قد سارَ بي هذا الزّمانُ فأوجَفَا
قد سارَ بي هذا الزّمانُ فأوجَفَا / ومَحا مشيبي من شَبابي أحرُفا
إلاّ أكُنْ بلَغَتْ بيَ السّنُّ المَدى / فلقد بلَغْتُ من الطّريقِ المَنصَفا
فأمَا وقد لاحَ الصّباحُ بلمَّتي / وانجابَ ليلُ عَمايَتي وتكشَّفا
فلئنُ لهَوْتُ لألهُوَنَّ تصنُّعاً / ولئن صَبَوتُ لأصْبُوَنَّ تكلُّفا
ولئن ذكرْتُ الغانياتِ فخَطرةٌ / تعتادُ صَبّاً بالحِسانِ مُكلَّفا
فلقد هَزَزْتُ غُصُونَها بثِمارِهَا / وهَصَرْتُهُنّ مُهَفْهَفًا فمهفهفا
والبانُ في الكُثبانِ طَوْعُ يدي إذا / أومأتُ إيماءً إليْهِ تعطَّفَا
ولقد هزَزْتُ الكأسَ في يدِ مثلِها / وصحَوْتُ عمّا رَقّ منها أو صَفا
فردَدْتُهَا من راحَتَيْهِ مُزّةً / وشرِبْتُهَا من مُقْلَتَيْهِ قَرقَفَا
ما كان أفتَكَني لوِ اخترَطتْ يدي / من ناظِرَيْكِ على رقيبِكِ مرْهَفا
وخُدورِ مثلِكِ قد طرقتُ لقومِها / متعرِّضاً ولأرضِها متعسِّفا
بأقَبَّ لا يَدَعُ الصّهيلَ إلى القَنا / حتى يلوكَ خِطامَها المتقصِّفا
يسري فأحسبُ في عِناني قائفاً / متفرِّساً أو زاجِراً متعيِّفا
يَرمي الأنيسَ بمسمَعَيْ وحشيّةٍ / قد أوجسا من نَبأةٍ فتشوَّفا
فتقدَّمَا وتنصّبَا وتذلّقَا / وتلطّفَا وتشرّفَا وتحرّفَا
وتكنّفاني يَنفُضانِ ليَ الدّجَى / فإذا أمِنْتُ ترصَّدا فتخوّفَا
فكأنّما وقع الصّريخُ إليهِما / بحِصارِ أنطاكِيّةٍ فاستُرْجِفا
ثَغْرٌ أضاعَ حريمَهُ أربابُهُ / حتى أُهينَ عزيزهُ واستُضْعِفا
يَصِلُ الرّنينَ إلى الرّنينِ لحادثٍ / يربدُّ منه البدرُ حتى يُكسَفا
ما لي رأيتُ الدِّينَ قَلّ نَصيرُهُ / بالمَشرِقَينِ وذلَّ حتى خُوِّفَا
هم صَيّرُوا خَدَماً تَسوسُ أمورَهم / يا للزّمانِ السِّوءِ كيْف تصرّفَا
من كلِّ مُسوَد الضّميرِ قد انطوَى / للمسلمينَ على القِلى وتَلَفَّفا
عُبْدانُ عُبْدانٍ وتُبّعُ تُبّعٍ / فالفاضلُ المفضولُ والوجهُ القَفا
أسَفي على الأحرارِ قَلّ حِفاظُهم / إن كان يُغني الحُرَّ أن يتأسّفا
لا يُبْعِدَنَّ اللّهُ إلاّ مَعْشَراً / أضْحَوْا على الأصنامِ منكُم عُكَّفا
هلاّ استعانَ بأهْلِ بيتِْ مَحمّدٍ / مَن لم يَجِدْ للذُّلِّ عنكُمْ مصرفا
يا وَيلكُمْ أفما لكم من صارخٍ / إلاّ بثَغْرٍ ضاعَ أو دينٍ عَفا
فمدينَةٌ من بعد أُخرى تُستَبَى / وطريقَةٌ من بعدِ أُخرى تُقتَفى
حتى لقد رَجَفَتْ ديارُ ربيعَةٍ / وتزلزلتْ أرضُ العراق تخَوُّفَا
والشامُ قد أودى وأودى أهْلُهُ / إلاّ قليلاً والحجازُ على شَفا
فعجبتُ من أن لا تَميدَ الأرضُ من / أقطارِها وعجبْتُ أن لا تُخسَفا
أيَسُرُّ قوْماً أنّ مكّةَ غُودِرَتْ / بَمجَرِّ جيش الرّومِ قاعاً صَفْصَفا
أو أنّ مَلحودَ النبيِّ ورمْسَهُ / بمدارجِ الأقدامِ يُنسَفُ مَنسَفا
فترَبّصُوا فاللّهُ مُنْجِزُ وَعْدِهِ / قد آنَ للظّلماءِ أن تتَكشّفَا
هذا المُعِزُّ ابنُ النبيِّ المُصْطفَى / سَيذُبُّ عن حَرَمِ النبيِّ المُصْطفى
في صَدرِ هذا العامِ لا يَلوي على / أحَدٍ تلفَّتَ خَلفَهُ وتوقَّفا
وأنا الضّمينُ لَهُ بمَلْكِ قِيادِهِمْ / طَوْعاً إذا المَلكُ العنيفُ تعَجْرَفا
وبعَطفِ أنفُسِهم هُدىً وندىً فلو / صُرِفَ الجيوشُ أمِنتَ أن لا تُصرَفا
فإلى العراقِ وذَرْ لِمَنْ قدّمْتَهُ / مِصْراً فهذا مُلكُ مصرٍ قد صَفا
وأرى خفيّاتِ الأمورِ ولم تكُنْ / ببصيرَةٍ تَجْلو القَضاءَ المُسدَفا
فكأنَّني بالجيش قد ضاقتْ بهِ / أرضُ الحجازِ وبالمواسمِ دُلَّفا
وبكَ ابنَ مُستَنِّ الأباطحِ عاجلاً / قد صِرتَ غيث من اجتدى ومن اعتفى
وعنَتْ لك العُرْبُ الطِّوالُ رِماحُها / واستجفلَتْ ممّا رأتْهُ تخوُّفَا
وازدَرْتَ قبرَ أبيكَ قبرَ محمّدٍ / بملائكِ اللّهِ العُلى متكنَّفا
ورقَيْتَ مَرقاهُ وقُمْتَ مقامَهُ / في بُرْدَةٍ تُذري الدموعَ الذُّرَّفا
متقلِّداً سيفَينِ سيفَ اللّهِ مِنْ / نصرٍ وسيفَكَ ذا الفقَارِ المُرهَفا
لِيَقِرَّ تحتكَ عودُ منبرِهِ الذّي / لا يستقِرُّ تحسُّراً وتلهُّفَا
وتُعيدُ روْضَتَهُ كأوّلِ عَهدِهَا / مُتَفَوِّفاً فيها النّباتُ تفوُّفا
وكأنّني بك قد هَزِجْتَ مُلبيّاً / وهَدَجْتَ بينَ شِعابِ مكّة والصَّفا
وكأنّني بِلِواءِ نَصرِكَ خافِقاً / قد حامَ بينَ المَرْوَتَينِ ورفرَفا
والحِجْرِ مُطَّلِعاً إليكَ تشَوُّقاً / والركْنِ مُهْتَزّاً إليكَ تشَوُّفا
وسألتُ ربَّ البيتِ بابنِ نبيّهِ / وجعَلتُكَ الزُّلْفَى إليه فأُزْلَفا
وهرَبْتُ منهْ إليهِ في حُرُماتِهِ / أدعوه مبتهلا وأسأل ملحفا
وكأنني بك قد بلغت مأربي / وقضيتُ من نُسكِ المُودِّع ما كفى
وخطبتُ قبلَ القوْمِ خطبةَ فيصَلٍ / أُثني عليك فوعُد ربَّك قد وفَى
وخطبتُ بالزَّوراء أُخرَى مثلَهَا / ووقفْتُ بينَ يديكَ هذا المَوقفا