هاجَ المُنازِلُ رِحلَةَ المُشتاقِ
هاجَ المُنازِلُ رِحلَةَ المُشتاقِ / دِمَنٌ وَآياتٌ لَبِثنَ بَواقي
لَبِسَ الرَوامِسُ وَالجَديدُ بِلاهُما / فَتُرِكنَ مِثلَ المُهرَقِ الأَخلاقِ
لِلحارِثِيَّةِ قَبلَ أَن تَنأى النَوى / بِهِمِ وَإِذ هِيَ لا تُريدُ فِراقي
وَمَجَرُّ سارِيَةٍ تَجُرُّ ذِيولَها / نَوسَ النَعامِ تُناطُ بِالأَعناقِ
مِصرِيَّةٍ نَكباءَ أَعرَضَ شيمُها / بِأُشابَةٍ فَزَرودَ فَالأَفلاقِ
هَتَكَت عَلى عوذِ النِعاجِ بِيوتَها / فَيَقَعنَ لِلرُكباتِ وَالأَوراقِ
فَتَرى مَذانِبَ كُلِّ مَدفَعِ تَلعَةٍ / عَجِلَت سَواقيها مِنَ الإِتآقِ
فَكَأَنَّ مَدفَعَ سَيلِ كُلِّ دَميثَةٍ / يُعلى بِذي هُدُبٍ مِنَ الأَعلاقِ
مِن نَسجِ بُصرى وَالمَدائِنِ نُشِّرَت / لِلبَيعِ يَومَ تَحَضُّرِ الأَسواقِ
فَوَقَفتُ فيها ناقَتي فَتَحَنَّنَت / لِهَوى الرَواحِ تَتوقُ كُلَّ مَتاقِ
حَتّى إِذا هِيَ لَم تُبِن لِمُسائِلٍ / وَسَعَت رِياحُ الصَيفِ بِالأَصياقِ
أَرسَلتُ هَوجاءَ النَجاءِ كَأَنَّها / إِذ هَمَّ أَسفَلُ حَشوِها بِنَفاقِ
مُتَخَرِّفٌ سَلَبَ الرَبيعُ رِدائَهُ / صَخِبُ الظَلامِ يُجيبُ كُلَّ نُهاقِ
مِن أَخدَرِيّاتِ الدَنا اِلتَفَعَت لَهُ / بُهمى النِقاعِ وَلَجَّ في إِحناقِ
صَخِبُ الشَوارِبِ وَالوَتينِ كَأَنَّهُ / مِمّا يُغَرِّدُ مَوهِناً بِخِناقِ
في عانَةٍ شُسُبٍ أَشَدَّ جِحاشَها / شُزُبٍ كَأَقواسِ السَراءِ دِقاقِ
وَكَأَنَّ ريقَتَها إِذا نَبَّهتَها / كَأسٌ يُصَفِّقُها لِشُربٍ صاقي
صِرفٌ تَرى قَعرَ الإِناءِ وَرائَها / تودي بِعَقلِ المَرءِ قَبلَ فُواقِ
يَنسى لِلَذَّتِها أَصالَةَ حِلمِهِ / فَيَظَلُّ بَينَ النَومِ وَالإِطراقِ
فَتَرى النِعاجَ بِها تَمَشّى خِلفَةً / مَشيَ العِبادِيِّينَ في الأَمواقِ
يَسمُرنَ وَحفاً فَوقَهُ ماءُ النَدى / وَالنَبتَ كُلَّ عَلاقَةٍ وَنِطاقِ
وَلَقَد هَبَطتُ الغَيثَ حَلَّ بِهِ النَدى / يَرفُفنَ فاضِلَهُ عَلى الأَشداقِ
أَهدي بِهِ سَلَفاً يَكونُ حَديثُهُم / خَطَراً وَذِكرَ تَقامُرٍ وَسِباقِ
حَتّى إِذا جاءَ المُثَوِّبُ قَد رَأى / أَسَداً وَطالَ نَواجِذُ المِفراقِ
لَبِسوا مِنَ الماذِيِّ كُلَّ مُفاضَةٍ / كَالنِهيِ يَومَ رِياحِهِ الرَقراقِ
مِن نَسجِ داوُدٍ وَآلِ مُحَرِّقٍ / غالٍ غَرائِبُهُنَّ في الآفاقِ
وَمَنَحتُهُم نَفسي وَآمِنَةَ الشَظى / جَرداءَ ذاتَ كَريهَةٍ وَنِزاقِ
كَالصَعدَةِ الجَرداءِ آمَن خَوفَها / لَطَفُ الدَواءِ وَأَكرَمُ الأَعراقِ
تَشأى الجِيادَ فَيَعتَرِفنَ لِشَأوِها / وَإِذا شَأَوا لَحِقَت بِحُسنِ لَحاقِ
وَأَصَمَّ صَدقاً مِن رِماحِ رُدَينَةٍ / بِيَدَي غُلامِ كَريهَةٍ مِخراقِ
شاكٍ يَشُدُّ عَلى المُضافِ وَيَدَّعي / إِذ لا تَوافَقُ شُعبَتا الإيفاقِ
إِنّي اِمرُؤٌ مِن عُصبَةٍ سَعدِيَّةٍ / ذَربى الأَسِنَّةِ كُلَّ يَومِ تَلاقي
لا يَنظُرونَ إِذا الكَتيبَةُ أَحجَمَت / نَظَرَ الجِمالِ كُرِبنَ بِالأَوساقِ
يَكفونَ غائِبَهُم وَيُقضى أَمرُهُم / في غَيرِ نَقصٍ مِنهِمُ وَشِقاقِ
وَالخَيلُ تَعلَمُ مَن يَبُلُّ نُحورَها / بِدَمٍ كَماءِ العَندَمِ المِهراقِ