المجموع : 10
ما كان عندي والرِّكابُ مُناخةٌ
ما كان عندي والرِّكابُ مُناخةٌ / قبلَ التّفرّقِ أنّني أُستاقُ
إن كان يومُ البينِ شتّت شملَنا / فخلالَه قُبَلٌ لنا وعناقُ
لا تطمعوا في الصَّبر منّى بعدكمْ / فلَقَلّما تتصبَّر العشّاقُ
ما للخيالِ ببطن مَرٍّ يطرقُ
ما للخيالِ ببطن مَرٍّ يطرقُ / أنّى وليس له هنالك مَطْرَقُ
زار الهجودَ وَلم يَنَلْهُ ولا اِهتدى / منّا إليه مُسهَّدٌ ومؤرَّقُ
لو كان حقّاً زار في وَضَحِ الضُّحى / فالزَّوْرُ وَهْناً كاذبٌ لا يصدقُ
زرتَ الّذين توهّموها زَوْرَةً / ومضيتَ لمّا خفتَ أن يتحققوا
وقرُبتَ قرباً عاد وهو تبعُّدٌ / ووصلتَ وصلاً آب وهو تفرُّقُ
وَخَدعتَ إلّا أنَّ كلَّ خديعةٍ / رَوَّتْ صدى كَلِفٍ يُحبّ ويعشِقُ
ما كان عندي والرّقادُ مجانبٌ / لجفونِ عيني أنّ طَيْفَكَ يطرُقُ
كَيفَ اِهتَدى والبعدُ منّا واسعٌ / لرحالنا هذا العَناقُ الضيّقُ
أم كيف طاف مُسَلَّمٌ بمكلَّمٍ / أم كيف عاج على الأسير المطلقُ
ومُجَدَّلٍ بيد الكَلالِ كأنّه / في الرِّيِّ يُصبح بالمُدامِ ويَغبُقُ
أمسى موسّده وقد سكن الكرى / في مُقلتيه ساعدٌ أو مِرْفَقُ
وإذا ترفّعت الحدوجُ فقل لما / واراه عنّا الوَشْيُ والإستبرقُ
حتّى متى عطشانُكمْ لا يرتوي / من مائكمْ ومريضُكمْ لا يُفرقُ
لم تعرفوا شوقاً فلم تأووا لمن / يُضحِي ويُمسِي نحوكم يتشوّقُ
أقسمتُ بالبيتِ العتيق تزورهُ / بالشّاحطين من الرّجال الأينُقُ
لمّا أتوه خائفين تشبّثوا / بستاره ليجُيرهم وتعلّقوا
والقومُ في وادي مِنىً فمجرّدٌ / أو لابسٌ ومُلَبِّدٌ ومُحَلِّقُ
والبُدنُ يُهرَق ثَمَّ من أوداجها / ما لم يكن لولا العبادةُ يُهرَقُ
والموقِفَين ومن تراه فيهما / يرنو إلى عفو الإله ويرمُقُ
لبسوا الهجير محرّقين جلودهمْ / من خوف نارٍ في الجحيم تُحرِّقُ
إنّ الّذين أعدّهمْ من عنصري / وبهمْ إذا فاخرتُ يوماً أعلقُ
شَجعوا فمِنْسَرُهمْ يروّع جَحْفَلاً / ووحيدُهمْ يومَ الكريهةِ فَيْلَقُ
ولهمْ إذا جمدتْ أكفٌّ في ندىً / أو في وغىً أيد هناك تَدَفَّقُ
قلْ للّذين تطامحوا أنْ يفخروا / بمفاخرٍ ببنائهمْ لا تَعْلِقُ
غُضّوا اللِّحاظَ فقد عَلَتْ تَلْعاتِكمْ / في مفخرٍ منّا الجبالُ الشُّهَّقُ
وإذا تسابقت الجيادُ إلى مدىً / أو غايةٍ أخذ الرّهانَ السُّبِّقُ
ولنا وليس لكم سوى الثَّمْدِ الّذي / لم يروِ ظمآناً بُحورٌ فُهَّقُ
كم ذا نكصتمْ عن طلابِ فضيلةٍ / أنا من جوانبها أخُبُّ وأَعنِقُ
وفررتُمُ ووقفتُ في ملمومةٍ / فيها القنا بيد الطّعانِ تُدَقَّقُ
وخرستُمُ ونطقتُ في النّادي الّذي / يُعطَى المقادَةَ فيه مَن هو أنطقُ
ورُزقتُ لمّا أن سعيتُ إلى العُلا / فاِسعوا كما أنّي سعيتُ لتُرزقوا
وفريتُ لمّا أنْ خلقتُ فما لكمْ / والفَريُ ناءٍ عنكُمُ أن تخلقوا
والنّاسُ في الدنيا إذا جرّبتَهمْ / إِمّا هباءٌ أو سرابٌ يبرقُ
إمّا صديقٌ كالعدوِّ تقاعداً / عن نصرتي أو فالعدوّ المُحْنَقُ
لا مَخبَرٌ يُرضِي القلوبَ ولا لهمْ / مرأَى به ترضى النّواظرُ يُونِقُ
في كلِّ يومٍ لِي ديارُ أخوَّةٍ / تخلو وشملُ مودّةٍ يتفرّقُ
والقلبُ منّي بالكروبِ مُقَلْقَلٌ / والجلدُ منّي بالنّيوبِ مُمَزَّقُ
وعَرِيتُ من ورق الإخاءِ وطالما / كانت غصوني بالأخوّةِ تورقُ
فاليوم ما لِي من خليلٍ أرتَضي / منه الإِخاءَ ولا صديقٌ يصدقُ
أعطاهُمُ زمنٌ مضى فتجمّعوا / واِبتزّهمْ زمنٌ أتى فتفرّقوا
فلقد قطعتُ العمرَ في قومٍ لهمْ / في كلّ مكرُمةٍ جبينٌ مشرقُ
وعليهمُ من كلّ ما زان الفتى / في العين أو في القلب منّا رَوْنَقُ
ما فيهمُ إلّا مُحَلّىً بالعُلا / ومَسَوَّرٌ ومتوّجٌ ومطوَّقُ
وتراهُمُ سامين في طرقِ العُلا / فإذا رأوْ سُبْلَ العضيهة أطرقوا
فالآن والسّبعون تعطِفُ صَعْدَتِي / وتُرِثُّ مِنّي ما تشاءُ وتُخلِقُ
وتألّقتْ لِي لِمَّةٌ كان الهوى / كلّ الهوى إنْ لم تكنْ تتألّقُ
واِسودّ منّي كلُّ ما هو أبيضٌ / بالرّغمِ لمّا اِبيضّ منّي المَفْرقُ
طوّحتُ بين معاشرٍ ما فيهمُ / خُلُقٌ ولا خَلْقٌ يُحَبُّ ويومَقُ
من دونهمْ أبداً لكلّ فضيلةٍ / سَترٌ وبابٌ للكريمةِ مغلقُ
فالظّنّ فيهمْ للجميل مكذِّبٌ / والظّنّ فيهمْ للقبيح مصدّقُ
فَإِلامَ يرمينِي بسهمٍ صائبٍ / مَن ليس لِي منهم إليه مفوِّقُ
فَعلى الّذين مَضوا وعينِي بعدهمْ / تجري وقَلبي نحوهم يتشوّقُ
منّي التحيّةُ غدوةً وعشيّةً / ووكيفُ منخرقِ العَزالِي مُغْدقُ
وعلى مساكنهمْ وإنْ سكنوا الثّرى ال / أَرَجُ الذكيُّ أو النّسيمُ الأعبقُ
لا تحذر البيضَ الصّوارمَ والقنا
لا تحذر البيضَ الصّوارمَ والقنا / واِحذرْ بجُهدك ما يقول المنطقُ
يبقى الكلامُ وكلُّ كَلْمٍ مؤلمٍ / يمحوه ليلٌ أو نهارٌ مشرقُ
والقولُ إمّا كان في عِرْضِ الفتى / كذباً فكم كذب الرّجال وصدّقوا
قل للّذي جمع التِّلادَ وعنده / أنّ التِّلادَ ثَنِيَّةٌ لا تُطْرَقُ
إنّ الحِمامَ لِمَا نَظَمْتَ مُشتِّتٌ / ولما جمعتَ مبدّدٌ ومفرّقُ
والمالُ بعد الموتِ من خُزّانِهِ / شِلْوٌ على أيدي الرّجالِ يُمزَّقُ
ما قرّبوا إِلّا لبينٍ نوقا
ما قرّبوا إِلّا لبينٍ نوقا / فاِحبِسْ دموعاً قد أصَبْنَ طريقا
رحلوا فليس ترى على آثارهمْ / إلّا دُموعاً ذُرَّفاً وغريقا
وأسيرَ شَجْوٍ لا يُطيق فراقهمْ / يبكي وقد شَحَطَ الخليطُ طليقا
طَرَقَ الخيالُ ولم يكن قبل النّوى / هذا الخيالُ لنا هناك طَروقا
لم أدرِ ما هو غيرَ أنّ طُروقَه / أغرى بشائقةِ القلوبِ مشوقا
يا ضَرَّةَ القَمَرين لِمْ ذوّقْتِنِي / ما لم يكن لولا هواكِ مذوقا
لو كنتِ ريحاً كنتِ نَشْرَ لَطيمةٍ / أو كنتِ وقتاً كنتِ منه شُروقا
وعجبتُ من قلبٍ يودّك بعدما / أضرمتِ بالهجرانِ فيه حريقا
إنْ كنتِ آمنةَ الفراق فإنّنِي / ما زلتُ من يومِ الفراقِ فَروقا
رحنا نعلِّلُ بالوداعِ مطيقةً / ما لم أكن للثِّقْلِ منه مطيقا
وَرأيتُ مدمَعها يجود بلؤلؤٍ / فيعود من ورد الخدود عقيقا
ذهب الشّبابُ وكم مضى من فائتٍ / لا نستطيع له الغداةَ لحوقا
ما كانَ إلّا العيشَ قُضِّيَ فاِنقَضى / بالرّغمِ أو ماءَ الحياةِ أُريقا
فَلو اِنّني خُيِّرتُ يوماً خُلَّتِي / ما كنتُ إلّا للشّباب صديقا
ولقد ذكرتُ على تقادم عهده / عيشاً لنا بالأنْعَمين أنيقا
وإذا تراءَتْنِي عيونُ ظبائهمْ / كنتُ الفتى المرموقَ والمَوْموقا
ومرشّفِ الشّفتين زار مخاطراً / حتّى شقاني من يديه الرِّيقا
ما إِنْ يبالي مَنْ تذوّق عَذْبَهُ / وهوَ المُنى أنْ لا يذوق رحيقا
ومرنّحين من الكلالِ كأنّهمْ / كرعوا سُلافَ البابِليّ عتيقا
ركبوا قلائصَ كالنّعائمِ خرّقَتْ / عنها الظّلامَ بوَخْدِها تَخرِيقا
يَقطَعن أجوازَ الفَلا كمعابِلٍ / يمرُقن عن جَفْنِ القِسيِّ مُروقا
حتّى بدا وَضَحٌ كُغرّةِ شادِخٍ / أو بارقٌ يحدو إليك بُروقا
فكأنّه للمبصرين ذُبالةٌ / عَلِقَتْ ببادرةِ الزّنادِ علوقا
ولقد فخرتُ بمعشرٍ لمّا اِعتلَوْا / لم يرتَضوا النَّسْرين والعَيّوقا
ملكوا الفخارَ فما ترى مِن بعدهمْ / إلّا اِفتخاراً منهُمُ مسروقا
النّاحرين إذا الرّياحُ تناوحتْ / للنّازلين فنيقةً وفنيقا
أكل الضّيوفُ لحومَها ولطالما / أكل السُّرى دَمَكاً بها وعنيقا
والمُسبلين على الصّديق مَبَرَّةً / والممطرين على العدوّ عقوقا
والمُحرجين فضاءَ مَن ناواهُمُ / والمرحبين على الوليّ مضيقا
وإذا جروا طَلَقاً إلى شأْو العُلا / تركوا سَبوقَ معاشرٍ مسبوقا
قومٌ إذا شهدوا الوغى ملأوا الوغَى / بالضّرب هاماً للكماةِ فليقا
وإذا سرحتَ الطّرفَ لم تَرَ فيهمُ / إلّا نَجيعاً بالطّعانِ دفيقا
ومتى دعوتَهُمُ ليومِ عظيمةٍ / جاؤوا صباحاً مشرقاً وشُروقا
تركوا المعاذرَ للجبان وحلّقوا / في شامخٍ عالي الرَّجا تحليقا
وَإِذا الكرامُ لدَى فخارٍ خُصِّلوا / كانوا كرامَ ثرىً وكانوا النِّيقا
مِن كلِّ أبلجَ كالهلال تخاله / عَضْباً صقيلَ الطُّرَّتين ذَلوقا
قد قلتُ للمتولّعين ببأسهمْ / والفاتقين إلى البَوارِ فتوقا
إيّاكُمُ أنْ تركبوا من سخطهمْ / بحراً غزيرَ اللُّجَّتين عميقا
وَأَنا الّذي ما زلتُ من جَنَفِ الرّدى / رُكناً لأبناءِ الحِذار وثيقا
أقرِي الّذي ذادوه عن باب القِرى / وأعيدُ محرومَ الغِنى مرزوقا
والضّربُ يهتك جانباً متستّراً / والطّعْنُ يفتُقُ جانباً مرتوقا
واليومُ ليس ترى به متحكِّماً / إلّا حديدَ الشَّفرَتين رقيقا
يَفرِي الترائبَ والطُّلى وكأنّه / لَطَخَ الكميَّ بما أسال خَلوقا
وعصائبٌ دبّوا إلى خُططِ العُلا / فرأوا مجازَ اللَّهْدِ آنَ خَليقا
وتقوّضوا من غير أن يتلوّموا / مثلَ الغمامِ إذا أصاب خريقا
للمجدِ أجلابٌ وليس نراكُمُ / أبداً لأجلابِ الأماجد سوقا
لا مُدَّ فيه لكمْ فكيف أراكُمُ / كَذِبَ المُنى أن تأخذوه وُسُوقا
خلّوا الفخارَ لمعشرٍ ما فيهمُ / إلّا الّذي اِتَّخذ الحسامَ رفيقا
وَإِذا مَضى قُدُماً يُريغ عظيمةً / لَم تلقَه عمّا يروم مَعوقا
مُستَشهِدٌ أبداً لنَجْدة بأسه / ثَلْمَ الحسامِ وعاملاً مدقوقا
وجماجماً يهبطن عن نثر الظُّبا / خللَ العجاج وأذرُعاً أو سوقا
وله إذا جمد الكرامُ عن الندى / مالٌ يهانُ ندىً وعِرْضٌ يوقى
مَنْ مُنصِفِي من حكم أعوجَ جائرٍ / أَعْيَتْ نعوتُ خصاله المنطيقا
أعلاَ السّفيه وحطَّ أهلَ رزانةٍ / فكأنّه جعل اللِّبابةَ مُوقا
ما ضرّ مَنْ صحّتْ عهودُ حِفاظِهِ / أنْ كان بعضُ قميصِه مخروقا
فَدع اِمرءاً طلب الغِنى بمذلَّةٍ / سُلِبَ الرّشادَ وخُولِس التّوفيقا
جمع النُّضارَ إلى النُّضارِ ولم يخفْ / من دهره التّمزيقَ والتّفريقا
أين الأُلى طلعوا النِّجادَ مهابةً / وتسنّموا فلك النّجومِ سُموقا
الرّافعين مع السّماءِ رؤوسهمْ / والضاربين إلى البحور عروقا
بادوا كَما اِقترحَ الحِمامُ ومزّقَتْ / أيدي البلى أشلاءهمْ تمزيقا
فهُمُ بأجداثِ القبور كأنّهمْ / كلأٌ هشيما بالرّياح سحيقا
فَمتى أَردتَ العزَّ فَاِجعلْ رُسْلَه / إمّا سيوفاً أو رماحاً روقا
وَاِبسطْ إلى الإعطاءِ راحةَ واهبٍ / لا يعرف التّقتيرَ والتَّرنيقا
وَاِتركْ لِمَن طلب الغِنى دنياهُمُ / وحُطامَها وأُجاجَها المَطروقا
وَكُن الّذي تَرك السؤالَ لأهلِه / وأقامَ من سُكرِ الطِّلاب مُفيقا
وَلقد رجوتُ وصالكمْ فكأنَّني
وَلقد رجوتُ وصالكمْ فكأنَّني / حاولتُ شَحْطاً لا يُرامُ سحيقا
وعطفتُكم أُدنِي إليَّ وِصالَكم / فكأنّني أُدني به العَيُّوقا
ومن البليّةِ أنْ يؤمّلَ طافحٌ / سكرانُ من خمر الغرامِ مُفيقا
وَلو اِستطعتُ طرحتُ ثِقْلَ غرامكمْ / فلطالما عاد الأسيرُ طليقا
علّ البخيلة أن تجود لعاشقٍ
علّ البخيلة أن تجود لعاشقٍ / ما زال يقنع بالخيال الطارقِ
صدّتْ وقد نظرتْ سوادَ قرونها / عنّي وقد نظرتْ سواد مفارقي
وتعجّبتْ من جُنحِ ليلٍ مظلِمٍ / أنّى رمى فيه الزّمانُ بشارقِ
وسوادِ رأسٍ كان رَبْعَ أحبّةٍ / رجع المشيبُ به طلولَ مُفارقِ
يا هندُ إنْ أنكرتِ لونَ ذوائبي / فكما عهدتِ علائقي وطرائقي
ووراءَ ما شَنِئتهُ عينُك ضَلَّةً / ما شئتِ من خُلُقٍ يسرّك رائقِ
أوَميضُ شيبٍ أم وميضُ بواترٍ / قَطَّعْنَ عند الغانياتِ علائقي
وكأنّ طَلعة شيبةٍ في مَفْرقٍ / عندَ الغواني ضربةٌ من فالِقِ
ومعيّري شيبَ العِذار وما درى / أنّ الشّبابَ مطيّةٌ للفاسقِ
ويقول لو غيّرتَ منه لونَه / هيهات أُبدِلُ مؤمناً بمنافقِ
والشّيبُ أملأ للصّدور وإن نَبتْ / عن لونه في الوجه عينُ الرّامقِ
وإذا ليالي الأربعين تكاملتْ / لِلمرءِ فهو إلى الرّدى من حالقِ
ولقد صحوتُ من الهوى وسلوته / أيّامَ ريعان الشّباب مُفارقي
وكفيتُ عذّالِي فليس يشوقني / من كان يوماً قبل ذلك شائقي
من بعد أن أَوْضَعتُ في سَنَنِ الصِّبا / وأخذتُ في اللّذّاتِ خَصْل السابِقِ
ومشيتُ مُلتاثَ الإزارِ كأنّما / ساورتُ قهوةَ صابحٍ أو غابقِ
تنزو بِيَ النشواتُ كلَّ عشيّةٍ / نَزْوَ الجنادب في متونِ حدائقِ
وأخٍ رميتُ إخاءَه لمّا نَبَتْ / أخلاقُهُ عنّى بفرقةِ طالقِ
وتركته لمّا وجدتُ أديمَه / متفرّقاً من قبل فَريِ الخالِقِ
يرمي إليَّ وقد ملأتُ ضميره / نَدَماً على ما فات لَحْظَ مُسارِقِ
وَأَنا الّذي علمتْ نِزارٌ كلُّها / من بيتها في رأسِ أرعَنَ شاهقِ
وَإذا تتابعت السّنون فلن ترى / أستارنا مسدولةً من طارِقِ
وترى على كَلَبِ الزّمانِ جفانَنا / وتعاقُبِ الأضيافِ جِدَّ فواهقِ
وتخال طالعةَ الكواكبِ وسْطَها / قد مُنطقَتْ من نظمها بمناطِقِ
وإِذا تشاجرت الرّماحُ رأيتني / رَحْبَ الخُطا في المأزقِ المتضايقِ
وعليَّ مِن نَسْجِ الأسنّةِ نَثْلَةٌ / وعلى كُماةِ الرَّوْعِ نسجُ يَلامِقِ
في ظهر سابقةٍ تفيءُ عروقُها / يومَ الجِراءِ إلى الوَجيهِ ولاحِقِ
وإذا جَرتْ فالبرقُ ليس بمسرعٍ / إيماضُهُ والطَّرْفُ ليس بسابقِ
أُنمى إلى بيت العُلا من هاشمٍ / من ذلك الأصلِ الأشمِّ الباسِقِ
قومٌ إذا حَمِيَ الحديدُ عليهمُ / يَرِدون أوديةَ النّجيعِ الدّافِقِ
وإذا هَوَوْا من نجدةٍ في خُطَّةٍ / لم يَثْنِهمْ عنها نعيقُ النّاعقِ
وهُمُ غيوثُ صنائعٍ ومجاوعٍ / وهُمُ ليوثُ مواقفٍ ومآزقِ
وهُمُ صدورُ محافلٍ ومجالسٍ / وهُمُ بدورُ مواكبٍ وفيالِقِ
مَن مُبلغٌ عنّي بنِي جُشَمٍ وإِنْ / كانوا على حكمِ الزَّمانِ أَصَادقي
كم في صدوركُمُ لنا من إحْنَةٍ / برزتْ فموّهَهَا لسانُ الناطقِ
ولَكَمْ لكمْ بِشْرٌ تكشّف غِبَّه / عن شرّ عاقبةٍ كخُلَّبِ بارقِ
ومتى أُصِخْ سمعاً لرجع جوابكمْ / فإلى كلامِ مُواربٍ ومماذِقِ
إنّي مَرَيْتُكُمُ فكنتُ كمن مَرى / جَدّاء لا تسخو بدَرّةِ حالِقِ
ما في عهودكُمُ وإنْ وثّقتُمُ / شَطَنٌ تَعلَّقُهُ يمينُ الواثقِ
والجارُ بين بيوتكمْ كَثِبٌ على الْ / أعداءِ نَصْبَ جوائحٍ وبوائقِ
يسري إِليه ضراركم وخُصصتمُ / من دونه بمنافعٍ ومرافقِ
ومتى تفكّر في عطائكمُ اِمرؤٌ / لم يدرِ أسخطه قضاءُ الرّازقِ
ودرى بأنّ النُّجحَ ليس لعاقلٍ / فينا وأنَّ الحظَّ حظُّ المائقِ
يا ثاوِياً خَلفَ الرّتاجِ المُطْبقِ
يا ثاوِياً خَلفَ الرّتاجِ المُطْبقِ / أَعزز عليَّ بِأنّنا لا نلتقي
دخل الزّمانُ كما كرهنا بيننا / وَرمَى اِجتِماعاً بيننا بتفرّقِ
وودِدْتُ لمّا قلتُ قد فارقتُهُ / تحتَ الجَنادل أنّنِي لم أصدقِ
وطرحتُه متسربلاً نَسْجَ الثّرى / في قعر مُسودّ الجوانبِ ضيّقِ
وفعلتُ فيه وإنّنِي شَفِقٌ به / لمّا يئستُ فِعالَ غيرِ المشفقِ
ورجعتُ عنه كأنّنِي لم ألقه / وكأنّنِي بنسيمه لم أعْبَقِ
أبكي وليس يردّ ميتاً ماضياً / جَزَعي عليه ولا طويلُ تحرُّقي
وسَرقتُه مِنْ بين مَنْ حرّمته / ففقدتُه فوددتُ أنْ لم أسرِقِ
أَينَ الّذينَ بَنوا رفيعاتِ البنا / مِن بارقٍ وسَدِيرِه وخَوَرْنَقِ
ومَنِ اِبتني الهَرَمين ثمَّ علاهما / بالعَصْب والدّيباج والإستبرقِ
أم أين مَن أعلا بنا إيوانِهِ / عزّاً كَنجمٍ في السّماءِ محلّقِ
وَتَرى اللّيالي بكرةً وعشيّةً / خَضِلَ الأصائلِ منه غضَّ الرَّونَقِ
كانت تفتّحُ للثّرا أبوابُه / فثناه مصرعُه ببابٍ مُغلَقِ
وَلَكَمْ تَوسّد في القِلالِ نمارقاً / فالآن نوسدُه صَعيدَ الأبرقِ
ومتوّجٍ بمرصّعٍ من عَسْجَدٍ / بوغاؤه في اللحْدِ تاجُ المَفْرَقِ
تَهتَزّ فوق شَواتِه في حفرةٍ / من بعد ألْوِيَةٍ غُصونُ العِشْرِقِ
سوَّى الرّدى بين الرّجال فباسلٌ / كمجبّنٍ ومُمَوَّلٍ كالمُمْلِقِ
وَإِذا مَضوا حِزَقاً إلى حُكمِ البِلى / نُبذوا إلى كَفّي سفيهٍ أَخْرَقِ
فجلودُهمْ ببنانِ كلِّ ممزِّقٍ / وعظامهمْ في ماضِغَيْ متعرِّقِ
كانوا الحلولَ بكلِّ قصرٍ شاهقٍ / فهمُ الحلولُ بكلّ قفرٍ سَمْلَقِ
وكأنّ فارسَهمْ لِطِرْفٍ ما علا / وخطيبَهمْ في مَحفلٍ لم ينطقِ
قُل للّذي كَنز الكنوزَ لغيره / جَهلاً وجمّع ماله لمفرّقِ
إِنْ كنتَ ما أنفقتَه ضنّاً به / أضحى برغمك في أناملِ مُنفقِ
وإذا البخيل حمى لضنٍّ نفسه / من رزقه فكأنّه لم يُرزَقِ
وَنعى إليَّ الشُّمسيَّ مُخْبِّرٌ / فوددتُ أنّ لسانَه لم يُخلَقِ
وجَهَدتُ كلَّ الجهْدِ وهو مُحقّقٌ / لمقاله أنْ كان غيرَ محقَّقِ
فبليتُ من نجواه لا ناجى بها / بمسهِّدٍ طولَ الدُّجى ومؤرّقِ
وسُلبتُ منه كلَّ خُلْقٍ مُعجِبٍ / وفَقدتُ منه كلَّ شيءٍ مونِقِ
وطلبتُه بين الرّجالِ فلم يكنْ / ولربّ مطلوبٍ بنا لم يلحقِ
وكأنّنِي من بعده ذو قفرةٍ / صَفِرَتْ إداوتُهُ كليلُ الأنيُقِ
ولقد محا آدابَه وعلومَه / منّا الرّدى بالرّغْمِ مَحْوَ المُهْرَقِ
فَكَأنّنا لِكلامِهِ لم نستمعْ / وكأنّنا لعبيره لم ننشَقِ
ولوِ الرّدى ممّا يدافعه الفتى / لدفعتُ عنه بكلّ غالٍ أرْوَقِ
وبكلّ خوّارِ المهزّةِ باترٍ / عَضْبٍ رقيقِ الشَّفْرَتين مُذَلَّقِ
وحطمتُ في دفعي رداك أسنَّةً / فوق الجياد الضُّمَّراتِ السُّبَّقِ
حتّى ألفَّ مثلّماً بمثلَّمٍ / ومن الوشيج مدقّقاً بمدقَّقِ
في غُلْمَةٍ متسرّعين إلى الرّدى / متهجّمين على المقامِ الضيّقِ
من كلّ وضّاح الجبين كأنّه / قمرٌ وممتدِّ القناةِ عَشَنَّقِ
مُتزاحمين فَمنْسِرٌ في مَنْسِرٍ / أو فَيْلَقٍ بضرابه في فيلقِ
لم يشربوا إلّا كؤوسَ قِسِيّهِمْ / أَو يَطعموا إلّا لحومَ المأْزقِ
لِقناهُمُ بين الأضالعِ في الوغى / زَجَلٌ ولا زجلُ الأَباءِ المُحْرَقِ
وإِذا هُمُ طعنوا تريبَ مُجَرَّدٍ / أضحى بنسجِ نقيعه في فَيلقِ
وَصحبتنِي وأنا اِمرؤٌ متدرِّعٌ / درعَ الشّبابِ وبُرْدَةً لم تَخلُقِ
لم تُمحَ مِنّي جِدَّتي ونضارتي / كلّا ولا نَضُبَتْ غضارةُ رونقي
جادتْ عليك سحائبٌ مُنهلَّةٌ / من كلِّ منفتِقِ الكُلى متخرِّقِ
صَخْبِ الرُّعودِ له زماجرُ أخجلتْ / باللّيلِ زَمْجَرَةَ الهِزَبْرِ المُحنَقِ
وَكأنّه متراكماً صُمٌّ هَوَتْ / من شاهقٍ أو جِلّةٌ من دَرْدَقِ
وسقاك ربُّك ليس ما يسقي به / بمُصَرَّدٍ كلّا ولا بمرنَّقِ
ورثيتُ منك أخا فضائلَ لم تزلْ / كالشّمسِ أو كالكوكبِ المتألّقِ
عجزتْ يدي عن أنْ تَبَرَّكَ ميّتاً / فخذ المبرَّةَ كلّها من منطقي
ما كان يومُك يا أبا إسحاقِ
ما كان يومُك يا أبا إسحاقِ / إلّا وداعي للمُنى وفراقي
وأشدّ ما كان الفراقُ على الفتى / ما كان موصولاً بغير تلاقِ
ولقد أتاني من مصابك طارقٌ / لكنّه ما كان كالطرّاقِ
فالنّارُ يوقدها الأسى في أضلُعِي / لا للصِّلى والماءُ من آماقي
ما كان للعينين قبلك بالبكا / عهدٌ ولا الجنبين بالإقلاقِ
وأطَقْتُ حملَ النّائباتِ ولم يكنْ / ثِقْلٌ برُزئِك بيننا بمطاقِ
لولا حِمامُك ما اِهتَدى همٌّ إلى / قلبي ولا نارٌ إلى إحراقي
وسُلبتُ منك أجلَّ شطْرَيْ عيشتي / وفُجعتُ منك بأنفسِ الأعلاقِ
وقَذِيتُ في قلبي بفقدك والقذى / في القلبِ يُنسينا قَذاةَ الماقِ
لمّا رأيتُك فوق صهوةِ شَرْجَعٍ / بيد المنايا أظلمتْ آفاقي
وكأنّنِي من بعد ثُكلك ذو يدٍ / جذّاءَ أو غصنٌ بلا أوراقِ
أو راكبٌ في القفر دَفَّيْ جَسْرَةٍ / غَرْثي بلا شَثٍّ ولا طُبّاقِ
إنّي عليك لما ذهبتَ لموجَعٌ / وإليك لمّا غبتَ بالأشواقِ
يا نافعي والجلدُ منّي ضيّقٌ / برزِيَّتِي أَلّا يَضيقَ نطاقي
كم من ليالٍ لي قصارٍ بعده / طُوِّلْنَ بالإيجاِع والإيراقِ
ولو اِفتُديتَ فداك بادرةَ الرّدى الْ / أقوامُ بالمهجاتِ والأحداقِ
وَبكلّ ممتلئِ الضّلوِع بسالةً / هادٍ إِلى طُرُقِ الهدى سبّاقِ
تهمي دماً من كفّه سحبُ الوغي / من غير إرعادٍ ولا إِبراقِ
وتراه يهوي في التّراب إلى ظُباً / مسلولةٍ وإلى ظهورِ عِتاقِ
وإلى سِنانٍ فوق هامةِ ذابلٍ / هتّاكِ كلِّ تريبةٍ خرّاقِ
أين الرّجالُ المالكو رِبَقِ الورى / والمُرْتقون إلى أعزِّ مراقِ
والطّاردون بجودهم وعطائهم / في المُملقين عوادِيَ الإملاقِ
ولهمْ أكفٌّ ما تولّتْ وحدَها / في النّاسِ إِلّا قِسمةَ الأرزاقِ
وإذا هُمُ لبسوا المحاسِنَ أهْوَنوا / بملابسِ التِّيجانِ والأطواقِ
سيقوا إلى حُفَرِ القَواءِ كأنّهمْ / ذَوْدٌ تصرّفُه يدا سوّاقِ
وتطارحوا في قعر مظلمةِ الهُوى / محجوبةِ الإصباح والإشراقِ
واِستُنزِلوا عن كلّ شاهقةِ البِنا / من حيث لا ترقى أخامصُ راقِ
فهُمُ وقد كان الفضاءَ محلُّهم / ما بين أطباقٍ وفي أعماقِ
ما ذا الغرورُ من الزّمان بكاذبٍ / نَغْلِ المودّةِ في الهوى ملّاقِ
في كُلِّ يَومٍ ينثنِي عنه الّذي / يرجوه مملوءاً من الإخفاقِ
وإذا مددتُ إلى الزّمانِ أنامِلي / وشددتُ في أسْرِ الطّماع وَثاقي
فالأمرُ موكولٌ إلى متجرّمٍ / والعظمُ مرميٌّ إلى عرّاقِ
ما إنْ وَنَتْ سكناتُ قلبك برهةً / فيه بساعة جأْشك الخفّاقِ
ومن البليّةِ أنّنا كَلِفون مِنْ / هذي الحياةِ بِمنْكَحٍ مِطْلاقِ
في كلّ يومٍ نرتوي من شرّها / مائين من حَذَرٍ ومن إشفاقِ
وأنا الأسيرُ لها فمن هذا الّذي / يسعى إلى الأيّام في إطلاقي
إِنْ لم تكن من عنصري فَلأَنْتَ بال / آداب من أهلي وبالأخلاقِ
ومودّةٌ بين الرّجالِ تضمُّهمْ / وتلفُّهمْ خيرٌ من الأعراقِ
مَن ذا نضا عنّا شعارَ جمالنا / ورمى هلالَ سمائنا بمحاقِ
مَن ذا لوانا والصّدا عَلِقٌ بنا / عن وِرْدِ ذاك المَنْهَلِ الرَّقْراقِ
فلئنْ خرِستَ عن البيان فطالما / حكّمتَ أنّى شئتَ بالإنطاقِ
ولئنْ مُنعت عن البَراحِ فبعد ما / جوّلتَ أو طوّفتَ في الآفاقِ
ولئنْ كَبَوْتَ عن المدا بعد الرَّدى / فبما سبقتَ غداةَ يومِ سباقِ
ولئنْ تحمّلْتَ التّرابَ فطالما / قد كنتَ محمولاً على الأعناقِ
فليمضِ بعدك مَن أُحِبُّ فقد مضى / منك الحمامُ ببُغْيَتِي ووفاقي
ما لي اِنتِفاعٌ بعد فقدك صاحباً / حلوَ المذاقةِ في الورى بمذاقِ
نسَجتْ عليك رياضُ كلِّ بلاغةٍ / وسقاك منها ما تشاء السّاقي
وعصتْ على كلّ الرّجالِ فقُدتَها / لرضاك بالأرسانِ والأرباقِ
وملكتَها طولَ الزّمانِ وإنّما / فازتْ وقد وُوريتَ بالإعتاقِ
طلبوا مداك ففتَّهمْ وسبقتَهمْ / رَكْضاً ولم تسمحْ لهمْ بِلحاقِ
فالآن بعد اليأسِ منها أيقنوا / أنّ البلاغةَ في يدِ الرزّاقِ
ولْيسقِ قبرَك كلُّ مُنخرقِ الكُلى / مِرعادُ كلّ عشيّةٍ مِبْراقِ
فإذا جفا التُّربَ السحابُ فعنده / ما اِختَرتَ مِن سحٍّ ومِن إطباقِ
لم يُفْنِ دهرٌ مَن نأى وله بنا / كَلِمٌ على مرّ الزّمان بواقِ
وإذا مضيتَ وفيك فضلٌ باهرٌ / فيمنْ نسلتَ فأنتَ حيٌّ باقِ
من كان لا ترضيه منك مودّةٌ
من كان لا ترضيه منك مودّةٌ / فاِحذرْ عداوتَه بكلّ طريقِ
فعدوُّ ما تُولاهُ غيرُ مُغيَّرٍ / وحسودُ ما تُعطاهُ غيرُ مفيقِ
وإذا طلبتَ مودّةً ترضى بها / لم تُلْفِها من بين كلّ فريقِ
عنّ الخيالُ لنا ليالي الأبرقِ
عنّ الخيالُ لنا ليالي الأبرقِ / والرَّكبُ بين مسهَّدٍ ومؤرَّقِ
ومصرّعين من الكلال كأنّهمْ / صبحوا وما صبحوا بكلّ مروَّقِ
متوسّدين وقد أَمالَ رقابهمْ / سُكرُ الكرى لهمُ خدودَ الأينُقِ
إن كان زوراً باطلاً فَلَطعمهُ / حلوٌ شهيٌّ في فم المتذوّقِ
لم ينهَهَ عنّي تقوُّسُ صَعْدَتي / والشّيبُ يضحك ثغرُه في مَفْرَقي
ومرشّفِ الوجناتِ لولا حسنُهُ / سَلَتِ القلوبُ معاً فلم تتعشّقِ
يَسبِي العيونَ بحُسنِ خدٍّ مونقٍ / حاز الجمالَ وغضِّ قَدٍّ مورقِ
وافى وَهاماتُ الكواكبِ مُيَّلٌ / والصُّبحُ قد ألقى يداً في المشرقِ
واللّيلُ في بُرْدٍ رقيقٍ أزرقٍ / سَمَلٍ ولكنْ بعدُ لم يتخرّقِ
بَرَدَتْ زيارتُهُ غليلَ تحرُّقي / وشفتْ وما علمتْ طويلَ تشوّقي
ما زدتُه شيئاً وبين جوانحي / لهبُ الغرامِ على الحديثِ المونقِ
يا لائِمي في الحبِّ لو قاسيتَه / لعلمتَ أنّك كاذبٌ لم تَصدُقِ
ما كنتَ للعذل الّذي لم تُلفِني / أُصغِي إِليه من الصّبابةِ مُعنِقي
فدع الملامةَ لا مفيقٌ من هوىً / فينا ولا في رأيه من مُفْرِقِ
قل للوزير أبي المعالي واِبنِها / وسليلِ كلِّ نجيبةٍ لم تُخفِقِ
يا سيِّدَ الوزراءِ من ماضٍ ومِن / آتٍ ومخلوقٍ ومن لم يُخلَقِ
لازلتَ بين تملّكٍ وتحكّمٍ / أبداً وبين تصعُّدٍ وتحلُّقِ
في خَفضِ عيشٍ لا يزول نطاقُهُ / عن ساحتيك وظلّ عزٍّ مُحدِقِ
للَّهِ دَرُّك حيث تَشتجِرُ القنا / تحت العجاج على ظهور السُّبَّقِ
واليومُ غصّانٌ بكلِّ مجدَّلٍ / فوق الثّرى وبأذرعٍ وبأسْوُقِ
والموتُ يستلب النّفوسَ بطعنةٍ / أو ضربةٍ فكأنّما لم تُخلَقِ
أوقَدْتَه حتّى اِستَطار شرارُه / وغمرتَ فيه فَيْلقاً في فَيْلَقِ
وعصابةٍ مَرَقَتْ فرُضْتَ جِماحَها / حتّى اِلتَوى فكأنّما لم تمرُقِ
أنزلتها قَسْراً على حكم الظُّبا / وقضيّةِ العالي الأشُمِّ الأزرقِ
والبِيضُ بين مُسلَّمٍ ومثلَّمٍ / والسُّمرُ بين مصحّحٍ ومدقَّقِ
لا تَحْفَلَنْ بالغابطين على الّذي / أُوتيتَ من بحر الفخارِ المُفهَقِ
وقهرتَهمْ بمحلّةٍ لا ترتَقى / وبهرتَهمْ في جودك المتدفّقِ
ودعِ الحَسودَ يقول ما هو أهلُهُ / فالقولُ بين مكذَّبٍ ومصدَّقِ
ليس الحسودُ وإنْ تموَّه أمرُهُ / في النّاس إلّا كالعدوِّ المُحنَقِ
أَنَا في بني عبد الرّحيم مُخَيَّمِي / وإذا علقتُ فمنهمُ متعلَّقِي
وبنشرهمْ عَبِقٌ ولولا أنّه / يا صاحبي نشرٌ لهمْ لم أعْبَقِ
أعطيتُهمْ ودّي ولو بيدِي المنى / شاطرتُهمْ من مدّتي ما قد بِقي
ولو اِنّ في كفّي الشّبابَ وقد مضى / لبذلتهُ وخصصتُهمْ بالريّقِ
في أيّ شِعْبٍ من شعوبِ مُرادهمْ / حتّى أُتاهِمَ لم أخِبَّ وأعنِقِ
فبأيّ أمرٍ فيهمُ لم ألْتَبِسْ / وبأيّ حبلٍ منهمُ لم أعلَقِ
كم أنقذوا من حتفِ كربٍ واسعٍ / أو أخرجوا من كفّ خطبٍ ضيّقِ
ورقَوْا منَ العلياء ما لا يُرتقى / وأتوا من الغايات ما لم يُلحَقِ
ومتى رأيتَهمُ رأيتَ تقرّبي / من دارهمْ وتخصّصِي وتحقّقِي
لا باعد اللَّهُ اللِّقاءَ ولا رمى / شملاً يضمّ جميعَنا بتفرّقِ
قد زارنا التّحويلُ يُخبر أنّه / أبداً يقابلنا بوجهٍ مُشرقِ
صقلَ الإلهُ حسامَه وأزارَه / طَلْقاً بكلِّ تهلُّلٍ وتألُّق
كم ذا لنا أملٌ به متنظَّرٌ / شوقاً ومن قلبٍ به متعلّقِ
وكساه من حُلَلِ القبول مجاسداً / ما كنّ من وشْىٍ ومن إستَبْرَقِ
وبه مفاخرُ دهرِنا وعلاؤه / دون الدّهور على الجبال الشُّهَّقِ
وَإِذا اِستمعتَ فلا تُصِخْ إلّا إلى / كَلِمٍ جلبن على الورى من منطقي
في رونقٍ بَهِجٍ وليسَ برائقٍ / ما لم يكن عَذْباً ولا ذا رونقِ
ومُنَمَّقٍ طبعاً وكلُّ مُنَمَّقٍ / بتعسّفٍ يلقاك غيرَ مُنَمَّقِ
وإذا نطقتُ بغير مدح فضائلٍ / جُمعتْ لكمْ فكأنّني لم أنطِقِ