القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أبو القاسم الشابي الكل
المجموع : 3
كمْ مِنْ عُهودٍ عذبةٍ
كمْ مِنْ عُهودٍ عذبةٍ / في عَدْوَةِ الوادي النَّضيرِ
فِضِّيَّةِ الأَسْحارِ مُذْهبَةِ / الأَصائِلِ والبُكورْ
كانتْ أرقُّ من الزُّهورِ / ومِنْ أَغاريدِ الطُّيورْ
وأَلذَّ مِنْ سِحْرِ الصِّبا / في بَسْمَةِ الطِّفلِ الغَريرْ
قضَّيتُها ومعي الحبيبَةُ / لا رَقيبَ ولا نَذيرْ
إلاَّ الطُّفولَةَ حولنا تلهو / معَ الحُبِّ الصَّغيرْ
أَيَّامَ كانتْ للحياةِ / حلاوَةُ الرَّوضِ المَطيرْ
وطَهَارَةُ الموتِ الجميلِ / وسِحْرُ شَاطئهِ المُنيرْ
وَوَداعَةُ العُصفورِ بَيْنَ / جداولِ الماءِ النَّميرْ
أَيَّامَ لم نعْرِفْ منَ الدُّنيا / سوَى مَرَحِ السُّرورْ
وتَتَبُّعِ النَّحْلِ الأَنيقِ / وقَطْفِ تِيجانِ الزُّهورْ
وتَسَلُّقِ الجبلِ المُكَلَّلِ / بالصّنَوْبَرِ والصُّخورْ
وبناءِ أَكواخِ الطُّفولَةِ / تحتَ أَعشاشِ الطُّيورْ
مسقوفةً بالوَردِ والأَعْشابِ / والوَرَقِ النَّضيرْ
نبني فتهدمُها الرِّياحُ / فلا نضجُّ ولا نَثُورْ
ونعودُ نَضْحَكُ للمروجِ / وللزَّنابقِ والغَديرْ
ونخَاطبُ الأَصداءَ وهي / ترِفُّ في الوادي المُنيرْ
ونعيدُ أُغنيَةَ السَّواقي / وهي تَلْغو بالخَريرْ
ونَظَلُّ نَرْكُضُ خلفَ / أَسرابِ الفَراشِ المُسْتَطيرْ
ونمرُّ مَا بَيْنَ المُروجِ الخُضْرِ / في سكر الشُّعورْ
نشدو ونرقصُ كالبلابلِ / للحياةِ وللحُبورْ
ونَظَلُّ ننثُرُ للفضاءِ / الرَّحْبِ والنَّهرِ الكبيرْ
مَا في فؤاديْنا من / الأَحْلامِ أَو حُلْوُ الغرورْ
ونَشيدُ في الأُفُقِ المخَضَّبِ / مِنْ أَمانينا قُصورْ
أَزهى من الشَّفَقِ الجميل / ورونقِ المرْجِ الخَضيرْ
وأجلَّ من هذا الوُجُودِ / وكلِّ أَمجادِ الدُّهورْ
أبداً تُذلِّلُها الحَيَاةُ / بكلِّ أَنواعِ السُّرورْ
وتَبُثُّ فينا مِنْ مراحِ / الكونِ مَا يُغوي الوَقُورْ
فنسيرُ نَنْشُدُ لهوَنا المعبودَ / في كلِّ الأُمورْ
ونَظَلُّ نعبثُ بالجليلِ / منَ الوُجُودِ وبالحقيرْ
بالسَّائلِ الأَعمى وبالمعتوهِ / والشَّيخِ الكَبيرْ
بالقطَّةِ البيضاءِ / بالشَّاةِ الوديعَةِ بالحميرْ
بالعُشبِ بالفَنَن المنوِّرِ / بالسَّنابلِ بالسَّفيرْ
بالرَّمْلِ بالصَّخْرِ المحطَّمِ / بالجداول بالغديرْ
واللهوُ والعَبَثُ البريءُ / الحلوُ مطمحُنا الأَخيرْ
ونَظَلُّ نقفزُ أو نُثَرْثِرُ / أَو نغنِّي أَو نَدورْ
لا نَسْأَمُ اللَّهْوَ الجميلَ / وليس يُدْرِكُنا الفُتُورْ
فكأَنَّنا نحيا بأَعصابٍ / من المَرَحِ المُثيرْ
وكأنَّنا نمشي بأَقدامٍ / مجنَّحةٍ تَطيرْ
أَيَّامَ كنَّا لُبَّ هذا / الكونِ والباقي قُشُورْ
أَيَّامَ تفرشُ سُبْلَنا / الدُّنيا بأَوراقِ الزُّهُورْ
وتمرُّ أَيَّامَ الحَيَاةِ بنا / كأَسْرابِ الطُّيورْ
بيضاءَ لاعبةً مُغرِّدةً / مجنَّحةً بِنُورْ
وتُرفّرفُ الأَفراحُ فوقَ / رؤوسنا أَنَّى نَسيرْ
آهٍ توارى فَجْرِيَ القُدسيُّ / في ليلِ الدُّهُورْ
وفَنَى كما يَفنى النَّشيدُ / الحلوُ في صَمْتِ الأَثيرْ
أَوَّاهُ قدْ ضاعتْ عليَّ / سَعَادَةُ القلبِ الغَريرْ
وبقيتُ في وادي الزَّمانِ / الجهْمِ أَدأَبُ في المسيرْ
وأَدوسُ أَشواكَ الحَيَاةِ / بقلبيَ الدامي الكَسيرْ
وأَرى الأَباطيلَ الكثيرَةَ / والمآثمَ والشُّرورْ
وتَصَادُمَ الأَهواءِ بالأَهواءِ / في كلِّ الأُمورْ
ومذلّةَ الحقِّ الضَّعيفِ / وعِزَّةَ الظُّلْمِ القَديرْ
وأَرى ابنَ آدَمَ سائراً / في رجلَةِ العُمُرِ القَصيرْ
مَا بَيْنَ أَهوالِ الوُجُودِ / وتحتَ أَعباءِ الضَّميرْ
مُتَسَلِّقاً جَبَلَ الحَيَاةِ الوعْرِ / كالشَّيْخِ الضَّريرْ
دامي الأَكُفِّ مُمزَّقَ / الأَقدامِ مُغْبَرَّ الشُّعُورْ
مترنِّحَ الخطواتِ مَا / بَيْنَ المَزالقِ والصُّخورْ
هالتْهُ أَشْباحُ الظَّلامِ / وراعَهُ صوتُ القُبورْ
ودويُّ إِعْصارِ الأَسَى / والموتُ في تِلْكَ الوُعورْ
ماذا جنيتُ من الحَيَاةِ / ومن تجاريبِ الدُّهُورْ
غيرَ النَّدامَةِ والأَسى / واليأسِ والدَّمعِ الغَزيرْ
هذا حَصادي من حقولِ / العالَمِ الرَّحْبِ الخَطيرْ
هذا حَصادي كُلُّهُ في / يقظةِ العَهْدِ الأَخيرْ
قدْ كنتُ في زمنِ الطُّفولَةِ / والسَّذاجَةِ والطُّهورْ
أَحْيا كما تحيا البلابلُ / والجداولُ والزُّهورْ
لا نَحْفَلُ الدُّنيا تدور / بأَهلها أَو لا تَدورْ
واليومَ أحيا مُرْهَقَ / الأَعصابِ مَشْبُوبَ الشُّعُورْ
متأَجِّجَ الإِحْساسِ أحفلُ / بالعَظيمِ وبالحقيرْ
تمشي على قلبي الحَيَاةُ / ويزحَفُ الكونُ الكبيرْ
هذا مصيري يا بني / أُمِّي فما أَشقى المصيرْ
يا أَيُّها الشَّادي المغرِّدُ ههُنا
يا أَيُّها الشَّادي المغرِّدُ ههُنا / ثَمِلاً بِغِبْطةِ قَلْبهِ المَسْرورِ
مُتَنقِّلاُ بَيْنَ الخَمائلِ تالِياً / وَحْيَ الرَّبيعِ السَّاحرِ المَسْحورِ
غَرِّدْ ففي تِلْكَ السُّهولِ زَنابِقُ / تَرْنو إليكَ بِناظرٍ مَنْظورِ
غَرِّدْ فَفي قَلبي إليكَ مَوَدَّةٌ / لَكِنْ مَوَدَّةُ طائرٍ مَأسورِ
هَجَرَتْهُ أسْرابُ الحمائمِ وانْبَرَتْ / لِعَذابِهِ جنِّيةُ الدَّيْجورِ
غَرِّدْ ولا تُرْهِبْ يميني إنَّني / مِثْلُ الطُّيورِ بمُهْجَتي وضَميري
لكنْ لَقَدْ هاضَ التُّرابُ مَلامعي / فَلَبِثْتُ مِثلَ البُلبلِ المَكْسورِ
أشدُو برنّاتِ النِّياحَةِ والأسى / مشبوبةً بعواطفي وشُعوري
غرِّدْ ولا تَحْفَل بقلبي إنَّهُ / كالمِعْزَفِ المُتَحَطِّمِ المَهْجورِ
رتِّل على سَمْع الرَّبيعِ نشيدَهُ / واصْدَحْ بفيْضِ فؤادك المَسْجورِ
وانْشِدْ أناشيدَ الجَمال فإنَّها / روحُ الوُجودِ وسَلْوَةُ المَقْهورِ
أنا طائرٌ مُتَغرِّدٌ مُتَرنِّمٌ / لكِنْ بصوتِ كآبتي وزَفيري
يَهْتاجُني صوتُ الطُّيورِ لأنَّه / مُتدفِّقُ بِحَرارةٍ وطَهورِ
مَا في وجود النَّاسِ من شيءٍ به / يَرضَى فؤادي أو يُسَرُّ ضَميري
فإذا استَمَعْتُ حديثهم ألْفَيْتُهُ / غَثًّا يَفيض بِركَّةٍ وفُتورِ
وإذا حَضَرْتُ جُموعَهُمْ ألْفَيْتَني / مَا بينهمْ كالبُلبلِ المأسورِ
متوحِّداً بِعَواطفي ومَشاعِري / وخَواطري وكَآبَتي وسُروري
يَنتابُني حَرَجُ الحياةِ كأنَّني / مِنهمْ بِوَهْدَة جَنْدَلٍ وصُخورِ
فإذا سَكَتُّ تضجَّروا وإذا نَطَقْتُ / تذمَّروا من فكْرَتي وشُعوري
آهٍ منَ النَّاسِ الذين بَلَوْتُهُمْ / فَقَلَوْتُهُمْ في وحشتي وحُبوري
مَا منهُمُ إلاَّ خَبيثٌ غادِرٌ / متربِّصٌ بالنَّاسِ شَرَّ مَصيرِ
ويَودُّ له مَلَكَ الوُجودَ بأسره / ورمى الوَرَى في جاحِمٍ مَسْجورِ
لِيَبُلَّ غُلَّتَهُ التي لا ترتوي / ويَكُضَّ تُهْمَةَ قلبهِ المَغْفورِ
وإذا دخلتُ إلى البلادِ فإنَّ أَف / كاري تُرَفْرِفُ في سُفوحِ الطُّورِ
حيثُ الطَّبيعَةُ حُلوةٌ فتَّانَةٌ / تختال بَيْنَ تَبَرُّجٍ وسُفُورِ
مَاذا أَوَدُّ مِنَ المدينَةِ وهي غا / رقةٌ بموَّارِ الدَّمِ المَهدورِ
مَاذا أَوَدُّ مِنَ المدينَةِ وهي لا / ترثي لصوتِ تَفجُّع المَوْتُورِ
مَاذا أَوَدُّ مِنَ المدينَةِ وهي لا / تَعْنو لغَير الظَّالمِ الشَّرِّيرِ
مَاذا أَوَدُّ مِنَ المدينَةِ وهي مُر / تادٌ لكلِّ دَعَارَةٍ وفُجُورِ
يا أَيُّها الشَّادي المغرِّدُ ههنا / ثَمِلاً بغبطة قَلْبِهِ المسرورِ
قبِّل أَزاهيرَ الرَّبيعِ وغنِّها / رَنَمَ الصَّباحِ الضَّاحِك المحبورِ
واشرب مِنَ النَّبْعِ الجميل الملتوي / مَا بَيْنَ دَوْحِ صَنَوبَرٍ وغَديرِ
واتْرُكْ دموعَ الفجرِ في أَوراقِها / حتَّى تُرشِّفَهَا عَرُوسُ النُّورِ
فَلَرُبَّما كانتْ أَنيناً صاعداً / في اللَّيلِ مِنْ متوجِّعٍ مَقْهُورِ
ذَرَفَتْهُ أَجفانُ الصَّباحِ مدامعاً / أَلاَّقَةً في دَوْحةٍ وزُهورِ
يا مَوْتُ قدْ مزَّقْتَ صَدْري
يا مَوْتُ قدْ مزَّقْتَ صَدْري / وقَصَمْت بالأَرزاءَ ظَهْرِي
ورمَيْتَني مِنْ حالقٍ / وسَخِرْتَ منِّي أَيَّ سُخْرِ
فلَبِثْتُ مرضوضَ الفؤادِ / أَجرُّ أجنحتي بذُعْرِ
وقَسَوْتَ إذْ أَبقيتَنِي في / الكونِ أَذْرَعُ كُلَّ وَعْرِ
وفَجَعْتَني فيمَنْ أُحِبُّ / ومنْ إليهِ أَبُثُّ سرِّي
وأَعُدُّهُ فَجْرِي الجميلَ / إِذا ادْلَهَمَّ عليَّ دَهْري
وأَعُدُّهُ وَرْدِي ومِزْماري / وكَاسَاتي وخَمْرِي
وأَعُدُّهُ غَابي ومِحْرابي / وأُغْنِيَتي وفَجْرِي
وَرَزَأْتَني في عُمْدَتي / ومَشُورَتي في كلِّ أمْرِ
وهَدَمْتَ صرحاً لا أَلوذُ / بغيرِهِ وهَتَكْتَ سِتْرِي
فَفَقَدْتُ روحاً طاهراً / شهماً يَجِيشُ بكلِّ خَيْرِ
وَفَقَدْتُ قلباً همُّهُ أَنْ / يستوي في الأُفقِ بدْرِي
وَفَقَدْتُ كفًّا في الحَيَاةِ / يصُدُّ عنِّي كلَّ شرِّ
وَفَقَدْتُ وجهاً لا يُعَبِّسُهُ / سوى حَزَني وضُرِّي
وَفَقَدْتُ نفساً لا تَني عنْ / صوْن أَفراحي وبِشْرِي
وَفَقَدْتُ رُكني في الحَيَاةِ / ورايَتي وعمادَ قصْرِي
يَا مَوْتُ قَدْ مَزَّقْتَ صَدْري / وقَصَمْتَ بالأَزراءِ ظهْرِي
يَا مَوْتُ ماذا تبتغِي منِّي / وقدْ مزَّقتَ صَدْرِي
ماذا تودُّ وأَنتَ قَدْ / سوَّدتَ بالأَحزانِ فِكْرِي
وتَرَكْتَني في الكائناتِ / أَئِنُّ منفرداً بإِصْرِي
وأَجوبُ صحراءَ الحَيَاةِ / أَقولُ أَيْنَ تُراهُ قبْرِي
ماذا تَوَدُّ من المُعَذَّبِ / في الوُجُودِ بغيرِ وِزْرِ
ماذا تودُّ من الشَّقيِّ / بعيشِهِ النَّكِدِ المُضِرِّ
إنْ كنتَ تطلبُني فهاتِ / الكأسَ أَشربُها بصَبْرِ
أَو كنتَ ترقُبُني فهاتِ / السَّهمَ أَرشُقُهُ بنَحْرِي
خذني إليكَ فقد تبخَّرَ / في فضاءِ الهمِّ عُمْرِي
وتَهَدَّلَتْ أَغْصانُ أَيَّامي / بلا ثَمَرٍ وزَهْرِ
وتناثَرَتْ أَوراقُ أَحلامي / على حَسَكِ المَمرِّ
خذني إليكَ فقدْ ظمِئْتُ / لكأسِكَ الكَدِر الأَمرِّ
خذني فقدْ أَصبَحْتُ أَرقُبُ / في فَضَاكَ الجوْنِ فَجْرِي
خذني فما أَشقى الَّذي / يقضي الحَيَاة بمِثْلَ أَمْرِي
يَا مَوْتُ قَدْ مزَّقتَ صدْرِي / وقصمتَ بالأَزراءِ ظهْرِي
يَا مَوْتُ قَدْ شاعَ الفؤادُ / وأقفرتْ عَرَصَاتُ صدْرِي
وغَدَوْتُ أَمشي مُطْرِقاً مِنْ / طُول مَا أَثْقَلْتَ فِكْرِي
يَا مَوْتُ نفسي ملَّتِ الدُّنيا / فهلْ لم يأْتِ دوْرِي

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025