المجموع : 3
إنّي مررتُ على جنا
إنّي مررتُ على جنا / دِلَ فوق أَرْماسٍ دُروسِ
مُحِيَتْ على قُرِّ الشّتا / ءِ وحرِّ هاجرةِ الشُّموسِ
فكأنّهنَّ من البِلى / آثارُ نِقْسٍ في طُروسِ
كم ضَمَّنَتْ من ضيغمٍ / قَرمٍ إلى قنص النّفوسِ
ومتوّجٍ سحب الكُما / ةُ وراءَه ذيلَ الخميسِ
وغزير ماءِ الوَجْنَتي / ن كريمِ ناحيةِ الجليسِ
يُعطي الكثيرَ إذا النّفو / سُ شَحَحْنَ بالنَّزْرِ الخسيسِ
بَعُدُوا على قُرْبِ المَزا / رِ عن السَّعادةِ والنُّحُوسِ
وكأنّهمْ لخُفوتِهمْ / شَرْبٌ تساقَوْا بالكؤوسِ
تخذوا الثَّرى فَرْشاً لهمْ / وتوسّدوا قُلَلَ الرُّؤوسِ
يا لَلثَّرى كم فيه مِنْ / عِلْقٍ يُضَنُّ به نفيسِ
حَمَلَتْهُ أيدي المُشفِقي / نَ إلى قرارِةِ كلِّ بوسِ
وتصدّعوا وهْوَ المُنى / عن قبره صَدْعَ السُّدوسِ
تركوه في ذاك الفضا / ءِ الرّحبِ مُفتَقَدَ الأَنيسِ
قُدْني إِليك فقد أمِنتَ شماسي
قُدْني إِليك فقد أمِنتَ شماسي / وكُفيتَ منّي اليومَ صدقَ مِراسي
ولقيتنِي مُتخشِّعاً لا يُرتَجى / نَفعي ولا يُخشى العشيّةَ باسي
أسرِي بلا هادٍ بكلّ مضلّةٍ / وأجوبُ مُظلمةً بلا مقباسِ
وأذودُ عن قلبي الهمومَ كأنّني / أَحمي أسودَ شرىً عنِ الأخياسِ
وتُدِرُّ لي نُوَبُ الزّمان مصائباً / في كلِّ شارقةٍ بلا إبساسِ
في أَسْرِ قاصمةٍ أُخادع جِيرتي / عنها وأكتُمُ داءَها جُلّاسي
فَأَنا الجَريحُ بلا شفارِ صوارمٍ / وأنا الرَّميُّ بغير ما أقواسِ
يا لَلرّجالِ لفَجْعَةٍ جَذَمَتْ يدي / وددتُها ذهبتْ عليّ براسي
ما زلتُ أحذر وِرْدَها حتّى أتَتْ / فحسوتُها في بعض ما أنا حاسِ
رادَيْتُها فلقيتُ منها صخرةً / صَمَّاءَ من جبلٍ أشمٍّ راسِ
ومطلتُها زمناً ولمّا صَمَّمَتْ / لم يَثْنِها مَطْلي وطولُ مِكاسي
ومنعتُها دمعي فلمّا لم تجدْ / دمعاً تحدّر أوقَدَتْ أنفاسي
ومصيبةٍ وَلَجَتْ على سُرُجِ الهدى / آلِ النبيّ حفائرَ الأرْماسِ
ثُلموا بها بعد التَّمامِ كأنّما / ثُلموا بجَدْعِ الأنفِ يومَ عِطاسِ
وتراهُمُ بعد الهدوِّ كأنّهمْ / سِرْبُ الخَمِيلةِ ريِعَ من فِرْناسِ
يا صاحبِي هَل نابَ سَمْعكَ مِثلما / قَد نابني نبأٌ أطار نُعاسي
لا أَرتضي منهُ وضوحَ يقينِهِ / وأودُّ أنّي منه في إلباسِ
أنْحى على كَبِدِي بوَشْكِ سَماعِهِ / ناراً تَحزُّ جُنوبَها بمواسي
وظَنَنْتُهُ مثلَ الرّزايا قبلَه / فإذا به رُزءاً عزيزَ الآسي
خطرٌ أَعُطُّ عليه صبري بعدهُ / وأُجِلُّهُ عن أن أعُطَّ لباسي
لا تُنِكرا من فيض دمعِيَ عبرةً / فالدّمعُ خيرُ مساعدٍ ومواسي
وإذا سُئِلتُ عن الّذي بِيَ بعدَهُ / فصممتُ عنه فلا تَعِبْ إبلاسي
ونعى إليّ وليتَه لم ينعَ لي / عَنَتَ القُرومِ وفاضحَ السّوّاسِ
ومُعثّرَ النُّجَباءِ خلفَ ترابِهِ / ومُعجّز النُّظَراء والأجناسِ
مَن قاد شوسَ الفخر بعد تقاعسٍ / وَاِستاقَ شمّ الذكر بعد شِماسِ
مَن كانَ مَرْجوّاً لِكلِّ حفيظةٍ / تُدعى وَمَدعوّاً ليومِ عَماسِ
مَن كانَ يأبى فضلُه العالي الذُّرا / مِن أنْ يُقاسَ إلى الورى بقياسِ
مَن كان طَلْقَ الوجهِ يومَ طلاقةٍ / ومعبّساً شَرَساً على الأشراسِ
ذاكَ الّذي جَمع الفخارَ فخارُهُ / سَبْقاً إليه من جميع النّاسِ
إنّ الفضائلَ بعد فقدِ محمّدٍ / دَرَسَتْ معالمُها مع الأدراسِ
فالآن هنّ كشَنَّةٍ منبوذةٍ / أو حِلْسِ مُستغنٍ عن الأحلاسِ
واهاً لعُمركَ من قصيرٍ طاهرٍ / ولربَّ عُمْرٍ طال بالأرجاسِ
ولَتُرْبُ قبرِكَ ما حوى من مُنْتَحٍ / جوّابِ أرضٍ في عُلاً دَوّاسِ
بِتْنا وأنتَ لآملٍ حيث المُنى / وأتى الصّباحُ وأنتَ عند الياسِ
يا موتُ كيف أخذتَ نفسِي تاركاً / نفساً عليها جَمّةَ الأنفاسِ
كَيفَ اِجتَنبتَ سوى الأكارِعِ عامِداً / وأصبتَ حين أصبتَ أُمَّ الرَّاسِ
ألّا أخذتَ بمن أخذتَ عصائباً / ليسوا لمَكْرُمةٍ من الأكياسِ
ووقيتَه بِي ما عراهُ فالرَّدى / ممّا يجود به الفتى ويواسي
قُلْ للّذينَ تَشامَتوا في يومِهِ / ما بالرّدى طَرَقَ الفتى من باسِ
إمّا مَضى وَبَقيتمُ مِن بَعدهِ / فلقد مضى صِفْراً من الأدناسِ
هَل فيكُمُ مِن دافعٍ لحِمامِهِ / في هابطٍ من أرضِهِ أوجاسِ
أَو فائتٍ يوماً وقَد بلغَ المَدا / لَهَواتِ ذاك الفاغِرِ الفَرَّاسِ
يا ساقيَيّ مِنَ المحاذِر شَرْبةً / ما ذُقتما لا ذقتما في كاسي
ما دار ما أَدْوَيتُما قلبي به / من قبلُ في فكري ولا إيجاسي
ها فَاِنظُرا منِّي الدّموعَ غزيرةً / وتعجّبا لخشوعِ قلبٍ قاسِ
وتعلّما أنّ الّذي بِي كلّما / رقد المسلَّمُ هاجَ لي وسواسي
لَو كانَ مَن يرمي سوادي بادياً / لَتَقَيتُهُ وحميتُ منه أناسي
لكنّه يخفى عليَّ مكانُهُ / ويَدِقّ عن بصري وعن إحساسي
كيف النّجاء ولا نجا من جاثِمٍ / فيما يَشاءُ مِنَ الفَتى خنّاسِ
يَلِجُ البيوتَ مَنيعةً لا تُرتَقى / وَتضِلُّ عَنهُ أعينُ الحُرَّاسِ
إِنْ شاءَ كان مواصلاً لمرائِري / أو شاء كان معطّلاً أمراسي
صَلّى الإلهُ على ضَريحك وَاِرتوى / من كلّ مُنْهَمِرِ الحيَا بجّاسِ
صَخِبِ الرّعودِ كأنّ جَرْسَ غمامِهِ / جَزْلاً أُعِينَ بسائر الأجراسِ
وَكأنّما رُكّامَهُ متلبِّداً / عِيسٌ مُعَقَّلَةٌ إلى أعياسِ
وَرَمَتْ رِياحُ الجوّ تُربَك كلَّما / رمتِ الثّرى بالنّاعم الميّاسِ
حتّى يُرى خَضِلاً تَعانق حولَهُ / قُضُبُ الأقاحي ماثلاً للآسِ
مَنْ مبلغٌ فخرَ الملوك بأنّنِي / للفضل من نعماهُ لستُ بناسِ
شرّدتَ عنّى كَرْبَهَا من غُمَّةٍ / وعدلتَ لِي الإيحاشَ بالإيناسِ
وخلستَنِي منها وقد ضمّتْ على / جلدي الرّواجبَ أيَّ يومِ خِلاسِ
إِن كانَ فَرعي قد مضى وبقيتَ لِي / فالفرعُ مسدولٌ على الآساسِ
ولَئِنْ رُزِئتُ فقد محوتَ رزيّتي / بيديك مَحْوَ النِّقْس من قِرطاسِ
أأبا الحسينِ كُفيتَ ما بعد الرّدى
أأبا الحسينِ كُفيتَ ما بعد الرّدى / فلقد قضيتَ ردىً برغم معاطِسِ
ما دار في فكري فراقُك هكذا / دون الأنام ولا جرى في هاجسي
وذخرتُ منك مودّةً فُسِلبْتُها / والدّهرُ مشغولٌ بسلبِ نفائسي
ما كنتَ من جِنسي ولا من أُسرَتِي / وَلأَنتَ بالودّ الصّحيح مُجانسي
صانعتُ فيك معاشراً وكتمتُهمْ / وَجْدِي عليك وصَبْوَتِي ووساوسي
وحبستُ دمعي أنْ يسيلَ تجمُّلاً / لو كان دمعٌ لا يسيلُ لحابسِ
ولقد لبستَ من الزّمان جلالَه / وجلستَ منه في أعزّ مجالسِ
وَحَكمتَ في الملكِ الّذي ما حَكَّموا / فيه سوى ماضي العزيمةِ سائسِ
ورأيت دونك كلَّ ذي خيريّةٍ / سامي البَنِيَّةِ في عُلاً متشاوسِ
وفرجتَ بالآراءِ ضِيقَ شديدةٍ / ومحوت بالأضواء ضيقَ حنادسِ
وضربت بالأسيافِ كلَّ مسايفٍ / ودعستَ بالأرماحِ كلَّ مُداعِسِ
ورددتَ ذا لَجَبٍ يضيق به الفَلا / ملآن من جُنَنٍ له وقوانسِ
وأريتَ أنّ فوارساً في طيّهِ / بالطّعنِ في اللَّبّات غيرُ فوارسِ
وَإِذا أناسٌ نافسوك وقدّروا / أن يلحقوك فضحت كلَّ منافِسِ
أو ناضلوك فَضَلْتَهُمْ بصوائبٍ / أو زاحموك زَحَمْتَهمْ بقَدامِسِ
وركبتَ كلّ مطاوعٍ متعطِّفٍ / لَمّا اِبتُلُوا بروافسٍ وشوامسِ
وَإِذا اِختبرت ففي الزّمان أكايسٌ / حازوا الكمالَ وفيه غيرُ أكايسِ
في كلِّ يومٍ لِي حميمُ مودّةٍ / أعطيه من فَقْدٍ يمينَ الرّامِسِ
وأصونُهُ بالتُّرب والتّرب الّذي / فيه أكفُّ دوارسٍ وكوامسِ
وأودُّ أنّي بعد ذاك لقيتُهُ / لو يلتقي حيٌّ بمَيْتٍ دارسِ
وإذا رجعتُ رجعتُ صِفراً يائساً / عن مُقفر من كلِّ شيءٍ يابسِ
وَهو الزّمانُ فعبرةٌ لمُغفَّلٍ / أطوارُهُ أو ضُحكةٌ للعابِسِ
أَيردُّ ما أعطاك غيرَ مُلبِّثٍ / من بعد أن أعطاك غيرَ مماكِسِ
وَإِذا نَجونا من خطوبِ مُلِمَّةٍ / عرضت لنا تأتي نيوبُ نواهسِ
أين الأُلى حلّوا السّماءَ وعارضوا / زُهْرُ النُّجومِ مقابساً بمقابسِ
فَاِستَفرَشوا الكرمَ المُبِرَّ على الورى / عفواً مكانَ نمارِقٍ وطَنافِسِ
وَسَرى لَهُمْ ذِكرٌ ذكيٌّ عَرْفُهُ / شَرقاً وَغَرباً في ظهورِ عرامِسِ
وَكأنَّ أَوجههمْ بحسنٍ صُقّلتْ / قُضُبُ الوغى مصقولةٌ بمدواسِ
مِن كلّ مُمتَعضِ الحميّةِ آنفٍ / ذي مارنٍ في الذُّلِّ ليس بعاطسِ
أَخنَى الزّمان عليهمُ وسقاهُمُ / كأسَ الحِمامِ فما ترى من نابِسِ
فَكأنَّهمْ عَصْفٌ تحكّمُ غُدْوَةً / وعشيّةً فيه هبوبُ روامِسِ
كانَتْ دِيارهُمُ نهاراً مُشرقاً / فالآن عُدْنَ كجُنحِ ليلٍ دامِسِ
وَبِرَغمِهمْ مِن بعدِ أَن سَكنوا الذُّرا / سكنوا بطونَ صفاصفٍ وبسابِسِ
لا زالَ قبرُك يا محمّدُ مُفهقاً / من كلّ منهمِرِ السّحائبِ راجِسِ
صَخْبِ الرّعودِ كأنّما أجراسُهُ / صُبحاً وإمساءً زئيرُ عنابِسِ
وإذا القبورُ دُرِسْنَ يوماً فليكنْ / قبرٌ به وسِّدْتَ ليس بدارسِ