المجموع : 4
هاج القرامُ وهيَّجا بلبالي
هاج القرامُ وهيَّجا بلبالي / بَرْقٌ يمانيٌّ وريحُ شمال
وترنم الورقاء في أفنانها / ما زاد هذا الصب غير خبال
وأُشيمُ من برقِ الغُوَير لوامعاً / فإخاله تبسام ذات الخال
زعم المفنِّد أنْ سلوت غرامها / زوراً وما خطر السلوّ ببالي
ما بال أحداق المها من يعرب / فتكت بغير صوارم ونصال
يرمين في المهج الهوى فتظنها / ترمي القلوب بنافذات نبال
هيف من الغيد الحسان سوانح / من كل داء يا أميم عضال
لله ما فعل الغرام بأهله / والحب في أهليه ذو أفعال
ولقد أقول لأبلج لا أهتدي / إلاَّ بصبح جبينه لضلال
أبلى هواك حشاشتي وأذابها / لولاك ما أصبحت بالي البال
بالله يا مؤذي الفؤاد بلومه / جَدّ الغرام فلا تمل لجدالي
حمّلتني ما لا أُطيق وإنَّما / حُمّلتُ أثقالاً على أثقالي
كيف احتيالك في سلوّ متيّم / أعْيَتْ عليه حيلة المحتال
إنّي أحِنُّ إلى مراشف ألعسٍ / تغني مذاقتها عن الجريال
ويشوقني زمن غصبت سروره / رغماً على الأنكاد والأنكال
أيام نتّخذ المَسرَّة مغنماً / فنبيت نرفل في برود وصال
ومليكة الأفراح تبرز بيننا / قد كُلِّلَت تيجانها بلال
يسعى بها أحوى أغنُّ مهفهفٌ / فترى الغزالة في يمين غزال
ويحضّنا داعي السرور على طلاً / زفت على الندمان بالأرطال
ألهو فيطرب مسمعي من غادة / نغم الحليّ ورنة الخلخال
وألذّ ما يلقى الخليع سويعة / خفيت عن الرقباء والعذال
أيامها مرّت ولا ندري بها / فكأنها مرّت مرور خيال
أين الأحبّة بعد أسنمة اللّوى / قد حال من بعد الأحبّة حالي
سارتْ ظُعونهم وما أدَّت لنا / حقًّا على الأَزماع والترحال
أَقمار أَفلاك الجمال تغيَّبت / بعد الطلوع على حدوج جمال
وما كنت أدري لا دريت بأنَّه / هول الوداع نهاية الأَهوال
وجهلت يا لمياء قتل ذوي الهوى / حتَّى بليت بحبِّكِ القتَّال
سكان وجرة والعذيب وبارق / تحريمكم للوصل غير حلال
أنتم أسرتم قلب كلّ متيّم / بلحاظ أحوى مائل لملال
أو يطلقون من الأسار عصابة / غلّتهم الأَشواق في أَغلال
ما جرّدت فينا صوارمها النوى / إلاَّ لقطع حبالهم وحبالي
أسفي على عمرٍ تقضَّى شطره / في خيبة المسعى إلى الآمال
وبنات أفكار لنا عربيَّة / رخصت لدى الأَعاجم وهي غوالي
يا هذه أينَ الذين عهدتهم / آساد معترك وغيث نوال
عجباً لمثلي أنْ يقيم بمواطنٍ / متشابهِ الأَشراف بالأَنذال
تقذى نواظره بأوجه معشر / لا يعثرون بصالح الأَعمال
وَلِعَت بهم أيامهم من دوننا / ما أولعَ الأيامَ بالجهَّال
لولا خبال الدهر ما نال الفنى / في الناس ذو بَلَهٍ به وخبال
هم كالبحور الزاخرات وإنَّني / لم أنتفع من وردهم ببلال
ذهب الملوك الباذلات أكفّهم / بذل الغمام بعارض هطال
حتَّى عفت أطلال كلّ فضيلة / فليبك من يبكي على الأَطلال
وأرى النقيصة شأن كلّ مبجلٍ / فكمال فضل المرء غير كمال
وكأنَّما الأيام آلت حلفة / أن لا أرى في الدهر غير نكال
وأنا الَّذي حَلَّيْتُ أجياد العُلى / بعقود ألفاظي ودُرّ مقالي
إنْ كنت من حلل الفضائل ناسجاً / أبرادها فانسج على منوالي
ما فضل أبناء الزَّمان فضيلتي / كلاّ ولا أمثالهم أمثالي
إنَّا لنسمع بالكرام فأين هم / هيهات ما هم غير لمع الآلِ
لولا وجود ابن الجميل وجوده / قلت الزَّمان من الأكارم خالي
قرم لراحته وشدَّة عزمه / جود السحاب وصولة الرئبال
يعطي ولم يُسأل نداه وهكذا / يعطي الكريم ولو بغير سؤال
وأحق خلق الله بالمدح امرؤ / كثرت عطاياه من الإِقلال
خوَّاض ملحمة الأُمور بهمَّةٍ / جالت سوابقها بكلِّ مجال
ضربت به الأَمثال في عزماتها / حتَّى غدا مثلاً من الأَمثال
لا زالَ يُطلِعُ في سموات العُلى / أقمار مجدٍ أو نجوم خلال
خُلُقٌ يمازجه الندى فطلاهما / كالرَّاح مازجها غير زلال
يفتر عن وبل المكارم مثلما / يفتر عن وطفاء برق الخال
وعن المروءة وهي شيمة ذاته / ما حال عند تقلّب الأَحوال
يحمي النزيل بنفسه وبماله / يسخو بها كسخائه بالمال
والخوف يوم الطعن من وشك الردى / كالخوف يوم البذل من إقلال
إنَّ الشجاعة والسَّماحة حلَّتا / منه بأفضل سيِّد مفصال
يرتاح للمعروف إذ هو أهله / فيهش للإِنعام والإِفضال
مثل الجبال الرَّاسيات حلومه / أمنَ الأنام به من الزلزال
عوّل عليه في الشدائد كلّها / واسأل فثَمَّ محل كلّ سؤال
حيث المحاسن قُسِّمت أشطارها / فيه على الأَقوال والأَفعال
ومهذب سبق المقال بفعله / حيث الفعال نتيجة الأَقوال
ولطالما وعد العفاة فبادرت / يمناه الحسنى على استعجال
ويمدّها بيضاءَ يهطلُ وبلها / ويسيل شامل برها السيال
يعطي ولا منٌّ ويجزي بالذي / هو أهله وينيل كلّ منال
سامٍ إذا ما قست فيه غيره / قست الهضاب بشامخات جبال
قيل تعاظم كالرَّواسي شأنه / وكذاك شأن السَّادة الأَقيال
عزّت أبوَّته وجلَّ فنفسه / في العزِّ ذات أُبوَّة وجلال
يمّم ذرى عبد الغنيّ فإنَّه / لمناخ مجد أو محطّ رحال
آل الجميل وأهله ومحلّه / سادوا البريَّة في جميل خصال
الصائنون من الخطوب نزيلهم / والباذلون نفايس الأَموال
فغلت نفوسهم ببذل مكارم / للوفد ترخص كلّ شيء غال
فترى على طول المدى أيَّامهم / يومين يوم ندى ويوم نزال
يا من سرت عنه سباق محامد / تجتاب بين دكادك ورمال
فَسَرَت كما تسري نسايمها الصبا / عبقت بطيب نوافج وغوالي
عن روضة غنَّاء باكرها الحيا / فوهت بقطر الصيّب المنهال
ولقد قربت من المعالي قربك ال / داني من العافين بالإِيصال
فبعدت عن قرب الدنيَّة في الدنى / بعد المكارم من يد الأَرذال
وترفَّعت بك شيمة علويَّة / لم ترضَ إلاَّ بالمحلِّ العالي
سبق الكرام الأَوَّلين فقولنا / سبق الأُلى هذا المجلّي التالي
ممَّن يذلّ لديه صعب خطوبها / بأساً ويبطل غيلة المغتال
فكأنَّ حدَّة عزمه صمصامه ال / ماضي وفيصل عضبه الفصَّال
طلاّب شأو الفخر بين الورى / في المجد بين صوارمٍ وعوالي
والمجد يطلب في شفير مهنَّد / ماضي الغرار وأسمرٍ عسَّال
والفخر في فضل الفتى وكماله / والعزّ صهوة أشقرٍ صهَّال
لك منطقٌ يشفي القلوب كأَنَّه / بُرْءٌ من الأَسقام والإِعلال
ومناقب كست القوافي بردة / في الحسن ترفل أيّما إرفال
أضحى يغرِّد فيك مطرب مدحها / لا بالعقيق ولا بذات الضال
فاقبل من الدَّاعي قصيدة شعره / لأعدها من جملة الإِقبال
فعليك يا فخر الوجود معوَّلي / وإليك من دون الأنام مآلي
لولا علاقتنا بمدحك سيِّدي / لتعلَّقت آمالنا بمحال
فاغنم إذَنْ أجر الصّيام ولم تزلْ / تهنا بعَوْرِ العيد من شوال
عفَتِ المنازلُ رقَّةً ونُحولا
عفَتِ المنازلُ رقَّةً ونُحولا / فاحبس بها هذي المطيَّ قليلا
وأرِق دموعك إنَّما هي لوعةٌ / بعثَتْ إليك من الدموع سيولا
وابكِ المعالم ما استطعتَ فربَّما / بلَّ البكاء من الفؤاد غليلا
واستجدِ ما سمح السَّحاب بمائه / إنْ كانَ طرفك يا هذيم بخيلا
يا ناق ما لَكِ كلَّما ذُكِرَ الغضا / جاذَبْتِ أنفاسَ النسيم عليلا
إنَّ الَّذين عهدت في أجزاعها / أمست ظعوناً للنوى وحمولا
جُمَلٌ من العبرات يوم وداعهم / فصَّلتها لفراقهم تفصيلا
وكأَنَّ دمعَ الصّبّ صَوبُ غمامةٍ / يسقي رسوماً نُحَّلاً وطلولا
يا منزلَ الأَحباب أينَ أحبَّة / سارت بهم قبّ البطون ذميلا
راحوا وراحَ رداء كلّ مفارق / تلك الوجوه بدمعه مبلولا
ومضت ركائبهم تُقِلُّ جآذراً / يألَفْنَ من بيضِ الصَّوارم غيلا
عرضت لنا والدَّمع يسبق بعضه / بعضاً كما شاءَ الغرام مسيلا
ويلاه من فتكات أحداق المها / مَلأَتْ قلوبَ العاشقين نصولا
لولا العيون النجل لم تلقَ امرأً / يشكو الجراح ولا دماً مطلولا
يا أختَ أمِّ الخشف كيف تركته / يوم الغميم متيَّماً متبولا
أورَدْتَه ماءَ العيون صبابةً / ومَنَعْتَ خَمرَ رضابكَ المَعْسولا
هلاّ بعثتَ له الخيالَ لعلَّه / يرتاح في سِنَة الكرى تخييلا
وكَّلْت بالدّنف الضنى لك شاهداً / وكفى بذلك شاهداً ووكيلا
ولقد علمت ولا إخالُك جاهلاً / إنَّ العذولَ بهنَّ كانَ جهولا
ما لاحَ ذيَّاك الجمال لعاذلٍ / إلاَّ وكانَ العاذل المعذولا
ضَلَّ العذولُ وما هدى فيما هذى / بلْ زادني بدعائه تضليلا
كيف السبيل إلى التصابي بعدما / قد قاربَ الغصنُ الرَّطيبُ ذبولا
أسفاً على أيَّام عمر تنقضي / كَدَراً وتذهب بالمنى تأميلا
وبنات أفكارٍ لنا عربيَّةٍ / لا يرتضين سوى الكرام بعولا
وإذا نهضتُ إلى الَّتي أنا طالب / في الدَّهر أقعدني الزَّمان خمولا
سأروع بالبين المطيّ ولم أبَلْ / أذهَبْنَ كدًّا أمْ فَقَدنَ قفولا
وأُغادر النجب الكرائم في السّرى / تغري حزوناً أقفَرَتْ وسهولا
لا تعذليني يا أُميم على النَّوى / فلَقَدْ عزَمْتُ عن العراق رحيلا
ما بين قومك من إذا أمَّلْته / ألفيت ثمَّةَ نائلاً ومنيلا
وتقاصرت همم الرجال وأصبَحتْ / فيهم رياض الآملين محولا
تأبى المروءة أن تراني واقفاً / في موقفٍ يَدَعُ العزيز ذليلا
أو أنَّني أرضى الهوان وأبتغي / بالعزّ لا عاش الذَّليل بديلا
صبراً على هذا الزَّمان فإنَّه / زمَن يُعَدُّ الفضل فيه فضولا
لولا جميلُ أبي جميل ما رأت / عيناي وجه الصَّبر فيه جميلا
أهدي إليه قلائداً بمديحه / كشفت قناع جمالها المسبولا
فأخال ما يطربنه بنشيدها / كانت صليلاً في الوغى وصهيلا
ويميل من كرم الطباع كأنّما / شرِبَتْ شمائله المدام شمولا
ذو همَّة بَعُدَتْ فكان كأَنَّه / يبغي بها فوق السَّماء حلولا
لو لم يكنْ في الأرض من أعلامها / كادَتْ تميل بأهلها لتزولا
الصادق العزمات إن ريعت به / الأَخطار قطع حبلها الموصولا
لا آمن الحدثان إلاَّ أن أرى / بجوار ذيَّاك الجناب نزولا
إنِّي اختبرت جنابَهُ فوجدْتُهُ / ظِلاًّ بهاجرة الخطوب ظليلا
وإذا تَغَيَّرتِ الحوادث بامرئ / لا يقبل التغييرَ والتبديلا
قَصرت بنو العلياء عن عليائه / ولوَ انَّها تحكي الشوامخ طولا
كم شاهد الجبَّار من سطوته / يوماً يروع به الزَّمان مهولا
في موطنٍ لم يتَّخذ غير القنا / والمشرفيَّة صاحباً وخليلا
إنَّ شيمَ شيَم الغيث أو مضَى برقه / أو ريع كانَ الصارم المسلولا
وإذا أتيتَ إلى مناهل فضله / لتنال من إحسانه ما نيلا
تلقى قؤولاً ما هنالك فاعلاً / يا قلَّ ما كانَ القؤول فعولا
وإذا مضى كرماً على أمواله / كانَ القضاء بأمره مفعولا
ما زال برًّا بالعُفاة ومسعفاً / بل مسرعاً بالمكرمات عجولا
وإذا سألتُ مكارماً من ماجد / ما كانَ غير نوالك المسؤولا
ولقد هَزَزْتُكَ للجميل فخِلْتَني / أنِّي أهزُّ مهنَّداً مصقولا
تالله ما عُرِفَ السَّبيل إلى الغنى / حتَّى وَجَدْتُ إلى عُلاك سبيلا
وإذا سألتُ سواكَ كنت كأنَّني / أبغي لذاتك في الأنام مثيلا
قسماً بمجدك وهو أعظم مقسمٍ / يستخدم التعظيم والتبجيلا
لو كنتَ في الأُمم المواضي لم تكنْ / إلاَّ نبيًّا فيهم ورسولا
إنَّ الَّذي أعطاك بين عباده / قدراً يجلّ عن النظير جليلا
أعطاك من كرم الشَّمائل ما به / جُعِلَتْ ذكاء على النهار دليلا
أطلَعْتَ من تلك المكارم أنجُماً / لم تَرْضَ ما أفل النجوم أُفولا
عَلِقَتْ بك الآمال من دون الورى / يوماً فأدْرَكَ آملٌ مأمولا
ورجوتُ ما ترجى لكلِّ ملمَّةٍ / فوجَدْتُ جودك بالعطاء كفيلا
ولك اليد البيضاء حيث بسطتها / تهب العطاء الوفر منك جزيلا
ولوَ انَّني استسقيت وابل دِيمَةٍ / لم تُغنيني عن راحتيك فتيلا
هي مَوْرِدٌ للآملين ومنهل / دعني أفوزُ بلثمها تقبيلا
فلأنشُرنَّ عليك غُرَّ قصائدي / ولأشكرنَّك بكرةً وأصيلا
ومن الثناء عليك في أمثالها / لم يَبْقَ قولٌ فيك إلاَّ قيلا
هَلاّ نَظَرْتَ إلى الكئيب الوالِهِ
هَلاّ نَظَرْتَ إلى الكئيب الوالِهِ / وسأَلْتَه مُسْتكشفاً عن حالِهِ
أَودى بمهجته هواك ولم يَدَعْ / منه الضَّنى إلاَّ رسوم خياله
الله في كبد تذوب ومدمع / أهرَقْتَ صَوْبَ مصُونه ومذاله
وحشاشة تورى عليك وناظر / ممَّن دعا لوبالها ووباله
أتظُنُّه يسلو هواك على النَّوى / تالله ما خطر السُّلُوُّ بباله
عذراً إليك فلو بدا لك ما به / ما كنتَ إلاَّ أنتَ من عذَّاله
وَيْلي من الحيِّ المراق له دمي / في غاب ضيغمه كناس غزاله
هذا يصول بطرفه وبقَدِّه / صولات ذاك برمحه ونصاله
من كلِّ معتقل قناة قوامه / والطَّعنُ كلُّ الطَّعنِ من عسَّاله
رامٍ يسدِّدُ سَهْمَه ويريشه / أَحشايَ من أَغراض وقع نباله
مرَّت ممسَّكة الصّبا فتنفَّست / عن ورد وجنته ومسكة خاله
ولكم جرى بيني وبين رضابه / ما كانَ عند السكر من جرياله
لا تعذلنَّ على الهوى أهل الهوى / ودع المشوق كما علمت بحاله
أمَّا رحيل تصبُّري وتجلُّدي / فغداةَ جدّ الرّكب في ترحاله
إنْ تنشدا قلبي وعهدكما به / صاع العزيز فإنَّه برحاله
يا أيُّها الحادي أما بك رأْفةً / بالرّكب منحطّ القوى لكلاله
عجت المطيّ لمنزلٍ مستوبلٍ / حتَّى وَقَفْتُ به على أطلاله
ولقد سأَلتَ فما أجابك رَبْعه / فعلامَ تُكثِرُ بعدَها بسؤاله
سحب النَّسيمُ على ثراك إذا سرى / أرَجاً يفوح المسك من أذياله
يا دارَنا وسقاك من صوب الحيا / ما إنْ يصوب الرّيَّ صبّ سجاله
سقياً لعهدك بالغميم وإنْ مضى / وتصرَّمَتْ أوقاته بظلاله
قد كنتُ أَعلمُ أنَّ عيشك لم يدم / وبَصُرْتُ قبل دوامه بزواله
قستُ الأُمور بمثلها فعَرَفْتُها / ولقد يُقاس الشَّيء في أمثاله
وتَقَلُّبي في النائبات أباحني / نَظَراً إلى غاياته ومآله
أنَّى تفوزُ بما تُحاولُ همَّتي / والدَّهر مُلْتَفِتٌ إلى أنذاله
وأَرى المُهذَّبَ في الزَّمان معذَّباً / في النَّاس في أقواله وفعاله
لا كانَ هذا الدَّهر من مُتمرِّدٍ / ماذا يلاقي الحرُّ من أهواله
سَعِدَ الشَّقيُّ بعيشه في جهله / وأخو الكمال معذَّبٌ بكماله
وأنا الَّذي قهر الزَّمان بصبره / جلداً على الأَرزاء من أنكاله
ما زلت ندب الأَكرمين وإنْ يكنْ / قلَّ الكريمُ النَّدبُ في أجياله
لله دَرُّ أبي جميل إنَّه / بَهَرَ العقول جميلُهُ بجماله
جَبَلٌ منيعٌ لا منال لفخره / قَصُرَتْ يد الآمال دون مناله
لا تعدلنَّ به الأَنام بأَسرِها / شتَّان بين تلوله وجباله
فَلَكٌ تَدورُ به شموسُ مناقبٍ / يُشْرِقْنَ بين جماله وجلاله
فَسَلِ النُّجومَ الزّهرَ وهي طوالعٌ / هلْ كُنَّ غير خلاله وخصاله
متوقّلٌ جبل الأُبوَّة لم يزلْ / في القُلَّة القعساء وطء نعاله
فمَضَتْ عزائمه على آماله / وقَضَتْ مكارمه على أمواله
طود توقّره الحلومُ وباذخٌ / لا يطمع الحدثان في زلزاله
حسبُ المكارم أنَّه من أَهْلِها / من بعد أَصحاب النّبيّ وآله
أَصْبَحْتُ أَعذر من يتيه بمدحه / عذر المليح بتيهه ودلاله
فكأَنَّما اغْتَبَقَ القريضُ بذكره / كأْس الشّمول تَرَقْرَقَتْ بشماله
يرتاح للجدوى فيطرب أَنْ يُرى / وَهَّاب غرّ المال قبل سؤاله
وإذا انتقدت بني الزَّمان وَجَدْتَه / رَجُلَ الزَّمان وواحداً برجاله
هو شرعة الظَّامي إذا اتَّقَدَ الظَّما / أَظما ولم أَفْقِدْ نَميرَ زلاله
وأنا الغريقُ من الجميل بزاخر / يكفي القليل النزر من أوشاله
في كلِّ ليلٍ حالكٍ من حادث / إنِّي لمرتقبٌ طلوع هلاله
لا غروَ أَنْ أُكفى به عن غيره / هَلْ كنتُ إلاَّ من أقلِّ عياله
فكأَنَّه للناس أجمَعِها أَبٌ / يحنو لرأْفته على أطفاله
ولقد أَقولُ لمنْ أراد نِضالَه / ما أَنتَ يومَ الرَّوع من أبطاله
في كلّ معترك لمشتجر القنا / ضاقت فسيحاتُ الخُطا بمجاله
كالعارضِ المنهلِّ يومَ نواله / والصَّارم المنسلّ يوم نزاله
بأَبي القَؤول الفاعل القرم الَّذي / تجنى ثمار الصّدق من أقواله
إنِّي نَعِمْتُ بجاهه وبماله / تَعسَ البخيل بجاهه وبماله
شَمِلَتْني الأَلطاف منه بساعةٍ / قبَّلْتُ ظهرَ يمينه وشماله
لا زالَ يُقْبِلُ بالعطاء عليَّ من / أفضاله أبداً ومن إقباله
متتابع النعماء جلَّ مآربي / فيه ومعظم ثروتي من ماله
ومحمِّلي بالفضل شكراً سرَّني / أنِّي أكونُ اليوم من حمَّاله
عقلَ القريض لسانه عن غيره / ورأى لساني فيه حلَّ عقاله
والفضل يعرفه ذووه وإنَّما / عَرفَ الفتى من كانَ من أشكاله
نسجت يداه من الثناء ملابساً / لا تنسج الدُّنيا على منواله
ما ودَّع الصبُّ المشوقُ وما قلى
ما ودَّع الصبُّ المشوقُ وما قلى / رشأً أغنَّ من السوانح أكحلا
يرنو فيُرْسِلُ من سهامِ لِحاظِه / سَهماً يصادف من مَشوقٍ مقتلا
خُذ ما تراه هم المتيَّمِ في الهوى / خَبَرُ الصبابة مجملاً ومفصّلا
ما آمن الواشي بآيةِ صَبْوَتي / حتَّى رأى دمعي بحبّك مرسلا
لا زال يكثر بالملامة عاذلي / إنَّ المتيَّمَ بالمرمَة مُبتلى