لَم يَبقَ ما يُسليكَ غَيرُ الكاسِ
لَم يَبقَ ما يُسليكَ غَيرُ الكاسِ / فَاِشرَب وَدَع لِلناسِ ما لِلناسِ
ذَهَبَ الشَبابُ عَلى الشُجون تَبُثُّها / لِأَخٍ مُؤاسٍ أَو لِغَيرِ مُؤاسِ
وَعَلى الحَياةِ تَحارُ في أَطوارِها / وَتَحارُ في تَعليلِ كُلِّ نَطاسي
ثُمَّ اِستَفَقتَ وَلَيسَ في رَوضِ المُنى / إِلّا الضَبابُ وَغَيرُ شَوكِ الياسِ
وَجِراحُ نَفسٍ يَنظُرُ الآسي لَها / فَيَعودُ مُحتاجاً لِئاخَرَ آسِ
الحِسُّ مَجلَبَةُ الكَآبَةِ وَالأَسى / قُم نَنطَلِق مِن عالَمِ
وَأَرى السَعادَةَ لا وُصولَ لِعَرشِها / إِلّا بِأَجنِحَةٍ مِنَ الوَسواسِ
فَكَأَنَّما هِيَ صورَةٌ زَيتِيَّةٌ / لِلشَطِّ فيهِ مَراكِبٌ وَمَراسي
تَبدو لِعَينَيكَ السَفائِنُ عُوَّماً / وَتَكادُ تَسمَعُ رَعشَةَ الأَمراسِ
لَكِن إِذا أَدنَيتَها وَلَمَستَها / لَم تَلقَ غَيرَ الصِبغِ وَالقِرطاسِ
دُنيا مُزَيَّفَةٌ وَدَهرٌ ماذِقٌ / ما في اِنفِلاتِكَ مِنهُما مِن باسِ
إِنَّ اللَذاذاتِ الَّتي ضَيَّعتَها / رَجِعَت إِلَيكَ عُصارَةً في الكاسِ
فَاِصبِغ رُؤاكَ بِها تَعُد ذَهَبِيَّةً / عطِريَّةَ الأَلوانِ وَالأَنفاسِ
وَاِخلِق لِنَفسِكَ بِالمُدامَةِ جَنَّةً / في الأَربُعِ المَهجورَةِ الأَدراسِ
الحُبُّ فيها بُلبُلٌ وَخَميلَةٌ / وَنَدىً وَأَضواءٌ عَلى الأَغراسِ
لِلقَصرِ يَخلُقُهُ خَيالَكَ رَوعَةٌ / كَالقَصرِ مِن جُدُرٍ وَمِن آسِ
يا أَيُّها الساقي أَدِر كاساتِها / كَمَشاعِلِ الرُهبانِ في الأَغلاسِ
وَاِنسَ الهُمومَ فَلَيسَ يَسعُدُ ذاكِرٌ / وَاِسقِ النُجومَ فَإِنَّها جُلّاسي
وَاِصرَع بِها عَقلَ النَديمِ وَلُبَّهُ / ما نَغَّصَ الحاسي كَعَقلِ الحاسي
وَاِهجُر أَحاديثَ السِياسَةِ وَالأُلى / يَتَعَلَّقونَ بِحَبلِ كُلِّ سِياسي
إِنّي نَبَذتُ ثِمارَها مُذ ذُقتُها / وَوَجَدتُ طَعمَ الغَدرِ في أَدراسِ
وَغَسَلتُ مِنها راحَتي فَغَسَلتُها / مِن سائِرِ الأَوضارِ وَالأَدناسِ
وَتَرَكتُها لِاِثنَينِ غُرٍّ ساذَجٍ / وَمُشَعوِذٍ كَذُبذُبٍ دَسّاسِ
يَرضى لِمَوطِنِهِ يَصيرُ مُواطِناً / وَتَصيرُ أُمَّتُهُ إِلى أَجناسِ
وَيَبيعُها بِدَراهِمَ مَعدودَةٍ / وَلَوَ اِنَّها جاءَت مِنَ الخَنّاسِ
ما لِلمُنافِقِ مِن ضَميرٍ رادِعٍ / أَيُّ الضَميرِ لِحَيَّةِ الأَجراسِ
وَلَرُبَّ قائِلَةٍ تُعاتُبُني عَلى / صَمتي وَبَعضُ القَولِ حَزُّ مَواسي
إِثنانِ ما لاقَيتُ أَقسى مِنهُما / صَمتُ الدُجى وَالشاعِرِ الحَسّاسِ
فَأَجَبتُها أَقسى وَأَهوَلُ مِنهُما / في مَسمَعي هَذا العِتابِ القَسي
لَم تَعلَمي وَالخَيرُ أَن لا تَعلَمي / كَم في السُكوتِ فَواجِعاً وَمَآسي
قالَت أَظُنُّكَ قَد نَسيتَ فَقُلتُ لا / ما كُنتُ بِالناسي وَلا المُتَناسي
لَكِنَّ جُرحاً كُلَّما عالَجتَهُ / غَمَرَ القُنوطَ جَوارِحي وَحَواسي
وَلَوَ اِنَّهُ في الرَأسِ كُنتُ ضَمَدتُهُ / لَكِنَّهُ في القَلبِ لا في الراسِ
إِنَّ الأُلى قَد كُنتُ أَرمي دونَهُم / غَلّوا يَدَيَّ وَحَطَّموا أَقواسي
وَاِستَبدَلوا سَيفي الجِرازَ بِأَسيُفٍ / خُشبٍ وَباعوا عَسجَدي بِنُحاسِ
وَالطَلُّ غَيرِ الماسِ إِلّا أَنَّهُم / خُدِعوا بِرَقرَقَةَ النَدى عَن ماسي
وَإِذا حَسِبتَ الرَوضَ تُغَنّي صورَةٌ / عَنهُ فَذَلِكَ مُنتَهى الإِفلاسِ
أَسَدُ الرُخامِ وَإِن حَكى في شَكلِهِ / شَكلَ الغَضَنفَرِ لَيسَ بِالفَرّاسِ
قَد كانَ لي حُلُمٌ جَميلٌ مونِقٌ / فَأَضَعتُهُ لَمّا أَضَعتُ نُعاسي
فَكَّرتُ في ما نَحنُ فيهِ كَأُمَّةٍ / وَضَرَبتُ أَخماسي إِلى أَسداسي
فَرَجَعتُ أَخيَبَ ما يَكونُ مُؤَمِّلٌ / راجٍ وَأَخسَرَ ما يَكونُ الخاسي
نَرجو الخَلاصَ بِغاشِمٍ مِن غاشِمٍ / لا يُنقَذُ النَخّاسَ مِن نَخّاسِ
وَنَقيسُ ما بَينَ الثُرَيّا وَالثَرى / وَأُمورُنا تَجري بِغَيرِ قِياسِ
نَغشى بِلادَ الناسِ في طَلَبِ العُلى / وَبِلادَنا مَتروكَةٌ لِلناسِ
نَكادُ نَفتَرِشُ الثَرى وَبِأَرضِنا / لِلأَجنَبِيِّ مَوائِدٌ وَكَراسي
وَنَلومُ هاجِرَها عَلى نِسيانِهِ / وَاللائِمِ الناسينَ أَوَّلُ ناسي
وَنَبيتُ نَفخَر بِالصَوارِمِ وَالقَنا / وَرِقابُنا مَمدودَةٌ لِلفاسِ
كَم صَيحَةٍ لِلدَهرِ في آذانِنا / مَرَّت كَما مَرَّت عَلى أَرماسِ
تُفنيكَ أَوجُهُهُم وَحُسنُ خَلاقِهِم / عَن كُلِّ وَردٍ في الرِياضِ وَآسِ
أَنا بَينَهُم أَسَدٌ وَجَدتُ عَرينَتي / أَنا بَينَهُم ظَبيٌ وَجَدتُ كِناسي
وَطَني أَحَبُّ إِلَيَّ مِن كُلِّ الدُنى / وَأَعَزُّ ناسٍ في البَرِيَّةِ ناسي
فَلتَحيَ سورِيّا الَّتي نَحيا لَها / وَليَحيى لُبنانُ الأَشَمِّ الراسِ