أشجى الرفاقَ تأوّهي وتوَجّعي
أشجى الرفاقَ تأوّهي وتوَجّعي / وتمنّعي عن شُربها في المقوعِ
وأنا الذي بالأمسِ إن هيَ شُعشعَت / كم زُفّ لي قدَحي وغَير مُشَعشعِ
احنو عليهِ باسماً طرباً ولا / عجبٌ ولا حرجٌ حنوَّ المرضِعِ
وأضُمُّهُ شَوقاً قُبيلَ ترَشّفي / منهُ إلى كبدي وقلبي المولعِ
وأقولُ للاحي به ذَرنى ولا / تنهَق فما أنا من ذواتِ الأربعِ
يادنُّ لا تنضُب ويا نَدمانُ خُذ / وعليّ يا ساقي ويا قدَحُ أصرعِ
ولكمَ شدَوتُ يوحيهِ ولكم وكم / أطرَبتُ من خلّ أديبٍ لو ذعي
العَسكريّاتُ الرقاقُ شَواهدٌ / سلها تُجِبكَ عن الهزارِ المبدعِ
واليومَ قد آليتُ لا أحسو الطلا / رغمَ الصدى إلّا وأنتِ معي معي
ليلى أأشرَبُها وكاسُكِ فارغٌ / إني إذاً صبٌّ وحقِّكِ مُدّعي
أعلى زفيرِ جهنّمٍ وجهنّمٌ / بزفيرِها وشهيقَها في أضلُعي
أم وَحشتي يا للعناء وحيرتي / وأنا المشردُ في عراءٍ بَلقَعِ
أم حرقَتي وهواجسي ووساوسي / وتذمّري وتمَلملي في مضجعي
من لي بإنسانٍ يواسيني إذا / ما هاجتِ الذكرى ويَمسَحُ أدمعي
وطني وكيفَ يعيشُ مثلي بُلبُلٌ / ما بينَ ثُعبانٍ يفُجُّ وضِفدعِ
في أسرةٍ نَقَمَت عليَّ لرأفتي / بفقيرها وصَراحتي وترَفّعي
جار الزامانُ فيا أساوِدَها الدغي / وطغى القضاءُ فيا ضفادِعها اشبَعي
ما كان مورِديَ الحميمُ لو أنّني / مَيتُ المشاعرِ لا أحِسُّ ولا أعي
غبنٌ يشفُّ الروحَ أن تتفَتَّحَ / الأورادُ بين الوحلِ والمستنقَعِ
وطني ولي حقٌّ عليكَ أضعتَهُ / وحفِظتَ حقَّ الداعر المتسَكّعِ
فلو أنّ لي طبلاً ومِزماراً لما / أقصَيتَني أو أنّ لي في المخدعِ
هذي عقوبةُ مَوطني وجنايَتي / هيَ أنّني لتيوسِهِ لم أركَعِ
فَقَبَعتُ في داري كصَقرٍ شاكياً / ولو أنّنا في غيرهِ لم نَقبَعِ
فلسَوفَ أمكثُ فيه ما شاءَ القضا / ولسَوفَ أرحَلُ عنه غيرَ مودعِ
فاطوي شباكَكِ يا هلوكُ فما أنا / بالخائنِ المتلَوّنِ المتصَنّعِ
خُلِقَ الأثيمُ مُبَرقَعاً فثوى به / وأنا خُلِقتُ وعِشتُ غيرَ مُبَرقعِ
وَطني شكَوتُ لك الصدى فملأت لي / كاسي وغيرَ الصاب لم أتجَرَّعِ
وَوَأدتُ في فجرِ الشباب مآربي / وبكيتُها يا ليتَهُ لم يطلعِ
لهفي على قلبي الجريح ولَوعَتي / ماذا جنى يا لَيتَني لم أزرَعِ
ألقردُ أضحى لاعباً في ملعَبي / وغدا ابنُ آوى راتعاً في مَرتَعي
اللَهُ أكبرُ كيفَ يُحفَظُ حقُّ مَن / ركِبَ الخنا ويُداسُ حقّ الألمعي
بل كيفَ يُمسي ذلك الباغي وقد / ثَبَتَت إدانَتُهُ ويُصبحُ مُدّعي
أمنَ العدالة ربّ أن أشقى وأن / أشكو جراحي مُكرَهاً للمِبضَعِ
وطني وللدارِ الجديدةِ جارةٌ / لولا هواها عشتُ غيرَ مُضَيّعِ
لم تَبلُغِ العشرينَ ذات وسامَةٍ / ورشاقةٍ وتدَلّلٍ وتمَنّعِ
والحبّ قهّارٌ ولولا قيدهُ / لسَمِعتَ في الفَيحاءِ ما لم تَسمَعِ
من عَندليبٍ إذ رمَيتَ أصَبتَهُ / فهوى ومَن للعَندليبِ الموجَعِ
فلعلّ ليلاهُ تريشُ جناحَهُ / ما كان أشوَقهُ لتلكَ الأربُعِ
بكرومِها وظِبائِها وجنانها / بزُهورِها وعبيرَها المتَضَوّعِ
شوقي لها أوّاهُ من شوقي لها / شوقي لليلى والليالي الأربعِ
وطني وما يوم الرحيل بشاحطٍ / عن شاعرٍ مُتَوجّع مُتَقَطّعِ
قلقٍ آذابَ الهمُّ حبَّةَ قَلبهِ / فتَرَقرَقَت في مقلَةٍ لم تهجَعِ
ناجي رؤاهُ فيا بلابلُ ردّدي / وبكى مُناهُ فيا حمائِمُ رجّعي
يَستعرضُ الماضي بطرفٍ دامعٍ / وبخافقٍ في الذكرياتِ موزّع
ما خرّ قطّ لغيرِ ليلى ساجداً / ولغير سلطانِ الهوى لم يَخضَعِ
لم يَشدُ إلّا باسعِها وجمالِها / وبغير وحيِ ضميره لم يَصدَعِ
كم باتَ ينشدُ في الدياجي طيفَها / ويبثّهُ الأشواقَ حتّى المطلَعِ
مُتدلّهٍ يَبكي ويَلثُمُ رَسمَها / ويَضُمُّهُ لفؤادهِ المتقَطّع
وعلى شذا منديلها كم سَكرةٍ / لفؤادهِ المتلَهِّفِ المتطَلّعِ
فمتى يُحلّ إسارها ليحلَّ في / تلك الرياضِ مع الطيورِ السّجعِ