البحرُ أجمَعُ لو غدا أنقاسي
البحرُ أجمَعُ لو غدا أنقاسي / والبَرُّ أجمَعُ لو غدا قِرطاسي
وتَخُطُّ عُمْرَ الدَّهرِ لي أَيدي الورى / ما بِتُّ من شَوقٍ إليك أُقاسي
فَنِيا ولم يَفِيا بذِكْرِ أقَلِّه / فقياسُ وَجْدي فوقَ كُلِّ قِياس
فارقْتَني فأَرقْتَني من مُقْلتي / وتَقاذفَتْ مُقَلُ الوَرى إحساسي
وذهْبْتَ عن رَأْسي وسِرْتَ فلا تَسلْ / ما مَرَّ بعدَك للفِراقِ براسي
ما رَوّضَتْ أرضاً بقُرْبي أدمُعي / إلاّ وصوَّح نَبْتَها أنفاسي
مُذْ لم يُنادِمْ نورَ وَجْهِك ناظِري / ما باتَ مُغْتَبِقاً بكأْسِ نُعاس
يا راحلاً والقلبُ من صَدْرِ امْرئٍ / للعَهدِ لا ناسٍ ولا مُتَناس
لولاكَ أُصبحْ برامةَ ذاكراً / دَرْسَ الجَوى لمنازلٍ أَدراس
دَرْسٌ حَمامُ الواديَيْنِ يُعيدُه / بسُجوعِه فله يَقِلُّ النّاسي
وببَطْنِ وَجْرةَ والمَهامِهُ دونَه / رَشأٌ يُصابِحُني هوىً ويُماسي
ظَبْيٌ يَروحُ ويغَتْدي مِن ناظري / والقلبِ بينَ حُبالةٍ وكِناس
أنا والنّسيمُ ومُقلتاهُ بَيْننا / في طُولِ سُقْمٍ لا يُعادُ تَآس
قد كنتُ صَلْدَ المُقلَتيْنِ منَ البُكا / أيّامَ لَهْوي جامِحُ الأفْراس
فرجَعْتُ لمّا شِبْتُ أسبَقَ دَمعةً / من شَمعةٍ عندَ اشتِعالِ الرّاس
وصَحْوتُ إلاّ من تَذَكُّرِ مَن مضى / ونَفضْتُ مِن عُلَقِ الهوى أَحلاسي
أَبتِ النُّهى لي أَن أُحاوِلَ خُلْسةً / في لَذّةٍ والرّاسُ ذو أَخلاس
فلئن يَئِسْتُ اليومَ من وَصْلِ الدُّمَى / فاليأْسُ إن نَسَبوا أَخٌ للنّاس
ولَكَمْ أَرحْنَ وقد سمَحْنَ بمُنْيتي / رُوحُ النّجاح خِلافُ رُوح الياس
فاليومَ من زَمنِ الصِّبا لم يَبْقَ لي / إلاّ بذِكْرِ عُهودِها اسْتِئْناسي
لِلّهِ حَيٌّ قد عَهِدْتُ قِبابَهمْ / ضُربَتْ على العَلَمَيْنِ من أَوطاس
شُوسٌ إذا نَزَلوا قَرَوا أَو نازَلُوا / قَروُا العُداةَ تَناكُصَ الأنكاس
كم بعدَ ما جَزُّوا النّواصيَ في الوغَى / جَرُّوا الشّواصيَ في الثّرى المُتَعاسي
ولدَيهمُ لمّا انتشَوا ثُمَّ اشتَرَوا / كاسَ العقير لدى عَقيرِ الكاس
فيهمْ غزالٌ لا يُصادُ وخَدُّه / دامٍ بنَبْلِ نَواظِرِ الجُلاّس
إن آنسَ العَينانِ من وجَناتهِ / ناراً فمِنها القلبُ في اسْتِقْباس
أَعَجِبْتَ كيف زهَتْ لتَحِكيَ قَدَّه / أَعطافُ خُوطِ البانةِ المَيّاس
وبدا ليُشْبِهَ خَدَّه أو خَطَّه / في الرَّوضِ مُشرِقُ وَرْدِه والآس
لا لَومَ بالإغرابِ في مَرعَى المُنى / عندي على جِنْسٍ من الأجناس
شَطَطُ الأماني كنتُ أَحسَبُ أنّه / مَعنىً تُخَصُّ به طِباعُ النّاس
حتّى رأيتُ الدَّهَر يَسألُ رَبَّه / عُمْرَ الخِلافةِ في بني العَبّاس
قَومٌ أقامَ الدِّينُ تحت ظِلالهمْ / والمُلْكُ وهْو مُوطّدُ الآساس
تَتناسَلُ الخلفاءُ منهمْ دَهرَها / كتناسُلِ الآسادِ في الأَخياس
مُتحدِّرِينَ خلالَ حُجْبِ جلالةٍ / من كُلَ أغلبَ باسلٍ هِرْماس
نُسِقوا كما نُسِقَتْ كُعوبُ مُثقَّفٍ / يَهْدِي بأَعلاها سَنا مِقْباس
فاسْلَمْ أميرَ المُؤمنينَ لدولةٍ / تَرمي جُدودَ عِداكَ بالإتْعاس
من عالِمٍ للعِلمِ أَرضُ وَقارِه / ماءُ النَّدى فيها ونارُ الباس
واللُّطْفُ منه للعبادِ وللورَى / نَيْلُ الحياةِ به معَ الأنفاس
مَلِكٌ يَرِقُ على الرّعيّةِ رأْفةً / قَلْبٌ على الأموالِ منه قاس
تُضحي مُلوكُ الأرضِ في عَرَصاتهِ / ماشِينَ كالأقلامِ في القِرطاس
مُتحلِّبُ للوفدِ خِلْفُ نَوالِه / أبداً بلا مَرْيٍ ولا إبساس
يُعطِي فيُسْرِفُ في الثّوابِ وإنّما / وَزْنُ العِقابِ لدَيْهِ بالقِسطاس
مُستَرشِدٌ باللهِ يُرشِدُ خَلْقَه / ويَسوسُ بالإنعامِ والإبْآس
قُدْسِيُّ مُلكٍ نُورُه مُتضاعِفٌ / فالطّرْفُ عنه من المهابةِ خاس
مهما تَجلَّى للعِدا صَعِقوا له / فَهُمُ لخِيفتِه على إيجاس
لمّا غدا شَمساً وكان زَمانُنا / ليلاً وقَلّ اللّيلُ عنْ إشْماس
ضرَبَ الحِجابَ ونابَ عنه طالِعاً / بَدْرٌ هَدَى بسَناهُ كُلَّ أُناس
ووزيرُ صِدْقٍ مُصطَفيهِ خليفةٌ / منه الهُدَى في ظِلِّ طَوْدٍ راس
تَهدِي الجيوشَ السّودَ من راياتهِ / أبداً كما تَهْدي العيونَ أَناسي
وله رياحٌ مُسْرَجاتٌ سُخِّرَتْ / لِتَجوسَ في الآفاقِ كُلَّ مَجاس
بلُيوثِ غابِ ذَوابلٍ وصَوارمٍ / غُلُبٍ لفُرسانِ الوغَى فُرّاس
يَدعون في الهيجاء باسْمِ مُؤَيّدٍ / منه يَلينُ شديدُ كلَّ مِراس
تَوقيعُه أبداً له تَفْسيرُه / في كُلّ يَومِ تَخاذُلٍ وتَواس
النّاصِرُ اللهُ المَجِيدُ له وإن / لم يأْلَ حُسْنَ سياسةِ السُّوّاس
وكذا إذا ما اللّهُ كان مُحامِياً / عن دولةٍ حُرِسَتْ بلا أَحراس
لم يَجتذِبْ لرداء مُلكِكَ هُدْبَه / إلاّ لكأْسِ رداهُ صِرْفاً حاس
عُمرُ العُداةِ لكمْ إذا ما جاهَروا / عُمرُ السّهامِ وُضِعْنَ في الأعجاس
لا يَظفَرُ الفَرّارُ منك بمأْمَنٍ / حتّى يَصيرَ مُجاوِرَ الدِّيماس
وهُناكَ أيضاً لا أمانَ فزائدٌ / قَطْعاً عذابُ عِداك في الأرماس
طَهِّرْ بسَيفِك ظاهِرَ الأرضِ التي / نَجِسَتُ بوَطْءِ أولئك الأرجاس
طَهِّرْهُ غسْلاً منهمُ بدِمائهمْ / يَطْهُرْ مِنَ الأنجاسِ بالأنْجاس
أَإمامَ أُمّةِ أحمدٍ وإمامُها / في الحَشْرِ يَشْفَعُ للورَى ويُواسي
رُضتَ الزّمانَ فلان بعدَ تَصعُّبٍ / وصُروفُه قد لِنَّ بعدَ شِماس
وَورِثْتَ من بُردِ النّبيّ المُصطفَى / ولِباسِ تَقْواهُ أَجلَّ لِباس
ومنَ القضيبِ ملَكْتَ مَلْمَسَ أَنملٍ / أَعداكَ ذاك الجُودُ بالإلْماس
ولك المُصلَّى والحطيمُ وزَمزَمٌ / ومُبدِّلُ الإيحاشِ بالإيناس
حيث الحمامةُ لا تُنازَعُ طوقَها / والوَحْشُ يأْمَنُ رَنّةَ الأقواس
والبيتُ مَمدودٌ إليك يَمينُه / لا زال يَستَكْسي وأنتَ الكاسي
يا غارسي ونَداكَ غيرُ مُوَّفٍ / في القرب أو في البعد سقْيَ غراسي
أمّا المديحُ فلا أَدُلُّ بحُسنِه / فَقليُبه مُتجاذِبُ الأمراس
لكنْ وَرِثْتُ لكمْ قديمَ مَودّةٍ / أَضحَتْ قَواعدُها وهُنَّ رواس
وبنيتُ بيتَ هوىً لكم فغدوتُ والتْ / تأْميلُ سَمْكي والوَلاءُ آساسي
فامنَع يدَ الأيّام من هَدْمي وإن / تَنفَحْ بإنْعامٍ فَحُقَّ لِشاس
تَشبيهُ كَفِّكَ بالبحارِ إذا طمَتْ / تَشبيهُ نُورِ اللّهِ بالنّبِراس
فأَعِدْ إلى الأيّامِ نظْرةَ حازمٍ / نَطُسٍ لأدواء الزّمانِ نِطاسي
واسْعَدْ بنَصْبِ وَليّ عَهْدٍ للورى / فالبيتُ يُدعَمُ لم يَزَلْ بأواس
دوما معاً في دَولةٍ مَحروسةٍ / تَبقى على الأزمانِ والأحراس
فدَوامُ مُلْكِكُما معاً في غِبْطةٍ / أَبداً لِمجروحِ اللّيالي آس