المجموع : 3
أَوجستُ من جَمرٍ بخَدِّكِ ساطعٍ
أَوجستُ من جَمرٍ بخَدِّكِ ساطعٍ / خوفاً على بَرَدٍ بثَغرِك ناصعِ
فسلَبتُ هذا حَرَّه بأضالعي / ووَقَيْتُ ذلك ذَوبَه بمَدامعي
ورَضِيتُ إذ سَلِمتْ عليك مَحاسنٌ / مَفدِيّةٌ بمدامعي وأضالعي
لم أنسَ عهدَكَ يازَوردُ صبيحةً / زُرناك قبلَ نَوى الخليطِ الفاجع
وغصونُ بانِكَ في شُفوفِ غلائلٍ / وعيونُ وحشِك في خُروقِ بَراقع
حتّى إذا جَدَّ الوداعُ وبيننا / سِرٌّ إلى الواشينَ ليس بذائع
ما كان غيرَ إدارةٍ بحواجبٍ / تَسليمُنا وإشارةٍ بأصابع
وغداةَ يومِ الجِزعِ قَلّبَ صابرٌ / طرْفاً فأعربَ عن ضمائرِ جازع
وبدتْ بدورُ الحيِّ في أُفُقِ النَّوى / زُهْراً وهُنّ أوافلٌ كطوالع
حتّى إذا هجَم الرقيبُ مُعارِضاً / منّا على سَرْحِ الِلّحاظِ الرّاتع
غامتْ شموسُ وجوهِهمْ بأناملٍ / مطَرتْ غَمامتُها بدَمعٍ هامع
فبِكَمْ أَلَذُّ إذا رحيلٌ مانِحٌ / زاداً لِعينِكَ من مُقامٍ مانع
فَتكاتُ نابلةِ العيونِ عجيبةٌ / فاشْهَدْ وقائعَها بقلبٍ دارع
لمّا رأتْ سَلْمى ظلامَ مطالبي / ما إن يُجلِّيه ضياءُ ذَرائعي
وملوكُ أرضٍ حينَ عِفْتُ جِوارَهمْ / من جَورهمْ لم أُبْدِ صَفحةَ خاضع
وإذا فَسادُ العُضْوِ أصبحَ زائداً / لم يَشْفَ منه غيرُ كَفِّ القاطع
قالتْ لتُسمِعَني ولم أك مُرْعياً / لمُروِّعٍ يا صاح سَمْعَ الخاشع
صانِعْ عدوّكَ تُكْفَه ومَنِ الّذي / للأعداءِ غيرَ مُصانع
ودَعِ التّناهيَ في للعُلا / فلم أرَ مثْلَ عِزِّ القانع
فبسابعِ الأفلاكِ لم يَحلُلْ سوى / زُحَلٍ ومَجْرَى الشمسِ وَسْطَ الرّابع
فأَجَبْتُها ومن الخُطوبِ لَو أنّنِي / عند الخطوبِ أقولُ قولةَ ضارع
تأْبَى مُقاميَ يا أُميمُ حوادثٌ / للدّهْرِ يَهزأُ خَرقُها بالراقع
وأَلِيّتي مهما نَبا بي مَنزِلٌ / لا مَسَّ رَحْلَ مَطِيّتي يَدُ واضع
كم ليلةٍ فَتقَ الجفونَ ظلامُها / منّي وخاطَ من الخَلِيِّ الهاجع
ليلاءَ يُمسي النّجمُ وهْو مُسامري / في جُنحِها والنّصْلُ وهْو مُضاجعي
في فِتيةٍ مُتوسِّدينَ لأذرعٍ / من ناجياتٍ للفلاةِ ذَوارع
أبداً تَهاداني البلادُ تَهادِياً / كالنّجمِ بينَ مَغاربٍ ومَطالع
فكأنّما أنا بيتُ شِعْرٍ سائرٍ / وكأنّما هي مُصغياتُ مَسامع
مِمّا به مُدِحَ الوزيرُ فلم يزَلْ / يُهدِيه دانٍ في البلادِ الشاسع
ومَديحُنا لكَ تاجُ رأْسِ القائلِ الْ / مُثْنِي عليك وقُرْطُ أُذْنِ السّامع
نُعماكَ كالأطواقِ شاملةُ الوَرَى / والخَلْقُ فيها كالحمام السّاجع
تُسدَى إليهم لا تزالُ صنائعٌ / لجَلالِ دين اللهِ بعد صنائع
أمّا الوِزارةُ فهْي كانتْ عانِساً / طلَباً لكُفْؤٍ للمفاخرِ جامع
كم رُمِّلتْ من أنْفِ خاطبِ مَعشرٍ / بدَمٍ ولم تُغْرَرْ بخِدْعةِ خادع
قُدعَتْ أُنوفُ الخاطبِينَ لها إلى / أنْ عنَّ فَحْلٌ لا يَذِلٌ لقادع
فاستَشْفَعوا فأبَتْ وأنت أبَيْتَها / حتّى أتتْكَ لها بأوجَهِ شافع
إنّ الزّمانَ لباخلٌ فإذا سخَا / يوماً أتَى من جُودِه ببدائع
خَلُّوا الفلا لأبي عَليٍّ فالعُلا / حَقٌّ له من دونِ كُلِّ مُنازع
خُتِمَتْ به الوزراءُ خَتْم جَلالةٍ / من كُلِّ ذي سَبْقٍ بذِكْرٍ شائع
وأتَى عظيمُ غِنائه من بَعدِهمْ / وكذا أمامَ الجيشِ بَعْثُ طلائع
ولَئنْ تأخَّر وارداً وتَقدَّموا / فَرَطاً له من مُبْطئٍ ومُسارع
فالفَجرُ يَطلُع كاذباً أو صادِقاً / ما زال قُدّامَ النّهارِ الماتع
هولُجّةُ الكَرمِ الّذي مِن قَبلِه / كانوا أوائلَ مَوجِها المُتَدافع
فَلْيَهْنِ آفاقَ السِّيادة أنّها / نَجَمتْ ثَنيّتُها ببَدْرٍ طالع
في حُسنِه أبداً وفي إحسانِه / نُزَهٌ تَلَذُّ لِمُبْصِرٍ ولسامع
وصَل العلاءَ له بدولةِ هاشمٍ / سَببانِ لا عَلِقَتْهُما يَدُ قاطع
شَرفانِ من قُرْبٍ ومن قُرْبَى له / جُمِعا كنَظْمِ اللُّؤْلُؤِ المُتَتابع
أُفُقٌ سِماكاه ونَسْراه عُلاً / ما منهما مِن أَعزَلٍ أَو واقع
قُلْ للأفاضلِ غِثْتُمُ ما شئتُمُ / فثِقوا لِغُلّتِكمْ بِرِىٍّ ناقع
مُتفيِّئينَ ظلالَ أَبيضَ ماجدٍ / عن رِفْدِه بالعُذْرِ غَيرِ مُمانع
خِرْقٌ مواهبُ كفِّه ولسانهِ / تأْتي بغيْرِ وسائلٍ وشوافع
ثَبْتٌ إذا طاشَ الحُلومُ كأنّما / في عَقْدِ حُبْوتهِ جُنوبُ مُتالع
لمّا غدا وَزَرَ الخِلافةِ رأْيُه / مدَّ الزّمانُ إليه كفَّ مُبايع
وأطاعَه الدهرُ العَصيُّ ولم يكُنْ / من قبْلِه الدَّهرُ العصِيُّ بطائع
توقيعُه في الكُتْبِ من أقلامِه / يُغْنِى الكتائبَ عن شهودِ وَقائع
في مأْزِقٍ قد جَنّ ليلُ قَتامِه / فالخيلُ فيه ناصِباتُ سوامع
وسرَتْ تَهاوىَ بينهمْ شُهُبُ الظُّبَي / رَجْماً بهِنّ لنَحْرِ كلِّ مُقارع
يَرْدِى به نَهْدٌ كأنّ لَبانَه / في الرَّوعِ قِبلةُ كلِّ رمحٍ راكع
ويَهزُّ مَصقولَ الحديدةِ ماضياً / كوَميضِ بَرقٍ في الغمامةِ لامع
أعميدَ دولةِ هاشمٍ ما عُدَّتي / إلاّ رَجاؤك والخُطوبُ روائعي
لولاك يا بَحْرَ المكارمِ لم يكُنْ / عَهْدُ النّدى أبدَ الزّمانِ براجع
يا ماجداً عمَّ الورَى إفضالُه / وازدادَ في الفُضَلاءِ حُسْنَ مَواقع
دُمْ للمكارمِ والمعالي باسِطاً / يَدَ ضائرٍ لذوي العِنادِ ونافع
واسْعَدْ بدَهْرٍ قد عَلِمتَ بأنّه / ما الحُرُّ فيه إذا سَلِمْتَ بضائع
حَيّتْكَ غاديةُ الحَيا من مَرْبَع
حَيّتْكَ غاديةُ الحَيا من مَرْبَع / رجَعتْ عهودي فيك أم لم تَرجِعِ
إنّ الّذينَ وقَفتُ في آثارِهمْ / مُترسِّماً لمَصيفِهمْ والمَربَع
ما أَسْأروا في كأسِ دَمْعِيَ فَضْلةً / عنهمْ فأجعلَها نَصيبَ الأَربُع
لم يُبكني إلاّ حديثُ فراقهمْ / لمّا أسرّ بهِ إلىّ مُودّعي
هو ذلك الدُّرُّ الّذي ألقيتُمُ / في مَسْمَعي ألقيتُه من مَدْمَعي
فدَعُوا التّجنِّيَ عاطِفينَ على فتىً / لوقوعِ ما تَعِدُ النّوى مُتَوقِّع
صَبٍّ لأسرارِ الأحبّةِ حافظٍ / ولمَوضعِ الأسرارِ منه مُضَيِّع
أمّا الفؤادُ فإنّهم ذهَبوا به / يومَ النّوى فَبقِيتُ صِفْرَ الأَضلُع
ونظَرتُ من بَعدِ الفؤادِ فلم أجِدْ / غيرَ الجفونِ لِسرِّهمْ من مَوْضِع
وهي الّتي لولا الغرامُ ولو خطَتْ / شُهُبُ الكتائبِ فوقَها لم تَخْشَع
لو كان خَيّم غيرُ سلطانِ الهَوى / في جُنْدِه بفِناء جَفْني المُودَع
لرأيتَ طَرْفيَ وهْو مانعُ أَدْمعٍ / مثْلَ السّموأَلِ وهْو مانعُ أَدْرُع
نَفْسي فِداء السّائرِينَ من اللّوى / ولهمْ مُعرَّجُ ساعةٍ بالأَجْرَع
السّالِبينَ فُؤادَ كُلِّ مُشيَّعٍ / أظعانَهمْ من صَدْرِ كُلِّ مُشَيِّع
والباعثِينَ إلىّ طَيْفاً زائراً / أوصَوْه بي ألاّ يُفارِقَ مَضْجَعي
فكأنّنا لمّا عقَدْنا للنّوى / حِلْفاً بغَيْرِ رَهائنٍ لم تَقْنَع
فرَهينتي معهمْ فؤاديَ دائماً / والطّيفُ من سَلْمَى رَهينتُهْم معي
بأبي الشموسَ الطالعاتِ عَشّيّةً / فوقَ الِركائبِ وهْي فُتْلُ الأذْرُع
المُخرِجاتِ من الحريرِ تَحيّةً / أَطرافَ دُرٍّ بالعَقيقِ مُقمَّع
من كُلِّ صائدةِ الرّجالِ بمُقْلةٍ / منها وصائنةِ الجَمالِ ببُرقع
وعزيزةٍ في الحيّ وهْي بخيلةٌ / بالوَصلِ إلاّ يَمنعوها تَمنَع
تَرنو بناظرةِ المَهاةِ إذا بدَتْ / وتَنُصُّ سالفةَ الغزالِ الأتلَع
إن تُمْسِ آفاقُ السّماء مُنيرةً / للنّاظرِينَ منَ النجومِ الطُّلَّع
فلِمُقلتي أُفُقٌ خُصوصاً شَمسُه / من وَجْهها ونُجومُه من أَدمُعي
شُهُبٌ إذا غرَبتْ طلَعْنَ مَوالئاً / عَيني ولا يَغْرُبْنَ ما لم تَطلُع
يا صاح مأْثورُ الحديثِ مُخلَّفٌ / فاصْبِرْ لِرَوْعاتِ الخُطوبِ أَوِ اجْزَع
إنّ الزّمانَ على تَطاوُلِ عَمْرِه / بَرْقٌ يَمُرُّ فخُذْ بحَظِّك أَو دَع
عَطَلي لدى زَمَنٍ ومِنّىَ جِيدُه / في حِلْيَتْي ذِكْرٍ وشِعْرٍ مُجْزِعي
أَسعَى ليَرعَى آخَرونَ وما سعَوْا / قُلْ للّيالي ما بدا لكِ فاصْنَعي
لهمُ الغِنَى وليَ العَناءُ ونافِذُ / يا دَهرُ حُكمُكَ إن تَضعْ أَو تَرفَع
الكَرُّ يُعرَفُ للعُبَيدِ ورَبِّه / والنّهْبُ بينَ عُيَينةٍ والأَقْرَع
بالجِّدِ والجَدِّ انتَجِعْ تَنَلِ المُنَى / فإنِ اجتزأْتَ بواحدٍ لم تَنْجَع
وإذا نَعَيْتَ على خليلٍ خَلّةً / في دينهِ فاهْجُرْه واحسِبْه نُعي
فلقد أُراني واجداً بذؤابتي / وبلَونها وَجْدَ المُحبِّ المُولَع
حتّى إذا رفَضَ العِذارُ سوادَه / منّي وأصبحَ بالبياضِ مُروِّعى
ما سَرَّني معه بَقائيَ بعدما / أضحَى يَشوبُ تَسنُّناً بتَشيُّع
إلا بمدحِ ربيبِ دولة هاشمٍ / ما دام عُمْرِيَ بالكلامِ مُمتِّعي
ووِفادَتي في كُلِّ عامٍ زائراً / وإفادتي شَرفاً رفيعَ المطْلَع
بنظامِ دينِ اللهِ والمُلْكِ الّذي / ما دامَ حامي سِلْكِه لم يُقْطَع
عَضدُ الخِلافةِ ما يزالُ مُطاعِناً / من دونها برماحِ رَأْيٍ شُرَّع
بِقَناً إذا مَدَّدْتَ منها زَعزعَتْ / أَركانَ أعداءٍ ولم تَتزَعْزَع
وإلى الوزيرِ ابنِ الوزيرِ سرَتْ بنا / خُوصٌ متى تَطُلِ المَهامِه تُذْرَع
ما زال يُطرِبُها الحُداةُ بمَدْحِه / حتّى أَتَتْه أَنسُعاً في أَنسُع
والوفدُ أَمرحُ ما يُرَوْنَ إذا همُ / نَزلوا إليه عنِ المَطيِّ الظُّلَّع
ومتى جَبُنْتَ عنِ الزّمانِ وصَرْفِه / فارْحَلْ إلى ابنِ أبي شُجاعٍ تَشْجُع
مَلِكٌ أَغرّ سَميْدَعٌ ما يَعْتَزي / إلاّ إلى مَلِكٍ أَغرَّ سَميْدَع
عَلِقٌ بقاصيةِ الرّعيّةِ فِكْرُه / ما زالَ يَسهَرُ للعيونِ الهُجّع
وَرِثَ السّيادةَ عن أبِيهِ وجَدِّهِ / وسمَتْ ذَوائبُ دَوْحِه المُتفَرِّع
والفَرعُ ليس يُريكَ حين تَهُزُّه / كرَماً له في الأصْلِ لم يستَوْدع
ذو همّةٍ يُمضِي بسَطرٍ واحدٍ / قلماً فيُخجلُ ألفَ رُمْحٍ مُشْرَع
يَزداد في الشّرَفِ الرّفيعِ تَراقِياً / ما دام منه ثَنِيّةٌ لم تُطلَع
فإذا تَجاوزَ كُلَّ حَدٍّ في العُلا / قالتْ جلالةُ قَدْرِه لا تَقنَع
أمّا أميرُ المؤمنينَ فقدْ أَوَى / منه إلى الرُّكْنِ الأشَدِّ الأمنَع
مُستَظْهِرٌ لم يَرضَ غيرَ ظَهيرِه / ففِناؤه في الخَطْبِ أعظَمُ مَفزَع
لا تَخْلُ منه كَتيبةٌ وكتابةٌ / من مُوقِعٍ بعُداتِه ومُوقِّع
غادرْتَهمْ وِرْداً لأطرافِ القَنا / وقِرىً لحائمةِ النُّسورِ الجُوَّع
ومسَحْتَ ناصيةَ العُلا بأناملٍ / خُلقَتْ ضرائرَ للغُيوثِ الهُمَّع
فكأنَّ عَينَ الشّمسِ عَينٌ أصبَحتْ / لعُلاكَ وهْي على الطّريقِ المَهْيَع
أَوردْتَ خَيلَكَ ماءها فكرَعْنَ بال / جبَهاتِ فيه وخُضْنَهُ بالأكْرُع
ففَداكَ في الحُسّادِ كُلُّ مُدافِعٍ / دونَ العُلا والمكرماتِ مُدَفَّع
عَلِقٌ بأطرافٍ المُنى ووراءه / جَدٌّ إذا ما طارَ قال له قَع
مَخْدوعُ طَرْفِ العَينِ يَبسُط كَفَّه / مِمّا يَظُنُّ النّجمَ قيدَ الإصْبَع
يَبْغي مَكانَك في العلاءِ وما لَه / عن نَيلِ مَجْدك غَيرُ عَضِّ اليَرْمَع
فَبقِيتَ في حُلَلِ المَناقبِ رافِلاً / ما شاقَ إيماضُ البُروقِ اللُّمَّع
من ماجدٍ لثَرائِه وثنائِنا / طُولَ الزّمانِ مُفَرِّقٍ ومُجَمِّع
أَرِحِ المنائحَ والمدائحَ ساعةً / من طُولِ مَمضىً في الأنام ومَرْجِع
فلقد أَنَلْتَ من المُنَى ما لم يُنَلْ / وسَمعْتَ للمُدّاحِ ما لم يُسْمَع
وتَركْتَ عَصرَكَ من تَضاعُفِ فَخْرِه / بين العصورِ بفَضلكَ المُستَجمع
ما بين عَصرٍ سابقٍ مُتَلفِّتٍ / شَوقاً إليهِ ولاحِقٍ مُتطلِّع
يا مَن إذا زُرْنا رفيعَ جنابهِ / صنَع الجميلَ لنا ولم يَتَصنَّع
أَيَروعُني صَرْفُ الزّمانِ بجُنْدِه / وأنا بمَرأىً من نَداكَ ومَسْمَع
أنت الّذي عقَل الرّجاءُ مَطِيّتي / بذُراك حتّى قُلتُ هذا مَربَعي
واصلْتَ رِفْدَك بعد ما أغنيْتني / جَوْدَ الغمامِ على الغديرِ المُتْرَع
ورفَعْتَني كرَماً فلم أُحوَجْ إلى / أن أَستعيرَ نباهةً لترفُّع
وتَركْتَني عند الزّمانِ وليس لي / إلاّ بقاءكَ دائماً من مَطْمَع
أنا مِن نَداكَ وفَرْطِ عَجْزي شاكراً / في مَوقِفٍ من حَيْرتي مُستَبْدع
فإذا حلَلْتُ تقول خَجْلتيَ ارتَحِلْ / وإذا مضَيتُ تقولُ هِمّتُكَ ارْجِع
فاسْلَمْ لسائمةِ الرّجاءِ تَحوطُها / فلدَيكَ قد ظَفِرَتْ بخِصْبِ المَرتَع
واسْعَدْ بصَومِكَ واصلاً ومُفارِقاً / ومُعاوِداً عَوْدَ المَشوقِ المُسْرِع
فتَملَّ في ظلِّ الإمامِ بدولةٍ / عُمُرَ الزّمانِ طَويلةِ المُستَمْتَع
فَلَكَ الجَلالُ وأنت منه دائماً / كالشمس تَنزِلُ بالمَحَلِّ الأرفَع
فتَداومَا أبداً حَليفَيْ رِفْعةٍ / ما تَأْمُرا يُعْطِ الزَّمانُ ويمنَع
عُدُدٌ لكمْ أنْ سِرْتُ في تَشْييعي
عُدُدٌ لكمْ أنْ سِرْتُ في تَشْييعي / ممّا تَضمّنُ مُقلتي وضُلوعي
النّارُ تُقْبَسُ من وطيسِ جَوانحي / والماءُ يُورَدُ من غديرِ دُموعي
قلبي وعيني يُغْنيانِ رِكابَكُمْ / عن رِحلَتَيْ قَيظٍ لكمْ ورَبيع
فتَغنَّموا أَنّي أَسيرُ خلالَكمْ / سَيْرَ امْرِئٍ بالاِلتقاءِ قَنوع
وتَعلَّموا أَنّي جَزِعتُ ولم أكنْ / لولا فراقُ أحبَّتي بجَزوع
راعَ الفؤادَ نوَى الخليطِ ولم يكُنْ / قبلَ النّوى من حادثٍ بمَروع
مالي نَزَلْتُ وتَرحلونَ ألا أَرى / يَوماً تلاؤُمَ شَمْليَ المَجْموع
أنتم تشدّونَ النُّسوعَ لرِحْلةٍ / وأنا على لَغَبٍ أَحُلُّ نُسوعي
مُتأمِّلاً مُتعجِّباً لرِحالكمْ / مَرفوعةً معَ رَحليَ المَوضوع
سَهْمُ النّوى أنا دائماً ما بينَ أَن / أُدنَى وأُبعَدُ مُهلَةٌ لُوقوع
أبدو وأخفَى عاجلاً فكأنّني / طَيفٌ سرَى في أُخْرَياتِ هُجوع
وأَرى فؤاديَ في الزّمانِ كأنّه / بَيْتُ العَروضِ يُرادَ للتّقْطيع
لمّا طَويْتُ أنا البعادَ نَشَرْتُمُ / ذَرْعاً لبُرْدِ المَهْمَهِ المَذْروع
فلئنْ أَقَمْتُ فلاتَ حينَ إقامةٍ / ولئن رجَعْتُ فلاتَ حينَ رُجوع
ولعلّ دهْراً أن يَعودَ مُبَشّري / منكم بعَودٍ أَرتجيهِ سريع
فالدّهرُ يَلحَقُ طالعاً بغُروبهِ / أبداً ويُعْقبُ غارباً بطُلوع
وإذا رأيتَ الدُّرَّ أصبحَ باقياً / هانَتْ إعادَةُ سِلْكه المَقْطوع
أمّا سديدُ الحَضرتَيْنِ فلم يَزَلْ / بمديحه دون الأنامِ ولوعي
فهو الّذي يُمسي ويُصبح جاهُه / طولَ الزّمانِ مُشفِّعي وشَفيعي
وأَشَدُّ ما بي أنّني لم ألْقَهُ / مَرَضاً وقد وافَيتُ مُذْ أُسبوع
حتّى كأنّ ولا كأنّ فِراقُه / أَغرَى السَّقامَ بجسميَ المَفْجوع
مَلِكٌ مَديحي المُستجادُ مُطيعُه / أبداً ونائلُه الجزيلُ مُطيعي
جارٍ على دِينِ النّدى لكنّه / يأْتي بمُبدَعِه وبالمَشْروع
وصحيحُ أخبارِ السّماحِ لدى الوَرى / من مُرسَلٍ عنه ومن مَرْفوع
يُعْطي ويَشكرُ وَفْدَه كَرماً فكم / بِرٍّ بشُكْرٍ عنده مَشْفوع
وإذا اعتَنى لك بالأمورِ أَتمّها / من غيرِ تقصيرٍ ولا تَضْجيع
ذو هِمّةٍ يَقِظٌ متى ما ماجئْتَه / لاقَيتَ أوفَى النّاسِ حُسنَ صَنيع
وإذا سَمِعْتَ به سمعتَ بماجدٍ / يأتيك واصِفٌه بكُلِّ بَديع
فإذا رأيتَ رأيتَ منه كاملاً / مَرئيُّه يُوفى على المَسْموع
ففَداه في الأقوامِ كُلُّ مُزنّدٍ / لثنيّةِ العَلْياء غيرُ طَلوع
من غَيثِ مكرمةٍ وليثِ كتيبةٍ / وغنَى فَقيرٍ وانتعاشِ صريع
وأغَرَّ يَمطُرُ في ذُراه وُفودَه / بندىً هَمولٍ للعُفاةِ هَموع
من كَفِّ خِرْقٍ للعطاء مُفرِّقٍ / بالمكرماتِ وللعلاء جَموع
أقلامُه يَقْلِمْنَ أظفارَ الرَّدى / بيَدٍ عظيمةِ مَوقِعِ التَّوقيع
يُومضْنَ منه في الأناملِ جِرْيةً / إيماضَ برْقٍ في الحَبيِّ لَموع
إنّي قصدتُك يا ابنَ أكرَمِ مَعشرٍ / طَرَفَيْ أُصولٍ في العُلا وفُروع
وإليكَ أقبلَ بي نِزاعي والهوَى / وثنَى عِناني عن سواك نُزوعي
ومُضِيُّ أعوامٍ عليَّ ثلاثةٍ / لم أَدْن فيها منك كان مُضيعي
ورأيتُ أنّك غائبٌ عن نُصْرَتي / فأطَلْتُ بعدَك للخُطوبِ خُضوعي
وسكنْتُ بين عِدايَ حصْنَ تَجمُّلٍ / أضحى على الحدَثانِ غيرَ مَنيع
وبنانيَ المجروحُ يُدمِي قَرْحَهُ / طولُ العِضاضِ بسِنّيَ المَقروع
مُتوقِّعاً يوماً بوَجهكَ أن أرى / صُبْحَ السّعادةِ مُؤْذِناً بسُطوع
فالحمد للهِ الّذي من لُطفِه / صدع الدُّجى عنّا ضياءُ صَديع
وجلا بغُرَّتِك العيونَ كأنّها / بَدْرٌ جَلا الظّلماءَ بَعدَ هَزيع
وصُعودُ هذي الشُّهْبِ بعدَ تَصوُّبٍ / وكذا استقامَتُهُنَّ بَعد رُجوع
والمرءُ يُمنَعُ ثُمّ يَرتَعُ آمِناً / ما نُجعَةٌ إلاّ وراءَ نَجيع
كم فيكَ لي من رَفعةٍ ليدي إلى / ربٍّ لأدعيةِ العبادِ سَميع
حتّى تَتابعَتِ البشائرُ بالّذي / تهوى برغم عَدُوِّكَ المَقْموع
فاليوم قد أَدركْتُ ما أمّلْتُه / ومضَى الحسودُ بمَعْطِسٍ مجْدوع
فخطَطْتُ تحت ظِلالِ عزْك مَنْزلي / وجَعلْتُ وسْطَ حمَى عُلاكَ رُتوعي
وكأنّني بي قد بلَغْتُ بك المُنَى / وحصدْتُ بعضَ رجائيَ المَزروع
وسَعادةُ الأتباعِ من دُنياهمُ / مَقْرونةٌ بسَعادةِ المتْبوع
فاعْرِفْ عَرفْتَ الخيرَ أغراضي التي / فيها وقد حضَر الرّحيلُ شُروعي
واعطِفْ جُعلتُ لك الفدا عَطْفاً على / ناءٍ منَ الوطنِ البعيدِ نَزيع
مَنْ مُخْبِرُ القُصّادِ أنّي جئتُهمْ / بقَصائدٍ مَوشيّةِ التَّوشيع
لِيُرونيَ الإِدرارَ في مَجْموعهمْ / وأُريهمُ الأشعارَ في مَجْموعي
ويُجِدُّ تَشريفي الوزيرُ ويُبْصروا / تَشْنيفَه بالدُّرِّ من تَرْصيعي
أمّا القضاءُ فأشتَهي لكنّه / لِدُيونيَ اللاّتي نَفَيْنَ هُجوعي
وأجَلُّ عندي مَوقعاً من كِتْبَةِ ال / منشورِ فاعْلَمْ كِتْبةُ التَوزيع
بعْتُ القضاءَ على البلادِ وصِيتَهُ / بقَضائهنّ وذاك خَيرُ بُيوعي
لو كنتَ تَرمي في القضاءِ بنَظرةٍ / لَعجبْتَ من شِبَعِ القُضاةِ وجوعي
أُرشُوا ولا أُرشَى وتلك غَبينةٌ / تُمسى لها الأكبادُ ذاتَ صُدوع
وأَخافُ من تشنيعِهمْ لو جُرْتُ في / حُكمٍ وليس يُخافُ منْ تَشْنيعي
وسَجيّتي قَصْدُ السّدادِ ولن تَرى / مُتطبِّعاً في الشَّيْءِ كالمَطْبوع
والقومُ يَبغونَ الثّراءَ وليس لي / غيرُ الثّناءِ ومَنطقٍ مَسْجوع
عارٍ لطَعْنِ ذَوي النُّهَى أَعراضُهمْ / ووجوهُهمْ في مُحكَماتِ دُروع
فعلَى القَضا منّي السّلامُ وتَوبتي / منه النَّصوحُ فجانِبوا تَقْريعي
حتّى يَعودَ كما مضَى زمَنٌ وأق / وامٌ فيَقْبحُ عندهمْ تَضْييعي
هذي أُموري فاعتبِرْها مُنْعِماً / فلقد كشَفْتُ السِّرَّ كشْفَ مذيع
وأَمِدَّني إمدادَك المَعهودَ لي / تَجعلْ على استنجازِها تَشْجيعي
واصدَعْ بما أَمرَ العُلا وإن انثَنى / عنه الحَسودُ بقَلبِه المَصْدوع
واسلَمْ لمُلْكٍ أنت تَدعَمُ بَيتَه / بعمادِ رَأْيٍ يَقتَضيهِ رَفيع
ما دام في الدّهرِ اتّضاعُ رفيعٍ اسْ / تِقباحُه مثْلَ ارْتفاعِ وَضيع