ذِكرى عَلى صِدقِ الوَفاءِ دَليلُ
ذِكرى عَلى صِدقِ الوَفاءِ دَليلُ / يَمضي بِها جيلٌ وَيُقبِلُ جِيلُ
تَتَوارَثُ الأَيّامُ طِيبَ حَدِيثِها / الدَّهر يَسمَع وَالفَعالُ يَقُولُ
وَلِذي المَواهِبِ وارِثانِ فَعَصرُه / يَرِثُ الثَناء وَلِلبَنين فُضُولُ
وَلَهُ حياتانِ الأَخيرةُ مِنهُما / في الذكرِ وَالأُولى إِلَيهِ سَبيلُ
لا تَبكِ مَن قَد عاشَ عُمراً واحِداً / إِنَّ التُرابَ عَلى التُرابِ مَهيلُ
هَل عاشَ أَو هَل ماتَ لا تَسأل بِهِ / فَمَماتُهُ بِحَياتِهِ مَوصُولُ
ما زادَ عَن تَعَبِ الوِلادِ لأُمّهِ / وَالناسِ وَهوَ إِلى الثَرى مَحمولُ
وَمِنَ البَليَّةِ أَنَّ أَكثَرَ مَن تَرى / في الناسِ ذاكَ العائِشُ المَثكُولُ
فاملأ مَوازِينَ الزَمانِ فَلَن تَرى / في الناسِ مِيزانَ الزَمانِ يَميلُ
تَقضي العُصورُ عَلى الرِجالِ بِحُكمِها / وَالباقِياتُ الصالِحاتُ عُدُولُ
تَيمورُ إِن نَفقِد حَديثَك بَينَنا / فَصَداهُ في أُفقِ الزَمانِ يَجُولُ
مُتَنَقِّلاً بَينَ العُصورِ كَأَنَّهُ / تاجٌ عَلى الأَيّام أَو إِكليلُ
عرفَت نَفاسَتهُ العُصورُ فَبالَغَت / حِرصاً عَلَيهِ وَلِلعُصورِ عُقولُ
فُجِعَت بِكَ الفُصحى فَجيعَةَ أَهلِها / بِكَيانِهم حِينَ العَزاءُ قَليلُ
قَد كُنتَ مُعجَمها الَّذي ما فاتَهُ / لا في القَديم وَلا الجَديد فَتيلُ
صُحُفٌ بِآثارِ العُصور زَواخِرٌ / فِيها لِكُلِّ دَقيقَةٍ تَفصيلُ
لَم تَروِ عَن جِيلٍ خَلا إِلّا سَما / مِن حُسنِ نَقلِكَ ذَلِكَ المَنقُولُ
لا يَدَّعِ الأَدَبَ الصَميمَ عِصابَةٌ / جَهِلَت قَدِيمَ العُربِ وَهو أَصيلُ
شَنّوا عَلى أَدَبِ العُروبَةِ غارَةً / شَعواءَ قائدُ جَيشِها مَخذُولُ
أَمضى سِلاحهمُ السِبابُ وَإِنَّهُ / سَيفٌ عَلى مَن سَلَّهُ مَسلُولُ
عُصَبٌ يُؤَلِّفُها العقوقُ فَجَيشُهُم / في غَيرِ مَيدانِ الجِهادِ يَصُولُ
مِن كُلِّ أَلكَنَ نابِغٍ في عِيِّهِ / لَهِجٍ بِدَعوى العِلمِ وَهوَ جَهُولُ
وَيَكادُ يَرشَحُ عَقلُهُ أُمِّيَّةً / حَتّى عَلَيهِ يُشكِلُ التَشكيلُ
إِن رامَ شِعراً لَم يُقِم مِيزانَه / وَرَوِيُّه قَيدٌ عَلَيهِ ثَقِيلُ
أَو رامَ نَثراً عَيَّ دُونَ مُرادِهِ / لَفظٌ يَطُول وَما بِهِ مَعقُولُ
وَإِذا يُتَرجِمُ كانَ في تَعقيدِهِ / قَبرٌ بِهِ المَعنى البَريءُ قَتيلُ
كَم كاتِبٍ في الغَربِ شَوَّه فَنَّه / عَيُّ اللِسانِ عَلى البَيانِ دَخيلُ
لا نَجحَدُ الغَربيَّ سِحرَ بَيانِهِ / لَكنَّ سُوءَ العَقلِ عَنهُ يُحيلُ
سُفَراءُ سوءٍ باعَدَت ما بَينَنا / وَلَربَّما جَلبَ الشقاقَ رَسُولُ
مَن لَم يُقَوِّم بِالقَديمِ لِسانَه / فَبَيانُه مَهما يجده صَهيلُ
كنزٌ مِن الأَدَبِ الرَفيع مُضَيَّعٌ / يُعشى النَواظِرَ درُّهُ المَجهولُ
يا خُسرَ بائِعِهِ بِزُخرُفِ غَيرِهِ / خَزَفٌ مِن الدُرِّ اليَتيمِ بَديلُ
كَم عَبقريٍّ لَو نَشَرنا فَضلَه / في الغَربِ مَسَّ الغَربَ مِنهُ ذُهُولُ
وَلَو انَّهُم نَفَذُوا لِسِحر بَيانِهِ / عَكَفُوا عَلَيهِ كَأَنَّهُ الإِنجيلُ
هَذا المَعرِّي وَهوَ فَردٌ واحِدٌ / ماذا سَمِعنا الغَربَ عَنهُ يَقولُ
سَل مُشكِلاتِ العُربِ في آدابِهم / مَن عالِمُ الفُصحى مَن المسئولُ
سَل مُشكِلاتِ الشَرقِ في تاريخِهِ / مَن غَير تَيمورٍ بِهنَّ كَفيلُ
عِلمٌ يزيِّنهُ الحَياءُ وَلَن تَرى / ذا العِلم عَن سنَنِ الحَياءِ يَميلُ
آلامُنا في مِصرَ لَو حقَّقتَها / رَجَعت إِلى أَنَّ الحَياءَ قَليلُ
وَإِذا الجِدالُ اِحتَدَّ لَم يَجمح بِهِ / نَزَقٌ فَلا شَتمٌ وَلا تَجهيلُ
يُغضي على سَفهِ السَفيهِ تَكَرُّماً / إِن الكَريمَ عَنِ الأَذى مَشغولُ
وَإِذا جَزَيتَ أُولي السَفاهَةِ بِالَّذي / قالُوا فَأَنتَ لِمَن جَزَيتَ مَثِيلُ
دينٌ إِلى دُنيا وَعلمٌ زانَهُ / خُلُقٌ نَمتهُ إِلى الفروعِ أُصُولُ
نِعَمٌ تَزيدُ عَلى الثَناءِ وَإِن غَلا / ويقِلُّ عَنها الشُكرُ وَهوَ جَزيلُ