المجموع : 3
أَنا لَستُ بِالحَسناءِ أَوَّلَ مولَعِ
أَنا لَستُ بِالحَسناءِ أَوَّلَ مولَعِ / هِيَ مَطمَعُ الدُنيا كَما هِيَ مَطمَعي
فَاِقصُص عَلَيَّ إِذا عَرَفتَ حَديثَها / وَاسكُن إِذا حَدَّثتَ عَنها وَاِخشَعِ
أَلَمَحتَها في صورَةٍ أَشهِدتَها / في حالَةٍ أَرَأَيتَها في مَوضِعِ
إِنّي لَذو نَفسٍ تَهيمُ وَإِنَّها / لَجَميلَةٌ فَوقَ الجَمالِ الأَبدَعِ
وَيَزيدُ في شَوقي إِلَيها أَنَّها / كَالصَوتِ لَم يُسفِر وَلَم يَتَقَنَّعِ
فَتَّشتُ جَيبَ الفَجرِ عَنها وَالدُجى / وَمَدَدتُ حَتّى لِلكَواكِبِ إِصبَعي
فَإِذا هُما مُتَحَيِّرانِ كِلاهُما / في عاشِقٍ مُتَحَيِّرٍ مُتَضَعضِعِ
وَإِذا النُجومُ لِعِلمِها أَو جَهلِها / مُتَرَجرِجاتٌ في الفَضاءِ الأَوسَعِ
رَقَصَت أَشِعَّتُها عَلى سَطحِ الدُجى / وَعَلى رَجاءٍ فِيَّ غَيرَ مُشَعشَعِ
وَالبَحرُ كَم ساءَلَتهُ فَتَضاحَكَت / أَمواجُهُ مِن صَوتِيَ المُتَقَطِّعِ
فَرَجَعتُ مُرتَعِشَ الخَواطِرِ وَالمُنى / كَحَمامَةٍ مَحمولَةٍ في زَعزَعِ
وَكَأَنَّ أَشباحَ الدُهورِ تَأَلَّبَت / في الشَطِّ تَضحَكُ كُلُّها مِن مَرجَعِ
وَلَكَم دَخَلتُ إِلى القُصورِ مُفَتِّشاً / عَنها وَعُجتُ بِدارِساتِ الأَربَعِ
إِن لاحَ طَيفٌ قُلتُ يا عَينُ انظُري / أَو رَنَّ صَوتٌ قُلتُ يا أُذنُ اسمَعي
فَإِذا الَّذي في القَصرِ مِثلي حائِرٌ / وَإِذا الَّذي في القَفرِ مِثلي لا يَعي
قالوا تَوَرَّع إِنَّها مَحجوبَةٌ / إِلّا عَنِ المُتَزَهِّدِ المُتَوَرِّعِ
فَوَأَدتُ أَفراحي وَطَلَّقتُ المُنى / وَنَسَختُ آياتِ الهَوى مِن أَضلُعي
وَحَطَمْتُ أَقداحي وَلَمّا أَرتَوِ / وَعَفَفتُ عَن زادي وَلَمّا أَشبَعِ
وَحَسَبتُني أَدنو إِلَيها مُسرِعاً / فَوَجَدتُ أَنّي قَد دَنَوتُ لِمَصرَعي
ما كانَ أَجهَلَ نُصَّحي وَأَضَلَّني / لَمّا أَطَعتُهُم وَلَم أَتَمَنَّعِ
إِنّي صَرَفتُ عَنِ الطَماعَةِ وَالهَوى / قَلبي وَلا ظُفرٌ لِمَن لَم يَطمَعِ
فَكَأَنَّني البُستانُ جَرَّدَ نَفسَهُ / مِن زَهرِهِ المُتَنَوِّعِ المُتَضَوِّعِ
لِيُحِسَّ نورَ الشَمسِ في ذَرّاتِهِ / وَيُقابِلُ النَسَماتِ غَيرَ مَقَّنَّعِ
فَمَشى عَلَيهِ مِنَ الخَريفِ سُرادِقٌ / كَاللَيلِ خَيَّمَ في المَكانِ البَلقَعِ
وَكَأَنَّني العُصفورُ عَرّى جِسمُهُ / مِن ريشِهِ المُتَناسِقِ المُتَلَمِّعِ
لِيَخِفَّ مَحمَلُهُ فَخَرَّ إِلى الثَرى / وَسَطا عَلَيهِ النَملُ غَيرَ مُرَوِّعِ
وَهَجَعتُ أَحسَبُ أَنَّها بِنتَ الرُؤى / فَصَحَوتُ أَسخَرُ بِالنِيامِ الهُجَّعِ
لَيسَت حُبوراً كُلُّها دُنيا الكَرى / كَم مُؤلِمٍ فيها بِجانِبِ مَفزَعِ
تَخفي أَمانِيَّ الفَتى كَهُمومِهِ / عَنهُ وَتَحجُبُ ذاتَهُ في بَرقَعِ
وَلَرُبَّما اِلتَبَسَت حَوادِثُ يَومِهِ / بِالغابِرِ الماضي وَبِالمُتَقَّعِ
يا حَبَّذا شَطَطَ الخَيالِ وَإِنَّما / تُمحى مَشاهِدُهُ كَأَن لَم تُطبَعِ
لَمّا حَلِمتُ بِها حَلِمتُ بِزَهرَةٍ / لا تُجتَنى وَبِنَجمَةٍ لَم تَلُعِ
ثُمَّ اِنتَبَهتُ فَلَم أَجِد في مَخدَعي / إِلّا ضَلالي وَالفِراشُ وَمَخدَعي
مَن كانَ يَشرَبُ مِن جَداوِلِ وَهمِهِ / قَطَعَ الحَياةَ بِغَلَّةٍ لَم تُنقَعِ
ذَهَبَ الرَبيعُ فَلَم تَكُن في الجَدوَلِ ال / شادي وَلا الرَوضِ الأَغَنِّ المُمرَعِ
وَأَتى الشِتاءُ فَلَم تَكُن في غَيمِهِ / الباكي وَلا في رَعدِهِ المُتَفَجِّعِ
وَلَمَحتُ وامِضَةَ البُروقِ فَخِلتُها / فيها فَلَم تَكُ في البُروقِ اللُمَّعِ
صَفَرَت يَدي مِنها وَبي طَيشُ الفَتى / وَأَضَلَّني عَنها ذَكاءُ الأَلمَعي
حَتّى إِذا نَشَرَ القُنوطُ ضَبابُهُ / فَوقي فَغَيَّبَني وَغَيَّبَ مَوضِعي
وَتَقَطَّعَت أَمراسُ آمالي بِها / وَهيَ الَّتي مِن قَبلُ لَم تَتَقَطَّعِ
عَصَرَ الأَسى روحي فَسالَت أَدمُعاً / فَلَمَحتُها وَلَمَستُها في أَدمُعي
وَعَلِمتُ حينَ العِلمُ لا يُجدي الفَتى / أَنَّ الَّتي ضَيَّعتُها كانَت مَعي
يا نَفسُ قَد ذَهَب الرَفيقُ الأَلمَعي
يا نَفسُ قَد ذَهَب الرَفيقُ الأَلمَعي / فَتَجَلَّدي لِفُراقِهِ أَو فَاِجزُعي
هَذي النِهايَةُ لا نِهايَةُ غَيَها / لِلحَيِّ إِن يُسرِع وَإِن لَم يُسرِعِ
لِلمَوتِ مَن مَلَكَ لبَسيطَةَ كُلُّها / أَو هازَ مِن دُنياهُ بِضعَةَ أَذرُعِ
فَاِزرَع طَريقَكَ بِالورودِ وَبِالسَنا / لا يَحصُدُ الإِنسانُ إِن لَم يَزرُعِ
وَاِعمَل لِكَي تَمضي وَتَبقى رِقَّةً / في مَبسَمٍ أَو نَغمَةً في مَسمَعِ
أَو صورَةً مِثلَ الرَبيعِ جَميلَةً / في خاطِرٍ أَو ناظِرٍ مُستَمتِعِ
يا صَحبَ يَعقوبٍ وَيا عَشرائُهُ / مَن مِنكُمو أَبكي وَلا يَبكِيَ مَعي
إِنّا تَساوَينا فَبَينَ ضُلوعِكُم / نارٌ وَمِثلُ سَعيرِها في أَضلُعي
لُبنانُ هَذا مِن رِياضِكَ زَهرَةٌ / ذَهَبَت كَأَن في الأَرضِ لَم تَتَضَوَّعِ
لُبنانُ هَذا مِن سَمائِكَ كَوكَبٌ / غَرَّبَتهُ حَتّى اِنطَوى في بَلقَعِ
لُبنانُ هَذا مِن مُروجِكَ قِطعَةٌ / فيهِ بَشاشَةُ كُلِّ مَرجٍ مُمرَعِ
قُل لِلبَنَفسجِفي سُفوحِكَ وَالرُبى / وَلّى شَبيهُكَ في الوَداعَةِ فَاِخشَعِ
وَأمُر طُيورَكَ أَن تَنوحَ عَلى فَتى / قَد كانَ يَهواها وَإِن لَم تَسجَعِ
قَد عاشَ مِثلَكَ لِلمُروأَةِ وَالعُلى / مُتَعَفِّفاً كَالزاهِدِ المُتَوَرِّعِ
مُتَرَفِّعاً في قَولِهِ وَفِعالِهِ / عَمَّن غَوى وَهَوى وَلَم يَتَرَفَّعِ
كَمحَرَّضَتهُ النَفسُ في نَزَواتِها / لِيَكونَ صاحِبَ حيلَةٍ أَو مَطمَعِ
فَأَجابَها يا نَفسُ لا تَتَوَرَّطي / صَدءَ النُفوسِ هِيَ المَطامِعُ فَاِقنُعِ
لَيسَ المُحارِبُ في الوَغى بِأَشَدَّ بَأ / ساً مِن مُحارِبِ نَفسِهِ أَو أَشجَعِ
يا صاحِبي أَضنَيتَ جِسمَكَ فَاِسَرِح / وَأَطَلتَ يا يَعقوبُ سُهدَكَ فَاِهجَعِ
حَدَّثت قَومَكَ حُقبَةً فَتَسَمَّعوا / وَالآنَ دَورُ حَديثِهِم فَتَسَمَّعِ
هَجَروا الكَلامَ إِلى الدُموعِ لِأَنَّهُمُ / وَجَدوا البَلاغَةَ كُلَّها في الأَدمُعِ
كَيفَ اِلتَفَتُّ وَسِرتُ لا أَلقى سِوى / مُتَوَجِّعٍ يَشكو إِلى مُتَوَجِّعِ
حَتّى الأُلى نَفَثوا عَلَيكَ سُمومَهُم / حَزَّ الأَسى أَكبادَهُم كَالمِبضَعِ
عَرَفوا مَكانَكَ بَعدَ ما فارَقتُهُم / يا لَيتَهُم عَرَفوهُ قَبلَ المَصرَعِ
وَلَكَم تَمَنَّوا لَو تَعودَ إِلَيهُمُ / أَنتَ الشَبابُ إِذا مَضى لَم يَرجِعِ
حَنّوا إِلى أَرَجِ الأَزاهِرِ بَعدَما / عَبَثَت بِها أَيدي الرِياحِ الأَربَعِ
وَاِستَعذَبوا الماءَ المُسَلسَلَ بَعدَما / نَضَبَ الغَديرُ وَجَفَّ ماءُ المَشرَعِ
يا لَوعَةَ الأَحبابِ حينَ تَساءَلوا / عَنهُ وَعادوا بِالجَوابِ الموجِعِ
إِنَّ الَّذي قَد كانَ مَعكُم قَد مَضى / مِن مَوضِعٍ أَدنى لِأَرفَعِ مَوضِعِ
مِن عالَمٍ مُتَكَلِّفٍ مُتَصَنِعٍ / تَشقى نُفوسٌ فيهِ لَم تَتَصَنَّعِ
لِلعالَمِ الأَسمى الطُهورُ وَمِن مُجا / وَرَةِ الأَنامِ إِلى جِوارِ المُبدِعِ
عاطَيتُها في الكَأَسِ مِثلَ رُضابِها
عاطَيتُها في الكَأَسِ مِثلَ رُضابِها / تَسري إِلى قَلبِ الجَبانِ فَيَشجُعُ
يَطفو الحَبابُ عَلى أَديمِ كُؤوسِها / فَكَأَنَّ تِبراً بِاللُجَينِ يَرَصَّعُ
وَكَأَنَّما تِلكَ الكُؤوسُ نَواظِرٌ / تَبكي وَهاتيكَ الفَواقِعُ أَدمُعُ
مَشمولَةٌ تُغري بِضُفرَتِها البَخيـ / ـلَ بِها فَيَطمَعُ بِالنُضّارِ وَتَطمَعُ
شَمطاءَ إِلّا أَنَّها مَحجوبَةٌ / عَذراءُ إِلّا أَنَّها لا تُمنَعُ
ما زِلتُ أَسقيها إِلى أَن أَخضَعَت / مِنها فُؤاداً لِلهَوى لا يَخضَعُ
فَعَلَت بِها مِثلُ الَّذي فَعَلَت بِنا / أَلحاظُها إِنَّ اللِحظَ لَتَصرَعُ
لَمّا اِنتَشَت وَمَضى الخَفاءُ لِشَأنِهِ / باحَت إِلَيَّ بِما تُكِنُّ الأَضلُعُ
بَرحَ الحَياءُ وَأَعلَنَت أَسرارَها / إِنَّ الحَياةَ لِكُلِّ خَودٍ بُرقُعُ
فَعَلِمتُ أَنّي قَد خُدِعتُ بِحُبِّها / زَمَناً وَكُنتُ أَظُنُّني لا أُخدَعُ
ما كُنتُ أَعلَمُ قَبلَ أَن أَسكَرتُها / أَنَّ الفُؤادَ بِحُبِّ غَيرِيَ مولَعُ
فَتَرَكتُها نَشوى تُغالِبُ أَمرَها / وَالأَمرُ بَعدَ وُقوعِهِ لا يُدفَعُ
وَرَجَعتُ عَنها واثِقاً مِن أَنَّ ما / قَد كانَ مِن حُبّي لَها لا يَرجَعُ
لَبَكَيتُ لَو أَنَّ البُكاءَ أَفادَني / وَنَدِمتُ لَو أَنَّ النَدامَةَ تَنفَعُ