القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : كاظِم الأُزْري الكل
المجموع : 6
إن رمت من بكر العلاء وصالا
إن رمت من بكر العلاء وصالا / فأزل حسامكَ واقطع الأوصالا
من يطلب الدنيا بغير مخذّم / فليخذم الحسرات والإذلالا
قلقل ركابك في البلاد فربما / تلقي بأودية النعيم رحالا
واستحل ممقرها وسوّغ صابَها / فلربَّ مالحة غدت سلسالا
وانهض لمقفلة المعالي بالقَنا / إن الأسنة تفتح الاقفالا
ودع الخدائع فهي تخدع أهلها / كم غيلةٍ قد غالت المغتالا
لا تقدمنَّ على مهولات الردى / إلا بعينِ لا ترى الأهوالا
والحزم للحرّ الكريم مقلّدٌ / عطل امرؤ يتقلّد الآمالا
وذر المقامَ ولو أقمتَ بعرّة / فالبدر يسري كي ينالَ كمالا
وإذا طلبت منىً فكن كمحمّد / يجد الجبالَ من الأمور خيالا
ملك يرى علقَ النجيع لطيمةً / وأعاليَ الأسَل الطول ظِلالا
غيث النّدى لدّاغ أفئدة العدى / بالبارقات تخالهن صِلالا
بطل من الملكوت تبطل دونه / حيل الكماة فلا ترى محتالا
يعدو على الجيش البئيس بفتكة / لو لاقت الجبل العظيم لهالا
قرم إذا استنجدت منه فارساً / للمكرمات وجدته معجالا
كم خاض ملحمة يذوب بها القنا / خوفاً فأنّف بالحسام رجالا
يلقى الجنود فتلتقي آجالهم / فتخال زرق رماحه آجالا
ويروعهم منه دوي عزائم / تذري بعاصف ريحها الاقتالا
طعّان كلّ ثنيّة ومجيلها / من حيث لا تجد الرياح مجالا
أخذ الفوارس للأسنة مطعما / والأعوجية للعفاة نوالا
متجلبباً عزمين عزماً يقتضي / طبّا وعزماً يقتضي إعلالا
وإذا العيون تحدقت للقائه / كحل العيون جنادلا ورمالا
تلقاه يوم الرّوع قيد عداته / لم تستطع هرباً ولا اجفالا
وتفوز يوم السّلم منه بأبلج / يحيى النفوس ويقتل الاموالا
كم أمّلوا الآمال منه فلم يروا / إلا ضرائب تقطع الآمالا
ترك الغواني بعد طول عنائها / تستحلب العبرات والأعوالا
شكّت صدورهم صدور رماحه / حتى أعاد جديدهم أسمالا
ولربّ قوم قاتلوك فلم يروا / للسيف فيك ولا السّنان قتالا
فرموا سلاحهم لديك وصيّروا / أمضى سلاحهم عليك سؤالا
لك في العلى رأي كضاحية الضحى / يأبى لها الطبع القديم زوالا
لا مثل طبع البدر يكمل نوره / ويعود من بعد الكمال هلالا
وأشم شئن اللّبدتين ترى له / همماً يكيل بكيلها الابطالا
همم إذا نفخت بأنفخة الردى / سبكت بنار وطيسها الآجالا
تجري على المتغطرفين رياحه / فترى مرابع عيشهم أطلالا
لم أنسه من كلّ عارٍ عارياً / والطعن قد لبِسَ القلوب حجالا
والدهر بالنقع المثار مدجج / لكنه يتوقع الاهوالا
والحرب كالحرباء تجهد جهدها / في الشمس عاشقة لها تمثالا
والضرب يبدع بالجماجم صنعة / كالسحب ترسم في الثرى أشكالا
والسمر من علق النجيع نواهل / كالروض يرتشف الحيا الهطالا
والمشرفية تستدير على الطلى / فكأنها صيغت لها أغلالا
والخيل من خيلائها لا ترعوي / حتى تكاد تلاعب الرئبالا
فيصول جذلان المعاطف باسماً / حيث الصلال تخاف فيه مصالا
للَه دَرَّ المعضلات تطيعه / من حيث تعرف بأسه القتالا
وكأن رامية الحمام تهابه / فتكفَّ يوم الرمي عنه نبالا
واعجب لعين يستقر قرارها / من بعد ما شهدت له تمثالا
ماذا تذوق الشوس منه لدى الوغى / والموت يسقي من يديه نكالا
وإذا الشواهق حصنت أعداءه / لاكت شواهق خيله الأجبالا
للَه حزمك والقلوب خوافق / من حيث زلزلت الوغى زلزالا
والنبل من فزع يطيش رشاشه / قد يورث الفزع الشديد خبالا
والرمح مضطرب الكعوب كأنه / غصن أمالته الرياح فمالا
ففتكت بالأيام فتكة عالم / بالنائبات يقلب الأحوالا
فرقت من آل المجمّع جمعهم / وجمعت من نسب المكارم آلا
وافيتهم والقوم قد فرشوا المنى / وتلحفوا الأيسار والإقبالا
غرّتهم الدنيا بوابل سعدها / ومن السعادة ما يعود وبالا
حتى قدحت من الآسنة والظبى / نار المنون فأشعلت إشعالا
ذابت جسومهم لديك كأنها / برد أصابته السموم فسالا
ولو أنهم ألقوا لديك عصيهم / لرأوا مكان الزاعبية مالا
كم أرؤس من شانئيك نثرتها / بالسيف فانعقدت هناك جبالا
وتركتهم للطير رزقاً واسعاً / فكأنها كانت عليك عيالا
لا يستقال عثار سيفك فيهم / كم من عثارٍ لا يكون مقالا
خضت العجاجة كالدجى تجد القنا / فيها نجوماً والحسام هلالا
وعبرت ذيّاك العباب بمعشر / يجدون بحر القعضبية آلا
جيش إذا هزّت معاطفه الوغى / سحبت على زحل له أذيالا
لقد امتطيت كتائبا ملكيّة / حذيت خدود الحاداث نِعالا
جهلوا إحالتك الحياة منيّة / إن الغبيَّ يرى الصواب محالا
فإذا زجرت الغيث عاد صواعقاً / وإذا نظرت السمّ عاد زلالا
فمسحت هامهم بسطوة قادر / مسخت جبابرة الوغى أطفالا
وبلغت سؤلك منهم وكذا الفتى / لو رام أسنمة السماك لنالا
أذهلتهم بالضرب حتى أنهم / وجدوا لهادية السيوف ضلالا
يا ليت علمي كيف تنكرك الطلى / من بعد ما قلدتهنّ نصالا
وبأيّ أسلحة تقاتلك العِدى / وإذا لحظت أبا قبيس مالا
بأبي صِفاتك لو تقدم عصرها / لجززت من تلك القرون سِبالا
ولقد حملت من الزمان وقائعا / كانت على عنق الزمان ثِقالا
يا فرحة العلياء فيك لأنّها / كانت أشد من المتيّم حالا
لو لم تفضّ عن العلوم ختامها / ما آنست في الكائنات رجالا
يا ابن الكرام السابقين إلى العلى / والمحرزين الباس والافضالا
حيِّ المدامَ مدام بيض الأنصل
حيِّ المدامَ مدام بيض الأنصل / فلكم سكرت بريقهن السَلسلِ
كم ليل حرب سرت فيه على هدى / والموت يخبط في ظلام القسطل
وأرى مكان الخدع لا أرضى به / أي الخداع لأهله لم يقتل
مثلي أقل من الغنى في عاقل / ومن الخصاصة عند من لم يَعقِل
وإذا الزمان تجاهلت أوقاته / فأغضض جفونك دونه أو فاجهل
كم في رحى الدنيا مدار دوائر / تأتي خلاف تخيّل المنخيّل
كم طاش سهم مؤمّل عن قصده / وأصاب مرمى القصد غير مؤمّل
واصبر ترد ماء الأماني صافياً / إن المعجل سؤر كلّ مؤجل
أقلل عثارك بالأناة أما ترى / ما أكثر العثرات بالمستعجل
وإذا الفتى لم يختبر أوقاته / حسب السراب بها حساب الجدول
صن ماء وجهك عن سواك فإنه / ماء الحياة لطالب لم يبذل
وإذا افتقرت إلى السؤال وشبهه / فاختر لنفسك ذا مكارم واسأل
فالجود يهتف بالكريم كأنّه / هتف السحاب بمبرق ومجلجل
يا من يرى الآمال عنه بعيدة / أقدم ومهما شاء قلبك فافعل
فالحرب مكتوب على جبهاتها / من يكره الأسل العوالي يسقل
كن كيف تهوى عاذلا أو عاذراً / فالحظ معتقل لمن لم يَعقلِ
نعم المطية للفتى ظهر العلى / وإذا امتطته أسافلٌ فترجّل
هيهات لو ترك الزمان فضوله / لرأيت حينئذٍ مقام الأفضل
لا تحسب الأيام تعثر بالفتى / لكنها الافلاك ذات تنقل
والشيب عنوان الفناء ومن يدر / فكراً بعاقبة الليالي يذهل
إن تنكر الأيام صحبة أهلها / فالسيف ليس بصاحبٍ للصقيل
إن شئت عمر محامد لا تنقضي / فالذكر من عمل المكارم فاعمل
ودع الأذى لا تدخلن ببابه / فالحر في باب الأذى لا يدخل
إن شئت أن تحكي الأوائل فاحكها / هذا زمانك كالزمان الأوّل
وإذا رأيت عزيز قوم ضارعاً / فارفق به مهما استطعت وأجمل
كم حاسدٍ بعدت عليه مذاهبي / هيهات تلك نهاية الشرف العلى
أن يعيه ذاك الطلال فإنما / شر الطباع طبيعة المتعقل
والغِر يعتسف الأمور جهالة / والشهم يسلك في الطريق الأسهل
أعد التأمل في الأمور فربما / يدنو البعيد لناظر المتأمل
كم مدّعٍ غير الحقيقة يدعي / والحق يظهر من كلام المبطل
لو كان في طول الكلام المبطل / نال الهزار به منال الأجدلِ
من لي بيوم للأسنّة ثائرٍ / تغلي الفوارس فيه غلي المرجل
متسردق بالخيل تحسب أنه / تحت العجاجة جنح ليل اليل
فينال قلبي من مغازلة الظبى / نيل المشوق من الظباء الغزل
اللَه أكبر ما طلعت بمعرك / إلا وسال به لعاب الأنصل
بالمرهفات أنال إدراك المنى / وعلى أبي الهيجاء كل معوّلي
القرم عبداللَه ذو الهمم التي / حد الزّمان بغيرها لم يفلل
بأبي سليمان الزّمان ومن له / سلطان مجد قطّ لم يتبدّل
مرّيخ بأس يعتري شهب الوغى / فيصيب رامحها بقلب أعزل
يرث المراتب بالطعان وعنده / أن الغنى بسوى القنا لم يسأل
وإذا السماح أبي النزول بغيره / فالرب للأقمار ليس بمنزِلِ
ملك بريك مع السماح شجاعة / ومن السماح شجاعة المستبسل
وإذا الشجاع سخا بجوهر نفسه / فبعارض من ماله لم يبخل
يا رائد المعروف من جنباته / من ذا هداك إلى حمى الكرم العلي
جئت الفضائل كلّها من بابها / فانهض على اسم اللَه ربّك وادخل
وأغرّتيّمت الزمان بحبّه / لحظات عينٍ بالقذى لم تكحل
طود متى عصف الزمان يلاقه / بفؤاد لا قلقٍ ولا متزلزل
حاز المآثر لم ينل أطرافها / والشلو للآساد ليس بمأكل
وإذا الهداية لم تغب عن رأيه / فالشمس عن أهل السّما لم تأفل
يا من بغير السرّ طال أناته / والسرّ يحمد فيه كل معجل
والجود ميدان السباق إلى العلى / من رام حسن السّبق لم يتمهل
لولاك يا أسد الملاحم لم يكن / نسب الصوارم والقنا بمؤثّل
ضرب وطعن بات بين كليهما / نسب الأسود من الظباء الجفل
خضت الملاحم غير مكترث بها / والجبن للآجال غير مؤجل
وجدت بك الهيجاء ما يردى الردى / ويذيب قاسية الحصى والجندل
لم تدر أنك للمكارم عنصر / وعناصر الأشياء لم تتجول
من سبّق بهم الأماجد تقتدي / والفضل للماضي على المستقبل
أي الحوادث لم تطأ تيجانها / من خيل سؤددك القِداح بأنعل
ذللت أعراق الزمان براحة / تلوي الجبال الصم لوي الأحبل
كف مقدسة المساعي في العلى / طافت بها رشفات كلّ مقبل
ما طار ذكرك في مساعي جحفل / إلا وقصّ به جناح الجحفل
لك حكمة قام الوجود بلطفها / والروح موجبة قيام الهيكل
لا غرو أن أودى خيالك بالعدى / فالوهم قد يقضي على المتوجّل
تهنيك نفس لا يمازجها القذى / والشر عن شيم الكرام بمعزل
هي غرّة ميمونة بزكائها / تجلى بطلعتها الهموم فتنجلي
وكرام أبناء كأن أكفهم / لعواطل المِنن الحسان هي الحلى
من كلّ من شاء العلى فأطاعه / والقول لا يعصي مشيئة مقول
المقفلون لباب كلّ دنيّة / والفاتحون لكلّ مجدٍ مقفل
والمنزلون على من اختار الرّدى / فكأنهم رسل القضاء المنزل
ولقد أراك كأن جودك جنة / للمجتني أو وجنة للمجتلي
إن كان وصفك لم يصبه ذوو النهى / فالحق قد يخفى لمعنىً مشكل
قلّدت لا هوتيّة الحكم التي / أدنى عقود نظامها لم يحلل
ولمست أعضاء الزمان بفكرة / عرفت مكان شفائها والمقتل
من أكرمين هم رؤوس زمانهم / والناس قائمة مقام الأرجل
هم آل حمير الذين عهدتهم / أقصى أمان الدهر للمتوجل
للَه من تلك النفوس أطبّة / ضمنوا الشفاء لكلّ داء معضل
جاؤا الخلائق منذرين ببأسهم / ومبشرين بكل رفد مرسل
من كلّ من ذبل الزمان وذكره / ريحانة بيد العلى لم تذبل
يا بدر هالتها وقطب مدارها / وشهاب مركزها الذي لم يأفل
كن كيف شئت فإنّ جودك كعبة / يسعى إليها قصد كلّ مؤمّل
لا تزرعنَّ سوى نبات عوال
لا تزرعنَّ سوى نبات عوال / إن العلى ثمر القنا العسّالِ
وإذا الليالي حاربتك صروفها / فألبس لتلك الحرب صبر رجال
كم للقضاء جواد عزم سابق / ظلعت لديه حيلة المحتال
وشواظ حرب أججتها غلمة / فغدا لها ذاك المؤجج صالي
راموا النجاة فلم يروا من بأسنا / عللا تداويهم من الأعلال
وأغن لو زجّ السماء بلفتة / هالت كواكبها مهيل رمال
قنّاص أسد الغاب غلا أنه / يرنو بأحور من جفون غزال
لم تلقه إلا كومضة بارق / ينهل بالمعسول والعسّال
سالت غدائره على وجناته / سيل الحيا من عارض هطّال
لم أنسه وهو المفرّد بعدما / طافت يداه بقرقف سلسال
فأدرانا دور الكؤوس بحبّه / ما بين يمنى للهوى وشمال
خاض الورى من شعره وجينه / بحرين بحر هدى وبحر ضلال
للَه ليلتنا بضال المنحنى / ونديمنا فيها غزال الضّال
والكأس راكعة لدنّ ساجد / والراح خاشعة لصوت التّالي
والدهر يطرق لارتياح نشيده / حتى شممنا منه ريح هبال
في روضة جوريّها من خدّه / وقضيبها من قدّه الميّال
مغتالة الأغصان ينشق الربى / منها بكفّ مساحب الأذيال
يا آل ميّ ما إخال عهودكم / إلا كومضِ أو كلمعة آل
ولقد بكينا للطلول بواكيا / وجسومنا أبلى من الأطلال
أيام كنّا والزمان كأنّه / حبّ يمكن من عناق وصال
حيث الشبيبة غضّة أعطافها / والعيش أترف من رياض جمال
سيزول شيب الدهر مثل شبابه / وستضمحل أواخر كأوال
إن كنت طالب سؤدد ومعالٍ
إن كنت طالب سؤدد ومعالٍ / فاطلبه بين صوارم وعوال
كم من فتىً يبغى بغيلته العلى / والسيف يبطل غيلة المغتال
من صدّق الآمال كذب حزمه / إن الغرور نتيجة الآمالِ
والمجد في طرفي أصم كأنما / ميلانه ميلان ذات دلال
في كعبه كعب المعيشة سافل / وبصدره صدر المنية عال
من مرويات الوحش وهي ظوامىء / بغدير قانٍ لا غدير زلال
سمر ذوابل غير أنّ ذبولها / يخضر عن ورق من الأقيال
أوحدّ أحدب تلتوي عذباته / بمعاقد الهمام التواء صلال
ينشق عنه دجى القتام كأنّه / في جيد ليل النقع طوف هلال
عضب إذا عزّت مواصلة العلى / وجد القريع به طريق وصال
ورياض غلمانٍ أعارتها القنا / في يوم معترك بلى لاطلال
إن أججوا نار الحروب فلم يكن / إلا لها قلب المؤجج صال
طلبوا الفرار فأوقفتهم حيرة / والخوف قد يدعو إلى استبسال
وجدوا بروقاً في خصور أهلّة / وقلوب أسد في صدور رجال
فثنوا إلى الأجفال كلّ مطهّم / سدت عليه طرائق الأجفال
مهلا بني الأعمام لو نطق القنا / كانت لكم أبدا من العذال
أن غركم حلم الكرام فربما / غرَّ العيون تبسم الرّئبال
ولقد طمعتم أن تنالوا نيلنا / طمع الجهول بمستحيل الحال
هيهات أين لكم عزائمنا التي / ردّت إلى الأمكان كل محال
عزم ينوب عن السلاح بنفسه / وكذا الغِنى بالنّفس لا بالمال
نحن البقية من أكارم دهرهم / يومان يوم وغى ويوم نوال
من عصبة إنسية ملكية / قد أرخصوا قيم الزمان الغالي
من كلِّ مستلب القشاعم حاذق / في سرقة الأرواح لا الأموال
يجد الردى أقضى القضاة حكومة / والمرهفات شهود تلك الحال
ترك السّوابق بالرؤوس عواثراً / عثر الرياح بأرؤس الأجبال
لم يلتق الحرب العوان بكرّه / إلا وانكحها ذكورَ نصال
قوم أناملهم قبائل للنّدى / يحمون فيها بيضة الأفضال
وإذا تفيأت الملوك وجدتهم / يتفيّؤن من القنا بظلال
حيّ من الكرماء لست تخالهم / إلا فرائد في عقود كمال
لم يعد قولهم الفعال وهكذا / قول الأكارم أكرم الأقوال
قد صح معتل الزمان بقربهم / إن الكريم طبيب ذي الأقلال
نحن الذين كأن مسكة وجدهم / في وجنة الأيام نقطة خال
إن تغننا الهيجاء أفقرنا الندى / إن السماحة آفة الأموال
والمرء يعرف بالتكرم قدره / إن التكرم سيد الأفعال
لا نسأل الدنيا جناح بعوضة / والذل غايته أقل سؤال
إن ضمّنا النسب الأثيل فإنه / ليس الغدو يقاس بالآصال
نمتم فخيلت المنى لكم الغنى / إن الكرى سمح بكلّ خيال
إن غركم رهج المنى فسينجلي / بصبا من الأسياف أو بشمال
لا نرتضي إلا محاكمة القنا / حيث الأمور منوطة بجدال
لم نتخذ إلا السيوف وسائلا / وكذا السيوف وسائل الأبطال
أنسيتم يوم اللقاء وقوفنا / والخيل تسبح في دم الأقيال
ونزولنا في الأثل من قصب القنا / والحرب دائرة بكاس نزال
والموت يجلى كالعروس بمعرك / نشرت عليه ذوائب الآسال
والطعن يقذي عين كلّ عزيمة / فيحول بين الأسد والأشبال
ولكم سلكت من الطعان مسالكا / ضاقت بهنّ منافس الآجال
فوقفت ثم أذب عن حرم العلى / لتصان منها كل ذات حجال
ولبست للهيجاء صهوة أدهم / كالبدر منتعلا أديم ليال
حتى انثنت تلك الجبال كأنها / في عاصفات الريح كثب رمال
وخطرتم في حرّ قلبي خطرة / ردت عليَّ حياة بالي البالي
حتى فضضت لكم على روض المنى / دنّ الكرامة بعد دنّ وبال
وعزائم اردفتها بعزائم / موصولة الأهوال بالأهوال
المحييات الجود يوم سماحة / والقاتلات الموت يوم قتال
قالوا نراك تخوض أبحر صابها / والأسد صادرة عن الأوشال
تغزو الطوائف مفرداً لم تستعن / إلا بطائفتي قنا ونصال
قلت اسكتوا كيف التوجل والقضا / درع مزررة على الآجال
هيهات لم يرد الردى إلا الذي / طبعت طبيعة من الأوجال
رمتم بسوء الغدر حسن وصالها / والغدر أقصى همة الأنذال
هيهات قد ركض القضاء بسابق / ظلعت لديه حيلة المحتال
أي النواحي تنتحون وخلفكم / من يملأ الدنيا من الزلزال
لو تعقلون رضيتم بامامها / والعقل للإنسان أي عقال
لولا ضلال لاح في زيّ الهدى / ما غرَّت الظمآن لمعة آل
عللتم تلك الجوارح بالمنى / وكذا المنى ضرب من الأعلال
أو ما علمتم أنّ مشكلة العلى / بالسيف راجعة عن الأشكال
إن تقفلوا أبوابها فاستبشروا / من راحتي بمفاتح الأقفال
وتذكروا أجياد عيشكم التي / صفنا السيوف لها من الأغلال
أيام تستسقي عزائمنا لكم / صاب المنون من القنا العسّال
ونردكم قرحى الجفون كأنها / مقل تفيض بمدمع هطّال
وعلى العلى منا رواصد لم نزل / كالصبح مرصوداً بعين بلال
نحن الذين نصول ما بين الورى / بمثقفات القول والأفعال
نختال بين حماسة وسماحة / والمجد أفضل حلية المختال
وكذا السيادة عزّة مقرونة / بجميل فعل الخير لا بجمال
أعلمتم أني امرؤ يوم الوغى / تلقى إليه مفاتح الآجال
أو لا فقوموا لاصطلامي تعلموا / والعلم مفترض على الجهّال
أنا ذاك مفتاح المكارم والعلى / ما بين باب ندىً وباب نزال
المسقم الآسي الذي أجسامكم / من راحتيه كثيرة الأعلال
جرد حسامك في الوجوه فإنه / لم يبق من يسوى شراك نعال
ترك الورى طعم الحياء زهادة / فأذقهم بالسيف طعم نال
ولقد عجبت من الحريص ورزقه / كالموت يأتيه بغير سؤال
وكذا إذا ترك الزمان وصنعه / جعل الأواخر في الأمور أوالي
كن كيف شئت فما المحب بسال
كن كيف شئت فما المحب بسال / طاشت سهامك يا أخا العذال
فاعجب لمرشفه الشهي كأنه / برد يمج مجاجة الجريال
وذؤابتاه دجىً ومفرقه ضحىً / والخد نار أوقدت بزلال
ما كان أطيب عيشنا بلوى النقا / والخندريس تدار بالسلسال
واليوم بالغيم المطلّ تخاله / متشابه الغدوات بالآصال
حيث الشباب ظليلة أفياؤه / والعين سرح في مروج جمال
كلف تقاسمه الغرام فشعبة / في الواديين وشعبة في الضال
ويلاه من قصر الجفون عن الكرى / والليل أطول من منى الجهّال
وبمهجتي المى الشفاه كأنها / منثور سقط أو صحاح لآل
متبسم عن أقحوانه مرشف / تجد الغوالي فهي غير غوال
تقضي على مهج الكماة جفونه / ولو أنها جبل من الأجبال
وعدتني الآمال إن ستجود لي / ما كان أكذب موعد الآمال
إن الذي وعدت به من جودها / كالنوم ما طل مغرماً بخيال
للعامرية أربع معمورة / بين الجوانح والفؤاد البالي
دمن طللت بها الدموع كأنني / قرّبتها هدياً إلى الأطلال
يا دهر لولا من هويت لشمت بي / قبّات برق ما لها من صال
لكن أتاح لي الهوى حبّ التي / عقلت أبيّاتي بغير عقال
كانت لنا دعة فعادت لذعة / والدهر صاحب نعمة ووبال
لم أنس إذ نهضت إلى راووقها / تختال بين تمايل وملال
فسقتك حاسرة الذراع كأنها / كف الخضيب تسورت بهلال
هتكت حجابك يوم وجرة وارتدت / في بردتين تمنع ودلال
لو أن علة ودّها في صدها / ما كنت أجرع غصّة إلا علال
كاد المتيّم أن يكتّم سرّه / لولا ينمّ به لسان الحال
دارت بي الأدوار لولا أنني / أدركت من نعمان أنعم بال
وإذا الليالي أنكرتك فلا تلذ / إلا بيض ظبىً وسمر عوال
اليوم ماس العزّ في سرباله
اليوم ماس العزّ في سرباله / والمجد أسفر عن بديع جماله
اليوم أقبلت المكارم والعلى / يمشين مشي البدر في إقباله
اليوم عاد إلى معرسه الهدى / فأضل غاوي القوم جند ضلاله
اليوم أسعدت الأمور ببدرها / فأتم ناقصها مقام كماله
وارتاحت الأرواح منه بعارف / لا عرف للمعروف غير نواله
وتهادت الأحكام حالية به / وكفى عواطلها حليّ جلاله
طويت بعقوته سجايا أفصحت / بالصالحات البيض من أعماله
شرع عليك عداته وصلاته / لا بون بين مقاله وفعاله
هذا فتى الدنيا سليمان الذي / شغل الورى بجماله وجلاله
فالعدل في واديه حط رحاله / والجور هاب فجدّ في ترحاله
تاهت بنائله المنى فتبخترت / تيه المليح تعجبه ودلاله
اللَه أكبر فخر ينبوع النّدى / فليكرع الحرّان من سلساله
يا بدر لا تطمع بمثل كماله / يا ليث دع عنك ادعاء نزاله
فعّال ممتنع الفعال وقائل / لم تجن إلا الصدق من أقواله
ملك يعد السيف من فقرائه / وجماجم الأبطال من أمواله
ظفر الزمان بصيقل من حلمه / لولاه ما انطبعت حدود نصاله
رأي تشنّف بالعلوم كأنه / طبع الجواد يجيب قبل سؤاله
اليوم سلّ السيف من أغماده / وأراش راجي السعد طيش نباله
وأسى جروح الملك قيم أمره / راقي مخاوفه طبيب عضاله
ولعَ الكمال به ولوع متيم / لبس الهيام وجر من أذياله
تلك المعارف لو تصوّر لم يكن / تمثالها إلا على تمثاله
الشمس دون لقاه يهمل طرفها / والدهر يخفق دون خفق نعاله
صحت به العلياء بعد سقامها / وأعيد للمعهود عصر وصاله
وتحيرت منه العقول بواضح / مرآه قيد الطرف عين عقاله
للَه أكيس من تلامذة العلى / وفلاسف الحلكماء بعض عياله
فهو الملاذ وسائس الدهر الذي / راض الحرون الصعب من أهواله
وله السنان من اليراع مثقفا / صوب المنون يسيل من عساله
قلم إذا نفثت نوافث عزمه / بذ العقول العشر عشر مقاله
يتنوّع الموت الزؤام بطعنه / كتنوع الحرباء في أشكاله
وليهن مضمار البلاغة أنه / لولاه ما أتسعت فروج مجاله
قرم إذا لاقى الخميس عرمرماً / جدّت به العثرات من أجلاله
هنئت يا قمر السماء بدورة / للسعد تمسح عنه مسح وباله
دور كأنفاس النسيم تعلّة / تتراقص الأرواح باستقباله
من ذروة الشرف الرفيع قبابه / لا يستظل الحر غير ظلاله
شرف شعاعيّ كافرند الضحى / تتلألأ الدنيا بماء صقاله
وأراك يا ابن الخير غبطة ناظر / عوذت حبك بالنبي وآله
أسفرت بالحسب الأثيل كما بدا / جيد السماء مطوّقاً بهلاله
وحلا القريض بحسن وصفك منظراً / يزهو مكوفَرَه بمسكة خاله
فاعدته نشوان فيك تهزه / ندية الأنفاس من جرياله
ومضى قصارى السوء عنك / فأرّخوا البدر عاد له ارتفاع كماله

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025