المجموع : 3
طرفٌ يراعي النَّجم وهو مؤرَّقُ
طرفٌ يراعي النَّجم وهو مؤرَّقُ / وجوًى تكادُ به الجوانح تُحْرَقُ
ومع الذين أودّهم لي في الدُّجى / عتب يرقّ وعبرة تترقرق
إنِّي لأذكرهم على شحط النوى / فتظلّ عيني بالمدامع تشرق
يا سعد قد ألف السهاد متيَّمٌ / دامي الحشاشة مستهام شيّق
ماذا تقول وكيف ظنّك بالكرى / أيراجع الأَجفان وهو مطلَّق
أمْ هل يعود لنا الزمان بما مضى / من لهوه والعود غضّ مورق
أيَّام ترفل بالشباب وعيشنا / فيما تسرُّ به النُّفوس منمّق
واهاً لعيشك بين أكناف الحمى / وأحبَّة بالجزع لم يتفرَّقوا
في منزلٍ نشأت به زهر الرّيا / وسقاه ريقته السحاب المغدق
والورق تطربنا بسجع لحونها / والبان يرقص تارةً ويصفّق
أمَّا خمائله وأيّ خمائل / فالسندسُ المخضرُّ والإستبرق
كشفَ الربيعُ لنا مخايل وجهه / فيها وطابَ صبوحنا والمغبق
فرياضنا زهر النجوم وكأسنا / يسعى بها ساقٍ أغنُّ مقرطق
برزت بنوَّار الشقيق فلم يزل / بدر الدجنة عندها يتشقَّق
فكأَنَّ كأس الرَّاح برق لامع / وكأَنَّ جنح الليل غيم مطبق
ومهفهف الأعطاف تحسب أنَّه / قمر بدُريّ النجوم ممنطق
يرنو إليك بمقلة سحَّارة / تهوى ملاحتها القلوب وتشفق
أرأيت ما فعلت نواظر شادن / لم يلتفت لدم يطل ويهرق
يا أيُّها الرشأ الذي ألحاظه / ترمي بأسهمها القلوبَ وترشق
قلبي أسيرٌ في هواك معذَّب / فأنا المقيَّد في هواك المطلق
ولقد أرقْت لك الدموع بأسرها / شوقاً فما لك لا ترقّ وترفق
هلاّ رجعت إلى وصال متيَّم / شبَّ الغرام وشاب فيه المفرق
فامنن عليَّ بقبلةٍ تسخو بها / كرماً كما يتصدَّق المتصدِّق
هيهات فاتت بعد فائتة الصبا / لذاتنا الّلاتي لها أتشوَّق
ذهبتْ ولم تذهب عليها حشرة / في كلِّ يوم تستجدّ وتخلق
وعفت منازل للهوى ومعالم / كانَ الزمان بها عليه رونق
أعِدِ الحديث عن الديار وقل لنا / بأبيك ما فعل الحمى والأَبرق
لا جاز أرضك يا منازل مرعد / من عارضٍ يسقي ثراك ومبرق
واعشوشبت منك البقاع وأينعت / منك الأزاهير التي تتأنَّق
أنَّى تغيَّرت البلاد وأهلها / وأتى عليها الدهر وهو مفرق
وتبدَّلت تلك الوجوه بغيرها / غربت بدور ما هنالك تشرق
نعم الذين شقيت من أدبي بهم / فيما لقيت فما نعمت ولا شقوا
هذي هي الدنيا كما تريانها / حرم اللبيب بها وفازَ الأَحمق
فصبرت فيها والخطوب متاحة / لا ضاجر منها ولا أنا مشفق
حتَّى رأيت النائبات تقولُ لي / عجباً لصبرك كيف لا يتمرق
ومذ امتدحت أبا الجميل فلا يدي / صفر ولا أنا من نداه مملّق
حملت مناقبه الرواة بأسرها / فمغرّب بثنائه ومشرّق
من مبلغ الشّعراء عنِّي أنَّني / في الجدِّ شاعره المجيد المفلق
وسواي في الشُّعراء عن ممدوحه / راوٍ بمثل حديثه لا يوثق
غرَّدت فيه مطوَّقاً بجميله / إنَّ الحمام كما علمت مطوق
أنبأت عنه وكنت أصدق لهجة / ويسرّني أني أقول فأصدق
نبأٌ عن المجد الأَثيل ومنبئٌ / تصغي إليه أُذُنُ الزَّمان فيطرق
لو بارز الليل البهيم أعانه / من صبح غرَّته عليه فيلق
يسطو على الأَرزاء سطوة ضيغمٍ / إحدى براثنه السنان الأَزرق
متصرّف في البأس حيث وجدته / ما زالَ يفتق ما يشاء ويرتق
ويروق عند لقائه وعطائه / غيث يصوب وبارق يتألَّق
فكأنَّما العافون منه بروضة / أنهارها من كفِّه تتدفَّق
فانظر إلى الأَحرار وهي عبيده / بالبرِّ إلاَّ أنَّها لا تُعتَق
خلق الجميل بذاته لوجوده / خلقاً وها هو في سواه تَخَلُّقُ
كرم على عسر الزَّمان ويسره / لا يستقرُّ المال حتَّى ينفق
ولقد كفاني الله فيه عصابة / لا أرتجيهم أبرقوا أم أرعدوا
واللهُ يعلم أنَّ قدرك فوقهم / وعلاك في جوِّ السَّماء مُحَلِّقُ
يا لابساً بُرْدَ الأُبوَّة والعُلى / أرج الثناء بطيِّ بردك يعبق
فلكم يضوع مكارماً ومفاخراً / يحيا بطيب أريجه المستنشقُ
لم تبصرِ العينان مثلك لاحقاً / للأَوَّلين وسابقاً لا يُلحق
أحييتَ مجداً رمّ بعد فنائه / فالمجد حيٌّ في حياتك يرزق
تفديك ممَّا تشتكيه من الأَذى / خَلقٌ وددت لوَ انَّهم لم يخلقوا
وُفِّقت للفعل الجميل وصنعه / إنَّ الموفّق للجميل موفَّق
فسعى إلى جدواك كلُّ مؤمَّلٍ / باب المواهب دونه لا يغلق
تملي عليك الشكر ألسِنةٌ لها / يحلو لها لفظ ويعذب منطق
ما لي أُوَدِّعُ كلَّ يومٍ صباحاً
ما لي أُوَدِّعُ كلَّ يومٍ صباحاً / إذ لا تلاقيَ بعدَ طول فراقِ
وأُصارمُ الأَحباب لا عن جفوةٍ / منِّي ولا متعرِّضاً لشقاق
فارقتُهُم ومدامعي منهلَّةٌ / وجوانحي للبين في إحراق
وتركتهم ورجعت عنهم صابراً / حنى كأنِّي لستُ بالمشتاق
أغمَدْتُهم في بطن منخفض الثرى / بيضاً كأمثال السُّيوف رقاق
ولقد سئمتُ العيش بعد وفاتهم / وقطَعت من طمعي بهم أعلاقي
أنَّى تطيب لي الحياة ولا أرى / صحبي لديَّ وأُسرتي ورفاقي
وأرى أحبَّائي يساقطها الرَّدى / من بيننا كتساقط الأَوراق
فارقتُ أذكى العالمين قريحةً / وأجلّها فضلاً على الإِطلاق
وفَقَدْتُ مستند الرجال إذا روت / عنه الثقات مكارم الأَخلاق
قد كانَ منتجعي وشرعة منهلي / ومناط فخري وارتياد نياقي
كانت له الأَيدي يطوِّقني بها / منناً هي الأَطواق في الأَعناق
ولقد أقولُ له وقد شيَّعته / يوم الرَّحيل بمدمعٍ مهراق
أين الذهاب وعمَّ تؤخذ بعده / غرر الكلام وحكمةُ الإِشراق
قد طبتَ حيًّا في الرِّجال وميِّتاً / يا أطيب الأَفراع والأَعراق
فسقاك صوب المزن كلّ عشيَّة / متتابع الإِرعاد والإِبراق
أفنَيت في هذا المصاب تصبُّري / حزناً وما أنا إذ مضيت بباق
لا بدَّ من شربي كؤوس منيَّة / طافت عليك بها أكفُّ السَّاقي
رزءٌ أصيبَ به العراق فأرِّخوا / رُزِءَ العراقُ بموتِ عبد الباقي
قُلْ مثلَما قد قال عبدُ الباقي
قُلْ مثلَما قد قال عبدُ الباقي / في نَعْتِ عِتْرَةِ صَفْوَةِ الخلاّق
أو فاسترحْ وأرِحْ لسانك واتخذ / للنطق من صمت أجلّ نطاق
إنَّ اللسان لمضغةٌ ما لم تفه / بالطيّبات تُلاك بالأشداق
أوَ ما تراه قد أتى بأوابدٍ / تفنى بنو الدنيا وهنَّ بواقي
حِكمٌ على الألباب يُشْرِقُ نورها / لله دَرُّك حكمة الإشراق
تُشجي وتُطربُ أنفساً وجوارحاً / فكأنَّهنَّ صوارمُ الأحداق
ولقد أدار على العقول سلافةً / ما لا تدور به أكُفُّ الساقي
عن بهجة المعشوق يسفر حسنها / ولواعج المشتاق في العشَّاق
قد عانَقَتْ أشرافَ آل محمد / فكأنَّها الأطواق في الأعناق
فكأنَّها هَبَّتْ صَباً في روضةٍ / فتأرَّجَتْ بنسيمها الخفَّاق
رقَّتْ فكادتْ أنْ تسيل بلطفها / حتَّى من الأَقلام والأَوراق
وبما غَدَتْ تُملي ثناءً طيِّباً / عن طيِّبٍ في الأَصل والأَعراق
لُدِغَتْ أُميَّةُ منه أفعى تنفث ال / سّمّ الزّعاف وما لها من راقِ
كَلِمٌ ولا وخزات أطراف القنا / يَلْمَعْنَ عن صَوْب الدم المهراق
من كلِّ قافية بثاقب فكره / يفتضُّها عَذْرَا بغير صداق
طوبى له في النشأتين لقد حوى / نعمَ الذَّخيرة والثناء الباقي
فالله يجزيه بها خير الجَزا / ويَقيه شرًّا ما له من واقِ