يا هَلْ تُرى زمَنُ القَرينَةِ يَرْجِعُ
يا هَلْ تُرى زمَنُ القَرينَةِ يَرْجِعُ / أو مِثل كَوكَبِنا بِرامَةَ يَطلعُ
إنّ الذينَ من الوَداعِ تطيّرُوا / والحَيُّ منهُم ظاعِنٌ ومُشيعُ
لو يعْلَمون من المقادر علمَنا / لَشَفَوا من النظرِ العيونَ وودّعوا
أنكرتُ عِزّي بعدَهم ومهنّدي / عَضْبٌ وعزْمي في الكريهةِ أجمَعُ
فاليومَ أُخدعُ بالسّرابِ فأطمعُ / ويُراحُ لي سِجْنُ الهوانِ فأرتَعُ
ما كان يحسَبُ سيفُ دولةِ هاشمٍ / أنّي لشيءٍ بعدَهُ أتضعضعُ
خالفتُه فيما أرادَ فِعالَهُ / والدّهْرُ يفعلُ ما يُريدُ ويَصنعُ
فتركتُه يدْعو بأقصى صوتِهِ / ويظُنّ أنّي غافلٌ لا أسْمَعُ
لم يثْنِني بذْلُ الرّغائبِ نحوَهُ / حتى انثَنى لي خدُّه والأخْدَعُ
لا يُبْعِدُ اللهُ الأراقمَ غِلْمَةً / رَكِبوا الفِرارَ من الهَوانِ فأسْرَعوا
ومقالَتي لهُم بتربتةِ مَنْبِجٍ / ونحورُنا فيها الأسنّةُ تلْمَعُ
لا تبخَلوا بنُفوسِكم عن وَقفةٍ / عَذُبَ الحِمامُ بها وطابَ المَصْرَعُ
حَذَرَ المذلّةَ طارَ قيسٌ هارِباً / لمّا رأى عَبْساً إلَيْها تَرجِعُ
فَمَضى يُداوي بالحِمامِ فؤادَهُ / إنّ الحِمامَ من المذلّةِ ينفعُ
ما كانَ لو قبلَ الدنيّةَ خالداً / فلأيِّ شيءٍ يسْتكينُ ويخضعُ
غنّيْتُ باسمِ أبي العَلاءِ ومَدْحِهِ / رَكْباً على أكوارِهم لم يَهجَعوا
سَلبوا إليْهِ نشاطَ كلِّ نجيبةٍ / حسَدَتْ قوائمَها الرياحُ الأربعُ
طالعنَ شربةَ من معاركِ جوشَنٍ / والشمسُ في أفقِ المغاربِ تضجَعُ
وشَقَقْنَ أردِيةَ الظّلامِ بعَرعَرٍ / ونُجومُهُ حولَ المجرةِ تكْرَعُ
نَهْنَهْنَ مِنها وارداً لا يَرعَوي / وثَنَيْنَ منها شارِباً لا يَنقعُ
حتى إذا لمَعَ الصّباحُ كأنّهُ / ثَغْرٌ تبسّمَ عنه قَيْنٌ أسْفَعُ
وعزفنَ في ريحِ الصَّبا من صاعدٍ / نفحاتِ مسكٍ تستطيرُ وتَسطَعُ
كادت تُجَنُّ من الحنينِ وسامُها / زُجرٌ يُقادُ بهِ الحَرونُ فيتبعُ
تَحْدو الجماجمُ بالمناسمِ بعدَما / ألقى الحداةُ عِصيّهم وتَصدّعوا
وبدا لَهُنّ مع الغزالةِ ماجدٌ / أبْهى وأجملُ في العيونِ وأرْفَعُ
سامي قناةَ الأنفِ تُبرقُ وجهَه / في كلِّ خطبٍ يَدلَهِمُّ ويَفْظَعُ
خِلْنا التّزعزعَ من سَجيّاتِ القَنا / فإذا القَنا من خوفِه يتزعزعُ
وإذا مطارُ الهامِ حوّمَ فوقَه / رفعتْ عَجاجَتَه النّسورُ الوُقَّعُ
مالي رأيتُكَ لا تُسَرُّ بليلةٍ / حتى تجوعَ بها وضيفُكَ يشبعُ
وإذا كُفِرْتَ صنيعةً أسديتَها / لم يَثنكَ الكفرانُ عمّا تَصنعُ
أمن الصوارمِ نستعيرُ عَزائماً / أمْ من عزائمكَ الصّوارمُ تُطْبَعُ
أغنيتَ عِزَّ المُلكِ عن أنصارِهِ / وقَمَعْتَ خَطْباً مثْلَهُ لا يُقْمَعُ
مازلتَ تَطْمِسُ كلّ طرفٍ طامحٍ / حتى انطَوى طيَّ الجريرِ الأشجعُ
وأبوه حينَ رأى الجزيرةَ جمرةً / لا تُستَطاعُ وصَمغةً ما تُقلَعُ
فإذا السوابقُ كالسِّهامِ مَوارِقاً / تجتابُ أرديةَ العَجاجِ وتَخْلَعُ
حتى رمى بكَ فوقَ آمالِ العِدى / كالدّهْرِ تُعطى ما تَشاءُ وتَمنَعُ
كَرِهوا طِعانَكَ إذْ مدَدْتَ إليهمُ / كفّاً أنامِلُها رماحٌ شُرّعُ
ما تَعْدِمُ الرمحَ المثقفَ كعبَه / في الحربِ مادامتْ بكفّكَ إصبَعُ
فرت بنو لقْمانَ عن أحْسابِها / والضّربُ يُنْثَرُ والأسنّةُ تُجْمَعُ
وكأنّما الأسيافُ يومَ لَقيتَهُم / في الهامِ إجلالاً لوجهكَ تركَعُ
وهم غُداةُ الدينِ يومَ تجمّعُوا / جيشاً يَضيقُ به الفضاءُ ويَظلعُ
علِموا عشيةَ واجهتكَ ظهورُهم / أنّ الظُّبا بنفوسهم لا تَقنَعُ
لمّا استغاثَ بكَ اللواءُ نصرتَهُ / بيدٍ يصول بها الكَهامُ فيَقْطَعُ
وفوارسٌ لا يحفظونَ نُفوسَهم / إلاّ إذا نبذوا الحياةَ وضيّعوا
وإذا تسربلت الدروعُ فإنّما / هدفُ الرّماحِ نحورُهم والأضلُعُ
قومٌ سيوفُ الهندِ تطمعُ فيهمُ / والعارُ في أعراضِهِمْ لا يطمعُ
ما كانَ إلاّ لفتةً من ناظرٍ / حتى عصفتَ بهمْ وفُضَّ المجمعُ
ولّوا وكمْ هَزَمَتْهُمُ من طعنةٍ / تنفي السبارَ وضربةٍ ما تُرقعُ
ومُفاضةٍ كَرهَ السنانُ جِدالَها / قد مَرّ فيها الرمحُ لا يتَتَعْتَعُ
وتبادرتْ أيديهمُ ورؤوسُهُمْ / في الجوِّ تخفِضُها السيوفُ وتَرفعُ
فكأنّهُمْ حسِبوا النجومَ ذَوائباً / فسَمَتْ إليْها هامُهُمْ والأذْرُعُ
لكَ كلُّ يومٍ في المكارمِ غايةٌ / تستصغِرُ الماضي لِما يُتَوقّعُ
فِطرٌ وصومٌ أنتَ فِينا قبلةٌ / كالسّيفِ مخماصُ الأصائلِ أروعُ
لا تستفزِكَ حالةٌ عن حالةٍ / هيهاتَ غيرُكَ بالخطوبِ يُروَّعُ
أمن القضيةِ أنْ تفوتَ أنامِلي / ويدُ المقصِّرِ في نَداكَ تبَوَّعُ
كالغيثِ تُحرَمُه المزارعُ والقُرى / حيناً وتُرزَقُهُ الفَلاةُ البَلْقَعُ
سأسيرُ سيرَ فتىً تنظرَ بارقاً / لم يروِهِ وهو السّحابُ الممرعُ
يأبى مُقامي في مكانٍ واحدٍ / دهرٌ بتفريقِ الأحبّةِ مُولَعُ
كفكِفْ قِسيّكَ يا فراقُ فإنّهُ / لم يبقَ في قلْبي لسهمكَ موضعُ
يومٌ أحرُّ من الصّبابةِ في الهَوى / وأمَرُّ من ثكلِ البَنين وأوجَعُ