرجَلُ
وَالطَودُ آفاتٌ تَلوحُ وَتَختَفي / وَالسَهلُ أَرصادٌ تَجيءُ وَتَقفُلُ
وَالجَوُّ بِالنَقعِ المُثارِ مُلَثَّمٌ / وَالبَحرُ بِالسُفُنِ الدَوارِعِ مُثقَلُ
في كُلِّ مُنفَرِجِ الجَوانِبِ جَحفَلٌ / لَجِبٌ يُنازِعُهُ عَلَيهِ جَحفَلُ
ماتَ الحَنانُ فَكُلُّ شَيءٍ قاتِلٌ / وَقَسا القَضاءُ فَكُلُّ عُضوٍ مَقتَلُ
فَمُعَقَّرٌ بِثِيابِهِ مُتَكَفِّنٌ / وَمُجَرَّحٌ بِدِمائِهِ مُتَسَربِلُ
كَم ناكِصٍ عَن مَأزَقٍ خَوفَ الرَدى / طَلَعَ الرَدى مِنَ خَلفِهِ يَتَصَلصَلُ
شَقِيَ الجَميعُ بِها وَعَزَّ ثَلاثَةٌ / ذِئبُ الفَلاةِ وَنَسرُها وَالأَجدَلُ
حامَت عَلى الأَشلاءِ في ساحاتِها / فَرَقاً تَعِلُّ مِنَ الدِماءِ وَتَنهَلُ
لَهَفي عَلى الآباءِ كَيفَ تَطَوَّحوا / لَهَفي عَلى الشُبّانِ كَيفَ تَجَندَلوا
حَربٌ جَناها كُلُّ عاتٍ غاشِمٍ / وَجَنى مَرارَتَها الضَعيفُ الأَعزَلُ
ما لّضَعيفِ مَعَ القَوِيِّ مَكانَةٌ / إِنَّ القَوِيَّ هُوَ الأَحَبُّ الأَفضَلُ
تَتَنَصَّلُ السُوّاسُ مِن تَبِعاتِها / إِنَّ البَريءَ الذَيلِ لا يَتَنَصَّلُ
قَد كانَ قَتلُ النَفسِ شَرَّ جَريمَةٍ / وَاليَومَ يُقتَلُ كُلُّ مَن لا يُقتَلُ
وَالمالِكونَ عَلى الخَلائِقِ عَدلُهُم / جَورٌ فَكَيفَ إِذا هُم لَم يَعدِلوا
كَتَبوا بِمَسفوكِ النَجيعِ نُعوتَهُم / وَبَنوا عَلى الجُثَثِ العُروشَ وَأَثَّلوا
صَرَفَ الجُنودَ عَنِ المُلوكِ وَظُلمِهِم / قَولُ المُلوكِ لَهُم جُنودٌ بُسَّلُ
يا شَرَّ آفاتِ الزَمانِ المُنقَضي / لا جاءَنا فيكِ الزَمانُ المُقبِلُ
إِن أَبكِ سورِيّا فَقَبلِيَ كَم بَكى / أَعشى مَنازِلَ قَومِهِ وَالأَخطَلُ
ما بي الدِيارُ وَإِنَّما قُطّانُها / إِنَّ النُفوسَ لَها المَقامُ الأَوَّلُ
يا قَومُ إِن تَنسو فَلا تَنسوهُمُ / أَو تَبخَلوا فَعَلَيهِمُ لا تَبخَلوا
لَبّوا نِداءَ ذَوي المُروأَةِ وَالنَدى / لِيُقالَ أُمُّ الشَأمِ أُمٌّ مُشبِلُ
لا تَبتَغوا شُكرَ الأَنامِ وَأَجرَهُم / عَفوُ الإِلَهِ هُوَ الثَناءُ الأَجزَلُ
في كُلِّ يَومٍ بَينَكُم مُستَرفِدٌ / أَو طالِبٌ أَو راهِبٌ مُتَجَوِّلُ
يائتيكُمُ بادي الوِفاضِ فَيَنثَني / وَكَأَنَّما في بُردِهِ المُتَوَكِّلُ
يَبني بِمالِكُمُ القُصورَ لِأَهلِهِ / وَقُصورُكُم أَثوابُكُم وَالمَعمَلُ
قَد حانَ أَن تَستَيقِظوا فَاِستَيقِظوا / كَم تَخجَلونَ وَكُلُّهُم لا يَخجَلُ
يا لَيتَ مَن بَذَلوا نُضارَهُم لِمَن / خَبَأوهُ في أَكياسِهِم لَم يَبذُلوا
بَل لَيتَهُم جادوا عَلى ذي فاقَةٍ / فَحَرىً بِعَطفِ المُحسِنينَ المُرمِلُ
يا مَن نُريدُ صَلاحَهُ وَصَلاحَنا / إِنَّ العُدولَ عَنِ الهَوى بِكَ أَجمَلُ
أَيَبيتُ قَومُكَ فَوقَ أَشواكِ الغَضى / وَتَبيتُ تَخطُرُ بِالحَريرِ وَتَرفُلُ
أَينَ الهُدى يا مَن يُبَشِّرُ بِالهُدى / أَينَ التُقى يا أَيُّها المُزَّمِّلُ
ظَنَّت بِكَ الناسُ الظُنونَ وَإِنَّني / لَأَخافُ بَعدَ الظَنِّ أَن يَتَقَوَّلوا
لَكَ مُقلَةٌ فَاِنظُر بِها مُتَأَمِّلاً / قَد يَستَفيدُ الناظِرُ المُتَأَمِّلُ
لا قَدرَ لِلجُهَلاءِ حَتّى يَعمَلوا / لافَضلَ لِلعُلَماءِ حَتّى يَعمَلوا
سُكّانَ لُبنانَ العَزيزَ وَجِلَّقٍ / حَيّاكُمُ عَنّا النَسيمُ المُرسَلُ
لا نابَ غَيرَ عَدُوِّكُم ما نابَكُم / وَبَلَغتُمُ ما تَأمَلونَ وَنَأمَلُ
كَم تَتَّقونَ الطارِئاتِ وَنَتَّقي / كَم تَحمِلونَ الكارِثاتِ وَنَحمِلُ
لَو يَعقِلُ القَدَرُ الخَأونُ عَزَلتُهُ / وَعَذَلتُهُ لَكِنَّهُ لا يَعقِلُ
أَبكي وَأَستَبكي العُيونَ عَلَيكُمُ / أَيُّ الدُموعِ عَليكُمُ لا تَهطِلُ
إِن تَغفَلِ الدُنيا وَيَغفَل أَهلُها / عَنكُم فَخالِقُ أَهلِها لا يَغفَلُ
يالَيتَما رَجَعَ الزَمانُ الأَوَّلُ
يالَيتَما رَجَعَ الزَمانُ الأَوَّلُ / زَمَنُ الشَبابِ الضاحِكُ المُتَهَلِّلُ
عَهدٌ تَرَحَّلَتِ البَشاشَةُ إِذ مَضى / وَأَتى الأَسى فَآقامَ لا يَتَرَحَّلُ
وَلّى الصِبا وَتَبَدَّدَت أَحلاُهُ / أَودى بِهِ وَبِها قَضاءٌ حَوَّلُ
حَصَدَت أَنامُلُهُ المُنى فَتَساقَطَت / صَرعى كَما حَصَدَ السَنابِلَ مِنجَلُ
فَالروحُ قيثارٌ وَهَت وَتَقَطَّعَت / أَوتارُهُ وَالقَلبُ قَفرٌ مُمحِلُ
وَالشيبُ يَضحَكُ بَرقُهُ في لِمَتي / هَذي الضَواحِكُ يا فُؤادي أَنصَلُ
أَشتاقُ عَصرُكِ يا شَبيبَةُ مِثلَما / يَشتاقُ لِلماءِ النُمَيرِ الأَيِّلُ
إِذا كانَتِ الدُنيا بَِعَيني هَيكَلاً / فيهِ الإِهاتُ الجَمالِ تَرتُلُ
مِن كُلِّ حَسناءَ كَأَنَّ حَديثَها / السَلوى أَوِ الوَحيُ الطَهورُ المُنزَلُ
وَأَنا وَصَحبِيَ لا نُفَكِّرُ في غَدٍ / فَكَأَنَّ لَيسَ غَدٌ وَلا مُستَقبَلُ
نَلهو وَنَلعَبُ لا نُبالي ضَمَّنا / كوخٌ حَقيرٌ أَم حَوانا مَنزِلُ
نَتَوَهَّمُ الدُنيا لِفَرطِغُرورِنا / كَمُلَت بِنا وَلِغَيرِنا لا تَكمُلُ
وَنَخالُ أَنَّ البَدرَ يَطلِعُ في الدُجى / كَيما يُسامِرُنا فَلا نَتَمَلمَلُ
وَنَظُنُّ أَنَّ الرَوضَ يَنشُرُ عِطرَهُ / مِن أَجلِنا وَلَنا يُغَنّي البُلبُلُ
فَكَأَنَّما الأَزهارُ سِربَ كَواعِبٍ / وَكَأَنَّما هُوَ شاعِرٌ يَتَغَزَّلُ
في كُلِّ مَنظورٍ نَراهُ مَلاحَةً / وَسَعادَةً في كُلِّ ما نَتَخَيَّلُ
لا شَيءَ يُزعِجُ في الحَياةِ نُفوسَنا / لا طارِئٌ لا عارِضٌ لا مُشكِلُ
فَكَأَنَّنا في عالَمٍ غَيرِ الَّذي / تَتَزاحَمُ الأَيدي بِهِ وَالأَرجُلُ
وَكَأَنَّنا رَهَطُ الكَواكِبِ في الفَضا / مَهما جَرى في الأَرضِ لا تَتَزَلزَلُ
الناسُ في طَلَبِ المَعاشِ وَهَمُّنا / كَأسٌ مُشَعشَعَةٌ وَطَرفٌ أَكحَلُ
كَم عَنَّفونا في الهَوى وَاِستَرسَلوا / لَو أَنَّهُم عَزَفوا الهَوى لَم يَعذِلوا
وَلَوَ اِنَّهُم ذاقوا كَما ذُقن الرُأى / شَبِعَت نُفوسُهُم وَإِن لَم يَأكُلوا
زَعَموا تَبَذَّلنا وَلَم يَتَبذَّلوا / إِنَّ الحَقيقَةَ كُلُّنا مُتَبَذِّلُ
حُرِموا لَذاذاتِ الهُيامِ وَفاتَنا / دَرَكُ الحُطامِ فَأَيُّنا هُوَ أَجهَلُ
إِنّي تَأَمَّلتُ الأَنامَ فَراعَني / كَيفَ الحَياةُ بِهِم تَجُدُّ وَتَهزُلُ
لا يَضبُطونَ مَعَ الصُروفِ قَيادَهُم / إِلّا كَما ضَبَطَ المِياهَ المِنخَلُ
بَينا الفَتى مِلءَ النَواظِرِ وَالنُهى / فَإِذا بِهِ رَقمٌ خَفِيٌّ مُهمَلُ
يا صاحِبي وَالعُمرُ ظَلَّ زائِلٌ / إِن كُنتَ تَأمَلُ فيهِ أَو لا تَأمَلُ
الذِكرُ أَثمَنُ ما اِقتَنَيتَ وَتَقتَني / وَالحُبُّ أَنفَسُ ما بَذَلتَ وَتَبذُلُ
قيلَ اِغتَنى زَيدٌ فَلَيتَكَ مِثلَهُ / أَنا مِثلُهُ إِن لَم أَقُل أَنا أَفضَلُ
الشَمسُ لي وَلَهُ وَلَألاءُ الضُحى / وَالنَيِّراتُ وَمِثلُنا المُتَسَوِّلُ
أَمّا النُضارُ فَإِنَّهُ يا صاحِبي / عَرَضٌ يَزولُ وَسِعَةٌ تَتَنَقَّلُ
ما دُمتُ في صَحبي وَدامَ وَفائُهُم / فَأَنا الغَنِيُّ الحَقُّ لا المُتَمَوِّلُ
أَنا لَستُ أَعدَلُ بِالمَناجِمِ واحِداً / وَأَبيعُ مَن عَقَلوا بِما لا يُعقَلُ
أَودى فَنورُ الفَرقَدَينِ ضَئيلُ
أَودى فَنورُ الفَرقَدَينِ ضَئيلُ / وَعَلى المَنازِلِ رَهبَةٌ وَذُهولُ
خَلَقَ الأَسى في قَلبِ مَن جَهِلَ الأَسى / قَولُ المُخَبِّرِ ماتَ رافائِلُ
فَمِنَ الجَوى بَينَ الضُلُعِ صَوَعِقٌ / وَعَعَلى الخُدودِ مِنَ الدُموعِ سُيولُ
قالَ الَّذي وَجَدَ الأَسى فَوقَ البُكا / وَبَكى الَّذي لايَستَطيعُ يَقولُ
يا مُؤنِسَ الأَمواتِ في أَرماسِها / في الأَرضِ بَعدَكَ وَحشَةٌ وَخُمولُ
لا الشَمسُ سافِرَةٌ وَلا وَجهُ الثَرى / حالٍ وَلا ظِلُّ الحَياةِ ظَليلُ
ما زالَ هَذا الكَونُ بَعدَكَ مِثلَهُ / لَكِنَّ نورَ الباصِراتِ كَليلُ
نِبراسُنا في لَيلِ كُلِّ مُلِمَّةٍ / اللَيلُ بَعدَكَ حالِكٌ وَطَويلُ
هَبني بَيانَكَ إِنَّ عَقلِيَ ذاهِلٌ / ساهٍ وَغَربُ بَراعَتي مَفلولُ
قَد فَتَّ في عَضُدِ القَريضِ وَهَدَّهُ / هَولُ المُصابِ فَعِقدُهُ مَحلولُ
ما لي أَرى الدُنيا كَأَنّي لا أَرى / أَحداً كَأَنَّ العالَمينَ فُضولُ
أَبكي إِذا مَرَّ الغِناءُ بِمَسمَعي / فَكَأَنَّ شَدوَ الشاضِياتِ عَويلُ
نَفسي الَّتي عَلَّلَتني بِلِقائِهِ / اليَومَ لا أَمَلٌ وَلا تَعليلُ
ذوبي فَإِنَّ العِلمَ مادَ عِمادُهُ / وَالدينَ أُغمِدَ سَيفُهُ المَسلولُ
هَذا مَقامٌ لا التَفَجُّعُ سُبَّةُ / فيهِ وَلا الصَبرُ الجَميلُ جَميلُ
ما كُنتُ أَدري قَبلَ طارَ نَعِيُّهُ / أَنَّ النُفوسَ مِنَ العُيونِ تَسيلُ
ما أَحمَقَ الإِنسانَ يَسكُنُ لِلمُنى / وَالمَوتُ يَخطُرُ حَولَهُ وَيَجولُ
يَهوى الحَياةَ كَأَنَّما هُوَ خالِدٌ / أَبَداً وَيَعلَمُ أَنَّهُ سَيَزولُ
وَمِنَ العَجائِبِ أَن يَحِنَّ إِلى غَدٍ / وَغَدٌ وَما يَأتي بِهِ مَجهولُ
لا تَركُنَنَّ إِلى الحَياةِ فَإِنَّها / دُنيا هُلوكٌ لِلرِجالِ قَتولُ
سَكَتَ الَّذي راضَ الكَلامَ وَقادَهُ / حَتّى كَأَنَّ لِسانَهُ مَكبولُ
يا قائِلَ الخُطَبِ الحِسانِ كَأَنَّها / لِجَمالِها الإِلهامُ وَالتَنزيلُ
إِنَ كانَ ذاكَ الوَجهُ حَجَّبَهُ الثَرى / لِلنَجمِ في كَبِدِ السَماءِ أُفولُ
لَيسَ الحِمامُ بِناقِدٍ لَكِنَّما / قَدَرُ العَظيمِ عَلى العَظيمِ دَليلُ
نَم تَحرُسِ الأَملاكُ قَبرَكَ إِنَّهُ / فيهِ الوَقارُ وَحَولَهُ التَبجيلُ
فَلَكَم قَطَعتَ اللَيلَ خافٍ نَجمُهُ / مُتَجَهِّداً وَالساهِرونَ قَليلُ
مُستَنزِلاً عَفوَ الإِلَهِ عَنِ الوَرى / حَتّى كَأَنَّكَ وَحدَكَ المَسؤولُ
تَبغي اللَذاذاتِ النُفوسُ وَتَشتَهي / وَاللَهُ ما تَبغيهِ وَالإِنجيلُ
لَولا مَدارِسُ شُدتَها وَكَنائِسٌ / ما كانَ إِلّا الجَهلُ وَالتَعطيلُ
أَنفَقتَ عُمرَكَ في الإِلَهِ مُجاهِداً / أَجرُ المُجاهِدِ في الإِلَهِ جَزيلُ
ليت الذي خلق الحياة جميلة
ليت الذي خلق الحياة جميلة / لم يسدل الأستار فوق جمالها
بل ليته سلب العقول فلم يكن / أحد يعلّل نفسه بمنالها
للّه كم تغري الفتى بوصالها / وتضنّ حتى في الكرى بوصالها
تدنيه من أبوابها بيمينها / وتردّه عن خدرها بشمالها
كم قلت هذا الأمر بعض صوابها / فوجدته بالخير بعض محالها
ولكم خدعت بآلها وذمته / ورجعت أظمأ ما أكون لآلها
قد كنت أحسبني أمنت ضلالها / فإذا الذي خمّنت كلّ ضلالها
إنّ النفوس تغرّها آمالها / وتظلّ عاكفة على آمالها
حتى رأيت الشمس تلقي نورها / في الأرض فوق سهولها وجبالها
ورأيت أحقر ما بناه عنكب / متلففا ومطوّقا بحبالها
مثل الفصور العاليات قبابها / ألشامخات على الذّرى بقلالها
فعلمت أنّ النفس تخطر في الحلى / والوشى مثل النفس في أسمالها
ليست حياتك غير ما صوّرتها / أنت الحياة بصمتها ومقالها
ولقد نظرت إلى الحمائم في الربى / فعجبت من حال الأنام وحمالها
للشوك حظّ الورد من تغريدها / وسريكه من بعد إعرالها
تشدو وصائدها يمدّ لها الردى / فاعجب لمحسنه إلى مغنالها
فغبطتها في أمنها وسلامها / ووددت لو أعطيت راحة بالها
وجعلت مذهبها لنفسي مذهبا / ونسجت أخلاقي على منوالها
من لجّ في ضيمي تركت سماءه / تبكي علّي بشمسها وهلالها
وهجرت روضته فأصبح وردها / لليأس كالأشواك في أذغالها
وزجرت نفسي أن تميل كنفسه / عن كوثر الدنيا إلى أوحالها
نسيانك الجاني المسيء فضيلة / وخمود نارجدّ في إشعالها
فاربأ بنفسك والحياة قصيرة / أن تجعل الأضغا ن من أحمالها
زمن الشباب رحلت غير مذّمم / وتركت للحسرات قلبي الوالها
دّبت عقاربها إليه تنوشه / ورمت بقاياه إلى أصلالها
لم يبق من لذّاته ألاّ الرؤى / ومن الصبابة غير طيف خيالها
ومن الكؤوس سوى صدى رنّاتها / والراح غير خمارها وخيالها
يا جنّة عوجلت عن أثمارها / ولذاذة عربت من سربالها
ما عليها شيء سوى اضمحلالها / والذنب للأقدار في اضمحلالها
ومليحة في وجهها ألق الضحى / والسحر والصهباء في أقوالها
قالت: أينسى النازحون بلادهم ؟ / ما هاج حزن القلب غير سؤالها
الأرض سوريّا أحبّ ربوعها / عندي ولبنان أعزّ جبالها
والناس أكرمهم علّي عشيرها / روحي الفداء لرهطها ولآلها!
والشهب أسطعها التي في أفقها / ليس الجلال الحقّ غير جلالها
وأحبّ غيث ما همى في أرضها / حتى الحيا الباكي على أطلالها
مرح الصّبا الجذلان في أسحارها / ومنى الصّبا الولهان في آصالها
إني لأعرف ريحها من غيرها / بنوافح الأشذاء في أذيالها
تلك المنازل كم خطرت بساحها / في ظلّ ضيغمها وعطف غزالها
وشذوت مع أطيارها وسهرت مع / أقمارها ورقصت مع شلاّلها
وسجدت للإلهام مع صفصافها / وضحكت للأحلام مع وزّالها
وملأت عقلي حديث شيوخها / وأخذت شعري من لغى أطفالها
تشتاق عيني قبل يغمضها الردى / لو أنها اكتحلت ولو برمالها
مرّت بي الأعوام تقفو بعضها / وثب القطا تعدو إلى آجالها
وتعاقبت صور الجمال فلم يدم / في خاطري منها سوى تمثالها
لم أنس حين مشت إلّي
لم أنس حين مشت إلّي / لما رأتني باسما متهللا
قالت أتطرب والمنايا حوّم / في الأرض كيف رمت أصابت مقتلا؟
أنظر فقد خلت البيوت من الشباب / ولا جمال لمنزل منهم خلا
فسألتها أو ليس من أجل العلى / وهنائنا خاضوا الوغى قالت بلى
يا هذه أإذا بكيت لبعدهم / يتبسمون أجابت الحسناء لا
كفّي الملام إذن فما أنا جاهل / ما تعلمين وكيف لي أن أجهلا
لكن بعثت الفكر في آثارهم / في البحر في الأجواء في عرض الفلا
فرأيت نور المجد فوق بنودهم / ورأيتهم يمشون من نصر إلى
سدّوا على الباغي المسالك كلّها / فالموت إن ولى وإن هو أقبلا
فإذا شممت اليوم رائحة الدماء / وطالعت عيناك آثار البلى
فاستبشري فغدا إذا النقع انجلى / ستعود دنيانا أحبّ وأجملا
ما للهموم الطارقات ومالي
ما للهموم الطارقات ومالي / أسهرنني ورقدن عن أوجالي
أمسين ملء جوانحي ما نابني / خطب ولا خطر الغرام ببالي
أهوى وقد عبث المشيب بمفرقي / ليس الغواية للكبير البالي
ما ثم داء يستطار له الكرى / ما ثم غير كآبة وملال
أرعى الشواقب في الظّلام كأنها / زهر الحدائق أو نثير لآلي
وكأنّما شوك القتاد بمضجعي / وكأنّ حشو وسادتي بلبالي
حتى إذا عكفت علّي وساوسي / ونبا الفراش نزعت للتّجوال
فخرجت كالمنشور بعد مماته / وركبت متن اللّيل غير مبال
وذهبت أخترق المسالك مدلجا / وكأنما أطلقت من أغلال
أسعى وما غاية أسعى لها / سعيي إلى أمل من الآمال
فاستوقفتني ضجة في حانة / حبست مقاعدها على الجهّال
حلموا على الصّهباء يرتشفونها / كالطّير حول مصفّق سلسال
في غفلة العذّال في غسق الدّجى / إنّ السعادة غفلة العذّال
نهب الكؤوس عقولهم ونضارهم / نهب المدير الخادع الختّال
أمسى يسوق إليهم آجالهم / وحتوفهم في صورة الجريال
شرّ الشراب الخمر يصبح صبّها / قيد الضّنى ويبيت رهن خبال
يا سالب الأرواح بعض ترفّق / يكفيك أنّك سالب الأموال
لا تدفعنّ تلك النفوس إلى الرّدى / إنّ النفوس وإن صغرن غوالي
وإذا بمخمور يتيه معربدا / خبل به ما ذاك تيه دلال
حيران مضطرب الخطى فكأنما / قد راح يمشي فوق جمر صال
متخمّط في سيره متأوّد / كالغصن بين صبا وبين شمال
عقد الشراب لسانه ولقد يرى / طلقا وفك مجامع الأوصال
فكبا كما يكبوا الجواد على الثّرى / شدّت عليه فوادح الأثقال
وتقدّم الشّرطي يمشي نحوه / مشي الفخور بنفسه المختال
متلفتّا عن جانبيه كعاشق / متلفّت حذر الرقيب القالي
ورأيته وبنانه في جيبه / فعلمت سرّ تلفّت المحتال
لا تعجبوا مما أحدثكم به / كم تحت ذاك الثّوب من نشّال
ثمّ انثنى متبسّما وإذا فتى / غضّ الإرهاب ممزّق السّربال
وافى فحرّكه فألقى جثة / همدت فأجفل أيّما إجفال
وحتى عليه يضمّه ودموعه / تنهلّ مثل العارض الهطّال
وأتى ذويه نعيه فتألّبوا / والغيد تعول أيّما إعوال
أرخصن ماء الجفن ثمّ أذلته / ولقد يكون الدّمع غير مذال
ولقد شهدت صغاره في حيرة / من أمرهم لهفي على الأشبال
لا يفقهون الحزن غير تأوّه / ما الحزن غير تأوه الأطفال
ما كنت أعلم قبلما حفوا به / أنّ الشقيّ الجدّ ربّ عيال
أسفي عليه مضرّجا لم تمتشق / يده الحسام ولم يسر لقتال
أودى ضحية جهله كم بائس / أودى شهيد الجهل والاهمال
فرجعت مصدوع الفؤاد أبثكم / شجوي وأندب حاله العمّال
باتوا من الأرزاء بين مخالب / من دونهن مخالب الرئبال
خطران من جهل وفقر ماالردى / غير اجتماع الجهل ولاقلال
فخذوا بناصرهم فإنّ حياتهم / في مأزق حرج من الأهوال
ما أجدر الّجهلاء أن يتعلّموا / فالعلم مصدر هيبة وجلال
فاسعوا لنشر العلم فيهم إنّما / فضل الغمام يبين في الامحال
إنّ الجهول إذا تعلّم واهتدى / بثّ الهدى في صحبه والآل
يا قوم إن لم تسعفوا فقراءكم / فلم ادّخاركم إذن للمال
هلاّ رضيتم بالمحامد قنية / إنّ المحامد قنية المفضال
أو لستم أبناء من سارت بهم / في المكرمات روائع الأمثال
جودا فغير الحمد غير ملّد / ما المال إنّ المال طيف خيال
هيهات ما يبقى ولو عدد الحصى / أنّى يدوم وربه لزوال
يا ليتما خلق الزمان أميلا
يا ليتما خلق الزمان أميلا / إني أراه كالشّباب جميلا
ولّى فودّعت السماء بهاءها / من بعده هوى النّهار عليلا
جنحت ذكاء إلى الغروب كأنما / تبغي رقادا أو تريد مقيلا
وتناثرت قطع السحاب كأنها / الجيش الملّهام إذا انثنى مفلولا
هذا وقد بسط السكون جناحه / والليل أمسى ستره مسدولا
قد بات كلّ مسهّد طوع الرّقاد / وكلّ جفن بالكرى مكحولا
إلا مهفهفة بها نزل الهوى / ضعيفا ولكن لا يريد رحيلا
غيداء قد وصلت ذوائبها الثّرى / أني لأحسد ذلك الموصولا
تحكي المدامة رقة وقساوة / تحكي المهاة لواحظا وتليلا
ماء الحياء يجول في وجناتها / فكأنّ في تلك الكؤوس شمولا
والخدّ أبهج ما يكون موردا / والطرف أفتن ما يكون كحيلا
نظرت وربّ منية من نظرة / قد كان عنها ربّها مشغولا
فهوت وربّ هوى تنال به تامنى / وهوى ينال به الحمام نبيلا
والحبّ مصدره العيون وربّما / تخذ السماع إلى القلوب سيلا
فإذا عشقت فلا تلم أحدا سوى / عينيك إنّ من العيون قتولا
ودّت وقد نال الذّبول خدودها / لو أن في الشّوق المقيم ذبولا
وإذا تملّكت الصّبابة في امرىء / لم بجد عذل العاذلين فتيلا
سمعت دويا في الظّلام فهرولت / مذعورا بعد الوقوف طويلا
وأنين مختضر يقول قتلتني / ثكلتك أمّك لم أنل مأمولا
تعدو وتجذبها روادفها إلى / خلف فتجهد خضرها المتبولا
فكأنّ في ذاك الوشاح متّيما / وكأنّ في ذاك الإزار عذولا
تخذت من اللّيل المخّيم صاحبا / ومن الأنين إلى الأنين دليلا
تبغي الوّقوف على حقيقة أمره / تبغي حليلا لا تراه جليلا
وتدير في تلك البنان مسدّسا / تركت قذائفه السهام فضولا
في طرفه كمن الهلاك فلو رنا / طرف الزّمان إليه عاد كليلا
قد أسكنت أكر الرّصاص جفونه / فكأنّ أكبادا تجنّ غليلا
يحمي الضعيف من القوي وربّما / قتل الجبان به الفتى البهلولا
ومن الأسى لم تعرف الحسنار هل / قطعت ذراعا في السّرى أم ميلا
حتى إذا رأيت المراد وما رأت / إلا خيالا واقفا مجهولا
حسبته قاتل من تحبّ وأيقنت / أنّ الذي علقت به المقتولا
فدنت وأطلقت المسدّس نحو من / بصرت به عرضا فخرّ قتيلا
صرعت فتى صرع الرّقيب وجندلت / أسدا يخرّ له الهزير ذليلا
كالبدر حسنا كالغمام سماحة / كالغصن غضّا كالحسام صقيلا
ثبت الجنان قويّة عف الإزارنقيّه / ما خان قطّ خليلا
هذا هو الدّنف الذي أرضى الهوى / فيها وأغضب كاشحا وعذولا
ما نال بعد جهاده إلا الرّدى / والبدر يكسيه المسير أفولا
لم تعلم الحسناء أنّ قتيلها / من لم تر أبدا سواء جميلا
عرفت وذلك عندما طلع الضّحى / ورأت عيانا نعشه محمولا
لم يبلغوا القبر المعدّ لدفتيه / إلا وقد بلغ الرّدى العطبولا
يا صاحبي إن جزت في قبريهما / فاتل السّلام عليهما ترتيلا
من شاعر ما حرّك الغصن الهوا / إلا تذّكر وردة وإميلا
للّه ما أحلى البشير وقوله
للّه ما أحلى البشير وقوله / سقط الهلال إلى الحضيض ودالا
بشرى نسينا كلّ شيء قبلها / النّاس والدّولات والأجيالا
ردّت على الشّيخ المسنّ شبابه / وعلى الحزين اليائس الآمالا
وعلى الصّديق صديقه وعليهما / أبويهما وعلى الأب الأطفالا
لو سلوم الخلق الّذي وافى بها / بذلوا له الأرواح والأموالا
من مبلغ الأبطال عني أنّني / أهوى القروم الصّيد والأبطالا
بالأمس قطّعت الجزيرة قيدها / ورمت بوجه الغاشم الأغلالا
واليوم ودّعت المظالم أختها / ومشت تجر ذيولها إدلالا
أبنات أورشليم ضمّخن الثّرى / بالطّيب واملأن الدّروب جمالا
حتّى يمرّ الفاتحون فإنّهم / كشوا الأذى عنكنّ والإذلالا
فاخلعن أثواب الكآبة والأسى / وألبسن من نور الضّحى سربالا
وانفخن بالبسمات كلّ سيمذع / خاض العجاج ووجهه يتلالا
هذا مجال للفتى أن يزدهي / فيه وللحسناء أن تختالا
يا قائد الصّيد الغطارفة الألى / تحنى الرؤوس لذكرهم إخلالا
ظنّ المغول جنودهم تحميهم / والقرد يحسنه أبوه غزالا
فتألّبوا وتهدّدوا وتوّعدوا / حتّى طلعت فأجفلوا إجفالا
ذعر الطّيور سطا عليهم باشق / وبنات آوى أبصرت رئبالا
كم حجفل بعثوا إليك مع الدّجى / لاقاه جيشك والصّباح فزالا
طاردتهم فوق الجبال وتحتها / كالليث يطرد دونه الأوعالا
فملأت هاتيك الأباطح والرّبى / بجسومهم وملأتهم أهوالا
وحميت إلاّ السّهد عن أجفانهم / ومنعت إلاّ عنهم الأوجالا
ساقوا إليك مثنهم وألوفهم / فرقا وسقت إليهم الآجالا
وصنعت من أسيافهم ودروعهم / لرقابهم وزنودهم أغلالا
لو لم تساقطهم إليك جبالهم / عند الضحى زلزلتها زلزالا
إن يأمنوا وجدوا المنايا يمنة / أو يأسروا وجدوا الجيوش شمالا
وشكت خيولك في اليادين الوجى / فجعلت أرؤسهم لهنّ نعالا
ورأوك قد عرّضت صدرك للظّبى / عند الحصون فعرّضوا الأكفالا
هنّئت بالنّصر المبين فإنه / نصر يعزّ على سواك منالا
هذي القلوب نسجتها لك أحرفا / لو أستطيع صنعتها تمثالا
أرضيت موسى والمسيح وأحمدا / والنّاس أجمع والإله تعالى

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025