هذي وصيتك النفيسةُ لم تزل
هذي وصيتك النفيسةُ لم تزل / أَلقاً تَرَ جرجً في الغمامِ الوادق
مُستلهمَ الأحرارِ بين عواصف / دُهمٍ وبين فواجعٍ وصواعق
وتظل في بحر الأثيرِ مصونةً / ولو أنها هبطت لنا من حالقِ
تجرى على أمواجه جريانَها / ملءَ العصورِ كزاحفاتِ فيالقِ
ولئن تكن خُلقت لبضعِ دقائقٍ / فسمت لنا خلقاً سموَّ الخالقِ
سَخرَت من الأحداثِ حتى أخرست / مُتصِّلفاً وأتت عل المتحامِق
تسعون عاماً أو تكادُ قد انقضت / لما نطقتَ بها كأحكمِ ناطق
وكأنَّها حُكمُ القرونِ فلم تزل / تَدوى لأخصامٍ لنا وأصادق
في كلّ لفظٍ لذعةٌ وتحرُّقٌ / وَيلٌ على الظلمِ العتىِّ الساحقِ
لم يعرف الموَتى حياةَ مثلها / ذُخرَت وَشَعَّت من أَعزِّ حقائقِ
وتعَّلقَ الأحياءُ حين تعلقوا / شغفاً بها بأعزِّ حُلمٍ صادقِ
واهتزّت الأجداثُ وهي خواشعٌ / بِيدِ الخريف من البيانِ الشائقِ
لا من رياحٍ سافياتٍ حوَلها / أو ذكرياتٍ مُرَّةٍ وبوائقِ
إن يفخر الموتى فَمن أسمعتهم / ما قلتَ قد عاشوا بفخرِ السابِقِ
تَكئوا على سُرُر الزمان قياصراً / متضوّعينَ من الحديثِ العابقِ
وكأنَّهم رُسُل المسيحِ بوعظهِ / حُراً على الجبل الفخور السامِقِ
تِيهى جِتسبرجُ العزيزةُ بالذي / حازت سماؤكِ بعدَ تُربٍ وامق
فكلاهما سَمعَ النداءَ وصانَه / روحاً وجسماً في صَدىً وخلائق
ميراثُ شعبٍ لم يزل وَطنَ العلى / وملاذَ أحرارٍ وملجأَ طارقِ
بلغت حضارَتهُ نهايةَ ذروةٍ / تُرَجى وما خَذلت تطلُّعَ واثق
ما ضَرهُ أن هَدَّدَ الجبروتُ أو / أَن هدَّد الحمقىَ بغضبةِ حانقِ
شتانَ بينَ الغاصبينَ شعارُهُم / سَفكُ الدماءِ وذبذباتُ منافِقِ
والرائدينَ المصلحينَ شعارُهُم / مُثلٌ تُرفرفُ كاللواءِ الخافقِ