المجموع : 6
إن رمت من بكر العلاء وصالا
إن رمت من بكر العلاء وصالا / فأزل حسامكَ واقطع الأوصالا
من يطلب الدنيا بغير مخذّم / فليخذم الحسرات والإذلالا
قلقل ركابك في البلاد فربما / تلقي بأودية النعيم رحالا
واستحل ممقرها وسوّغ صابَها / فلربَّ مالحة غدت سلسالا
وانهض لمقفلة المعالي بالقَنا / إن الأسنة تفتح الاقفالا
ودع الخدائع فهي تخدع أهلها / كم غيلةٍ قد غالت المغتالا
لا تقدمنَّ على مهولات الردى / إلا بعينِ لا ترى الأهوالا
والحزم للحرّ الكريم مقلّدٌ / عطل امرؤ يتقلّد الآمالا
وذر المقامَ ولو أقمتَ بعرّة / فالبدر يسري كي ينالَ كمالا
وإذا طلبت منىً فكن كمحمّد / يجد الجبالَ من الأمور خيالا
ملك يرى علقَ النجيع لطيمةً / وأعاليَ الأسَل الطول ظِلالا
غيث النّدى لدّاغ أفئدة العدى / بالبارقات تخالهن صِلالا
بطل من الملكوت تبطل دونه / حيل الكماة فلا ترى محتالا
يعدو على الجيش البئيس بفتكة / لو لاقت الجبل العظيم لهالا
قرم إذا استنجدت منه فارساً / للمكرمات وجدته معجالا
كم خاض ملحمة يذوب بها القنا / خوفاً فأنّف بالحسام رجالا
يلقى الجنود فتلتقي آجالهم / فتخال زرق رماحه آجالا
ويروعهم منه دوي عزائم / تذري بعاصف ريحها الاقتالا
طعّان كلّ ثنيّة ومجيلها / من حيث لا تجد الرياح مجالا
أخذ الفوارس للأسنة مطعما / والأعوجية للعفاة نوالا
متجلبباً عزمين عزماً يقتضي / طبّا وعزماً يقتضي إعلالا
وإذا العيون تحدقت للقائه / كحل العيون جنادلا ورمالا
تلقاه يوم الرّوع قيد عداته / لم تستطع هرباً ولا اجفالا
وتفوز يوم السّلم منه بأبلج / يحيى النفوس ويقتل الاموالا
كم أمّلوا الآمال منه فلم يروا / إلا ضرائب تقطع الآمالا
ترك الغواني بعد طول عنائها / تستحلب العبرات والأعوالا
شكّت صدورهم صدور رماحه / حتى أعاد جديدهم أسمالا
ولربّ قوم قاتلوك فلم يروا / للسيف فيك ولا السّنان قتالا
فرموا سلاحهم لديك وصيّروا / أمضى سلاحهم عليك سؤالا
لك في العلى رأي كضاحية الضحى / يأبى لها الطبع القديم زوالا
لا مثل طبع البدر يكمل نوره / ويعود من بعد الكمال هلالا
وأشم شئن اللّبدتين ترى له / همماً يكيل بكيلها الابطالا
همم إذا نفخت بأنفخة الردى / سبكت بنار وطيسها الآجالا
تجري على المتغطرفين رياحه / فترى مرابع عيشهم أطلالا
لم أنسه من كلّ عارٍ عارياً / والطعن قد لبِسَ القلوب حجالا
والدهر بالنقع المثار مدجج / لكنه يتوقع الاهوالا
والحرب كالحرباء تجهد جهدها / في الشمس عاشقة لها تمثالا
والضرب يبدع بالجماجم صنعة / كالسحب ترسم في الثرى أشكالا
والسمر من علق النجيع نواهل / كالروض يرتشف الحيا الهطالا
والمشرفية تستدير على الطلى / فكأنها صيغت لها أغلالا
والخيل من خيلائها لا ترعوي / حتى تكاد تلاعب الرئبالا
فيصول جذلان المعاطف باسماً / حيث الصلال تخاف فيه مصالا
للَه دَرَّ المعضلات تطيعه / من حيث تعرف بأسه القتالا
وكأن رامية الحمام تهابه / فتكفَّ يوم الرمي عنه نبالا
واعجب لعين يستقر قرارها / من بعد ما شهدت له تمثالا
ماذا تذوق الشوس منه لدى الوغى / والموت يسقي من يديه نكالا
وإذا الشواهق حصنت أعداءه / لاكت شواهق خيله الأجبالا
للَه حزمك والقلوب خوافق / من حيث زلزلت الوغى زلزالا
والنبل من فزع يطيش رشاشه / قد يورث الفزع الشديد خبالا
والرمح مضطرب الكعوب كأنه / غصن أمالته الرياح فمالا
ففتكت بالأيام فتكة عالم / بالنائبات يقلب الأحوالا
فرقت من آل المجمّع جمعهم / وجمعت من نسب المكارم آلا
وافيتهم والقوم قد فرشوا المنى / وتلحفوا الأيسار والإقبالا
غرّتهم الدنيا بوابل سعدها / ومن السعادة ما يعود وبالا
حتى قدحت من الآسنة والظبى / نار المنون فأشعلت إشعالا
ذابت جسومهم لديك كأنها / برد أصابته السموم فسالا
ولو أنهم ألقوا لديك عصيهم / لرأوا مكان الزاعبية مالا
كم أرؤس من شانئيك نثرتها / بالسيف فانعقدت هناك جبالا
وتركتهم للطير رزقاً واسعاً / فكأنها كانت عليك عيالا
لا يستقال عثار سيفك فيهم / كم من عثارٍ لا يكون مقالا
خضت العجاجة كالدجى تجد القنا / فيها نجوماً والحسام هلالا
وعبرت ذيّاك العباب بمعشر / يجدون بحر القعضبية آلا
جيش إذا هزّت معاطفه الوغى / سحبت على زحل له أذيالا
لقد امتطيت كتائبا ملكيّة / حذيت خدود الحاداث نِعالا
جهلوا إحالتك الحياة منيّة / إن الغبيَّ يرى الصواب محالا
فإذا زجرت الغيث عاد صواعقاً / وإذا نظرت السمّ عاد زلالا
فمسحت هامهم بسطوة قادر / مسخت جبابرة الوغى أطفالا
وبلغت سؤلك منهم وكذا الفتى / لو رام أسنمة السماك لنالا
أذهلتهم بالضرب حتى أنهم / وجدوا لهادية السيوف ضلالا
يا ليت علمي كيف تنكرك الطلى / من بعد ما قلدتهنّ نصالا
وبأيّ أسلحة تقاتلك العِدى / وإذا لحظت أبا قبيس مالا
بأبي صِفاتك لو تقدم عصرها / لجززت من تلك القرون سِبالا
ولقد حملت من الزمان وقائعا / كانت على عنق الزمان ثِقالا
يا فرحة العلياء فيك لأنّها / كانت أشد من المتيّم حالا
لو لم تفضّ عن العلوم ختامها / ما آنست في الكائنات رجالا
يا ابن الكرام السابقين إلى العلى / والمحرزين الباس والافضالا
حيِّ المدامَ مدام بيض الأنصل
حيِّ المدامَ مدام بيض الأنصل / فلكم سكرت بريقهن السَلسلِ
كم ليل حرب سرت فيه على هدى / والموت يخبط في ظلام القسطل
وأرى مكان الخدع لا أرضى به / أي الخداع لأهله لم يقتل
مثلي أقل من الغنى في عاقل / ومن الخصاصة عند من لم يَعقِل
وإذا الزمان تجاهلت أوقاته / فأغضض جفونك دونه أو فاجهل
كم في رحى الدنيا مدار دوائر / تأتي خلاف تخيّل المنخيّل
كم طاش سهم مؤمّل عن قصده / وأصاب مرمى القصد غير مؤمّل
واصبر ترد ماء الأماني صافياً / إن المعجل سؤر كلّ مؤجل
أقلل عثارك بالأناة أما ترى / ما أكثر العثرات بالمستعجل
وإذا الفتى لم يختبر أوقاته / حسب السراب بها حساب الجدول
صن ماء وجهك عن سواك فإنه / ماء الحياة لطالب لم يبذل
وإذا افتقرت إلى السؤال وشبهه / فاختر لنفسك ذا مكارم واسأل
فالجود يهتف بالكريم كأنّه / هتف السحاب بمبرق ومجلجل
يا من يرى الآمال عنه بعيدة / أقدم ومهما شاء قلبك فافعل
فالحرب مكتوب على جبهاتها / من يكره الأسل العوالي يسقل
كن كيف تهوى عاذلا أو عاذراً / فالحظ معتقل لمن لم يَعقلِ
نعم المطية للفتى ظهر العلى / وإذا امتطته أسافلٌ فترجّل
هيهات لو ترك الزمان فضوله / لرأيت حينئذٍ مقام الأفضل
لا تحسب الأيام تعثر بالفتى / لكنها الافلاك ذات تنقل
والشيب عنوان الفناء ومن يدر / فكراً بعاقبة الليالي يذهل
إن تنكر الأيام صحبة أهلها / فالسيف ليس بصاحبٍ للصقيل
إن شئت عمر محامد لا تنقضي / فالذكر من عمل المكارم فاعمل
ودع الأذى لا تدخلن ببابه / فالحر في باب الأذى لا يدخل
إن شئت أن تحكي الأوائل فاحكها / هذا زمانك كالزمان الأوّل
وإذا رأيت عزيز قوم ضارعاً / فارفق به مهما استطعت وأجمل
كم حاسدٍ بعدت عليه مذاهبي / هيهات تلك نهاية الشرف العلى
أن يعيه ذاك الطلال فإنما / شر الطباع طبيعة المتعقل
والغِر يعتسف الأمور جهالة / والشهم يسلك في الطريق الأسهل
أعد التأمل في الأمور فربما / يدنو البعيد لناظر المتأمل
كم مدّعٍ غير الحقيقة يدعي / والحق يظهر من كلام المبطل
لو كان في طول الكلام المبطل / نال الهزار به منال الأجدلِ
من لي بيوم للأسنّة ثائرٍ / تغلي الفوارس فيه غلي المرجل
متسردق بالخيل تحسب أنه / تحت العجاجة جنح ليل اليل
فينال قلبي من مغازلة الظبى / نيل المشوق من الظباء الغزل
اللَه أكبر ما طلعت بمعرك / إلا وسال به لعاب الأنصل
بالمرهفات أنال إدراك المنى / وعلى أبي الهيجاء كل معوّلي
القرم عبداللَه ذو الهمم التي / حد الزّمان بغيرها لم يفلل
بأبي سليمان الزّمان ومن له / سلطان مجد قطّ لم يتبدّل
مرّيخ بأس يعتري شهب الوغى / فيصيب رامحها بقلب أعزل
يرث المراتب بالطعان وعنده / أن الغنى بسوى القنا لم يسأل
وإذا السماح أبي النزول بغيره / فالرب للأقمار ليس بمنزِلِ
ملك بريك مع السماح شجاعة / ومن السماح شجاعة المستبسل
وإذا الشجاع سخا بجوهر نفسه / فبعارض من ماله لم يبخل
يا رائد المعروف من جنباته / من ذا هداك إلى حمى الكرم العلي
جئت الفضائل كلّها من بابها / فانهض على اسم اللَه ربّك وادخل
وأغرّتيّمت الزمان بحبّه / لحظات عينٍ بالقذى لم تكحل
طود متى عصف الزمان يلاقه / بفؤاد لا قلقٍ ولا متزلزل
حاز المآثر لم ينل أطرافها / والشلو للآساد ليس بمأكل
وإذا الهداية لم تغب عن رأيه / فالشمس عن أهل السّما لم تأفل
يا من بغير السرّ طال أناته / والسرّ يحمد فيه كل معجل
والجود ميدان السباق إلى العلى / من رام حسن السّبق لم يتمهل
لولاك يا أسد الملاحم لم يكن / نسب الصوارم والقنا بمؤثّل
ضرب وطعن بات بين كليهما / نسب الأسود من الظباء الجفل
خضت الملاحم غير مكترث بها / والجبن للآجال غير مؤجل
وجدت بك الهيجاء ما يردى الردى / ويذيب قاسية الحصى والجندل
لم تدر أنك للمكارم عنصر / وعناصر الأشياء لم تتجول
من سبّق بهم الأماجد تقتدي / والفضل للماضي على المستقبل
أي الحوادث لم تطأ تيجانها / من خيل سؤددك القِداح بأنعل
ذللت أعراق الزمان براحة / تلوي الجبال الصم لوي الأحبل
كف مقدسة المساعي في العلى / طافت بها رشفات كلّ مقبل
ما طار ذكرك في مساعي جحفل / إلا وقصّ به جناح الجحفل
لك حكمة قام الوجود بلطفها / والروح موجبة قيام الهيكل
لا غرو أن أودى خيالك بالعدى / فالوهم قد يقضي على المتوجّل
تهنيك نفس لا يمازجها القذى / والشر عن شيم الكرام بمعزل
هي غرّة ميمونة بزكائها / تجلى بطلعتها الهموم فتنجلي
وكرام أبناء كأن أكفهم / لعواطل المِنن الحسان هي الحلى
من كلّ من شاء العلى فأطاعه / والقول لا يعصي مشيئة مقول
المقفلون لباب كلّ دنيّة / والفاتحون لكلّ مجدٍ مقفل
والمنزلون على من اختار الرّدى / فكأنهم رسل القضاء المنزل
ولقد أراك كأن جودك جنة / للمجتني أو وجنة للمجتلي
إن كان وصفك لم يصبه ذوو النهى / فالحق قد يخفى لمعنىً مشكل
قلّدت لا هوتيّة الحكم التي / أدنى عقود نظامها لم يحلل
ولمست أعضاء الزمان بفكرة / عرفت مكان شفائها والمقتل
من أكرمين هم رؤوس زمانهم / والناس قائمة مقام الأرجل
هم آل حمير الذين عهدتهم / أقصى أمان الدهر للمتوجل
للَه من تلك النفوس أطبّة / ضمنوا الشفاء لكلّ داء معضل
جاؤا الخلائق منذرين ببأسهم / ومبشرين بكل رفد مرسل
من كلّ من ذبل الزمان وذكره / ريحانة بيد العلى لم تذبل
يا بدر هالتها وقطب مدارها / وشهاب مركزها الذي لم يأفل
كن كيف شئت فإنّ جودك كعبة / يسعى إليها قصد كلّ مؤمّل
لا تزرعنَّ سوى نبات عوال
لا تزرعنَّ سوى نبات عوال / إن العلى ثمر القنا العسّالِ
وإذا الليالي حاربتك صروفها / فألبس لتلك الحرب صبر رجال
كم للقضاء جواد عزم سابق / ظلعت لديه حيلة المحتال
وشواظ حرب أججتها غلمة / فغدا لها ذاك المؤجج صالي
راموا النجاة فلم يروا من بأسنا / عللا تداويهم من الأعلال
وأغن لو زجّ السماء بلفتة / هالت كواكبها مهيل رمال
قنّاص أسد الغاب غلا أنه / يرنو بأحور من جفون غزال
لم تلقه إلا كومضة بارق / ينهل بالمعسول والعسّال
سالت غدائره على وجناته / سيل الحيا من عارض هطّال
لم أنسه وهو المفرّد بعدما / طافت يداه بقرقف سلسال
فأدرانا دور الكؤوس بحبّه / ما بين يمنى للهوى وشمال
خاض الورى من شعره وجينه / بحرين بحر هدى وبحر ضلال
للَه ليلتنا بضال المنحنى / ونديمنا فيها غزال الضّال
والكأس راكعة لدنّ ساجد / والراح خاشعة لصوت التّالي
والدهر يطرق لارتياح نشيده / حتى شممنا منه ريح هبال
في روضة جوريّها من خدّه / وقضيبها من قدّه الميّال
مغتالة الأغصان ينشق الربى / منها بكفّ مساحب الأذيال
يا آل ميّ ما إخال عهودكم / إلا كومضِ أو كلمعة آل
ولقد بكينا للطلول بواكيا / وجسومنا أبلى من الأطلال
أيام كنّا والزمان كأنّه / حبّ يمكن من عناق وصال
حيث الشبيبة غضّة أعطافها / والعيش أترف من رياض جمال
سيزول شيب الدهر مثل شبابه / وستضمحل أواخر كأوال
إن كنت طالب سؤدد ومعالٍ
إن كنت طالب سؤدد ومعالٍ / فاطلبه بين صوارم وعوال
كم من فتىً يبغى بغيلته العلى / والسيف يبطل غيلة المغتال
من صدّق الآمال كذب حزمه / إن الغرور نتيجة الآمالِ
والمجد في طرفي أصم كأنما / ميلانه ميلان ذات دلال
في كعبه كعب المعيشة سافل / وبصدره صدر المنية عال
من مرويات الوحش وهي ظوامىء / بغدير قانٍ لا غدير زلال
سمر ذوابل غير أنّ ذبولها / يخضر عن ورق من الأقيال
أوحدّ أحدب تلتوي عذباته / بمعاقد الهمام التواء صلال
ينشق عنه دجى القتام كأنّه / في جيد ليل النقع طوف هلال
عضب إذا عزّت مواصلة العلى / وجد القريع به طريق وصال
ورياض غلمانٍ أعارتها القنا / في يوم معترك بلى لاطلال
إن أججوا نار الحروب فلم يكن / إلا لها قلب المؤجج صال
طلبوا الفرار فأوقفتهم حيرة / والخوف قد يدعو إلى استبسال
وجدوا بروقاً في خصور أهلّة / وقلوب أسد في صدور رجال
فثنوا إلى الأجفال كلّ مطهّم / سدت عليه طرائق الأجفال
مهلا بني الأعمام لو نطق القنا / كانت لكم أبدا من العذال
أن غركم حلم الكرام فربما / غرَّ العيون تبسم الرّئبال
ولقد طمعتم أن تنالوا نيلنا / طمع الجهول بمستحيل الحال
هيهات أين لكم عزائمنا التي / ردّت إلى الأمكان كل محال
عزم ينوب عن السلاح بنفسه / وكذا الغِنى بالنّفس لا بالمال
نحن البقية من أكارم دهرهم / يومان يوم وغى ويوم نوال
من عصبة إنسية ملكية / قد أرخصوا قيم الزمان الغالي
من كلِّ مستلب القشاعم حاذق / في سرقة الأرواح لا الأموال
يجد الردى أقضى القضاة حكومة / والمرهفات شهود تلك الحال
ترك السّوابق بالرؤوس عواثراً / عثر الرياح بأرؤس الأجبال
لم يلتق الحرب العوان بكرّه / إلا وانكحها ذكورَ نصال
قوم أناملهم قبائل للنّدى / يحمون فيها بيضة الأفضال
وإذا تفيأت الملوك وجدتهم / يتفيّؤن من القنا بظلال
حيّ من الكرماء لست تخالهم / إلا فرائد في عقود كمال
لم يعد قولهم الفعال وهكذا / قول الأكارم أكرم الأقوال
قد صح معتل الزمان بقربهم / إن الكريم طبيب ذي الأقلال
نحن الذين كأن مسكة وجدهم / في وجنة الأيام نقطة خال
إن تغننا الهيجاء أفقرنا الندى / إن السماحة آفة الأموال
والمرء يعرف بالتكرم قدره / إن التكرم سيد الأفعال
لا نسأل الدنيا جناح بعوضة / والذل غايته أقل سؤال
إن ضمّنا النسب الأثيل فإنه / ليس الغدو يقاس بالآصال
نمتم فخيلت المنى لكم الغنى / إن الكرى سمح بكلّ خيال
إن غركم رهج المنى فسينجلي / بصبا من الأسياف أو بشمال
لا نرتضي إلا محاكمة القنا / حيث الأمور منوطة بجدال
لم نتخذ إلا السيوف وسائلا / وكذا السيوف وسائل الأبطال
أنسيتم يوم اللقاء وقوفنا / والخيل تسبح في دم الأقيال
ونزولنا في الأثل من قصب القنا / والحرب دائرة بكاس نزال
والموت يجلى كالعروس بمعرك / نشرت عليه ذوائب الآسال
والطعن يقذي عين كلّ عزيمة / فيحول بين الأسد والأشبال
ولكم سلكت من الطعان مسالكا / ضاقت بهنّ منافس الآجال
فوقفت ثم أذب عن حرم العلى / لتصان منها كل ذات حجال
ولبست للهيجاء صهوة أدهم / كالبدر منتعلا أديم ليال
حتى انثنت تلك الجبال كأنها / في عاصفات الريح كثب رمال
وخطرتم في حرّ قلبي خطرة / ردت عليَّ حياة بالي البالي
حتى فضضت لكم على روض المنى / دنّ الكرامة بعد دنّ وبال
وعزائم اردفتها بعزائم / موصولة الأهوال بالأهوال
المحييات الجود يوم سماحة / والقاتلات الموت يوم قتال
قالوا نراك تخوض أبحر صابها / والأسد صادرة عن الأوشال
تغزو الطوائف مفرداً لم تستعن / إلا بطائفتي قنا ونصال
قلت اسكتوا كيف التوجل والقضا / درع مزررة على الآجال
هيهات لم يرد الردى إلا الذي / طبعت طبيعة من الأوجال
رمتم بسوء الغدر حسن وصالها / والغدر أقصى همة الأنذال
هيهات قد ركض القضاء بسابق / ظلعت لديه حيلة المحتال
أي النواحي تنتحون وخلفكم / من يملأ الدنيا من الزلزال
لو تعقلون رضيتم بامامها / والعقل للإنسان أي عقال
لولا ضلال لاح في زيّ الهدى / ما غرَّت الظمآن لمعة آل
عللتم تلك الجوارح بالمنى / وكذا المنى ضرب من الأعلال
أو ما علمتم أنّ مشكلة العلى / بالسيف راجعة عن الأشكال
إن تقفلوا أبوابها فاستبشروا / من راحتي بمفاتح الأقفال
وتذكروا أجياد عيشكم التي / صفنا السيوف لها من الأغلال
أيام تستسقي عزائمنا لكم / صاب المنون من القنا العسّال
ونردكم قرحى الجفون كأنها / مقل تفيض بمدمع هطّال
وعلى العلى منا رواصد لم نزل / كالصبح مرصوداً بعين بلال
نحن الذين نصول ما بين الورى / بمثقفات القول والأفعال
نختال بين حماسة وسماحة / والمجد أفضل حلية المختال
وكذا السيادة عزّة مقرونة / بجميل فعل الخير لا بجمال
أعلمتم أني امرؤ يوم الوغى / تلقى إليه مفاتح الآجال
أو لا فقوموا لاصطلامي تعلموا / والعلم مفترض على الجهّال
أنا ذاك مفتاح المكارم والعلى / ما بين باب ندىً وباب نزال
المسقم الآسي الذي أجسامكم / من راحتيه كثيرة الأعلال
جرد حسامك في الوجوه فإنه / لم يبق من يسوى شراك نعال
ترك الورى طعم الحياء زهادة / فأذقهم بالسيف طعم نال
ولقد عجبت من الحريص ورزقه / كالموت يأتيه بغير سؤال
وكذا إذا ترك الزمان وصنعه / جعل الأواخر في الأمور أوالي
كن كيف شئت فما المحب بسال
كن كيف شئت فما المحب بسال / طاشت سهامك يا أخا العذال
فاعجب لمرشفه الشهي كأنه / برد يمج مجاجة الجريال
وذؤابتاه دجىً ومفرقه ضحىً / والخد نار أوقدت بزلال
ما كان أطيب عيشنا بلوى النقا / والخندريس تدار بالسلسال
واليوم بالغيم المطلّ تخاله / متشابه الغدوات بالآصال
حيث الشباب ظليلة أفياؤه / والعين سرح في مروج جمال
كلف تقاسمه الغرام فشعبة / في الواديين وشعبة في الضال
ويلاه من قصر الجفون عن الكرى / والليل أطول من منى الجهّال
وبمهجتي المى الشفاه كأنها / منثور سقط أو صحاح لآل
متبسم عن أقحوانه مرشف / تجد الغوالي فهي غير غوال
تقضي على مهج الكماة جفونه / ولو أنها جبل من الأجبال
وعدتني الآمال إن ستجود لي / ما كان أكذب موعد الآمال
إن الذي وعدت به من جودها / كالنوم ما طل مغرماً بخيال
للعامرية أربع معمورة / بين الجوانح والفؤاد البالي
دمن طللت بها الدموع كأنني / قرّبتها هدياً إلى الأطلال
يا دهر لولا من هويت لشمت بي / قبّات برق ما لها من صال
لكن أتاح لي الهوى حبّ التي / عقلت أبيّاتي بغير عقال
كانت لنا دعة فعادت لذعة / والدهر صاحب نعمة ووبال
لم أنس إذ نهضت إلى راووقها / تختال بين تمايل وملال
فسقتك حاسرة الذراع كأنها / كف الخضيب تسورت بهلال
هتكت حجابك يوم وجرة وارتدت / في بردتين تمنع ودلال
لو أن علة ودّها في صدها / ما كنت أجرع غصّة إلا علال
كاد المتيّم أن يكتّم سرّه / لولا ينمّ به لسان الحال
دارت بي الأدوار لولا أنني / أدركت من نعمان أنعم بال
وإذا الليالي أنكرتك فلا تلذ / إلا بيض ظبىً وسمر عوال
اليوم ماس العزّ في سرباله
اليوم ماس العزّ في سرباله / والمجد أسفر عن بديع جماله
اليوم أقبلت المكارم والعلى / يمشين مشي البدر في إقباله
اليوم عاد إلى معرسه الهدى / فأضل غاوي القوم جند ضلاله
اليوم أسعدت الأمور ببدرها / فأتم ناقصها مقام كماله
وارتاحت الأرواح منه بعارف / لا عرف للمعروف غير نواله
وتهادت الأحكام حالية به / وكفى عواطلها حليّ جلاله
طويت بعقوته سجايا أفصحت / بالصالحات البيض من أعماله
شرع عليك عداته وصلاته / لا بون بين مقاله وفعاله
هذا فتى الدنيا سليمان الذي / شغل الورى بجماله وجلاله
فالعدل في واديه حط رحاله / والجور هاب فجدّ في ترحاله
تاهت بنائله المنى فتبخترت / تيه المليح تعجبه ودلاله
اللَه أكبر فخر ينبوع النّدى / فليكرع الحرّان من سلساله
يا بدر لا تطمع بمثل كماله / يا ليث دع عنك ادعاء نزاله
فعّال ممتنع الفعال وقائل / لم تجن إلا الصدق من أقواله
ملك يعد السيف من فقرائه / وجماجم الأبطال من أمواله
ظفر الزمان بصيقل من حلمه / لولاه ما انطبعت حدود نصاله
رأي تشنّف بالعلوم كأنه / طبع الجواد يجيب قبل سؤاله
اليوم سلّ السيف من أغماده / وأراش راجي السعد طيش نباله
وأسى جروح الملك قيم أمره / راقي مخاوفه طبيب عضاله
ولعَ الكمال به ولوع متيم / لبس الهيام وجر من أذياله
تلك المعارف لو تصوّر لم يكن / تمثالها إلا على تمثاله
الشمس دون لقاه يهمل طرفها / والدهر يخفق دون خفق نعاله
صحت به العلياء بعد سقامها / وأعيد للمعهود عصر وصاله
وتحيرت منه العقول بواضح / مرآه قيد الطرف عين عقاله
للَه أكيس من تلامذة العلى / وفلاسف الحلكماء بعض عياله
فهو الملاذ وسائس الدهر الذي / راض الحرون الصعب من أهواله
وله السنان من اليراع مثقفا / صوب المنون يسيل من عساله
قلم إذا نفثت نوافث عزمه / بذ العقول العشر عشر مقاله
يتنوّع الموت الزؤام بطعنه / كتنوع الحرباء في أشكاله
وليهن مضمار البلاغة أنه / لولاه ما أتسعت فروج مجاله
قرم إذا لاقى الخميس عرمرماً / جدّت به العثرات من أجلاله
هنئت يا قمر السماء بدورة / للسعد تمسح عنه مسح وباله
دور كأنفاس النسيم تعلّة / تتراقص الأرواح باستقباله
من ذروة الشرف الرفيع قبابه / لا يستظل الحر غير ظلاله
شرف شعاعيّ كافرند الضحى / تتلألأ الدنيا بماء صقاله
وأراك يا ابن الخير غبطة ناظر / عوذت حبك بالنبي وآله
أسفرت بالحسب الأثيل كما بدا / جيد السماء مطوّقاً بهلاله
وحلا القريض بحسن وصفك منظراً / يزهو مكوفَرَه بمسكة خاله
فاعدته نشوان فيك تهزه / ندية الأنفاس من جرياله
ومضى قصارى السوء عنك / فأرّخوا البدر عاد له ارتفاع كماله