عُرْسٌ أقيمَ على الدمِ المسفوكِ
عُرْسٌ أقيمَ على الدمِ المسفوكِ / أأُرَدِّدُ الألحانَ أم أبكيكِ
باريسُ حيَّرْتِ القريضَ فمرّةً / يشدو وحيناً والِهاً يَدْثيك
نهكَتْكِ داهيةُ الْخُطوبِ فلم تَدعْ / للفوْزِ غيرَ حُشاشةِ المنهوك
إنْ كان ما تَعْنِي الحياةُ تنفُّساً / فالعيشُ خَيْرٌ في ظِلالِ النوك
لَهفي عليكِ ولهفَ شعري ما الذي / لاقيتِ من جَبَريّةٍ وفُتوك
ما بين ظُلْمٍ كالمنونِ مُحجَّبٍ / عاتٍ وظلمٍ كاسمِه مهتوك
ألقيتِ نفسَكِ للطغاةِ غنيمةً / ومضَى القضاءُ فعزّ مَنْ يُنجيكِ
جُرْحُ الهزيمةِ لا تَجِفُّ دماُه / وتجفُّ داميةُ القنا المشكوك
ناديتِ لا بيتانُ في تسعينهِ / مُصْغٍ ولا لافالُ بين ذَويك
ولقيتِ من عَسْفِ العدوِّ وكيدِه / دونَ الذي لاقيتِ من أهليكِ
ولي الْحُماةُ فما أجابوا دعوةً / لمّا دعاهم للردَى داعيك
تركوك للموتِ الزُؤام وأدبروا / يا ليتَهم للموتِ ما تركوك
ومضَوْا حيَارَى ذاهلين فما رأوا / كَفَّيْكِ ضارعةً ولا سمِعوك
قذفوا السلاحَ فصبّه أعداؤُهم / غُلاً فكاد حديدهُ يُرْديك
ونُعِيتِ للدنيا فشبَّتْ لوعةٌ / أصلَى القلوبَ بحرِّها ناعيكِ
ويلَ الشبابِ من النعومةِ إنَّها / أعراضُ سُمٍّ للشعوبِ وشيك
ما أتعسَ الزمنَ الجديدَ بِفِتْيةٍ / قتلوه في التصفيفِ والتدليك
قلبٌ كقُرْطِ الغانياتِ مُفَرّغٌ / وإرادةٌ من حيْرةٍ وشُكوك
عاشوا صعاليكَ الحياةِ وليتهم / فازوا بصدقِ عزيمةِ الصُّعْلوك
أبقتْ ليالي الأُنسِ من أخلاقهم / فزعَ النعامةِ وازدهاءَ الديك
باريسُ هالتْكِ الدماءُ غزيرةً / فسقطتِ بين نَصالِ جزّاريك
خِفْتِ القذائِفَ أن تهدَّ معالماً / فتهدّمَ التاريخُ في أيديك
ما كان أحْرَى لو دُكِكْتِ إلى الثرىَ / وتركتِ ذكْراً ليس بالمدكوكِ
ما برجُ ايفَ حين يسلَمُ مانعٌ / هَمْساً يطِنُّ غداً بأذْنِ بنيك
لو طال صبرُكِ في المكارهِ ساعةً / لرأيتِ أنّ الموتَ قد يُنجيك
إنّ الذي خلقَ الكرامةَ صانها / بالسيفِ يمحو رأْيَ كلِّ أفيك
بين المهانةِ والمَعَزّةِ خُطوةٌ / فإذا ضلِلْتِ فقلَّ مَنْ يَهديك
شتانَ بين فتىً يموتُ مجالِداً / وفتىً يموتُ بجُرْعةِ الفينيك
شتّى أساليبُ الحياةِ ولا أرَى / للمجدِ غيرَ طريقهِ المسلوك
سرُّ البطولةِف الشدائدِ جُرْأةٌ / سيَّانِ تَفرى الخطبَ أم يَفريك
قد كنتِ في السبعين أكرمَ موقفاً / والغانياتُ بشَعرِها تفديكِ
باريسُ قد ضرب الثبات بلندنٍ / مَثَلاً إلى أمثالِه يدعوك
عبَستْ لهم دنكركُ فاقتحموا الردَى / ومشَوا بوجهٍ للمنونِ ضحوك
واستقبلوا نُوّبَ الزمانِ ضراغماً / لما تخلّف عاهلُ البلجيك
جعلوا الهزائِمَ سُلّماً فتسلّقوا / للنصرِ فوقَ جماجمٍ وتَرِيك
أصْلَتْهُمُ الهيجاءُ نارَ جحيمها / فتخلّصوا كالعَسْجدِ المسبوكِ
لو أنَّهم وهَنوا لزالتْ ريحُهم / وقضَوْا عبيدَ الذلِّ والتفكيك
ولمَا رمى شرْ بُرْجَ منهم جَحْفَلٌ / في مأزِقٍ كفمِ الليوثِ ضَنيك
ولما رأت روما طلائعَ نجدةٍ / تشري المحامدَ بالدمِ المسفوكِ
ولما مضَى روميلُ يلعَقُ جُرْحَه / ويجرُّ ذيلَ العاثرِ المفلوك
ولما جرت في البحرِ تخطِرُ سُفْنُهم / من آخرِ الهادي إلى البلطيك
باريسُ والذكرىَ جحيمٌ فانظُري / نحوَ السماءِ لعلّها تُتسيك
وتذكّري ماضيكِ فهو مَجادةٌ / قد كان أستاذَ الوَرى ماضيك
يا أمَّ هوجو كلُّ شِعْرٍ يرْتَجي / لو كان يَلْقَى وحيَه من فيك
أشعلتِ مصباحَ الفنون فأشرقت / بضيائه الأيامُ بعد حلوك
فيكِ الثقافةُ بالمجانةِ تلتقي / ماذا أقولُ وكلُّ شيءٍ فيك
يا كعبةَ الدنيا ويا نادي الهوَى / الآنَ كيفَ الحالُ في ناديكِ
أتُرَى البلابلُ لا تزالُ صوادحاً / ام راعها الغِربانُ في واديكِ
والغانياتُ أُفزِّعتْ أسرابُها / وتفرّق السُّمارُ عن شاديك
طلعتْ عليكِ مع الصباح فوارسٌ / ومشَى الغريمُ لحقِّه المتروك
طاحوا بقيدكِ في الهواء وكم لهم / مِنَنٌ على المأسورِ والمملوك
وجنودُكِ الأحرارُ تستبقُ الْخُطا / لتردَّ صفعتَها إلى غازيك
فتفرّق الأعداءُ عنكِ بَدائداً / والطعنُ فوق قفاهُمُ المصكوك
سبحانَ من لا حكم إلاّ حكمهُ / يُمضِي إرادتَه بغير شريك
عودي إلى ظلِّ السلامِ وأشْرِقي / كالشمسِ تعلو الأفْقَ بعد دُلوكِ
واستقبلي الدنيا جديداً واعلمي / أنّ الأسَى والحزنَ لا يُجديك
قَدَرُ الإلهِ إذا كرِهتِ لقاءه / فلعَلَّ في عُقْباه ما يرضيك