إيهٍ على تذكارِ ما سَلَفا
إيهٍ على تذكارِ ما سَلَفا / فالدمعُ منك أَقلُّ ما وَكَفا
يا عين أنت جلبتِ ناظرةً / لفؤاديَ الأشواقَ والشَّغَفا
كم قد كَففتُك خائفاً حَذِرا / عن ناظرٍ يَقْوَى إذا ضَعُفا
فعَجِبتُ كيف رَمَيْتِ يومئذٍ / سهما فعادَ لوقِته هدفا
ذاك التبسُّمُ كان غايتَه / هذا البكاء لأجله سَرَفا
أَسرتْك وانصرفَتْ وما وَجَدت / عَزَماتُ قلِبك بعدُ مُنْصَرَفا
واللهِ ربِّ مِنىً وما جَمعتْ / وكفى بذاك لمُقْسِمٍ حَلَفا
إنى إذا ما الوصلُ أَمْكَنني / نَزَّهتُه عن ريبةٍ أَنَفا
وأبيت أَقَنع بالحديثِ ولو / كان الحديثُ إشارةً لكَفَى
وبما يُبَلِّغه الرسولُ ولو / كان النسيمُ رسولَها لشَفَي
وبطيفِها وبأنها علمتْ / أنى أَبيت بحبها كلِفا
وبلفظِ مَبْسِمِها ومَقْصِدُه / أخرى فيُهْجُني وما عَرَفا
وبرَشْفِ ماءِ النيلِ قد وَردَتْ / أولاَه ثم وردتُه طَرَفا
ولوِ استطعتُ منعتُ إذ وَردَتْ / منْ عَبَّ من شَطَّيْه أو رَشَفا
غَيْران من علمي بأنّ به / من سُؤْرِ شهدِ رُضابِها نُطَفا
وأَغارُ من مرِّ النسيم بها / دوني يُباشِر ذلك التَّرفا
مالي وللعُذال لا سَعِدوا / فلقد لقيتُ بعَذْلهم جَنَفا
عَذَلوا وما عَشِقوا ولو عشقوا / قَبِلوا هنالك عُذْرَ من شُغِفا
يا وَيْحهَم لو أبصروا رَشَأً / يهتزُّ من لينِ الصِّبا هَيَفا
بدرٌ على غصنٍ على نَقَوَىْ / رملٍ أَضاءَ وماسَ وارْتَدَفا
يفتر عن نَوْر الأَقاحِ إذا / وافَى نَدىً سَحَرا به فصفا
كالدُّرِّ لكنْ صاغ ناظمُه / بالمسكِ من لَعَسٍ به صَدَفا
وجَنِىُّ وردٍ فوقَ وجْنِته / يَحمرُّ ثم يعود إنْ قُطِفا
لاستبدلوا بمَلامتي حسدي / ورأوا تَعاقُل عاذلي خَرَفا
مَنْ لي بعيشٍ كان لي ومضى / عني ولم أَعتضْ به خَلَفا
حيث الصبابةُ والصِّبا شَرَعٌ / كلٌّ حَلا وصَفا لمن وَصَفا
فكأن عيشي كان بينهما / قبل التفرق روضة أُنُفا
إنْ كانت الإسكندريةُ قد / شَطَّتْ فَأَوْلَتنْي نَوًى قَذَفا
وسكنتُ بالفُسْطاط مُغْترِبا / فلقد كسبتُ بغربتي شرفا
ورَقيتُ من مدح الملوك بها / رُتَبا أَنافتْ في العُلى كَنَفا
وكسبتُ مالا لو يُرَفِّره / جَدْواىَ لم أعرفْ له طرفا
لكنْ ينازِعني إلى وطني / شوقٌ إذا استمهَلتُه عَسَفا
وأَعافُ مِصرَ وعيشُها رَغَد / ويَشوقُني وطني ولو عَجِفَا
أُقْصِي البنفسجَ ثم يُعجبني / أنْ أَنْشَقَ الظَّيّان والطَّرفا
شوقاً إلى ذاك الثَّرَى وإلى / ذاك النسيمِ الرَّطْبِ حين هَفا
وإلى رياضٍ كان يوقِظني / فيها ندى سَحَرٍ إذا كَثُفا
وشَميمِ عَرْفِ الروضِ حينَ بدا / ورَخيمِ لَحْنِ الطير إذ هَتفا
ويهزني مرحُ الشبابِ بها / هزَّ القَضيب اللَّدْن مُنعطِفا
ما بين أترابٍ قدِ اتفقوا / أنْ يجعلوا ساعاتِهم تُحفَا
يُبدون من آدابِهم مُلَحا / جَعلوا لها آذانَهم صُحُفا
لَهْفِى على زمنٍ بها وبهم / لو كان ينفعُ قولُ والَهَفا
فارقتُهم وصَحِبتُ بعدهمُ / حاليْن قَرْعَ السِّنِّ والأَسفا