القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 4
هاج القرامُ وهيَّجا بلبالي
هاج القرامُ وهيَّجا بلبالي / بَرْقٌ يمانيٌّ وريحُ شمال
وترنم الورقاء في أفنانها / ما زاد هذا الصب غير خبال
وأُشيمُ من برقِ الغُوَير لوامعاً / فإخاله تبسام ذات الخال
زعم المفنِّد أنْ سلوت غرامها / زوراً وما خطر السلوّ ببالي
ما بال أحداق المها من يعرب / فتكت بغير صوارم ونصال
يرمين في المهج الهوى فتظنها / ترمي القلوب بنافذات نبال
هيف من الغيد الحسان سوانح / من كل داء يا أميم عضال
لله ما فعل الغرام بأهله / والحب في أهليه ذو أفعال
ولقد أقول لأبلج لا أهتدي / إلاَّ بصبح جبينه لضلال
أبلى هواك حشاشتي وأذابها / لولاك ما أصبحت بالي البال
بالله يا مؤذي الفؤاد بلومه / جَدّ الغرام فلا تمل لجدالي
حمّلتني ما لا أُطيق وإنَّما / حُمّلتُ أثقالاً على أثقالي
كيف احتيالك في سلوّ متيّم / أعْيَتْ عليه حيلة المحتال
إنّي أحِنُّ إلى مراشف ألعسٍ / تغني مذاقتها عن الجريال
ويشوقني زمن غصبت سروره / رغماً على الأنكاد والأنكال
أيام نتّخذ المَسرَّة مغنماً / فنبيت نرفل في برود وصال
ومليكة الأفراح تبرز بيننا / قد كُلِّلَت تيجانها بلال
يسعى بها أحوى أغنُّ مهفهفٌ / فترى الغزالة في يمين غزال
ويحضّنا داعي السرور على طلاً / زفت على الندمان بالأرطال
ألهو فيطرب مسمعي من غادة / نغم الحليّ ورنة الخلخال
وألذّ ما يلقى الخليع سويعة / خفيت عن الرقباء والعذال
أيامها مرّت ولا ندري بها / فكأنها مرّت مرور خيال
أين الأحبّة بعد أسنمة اللّوى / قد حال من بعد الأحبّة حالي
سارتْ ظُعونهم وما أدَّت لنا / حقًّا على الأَزماع والترحال
أَقمار أَفلاك الجمال تغيَّبت / بعد الطلوع على حدوج جمال
وما كنت أدري لا دريت بأنَّه / هول الوداع نهاية الأَهوال
وجهلت يا لمياء قتل ذوي الهوى / حتَّى بليت بحبِّكِ القتَّال
سكان وجرة والعذيب وبارق / تحريمكم للوصل غير حلال
أنتم أسرتم قلب كلّ متيّم / بلحاظ أحوى مائل لملال
أو يطلقون من الأسار عصابة / غلّتهم الأَشواق في أَغلال
ما جرّدت فينا صوارمها النوى / إلاَّ لقطع حبالهم وحبالي
أسفي على عمرٍ تقضَّى شطره / في خيبة المسعى إلى الآمال
وبنات أفكار لنا عربيَّة / رخصت لدى الأَعاجم وهي غوالي
يا هذه أينَ الذين عهدتهم / آساد معترك وغيث نوال
عجباً لمثلي أنْ يقيم بمواطنٍ / متشابهِ الأَشراف بالأَنذال
تقذى نواظره بأوجه معشر / لا يعثرون بصالح الأَعمال
وَلِعَت بهم أيامهم من دوننا / ما أولعَ الأيامَ بالجهَّال
لولا خبال الدهر ما نال الفنى / في الناس ذو بَلَهٍ به وخبال
هم كالبحور الزاخرات وإنَّني / لم أنتفع من وردهم ببلال
ذهب الملوك الباذلات أكفّهم / بذل الغمام بعارض هطال
حتَّى عفت أطلال كلّ فضيلة / فليبك من يبكي على الأَطلال
وأرى النقيصة شأن كلّ مبجلٍ / فكمال فضل المرء غير كمال
وكأنَّما الأيام آلت حلفة / أن لا أرى في الدهر غير نكال
وأنا الَّذي حَلَّيْتُ أجياد العُلى / بعقود ألفاظي ودُرّ مقالي
إنْ كنت من حلل الفضائل ناسجاً / أبرادها فانسج على منوالي
ما فضل أبناء الزَّمان فضيلتي / كلاّ ولا أمثالهم أمثالي
إنَّا لنسمع بالكرام فأين هم / هيهات ما هم غير لمع الآلِ
لولا وجود ابن الجميل وجوده / قلت الزَّمان من الأكارم خالي
قرم لراحته وشدَّة عزمه / جود السحاب وصولة الرئبال
يعطي ولم يُسأل نداه وهكذا / يعطي الكريم ولو بغير سؤال
وأحق خلق الله بالمدح امرؤ / كثرت عطاياه من الإِقلال
خوَّاض ملحمة الأُمور بهمَّةٍ / جالت سوابقها بكلِّ مجال
ضربت به الأَمثال في عزماتها / حتَّى غدا مثلاً من الأَمثال
لا زالَ يُطلِعُ في سموات العُلى / أقمار مجدٍ أو نجوم خلال
خُلُقٌ يمازجه الندى فطلاهما / كالرَّاح مازجها غير زلال
يفتر عن وبل المكارم مثلما / يفتر عن وطفاء برق الخال
وعن المروءة وهي شيمة ذاته / ما حال عند تقلّب الأَحوال
يحمي النزيل بنفسه وبماله / يسخو بها كسخائه بالمال
والخوف يوم الطعن من وشك الردى / كالخوف يوم البذل من إقلال
إنَّ الشجاعة والسَّماحة حلَّتا / منه بأفضل سيِّد مفصال
يرتاح للمعروف إذ هو أهله / فيهش للإِنعام والإِفضال
مثل الجبال الرَّاسيات حلومه / أمنَ الأنام به من الزلزال
عوّل عليه في الشدائد كلّها / واسأل فثَمَّ محل كلّ سؤال
حيث المحاسن قُسِّمت أشطارها / فيه على الأَقوال والأَفعال
ومهذب سبق المقال بفعله / حيث الفعال نتيجة الأَقوال
ولطالما وعد العفاة فبادرت / يمناه الحسنى على استعجال
ويمدّها بيضاءَ يهطلُ وبلها / ويسيل شامل برها السيال
يعطي ولا منٌّ ويجزي بالذي / هو أهله وينيل كلّ منال
سامٍ إذا ما قست فيه غيره / قست الهضاب بشامخات جبال
قيل تعاظم كالرَّواسي شأنه / وكذاك شأن السَّادة الأَقيال
عزّت أبوَّته وجلَّ فنفسه / في العزِّ ذات أُبوَّة وجلال
يمّم ذرى عبد الغنيّ فإنَّه / لمناخ مجد أو محطّ رحال
آل الجميل وأهله ومحلّه / سادوا البريَّة في جميل خصال
الصائنون من الخطوب نزيلهم / والباذلون نفايس الأَموال
فغلت نفوسهم ببذل مكارم / للوفد ترخص كلّ شيء غال
فترى على طول المدى أيَّامهم / يومين يوم ندى ويوم نزال
يا من سرت عنه سباق محامد / تجتاب بين دكادك ورمال
فَسَرَت كما تسري نسايمها الصبا / عبقت بطيب نوافج وغوالي
عن روضة غنَّاء باكرها الحيا / فوهت بقطر الصيّب المنهال
ولقد قربت من المعالي قربك ال / داني من العافين بالإِيصال
فبعدت عن قرب الدنيَّة في الدنى / بعد المكارم من يد الأَرذال
وترفَّعت بك شيمة علويَّة / لم ترضَ إلاَّ بالمحلِّ العالي
سبق الكرام الأَوَّلين فقولنا / سبق الأُلى هذا المجلّي التالي
ممَّن يذلّ لديه صعب خطوبها / بأساً ويبطل غيلة المغتال
فكأنَّ حدَّة عزمه صمصامه ال / ماضي وفيصل عضبه الفصَّال
طلاّب شأو الفخر بين الورى / في المجد بين صوارمٍ وعوالي
والمجد يطلب في شفير مهنَّد / ماضي الغرار وأسمرٍ عسَّال
والفخر في فضل الفتى وكماله / والعزّ صهوة أشقرٍ صهَّال
لك منطقٌ يشفي القلوب كأَنَّه / بُرْءٌ من الأَسقام والإِعلال
ومناقب كست القوافي بردة / في الحسن ترفل أيّما إرفال
أضحى يغرِّد فيك مطرب مدحها / لا بالعقيق ولا بذات الضال
فاقبل من الدَّاعي قصيدة شعره / لأعدها من جملة الإِقبال
فعليك يا فخر الوجود معوَّلي / وإليك من دون الأنام مآلي
لولا علاقتنا بمدحك سيِّدي / لتعلَّقت آمالنا بمحال
فاغنم إذَنْ أجر الصّيام ولم تزلْ / تهنا بعَوْرِ العيد من شوال
عفَتِ المنازلُ رقَّةً ونُحولا
عفَتِ المنازلُ رقَّةً ونُحولا / فاحبس بها هذي المطيَّ قليلا
وأرِق دموعك إنَّما هي لوعةٌ / بعثَتْ إليك من الدموع سيولا
وابكِ المعالم ما استطعتَ فربَّما / بلَّ البكاء من الفؤاد غليلا
واستجدِ ما سمح السَّحاب بمائه / إنْ كانَ طرفك يا هذيم بخيلا
يا ناق ما لَكِ كلَّما ذُكِرَ الغضا / جاذَبْتِ أنفاسَ النسيم عليلا
إنَّ الَّذين عهدت في أجزاعها / أمست ظعوناً للنوى وحمولا
جُمَلٌ من العبرات يوم وداعهم / فصَّلتها لفراقهم تفصيلا
وكأَنَّ دمعَ الصّبّ صَوبُ غمامةٍ / يسقي رسوماً نُحَّلاً وطلولا
يا منزلَ الأَحباب أينَ أحبَّة / سارت بهم قبّ البطون ذميلا
راحوا وراحَ رداء كلّ مفارق / تلك الوجوه بدمعه مبلولا
ومضت ركائبهم تُقِلُّ جآذراً / يألَفْنَ من بيضِ الصَّوارم غيلا
عرضت لنا والدَّمع يسبق بعضه / بعضاً كما شاءَ الغرام مسيلا
ويلاه من فتكات أحداق المها / مَلأَتْ قلوبَ العاشقين نصولا
لولا العيون النجل لم تلقَ امرأً / يشكو الجراح ولا دماً مطلولا
يا أختَ أمِّ الخشف كيف تركته / يوم الغميم متيَّماً متبولا
أورَدْتَه ماءَ العيون صبابةً / ومَنَعْتَ خَمرَ رضابكَ المَعْسولا
هلاّ بعثتَ له الخيالَ لعلَّه / يرتاح في سِنَة الكرى تخييلا
وكَّلْت بالدّنف الضنى لك شاهداً / وكفى بذلك شاهداً ووكيلا
ولقد علمت ولا إخالُك جاهلاً / إنَّ العذولَ بهنَّ كانَ جهولا
ما لاحَ ذيَّاك الجمال لعاذلٍ / إلاَّ وكانَ العاذل المعذولا
ضَلَّ العذولُ وما هدى فيما هذى / بلْ زادني بدعائه تضليلا
كيف السبيل إلى التصابي بعدما / قد قاربَ الغصنُ الرَّطيبُ ذبولا
أسفاً على أيَّام عمر تنقضي / كَدَراً وتذهب بالمنى تأميلا
وبنات أفكارٍ لنا عربيَّةٍ / لا يرتضين سوى الكرام بعولا
وإذا نهضتُ إلى الَّتي أنا طالب / في الدَّهر أقعدني الزَّمان خمولا
سأروع بالبين المطيّ ولم أبَلْ / أذهَبْنَ كدًّا أمْ فَقَدنَ قفولا
وأُغادر النجب الكرائم في السّرى / تغري حزوناً أقفَرَتْ وسهولا
لا تعذليني يا أُميم على النَّوى / فلَقَدْ عزَمْتُ عن العراق رحيلا
ما بين قومك من إذا أمَّلْته / ألفيت ثمَّةَ نائلاً ومنيلا
وتقاصرت همم الرجال وأصبَحتْ / فيهم رياض الآملين محولا
تأبى المروءة أن تراني واقفاً / في موقفٍ يَدَعُ العزيز ذليلا
أو أنَّني أرضى الهوان وأبتغي / بالعزّ لا عاش الذَّليل بديلا
صبراً على هذا الزَّمان فإنَّه / زمَن يُعَدُّ الفضل فيه فضولا
لولا جميلُ أبي جميل ما رأت / عيناي وجه الصَّبر فيه جميلا
أهدي إليه قلائداً بمديحه / كشفت قناع جمالها المسبولا
فأخال ما يطربنه بنشيدها / كانت صليلاً في الوغى وصهيلا
ويميل من كرم الطباع كأنّما / شرِبَتْ شمائله المدام شمولا
ذو همَّة بَعُدَتْ فكان كأَنَّه / يبغي بها فوق السَّماء حلولا
لو لم يكنْ في الأرض من أعلامها / كادَتْ تميل بأهلها لتزولا
الصادق العزمات إن ريعت به / الأَخطار قطع حبلها الموصولا
لا آمن الحدثان إلاَّ أن أرى / بجوار ذيَّاك الجناب نزولا
إنِّي اختبرت جنابَهُ فوجدْتُهُ / ظِلاًّ بهاجرة الخطوب ظليلا
وإذا تَغَيَّرتِ الحوادث بامرئ / لا يقبل التغييرَ والتبديلا
قَصرت بنو العلياء عن عليائه / ولوَ انَّها تحكي الشوامخ طولا
كم شاهد الجبَّار من سطوته / يوماً يروع به الزَّمان مهولا
في موطنٍ لم يتَّخذ غير القنا / والمشرفيَّة صاحباً وخليلا
إنَّ شيمَ شيَم الغيث أو مضَى برقه / أو ريع كانَ الصارم المسلولا
وإذا أتيتَ إلى مناهل فضله / لتنال من إحسانه ما نيلا
تلقى قؤولاً ما هنالك فاعلاً / يا قلَّ ما كانَ القؤول فعولا
وإذا مضى كرماً على أمواله / كانَ القضاء بأمره مفعولا
ما زال برًّا بالعُفاة ومسعفاً / بل مسرعاً بالمكرمات عجولا
وإذا سألتُ مكارماً من ماجد / ما كانَ غير نوالك المسؤولا
ولقد هَزَزْتُكَ للجميل فخِلْتَني / أنِّي أهزُّ مهنَّداً مصقولا
تالله ما عُرِفَ السَّبيل إلى الغنى / حتَّى وَجَدْتُ إلى عُلاك سبيلا
وإذا سألتُ سواكَ كنت كأنَّني / أبغي لذاتك في الأنام مثيلا
قسماً بمجدك وهو أعظم مقسمٍ / يستخدم التعظيم والتبجيلا
لو كنتَ في الأُمم المواضي لم تكنْ / إلاَّ نبيًّا فيهم ورسولا
إنَّ الَّذي أعطاك بين عباده / قدراً يجلّ عن النظير جليلا
أعطاك من كرم الشَّمائل ما به / جُعِلَتْ ذكاء على النهار دليلا
أطلَعْتَ من تلك المكارم أنجُماً / لم تَرْضَ ما أفل النجوم أُفولا
عَلِقَتْ بك الآمال من دون الورى / يوماً فأدْرَكَ آملٌ مأمولا
ورجوتُ ما ترجى لكلِّ ملمَّةٍ / فوجَدْتُ جودك بالعطاء كفيلا
ولك اليد البيضاء حيث بسطتها / تهب العطاء الوفر منك جزيلا
ولوَ انَّني استسقيت وابل دِيمَةٍ / لم تُغنيني عن راحتيك فتيلا
هي مَوْرِدٌ للآملين ومنهل / دعني أفوزُ بلثمها تقبيلا
فلأنشُرنَّ عليك غُرَّ قصائدي / ولأشكرنَّك بكرةً وأصيلا
ومن الثناء عليك في أمثالها / لم يَبْقَ قولٌ فيك إلاَّ قيلا
هَلاّ نَظَرْتَ إلى الكئيب الوالِهِ
هَلاّ نَظَرْتَ إلى الكئيب الوالِهِ / وسأَلْتَه مُسْتكشفاً عن حالِهِ
أَودى بمهجته هواك ولم يَدَعْ / منه الضَّنى إلاَّ رسوم خياله
الله في كبد تذوب ومدمع / أهرَقْتَ صَوْبَ مصُونه ومذاله
وحشاشة تورى عليك وناظر / ممَّن دعا لوبالها ووباله
أتظُنُّه يسلو هواك على النَّوى / تالله ما خطر السُّلُوُّ بباله
عذراً إليك فلو بدا لك ما به / ما كنتَ إلاَّ أنتَ من عذَّاله
وَيْلي من الحيِّ المراق له دمي / في غاب ضيغمه كناس غزاله
هذا يصول بطرفه وبقَدِّه / صولات ذاك برمحه ونصاله
من كلِّ معتقل قناة قوامه / والطَّعنُ كلُّ الطَّعنِ من عسَّاله
رامٍ يسدِّدُ سَهْمَه ويريشه / أَحشايَ من أَغراض وقع نباله
مرَّت ممسَّكة الصّبا فتنفَّست / عن ورد وجنته ومسكة خاله
ولكم جرى بيني وبين رضابه / ما كانَ عند السكر من جرياله
لا تعذلنَّ على الهوى أهل الهوى / ودع المشوق كما علمت بحاله
أمَّا رحيل تصبُّري وتجلُّدي / فغداةَ جدّ الرّكب في ترحاله
إنْ تنشدا قلبي وعهدكما به / صاع العزيز فإنَّه برحاله
يا أيُّها الحادي أما بك رأْفةً / بالرّكب منحطّ القوى لكلاله
عجت المطيّ لمنزلٍ مستوبلٍ / حتَّى وَقَفْتُ به على أطلاله
ولقد سأَلتَ فما أجابك رَبْعه / فعلامَ تُكثِرُ بعدَها بسؤاله
سحب النَّسيمُ على ثراك إذا سرى / أرَجاً يفوح المسك من أذياله
يا دارَنا وسقاك من صوب الحيا / ما إنْ يصوب الرّيَّ صبّ سجاله
سقياً لعهدك بالغميم وإنْ مضى / وتصرَّمَتْ أوقاته بظلاله
قد كنتُ أَعلمُ أنَّ عيشك لم يدم / وبَصُرْتُ قبل دوامه بزواله
قستُ الأُمور بمثلها فعَرَفْتُها / ولقد يُقاس الشَّيء في أمثاله
وتَقَلُّبي في النائبات أباحني / نَظَراً إلى غاياته ومآله
أنَّى تفوزُ بما تُحاولُ همَّتي / والدَّهر مُلْتَفِتٌ إلى أنذاله
وأَرى المُهذَّبَ في الزَّمان معذَّباً / في النَّاس في أقواله وفعاله
لا كانَ هذا الدَّهر من مُتمرِّدٍ / ماذا يلاقي الحرُّ من أهواله
سَعِدَ الشَّقيُّ بعيشه في جهله / وأخو الكمال معذَّبٌ بكماله
وأنا الَّذي قهر الزَّمان بصبره / جلداً على الأَرزاء من أنكاله
ما زلت ندب الأَكرمين وإنْ يكنْ / قلَّ الكريمُ النَّدبُ في أجياله
لله دَرُّ أبي جميل إنَّه / بَهَرَ العقول جميلُهُ بجماله
جَبَلٌ منيعٌ لا منال لفخره / قَصُرَتْ يد الآمال دون مناله
لا تعدلنَّ به الأَنام بأَسرِها / شتَّان بين تلوله وجباله
فَلَكٌ تَدورُ به شموسُ مناقبٍ / يُشْرِقْنَ بين جماله وجلاله
فَسَلِ النُّجومَ الزّهرَ وهي طوالعٌ / هلْ كُنَّ غير خلاله وخصاله
متوقّلٌ جبل الأُبوَّة لم يزلْ / في القُلَّة القعساء وطء نعاله
فمَضَتْ عزائمه على آماله / وقَضَتْ مكارمه على أمواله
طود توقّره الحلومُ وباذخٌ / لا يطمع الحدثان في زلزاله
حسبُ المكارم أنَّه من أَهْلِها / من بعد أَصحاب النّبيّ وآله
أَصْبَحْتُ أَعذر من يتيه بمدحه / عذر المليح بتيهه ودلاله
فكأَنَّما اغْتَبَقَ القريضُ بذكره / كأْس الشّمول تَرَقْرَقَتْ بشماله
يرتاح للجدوى فيطرب أَنْ يُرى / وَهَّاب غرّ المال قبل سؤاله
وإذا انتقدت بني الزَّمان وَجَدْتَه / رَجُلَ الزَّمان وواحداً برجاله
هو شرعة الظَّامي إذا اتَّقَدَ الظَّما / أَظما ولم أَفْقِدْ نَميرَ زلاله
وأنا الغريقُ من الجميل بزاخر / يكفي القليل النزر من أوشاله
في كلِّ ليلٍ حالكٍ من حادث / إنِّي لمرتقبٌ طلوع هلاله
لا غروَ أَنْ أُكفى به عن غيره / هَلْ كنتُ إلاَّ من أقلِّ عياله
فكأَنَّه للناس أجمَعِها أَبٌ / يحنو لرأْفته على أطفاله
ولقد أَقولُ لمنْ أراد نِضالَه / ما أَنتَ يومَ الرَّوع من أبطاله
في كلّ معترك لمشتجر القنا / ضاقت فسيحاتُ الخُطا بمجاله
كالعارضِ المنهلِّ يومَ نواله / والصَّارم المنسلّ يوم نزاله
بأَبي القَؤول الفاعل القرم الَّذي / تجنى ثمار الصّدق من أقواله
إنِّي نَعِمْتُ بجاهه وبماله / تَعسَ البخيل بجاهه وبماله
شَمِلَتْني الأَلطاف منه بساعةٍ / قبَّلْتُ ظهرَ يمينه وشماله
لا زالَ يُقْبِلُ بالعطاء عليَّ من / أفضاله أبداً ومن إقباله
متتابع النعماء جلَّ مآربي / فيه ومعظم ثروتي من ماله
ومحمِّلي بالفضل شكراً سرَّني / أنِّي أكونُ اليوم من حمَّاله
عقلَ القريض لسانه عن غيره / ورأى لساني فيه حلَّ عقاله
والفضل يعرفه ذووه وإنَّما / عَرفَ الفتى من كانَ من أشكاله
نسجت يداه من الثناء ملابساً / لا تنسج الدُّنيا على منواله
ما ودَّع الصبُّ المشوقُ وما قلى
ما ودَّع الصبُّ المشوقُ وما قلى / رشأً أغنَّ من السوانح أكحلا
يرنو فيُرْسِلُ من سهامِ لِحاظِه / سَهماً يصادف من مَشوقٍ مقتلا
خُذ ما تراه هم المتيَّمِ في الهوى / خَبَرُ الصبابة مجملاً ومفصّلا
ما آمن الواشي بآيةِ صَبْوَتي / حتَّى رأى دمعي بحبّك مرسلا
لا زال يكثر بالملامة عاذلي / إنَّ المتيَّمَ بالمرمَة مُبتلى

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025