القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد زكي أبو شادي الكل
المجموع : 10
رَف الربيعُ على الشتاءِ الماحل
رَف الربيعُ على الشتاءِ الماحل / ورقدتَ أنت صريع هذا الساحل
اصغرتَ آلافَ الفراسخ جائزا / هذا العباب كعابر لجداول
وقدمتَ تُزجيك المحبة والوفا / هَزِجاً تدوس على عديد حوائل
أنَّى ترحَّل أو أقام فَحوله / زُمَرٌ تَحَّدثُ عن نهىً وشمائلِ
متهللاً معنى الشباب رواوءه / وخلاله كحديثه المتفائل
تتفيأُ الألبابُ في آدابه / وكأنَّها من أنسه بخمائل
ماذا دهاك وأنتَ زينةُ مجلسٍ / ورجاءُ أحبابِ ونفحةُ بابل
حتى سكنت الى الممات وطالما / قد كنت تهزأ بالممات الهازل
كنتَ الرياضيَّ العفيفَ مُساجلاً / فسقطت من غدر المصاب الهائل
كنت المثقف والأديب حياتهُ / هبةُ الفنونِ لأمةٍ ومحافل
وذهبت لا هذى الدموع سخينة / تكفى لتبيان العذاب الجائل
كلا ولا الأديان فيما فسرت / لتجيب عن ظُلم القضاءِ الخاذل
أو حيرةُ المتبادلين عزاءهم / لتحَّد من ذُعر الحزين الذاهل
جاء الممات من الحياة وقبله / جاء الوجود من الفناء الشامل
صور تضل لها العقول وربما / أغنى الغبُّى عن الحصيف العاقل
والعمرُ كيف العمر حظّ مقامرٍ / والحُّق كيف الحُّق أفظع باطل
ضيعتُ فلسفتي مراراً صاغرا / ووأدتُ تعزيتي أمام القاتل
إن كان إعزازُ الكمال فناءَه / فالحمقُ ان نحيا حياة الكامل
ونرى السوائم راتعين بنعمةٍ / ونرى المواهب في الحضيض السافل
ونرى الصباحَةَ والقسامَةَ في الثرى / ونرى الحقارة في أعزّ منازل
يا من عَددتُكَ في صميم جوارحي / ولدى ومن زودتُ منه فضائلي
فيمَ الرثاءُ وذاك عُرسكُ قادمٌ / أيصير عرسك لحن قلب الثاكل
كنا نهيئ مسعدين شرابه / فسقى الردى نخب الشباب الآفل
إن كان هذا عدل دنيا حرةٍ / بئسَ الجزاء من القضاء العادل
من أنبأ الغيدَ الحمائمَ أنَّهُ
من أنبأ الغيدَ الحمائمَ أنَّهُ / آتٍ لنا فَخففن لاستقبالهِ
هُنَّ الوداعةُ مثلض شكلِ قصيدةٍ / شمخت معانيها لقلبِ الواله
يرقصنَ في ضوء الربيعِ كأنما / جاءت أشعَّتهُ نشيدَ ظِلالِهِ
والقطرُ مِثلَ الحبِّ ينثرُ حولها / فَرِحاً ومثلَ الحبِّ في إقباِلهِ
متزحلقاتٍ كالغواني قُربها / فوقَ الجليدِ يرف مِلءَ جمالِهِ
والزهر في الأحواضِ وهو مُقيَّدٌ / حُرُّ يطيرُ بِعطرِهِ وخيالهِ
صورٌ توَحدت الطبيعةُ وانتشت / فيها فكُّل شاعرٌ بمثالِهِ
بمدينةٍ تاهَ الجمالُ بمجدِها / شعراً تلألأ ساحراً بكمالِهِ
أنَّى مشيت بها لمستَ جلالها / متواضعاً حتى لدى جُهّالهِ
سمقت كنفحِ روائع علويَّةٍ / للفنِّ وانتصرت على خُذَّاله
مهما وَصَفتُ لهن أوّفى حَقَّها / أو حَقَّهُ بنوا لها نواله
وَعَلامَ وصفي حين من أُهدى له / شعرِي يُحُّس بما أحُّس كآلِهِ
لمن النجومُ رقصنَ فوقَ خميلةٍ
لمن النجومُ رقصنَ فوقَ خميلةٍ / قُبلاً وأحلاماً تَرف طويلا
وخفقنَ ألواناً حملنَ عواطفاً / وأضأنَ أنغاماً تردُ جميلا
لمن التهَّللُ في الغصون نواعساً / سَكرىَ فأيقظها النسيمُ بليلا
لمن الثلوجُ وقد نُثرنَ جواهراً / بِيدِ الألوهةِ تستحث بخيلا
ساوت فما تركت عزيزاً مُفرداً / وَحَبت فلم تَذرَ الفقيرَ ذليلا
لِمن الحمائمُ قد طلعن عرائساً / سَفرت وأرسلت النشيدَ هَديلا
كانت يُحجِّبها الصقيعُ فردَّهَا / للناسِ تعييدٌ يَعُّز مثيلا
ورأت حُبور الناسِ دفأ مُنعشاً / من بَعدِ ما كان الجليدُ ثقيلا
لمن الطفولةُ في تحُّررِ بهجةٍ / لم تَرضَ عنها في السرورِ بديلا
غُصَّت حوانيتُ الهدايا حولها / بجميع ما فد جاوزَ التخييلا
وكأنّما اللعُّبُ استقلت مثلها / بالعيدِ واحتفلت به تمثيلا
لمن المعابدُ والمسارحُ اشرقت / أَمماً تقدّسُ رائعاً وجميلا
لمن الأناشيدُ الحبيبةُ رَدَّدت / لحنَ السلامِ مُسلسلاً ونبيلا
لمن الهوىَ والفُّن حينَ تألقَّا / طُهراً وحين تباريا تقبيلا
لمن التَّهلُّلُ والجميعُ كأنَّهم / أطفالُ لم يستمرئوا التحويلا
دُنيا السماحةِ والتحُّررِ والنَّدى / شَعَّت وما خَذلت بها تأميلا
وَكَسا منازِلنا نعيماً سابِغا / رُوحٌ باشهى الصفوِ كانَ كفيلا
لمن المظاهرُ والحقائقُ هذهِ / عَجباً كأنَّ البؤسَ رُدَّ قَتيلا
وَكَأنمَّا الظلمُ الرهيبُ قد انتفى / والعدلُ أصبحَ كالجمالِ ظليلا
هي بعضُ وجدانِ الوجودِ يَزفه / حُبَّاً لمن هو أطلعَ الإنجيلا
من لا تزالُ على السماءِ عظاتُه / هذى الشموسُ تُواكبُ التنزيلا
من روُحه روحُ الإِله وِسُّرهُ / سرُّ الحياةِ على الأبُودِ نزيلا
من عَلَّمَ الإنسانَ قيمةً نفسه / لو شاءَ حَظَّاً في الحياةِ جليلا
بُوركتَ ميلادَ المسيحِ وبُوركت / مُثلٌ رُفعتَ لنا وجئتَ مُنيلا
من عاشَ يُكرِمها فما ضاقت به / دُنيا ولا وَجدَ السلامَ ضئيلا
ألقاكَ في وطني الحبيب الأوَّلِ
ألقاكَ في وطني الحبيب الأوَّلِ / ولئن تكن قُربى ولم تتَّرحَل
لستَ الغريبَ ولستُ عنه مُغربَّاً / فَبكلِّ دارٍ فيه ألمحُ منزلي
فَتلقَّ من قلبيِ الوفيِّ تحيةً / هيَ من أشعَّةِ مصرَ لم تتبدل
ولو أن فيها من دُموع مشاعري / نَغماً يذوبُ إلى الحبيبِ الأوّلِ
ولو ان فيها من حنينِ عُروبتي / لحناً أَعمَّ ومن هواىَ ومأمليِ
حُيِّيت عيسى أينَ كنت فإنَّما / تَلقى غِراسَ السابقِ المتفضل
في كلِّ قُطرٍ للعروبةِ نَشوةٌ / بلقاءِ أكثم أو لقاءِ الأخطلِ
وبكلِّ ركن للحميِّةِ والهدى / للمسلمين تَحل أطيبَ مَنزل
يا من فَتنت الجيلَ غيرَ مدافعٍ / بجنانه وحديثه المتهلل
يا من بذلتَ من الفؤادِ مُضحِّياً / في دفعِ مَظلمةٍ ورفعِ مُؤملِ
يا من له غُررُ المواقفِ عّدُّها / لا يُستباحُ لو انتهت لِلمجتلى
يا صاحبَ الأدبِ الرفيع تَفننُّاً / وَمُجلجلَ الصوتِ النبيلِ الأكملِ
أنظر حيالكَ لا تجد إلاّ مُنى / رُسُلاً من الشعبِ الجريح الُمغفلِ
ولأنتَ أحصفُ بل وأكيسُ سامعاً / أو قائلاً أو عاملاً من مقولى
هذى تحَّيةُ وامقٍ بك واثقٍ / متطِّلع لبزوغِ عَهدِ أجمل
حتى يُقبِّلَ تُربَ مصر مُرحبِّاً / بكَ مرةً أخرى بشعرٍ أَمثل
وَيزفَّ ملحمةَ الخلودِ تألقت / بروائعِ الماضي إلى المستقبل
أديتَ واجبكَ المقدَّسَ كاملاً
أديتَ واجبكَ المقدَّسَ كاملاً / وتركتَ للأجيالِ ذكركَ شاغلا
مهلاً أبا الأحرار مهلاً إن تكن / أعمارُ مثلك كالشموسِ مراحلا
إنَّا بنى الأرضِ الذين شقاؤهم / باقٍ نودِّعُ فيكَ ظلاًّ راحلا
كنا نَفئُ إليكَ في آلامنا / ونرى رجاحَتكَ الملاذَ الكاملا
والآنَ واحتنا الفسيحةُ أصبحت / حُلماً وعانقت الفناءَ الهائلا
كَم كان خصمك خاذلاً ليقينه / وأبيتَ أن تلفىَ لخصمك خاذلا
ولكم أغثتَ من الكوارث جاحداً / وفككت مغلولاً فراحَ مُخاتلا
ولكم رددتَ من السهامِ مكافحاً / ولكم غَضضتَ عن العداءِ مُجاملا
وعُرفتَ في الحالينِ أكرمَ كَيسٍ / نسىَ الإساءةَ بل أقالَ الجاهلا
قد بحَّ صوتُك هادياً ومنادياً / أمماً بنكبتها تُطيعُ الهازلا
وإذا تيقَّظَ أى شعبٍ ببنها / ألفيته الأسرَ المسئَ الغافلا
يا ليتها في الرُّزءِ تدفن عجزَها / شمماً وتدفنُ ذلةً وسلاسلا
صورٌ تزاحمَ رسمها في عبرتَيِ / لما أتيتك راثياً ومُسائلا
يا ضيعةَ الإنسانِ في استعلائه / وكأنما بالمجدِ أصبحَ زائلا
ولقد بَحثتُ فما غَنمتُ حقيقةً / ودفنتُ آمالي وعشتُ الثَّاكلا
وسَخرتُ من علمي ومن أدبي معاً / وأبيتُ أن أُدعى الحكيمَ العاقلا
وظللتُ يقذفني الخضم بموجهِ / من بعدِ ما أبصرتُ فيك الساحلا
ولو ان إنشادى الدماءُ لشاعرٍ / حملَ الجراح ولم يزل مُتفائلا
أبداً يصارعُ عقلهُ وجدَنهُ / ويَرىَ الوجودَ مآسياً ومهازلا
ويرى مماتَ النابهينَ جريمةً / مهما تُسَّوغَ والقضاءَ القاتلا
أرقد صديقي في خلودك وَحدهُ / إن لم نَجد نحنُ الخلودَ الشاملا
أرقد فحسبك ما حَملت من الأذَى / وداع الممات يُميتُ داءكَ عاجلا
فلقد خلقتَ بما صنعتَ مآثراً / ملءَ البيانِ خوالداً وحوافلا
لو يعرف الطِّبُ الصَّناعُ وسيلةً / لأعَادَ صوتك بالمواعظِ حافلا
أو يَعلمُ الجراحُ أىَّ يتيمةٍ / قُطعت لدامَ من الفجيعةِ ذاهلا
عانى وعالجَ والمماتُ مرفرف يقظ / يُخيِّبُ آسياً أو حائلا
لبنانُ لم يبرح بذكرك شامخاً / ويظل معتزاً بفكركَ طائلا
جَبلٌ من الفكرِ الأصيلِ جيوشه / زحفت بمثلكَ كالغزاةِ جحافلا
إن تنسكَ الدنيا ولن تنسى فقد / أحيالكَ الأرزَ الوضئَ مشاعلا
أهلَ الهدى صُونوا تُراثا للهدَى / فخماً وذودوا عن عُلاَها الباطلا
عاشت لكم ذُخراً ومجداً صائلا / فابنوا لها ذُخراً ومجداً صائلا
وإذا مضى علمٌ فأحيوا ذكرهُ / علماً تناسخَ نورهُ متواصِلا
أمسائل القدر العتيّ محيّرا
أمسائل القدر العتيّ محيّرا / عن أصله ومجاله ومآله
اليوم يغنيك الممات كما مضى / من قبل بالخيام بعد سؤاله
فترى الطلاسم مفصحات مثلما / يتحدث الإشعاع خلف طلاله
وترى الجداول مترعات تنتهي / لبحاره وتعيد كل نواله
وترى الخمائل راقصات للردى / رقص المحب إذا احتفى بوصاله
سر في ركاب المحسنين مخلدا / بالعذب والمأنوس من سلساله
ما كنت تعشق في الحياة ككائن / واليوم تعشق ذائبا بخياله
والناس منهم من يحب لذاته / فهي الجواهر نمقت بخصاله
اشعارهم أرواحهم وخيالهم / في كل بيت عارم بخلاله
وسواهم المستوعبون جمالهم / مرآة دنيا الفن رجع جماله
ما كان معدنهم ممثل شعرهم / فصميمه مرآة غير مثاله
يكفيك ما أسديت من أنس لنا / دون التساؤل عن حدود كماله
وعن الكروم وكيف كان رحيقه / ومدى الأصالة فيه واستقلاله
يكفيك ترديد النداء وحولنا / هذي الموائد للوجود وآله
هشت أطايبها وكم صدف الورى / عنها وكل نائح بخباله
ولو أنهم عقلوا لطافوا حولها / ولهللوا للأنس قبل زواله
ولشاركوها في الحبور بصحبة / وترنموا معها بشعر الواله
ما هذه الدنيا سوى أحلامنا / والحلم مثل أب خفا بعياله
إذهب إلى دنيا الخيال ودع لنا / ما افتنّ شعرك شامخا بجلاله
ودع الجمال مرددا أنفاسه / عبق الربيع يشيع في أذياله
واترك تراثك حيرة وتساؤلا / جيلا فجيلا شاخصا لمحاله
بسط الضباب على الحقول كأنه
بسط الضباب على الحقول كأنه / كف لمارد عابس قتال
فمحا بضربته الجداول والربى / والغرس دون تمهّل وسؤال
لم تلق منه ولا محاكمة آمرىء / عات فاسرف بطشه المتوالي
قتل الضياء كقتله ألوانها / وأدال حسنا لم يكن بمدال
فكأنما الدنيا تأجل خلقها / وكأنما العدم الفسيح حيالي
ومضى الضباب إلى المدينة فاختفت / مثل اختفاء مدائن الأطفال
أو أنها ظل الخيال ظلالها / فإذا نظرن فهن غير ظلال
هذا مآل والضباب يحفّني / بالحزن لا أدري سواه مآلي
فكأنما أسكنت كهفا مظلما / ما فيه من صحب سوى إعوالي
وكأنما انطوت الحياة بزفرتي / وتعثرت منهوكة بخيالي
وكأنما وئدت قبيل فطامها / مثلي أو انتحرت بها آمالي
وكأنما قتل العزاء مضرجا / بدمي وبالوهم الحبيب الغالي
وكأنما للياس ملك خالد / وكأنما إقباله إقبالي
وكأنما ضيّعت في دنيا طوت / صور الجمال وروعة المثال
فاعتز فيها القبح غير منافس / واعتزّ فيها الموت غير مبالي
مهد الحضارة للعروبة كلها
مهد الحضارة للعروبة كلها / كيف انتهيت إلى نهاية ذلها
قد كنت سابقة القرون بعلمها / فرجعت في ذيل القرون وجهلها
عجبت تماثيل رفعن جلالة / فهوت لما بلغته خسة مثلها
وكأنما في أمسها قد اشعرت / أفعالهم فتحطمت من هولها
إن كان هذا وحي دين محمد / فعبادة الأوثان نعمة أهلها
حاشا وحاشا تلك نكبة أمة / بالحاكمين القاتلين لنبلها
من كل سيف قد تثلم مجده / في الموبقات ويستعز بفعلها
أو كل أبكم صار يحسب قاضيا / والمومياء أجل منه بأصلها
أو كل زنديق عريق عابد / للمال يحترف الدعارة والها
أو كل من زعم الإمارة حينما / عين الحقارة ما استباح مؤلها
أو كل مندوب تحشرج صوته / مثل الجنادب وهو دون أذلها
أو كل من زعم الإمامة بينما / حكت الذباب بطنها وبظلها
أو كل مأفون يصيح مغالطا / والشخر يتبع ما روى مستألها
وطن تجسمت العروبة نكبة / فيه ولا نكبات صور وبعلها
الناطحات به شمخن سوابقا / واليوم تسحقها الصروف بنعلها
والهندسات وسد مأرب خلفت / لهفى الخرائب في مهانة زملها
والسامقات من المدارس كلها / درست ولم يك مثلها من قبلها
لا ظلم ظلم الدهر عدل صارخ / ما دام أهل الأرض نقمة عدلها
يا منبت الكندي يا من ينتمي / نخب الفوارس والعقول لعقلها
من أدهشت كسرى بحكمة عمروها / من أنجبت بلقيس صورة دلها
من شيدت غمدان من إلهامها / وفحولة الشعراء دون أقلها
من أطلعت صنعاء نجم حضارة / عمت بأنفس روعة وأجلها
من لا نزال نحار في آياتها / إذ تغمر التاريخ سيرة فضلها
كيف استحلت إلى مباءة سوقة / عملوا على هدر الكرامة كلها
جعلوا البلاد وأهلها كبهائم / موبوءة حبست على إسطبلها
القات تمضغه فيجري سمه / فيها فتركع نشوة لمذلها
وإمامنا يحيى يمجد ويله / شعرا ويكنز تبره من ويلها
أسفي العروبة في الضجيج عريقة / الافخرات بخيلها وبرجلها
أمم العروبة في الضجيج عريقة / الفاخرات بخيلها وبرجلها
تشكو الطغاة وحين تهمل أختها / في الغل تصبح من تهش لغلها
إن الحوادث كلها عبر لكم / يا غافلين عن الحياة وقولها
تتستّرون على الفضائح ضلة / ولطالما خانت عهود محلها
فتمكنون لسارق ولمارق / جعلتهما صنعاء غاية شغلها
ليت ابن خلدون وتلك ربوعة / حي ليفصح رأيه عن ختلها
أو ليت لي شعر الزبيري الذي / في النفي ناح لخطبها ولثكلها
أو ليت لي يوما عواصف أحمد / وأبي فراس مزمجرا من أجلها
وأبي العلاء العبقري وغيرهم / من أهلها قد أترعوا من نهلها
المسهمين بعلمهم وبفنهم / في رفعة الإنسان أو في بذلها
أو ليت لي كالشنفرى غضباته / أو كامرىء القيس الوفاء لنصلها
أو شأن مالك من سلالة حمير / في الدين والتقوى لطهر محلها
أو وعظ نجم الدين رن كأنه / قدر يحذر في حماسة خلها
أو باس سيف الدولة العالي الذرى / المستعز بأصله في سهلها
ونهى الفراهيدي الذي أحيا اللغى / بعروضه وبحذقه في شكلها
وسنا البهاء وكم يداوي شعره / مرضى النفوس العانيات بسله
وبروج صرواح التي لما تزل / أطلالها تروي الخلود لطلها
وهياكلا ما زال علقمة بها / يوحي السيادة والجلال لجلها
يا ليت لي هذا وذاك وبضة / من روح علقمة الشهير بفحلها
حتى أهزّ السادرين لعلّهم / يتنبهون إلى عواقب قتلها
عيد الملايين ازدهت بجلاله
عيد الملايين ازدهت بجلاله / ورأت جمال حياتها بجماله
عيد البرية كلها إذ كلها / نعمت بوحي ضيائه وظلاله
عيد الحضارة فالحضارة لم تكن / إلا وليد العقل في استقلاله
عيد المساواة العميمة أنبتت / في فجره وتعلقت بهلالفه
عيد الإخاء مدى الزمان وباسمه / خلق الرجال الشم من أبطاله
عيد الهدى والتضحيات على الهدى / لتحرر الإنسان من أغلاله
عيد الشرائع جمعت آياتها / وتبلورت في نوره وكماله
عيد التشبث بالحقيقة وحدها / والحق لا يبقى لدى جهاله
عيد التسامي والتسامي وحده / نهج الوجود إلى سعادة حاله
عيد إلى ميثاقه متحرر / يدعو وملهوف لفك عقاله
عيد السلام وربما تحقيقه / جعل الدماء فدى وبعض نواله
عيد النبوة للحياة رسالة / وبها استعزّ وجل عن أمثاله
شرفا إمام المصلحين لأمة / لك ننتمي ولعالم بك واله
ألهم بمؤلدك السني شعوبه / حتى تثار إلى عظات جلاله
يا أيها الأمي يا من عقله / وسع العلوم كواكبا لرجاله
ومن اشتطاب لهم حياة حرة / لا زهو مفتون يدلّ بماله
ومن اكتفى لوجوده ببلاغه / وأشاح عن ملك وعن أمواله
يا من تعلق بالتقشف خله / للمفلحين تزين نبل خلاله
يا من تماثل حلمه وإباؤه / وكفاحه للحق مثل عياله
اليوم غضبتك الشريفة ترتجى / للحق مأسورا لدى خذاله
اليوم اسمع منك وحي رسالة / دوّى دويّ الغاب عن رئباله
هيهات ترضى للأنام مذلة / يا من عتقت العبد من إذلاله
والمسلمون هم الكماة حمية / الثائرون على العتي وناله
وعلى اللصوص الغادرين وغدرهم / لا ينتهي كالتيه في أهواله
جعلوا التبجح كالوباء شريعة / للظلم واحتكموا لخبث مقاله
واستعبدوا الأقوام باستعمارهم / وترنموا بصلاحه وفعاله
كالعبد يرهق كل حسن ناضر / ويمن بعد عليه باسم وصاله
والسقم يوغل في السليم فيغتدي / نهبا له فيعد من أفضاله
يا من أبى الإذعان دون حقوقه / واستعذب الآلام في آماله
أرجع إلى الإسلام عزة أهله / باليقظة الكبرى لنيل محاله
وأدل من المتحكمين بحفظهم / والجهل أولهم بسم نباله
وليبق مولدك الأغر منارة / لمجاهد مستقتل بقتاله
فالعيش من صور الممات لصاغر / والموت للحر الأبي كآله
ولكم جنى الإسلام من أعدائه / مثل الذي لاقاه من أقياله
فإلى الهداة رضاك في إقباله / وعلى الطغاة جفاك في زلزاله
كوَّنتَ ألباباً وسستَ عقولا
كوَّنتَ ألباباً وسستَ عقولا / فتلقَّ أنت وفاءها المعقولا
ودرست فلسفة (الحياة) وزدتها / شرحا، فحيِّ بيانها المأهولا
في العيش مثل الموت عمرك هكذا / عمرٌ يزيد على التألق طولا
إن أنس لا أنس الوداع وحرقة / في النفس أورثت الجنان ذهولا
فسخطت من غدر (الطبيعة) ناسيا / سنن (الطبيعة) والحياة الأولى
وأنا الذي ناجاك طول حياته / وقد انتقلتَ ولم أزل مشغولا
بالأمس حيرني الفراقُ وهدني / واليوم تلهمني الصوابَ حلولا
فأراك في هذا الوجود أشعة / وعقيدة ومآثرا وميولا
صورٌ تبين لباحثٍ متبصر / وتعاف من خذل الحياة جهولا
صرّوفُ والدنيا حديث ضيافة / قد كنت للبذل العظيم رسولا
منح من الآداب والعلم الذي / ترك الوجود مهذبا مصقولا
دعني أحدث عن خلالك أولا / فالمرء كان بخلقه مكفولا
لا خير في أدب لمن لم يتخذ / من طبعه طبعا ومنه أصولا
وحييتَ أنت بنهج خلقك مؤمنا / وعرفت للقول السديد فعولا
فسكنتَ في برج الجلال مؤهلا / ورقيت إيمانا، وجزت فحولا
خلق ينم عن الأزاهر للنهى / عزما، ولكن لا يصيب ذبولا
يفتر بالإخلاص في إحسانه / فندوم نعشق حسنه المبذولا
جم التواضع في كرامة عالم / تخذ التواضع ستره المقبولا
مبتسم لجليسه في هزة / تسقى الحديث مرنقا معسولا
شم الخلال وديعة وكريمة / مثل الجبال إذا انحدرن سهولا!
مثل الطبيعة في تبسط لطفها / نشرت على بسط المروج غسولا
وحبت مجملة الثمار شهية / عرضا ولم تترك لنا مأمولا
كان المحدث لا يمل إطالة / وعصمت من طبع يعد ملولا
كالنبع جياشا بمتعة عاشق / لحديثه، أو كالبواسق طولا
تحنو على النظار عند تأمل / وتجيب ما بقي السؤال سؤولا
لم ينسك المال الذي أحرزته / بالفضل حقا للورى مجهولا
فوضعت مالك جنب علمك نفحة / للناس في صحف وقين نحولا
وجعلتها مثل الزكاة سخية / تحيي مواتا أو تعيد طلولا
ما كنت في هذي الحياة ممثلا / بل كنت من وضع الفخار فصولا
خمسون عاما بل أجل بذلتها / بذل الكواكب نورها المسؤولا
ما بين معركة وبين سكينة / تركت بشتاتك العدو خجولا
وكسبت بالإخلاص كل مكرم / شيم الرجال عقيدة وميولا
درر من الأخلاق كانت ثروة / كبرى ولم تسب الورى لتحولا!
صروف ما فينا المعزي: كلنا / فقد العزاء ودمعه المطلولا
عشت (المسيح) لنا، وكنا كلنا / رسلا، ودمت على الهدى مجبولا
وشكرتنا قبل الوداع، ولم يكن / شكر الوداع بظننا (اليوبيلا)
هذي صحائفك اليتيمة لم تجد / شرفا تخص بها وكنت بخيلا
عصمتك أحكام العلوم من الهوى / وحبتك من حسب الجنان أثيلا
نقبت في الأجيال عن أسرارها / ونشرتها جيلا لديك فجيلا
لا (آدم) المأثور صدك عن هدى / بحثا، ولا أغني اليقين فتيلا
من كل (مقتطف) تنوع بحثه / وتوحدت أبحاثه تنزيلا
من كل سفر حجة بفنونه / ما فيه فن قد يراك دخيلا
ما كان منطقك الحكيم مسخرا / للوهم مهما سامنا تقتيلا
هيهات يذعن للمظاهر وحدها / ولكم أقام على الدليل دليلا
علم وفلسفة وفن سائغ / حولتها لنعيمنا تحويلا
بعبارة خلابة غلابة / تروي المدارك كوثرا وشمولا
وتبحر يعيا الجريء بجهده / ما فات للبحث الجريء سبيلا
في ذورة الأفلاك أو بطن الثرى / أو عالم الأحلام كان نزيلا
لا شيء يحسبه الحقير وإنما / وجد الوجود بما حواه جليلا
فيرتل الآيات ملء بلاغة / تستأهل الإصغاء والترتيلا
داع إلى أقصى التأمل مثلما / جعل التفاؤل للحياة دليلا
وإذا الحياة كبت فذاك لأنها / فقدت قبيل عثورها التأميلا
عشرات آلاف الصحائف قد شدت / بحجاك واستبقت حجاك زميلا
آراء جبار وحكمة كاهن / وكتاب إعجاز يشع مديلا
نظرت له (الأحقاب) من أسفارها / في حيرة مما وصفن رحيلا
فكأنما (...) كنت مصاحبا / أسفارها فرسمتها تحليلا!
ومفاخر (الآثار) وهي شهيدة / فخرت بعلمك موئلا ومقيلا
ومظاهر (العمران) وهي كثيرة / في (الشرق) لم تعدم لديك خليلا
و (الفكر) وهو لنا قوام حضارة / بجلته حتى استعز نبيلا
لم تلقه عرضا، ولم تأنس به / طمعا، ولم تبذل له تطفيلا
بل كنت ملجأه الحصين ومبعثا / للنور في بلد أسيء طويلا
تغذوه بالذهن البصير مصارحا / للحق لا تتصيد التهليلا
متتبعا نهج الصواب، مجافيا / نهج الغلو، وإن أصبت قليلا
حتى تركت مني (الحقيقة) وحدها / تهدي لرأسك شكرها إكليلا
ما ضر مثلك أن يخص بحبها / لو فات من حب الأنام قبيلا
لكن ظفرت بحبها وبحبنا / وعدمت في القدر الأعز مثيلا
من عهد (إسماعيل) في إجلاله / مسعاك زدت بشبل (إسماعيلا)
وطويت عمرك دون من أو منى / إلا الوفاء لما غرست ظليلا!
يا ابن (الصحافة) ثم شيخ قضاتها / والمحسن التبيين والتدليلا
ومعلما بشبابه ومشيبه / تسمو بسيرته الأيادي الطولى
(لبنان) (كالحدث) الذي ولدت به / هذي الشمائل لا يباهي النيلا
كلا ولا (بردى) ولا (الدنيا) التي / أمتعتها مما منحت جزيلا
إن أنت إلا عالميٌّ: مهده / كل (الوجود) فلم يعش مغلولا
بل كان أهلا للبرية كلها / لا يعرف الإيثار والتفضيلا
إلا الرعاية للفقير المجتبي / جدواه، لا يبقى بها مخذولا
كم أمة هذبتها ووهبتها / محض الشهاد وزدتها تأهيلا
فإذا انتسبت فما انتسبت حقيقة / إلا لفضل لم يكن مجهولا
أما الممالك والعباد فإنهم / عرفوك جَمْعاً فاتحا ورسولا
كل يراك زعيمه وصديقه / ومواطنا وسلاحه المسلولا
وأرى خيالك ما يزال عزيزهم / يأبى عن النهج القويم مميلا
متمثلا في همهم وشؤونهم / فيحل معضلة ويصلح قيلا
وبريق عينيه يشف كعزمه / عن حد ذهن لن يموت قليلا
وجبينه الوقاد مطلع نورهم / وجلالة حفظوا لها التكليلا
أعددت ثورات وقدت كتائبا / للرأي ثم نصرتها موصولا
ما خانك الإقدام يوما والألى / عشقوك إن خان الزمان ذليلا
فبلغت مجدك بالمواهب وحدها / تقتاد شبانا بها وكهولا
أين الذين يتابعونك حاملا / علم الشباب فيزدهي محمولا؟!
ما كنت تغفل جهدنا وحقوقه / بل كنت ترعى حرمة وأصولا
وتشجع البطل الصغير ليعتلي / وتصغر الرجل الحسود مهولا
لك في دمي حق الوفاء فخلني / أحيي كما يرضى الوفاء جميلا
كرّمت لي أدبا كأنك موجدي / أو عشت للأدب الجديد كفيلا
في جم إخلاص وجم صراحة / لا تقبل التغرير والتمثيلا
ولكم تحكم جاهل أو عابث / ومن المصائب أن نطيع كليلا
و (الجهل) في دست الزعامة نكبة / لن تنمحي عذرا ولا تأويلا
تخذ (الصحافة) للمهازل مهنة / فأثار داء في النفوس وبيلا
فمحرما طورا زهور مؤلف / ومحاربا همم الشباب عجولا
ومرتلا آنا مديح نقائص / لولا المدائح لم تكن لتجولا
قد كنت عونا (للنبوغ) وطالما / أردى (النبوغ) الحاسدوه قتيلا
أبكيك في شعري، وفي نثري وفي / فكري، كما أبكي الرياض حيولا
وأكفكف العبرات، لكن شأنها / باق، فدمعي لن يزال همولا
ومن المدامع ظاهر ومحجب / ما كل وجه نائح مبلولا
تجري الدموع الخافيات بخاطري / وبكل إحساسي هوى مبذولا
وتفيض من قلمي فأنظم هكذا / هذا النظيم عواطفا متبولا
وأؤبن (الفضل) الذي لإبائه / لا فاضلا نلقى ولا مفضولا!
والآن هل تكفي شؤون يراعتي؟ / حبس العواطف قد يكون قتولا
هيهات تكفي فالنظيم وحرقتي / يتبادلان مناحة وعويلا
أرثي فأرثي فيك أنفس ما ارتقى / ذهني وأحلامي له تبجيلا
من بهجة (الإنسان) في استعلائه / خلقا وفكرا مسعفا وجميلا
ومن انتهاء (العبقرية) و (الحجى) / لنهاية تستوجب التنزيلا
ومن (التسامح) في الحياة وقلما / عرف (التسامح) في الحياة خليلا
أسفي على هذا الفراق وإن يعد / هذا (النبوغ) مجددا تشكيلا
وأقلب الطرف الحزين فما أرى / إلا الورى والموت والترميلا
يا جنة (الفيوم) كيف، جزيتنا / نارا وحزنا فادحا وثقيلا
قد راح يلتمس الشفاء فخنته / كم كان روضك (...) مليلا
أسفي! أجل أسفي يدوم فلا تطل / عتبا علي فلم تكن لتطيلا
ما فاتني قبل (التفاؤل) هكذا / أو كنت أشعر بالحياة ذليلا
ولقد بدأت إلى (العلى) مستغفرا / ثم انتهيت إلى الشجون عليلا
عبثا أحاول أن أهدّئ لوعتي / هيهات أشفي للدموع غليلا
سخطي على (الدنيا) وأقبح هزلها / سخط يثير تأججا وصليلا
وأنا الذي يا طالما غازلتها / طربا، وكنت لها كذاك وصولا
مرت شرابا بعد حلو مذاقها / وجنت على أشهى الثمار أصيلا
لم أشك قبلك من يقيني هكذا / وكأنما صار (اليقين) مهيلا
وكأنما هذا (الوجود) بأنسه / أمسى بداجية المصاب محيلا!
لم لا أنوح في رثائك حسرة / أرثي لها نفسي وأرثي الجيلا؟!
ما كنت أجزع (للممات) وإن قسا / حتى رحلت فسامني تذليلا
أرثي العصامي العظيم المبتني / مثل (الثبات) لمن يهون ملولا
أرثي الخلود وما الخلود بدائم / في صورة، بل يتبع التعديلا
ما بين إيمان به وبضده / كم نتعب التفسير والتعليلا
أرثي وأبكي والأنام جميعهم / كالنبت يهضمه الزمان أكولا
الفيلسوف كجاهل، وكلاهما / يفني، وما عرف الممات ذهولا
وقليل ثأري أن مثلك فقده / جعل (القضاء) المستعز خجولا!
وعظيم صبري أن وحيك ملهمي / صبرا، وعلمك لم يزل منقولا
سقراط قبلك والمسيح كلاهما / ضحكا من الموت الخؤون مهولا
وضحكت أنت من الأساة معزيا / همما تناجيك المدى وعقولا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025