المجموع : 4
أَلفَيتُها وَمن التَحَسُّر لا تَعي
أَلفَيتُها وَمن التَحَسُّر لا تَعي / تَذري الدُموعَ وَحيدَةً في المخدعِ
فَكَأَنَّها وَالدَمعُ يخطِفُ صَوتَها / رَمزٌ التَعاسَةِ في الزَمانِ الموجعِ
فَسأَلتَها عَمّا يُشيرُ شجونَها / وَعَلامَ تُطلِقُ زَفرَةَ المُتَفَجِّعِ
فَإِذا بِها رَفَعَت لطافَةَ رَأسِها / بِتَخَشُّعِ أَوحى إِلَيذَ تَخشعي
وَرَنَت إِلى قَفصٍ هُناكَ مُعَلَّقٍ / بِمَحاجِرٍ غَرِقَت بِماءِ الأَدمُعِ
فَحَزَرتُ أَنَّ الدَهرَ سلَّم طيرها / ليدِ الحِمامِ فَطيرُها لم يرجِع
قالَت فَقَدتُ من الحَياةِ مُؤاسِياً / يا طالَما أَوحى الهمامَ لِأَضلُعي
فَإِذا تَغنّى بِالزُهورِ وَبِالنَدى / كَيفَ الهَوى لِغُناهُ لَم يَتَسَمَّعِ
وَآلهفَ قَلبي أَينَ مِنهُ قَصائِدٌ / لَم يروِها حَتّى بَيانُ الأَصمَعي
بَل أَينَ مِنهُ الموصِلي وَصوته / وَلِسانُ معبدِ بِالغِناءِ المبدعِ
وَآلهفَ قَلبي كَيفَ واراهُ الثَرى / وَأَنا هُنا أَحيا بِعَيشٍ أَمرعِ
أَوَلَم يَكُن لي في حَياتي مُؤنِساً / يَلهو بِهِ قَلبي وَيَطرَبُ مَسمَعي
ماذا جَنى الحسونُ في جُنحِ الدُجى / حَتّى أُصيبَ بِسَهمِ ذلِكَ الأَسفَعِ
أَلِأَنَّهُ هجرَ الحُقولَ وَبردَها / وَأَتى يغرِّدُ في زَوايا مخدَعي
فَأَجَبتُها كفّي البكا وَتصبُّري / فَالطَيرُ ماتَ وَلم يَعد من مَطمَعِ
لكِنَّما أَصغي لما سَأَقولُه / فَبِمَوتِهِ عظةٌ لِكُلِّ ملوِّعِ
كم رَدَّدت في مَسمَعَيكِ مَراشِفي / حريتي يا ميُّ أَثمنُ ما مَعي
فَنَبَذتِها وَجَحدتِ ما ردَّدته / وَصَنعتِ بِالحسونِ أَفظَعَ مصنَعِ
ما جاءَ حَتّى تَسجنيهِ وَإِنَّما / حَتّى تقيهِ شَرَّ فَقرٍ مدقعِ
فَجَعَلتِهِ بَينَ الحَديدِ مُقَيَّداً / يا حُرَّةً قَيَّدتِ حراً فَاِنزَعي
لَو يَفقَهُ الإِنسانُ مَعنى شَرِّه / لَبَكى طَيلاً بِالدُموعِ الهمَّعِ
هَل إِنَّ فِكرَك من يراعِك أَسرَعُ
هَل إِنَّ فِكرَك من يراعِك أَسرَعُ / أَم إِنَّ نَثرَك من نَظيمِكَ أَبدَعُ
لِلَّهِ مَوهِبَةٌ يحارُ بِها الحجى / أَرجُ الشعورِ بِروضِها يَتَضَوَّعُ
يا اِبنَ الرَبيعِ وَفي الرَبيعِ أَزاهِرٌ / مِثل الكَواكِبِ في سَمائِكِ تَلمَعُ
كَيفَ اِنثَنَيتَ عَن النَظيمِ مُخَيِّراً / وَتَركتَ شعركَ في دماغِكَ يَهجَعُ
يا اِبنَ الخَيالِ وَفي الخَيالِ حَقيقَةٌ / بصرُ الوجودِ أَمامها يَتَخَشَّعُ
كَم مَرَّةٍ وَقَّعتَ شِعرَكَ نغمَةً / وَاللَيلُ أَنصَتَ مُصغياً يَتَسَمَّعُ
يا أَرغنَ الوادي وَفي الوادي هَوى / يَصبو إِلَيكَ فُؤادُهُ وَالأَضلُعُ
لَقَّنتَهُ شَدوَ الهِيامِ مودِّعاً / وَرَحلتَ عَنهُ وَالعُيونُ تودَّعُ
أَشفيق لا بَردى وَلا فَيحاؤُه / إِن كانَ بَرَدونيُّ وَحيك يدمعُ
إِسمَع أَنيناً صادِراً من غورِهِ / فَإِذا سَمعتَ أَنينَهُ تَتَوَجَّعُ
لا تَقطعِ الأَوتارَ من قيثارةٍ / نَغَماتُها في الشِعرِ لا تَتَقَطَّعُ
مَغناكِ مُلتَهِبٌ وَكَأسُكِ مُترَعه
مَغناكِ مُلتَهِبٌ وَكَأسُكِ مُترَعه / فَاِسقي أَباكِ الخَمر وَاِضطَجِعي مَعَه
لَم تُبقِ في شَفَتَيكِ لذاتُ الدِما / ما تَذكُرينَ بِهِ حَليبَ المرضعه
قومي اِدخُلي يا بنتُ لوط عَلى الخنى / وَاِزني فَإِنَّ أَباكِ مهّدَ مَضجَعَه
إِن تُرجِعي دَمك الشَهِيِّ لِنَبعَه / كَم جَدوَلٍ في الأَرضِ راجِع مَنبَعَه
لا تَعبَأي بِعِقاب رَبِّكِ إِنَّهُ / جُرثومَةٌ من نارِكِ المُتَدَفِّعَه
في صَدرِكِ المَحمومِ كِبريتٌ إِذا / لَعِبَت بِهِ الشَهَواتُ فَجَّر أَضلُعُه
فَبِكُلِّ صَقعٍ مِن ضُلوعِك قِسمَة / خِلَعٌ عَلى لَهَب الشَبابِ موزَّعَه
إيه سدومُ بُعثتِ مِن خَلِلِ اللظى / حَمراءَ في شَهَواتِكِ المُتَسَرِّعَه
في كُلِّ جيلٍ مِن لَهيبِكِ سُنَّة / سَكرى محطَّمَة عَلَيهِ مُخَلَّعَه
عَقَبت بيَ الذِكرى إِلَيكِ فَأَشعَلَت / قَلبي وَأَجفاني رُؤاكِ الموجِعَه
شاهَدت مِن خَلَلِ اللَهيبِ حَدائِقاً / كانَت نَواضِرَ في الفُصولِ الأَربَعَة
نَشَقَت مِن الفِردَوسِ عبقَة سِحرهِ / وَمن السَماءِ طُيوبِها المُتَضَوِّعه
خَضراءَ طاهِرَة الغراس كَأَنَّها / بِصَفاءِ عَدنٍ لا تَزالُ مُبَرقَعَه
وَكَأَنَّ مِن تَكفيرِ آدم نَفحَةً / فيها وَمن صَلَواتِ حَواءٍ دِعه
وَرَأَيتُ غَدراناً مَراضِع تُربَة / بِأَجِنَّة الزهر النَدِيِّ مرصَّعَه
وَمراوِح الفَجرِ الجَميلِ عَلى الذَرى / يَلقى عَلَيها كُلَّ طيرٍ مخدَعَه
وَرَأَيتُ حوراً في شُفوفِ زَنابِق / بَيضاء من لَبَن الجنان مُشَبَّعَه
نَفخ الصِبا بنُهودِها فَتَكَوَّرَت / وَتَبَسَّمَت عَن وَردَةٍ مُتَرَفِّعَه
ماذا فَعَلتِ سُدومُ أَينَ جَواذِبٌ / كانَت عَلى تِلكَ الخُدورِ مجمَّعَه
فيمَ اِستَحالَ لُبانُكِ النامي إِلى / خَمر بكاساتِ الفجورِ مُشَعشَعَة
ذَوَّبَت خَمرِكِ لا لِيُصبِح طاهِراً / لكِن لِيَستَهوي النُفوسَ فَتَجرَعَه
وَجَعَلتِ غَرغَرَةَ الأَفاعي كَأسَه / لِيَذوقَ مِنها كُلَّ قَلبٍ مَصرَعَه
سَكَرَت بِكِ الدُنيا سدومُ فَكلَّها / زمرٌ عَلى طرق الحَياةِ مُتَعتَعه
وَأَثرَتِ حُنجُرَة الفجور فَأَطلَقَت / حِمَماً عَلى نَغَمِ الجَحيمِ مُوَقَّعَه
أَغنيَّة حَمراء أَنشَدَها الخنى / مِزَقاً عَلى أَوتارِكِ المُتَقَطِّعَه
أَسدومَ هذا العَصر لَن تَتَحَجَّبي / فَبِوَجهِ أمكِ ما بَرِحَتِ مُقَنَّعَه
كانَت مُنَكَّرَة كَوَجهِكِ عِندَما / هَبَّت عَلَيها مِن جَهَنَّم زَوبَعَه
قَذفتك صحراءُ الزِنى بِحَضارَة / ثَكلى مُشَوَّهَةِ الوُجوهِ مُفَجَّعَه
بُؤرٌ مُسَتَّرَة الفَسادِ بخدعة / نَكراءَ بِالخَزِّ الشَهِيِّ مُرَقَّعَه
أَسيلَةَ الفَحشاءِ نارِكِ في دمي
أَسيلَةَ الفَحشاءِ نارِكِ في دمي / فَتَضرَّمي ما شِئتِ أَن تَتَضَرَّمي
أَنا لَستُ أَخشى مِن جَهَنَّم جَذوَةَ / ما دامَ جِسمي يا سدومُ جهنَّمي
طَوَّفتِ بي مَيتاً بِأروقَةِ اللَظى / فَحَمَلتُ تابوتي وَسِرتُ بِمَأتَمي
وَعَصبتِ بِالشَبقِ المجمَّرِ جَبهَتي / فَرَفَعتُها في عَصريَ المُتَهكّمِ
عَلَّمتِني لغة النُبوءَة عِندما / فَجَرَّتِ أَلغامَ السمومِ بِمنجمي
مَهلاً كلانا يا سلومُ مُسَلَّح / فَلظاكِ في جِسمي وَثَأركِ في فَمي
سَيَّرتِ قَلبي في المَهازِلِ شاعِراً / وَذررتِ مَسحوقَ العِظاتِ بمرقَمي
فَكَأَنَّ غَضبَةَ أَنبيِيائِكِ عِندَما / أُحرِقَتِ عاشَت في اللَظى المُتَكَلِّمِ
أَبغيَّ هذا العَصر خمركِ فَاِغرُفي / وَاِسقي ذَراريَّ الوَرى وَاِستَسلمي
وَبِمَضجعِ الغُرَباءِ نامي حِقبَة / ثُمَّ اَعدُلي عَنهُ لِآخر وَاِرتَمي
وَتَرَنَّمي ما شِئتِ في حَمأ البَلى / حَتّى يَجِفَّ بِك الرضاع وَتَهرَمي
حَتّى تُضاجِعَكِ الأَفاعي في الدُجى / وَيَصيرَ حُسنُكِ مخدِعاً لِلأَرقَمِ
حَتّى يَفورَ الدودُ مِنكِ وَيَنثَني / يِمتَصُّ جيفَة عرضِك المُتَهَضِّمِ
حَتّى يَدبَّ المَوت فيكِ وَتَمّحي / ذُرِّيَّةُ المَهدِ الأَثيمِ المُجرِمِ