المجموع : 3
رِيعَتْ لتَنْعابِ الغراب الهاتفِ
رِيعَتْ لتَنْعابِ الغراب الهاتفِ / وتأَوّلتها فُرْقةً من آلِفِ
فاِستَبطنتْ من رِقْبَةٍ لعُداتها / حُرَقاً نُضِحْنَ بدمع جَفْنٍ ذارفِ
ورأتْ بياضاً في نواحي لِمَّةٍ / ما كان فيها في الزّمان السّالفِ
مثلَ الثَّغامِ تلاحقتْ أنوارُه / عمداً لتأخذه بَنانُ القاطِفِ
ولقد تقول ومِن أَساها قولُها / ما كان هذا في حسابِ العائفِ
أين الشّباب وأين ما تمشي به / في البِيض بين مساعدٍ ومساعفِ
ما فيك يا شَمِطَ العِذارِ لرامِقٍ / عَبِقِ الجَوانِحِ بِالهَوى من شاعفِ
فَليَخلُ قلبُك مِن أَحاديثِ الهوى / وليخلُ غُمضُك من مطيف الطائفِ
وَلَقد سريتُ بفِتيَةٍ مُضَرِيَّةٍ / ليلَ التمام إلى الصّباحِ الكاشفِ
في ظهر مُلْتَبِسِ الصُّوى متنكّرٍ / لا يُهتدى فيه بسوفِ السّائفِ
ظامي الموارد ليس في غدرانِهِ / لمُسَوَّفٍ بالوِرْدِ غَرفةُ غارفِ
وكأنّما حُزُقُ النّعام بدوِّه / ريحٌ تلَوْن طوائفاً بطرائفِ
وإذا تَقَرَّاهُ فلا أثراً ترى / بِترابه إلّا لِريحٍ عاصفِ
من كلّ أبّاءٍ لكلِّ دَنِيَّةٍ / ذي مارنٍ للذُّلِّ ليس بعارفِ
وتراه ينتعل الظّهائرَ كلّما / جَحَرَ الهجيرُ بناعمٍ مُتتارِفِ
قومٌ يخوضون الغِمارَ إلى الرّدى / خوضَ الجبانِ الأمنَ غِبَّ مخاوفِ
لا يَأخذونَ المالَ إلّا بالظُّبا / تَنْدى دماً أو من سِنانٍ راعِفِ
وإذا رأيتَ على الرّدى مِقدامَهمْ / فكأنّ قلباً منه ليس بخائفِ
وَتراهُمُ في كلّ يومِ عَظيمةٍ / مُتَنصِّتِين إلى صريخِ الخائفِ
سحبوا مُروطَ العزِّ يومَ لَزَزْتَهم / بالفخر سَحْبَ غلائلٍ ومطارفِ
وتَلَوْا على كلبِ الزّمانِ وضِيقهِ / للمُمْلقين عوارفاً بعوارفِ
أَيدٍ تفجَّرُ بالعطاءِ سماحةً / فتَوالِدٌ في بذلها كطوارفِ
وندىً يَفيض تعَجرُفاً وتَغَشْمُراً / وعجارفُ المعروف غيرُ عجارفِ
وأرى شجاعَ الجود يوم تَواهُبٍ / شَرْوى شجاعِ الحربِ يومَ تسايُفِ
وَمحذّري شرَّ الزّمان كأنّه / لم يدرِ أنّي ناقدٌ للزّائفِ
قد كنت أُلحِي فيه كلَّ مفارقٍ / فَالآن أُلِحي فيه كلَّ مُقارفِ
وإذا الشّكوكُ تقاربتْ وتلاءمتْ / فعن الزّمانِ وما حواه تجانُفي
وَإذا اِلتفتّ إلى اِختِلاف خطوبه / فَإلى اِختِلاف عجائبٍ وطرائفِ
يَستَرجعُ الموهوبَ رَجْعَ مناقشٍ / من بعد أن أعطى عطاءَ مُجازِفِ
يا منهلاً للسّوءِ ما ألقى له / في كلُ أحيافِ الورى من عائِفِ
لم يَخْلُ برقُك خُلَّباً من شائمٍ / وسَرابُ أرضِك مُطمعاً من عاكفِ
وحطامُ رزقك وهو جِدُّ مُصَرَّدٌ / في كلِّ يومٍ مِن محبٍّ كالفِ
كَم في صروفك للنُّدوبِ تلاحَمَتْ / بعد المِطالِ ببُرْئها من قارفِ
ويدٍ تَمُدُّ ذراعَها ببليَّةٍ / فتنال شِلْوَ النّازِح المتقاذِفِ
لا يَعصمُ البانين منها ما اِبتنَوْا / واِستَفرشوا من نُمْرُقٍ ورفارفِ
وَأَنا الغبين لأَنْ مَنحتُك طائعاً / قَلبي وفيك كما علمتُ متالِفِي
يا حادِيَ الأظعانِ عرّجْ
يا حادِيَ الأظعانِ عرّجْ / بِي هُديتَ إلى الطُّفُوفِ
عرّجْ إلى ذاك المحل / لِ الفَخمِ والعطَنِ الشّريفِ
حيث الثّرى مُلقىً هنا / ك على قَرا جبلٍ مُنيفِ
حيث القِرى عفو الإلَ / هِ عن القبائحِ للضّيوفِ
ماذا يريبُك ريب غي / رُك من عكوفي أو وقوفي
فَلَقَلَّما نَفِسَ الرّفي / قُ عليَّ بالنَّزْرِ الطّفيفِ
ومتى رأيتَ مدامِعي / تنهلُّ بالدّمعِ الوكيفِ
فعلَى الّتي ولّتْ بها / عن ساحتي أيدي الحتُوفِ
وسَقَينَنِي بفراقها / كأساً من السُّمِّ المدوفِ
وكأنّني لمّا سمع / تُ نَعِيَّها مثلُ النَّزيفِ
أو مُعْجَلٌ دامي القَرا / والصّدرِ منفصمُ الوَظيفِ
أو أعزَلٌ نبذ الزّما / نُ به إلى الشَّقّ المخوفِ
يا موتُ كم لك في فؤا / دي من نُدوبٍ أو قروفِ
ألّا أخذتَ بمن أخذ / تَ تَليدَ مالي أو طريفي
وعدلتَ عن كهفي ودو / نَكَ ما أردتَ من الكهوفِ
كم ذا أَصابتْ مُصمِيا / تُكَ من خليلٍ أو أَليفِ
أضحى معي زَمَنَ الرّبي / عِ وراح عنّي في المصيفِ
فاتَ القويَّ من الخطو / بِ ومات بالخطْبِ الضَّعيفِ
يا مُخرجَ الآسادِ خا / شعَةَ الرؤوس من الغَريفِ
يا قانصاً نفسَ الشُجا / عِ يكرّ ما بين الصّفوفِ
يا مُبرِزَ الغِيدِ الحِسا / نِ من السّتائرِ والسُّجوفِ
ومُعَرِّيَ الأجسادِ مِنْ / سَرَقِ السّبائبِ والشُّفُوفِ
يا فاعلاً ما يشتهي / قهراً على رغم الأُنوفِ
كيف الفِرارُ من الرّدى / وعلى مسالكِهِ وجيفي
أم كيف أنجو من يَدَيْ / أدنى إليّ من الرّديفِ
وإذا سعيتُ أفوتُهُ / لم تدرِ بُطْئي من خُفوفي
لا تُتّقى منه البَلِي / يةُ بالرّماح أو السّيوفِ
ذلٌّ لنا وشِعارنا / حبٌّ لنافرةٍ صَدوفِ
مثلُ البَغِيِّ تبطّنَتْ / عَطَلاً ولاحتْ بالشُّنوفِ
تُعرِي التقيَّ من التُّقى / وتَزِلُّ بالرّجلِ العفيفِ
وَلَكَمْ بها مِن مَخْبَرٍ / صَدئٍ ومن مرأىً مَشوفِ
ولقد ألِفتُ وصالها / فرجعتُ مستلفَ الأليفِ
صِفْرَ اليدين من القنا / عةِ والنّزاهةِ والعُزوفِ
والعزُّ كلُّ العزِّ في الد / دُنيا لطَيّانٍ خفيفِ
ترك المُنى وأَقام ير / قُبُ هَتْفَةَ الأجلِ الهتوفِ
ماذا جَنَتْه ليلةُ التّعريفِ
ماذا جَنَتْه ليلةُ التّعريفِ / شغفتْ فؤاداً ليس بالمشغوفِ
ولو اِنّني أدري بما حُمِّلتُهُ / عند الوقوفِ حذرتُ يومَ وقوفي
ما زال حتّى حلّ حَبَّ قلوبنا / بجماله سِرْبُ الظِّباءِ الهِيفِ
وَأَرَتْكَ مُكْتَتمَ المحاسن بعدما / أَلقى تُقَى الإحرامِ كلَّ نَصيفِ
وقنعت منها بالسّلامِ لو اِنّه / أروى صَدى أو بلّ لَهْفَ لهيفِ
وَالحبُّ يُرضي بالطّفيفِ معاشراً / لم يرتضوا من قبله بطفيفِ
ويُخِفُّ من كان البطيءَ عن الهوى / فكأنّه ما كان غير خفيفِ
يا حبَّها رفقاً بقلبٍ طالما / عرّفتَه ما ليس بالمعروفِ
قد كان يرضى أن يكون محكّماً / في لُبِّهِ لو كنتَ غيرَ عنيفِ
أطرحتِ يا ظمياءُ ثِقْلَكِ كلَّه / يومَ الوَداِع على فقارِ ضعيفِ
يقتادُه للحبِّ كلُّ مُحَبَّبٍ / ويروعه بالبين كلُّ أَليفِ
وكأنّنِي لمّا رجعتُ إلى النّوى / أبكي رَجعتُ بناظرٍ مطروفِ
وبزفرةٍ شهد العذولُ بأنّها / من حاملٍ ثِقْلَ الهوى ملهوفِ
ومتى جَحَدْتُهُمُ الغرامَ تصنُّعاً / ظهروا عليه بدمعيَ المذروفِ
وعلى مِنىً غُرَرٌ رمين نفوسَنا / قَبْلَ الجِمارِ من الهوى بحُتُوفِ
يسحبن أذيالَ الشّفوفِ غوانياً / بالحُسنِ عن حَسَنٍ بكلِّ شُفوفِ
وعدلْنَ عن لبس الشُّنوفِ وإنّما / هنّ الشّنوفُ محاسناً لشنوفِ
وتعجّبتْ للشّيب وهي جنايةٌ / لدلالِ غانيةٍ وصدِّ صَدوفِ
وأناطت الحسناءُ بِي تَبعاتِهِ / فكأَنّما تفويفُهُ تفويفي
هو منزلٌ بُدّلتُهْ من غيره / وهو الغِنَى في المنزلِ المألوفِ
لا تُنكرِيه فهو أبعدُ لُبْسةً / من قذفِ قاذفةٍ وقَرْفِ قَروفِ
وبعيدة الأقطارِ طامسة الصُّوى / من طولِ تَطْوافِ الرّياحِ الهوفِ
لا صوتَ فيها للأنيسِ وإنّما / لِعصائبِ الجنَّانِ جَرْسُ عزيفِ
وكأنّما حُزُقُ النّعامِ بدوّها / ذَوْدٌ شردن لزاجرٍ هِنِّيفِ
قَطَعَتْ ركابي وهي غيرُ طلائحٍ / مع طولِ إيضاعي ونطِّ وَجِيفي
أبغي الّذي كلُّ الورى عن بَغْيهِ / من بين مصدودٍ ومن مصدوفِ
والعزُّ في كلّ الرجال ولم يُنَلْ / عزٌّ بلا نَصَبٍ ولا تكليفِ
والجَدْبُ مغنىً للأعزّةِ دارِهٌ / والذّلُّ بيتٌ في مكانِ الرّيفِ
ولقد تعرَّفَتِ النّوائبُ صَعْدَتي / وأجاد صَرْف الدّهرِ من تشفيفي
وحللتُ من ذلِّ الأنامِ بنجوةٍ / لا لَوْمتي فيها ولا تعنيفي
فبدار أنديةِ الفخار إقامتي / وعلى الفضائل مَربَعي ومصيفي
وسرى سُرَى النَّجمِ المحلِّق في العُلا / نَظْمِي وما ألّفتُ من تصنيفي
ورأيتُ من غَدْرِ الزّمانِ بأهلِهِ / مِن بعد أن أمِنوهُ كلّ طريفِ
وعجبتُ من حَيْدِ القويّ عن الغِنى / طولَ الزّمانِ وخطوةِ المضعوفِ
وعَمَى الرّجال عن الصّواب كأنّهمْ / يعمون عمّا ليس بالمكشوفِ
وفديتُ عِرْضِي من لئامِ عشيرتي / بنزاهتِي عن سَيِّئِي وعزُوفِي
فبقدر ما أحميتُهمْ ما ساءهمْ / أعطيتُهمْ من تالِدِي وطريفي
كم رُوّع الأعداءُ قبل لقائهمْ / ببروقِ إيعادي ورعدِ صَريفِي
وكأنّهمْ شَرَدٌ سوامُهُمُ وقد / سمعوا على جوّ السّماء حفيفي
قَومي الّذين تملّكوا رِبَقَ الورى / بطعانِ أرماحٍ وضربِ سيوفِ
ومواقفٍ في كلِّ يومِ عظيمةٍ / ما كان فيها غيرُهمْ بوَقوفِ
ومشاهدٍ ملأتْ شعوبَ عُداتهمْ / بقذىً لأجفانٍ ورغمِ أُنوفِ
همْ خوّلوا النِّعَمَ الجسامَ وأمطروا / في المُمْلقين غنائمَ المعروفِ
وكأنّهمْ يومَ الوغى خَلَلَ القنا / حيّاتُ رَمْلٍ أو أُسودُ عَزيفِ
كم راكبٍ منهم لغاربِ سَدْفَةٍ / طرباً لجودٍ أو مهينِ سَديفِ
ومُتَيَّمٍ بالمكرُماتِ وطالما / ألِفَ النّدى مَن كان غيرَ ألُوفِ
وحللتُ أنديةَ الملوكِ مُجيبةً / صوتي ومصغيةً إلى توقيفِي
وحميتُهمْ بالحزمِ كلَّ عَضِيهةٍ / وكفيتُهمْ بالعزمِ كلَّ مخوفِ
وتراهُمُ يتدارسون فضائلي / ويصنّفون من الفخار صُنوفي
ويردّدون على الرُّواةِ مآثري / ويعدُّدون من العَلاءِ أُلوفي
ويسيّرون إلى ديار عدوّهمْ / من جُنْدِ رأي العالمين زُحوفي
وإذا هُمُ نَكِروا غريباً فاجئاً / فَزِعوا بنُكرهمُ إلى تعريفي
دفعوا بِيَ الخطبَ العظيمَ عليهمُ / واِستَعصموا حَذَرَ العدى بكنُوفي
وصحبتُ منهمْ كلّ ذي جَبْرِيّةٍ / سامٍ على قُلَل البريَّةِ موفِ
ترنو إليه وقد وقفتَ إزاءَه / بين الألوف بناظِرَيْ غِطْرِيفِ
فالآن قلْ للحاسدين تنازحوا / عن شمس أُفقٍ غير ذاتِ كسوفِ
ودعوا لِسيلِ الواديين طريقَه / فالسّيلُ جرّافٌ لكلّ جَروفِ
وتزوّدوا يأْسَ القلوب عن الذُّرا / فمنيفةٌ دارٌ لكلِّ مُنيفِ
وأرضَوْا بأنْ تمشوا ولا كرمٌ لكمْ / في دار مجد الأكرمين ضيوفي