خَطبٌ رَمى رُكنَ العَزاءِ فَصَدَّعا
خَطبٌ رَمى رُكنَ العَزاءِ فَصَدَّعا / وَأَصابَ مِن حَبل الرَجاءِ المَقطَعا
أَهدى إِلى القَلبِ التَلَهُّفَ وَالجَوى / وَإِلى الجُفونِ سُهادَها وَالأَدمُعا
عَمَّ الأَسى فَالناسُ فيهِ مُفَجَّعٌ / شاكٍ يُساجِلُ في الشكاةِ مُفَجَّعا
كَيفَ العَزاءُ وَلَستُ أُبصرُ بَهجَةً / في الدَهرِ إِلا وَدَّعت مُذ وَدَّعا
وَبَشاشَةُ الدُنيا حَوَتها حُفرَةٌ / في الأَرضِ قَد خُطَّت لِصَبري مَضجَعا
دَفَنُوا شَمائِلَ كَالسُلافَةِ رقَّةً / وَالماءِ رِيّاً وَالرِياضِ تَضَوُّعا
شِيَمٌ هِيَ الإِيناسُ يَجلو وَحشَةً / أَو نِعمَةُ الدُنيا تُصادِفُ مُدقِعا
خُلُقٌ هُوَ الجَنّاتُ لَو يُجزى بِهِ / ذُو طاعَةٍ لَم تُلفِ إِلا طَيِّعا
عَفُّ اللِسانِ عَن الجَليسِ إِذا نَأى / يُرضيكَ حاضِرُهُ وَغائِبُهُ مَعا
وَإِذا تَوَسَّطَ في النَديِّ رَأَيتَهُ / يُرضي الشَمائِلَ سامِعاً أَو مُسمِعا
يَسبي قُلوبَ الزائِرينَ بِبشرِهِ / أَكرِم بِهِ مُستَقبِلاً وَمُشَيِّعا
هَشٌّ لِزائِره أَأَكثَر أَم وَنى / لَم يَلقَه سَئِماً وَلا مُتَمَنِّعا
فَكِهُ الحَديثِ حَكيمُهُ لا مُضجِرٌ / مِنهُ الغَويَّ وَلا التَقِيَّ الأَورَعا
لَم يَعتَذِر بِمزاحِهِ عَن زَلَّة / يَوماً وَلا نَطَق السَفاهَ وَلا وَعى
ثَبتُ الوِدادِ نَأَى المَعاشرُ أَو دَنا / راعٍ لَهُ نَسيَ المَودَّةَ أَو رَعى
لَم تُوهِ مِن أَخلاقِهِ أَسقامُه / وَلَو انَّها في شامِخٍ لتَصدَّعا
يَلقاكَ مُبتَسِماً عَلى عِلّاتِهِ / لا شاكياً أَلَماً وَلا مُتَضَرِّعا
وَإِذا تَغَيَّرتِ اللَيالي غَيَّرت / مَن كانَت الأَخلاقُ فيهِ تَطَبُّعا
يَهفُو إِلى قُربِ الصَديق كَما هَفا / ناءٍ تَذكّر في نَواهُ الأَربُعا
يُصغي إِذا ذُكِرَ الصِّحابُ كَأَنَّما / ذُكِرَ الشَبابُ لَهُ فَحنَّ وَرَجَّعا
خُلُقٌ طَواهُ المَوتُ عَنّا غدوَةً / فَطَوى عَلى الحَسراتِ مِنّا أَضلُعا
أَمُجمِّعَ الأَخلاقِ رُزؤُك لَم يَدَع / حُزناً مِن الأَحزانِ إِلا جَمَّعا
قالوا الربيع فَداوِ همَّك وَاِبتَدِر / أَيّامَه مِن قَبل أَن تَتَقَشَّعا
وَاِهنأ بِهِ عَيشاً وَطِب نَفساً وَرِد / مِنهُ صَفاءَ اللَهوِ وَانعَم مَرتَعا
مَهلاً فَروضُ الشعرِ صَوَّحَ نَبتُه / وَمَرابِعُ الآدابِ أَمسَت بَلقَعا
فَأَرى المَلاهي مَأتَماً وَأَرى السُرو / رَ تَأَلماً وَالماءَ يَجري مَدمَعا
بَكرَ النَعِيُّ بِأَن قَضَيتَ فَلَم يَدَع / أَمَلاً مِن الآمالِ إِلّا ضَيَّعا
يَا أَيُّها الناعي رُوَيدَك إِنَّهُ / رُكنُ القَرِيضِ هَوى وَطودٌ زُعزِعا
يا هاجِعاً مِلءَ الجُفونِ وَقَد حَمى / عَينَ القَوافي بَعدَه أَن تَهجَعا
مَن ذا يُصرِّعُها وَيُحكِمُ نَسجَها / هَيهاتَ لاقى الشعرُ بَعدَكَ مَصرَعا
أَم مَن يَرُوض عَصِيَّها وَلَقَد ثَوى / في التُربِ مَن راضَ العَصِيَّ وَأَخضَعا
أَيَغِيضُ طَبعُكَ في التُرابِ وَطالَما / رَوّى الجَديبَ فَعادَ خِصباً مُمرِعا
فَلَو انَّ شِعرَكَ كانَ سَجعاً لِلقَطا / كادَ الأَراكُ مَع القَطا أَن يَسجَعا
وَلَو اَنَّ مَعمودَ الفُؤادِ بَكى بِه / طَللاً لرقَّ لَهُ أَسىً وَتَوجُّعا
وَلَو انَّ مُبتَئِساً بِصَرفِ زَمانِه / عَتَب الزَمانَ بِهِ لَتابَ وَأَقلَعا
شعرٌ لَو انَّ الدَهرَ أَقفر حُسنُه / نُشِرَت صَحائِفُه فَكانَت مَربَعا
مَلَكَ النُفوسَ بِسِحرِهِ فَتَخالُهُ / نَغَماً عَلى نَبضِ القُلوبِ مُوقَّعا
هُوَ سَلوةُ العاني وَنِعمَةُ بائِسٍ / وَبَشيرُ مُغتَرِب يُحاوِلُ مَرجِعا
الطَّبعُ وَالأَخلاقُ يَنبوعٌ لَهُ / وَالشعرُ يَصفُو حينَ يَصفُو مَنبَعا
طبُّ النُفوسِ يُعيدُ في مَيتِ المُنى / رُوحاً وَيَبعَثُ في القُنوطِ المَطمعا
مُتَلَمِّسٌ من كلِّ نَفسٍ سِرَّها / ومُلامِسٌ من كلِّ قَلبٍ مَوضِعا
جاوَزت فيهِ مُنى النُفوسِ وَصُنتَه / عَن زَهوِ مُفتَتِنٍ تَغالى وَاِدَّعى
لَم تَفتَتِن يَوماً وَشِعرُكَ فِتنَةٌ / يا مُبدِعاً لَم يَزهُهُ ما أَبدَعا
شِعرٌ إِذا يُتلى تَكادُ لِحُسنِه / تَثِبُ القُلوبُ مِن الصُدُورِ تَطَلُّعا
فَكَأَنَّها في كُلِّ بَيتٍ تَبتَغي / نَبَأً عَنِ الأَحبابِ فيهِ أودِعا
لَهفَ القَوافي يَومَ بانَ فَإِنَّها / فَقَدَت بِإِسماعيلَ رُكناً أَمنَعا
فَقَدت صِباً لِمَشيبها وَعَشِيرَةً / لِغَريبِها وَالأَمنَ مِمّا رَوَّعا
عِش ما تَشاءُ بِما تُخلِّدُ مِن عُلاً / في الدَهرِ لَيسَ المَرءُ إِلّا ما سَعى
فَلَربَّ ذِي صَمتٍ أَصَمَّ بِقَبرِهِ / جَعَل الزَمانَ لِسانَهُ وَالمَسمَعا
وَمُشَيَّعٍ في الذاهِبينَ وَفَضلُهُ / مَلأَ العُصورَ فَما نَعاهُ مَن نَعى
يَبلى وَلا يَبلى بِقَلبٍ ذِكرُهُ / فَكَأَنَّهُ في كُلِّ يَومٍ شُيِّعا
وَجُسومُ هَذا الناسِ أَنفاسُ الثَرى / لا بُدَّ يَوماً لِلثَرى أَن تَرجِعا