القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الشَّريف المُرتَضى الكل
المجموع : 6
كم ذا نخيبُ وتكذب الأطماعُ
كم ذا نخيبُ وتكذب الأطماعُ / والنَّاس في دار الغرور رِتاعُ
فحوائمٌ لا تَرْتَوِي وعواطلٌ / لا تَحْتَلي وزخارفٌ وخداعُ
في كلّ يومٍ للحوادث بطشةٌ / فينا وأمرٌ للمنونِ مُطاعُ
وإذا الرَّدى قنص الفتى فكأنّه / ما كان إبقاءٌ ولا إمتاعُ
وَالمَوتُ أَملَكُ بالورى وتَعِلَّةٌ / هذا السَّقامُ وهذه الأوجاعُ
وَإذا تيقّنا الفراقَ لكلّ مَن / نهوى هواهُ فالسَّلام وداعُ
لَيسَ الرَّدى يا من يرومُ دفاعَه / ممَّا تُحاك لدفعه الأدراعُ
وإذا الرَّدى طلب النّفوس فإنّما / شَدَّ النَّجاءُ به وضاع قِراعُ
وصوارمُ الأسيافِ غيرُ صوارمٍ / والسَّمْهرِيَّاتُ الطِّوالُ يَراعُ
ما لي أعلَّلُ كلَّ يومٍ بالمُنى / عيشاً وأُشرى بالهوى وأُباعُ
كَرعَ الحمامَ مبذِّرٌ ومقدّرٌ / وخطا إليه مُجبنٌ وشجاعُ
ثمَّ اِستوى في حَسْوِ خمرِ كؤوسه ال / أملاكُ والسَّاداتُ والأتباعُ
والنَّاكصون المقدمون إِذا دعا / أَجَلٌ بهمْ والمبطئون سِراعُ
وَالدّهرُ يَطعنُ بِالرَّدى لا بالقنا / قَعْصاً ولا عَلَقٌ هناك يُباعُ
يُبقي ويُفني ثمّ يسلبُ ماكساً / بالرَّغم فهوَ المُلبِسُ النَّزَّاعُ
فذّ العطاءِ فإنْ يكن مَثْنى له / غَلَطاً فإنَّ الإرتجاعَ رُباعُ
خَيرٌ منَ المُثْرِي فَقيرٌ قانعٌ / ومِنَ الشِّباعِ من الطّعامِ جِياعُ
قُلْ للّذي كَنز الكنوزَ فهمُّهُ الت / تَجميعُ وَالتّرفيعُ والإيداعُ
أَوَ ما علمتَ بأنّ ما أحرزتَهُ / شِلْوٌ بأيدي الحادثاتِ مُضاعُ
وظننتَ ما أودعتَ في بطن الثّرى / سرّاً وسِرٌّ لا يُذاع مُذاعُ
تبّاً لدارٍ أشعرتْ سُكّانَها / أنْ ليس في طولِ المقامِ طماعُ
باع الجميعُ نعيمهمْ بشقائِها / بَيْعَ الغَبين ولو دَرَوْا ما باعوا
وَإِذا هُمُ اِعتَذَروا إِلى مَن لامَهُمْ / في الحِرصِ قالوا ما تراهُ طباعُ
فاِنظُرْ إِلى مَن قصدُهُ ترفيهُهُ / في العيش كيف تكُدُّه الأطماعُ
أَينَ الّذين عَلى القِنانِ قِبابهمْ / ولهمْ تِلاعُ المأثراتِ تِلاعُ
مِن كُلّ مُعتَصِبِ المفارقِ لم يُطِعْ / بَشَراً وفي كلّ الأمور يُطاعُ
دَرَجوا وأضحَوْا بعد عزٍّ أقعَسٍ / ما إِنْ لَهمْ إلّا الثّرى والقاعُ
وَأَزالَهمْ عَمّا اِبتَنوه منَ البِنا / هَذا الخَتولُ الباذلُ المنّاعُ
وَلَقد فُجعتُ وكلُّ مَن لم يُصْمِهِ / سَهمُ المنيّةِ زارَه الإفجاعُ
وَاِرتعتُ لِلخطبِ المُلمِّ بساحتِي / وَلَقِد عَمِرْتُ وغيرِيَ المرتاعُ
وَقرينةٍ لمّا ألِفتُ وصالَها / أنحى عليها الباترُ القطّاعُ
فَلَئِنْ هَوَتْ فَلَكَمْ هوى في هذه ال / خضراءِ عنّا كوكبٌ لمّاعُ
لَيتَ الّذي عزم التّرحُّلَ غفلةً / ما كان منه على الفراقِ زماعُ
ولقد سبقتِ صيانةً وديانةً / وَوراءَكِ الطُّلّاحُ والظلّاعُ
رحُبَتْ بِكِ الأجداثُ أجداثُ الثَّرى / واِعتادَ قبركِ هاطلٌ لمَّاعُ
أوْدَعتُ منكِ الأرضَ خيرَ وديعةٍ / فالأرضُ متلافٌ لها مِضياعُ
وَقَضيتُ حَقّكِ إذ جعلتُك في حِمى / قومٍ لهمْ دون النّعيم رِباعُ
صُقْعٌ لآلِ اللّه آلِ نَبيّهِ / سجدتْ له الأقطارُ والأصقاعُ
فَرَقَ الزَّمانُ وما درى ما بيننا / والدّهرُ مِفراقٌ لنا مِجْماعُ
صبراً على مضضِ الخطو
صبراً على مضضِ الخطو / ب وإِن أسَأْن بنا صنيعا
يعطي الزَّمانُ وليتَه / أعطى ولم ينوِ الرّجوعا
مَنْ عاذِري مِن مَطْمَعٍ / أَغدو لَهُ دَهري مُطيعا
أَفنى الأصولَ وَلَيتَه / أبقى فلم يُفنِ الفروعا
أَينَ الّذين تبوّأُوا / نَشْزَاً من الدُّنيا رفيعا
خَلفوا البدور إِذا اِمّحتْ / ولَطالما خَلَفوا الرّبيعا
وإذا الجسومُ تدرَّعتْ / جعلوا عزائمهمْ دروعا
لا دَرَّ دَرُّ الحِرْصِ والطّمعِ
لا دَرَّ دَرُّ الحِرْصِ والطّمعِ / ومذلّةٍ تأتيكَ مِن نُجَعِ
وإذا اِنتفعتَ بما ذَلَلْتَ بهِ / فَلأَنتَ حقّاً غيرُ مُنتفِعِ
ومصارعُ الأحياءِ كلِّهِمُ / في الدّهرِ بين الرِّيّ والشِّبَعِ
وإذا علمتُ بفرقتِي جِدَتِي / فعلامَ فيما فاتنِي جزعي
من لا تراه معي وقد قعدتْ / عنّي الرّجال معاً فليس معي
وَإذا ثَويتُ بدار مَخصبةٍ / وشَرِكتُ فيها فالورى شِيَعِي
مِن أين زُرتَ خيالَ ذاتِ البُرْقُعِ
مِن أين زُرتَ خيالَ ذاتِ البُرْقُعِ / والرّكبُ سارٍ في جوانب بَلْقَعِ
كيفَ اِهتَديتَ ولا صُوىً لولا الهوى / أغراك في جُنْحِ الظّلامِ توضُّعِي
ومن العجيبة أنْ يلُمَّ مُصحّحٌ / ما دبّ فيه سَقامُه بالموجَعِ
في معشرٍ لهُمُ الثّرى فُرُشٌ ولمْ / يتوسَّدوا غير الطُّلى والأذرُعِ
سكنوا قليلاً بعد أنْ كانوا على / طول الدُّجى من موجِفٍ أو موضِعِ
وأصارهمْ طولُ السُّرى من غير أنْ / عرفوا الكلالَ إِلى قوائم ظُلَّعِ
خُوصٍ كأمثَالِ القِسِىِّ وما لها / يَومَ الرِّمايةِ لاِمرئٍ مِن مِنْزَعِ
لَم تَترك الرَّوْحاتُ فَوق ضلوعها / وَقدِ اِلتَوَيْنَ بهنّ غيرَ الأضلُعِ
فكأنّهنّ من البِلى أشطانُها / أو أنْسُعٌ تمشي إليك بأنْسُعِ
وإلى ذُرا ملك الملوك أثَرْتُها / واللَّيلُ مشتملٌ بشملةِ أدْرَعِ
عجلان قد ولّتْ عساكره وقد / همّ الصّباحُ ورأسُه لم يطلُعِ
رقّتْ غلائلُهُ لَنا فكأنّه / للمبصرين إليه هامةُ أنزَعِ
حيث النّدى ثاوٍ به لم يُفتَقَد / والمجدُ معتنقٌ به لم يُنزَعِ
والسُّؤدُدُ الضَّخمُ الخِضَمُّ وكلّما / يرويك من بحر الفخار المُتْرَعِ
وَلَقد فَخرتَ على الملوك جميعهمْ / بالأصل منك وفرعك المتفرِّعِ
ومحاسنٍ لم يقطنوا بشعابها / كلّا ولا اِجتَازوا لهنّ بأجْرَعِ
وَبلوتَهمْ فَسَبقتهمْ وفَرَعْتهم / فضلاً وأيُّهُمُ عُلاً لم يَفرَعِ
فَإِذا هُمُ قِيسوا إليك فمثلُ مَنْ / قاسَ الذّراعَ طويلةً بالأذرُعِ
للَّهِ دَرُّك في مقامٍ ضيّقٍ / أبدلتَه بتفسّحٍ وتوسُّعِ
بالضّربِ في هامٍ هناك وأذرُعٍ / والطّعنِ في ثُغَرٍ هناك وأضلُعَ
والخيلُ عاديةٌ بكلّ مُخفَّفِ / عارٍ من الجُبن اللئيمِ مُشَيَّعِ
ما ريعَ قطُّ ولم يكن في خُطّةٍ / نكراءَ إلّا كانَ عزَّ الأروعِ
وَالطّعنُ يَترك كلَّ بُرْدٍ في الوغا / مُتوشّعاً ولكان غير موشَّعِ
في غُلْمةٍ نبذوا الفِرارَ وهاجروا / في مطمع العلياءِ كلَّ تَوَدُّعِ
متهجّمين ولاتَ حين تهجّمٍ / متسرّعين ولاتَ حين تسرُّعِ
لا مطعمٌ إلّا الجميلُ وما لهمْ / في حيث لا يرد الفتى من مَكْرَعِ
حتّى رددتَ الموت عنك مخيّباً / ما نال منيته بأنفٍ أجدَعِ
وأنا الّذي لمّا اِشتكيتَ موكَّلٌ / بِي كلُّ أدواءِ الورى لم تُقلِعِ
وَمزعزعٌ تشكو حشاهُ خِيفةً / ومروّعٌ تجري حِذاراً أدُمعِي
وَمذ اِشتكيتَ فبالحضيضِ مُعَرَّسي / وَعلى القضيضِ تقلّبِي في مضجعي
ولو اِنَّ أمري نافذٌ في صحّتي / لبذلتُ منها كلّ ما لِيَ أو معي
لا مُتْعةٌ لِي بالّذي لم تلفِهِ / وَبأنْ كُفِيتَ وإن دُهيتُ تمتُّعِي
وَيَهونُ عِندي أَنْ تكون مُصَحَّحاً / وَمِنَ الضَّنى حِيكَتْ لجسمي أدرُعي
وإذا صححتَ فكلُّ شيءٍ نافعي / وَإذا اِعْتلَلْتَ فَليسَ شيءٌ مُقنِعي
حتّى أَتاحَ اللَّهُ ما أُمِّلْتُهُ / من صحّةٍ أَعْطَتْ بغير تَمَتُّعِ
وفَدَتْ وقد آلتْ بأنّ ضياءَها / ما يمّحي وَعطاءها لم يرجعِ
فَالحمدُ للّهِ الّذي لم يَشجُنا / إلّا اِجتيازُ لِمامِ خطبٍ مُسرعِ
ما زارَنا إلّا كَما زار الكرى / باللّيل جَفْنَ الخائفِ المُترَوِّعِ
وَلَقد رمى الرّحمنُ في أوصالهِ / لمّا أتى بتبدّدٍ وتَذَعْذُعِ
وَتقطّعٍ لولا سعادتُك الّتي / مَلأتْ حريمك كان غيرَ مقطَّعِ
وَلَقد نَفعتَ بأنْ ضررتَ وكم لنا / نفعٌ يزور رباعَنا لم ينفعِ
ولو اِطّلعتَ على ضميرٍ فيك لِي / أبصرتَ منه تقسُّمِي وتروُّعِي
وبلابِلاً شوهِدنَ لولا أنّني / غطّيتُها بتجمُّلِي وتصنُّعِي
فبأيّ سِرٍّ ما رأيت كآبةً / أم أيُّ قلبٍ فيك لم يتطلّعِ
فاِشكرْ جَميلاً نلتَه ومُنِحْتَه / فالشّكرُ رَبْطُ تفضُّلٍ وتبرّعِ
ولوَ اِنّنِي أعطي الخيارَ لكان في / رَبْعٍ حَلَلْتَ تقلُّبِي وتربُّعِي
واِعتَضتُ عندك من شبابٍ فاتني / بمصايرٍ وأواصرٍ لم تُجمعِ
وأخذتُ ثاراتي من الزّمنِ الّذي / قَد طال منهُ تألُّمي وتوجُّعِي
فأحقُّ بابٍ بابُك المعمورُ بِي / وعليه طولُ توقُّفِي وتضرُّعي
فهو العَتادُ لآمنٍ أو خائفٍ / إنْ زاره وهو المُرادُ لمُزمِعِ
فمتى ألِفْتُ فمن فِنائِك مَأْلَفِي / وإذا رتعتُ ففي رياضك مَرْتَعِي
وَلو اِنّ شملِي بات ملتفّاً به / ما كان شَمْلِي قطُّ بالمتصدِّعِ
وحللتُ عندك رُتبةً لا تُرتَقى / في خير منزلةٍ وأشرفِ موضعِ
ولو اِستطعتُ نفضتُ كلّ إقامةٍ / إلّا على الكَنَفِ الرّحيب الأوسعِ
في حيثُ لا تسرِي الأذاةُ بمضجعي / طولَ الحياةِ ولا القَذاةُ بمدمعي
وَلئِنْ بَعُدتُ محلّةً فتقرّبي / بتودُّدي وتشوُّقي وتطلُّعِي
وَلقد دُعيتُ فما سمعتُ ولم يكنْ / إلّا نِداؤك وحده في مَسْمعي
فإذا نطقتُ أبى عليَّ تكلُّمِي / وَإذا جرعتُ أبى عليَّ تجرُّعي
يا رافعَ الآدابِ رفّعني إلى / حيثُ اِقتضاهُ تصعُّدي وترفُّعِي
لا تمزِجنَّي بالّذين تراهُمُ / فالنّبعُ ممزوجٌ بغير الخِرْوَعِ
كم بين قولٍ في الصّدور وقولةٍ / هبّتْ بها نكباءُ ريحٍ زَعْزَعِ
وإذا رضيتَ مقالتي فَلَهَيِّنٌ / من صمّ عنها مُعرِضاً لم يسمعِ
وإذا رضيتَ فضيلةً لِي لم أُبَلْ / من نام عنها بالعيونِ الهُجَّعِ
خذها كما وَضَحَ النّهارُ لمبصرٍ / واِفْتَرَّ روضٌ غِبَّ غيثٍ مُقلِعِ
غرّاءَ تحسبها نجاحَ لُبانةٍ / هبّتْ عليك من النّواجي النُّسَّعِ
ومتى أراد رواتُها طيّاً لها / نمّتْ على إحسانها بتضوّعِ
كم لِي عليها من حسودٍ شاعرٍ / شَغَفاً بها أو من خطيبٍ مِصْقَعِ
والشّعرُ ما قُضِيَتْ حقوقٌ جَمّةٌ / فيه لسامِي الكبرياءِ سمَيْدَعِ
وَالخيرُ فيه إذا اِنزوى عن مَنْكِبٍ / والشّرُّ فيه متى يُقَلْ في مطمعِ
ولأنتَ أولى بالقريضِ من الورى / وبطوقِهِ وبتاجهِ المترصِّعِ
حُيّيتَ يا رَبْعَ اللّوى من مَرْبَعِ
حُيّيتَ يا رَبْعَ اللّوى من مَرْبَعِ / وسُقيتَ أنديَةَ الغُيوثِ الهُمَّعِ
فلقد عهدتُك والزّمانُ مسالمٌ / فيك المُنى وشفاءُ داءِ المُوجَعِ
أيّامَ إنْ يدعُ الهوى بي أتّبعْ / وإِذا دُعيتُ إلى النُّهى لم أَتبعِ
إذْ قامَتي مُمتدّةٌ وَذَوائِبي / مُسودّةٌ وَمسائحِي لم تَصْلَعِ
وَإِذِ النّضارةُ في أَديمي جَمّةٌ / وَالشّيبُ في فَوْدَيَّ لمّا يطلُعِ
سَقْياً له زمناً نَعِمتُ بظلِّهِ / لكنّه لمّا مضى لم يَرجِعِ
شَعَرٌ شفيعي في الحسانِ سوادُهُ / حتّى إذا ما اِبيضّ بي لم يَشْفَعِ
عُوّضتُ قَسْراً من غُدافِ مفارِقي / وهْيَ الغَبِينَةُ بالغرابِ الأبقعِ
لونٌ تراهُ ناصعاً حتّى إذا / خَلَفَ الشّبابُ فليس بالمُسْتَنْصِعِ
أحْبِبْ إليّ وقد تغشّى ناظري / وَسَنُ الكرى بالطّيف يطرق مضجعي
ما زال يخدعني بأسباب الكرى / حتّى حسبتُ بأنه حقّاً معي
ولقد عجبتُ على المسافةِ بيننا / كَيف اِهتدى من غير هادٍ موضعي
أفضى إلى شُعْثٍ لقوا هاماتِهمْ / لمّا سُقُوا خمرَ الكرى بالأذرُعِ
هجعوا قليلاً ثمّ ذَعْذعَ نَومهمْ / غِبَّ السُّرى داعي الصَّباحِ المُسمِعِ
من بعد أن عَلِقَ الرُّقادُ جفونَهمْ / هجروا الكرى في أيّ ساعةِ مضجعِ
فَتَبادروا بَطنَ السَّفينِ وأَسرعوا / زُمراً كجافلةِ القطا المُتَرَوِّعِ
من كلّ سوداءِ الأديمِ كأنّها / شَغْواءُ تنجو في الرّياحِ الأربعِ
هزّتْ جناحيها على سَغَبٍ بها / وقدِ اِهتَدتْ بعد الضّلالِ المُطمِعِ
لا تَشتَكي مَعْ طولِ إدمانِ السُّرى / مَسَّ اللُّغوبِ ولا كَلالَ الظُّلَّعِ
رَكِبوا عَميقاً قعرُهُ متلاطماً / أمواجُهُ ذا غاربٍ مُستَتلعِ
يَلجونَ كلَّ قرارةٍ لا تَهتَدِي / أو يطلعون ثَنِيَّةً لم تُطْلَعِ
في حيث لا تُنجي الرّجالَ جَلادةٌ / ولَربّما نجّتك دعوةُ إصبعِ
ولقد عجبتُ لخابطٍ ورقَ الغِنى / من كلّ ذي جَشَعٍ وخدٍّ أضرَعِ
وكأنّهمْ لم يعلموا أنّ الّذي / جَمَعوا بمرأىً للخطوب ومسمعِ
والعامرُ الكفّين من هذا الورى / لا يَنثني إلّا بكفٍّ بَلْقَعِ
جَمَعوا لِينتَفِعوا فلمّا أنْ دَعوْا / أموالهمْ حين الرّدى لم تنفعِ
وَاِستَدفَعوا بِالمالِ كلَّ مضرَّةٍ / حتّى أتى الأمرُ العزيزُ المَدفَعِ
هَيهاتَ أينَ الأوّلون وأينَ ما / شادوه من مَغْنىً ومن مُتَرَبَّعِ
والرّاحضون العارَ عن أثوابهمْ / والرّافعون النّارَ للمُسْتَلمِعِ
والموسعو مُعتامِهمْ أموالَهمْ / والنّازلون على الطّريقِ المَهْيَعِ
من كلّ معتَصِبِ المفارق إنْ مشى / نَمّتْ عليه ثيابُه بتضوُّعِ
تعنو الرّجال لذي التّمائمِ منهمُ / ويسود طفلُهمُ ولم يَتَرَعْرَعِ
لا يَجمَعونَ المالَ إلّا للنّدى / أَو لاِصطِناع صنيعةٍ لم تُصنعِ
وإذا وفدتَ إليهمُ عن أزْمَةٍ / فإلي أعزِّ ندىً وأخصبِ مَرْتَعِ
وإلى الجِفانِ الغُرِّ في يومِ القِرى / والطّعنِ في اللَّبّاتِ يومَ المَفزعِ
وَإِلى الحديث تَطيب في يومِ الثّنا / نَفَحاتُهُ وَيضيء يومَ المجمعِ
وَكأنَّما فتّحتَ منهُ لِمُبصرٍ / أَنوارَ رَوضٍ غِبَّ غَيثٍ مُقلعِ
سَكَنوا الخَوَرنَقَ والسَّديرَ وحلّقوا / في رأس غُمدانَ البناءِ الأرفعِ
وتقسّموا من مَأْرِبٍ عَرصَاتِهِ / والأبلَقِ الفردِ العرين المُسبِعِ
أخذوا إتاوات الملوك غُلُبَّةً / ما بين بُصرى والفراتِ ويَنْبُعِ
وَأَطاعَهمْ واِنقادَ في أَيديهمُ الد / داني القريبُ إلى البعيد المَنْزَعِ
هتف الحِمامُ بكلّ حيٍّ منهمُ / فأجابه مستكرهاً كالطّيعِ
وَأَراهُمُ في مَضجعٍ وأتاهُمُ / من مطلعٍ وسقاهمُ من مَكرَعِ
إنّي الشّجاعُ وقد جزِعتُ كما ترى
إنّي الشّجاعُ وقد جزِعتُ كما ترى / منّي الغَداةَ بمصرع ابن شجاعِ
ساقتْ مصيبتُهُ إلى بلابِلي / سَوْقاً وألقتني إلى أوجاعِ
فالماءُ من عينَيَّ يقرح ناظري / طوعَ النّوى والنّارُ في أضلاعي
ووددتُ لو تُغنِي الوِدادَةُ في الرّدى / أنّ التكذّبَ ما يقولُ النّاعي
ومن العجائب أنّني ضنّاً به / رَمّلتُهُ ورميتُهُ في قاعِ
ويسوءني أنّي أراهُ في الثّرى / يَبْلى وأمري فيه غيرُ مُطاعِ
بِيَفاعِ مشرفةٍ وهل يُغنِي الفتى / سُلِبَ الحياةَ مَقِيلُهُ بِيَفاعِ
في مُمرِعٍ خَضْلٍ وما أغنى اِمرءاً / في اللَّحْدِ عن خِصْبٍ وعن إمراعِ
أَعزِزْ عليَّ بِأَنْ توفّاكَ الرّدى / وأصمَّ سمعك عن مقالِ النّاعي
وَأَردتُ حِفظَك في الضّرِيح وإنّما / صيّرتُ شِلْوَكَ في يَدَيْ مِضْيَاعِ
خَرْقاءُ تَأكل لا لجوعٍ كلَّ مَن / يُهدي إليها الموتُ أكلَ جِياعِ
مَنْ لِي ترى مِن بعد فقدِك صاحبٌ / أُلقِي إليه متى أردتُ بَعاعي
ومَن المُطيلُ تمتُّعِي بغرائبٍ / مِنْ بَثِّهِ ومَن المقصِّرُ باعِي
وإذا دنا الأجل المقدَّرُ للفتى / لم أُنْجِهِ منه وضاع دِفاعي
وقواطعي وهي الحِداد كَلِيلَةٌ / عنهُ وَنَبْعي فيه مثلُ يَراعي
وأنا الطّويلُ يداً فإنْ مدّ الرّدى / نحوي يداً منه تَقَاصَرَ باعي
كم ذا تغالِطُنا الحياةُ وننثنِى / منها بخدعةِ مائِنٍ خَدّاعِ
أَينَ الّذين عَلَوْا على هامِ العُلا / وتبوّءُوا بالمجد خيرَ رباعِ
الباذلين لما حَوَتْهُ خِيامُهمْ / والواهبين لما يسوق الرّاعي
فَسَقَتْ ترابَك يا حُسينُ بواكِرٌ / ترمي الدّيارَ بعارِضٍ همّاعِ
وكأنّ لَمْعَ بروقِهِ هِنْدِيّةٌ / مسلولةٌ جُنْحَ الدُّجى لقِراعِ
وكأنّ زَمْجَرَةَ الرُّعودِ خلالَهُ / دوحٌ تقصّفَ أو زئيرُ سِباعِ
ودفاعُ ربّك عنك شرَّ عقابهِ / عن سيّئٍ خيرٌ من الدّفَّاعِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025