المجموع : 6
كم ذا نخيبُ وتكذب الأطماعُ
كم ذا نخيبُ وتكذب الأطماعُ / والنَّاس في دار الغرور رِتاعُ
فحوائمٌ لا تَرْتَوِي وعواطلٌ / لا تَحْتَلي وزخارفٌ وخداعُ
في كلّ يومٍ للحوادث بطشةٌ / فينا وأمرٌ للمنونِ مُطاعُ
وإذا الرَّدى قنص الفتى فكأنّه / ما كان إبقاءٌ ولا إمتاعُ
وَالمَوتُ أَملَكُ بالورى وتَعِلَّةٌ / هذا السَّقامُ وهذه الأوجاعُ
وَإذا تيقّنا الفراقَ لكلّ مَن / نهوى هواهُ فالسَّلام وداعُ
لَيسَ الرَّدى يا من يرومُ دفاعَه / ممَّا تُحاك لدفعه الأدراعُ
وإذا الرَّدى طلب النّفوس فإنّما / شَدَّ النَّجاءُ به وضاع قِراعُ
وصوارمُ الأسيافِ غيرُ صوارمٍ / والسَّمْهرِيَّاتُ الطِّوالُ يَراعُ
ما لي أعلَّلُ كلَّ يومٍ بالمُنى / عيشاً وأُشرى بالهوى وأُباعُ
كَرعَ الحمامَ مبذِّرٌ ومقدّرٌ / وخطا إليه مُجبنٌ وشجاعُ
ثمَّ اِستوى في حَسْوِ خمرِ كؤوسه ال / أملاكُ والسَّاداتُ والأتباعُ
والنَّاكصون المقدمون إِذا دعا / أَجَلٌ بهمْ والمبطئون سِراعُ
وَالدّهرُ يَطعنُ بِالرَّدى لا بالقنا / قَعْصاً ولا عَلَقٌ هناك يُباعُ
يُبقي ويُفني ثمّ يسلبُ ماكساً / بالرَّغم فهوَ المُلبِسُ النَّزَّاعُ
فذّ العطاءِ فإنْ يكن مَثْنى له / غَلَطاً فإنَّ الإرتجاعَ رُباعُ
خَيرٌ منَ المُثْرِي فَقيرٌ قانعٌ / ومِنَ الشِّباعِ من الطّعامِ جِياعُ
قُلْ للّذي كَنز الكنوزَ فهمُّهُ الت / تَجميعُ وَالتّرفيعُ والإيداعُ
أَوَ ما علمتَ بأنّ ما أحرزتَهُ / شِلْوٌ بأيدي الحادثاتِ مُضاعُ
وظننتَ ما أودعتَ في بطن الثّرى / سرّاً وسِرٌّ لا يُذاع مُذاعُ
تبّاً لدارٍ أشعرتْ سُكّانَها / أنْ ليس في طولِ المقامِ طماعُ
باع الجميعُ نعيمهمْ بشقائِها / بَيْعَ الغَبين ولو دَرَوْا ما باعوا
وَإِذا هُمُ اِعتَذَروا إِلى مَن لامَهُمْ / في الحِرصِ قالوا ما تراهُ طباعُ
فاِنظُرْ إِلى مَن قصدُهُ ترفيهُهُ / في العيش كيف تكُدُّه الأطماعُ
أَينَ الّذين عَلى القِنانِ قِبابهمْ / ولهمْ تِلاعُ المأثراتِ تِلاعُ
مِن كُلّ مُعتَصِبِ المفارقِ لم يُطِعْ / بَشَراً وفي كلّ الأمور يُطاعُ
دَرَجوا وأضحَوْا بعد عزٍّ أقعَسٍ / ما إِنْ لَهمْ إلّا الثّرى والقاعُ
وَأَزالَهمْ عَمّا اِبتَنوه منَ البِنا / هَذا الخَتولُ الباذلُ المنّاعُ
وَلَقد فُجعتُ وكلُّ مَن لم يُصْمِهِ / سَهمُ المنيّةِ زارَه الإفجاعُ
وَاِرتعتُ لِلخطبِ المُلمِّ بساحتِي / وَلَقِد عَمِرْتُ وغيرِيَ المرتاعُ
وَقرينةٍ لمّا ألِفتُ وصالَها / أنحى عليها الباترُ القطّاعُ
فَلَئِنْ هَوَتْ فَلَكَمْ هوى في هذه ال / خضراءِ عنّا كوكبٌ لمّاعُ
لَيتَ الّذي عزم التّرحُّلَ غفلةً / ما كان منه على الفراقِ زماعُ
ولقد سبقتِ صيانةً وديانةً / وَوراءَكِ الطُّلّاحُ والظلّاعُ
رحُبَتْ بِكِ الأجداثُ أجداثُ الثَّرى / واِعتادَ قبركِ هاطلٌ لمَّاعُ
أوْدَعتُ منكِ الأرضَ خيرَ وديعةٍ / فالأرضُ متلافٌ لها مِضياعُ
وَقَضيتُ حَقّكِ إذ جعلتُك في حِمى / قومٍ لهمْ دون النّعيم رِباعُ
صُقْعٌ لآلِ اللّه آلِ نَبيّهِ / سجدتْ له الأقطارُ والأصقاعُ
فَرَقَ الزَّمانُ وما درى ما بيننا / والدّهرُ مِفراقٌ لنا مِجْماعُ
صبراً على مضضِ الخطو
صبراً على مضضِ الخطو / ب وإِن أسَأْن بنا صنيعا
يعطي الزَّمانُ وليتَه / أعطى ولم ينوِ الرّجوعا
مَنْ عاذِري مِن مَطْمَعٍ / أَغدو لَهُ دَهري مُطيعا
أَفنى الأصولَ وَلَيتَه / أبقى فلم يُفنِ الفروعا
أَينَ الّذين تبوّأُوا / نَشْزَاً من الدُّنيا رفيعا
خَلفوا البدور إِذا اِمّحتْ / ولَطالما خَلَفوا الرّبيعا
وإذا الجسومُ تدرَّعتْ / جعلوا عزائمهمْ دروعا
لا دَرَّ دَرُّ الحِرْصِ والطّمعِ
لا دَرَّ دَرُّ الحِرْصِ والطّمعِ / ومذلّةٍ تأتيكَ مِن نُجَعِ
وإذا اِنتفعتَ بما ذَلَلْتَ بهِ / فَلأَنتَ حقّاً غيرُ مُنتفِعِ
ومصارعُ الأحياءِ كلِّهِمُ / في الدّهرِ بين الرِّيّ والشِّبَعِ
وإذا علمتُ بفرقتِي جِدَتِي / فعلامَ فيما فاتنِي جزعي
من لا تراه معي وقد قعدتْ / عنّي الرّجال معاً فليس معي
وَإذا ثَويتُ بدار مَخصبةٍ / وشَرِكتُ فيها فالورى شِيَعِي
مِن أين زُرتَ خيالَ ذاتِ البُرْقُعِ
مِن أين زُرتَ خيالَ ذاتِ البُرْقُعِ / والرّكبُ سارٍ في جوانب بَلْقَعِ
كيفَ اِهتَديتَ ولا صُوىً لولا الهوى / أغراك في جُنْحِ الظّلامِ توضُّعِي
ومن العجيبة أنْ يلُمَّ مُصحّحٌ / ما دبّ فيه سَقامُه بالموجَعِ
في معشرٍ لهُمُ الثّرى فُرُشٌ ولمْ / يتوسَّدوا غير الطُّلى والأذرُعِ
سكنوا قليلاً بعد أنْ كانوا على / طول الدُّجى من موجِفٍ أو موضِعِ
وأصارهمْ طولُ السُّرى من غير أنْ / عرفوا الكلالَ إِلى قوائم ظُلَّعِ
خُوصٍ كأمثَالِ القِسِىِّ وما لها / يَومَ الرِّمايةِ لاِمرئٍ مِن مِنْزَعِ
لَم تَترك الرَّوْحاتُ فَوق ضلوعها / وَقدِ اِلتَوَيْنَ بهنّ غيرَ الأضلُعِ
فكأنّهنّ من البِلى أشطانُها / أو أنْسُعٌ تمشي إليك بأنْسُعِ
وإلى ذُرا ملك الملوك أثَرْتُها / واللَّيلُ مشتملٌ بشملةِ أدْرَعِ
عجلان قد ولّتْ عساكره وقد / همّ الصّباحُ ورأسُه لم يطلُعِ
رقّتْ غلائلُهُ لَنا فكأنّه / للمبصرين إليه هامةُ أنزَعِ
حيث النّدى ثاوٍ به لم يُفتَقَد / والمجدُ معتنقٌ به لم يُنزَعِ
والسُّؤدُدُ الضَّخمُ الخِضَمُّ وكلّما / يرويك من بحر الفخار المُتْرَعِ
وَلَقد فَخرتَ على الملوك جميعهمْ / بالأصل منك وفرعك المتفرِّعِ
ومحاسنٍ لم يقطنوا بشعابها / كلّا ولا اِجتَازوا لهنّ بأجْرَعِ
وَبلوتَهمْ فَسَبقتهمْ وفَرَعْتهم / فضلاً وأيُّهُمُ عُلاً لم يَفرَعِ
فَإِذا هُمُ قِيسوا إليك فمثلُ مَنْ / قاسَ الذّراعَ طويلةً بالأذرُعِ
للَّهِ دَرُّك في مقامٍ ضيّقٍ / أبدلتَه بتفسّحٍ وتوسُّعِ
بالضّربِ في هامٍ هناك وأذرُعٍ / والطّعنِ في ثُغَرٍ هناك وأضلُعَ
والخيلُ عاديةٌ بكلّ مُخفَّفِ / عارٍ من الجُبن اللئيمِ مُشَيَّعِ
ما ريعَ قطُّ ولم يكن في خُطّةٍ / نكراءَ إلّا كانَ عزَّ الأروعِ
وَالطّعنُ يَترك كلَّ بُرْدٍ في الوغا / مُتوشّعاً ولكان غير موشَّعِ
في غُلْمةٍ نبذوا الفِرارَ وهاجروا / في مطمع العلياءِ كلَّ تَوَدُّعِ
متهجّمين ولاتَ حين تهجّمٍ / متسرّعين ولاتَ حين تسرُّعِ
لا مطعمٌ إلّا الجميلُ وما لهمْ / في حيث لا يرد الفتى من مَكْرَعِ
حتّى رددتَ الموت عنك مخيّباً / ما نال منيته بأنفٍ أجدَعِ
وأنا الّذي لمّا اِشتكيتَ موكَّلٌ / بِي كلُّ أدواءِ الورى لم تُقلِعِ
وَمزعزعٌ تشكو حشاهُ خِيفةً / ومروّعٌ تجري حِذاراً أدُمعِي
وَمذ اِشتكيتَ فبالحضيضِ مُعَرَّسي / وَعلى القضيضِ تقلّبِي في مضجعي
ولو اِنَّ أمري نافذٌ في صحّتي / لبذلتُ منها كلّ ما لِيَ أو معي
لا مُتْعةٌ لِي بالّذي لم تلفِهِ / وَبأنْ كُفِيتَ وإن دُهيتُ تمتُّعِي
وَيَهونُ عِندي أَنْ تكون مُصَحَّحاً / وَمِنَ الضَّنى حِيكَتْ لجسمي أدرُعي
وإذا صححتَ فكلُّ شيءٍ نافعي / وَإذا اِعْتلَلْتَ فَليسَ شيءٌ مُقنِعي
حتّى أَتاحَ اللَّهُ ما أُمِّلْتُهُ / من صحّةٍ أَعْطَتْ بغير تَمَتُّعِ
وفَدَتْ وقد آلتْ بأنّ ضياءَها / ما يمّحي وَعطاءها لم يرجعِ
فَالحمدُ للّهِ الّذي لم يَشجُنا / إلّا اِجتيازُ لِمامِ خطبٍ مُسرعِ
ما زارَنا إلّا كَما زار الكرى / باللّيل جَفْنَ الخائفِ المُترَوِّعِ
وَلَقد رمى الرّحمنُ في أوصالهِ / لمّا أتى بتبدّدٍ وتَذَعْذُعِ
وَتقطّعٍ لولا سعادتُك الّتي / مَلأتْ حريمك كان غيرَ مقطَّعِ
وَلَقد نَفعتَ بأنْ ضررتَ وكم لنا / نفعٌ يزور رباعَنا لم ينفعِ
ولو اِطّلعتَ على ضميرٍ فيك لِي / أبصرتَ منه تقسُّمِي وتروُّعِي
وبلابِلاً شوهِدنَ لولا أنّني / غطّيتُها بتجمُّلِي وتصنُّعِي
فبأيّ سِرٍّ ما رأيت كآبةً / أم أيُّ قلبٍ فيك لم يتطلّعِ
فاِشكرْ جَميلاً نلتَه ومُنِحْتَه / فالشّكرُ رَبْطُ تفضُّلٍ وتبرّعِ
ولوَ اِنّنِي أعطي الخيارَ لكان في / رَبْعٍ حَلَلْتَ تقلُّبِي وتربُّعِي
واِعتَضتُ عندك من شبابٍ فاتني / بمصايرٍ وأواصرٍ لم تُجمعِ
وأخذتُ ثاراتي من الزّمنِ الّذي / قَد طال منهُ تألُّمي وتوجُّعِي
فأحقُّ بابٍ بابُك المعمورُ بِي / وعليه طولُ توقُّفِي وتضرُّعي
فهو العَتادُ لآمنٍ أو خائفٍ / إنْ زاره وهو المُرادُ لمُزمِعِ
فمتى ألِفْتُ فمن فِنائِك مَأْلَفِي / وإذا رتعتُ ففي رياضك مَرْتَعِي
وَلو اِنّ شملِي بات ملتفّاً به / ما كان شَمْلِي قطُّ بالمتصدِّعِ
وحللتُ عندك رُتبةً لا تُرتَقى / في خير منزلةٍ وأشرفِ موضعِ
ولو اِستطعتُ نفضتُ كلّ إقامةٍ / إلّا على الكَنَفِ الرّحيب الأوسعِ
في حيثُ لا تسرِي الأذاةُ بمضجعي / طولَ الحياةِ ولا القَذاةُ بمدمعي
وَلئِنْ بَعُدتُ محلّةً فتقرّبي / بتودُّدي وتشوُّقي وتطلُّعِي
وَلقد دُعيتُ فما سمعتُ ولم يكنْ / إلّا نِداؤك وحده في مَسْمعي
فإذا نطقتُ أبى عليَّ تكلُّمِي / وَإذا جرعتُ أبى عليَّ تجرُّعي
يا رافعَ الآدابِ رفّعني إلى / حيثُ اِقتضاهُ تصعُّدي وترفُّعِي
لا تمزِجنَّي بالّذين تراهُمُ / فالنّبعُ ممزوجٌ بغير الخِرْوَعِ
كم بين قولٍ في الصّدور وقولةٍ / هبّتْ بها نكباءُ ريحٍ زَعْزَعِ
وإذا رضيتَ مقالتي فَلَهَيِّنٌ / من صمّ عنها مُعرِضاً لم يسمعِ
وإذا رضيتَ فضيلةً لِي لم أُبَلْ / من نام عنها بالعيونِ الهُجَّعِ
خذها كما وَضَحَ النّهارُ لمبصرٍ / واِفْتَرَّ روضٌ غِبَّ غيثٍ مُقلِعِ
غرّاءَ تحسبها نجاحَ لُبانةٍ / هبّتْ عليك من النّواجي النُّسَّعِ
ومتى أراد رواتُها طيّاً لها / نمّتْ على إحسانها بتضوّعِ
كم لِي عليها من حسودٍ شاعرٍ / شَغَفاً بها أو من خطيبٍ مِصْقَعِ
والشّعرُ ما قُضِيَتْ حقوقٌ جَمّةٌ / فيه لسامِي الكبرياءِ سمَيْدَعِ
وَالخيرُ فيه إذا اِنزوى عن مَنْكِبٍ / والشّرُّ فيه متى يُقَلْ في مطمعِ
ولأنتَ أولى بالقريضِ من الورى / وبطوقِهِ وبتاجهِ المترصِّعِ
حُيّيتَ يا رَبْعَ اللّوى من مَرْبَعِ
حُيّيتَ يا رَبْعَ اللّوى من مَرْبَعِ / وسُقيتَ أنديَةَ الغُيوثِ الهُمَّعِ
فلقد عهدتُك والزّمانُ مسالمٌ / فيك المُنى وشفاءُ داءِ المُوجَعِ
أيّامَ إنْ يدعُ الهوى بي أتّبعْ / وإِذا دُعيتُ إلى النُّهى لم أَتبعِ
إذْ قامَتي مُمتدّةٌ وَذَوائِبي / مُسودّةٌ وَمسائحِي لم تَصْلَعِ
وَإِذِ النّضارةُ في أَديمي جَمّةٌ / وَالشّيبُ في فَوْدَيَّ لمّا يطلُعِ
سَقْياً له زمناً نَعِمتُ بظلِّهِ / لكنّه لمّا مضى لم يَرجِعِ
شَعَرٌ شفيعي في الحسانِ سوادُهُ / حتّى إذا ما اِبيضّ بي لم يَشْفَعِ
عُوّضتُ قَسْراً من غُدافِ مفارِقي / وهْيَ الغَبِينَةُ بالغرابِ الأبقعِ
لونٌ تراهُ ناصعاً حتّى إذا / خَلَفَ الشّبابُ فليس بالمُسْتَنْصِعِ
أحْبِبْ إليّ وقد تغشّى ناظري / وَسَنُ الكرى بالطّيف يطرق مضجعي
ما زال يخدعني بأسباب الكرى / حتّى حسبتُ بأنه حقّاً معي
ولقد عجبتُ على المسافةِ بيننا / كَيف اِهتدى من غير هادٍ موضعي
أفضى إلى شُعْثٍ لقوا هاماتِهمْ / لمّا سُقُوا خمرَ الكرى بالأذرُعِ
هجعوا قليلاً ثمّ ذَعْذعَ نَومهمْ / غِبَّ السُّرى داعي الصَّباحِ المُسمِعِ
من بعد أن عَلِقَ الرُّقادُ جفونَهمْ / هجروا الكرى في أيّ ساعةِ مضجعِ
فَتَبادروا بَطنَ السَّفينِ وأَسرعوا / زُمراً كجافلةِ القطا المُتَرَوِّعِ
من كلّ سوداءِ الأديمِ كأنّها / شَغْواءُ تنجو في الرّياحِ الأربعِ
هزّتْ جناحيها على سَغَبٍ بها / وقدِ اِهتَدتْ بعد الضّلالِ المُطمِعِ
لا تَشتَكي مَعْ طولِ إدمانِ السُّرى / مَسَّ اللُّغوبِ ولا كَلالَ الظُّلَّعِ
رَكِبوا عَميقاً قعرُهُ متلاطماً / أمواجُهُ ذا غاربٍ مُستَتلعِ
يَلجونَ كلَّ قرارةٍ لا تَهتَدِي / أو يطلعون ثَنِيَّةً لم تُطْلَعِ
في حيث لا تُنجي الرّجالَ جَلادةٌ / ولَربّما نجّتك دعوةُ إصبعِ
ولقد عجبتُ لخابطٍ ورقَ الغِنى / من كلّ ذي جَشَعٍ وخدٍّ أضرَعِ
وكأنّهمْ لم يعلموا أنّ الّذي / جَمَعوا بمرأىً للخطوب ومسمعِ
والعامرُ الكفّين من هذا الورى / لا يَنثني إلّا بكفٍّ بَلْقَعِ
جَمَعوا لِينتَفِعوا فلمّا أنْ دَعوْا / أموالهمْ حين الرّدى لم تنفعِ
وَاِستَدفَعوا بِالمالِ كلَّ مضرَّةٍ / حتّى أتى الأمرُ العزيزُ المَدفَعِ
هَيهاتَ أينَ الأوّلون وأينَ ما / شادوه من مَغْنىً ومن مُتَرَبَّعِ
والرّاحضون العارَ عن أثوابهمْ / والرّافعون النّارَ للمُسْتَلمِعِ
والموسعو مُعتامِهمْ أموالَهمْ / والنّازلون على الطّريقِ المَهْيَعِ
من كلّ معتَصِبِ المفارق إنْ مشى / نَمّتْ عليه ثيابُه بتضوُّعِ
تعنو الرّجال لذي التّمائمِ منهمُ / ويسود طفلُهمُ ولم يَتَرَعْرَعِ
لا يَجمَعونَ المالَ إلّا للنّدى / أَو لاِصطِناع صنيعةٍ لم تُصنعِ
وإذا وفدتَ إليهمُ عن أزْمَةٍ / فإلي أعزِّ ندىً وأخصبِ مَرْتَعِ
وإلى الجِفانِ الغُرِّ في يومِ القِرى / والطّعنِ في اللَّبّاتِ يومَ المَفزعِ
وَإِلى الحديث تَطيب في يومِ الثّنا / نَفَحاتُهُ وَيضيء يومَ المجمعِ
وَكأنَّما فتّحتَ منهُ لِمُبصرٍ / أَنوارَ رَوضٍ غِبَّ غَيثٍ مُقلعِ
سَكَنوا الخَوَرنَقَ والسَّديرَ وحلّقوا / في رأس غُمدانَ البناءِ الأرفعِ
وتقسّموا من مَأْرِبٍ عَرصَاتِهِ / والأبلَقِ الفردِ العرين المُسبِعِ
أخذوا إتاوات الملوك غُلُبَّةً / ما بين بُصرى والفراتِ ويَنْبُعِ
وَأَطاعَهمْ واِنقادَ في أَيديهمُ الد / داني القريبُ إلى البعيد المَنْزَعِ
هتف الحِمامُ بكلّ حيٍّ منهمُ / فأجابه مستكرهاً كالطّيعِ
وَأَراهُمُ في مَضجعٍ وأتاهُمُ / من مطلعٍ وسقاهمُ من مَكرَعِ
إنّي الشّجاعُ وقد جزِعتُ كما ترى
إنّي الشّجاعُ وقد جزِعتُ كما ترى / منّي الغَداةَ بمصرع ابن شجاعِ
ساقتْ مصيبتُهُ إلى بلابِلي / سَوْقاً وألقتني إلى أوجاعِ
فالماءُ من عينَيَّ يقرح ناظري / طوعَ النّوى والنّارُ في أضلاعي
ووددتُ لو تُغنِي الوِدادَةُ في الرّدى / أنّ التكذّبَ ما يقولُ النّاعي
ومن العجائب أنّني ضنّاً به / رَمّلتُهُ ورميتُهُ في قاعِ
ويسوءني أنّي أراهُ في الثّرى / يَبْلى وأمري فيه غيرُ مُطاعِ
بِيَفاعِ مشرفةٍ وهل يُغنِي الفتى / سُلِبَ الحياةَ مَقِيلُهُ بِيَفاعِ
في مُمرِعٍ خَضْلٍ وما أغنى اِمرءاً / في اللَّحْدِ عن خِصْبٍ وعن إمراعِ
أَعزِزْ عليَّ بِأَنْ توفّاكَ الرّدى / وأصمَّ سمعك عن مقالِ النّاعي
وَأَردتُ حِفظَك في الضّرِيح وإنّما / صيّرتُ شِلْوَكَ في يَدَيْ مِضْيَاعِ
خَرْقاءُ تَأكل لا لجوعٍ كلَّ مَن / يُهدي إليها الموتُ أكلَ جِياعِ
مَنْ لِي ترى مِن بعد فقدِك صاحبٌ / أُلقِي إليه متى أردتُ بَعاعي
ومَن المُطيلُ تمتُّعِي بغرائبٍ / مِنْ بَثِّهِ ومَن المقصِّرُ باعِي
وإذا دنا الأجل المقدَّرُ للفتى / لم أُنْجِهِ منه وضاع دِفاعي
وقواطعي وهي الحِداد كَلِيلَةٌ / عنهُ وَنَبْعي فيه مثلُ يَراعي
وأنا الطّويلُ يداً فإنْ مدّ الرّدى / نحوي يداً منه تَقَاصَرَ باعي
كم ذا تغالِطُنا الحياةُ وننثنِى / منها بخدعةِ مائِنٍ خَدّاعِ
أَينَ الّذين عَلَوْا على هامِ العُلا / وتبوّءُوا بالمجد خيرَ رباعِ
الباذلين لما حَوَتْهُ خِيامُهمْ / والواهبين لما يسوق الرّاعي
فَسَقَتْ ترابَك يا حُسينُ بواكِرٌ / ترمي الدّيارَ بعارِضٍ همّاعِ
وكأنّ لَمْعَ بروقِهِ هِنْدِيّةٌ / مسلولةٌ جُنْحَ الدُّجى لقِراعِ
وكأنّ زَمْجَرَةَ الرُّعودِ خلالَهُ / دوحٌ تقصّفَ أو زئيرُ سِباعِ
ودفاعُ ربّك عنك شرَّ عقابهِ / عن سيّئٍ خيرٌ من الدّفَّاعِ