قَلبٌ يَذوبُ ومهجةٌ تَتَقطَّع
قَلبٌ يَذوبُ ومهجةٌ تَتَقطَّع / وجوًى يهيجُ به الفؤاد المولَعُ
لي بعد مَن سكن الغضا نار الغضا / تطوى على الزفرات منها الأضلع
ما زِلتُ تُصْبيني الصّبا بهبوبها / سَحراً وتبكيني البروق اللُّمَّعُ
وتهيجني الورقاء ما إنْ أصْبَحَتْ / تشدو على فنن الأراك وتسجع
تُملي عليَّ حديث فرط شجونها / في الشجوِ وفي صُحفِ الغرام فأطمعُ
وقضى ادِّكار الظاعنين بأنَّه / لا يستقرُّ لمستهامٍ مضجعُ
أرأيتَ أنَّ المزمعين على النوى / عزَموا على أخذ القلوب وأزمعوا
لو كنتَ يومَ البين حاضرَ لوعتي / لرأيت كيف تصوب تلك الأدمعُ
أشكو إليك وأنت أبصر بالهوى / ما أودعوا يا سعد ساعة ودّعوا
هم أهرقوا دمعي المصونَ وأوقدوا / في القلب غُلَّةَ وامقٍ لا تنقعُ
ولقد رعيتُ لهم هناك وما رَعوا / وحَفِظْتُ وُدَّهم القديم وضيَّعوا
وأخذت أذكرهم وبينَ جوانحي / كبدٌ تكادُ لما بها تتصدَّعُ
حُيِّيت يا دار الأحبَّة في اللوى / بحياً يصوبك في العشيِّ ويقلعُ
حتَّى يراقَ على ثراك فترتوي / بعد الظما تلك الطلول الخشع
كانت منازلنا تروقُ بأوجهٍ / غَرَبَتْ فأينَ تقول منها المطلعُ
يا عهدنا الماضي وليسَ براجعٍ / أفترجعنَّ بما مضيت فترجعُ
واهاً لعيشك يا نديم بمثلها / والكأسُ من حدق الأوانس تترعُ
حيث الصبا غضٌّ وأعلاق الهوى / ممَّا تُغَرُّ بها الملاح وتخدعُ
نجد الهوى رطْبَ المَجَسِّ فواصلٌ / لا ينثني وملايمٌ ومُمَنَّعُ
ونروض باللّذّات كلَّ أبيَّةٍ / منها لنا فيها القياد الأطوعُ
نكصَتْ على أعقابها أسرابها / وخلا من الظبيات ذاك المربعُ
ويحَ المتيّم من فراقِ أحبَّةٍ / عفَتِ المنازلُ بعدهم والأربعُ
يتجرَّع المرَّ الزعاف وإنَّما / كأس الصدود أقلُّ ما تتجرع
ولربما احتمل السلوَّ لوَ انَّه / يصغي إلى قول العذول ويسمع
لي في المنازل حيثُ رامة وقفةٌ / فيها لمن عانى الصبابة مصرعُ
إنَّ الأحبَّةَ في زرود ولعلعٍ / سُقي الغمامَ بهم زرودُ ولَعْلَعُ
هتفَ النوى بهم ضحًى فتبادروا / فيه إلى تلف المشوق وأسرعوا
يا هَلْ تراهم يألفون وهل ترى / يَهَبُ الزمان لأهله ما ينزع
يشتاقهم أبداً على شحط النوى / قلبٌ به حُرَقٌ وعينٌ تدمعُ
أنفكُّ أستشفي بطيب حديثهم / أو يشتفي هذا الفؤاد المُوجعُ
لا تسألنِّي كيف أنتَ فإنَّني / جَلدٌ على الأيام لا أتضعضعُ
صفعتْ قذال المطمعات أبوَّتي / وقفا الدنيَّةِ بالأُبوَّة يُصفعُ
أنا من جميل أبي جميل لم أزلْ / أُدعى إلى المجد الأثيل فأتبع
عنه المكارم في الوجود تنوعت / أجناسها والجنس قد يتنوّع
أفْنَتْ عطاياه الحطامَ وإنَّه / لله أو لسبيله ما يَجْمَعُ
لولاه ما عرف الجميل ولا زها / في غيره للفضل روضٌ ممرعُ
متهلّلٌ بجمال أبهج طلعةٍ / ممَّن تشير إلى علاهُ الإصبعُ
ترجى المنافع من لَدُنه وإنَّما / نالَ المعالي من يضرّ وينفعُ
أينَ الضياغمُ من علاه إذا سطا / هو لا مراء من الضياغم أشجعُ
في موقف ترد النفوس من الردى / والهامُ تسجدُ والصوارمُ تركعُ
والحرّ يطرب حيث صادية الظبا / تروى وساغبة القشاعم تشبع
ذو رأفة في العالمين وشدَّةٍ / تومي لعاتية الأُمور فتخضعُ
قطعت أراجيف الرجاء لأهلها / وكذلك العضب المهنَّد يقطعُ
لله درّك لو وزنت بك الورى / لرجحت حينئذٍ وقدرك أرفعُ
يا من رأيت به المديح فريضة / ومن المدايح واجب وتطوّع
فإذا رضيت فما الشهاد المجتنى / وإذا غضبت فما السمام المنقع
شكراً لسالفة الصنايع منك لي / حيث المكارم والمكان الأَرفعُ
بلَّغتني نعماً خطبت بشكرها / فأنا البليغ إذا خطبت المصقعُ
ونشرتُ بعد الطيّ فيك قصائدي / طيب الثناء عليك فيها يسطعُ
لولا مدايحك الكريمة لم تكن / تصغي له أذنٌ ويطرب مسمعُ
أكبتّ حسَّادي بنعمتك التي / أمستْ تذلّ لها الخطوب وتخضع
أتنالني أيدي الزمان بحادثٍ / يوماً وجانبك الأغرّ الأمنع
قسماً بمن رفع السماء فأصبحت / زهر النجوم بنظم مدحك تطمع
إنَّ الأُبوَّة والرياسة والعُلى / من غير وجهك شمسها لا تطلعُ
في كلِّ يومٍ من علاك صنيعة / أنت المجيد لها وأنت المبدعُ
والناس إلاَّ أنت في كبّارها / صمٌّ عن الفعل الجميل إذا دُعوا
تالله إنَّك واحدٌ في أهلها / ولأنت أنت المشتكى والمفْزَعُ
ما ضلَّ عن نيل الغِنى ذو حاجة / وإلى مكارمك الطريق المهيعُ
ترجو نَداك وتتَّقي منك العِدى / فالبأس بأسُكَ والسَّماحة أجمعُ
تعطي وتمنع نائلاً وأبوَّة / لا كانَ من يعطي سواك ويمنعُ
الله يعلم والعوالم كلُّها / إنِّي لغيرِ نَداك لا أتوقعُ
لا زالَ لي من بحرِ جودك مورد / عذب ووبل سحابة لا تقلعُ
فلئن طمعتُ فلي بجودك مطمعٌ / ولئن قنعتُ فلي بجودك مقنعُ