القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 3
أَوجستُ من جَمرٍ بخَدِّكِ ساطعٍ
أَوجستُ من جَمرٍ بخَدِّكِ ساطعٍ / خوفاً على بَرَدٍ بثَغرِك ناصعِ
فسلَبتُ هذا حَرَّه بأضالعي / ووَقَيْتُ ذلك ذَوبَه بمَدامعي
ورَضِيتُ إذ سَلِمتْ عليك مَحاسنٌ / مَفدِيّةٌ بمدامعي وأضالعي
لم أنسَ عهدَكَ يازَوردُ صبيحةً / زُرناك قبلَ نَوى الخليطِ الفاجع
وغصونُ بانِكَ في شُفوفِ غلائلٍ / وعيونُ وحشِك في خُروقِ بَراقع
حتّى إذا جَدَّ الوداعُ وبيننا / سِرٌّ إلى الواشينَ ليس بذائع
ما كان غيرَ إدارةٍ بحواجبٍ / تَسليمُنا وإشارةٍ بأصابع
وغداةَ يومِ الجِزعِ قَلّبَ صابرٌ / طرْفاً فأعربَ عن ضمائرِ جازع
وبدتْ بدورُ الحيِّ في أُفُقِ النَّوى / زُهْراً وهُنّ أوافلٌ كطوالع
حتّى إذا هجَم الرقيبُ مُعارِضاً / منّا على سَرْحِ الِلّحاظِ الرّاتع
غامتْ شموسُ وجوهِهمْ بأناملٍ / مطَرتْ غَمامتُها بدَمعٍ هامع
فبِكَمْ أَلَذُّ إذا رحيلٌ مانِحٌ / زاداً لِعينِكَ من مُقامٍ مانع
فَتكاتُ نابلةِ العيونِ عجيبةٌ / فاشْهَدْ وقائعَها بقلبٍ دارع
لمّا رأتْ سَلْمى ظلامَ مطالبي / ما إن يُجلِّيه ضياءُ ذَرائعي
وملوكُ أرضٍ حينَ عِفْتُ جِوارَهمْ / من جَورهمْ لم أُبْدِ صَفحةَ خاضع
وإذا فَسادُ العُضْوِ أصبحَ زائداً / لم يَشْفَ منه غيرُ كَفِّ القاطع
قالتْ لتُسمِعَني ولم أك مُرْعياً / لمُروِّعٍ يا صاح سَمْعَ الخاشع
صانِعْ عدوّكَ تُكْفَه ومَنِ الّذي / للأعداءِ غيرَ مُصانع
ودَعِ التّناهيَ في للعُلا / فلم أرَ مثْلَ عِزِّ القانع
فبسابعِ الأفلاكِ لم يَحلُلْ سوى / زُحَلٍ ومَجْرَى الشمسِ وَسْطَ الرّابع
فأَجَبْتُها ومن الخُطوبِ لَو أنّنِي / عند الخطوبِ أقولُ قولةَ ضارع
تأْبَى مُقاميَ يا أُميمُ حوادثٌ / للدّهْرِ يَهزأُ خَرقُها بالراقع
وأَلِيّتي مهما نَبا بي مَنزِلٌ / لا مَسَّ رَحْلَ مَطِيّتي يَدُ واضع
كم ليلةٍ فَتقَ الجفونَ ظلامُها / منّي وخاطَ من الخَلِيِّ الهاجع
ليلاءَ يُمسي النّجمُ وهْو مُسامري / في جُنحِها والنّصْلُ وهْو مُضاجعي
في فِتيةٍ مُتوسِّدينَ لأذرعٍ / من ناجياتٍ للفلاةِ ذَوارع
أبداً تَهاداني البلادُ تَهادِياً / كالنّجمِ بينَ مَغاربٍ ومَطالع
فكأنّما أنا بيتُ شِعْرٍ سائرٍ / وكأنّما هي مُصغياتُ مَسامع
مِمّا به مُدِحَ الوزيرُ فلم يزَلْ / يُهدِيه دانٍ في البلادِ الشاسع
ومَديحُنا لكَ تاجُ رأْسِ القائلِ الْ / مُثْنِي عليك وقُرْطُ أُذْنِ السّامع
نُعماكَ كالأطواقِ شاملةُ الوَرَى / والخَلْقُ فيها كالحمام السّاجع
تُسدَى إليهم لا تزالُ صنائعٌ / لجَلالِ دين اللهِ بعد صنائع
أمّا الوِزارةُ فهْي كانتْ عانِساً / طلَباً لكُفْؤٍ للمفاخرِ جامع
كم رُمِّلتْ من أنْفِ خاطبِ مَعشرٍ / بدَمٍ ولم تُغْرَرْ بخِدْعةِ خادع
قُدعَتْ أُنوفُ الخاطبِينَ لها إلى / أنْ عنَّ فَحْلٌ لا يَذِلٌ لقادع
فاستَشْفَعوا فأبَتْ وأنت أبَيْتَها / حتّى أتتْكَ لها بأوجَهِ شافع
إنّ الزّمانَ لباخلٌ فإذا سخَا / يوماً أتَى من جُودِه ببدائع
خَلُّوا الفلا لأبي عَليٍّ فالعُلا / حَقٌّ له من دونِ كُلِّ مُنازع
خُتِمَتْ به الوزراءُ خَتْم جَلالةٍ / من كُلِّ ذي سَبْقٍ بذِكْرٍ شائع
وأتَى عظيمُ غِنائه من بَعدِهمْ / وكذا أمامَ الجيشِ بَعْثُ طلائع
ولَئنْ تأخَّر وارداً وتَقدَّموا / فَرَطاً له من مُبْطئٍ ومُسارع
فالفَجرُ يَطلُع كاذباً أو صادِقاً / ما زال قُدّامَ النّهارِ الماتع
هولُجّةُ الكَرمِ الّذي مِن قَبلِه / كانوا أوائلَ مَوجِها المُتَدافع
فَلْيَهْنِ آفاقَ السِّيادة أنّها / نَجَمتْ ثَنيّتُها ببَدْرٍ طالع
في حُسنِه أبداً وفي إحسانِه / نُزَهٌ تَلَذُّ لِمُبْصِرٍ ولسامع
وصَل العلاءَ له بدولةِ هاشمٍ / سَببانِ لا عَلِقَتْهُما يَدُ قاطع
شَرفانِ من قُرْبٍ ومن قُرْبَى له / جُمِعا كنَظْمِ اللُّؤْلُؤِ المُتَتابع
أُفُقٌ سِماكاه ونَسْراه عُلاً / ما منهما مِن أَعزَلٍ أَو واقع
قُلْ للأفاضلِ غِثْتُمُ ما شئتُمُ / فثِقوا لِغُلّتِكمْ بِرِىٍّ ناقع
مُتفيِّئينَ ظلالَ أَبيضَ ماجدٍ / عن رِفْدِه بالعُذْرِ غَيرِ مُمانع
خِرْقٌ مواهبُ كفِّه ولسانهِ / تأْتي بغيْرِ وسائلٍ وشوافع
ثَبْتٌ إذا طاشَ الحُلومُ كأنّما / في عَقْدِ حُبْوتهِ جُنوبُ مُتالع
لمّا غدا وَزَرَ الخِلافةِ رأْيُه / مدَّ الزّمانُ إليه كفَّ مُبايع
وأطاعَه الدهرُ العَصيُّ ولم يكُنْ / من قبْلِه الدَّهرُ العصِيُّ بطائع
توقيعُه في الكُتْبِ من أقلامِه / يُغْنِى الكتائبَ عن شهودِ وَقائع
في مأْزِقٍ قد جَنّ ليلُ قَتامِه / فالخيلُ فيه ناصِباتُ سوامع
وسرَتْ تَهاوىَ بينهمْ شُهُبُ الظُّبَي / رَجْماً بهِنّ لنَحْرِ كلِّ مُقارع
يَرْدِى به نَهْدٌ كأنّ لَبانَه / في الرَّوعِ قِبلةُ كلِّ رمحٍ راكع
ويَهزُّ مَصقولَ الحديدةِ ماضياً / كوَميضِ بَرقٍ في الغمامةِ لامع
أعميدَ دولةِ هاشمٍ ما عُدَّتي / إلاّ رَجاؤك والخُطوبُ روائعي
لولاك يا بَحْرَ المكارمِ لم يكُنْ / عَهْدُ النّدى أبدَ الزّمانِ براجع
يا ماجداً عمَّ الورَى إفضالُه / وازدادَ في الفُضَلاءِ حُسْنَ مَواقع
دُمْ للمكارمِ والمعالي باسِطاً / يَدَ ضائرٍ لذوي العِنادِ ونافع
واسْعَدْ بدَهْرٍ قد عَلِمتَ بأنّه / ما الحُرُّ فيه إذا سَلِمْتَ بضائع
حَيّتْكَ غاديةُ الحَيا من مَرْبَع
حَيّتْكَ غاديةُ الحَيا من مَرْبَع / رجَعتْ عهودي فيك أم لم تَرجِعِ
إنّ الّذينَ وقَفتُ في آثارِهمْ / مُترسِّماً لمَصيفِهمْ والمَربَع
ما أَسْأروا في كأسِ دَمْعِيَ فَضْلةً / عنهمْ فأجعلَها نَصيبَ الأَربُع
لم يُبكني إلاّ حديثُ فراقهمْ / لمّا أسرّ بهِ إلىّ مُودّعي
هو ذلك الدُّرُّ الّذي ألقيتُمُ / في مَسْمَعي ألقيتُه من مَدْمَعي
فدَعُوا التّجنِّيَ عاطِفينَ على فتىً / لوقوعِ ما تَعِدُ النّوى مُتَوقِّع
صَبٍّ لأسرارِ الأحبّةِ حافظٍ / ولمَوضعِ الأسرارِ منه مُضَيِّع
أمّا الفؤادُ فإنّهم ذهَبوا به / يومَ النّوى فَبقِيتُ صِفْرَ الأَضلُع
ونظَرتُ من بَعدِ الفؤادِ فلم أجِدْ / غيرَ الجفونِ لِسرِّهمْ من مَوْضِع
وهي الّتي لولا الغرامُ ولو خطَتْ / شُهُبُ الكتائبِ فوقَها لم تَخْشَع
لو كان خَيّم غيرُ سلطانِ الهَوى / في جُنْدِه بفِناء جَفْني المُودَع
لرأيتَ طَرْفيَ وهْو مانعُ أَدْمعٍ / مثْلَ السّموأَلِ وهْو مانعُ أَدْرُع
نَفْسي فِداء السّائرِينَ من اللّوى / ولهمْ مُعرَّجُ ساعةٍ بالأَجْرَع
السّالِبينَ فُؤادَ كُلِّ مُشيَّعٍ / أظعانَهمْ من صَدْرِ كُلِّ مُشَيِّع
والباعثِينَ إلىّ طَيْفاً زائراً / أوصَوْه بي ألاّ يُفارِقَ مَضْجَعي
فكأنّنا لمّا عقَدْنا للنّوى / حِلْفاً بغَيْرِ رَهائنٍ لم تَقْنَع
فرَهينتي معهمْ فؤاديَ دائماً / والطّيفُ من سَلْمَى رَهينتُهْم معي
بأبي الشموسَ الطالعاتِ عَشّيّةً / فوقَ الِركائبِ وهْي فُتْلُ الأذْرُع
المُخرِجاتِ من الحريرِ تَحيّةً / أَطرافَ دُرٍّ بالعَقيقِ مُقمَّع
من كُلِّ صائدةِ الرّجالِ بمُقْلةٍ / منها وصائنةِ الجَمالِ ببُرقع
وعزيزةٍ في الحيّ وهْي بخيلةٌ / بالوَصلِ إلاّ يَمنعوها تَمنَع
تَرنو بناظرةِ المَهاةِ إذا بدَتْ / وتَنُصُّ سالفةَ الغزالِ الأتلَع
إن تُمْسِ آفاقُ السّماء مُنيرةً / للنّاظرِينَ منَ النجومِ الطُّلَّع
فلِمُقلتي أُفُقٌ خُصوصاً شَمسُه / من وَجْهها ونُجومُه من أَدمُعي
شُهُبٌ إذا غرَبتْ طلَعْنَ مَوالئاً / عَيني ولا يَغْرُبْنَ ما لم تَطلُع
يا صاح مأْثورُ الحديثِ مُخلَّفٌ / فاصْبِرْ لِرَوْعاتِ الخُطوبِ أَوِ اجْزَع
إنّ الزّمانَ على تَطاوُلِ عَمْرِه / بَرْقٌ يَمُرُّ فخُذْ بحَظِّك أَو دَع
عَطَلي لدى زَمَنٍ ومِنّىَ جِيدُه / في حِلْيَتْي ذِكْرٍ وشِعْرٍ مُجْزِعي
أَسعَى ليَرعَى آخَرونَ وما سعَوْا / قُلْ للّيالي ما بدا لكِ فاصْنَعي
لهمُ الغِنَى وليَ العَناءُ ونافِذُ / يا دَهرُ حُكمُكَ إن تَضعْ أَو تَرفَع
الكَرُّ يُعرَفُ للعُبَيدِ ورَبِّه / والنّهْبُ بينَ عُيَينةٍ والأَقْرَع
بالجِّدِ والجَدِّ انتَجِعْ تَنَلِ المُنَى / فإنِ اجتزأْتَ بواحدٍ لم تَنْجَع
وإذا نَعَيْتَ على خليلٍ خَلّةً / في دينهِ فاهْجُرْه واحسِبْه نُعي
فلقد أُراني واجداً بذؤابتي / وبلَونها وَجْدَ المُحبِّ المُولَع
حتّى إذا رفَضَ العِذارُ سوادَه / منّي وأصبحَ بالبياضِ مُروِّعى
ما سَرَّني معه بَقائيَ بعدما / أضحَى يَشوبُ تَسنُّناً بتَشيُّع
إلا بمدحِ ربيبِ دولة هاشمٍ / ما دام عُمْرِيَ بالكلامِ مُمتِّعي
ووِفادَتي في كُلِّ عامٍ زائراً / وإفادتي شَرفاً رفيعَ المطْلَع
بنظامِ دينِ اللهِ والمُلْكِ الّذي / ما دامَ حامي سِلْكِه لم يُقْطَع
عَضدُ الخِلافةِ ما يزالُ مُطاعِناً / من دونها برماحِ رَأْيٍ شُرَّع
بِقَناً إذا مَدَّدْتَ منها زَعزعَتْ / أَركانَ أعداءٍ ولم تَتزَعْزَع
وإلى الوزيرِ ابنِ الوزيرِ سرَتْ بنا / خُوصٌ متى تَطُلِ المَهامِه تُذْرَع
ما زال يُطرِبُها الحُداةُ بمَدْحِه / حتّى أَتَتْه أَنسُعاً في أَنسُع
والوفدُ أَمرحُ ما يُرَوْنَ إذا همُ / نَزلوا إليه عنِ المَطيِّ الظُّلَّع
ومتى جَبُنْتَ عنِ الزّمانِ وصَرْفِه / فارْحَلْ إلى ابنِ أبي شُجاعٍ تَشْجُع
مَلِكٌ أَغرّ سَميْدَعٌ ما يَعْتَزي / إلاّ إلى مَلِكٍ أَغرَّ سَميْدَع
عَلِقٌ بقاصيةِ الرّعيّةِ فِكْرُه / ما زالَ يَسهَرُ للعيونِ الهُجّع
وَرِثَ السّيادةَ عن أبِيهِ وجَدِّهِ / وسمَتْ ذَوائبُ دَوْحِه المُتفَرِّع
والفَرعُ ليس يُريكَ حين تَهُزُّه / كرَماً له في الأصْلِ لم يستَوْدع
ذو همّةٍ يُمضِي بسَطرٍ واحدٍ / قلماً فيُخجلُ ألفَ رُمْحٍ مُشْرَع
يَزداد في الشّرَفِ الرّفيعِ تَراقِياً / ما دام منه ثَنِيّةٌ لم تُطلَع
فإذا تَجاوزَ كُلَّ حَدٍّ في العُلا / قالتْ جلالةُ قَدْرِه لا تَقنَع
أمّا أميرُ المؤمنينَ فقدْ أَوَى / منه إلى الرُّكْنِ الأشَدِّ الأمنَع
مُستَظْهِرٌ لم يَرضَ غيرَ ظَهيرِه / ففِناؤه في الخَطْبِ أعظَمُ مَفزَع
لا تَخْلُ منه كَتيبةٌ وكتابةٌ / من مُوقِعٍ بعُداتِه ومُوقِّع
غادرْتَهمْ وِرْداً لأطرافِ القَنا / وقِرىً لحائمةِ النُّسورِ الجُوَّع
ومسَحْتَ ناصيةَ العُلا بأناملٍ / خُلقَتْ ضرائرَ للغُيوثِ الهُمَّع
فكأنَّ عَينَ الشّمسِ عَينٌ أصبَحتْ / لعُلاكَ وهْي على الطّريقِ المَهْيَع
أَوردْتَ خَيلَكَ ماءها فكرَعْنَ بال / جبَهاتِ فيه وخُضْنَهُ بالأكْرُع
ففَداكَ في الحُسّادِ كُلُّ مُدافِعٍ / دونَ العُلا والمكرماتِ مُدَفَّع
عَلِقٌ بأطرافٍ المُنى ووراءه / جَدٌّ إذا ما طارَ قال له قَع
مَخْدوعُ طَرْفِ العَينِ يَبسُط كَفَّه / مِمّا يَظُنُّ النّجمَ قيدَ الإصْبَع
يَبْغي مَكانَك في العلاءِ وما لَه / عن نَيلِ مَجْدك غَيرُ عَضِّ اليَرْمَع
فَبقِيتَ في حُلَلِ المَناقبِ رافِلاً / ما شاقَ إيماضُ البُروقِ اللُّمَّع
من ماجدٍ لثَرائِه وثنائِنا / طُولَ الزّمانِ مُفَرِّقٍ ومُجَمِّع
أَرِحِ المنائحَ والمدائحَ ساعةً / من طُولِ مَمضىً في الأنام ومَرْجِع
فلقد أَنَلْتَ من المُنَى ما لم يُنَلْ / وسَمعْتَ للمُدّاحِ ما لم يُسْمَع
وتَركْتَ عَصرَكَ من تَضاعُفِ فَخْرِه / بين العصورِ بفَضلكَ المُستَجمع
ما بين عَصرٍ سابقٍ مُتَلفِّتٍ / شَوقاً إليهِ ولاحِقٍ مُتطلِّع
يا مَن إذا زُرْنا رفيعَ جنابهِ / صنَع الجميلَ لنا ولم يَتَصنَّع
أَيَروعُني صَرْفُ الزّمانِ بجُنْدِه / وأنا بمَرأىً من نَداكَ ومَسْمَع
أنت الّذي عقَل الرّجاءُ مَطِيّتي / بذُراك حتّى قُلتُ هذا مَربَعي
واصلْتَ رِفْدَك بعد ما أغنيْتني / جَوْدَ الغمامِ على الغديرِ المُتْرَع
ورفَعْتَني كرَماً فلم أُحوَجْ إلى / أن أَستعيرَ نباهةً لترفُّع
وتَركْتَني عند الزّمانِ وليس لي / إلاّ بقاءكَ دائماً من مَطْمَع
أنا مِن نَداكَ وفَرْطِ عَجْزي شاكراً / في مَوقِفٍ من حَيْرتي مُستَبْدع
فإذا حلَلْتُ تقول خَجْلتيَ ارتَحِلْ / وإذا مضَيتُ تقولُ هِمّتُكَ ارْجِع
فاسْلَمْ لسائمةِ الرّجاءِ تَحوطُها / فلدَيكَ قد ظَفِرَتْ بخِصْبِ المَرتَع
واسْعَدْ بصَومِكَ واصلاً ومُفارِقاً / ومُعاوِداً عَوْدَ المَشوقِ المُسْرِع
فتَملَّ في ظلِّ الإمامِ بدولةٍ / عُمُرَ الزّمانِ طَويلةِ المُستَمْتَع
فَلَكَ الجَلالُ وأنت منه دائماً / كالشمس تَنزِلُ بالمَحَلِّ الأرفَع
فتَداومَا أبداً حَليفَيْ رِفْعةٍ / ما تَأْمُرا يُعْطِ الزَّمانُ ويمنَع
عُدُدٌ لكمْ أنْ سِرْتُ في تَشْييعي
عُدُدٌ لكمْ أنْ سِرْتُ في تَشْييعي / ممّا تَضمّنُ مُقلتي وضُلوعي
النّارُ تُقْبَسُ من وطيسِ جَوانحي / والماءُ يُورَدُ من غديرِ دُموعي
قلبي وعيني يُغْنيانِ رِكابَكُمْ / عن رِحلَتَيْ قَيظٍ لكمْ ورَبيع
فتَغنَّموا أَنّي أَسيرُ خلالَكمْ / سَيْرَ امْرِئٍ بالاِلتقاءِ قَنوع
وتَعلَّموا أَنّي جَزِعتُ ولم أكنْ / لولا فراقُ أحبَّتي بجَزوع
راعَ الفؤادَ نوَى الخليطِ ولم يكُنْ / قبلَ النّوى من حادثٍ بمَروع
مالي نَزَلْتُ وتَرحلونَ ألا أَرى / يَوماً تلاؤُمَ شَمْليَ المَجْموع
أنتم تشدّونَ النُّسوعَ لرِحْلةٍ / وأنا على لَغَبٍ أَحُلُّ نُسوعي
مُتأمِّلاً مُتعجِّباً لرِحالكمْ / مَرفوعةً معَ رَحليَ المَوضوع
سَهْمُ النّوى أنا دائماً ما بينَ أَن / أُدنَى وأُبعَدُ مُهلَةٌ لُوقوع
أبدو وأخفَى عاجلاً فكأنّني / طَيفٌ سرَى في أُخْرَياتِ هُجوع
وأَرى فؤاديَ في الزّمانِ كأنّه / بَيْتُ العَروضِ يُرادَ للتّقْطيع
لمّا طَويْتُ أنا البعادَ نَشَرْتُمُ / ذَرْعاً لبُرْدِ المَهْمَهِ المَذْروع
فلئنْ أَقَمْتُ فلاتَ حينَ إقامةٍ / ولئن رجَعْتُ فلاتَ حينَ رُجوع
ولعلّ دهْراً أن يَعودَ مُبَشّري / منكم بعَودٍ أَرتجيهِ سريع
فالدّهرُ يَلحَقُ طالعاً بغُروبهِ / أبداً ويُعْقبُ غارباً بطُلوع
وإذا رأيتَ الدُّرَّ أصبحَ باقياً / هانَتْ إعادَةُ سِلْكه المَقْطوع
أمّا سديدُ الحَضرتَيْنِ فلم يَزَلْ / بمديحه دون الأنامِ ولوعي
فهو الّذي يُمسي ويُصبح جاهُه / طولَ الزّمانِ مُشفِّعي وشَفيعي
وأَشَدُّ ما بي أنّني لم ألْقَهُ / مَرَضاً وقد وافَيتُ مُذْ أُسبوع
حتّى كأنّ ولا كأنّ فِراقُه / أَغرَى السَّقامَ بجسميَ المَفْجوع
مَلِكٌ مَديحي المُستجادُ مُطيعُه / أبداً ونائلُه الجزيلُ مُطيعي
جارٍ على دِينِ النّدى لكنّه / يأْتي بمُبدَعِه وبالمَشْروع
وصحيحُ أخبارِ السّماحِ لدى الوَرى / من مُرسَلٍ عنه ومن مَرْفوع
يُعْطي ويَشكرُ وَفْدَه كَرماً فكم / بِرٍّ بشُكْرٍ عنده مَشْفوع
وإذا اعتَنى لك بالأمورِ أَتمّها / من غيرِ تقصيرٍ ولا تَضْجيع
ذو هِمّةٍ يَقِظٌ متى ما ماجئْتَه / لاقَيتَ أوفَى النّاسِ حُسنَ صَنيع
وإذا سَمِعْتَ به سمعتَ بماجدٍ / يأتيك واصِفٌه بكُلِّ بَديع
فإذا رأيتَ رأيتَ منه كاملاً / مَرئيُّه يُوفى على المَسْموع
ففَداه في الأقوامِ كُلُّ مُزنّدٍ / لثنيّةِ العَلْياء غيرُ طَلوع
من غَيثِ مكرمةٍ وليثِ كتيبةٍ / وغنَى فَقيرٍ وانتعاشِ صريع
وأغَرَّ يَمطُرُ في ذُراه وُفودَه / بندىً هَمولٍ للعُفاةِ هَموع
من كَفِّ خِرْقٍ للعطاء مُفرِّقٍ / بالمكرماتِ وللعلاء جَموع
أقلامُه يَقْلِمْنَ أظفارَ الرَّدى / بيَدٍ عظيمةِ مَوقِعِ التَّوقيع
يُومضْنَ منه في الأناملِ جِرْيةً / إيماضَ برْقٍ في الحَبيِّ لَموع
إنّي قصدتُك يا ابنَ أكرَمِ مَعشرٍ / طَرَفَيْ أُصولٍ في العُلا وفُروع
وإليكَ أقبلَ بي نِزاعي والهوَى / وثنَى عِناني عن سواك نُزوعي
ومُضِيُّ أعوامٍ عليَّ ثلاثةٍ / لم أَدْن فيها منك كان مُضيعي
ورأيتُ أنّك غائبٌ عن نُصْرَتي / فأطَلْتُ بعدَك للخُطوبِ خُضوعي
وسكنْتُ بين عِدايَ حصْنَ تَجمُّلٍ / أضحى على الحدَثانِ غيرَ مَنيع
وبنانيَ المجروحُ يُدمِي قَرْحَهُ / طولُ العِضاضِ بسِنّيَ المَقروع
مُتوقِّعاً يوماً بوَجهكَ أن أرى / صُبْحَ السّعادةِ مُؤْذِناً بسُطوع
فالحمد للهِ الّذي من لُطفِه / صدع الدُّجى عنّا ضياءُ صَديع
وجلا بغُرَّتِك العيونَ كأنّها / بَدْرٌ جَلا الظّلماءَ بَعدَ هَزيع
وصُعودُ هذي الشُّهْبِ بعدَ تَصوُّبٍ / وكذا استقامَتُهُنَّ بَعد رُجوع
والمرءُ يُمنَعُ ثُمّ يَرتَعُ آمِناً / ما نُجعَةٌ إلاّ وراءَ نَجيع
كم فيكَ لي من رَفعةٍ ليدي إلى / ربٍّ لأدعيةِ العبادِ سَميع
حتّى تَتابعَتِ البشائرُ بالّذي / تهوى برغم عَدُوِّكَ المَقْموع
فاليوم قد أَدركْتُ ما أمّلْتُه / ومضَى الحسودُ بمَعْطِسٍ مجْدوع
فخطَطْتُ تحت ظِلالِ عزْك مَنْزلي / وجَعلْتُ وسْطَ حمَى عُلاكَ رُتوعي
وكأنّني بي قد بلَغْتُ بك المُنَى / وحصدْتُ بعضَ رجائيَ المَزروع
وسَعادةُ الأتباعِ من دُنياهمُ / مَقْرونةٌ بسَعادةِ المتْبوع
فاعْرِفْ عَرفْتَ الخيرَ أغراضي التي / فيها وقد حضَر الرّحيلُ شُروعي
واعطِفْ جُعلتُ لك الفدا عَطْفاً على / ناءٍ منَ الوطنِ البعيدِ نَزيع
مَنْ مُخْبِرُ القُصّادِ أنّي جئتُهمْ / بقَصائدٍ مَوشيّةِ التَّوشيع
لِيُرونيَ الإِدرارَ في مَجْموعهمْ / وأُريهمُ الأشعارَ في مَجْموعي
ويُجِدُّ تَشريفي الوزيرُ ويُبْصروا / تَشْنيفَه بالدُّرِّ من تَرْصيعي
أمّا القضاءُ فأشتَهي لكنّه / لِدُيونيَ اللاّتي نَفَيْنَ هُجوعي
وأجَلُّ عندي مَوقعاً من كِتْبَةِ ال / منشورِ فاعْلَمْ كِتْبةُ التَوزيع
بعْتُ القضاءَ على البلادِ وصِيتَهُ / بقَضائهنّ وذاك خَيرُ بُيوعي
لو كنتَ تَرمي في القضاءِ بنَظرةٍ / لَعجبْتَ من شِبَعِ القُضاةِ وجوعي
أُرشُوا ولا أُرشَى وتلك غَبينةٌ / تُمسى لها الأكبادُ ذاتَ صُدوع
وأَخافُ من تشنيعِهمْ لو جُرْتُ في / حُكمٍ وليس يُخافُ منْ تَشْنيعي
وسَجيّتي قَصْدُ السّدادِ ولن تَرى / مُتطبِّعاً في الشَّيْءِ كالمَطْبوع
والقومُ يَبغونَ الثّراءَ وليس لي / غيرُ الثّناءِ ومَنطقٍ مَسْجوع
عارٍ لطَعْنِ ذَوي النُّهَى أَعراضُهمْ / ووجوهُهمْ في مُحكَماتِ دُروع
فعلَى القَضا منّي السّلامُ وتَوبتي / منه النَّصوحُ فجانِبوا تَقْريعي
حتّى يَعودَ كما مضَى زمَنٌ وأق / وامٌ فيَقْبحُ عندهمْ تَضْييعي
هذي أُموري فاعتبِرْها مُنْعِماً / فلقد كشَفْتُ السِّرَّ كشْفَ مذيع
وأَمِدَّني إمدادَك المَعهودَ لي / تَجعلْ على استنجازِها تَشْجيعي
واصدَعْ بما أَمرَ العُلا وإن انثَنى / عنه الحَسودُ بقَلبِه المَصْدوع
واسلَمْ لمُلْكٍ أنت تَدعَمُ بَيتَه / بعمادِ رَأْيٍ يَقتَضيهِ رَفيع
ما دام في الدّهرِ اتّضاعُ رفيعٍ اسْ / تِقباحُه مثْلَ ارْتفاعِ وَضيع

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025