أَشْفَقْتُ مِنْ مَرَضٍ أَتَاحَ تَخَلُّفِي
أَشْفَقْتُ مِنْ مَرَضٍ أَتَاحَ تَخَلُّفِي / يَوْمَ الرَّحِيلِ عَنِ الرِّكَابِ الأَشْرَفِ
وَطَفِقْتُ أُظْهِرُ عِبْرَةً مِنْ عَبْرَةٍ / وَأَشِبُّ نَارَيْ لَوْعَةٍ وَتَأَسُّفِ
وَالقَلْبُ فِي إِثْرِ الحمُولِ إِذَا اشْتَفَى / فَبِأَدْمُعِي وَمَثَارِ وَجْدِي يَشْتَفِي
وَعَلَيَّ لَثْمٌ لِلْمَوَاطِىءِ فِي الثَّرَى / بَعْدَ الَّذِينَ قَضَوْا بِذِلَّةِ مَوْقِفِي
وَالذَّنْبُ لِي يَوْمَ اسْتَقَلَّتْ عِيسُهُمْ / وَالخَيْلُ تَسْبَحُ فِي العَجَاجِ الأَكْثَفِ
سِرْبٌ تُقِلُّ مَتُونُهُنَّ فَوَارِساً / نَارُ الوَغَى بِسُيُوفِهِمْ لاَ تَنْطَفِي
لَكِنْ نَفَى هَمِّي حُضُورِي قَبْلَ ذَا / غَزْواً بِقُرْطُبَةٍ جَلاَ ذكْراً يَفِي
وَوَقَائِعاً بِكُمَاتِهَا قَدْ خَلَّدَتْ / شَرَفاً لِرُمْحِي وَالكُمَيْتِ المُشْرِفِ
وَرَأَيْتُ قَصْرَ بَنِي أُمَيَّة بَاكِياً / بِدُمُوعِ نَهْرٍ حَوْلَهُ مُتَلَهِّفِ
وَبَدَتْ لِعَيْنِي لاَ عَفَتْ آثَارُهُمْ / فَعَرَفْتُهَا وَكَأَنَّنِي لَمْ أَعْرِفِ
لاَ يُبْعِدِ اللَّهُ الأَمِيرَ مُحَمَّداً / فَبِهِ أَزَالَ اللَّهُ كُلَّ تَخَوُّفِ
وَأَعَزَّ دِينَ الحَقِّ مِنْهُ خَلِيفَةٌ / هُوَ مَنْ عَلِمْتَ ابْنُ الخَلِيفَةِ يُوسُفِ
مَلِكُ المُلُوكِ المُخْتَلِي هَامَ العِدَى / وَالخَيْلُ تَعْثرُ فِي القَنَا المُتَقَصِّفِ
نَسَقَ الفُتُوحَ خَوَارِقاً عَادَاتُهَا / بِأَجَلِّ صُنْعٍ بَاهِرٍ وَمُكَيَّفِ
وَأَرَى عَجَائِبَ قَطُّ لَمْ يَسْمَعْ بِهَا / فِي كُلِّ تَارِيخٍ وَكُلِّ مُصَنَّفِ
وَكَأَنَّمَا النَّصْرُ العَزِيزُ وَرَأْيُهُ / خَلْفَانِ ذَا عَنْ ذَاكَ لَمْ يَتَخَلَّفِ
وَكَأَنَّمَا الفَتْحُ المُبِينُ وَسَيْفُهُ / خِلاَّنِ كُلٌّ مِنْهُمَا الخِلُّ الوَفِي
فَإِذَا الجُيُوشُ لأَرْضِ قُرْطَبَةٍ كَمَا / هَاجَ البِحَارَ هُبُوبُ رِيحٍ مَعْصِفِ
وَأَعَدَّهَا مِلْءَ الأَبَاطِحِ وَالرُّبَا / جَرَّارَةً أَذْيَالَ نَقْعٍ مُرْدِفِ
وَالحَرْبُ أَحْسَنُ مَا يَكُونُ إِذَا أَتَتْ / فِي بُرْدِ نَقْعٍ بِالدِّمَاءِ مُفَوَّفِ
فَاحْتَلَّ مِنْ أَرْجَائِهَا مُتَبَوَّأً / بِحُلولِهِ عَيْنُ الرَّدَى لَمْ تَطْرِفِ
وَسَدَدْتَ يَا مَلِكَ الزَّمَانِ فَضَاءَهَا / بِفَوارِسٍ كَالأُسْدِ مَهْمَا تُشْرِفِ
وَأَعَدْتَ بِالطَّعْنِ الدِّرَاكِ حُمَاتَهَا / جُزُرَ العَوَافِي مَا لَهَا مِنْ مَصْرِفِ
وَأَجَلَّ قَنْطَرَةٍ أَبَحْتَ عُبُورَهَا / لِعَصَائِبٍ مِثْلِ الذُّبَا إِنْ تَزْحَفِ
فَبَدَتْ شُمُوساً فِي البُرُوجِ وُجُوهُهُمْ / وَهِيَ الشُّمُوسُ إِذَا بَدَتْ لَمْ تُكْسَفِ
وَمَلَكْتَ مَعْقِلَهَا فَكُنْتَ كَمَالِكٍ / لِعِنَانِ طِرْفٍ بِالعِنَانِ مُصَرَّفِ
وَسَبَحْتَ فِي الوَادِي بِمِثْلِ سُيُولِهِ / خَيْلاً مَتعى يُرَمِ الرَّدَى تُسْتَهْدَفِ
وَسَطَوْتَ بِالأَعْدَاءِ سَطْوَةَ قَاهِرٍ / فِي قَتْلِهِمْ وَالجُود طَوْعاً مُسْرِفِ
وَمَلَكْتَ مِنْ أَسْوَارِهِمْ برجاله / بِالذَّاكِرِينَ اللَّهَ أَيَّ تَشَرُّفِ
وَتَرَكْتَ يَوْمَ النَّقْبِ فِيهَا مِثْلَمَا / يَشْكُونَ مِنْ صَدْعِ القُلُوبِ الرُّجَّفِ
وَعَدَتْ تَدُورُ بِهَا الجُيُوشُ وَإِنَّمَا / حُسْنُ الوِشَاحِ إِذَا يَدُورُ بِمِعْطَفِ
وَتَسَاقَطَتْ هَامُ العُدَاةِ كَأَنَّهَا / نَوْرٌ بِغَيْرِ يَدِ الرَّدَى لَمْ يُقْطَفِ
وَلَقَدْ دَعَاكَ الفَتْحُ دَعْوَةَ طَائِعٍ / لِلْقَتْلِ أَوْ لإسَارِهِمْ مُتَشَوِّفِ
لَكِنْ حَقَنْتَ دِمَاءَ قَوْمِكَ مُرْجِئاً / لِلْفَتْحِ إِرْجَاءً بِمَا تَرْجُو يَفِي
وَأَتَيْتَ فِي أَعْدَاءِ قَوْمِكَ بِالَّتِي / تَمْحُوهُمُ بِالسَّيْفِ مَحْوَ الأَحْرُفِ
وَتَرَكْتَهُمْ وَالتَّرْكُ أَخْذٌ عَاجِلٌ / لَهُمُ إِذَا مَا شِئْتَ دُونَ تَكَلُّفِ
فَأَذِقْهُمُ جُوعاً وَعَفْواً وَانْتَظِرْ / تَهْوِينَ أَمْرِهِمْ وَعُقْبَى المُتْرفِ
وَالكُلُّ مُعْتَقَلٌ هُنَاكَ مُثَقَّفٌ / مُتَوَقِّعٌ لِلْحَادِثِ المُتَخَوَّفِ
فَانْهَضْ بِمُعْتَقَلٍ لِمُعْتَقَلٍ وَلاَ / تَغْفَلْ طِعَانَ مُثَقَّفٍ بِمُثَقَّفِ
وَإِذَا بَدَا مِنهُمْ لِحَبْلِكَ صَارِمٌ / فَاشْدُدْ عَلَيْهِ بِصَارِمٍ لَكَ مُرْهَفِ
وَالسَّيْفُ أَمْضَى مَا يَكُونُ مُحَرَّفاً / فَتَوَلَّ كُلَّ مُحَرِّفٍ بِمُحَرَّفِ
وَلَقَدْ نَسِيتُ وَمَا نَسِيتُ مَوَاقِعاً / حَكَمَ الظُّهُورُ بِنُجْحِهَا المُتَعَرَّفِ
وَشَهِدْتُ طَاغِيَةَ النَّصَارَى خَادِماً / فِيهِنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ خِدْمَةَ مُنْصِفِ
مُتَطَأْطِئاً لَكَ حَاسِراً عَنْ رَأْسِهِ / يَرْجُو وَيَأْمَلُ مِنْكَ نَيْلَ تَعَطُّفِ
وَالرُّومُ رَامَتْ أَنْ تَجُودَ بِرَأْفَةٍ / فَالوَيْلُ كُلُّ الوَيْلِ إِنْ لَمْ تَرْأَفِ
وَلَقَدْ وَهَى مَا حَوْلَ قُرْطُبَةٍ فَلَمْ / تَتْرُكْ جُيُوشُكَ مِثْلَ قَاعٍ صَفْصَفِ
وَأَطَلْتَ إِحْرَاقِ الزُّرُوعِ وَقَدْ شَكَا / زُرَّاعُهَا أَزَمَاتِ دَهْرٍ مُجْحِفِ
فَكَأَنَّهَا أَجْسَادُهُمْ وَهِيَ الَّتِي / فِي غَيْرِ نَارِ جَهَنَّمٍ لَمْ تُقْذَفِ
وَتَرَكْتَ أَرْضَ الرُّومِ وَهيَ كَأَنَّهَا / قِطَعٌ مِنَ اللَّيْلِ البَهِيمِ المُغْدِفِ
وَقَدِمْتَ أَسْعَدَ مَقْدَمٍ يُرْضِي كَمَا / قَدِمَ الشِّفَاءُ عَلَى العَلِيلِ المُدْنِفِ
لَكِنْ كَرَرْتَ إِلَى النَّصَارَى رَاجِعاً / وَالحَزْمُ مِمَّا تَحْتَفِيهِ وَتَصْطَفِي
وَالمَجْدُ لَيْسَ يَنَالُهُ إِلاَّ امْرُؤٌ / عَنْ تَرْكِهِ اللَّذَّاتِ لَمْ يَتَوَقَّفِ
وَعَلَى العُلاَ أَنْ لاَ يُبِيحَ طِلاَبَهُ / إِلاَّ لأَرْوَعَ عَزْمُهُ لَمْ يَضْعُفِ
وَغَزَوْتَ قُرْطُبَةً فَأَنْسَيْتَ الَّذِي / قَدَّمْتَ مِنْ غَزْوٍ لَهَا مُتَخَطَّفِ
وَتَرَكْتَ جَمْعَ كُمَاتِهَا وَكَأَنَّهُمْ / أَعْجَازُ نَخْلٍ عُوجِلَتْ بِتَقَصُّفِ
وَغَدَوْا وَمَا لِبَنِي أَبِيهِمْ نَاصِرٌ / غَيْرُ الصَّبَابَةِ وَالدُّمُوعِ الذُّرَّفِ
وَطَفِقْتَ جَيَّاناً فَأَخْفَيْتَ الَّذِي / قَدْ كَانَ مِنْ آثَارِهَا لَمْ يَخْتَفِ
وَمَلأْتَ مُتَّسَعَ الفَضَاءِ غَنَائِماً / أَخَذَتْ بِهِنَّ الأَرْضُ أَعْظَمَ زُخْرُفِ
فَاهْنَأْ بِبُشْرَى إِثْرَ بُشْرَى أُنْجِزَتْ / وَالوَعْدُ وَعْدُ اللَّهِ لَيْسَ بِمُخْلَفِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّكَ المَلِكُ الَّذِي / لَوْلاَهُ مَا كَانَ الضَّلاَلُ بِمُنْتَفِ
مَلِكٌ تَخَلَّدَ فِي الطُّرُوسِ مَدِيحُهُ / وَالوَشْيُ أَطْرَفُ مَا يَكُونُ بِمُطْرَفِ
وَإِذَا تُجَازُ المَعْلُوَاتُ فَإِنَّهُ / أَبَداً لَهُ المِرْبَاعُ مِنْهَا وَالصَّفِي
جَمَعَ العُلاَ مِنْ مَالِهِ وَثَنَائِهِ / فَالحَفْلُ بَيْنَ مُفْرِّقٍ وَمُؤَلِّفِ
وَالنَّفْسُ وَالمَالُ النَّفِيسُ كِلاَهُمَا / يَشْكُو لَنَا مِنْهُ بِأَعْظَمِ مُتْلِفِ
مَلِكٌ يَمَانٍ بِاليَمَانِي مُصْلَتاً / كَشَفَ الخُطُوبَ وَنَفْعُهُ لَمْ يُكْشَفِ
أَعْدَتْ قُلُوبَ عُدَاتِهِ رَايَاتُهُ / بِخُفُوقِهَا أَعْدَاءَهَا غَيْر الخَفِي
وَبِسَيْفِهِ فِي الحَرْبِ أَصْبَحَ مُخْفِراً / ذِمَمَ الدُّرُوعِ عَلَى الكَمِيِّ المُرْجِفِ
وَكَأَنَّهَا وَالرُّمْحُ يُوْحِي هَتْكَهَا / نَهْرٌ بِهِ سَبْحٌ لِغُصْنٍ أَهْيَفِ
هُوَ فِي النَّدَى بَحْرٌ وَلَكِنْ لَفْظُهُ / دُرٌّ لأُذْنِ المَرْءِ خَيْرُ مُشَنِّفِ
وَلَدَتْ تَمَاماً لاَ خِدَاجاً سُعْدُهُ / أُمُّ السُّعُودِ وِلاَدَةً لَمْ تُخْلَفِ
وإِمَامُ وَزْنِ زَمَانِهِ المَلْكُ الَّذِي / لَمْ يَلْفَ خَطْباً طَارِقاً إِلاَّ كُفِي
وَلَقَدْ رَمَتْ مِنْهُ البِلاَدُ بِأَغْبَرٍ / لِرِكَابِهِ وَالخَيْل فِيهَا مُوجِفِ
وَاسْتَوْسَقَتْ مِنْهُ لأَرْوَعَ بَاسِلٍ / بِالذُّلِّ لِلنَّفْسِ النَّفِيسَةِ مُسْعِفِ
قَدْ أَرْعَفَ الأَقْلاَمَ مِسْكُ ثَنَائِهِ / وَالمِسْكُ إِنْ يَفْغَمْ أُنُوفاً تَرْعَفِ
لاَ زَالَ فِي المُلْكِ الرَّفِيعِ شِعَارُهُ / مَا عَزَّ مِنْ سَيْفٍ لَهُ أَوْ مُصْحَفِ