القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الملك الأَمجَد الكل
المجموع : 5
أسرى فسرَّ الطيفُ سِراً
أسرى فسرَّ الطيفُ سِراً / مِن مغرمٍ اضناه هَجْرا
منعَ التزاور ثمَّ قوَّى / منه لمّا زارَ أزرى
وافى فكم جَلَبَتْ / زيارتُه له جَذَلاً وبِشرا
فأعادَهُ حيّاً وكانَ / أماتَه التفريقُ أدهرا
أغرى السَّقامَ بجسمهِ / زمناً وكانَ العَطْفُ أحرى
جذبَ الهوى بزمامِه / فانقادَ للأهواءِ قَسْرا
لا يستفيقُ مِنَ الهوى / وغرامِه ما عاشَ سُكْرا
قد طاوعَ الخمرينِ لا / يَعصيهما نهياً وأَمْرا
قهراً أطاعَهُما وسلطانُ / الغرامِ يطاعُ قَهْرا
والحبُّ ما اصبحتَ / نحوَ مَرادِهِ تنقادُ جَبرا
مَن كانَ في أَسْرِ الصَبابةِ / أين يرجو عنه مَسْرى
عُلَقُ الفؤادِ تردُّه / بالرغمِ أن رامَ المفرّا
يصبو فيتبعُه على / عِلاّتِه سِرّا وجَهْرا
ألِفَ المحبَّةَ فاغتدى / جَلْدا عليها واستمرّا
ما كانَ جَلْداً قبلما / قتلَ الهوى عِلماً وخُبْرا
لكنْ أفادَتْهُ التجاربُ / حُنْكَةٌ منها وصَبرا
آهاً على الزمنِ الذي / أطريتُه حمداً وشكرا
زمنِ العُذَيبِ لقد اجدّ / لقلبيَ الولهانَ ذِكْرا
تَذكارُ سالِف عصرهِ / منعَ المتيَّمَ أن يَقَرا
وحمى الجفونَ عنِ المنامِ / ومَنْ أحبَّ فكيفَ يكرى
ميقاتُه وزمانُه / كم أوسَعا المشتاقُ عُذرا
عينٌ مسهَّدَةٌ وعينُ / الحبَّ ما تنفكُ سَهرى
ترعى النجومَ كأنَّما / أمسى عليها النومُ حِجْرا
مَنْ غابَ عنها بدرُها / بعدَ الطلوعِ أو استسرّا
لا غروَ أن تُمسي مِنَ / البينِ المشتَّتِ وهي عَبرى
بردُ النسيم وقد تنسَّمَ / زادَ حرَّ جوايَ حرّا
يُهدي اليَّ مِنَ الأحبَّةِ / نشرُه المحبوبُ نَشرا
فكانَّ ليلى اودَعَتْهُ / وقد سرى بالعَرْفِ عِطْرا
بانَ الأحبَّةُ عن زَرودَ / فعادَ حلْوَا العيشِ مُرّا
وغدرنَ بالدنِفِ الكثيبِ / وما نوى بيناً وغدرا
ما كانَ يأمُلُ بعدَهنَّ / واِنّما الافَاتُ تَطْرا
كم غيَّبَتْ عنه الهوداجُ يومَ بانَ الحيُّ بَدرا /
هل تُبْلِغَنْهُ الداَر ذعْلِبَةٌ / تكادُ تطيرُ ذُعرا
تشأى النعامَ فهنَّ في / آثارها والريحُ حَسْرى
كم قصَّرتْ عنها فحول / الُبزْلِ حينَ تؤمُّ قَفْرا
ووقفنَ دونَ لحاقِها / يُبدينَ جَرْجَرةً وهَدْرا
كشقاشقِ الشعراءِ / لما فتُّهُمْ نظماً ونثرا
وردوا مذانبَ مائهِ / وَوَرَدْتُ ماءَ الفَضْلِ بَحْرا
فأَتَوا بُمخْشَلَبِ الكلامِ / فظنَّهُ الجُهّالُ دُرّا
وأتيتُ بالِّسحْرِ الحَلالِ / وخيُره ما كانَ سِحْرا
أَلَمُ الفراقِ نَفَى الرُّقادَ وَنفَّرا
أَلَمُ الفراقِ نَفَى الرُّقادَ وَنفَّرا / فلذاكَ جَفْنِيَ لا يلائمُه الكرى
جسدٌ يذوبُ مِنَ الحنينِ ومقلةٌ / حكمَ البعادُ وجَوْرُهُ أن تَسْهَرا
يا منزلاً أستافُ رَوْحَ صعيده / فكأننَّي أستافُ مسكاً أذفَرا
وكأنَّني لمّا نشقتُ عبيرَهُ / أودعتُ أسرابَ الخياشمِ عنبرا
جادَ القِطارُ ثرى ربوعِكَ وانثنى / فيها السحابُ كماءِ دمعي مُمطِرا
وأما ودمعٍ كلَّما نهنهتُهُ / جمَحَتْ بوادرُ غربِه فتحدَّرا
اِنّي أُجِلُّ ترابكنَّ بأنْ يُرى / يوماً بغيرِ ملثهِّنَّ مُغرفَرا
ولقد شكرتُ الطيفَ لما زارني / بعدَ الهُدُوِّ وحَقُّهُ أن يُشكَرا
أسرى اليَّ وقد نحلتُ فوالهوى / لولا الأنينُ لكادَ بي أن يعثرا
ومن البليَّةِ أن صيِّبَ أدمعي / أضحى عنِ السرِّ المصونِ مُعَبَّرا
ومولَّهٍ في الوجدِ حدَّثَ دمعُهُ / بأليمِ ما يلقاهُ فيه وخبَّرا
ما أومضَ البرقُ اليمانِ على الغَضا / اِلاّ تشوَّقَ عهدَهُ وتذكَّرا
واِذا رمى بعدَ الخليطِ بطرفهِ / نحوَ الديارِ رأى الحمى فاستعبرا
يهوى النسيمَ بليلةً أردانُه / عَبِقَ المهبَّةِ بالعبيرِ مُعَطَّرا
يسري إلى قَلِقِ الوسادِ وكلَّما / ذكَر الأحبَّةَ والشبابَ تحسَّرا
قد كانَ في الزمِن الحميدِ هبوبُه / أنَّى تنسَّمَ باللقاءِ مبشِّرا
يا حارِ لو يسطيعُ يومَ سُوَيقَةٍ / قلبي التصبُّرَ عنهمُ لتصبَّرا
ظعنوا فلو حلَّ الذي قد نالَه / بالصخرِ بعدَ نواهمُ لتفطَّرا
للّهِ كم وجدِ هناكَ أثارَهُ / للصبِّ حادي العيسِ ساعةَ ثوَّرا
نظرَ الديارَ وقد تنكَّرَ حسنُها / فشجاهُ ربعٌ بالغُوَيرِ تنكَّرا
وتغيَّرتْ حالاتُه بعدَ النوى / وقُصارُ حالِ المرءِ أن يتغيَّرا
شِيَمٌ بها عُرِفَ الزمانُ وكلُّ ما / قد سرَّ أو ما ساءَ منه تكرَّرا
ومسهَّدينَ مِنَ الغرامِ تخالُهمْ / عَقِبَ السُّهادِ كأنْ تعاطَوا مُسكِرا
مِن كلَّ مسلوبِ القرارِ مدلَّهٍ / فوقَ المطيَّ تراهُ أشعثَ أغبَرا
يرمي بها أعراضَ كلَّ تنوفةٍ / لو جابَ مجهلَها القطا لتحيَّرا
كَلَفاً بغِزلانِ الصريمِ ولوعةً / منعتْ كراه صبابةً وتفكُّرا
فتروقُه فيه الظباءُ سوانحاً / فيها طلاً فضحَ القضيبَ تأطُّرا
ويَظَلُّ في عرصاتهنَّ محاوراً / ظبياً يقلَّبُ ثَمَّ طرفاً أحورا
يرضى على عَنَتِ الزمانِ وحكمِه / منه بما منحَ الهوى وتيسَّرا
مِن شَعرِه وجبينهِ انا ناظرٌ / ليلاً أَضِلُّ به وصبحاً مسفرا
ما كانَ ظنَّي بعدَ طولِ وفائهِ / وهو الخليقُ بمثلِه أن يَهجُرا
أُمسي سميرَ النجمِ وهو محيَّرٌ / والعيسُ تقطعُ بي اليبابَ المقفرا
يخشى الدليلُ به فليس يُفيدُهُ / تحت الدُّجُنَّةِ أن يهابَ ويحذرا
في مهمهٍ ينضي المطيةَ خرقُهُ / فتراهُ مُنْطَمِسَ المعالمِ أزورا
تَخدي وأُنشِدُ مِن غرامٍ فوقَها / شعري فتجنحُ في الأزمَّةِ والبُرى
شِعراً إذا ما الفكرُ غالبَ صعبَه / جعلَ التحكُّمَ لي فقلتُ مخيَّرا
ما ضرَّهُ لمّا تقدَّمَ غيرُه / في الأعصرِ الأولى وجاءَ مؤخَّرا
وضِعَتْ عقودُ الدَّر منه لخاطري / فَطَفِقْتُ أنظمُ منه هذا الجوهرا
ما زلتُ مخيَّرا ولأجلِهِ / ما زالَ مِن دونِ القريضِ مُخيَّرا
يحدوه فضلُ جزالةٍ وطلاوةٍ / فيه وكلُّ الصيدِ في جوفِ الفَرا
بَعُدَ المزارُ فأنَّةٌ وتذكُّرُ
بَعُدَ المزارُ فأنَّةٌ وتذكُّرُ / بعدَ الخليطِ وعبرةٌ تتحدَّرُ
ومولهٌ بينَ الطلولِ كأنَّهُ / ألِفٌ يخاطبُها وهنَّ الأسطرُ
وصبابةٌ بينَ الجوانحِ كلَّما / ذُكِرَ الفراقُ فنارُها تتسعَّرُ
لّلهِ قلبي كم يَلِجُّ به الهوى / فيبيتُ يُنجِدُ وجدُه ويُغَوِّرُ
يرجو الوصالَ وتارةً يخشى النوى / فِالامَ يرجو في الغرامِ ويَحْذَرُ
يا قلبُ كم تصبو إلى زمنِ الحمى / وأهيلِه شوقاً وكم تتذكَّرُ
بانوا فقلبكَ حسرةً مِن بعدِما / بانوا على آثارِهمْ يتفطَّرُ
قلبٌ يقولُ لعاذليهِ على الهوى / كُفُّوا فميعادُ السُّلوِّ المحشرُ
تُصبيكَ حوراءُ العيونِ غضيضةٌ / هيفاءُ مُخْطَفَةٌ وظبيٌ أحورُ
وكأنَّما هذي مهاةُ أراكةٍ / ترنو بيقفلها وهذا جؤْ ذَرُ
ظبيٌ أرومُ الوصلَ منه ودونه ال / بيضُ القواضبُ والمشيجُ الأسمرُ
في حيث لا لمعُ البروقِ وسحبُها / اِلاّ القواضبُ والعجاجُ الأكدرُ
وفوارسٌ خاضوا الوغى وغمارَها / في حيث بحرُهمُ الحديدُ الأخضرُ
والخيلُ تمزعُ والأسنَّةُ شُرَّعٌ / والبيضُ تُثلَمُ والقنا تتأطَّرُ
فظُبي الصوارمِ لا البروقُ لوامعٌ / في حيث سحبُ حُماتهنَّ العِثيَرُ
وغمامةُ الحربِ العَوانِ ملثةٌ / بسوى النصالِ كماتُها لا تُمطّرُ
نشقوا رياحينَ الرماحِ حماسةً / فكأنَّما فيهنَّ مسكٌ أذفرُ
مِن كلِّ فارسِ مَعرَكٍ يردُ الردى / اِلْفاً ويُطربُه الثناءُ فَيُنْشُرُ
ونجائبٍ كلفنُهنَّ إلى الحمى / شوقاً تظلَّمَ منه مَرْتٌ أزورُ
أنضيتُ فيه الناعجاتِ فِانْ وفَتْ / كَفلَتْ تلاقينا العتاقُ الضمَّرُ
طمعاً بِعَوْدِ زمانِ أيامِ اللِّوى / ومُحَجِّرٍ سُقيَ الّلوى ومُحَجِّرُ
لا الظاعنونَ عنِ العقيقِ إلى الحمى / رجعوا ولا قلبي المعنَّى يَصبِرُ
تَخِذَ النزوعَ إلى الأحبَّةِ دَيْدَناً / فغدا وجامحُ شوقِه لا يَقصُرُ
لامَ العواذلُ في الغرامِ فما ارعوى / وجدي واِنْ جَنفَوا عليَّ فأكثروا
سِيّانِ عندي بعدَما احتنكَ الهوى / وسَطا الغرامُ أطولوا أم قصَّروا
ولربَّ يومٍ للودَاعِ شَهِدتُه / حيرانَ تعترفُ الدموعُ وأُنكرُ
كشفَ الفراقُ مِنَ الحياءِ قِناعَهُ / فطَفِقتُ لا أخشى ولا أتسَّترُ
في موقفٍ ما فيه إلا أنفسٌ / ذابتْ فَسمَّوها دموعاً تَفطُرُ
لا العذلُ يملكُ صبوتي فيردُّها / جبراً ومثلُ صبابتي لا تُجبَرُ
كلاّ ولا وجدي القديمُ بمنتهٍ / عمَّنْ يُؤنَّبُ في هواه ويُزجَرُ
كلاّ ولا وِردُ الوصالِ وبردُه / حاشاه بعدَ صفائهِ يتكدَّرُ
ومدلَّهٍ أمستْ وشاةُ دموعِه / عنه تُحدِّثُ بالهوى وتُخبِّرُ
وغدا تنفُّسُه يَنْمُّ بكلِّ ما / يُخفيهِ مِن سرِّ الغرامِ ويُظهِرُ
وتغيَّرتْ تلكَ الطلولُ وأهلُها / بعدَ النوى وهواه لا يتغيَّرُ
هطلتْ سحابةُ دمعِه فيها فما / حَفَلَتْ وقد بَخِلَ السحابُ الممطرُ
تُصبيهِ أغصانُ القدودِ موائلاً / ويشوقُه وردُ الخدودِ الأحمرُ
ياليلُ طلتَ فِانْ تناقصَ بعدما / أفرطتَ صبري فالحنينُ موفَّرُ
طمحٌ يزيدُ وأضلعٌ تَلْظَى هوًى / وصبابةٌ تقوى وصبرٌ يُقهَرُ
كم بتُّ بالليلِ الطويلِ مروَّعاً / وأخو السلوِّ ينامُ فيه وأسهرُ
زمنٌ عذيرايَ الصبابةُ والصِّبا / فيه ومغلوبُ الصبابةِ يُعذَرُ
مَنْ لي وكافورُ المشيبِ مُنَوَّرٌ / لو دامَ مِن ليلِ الشبابِ العنبرُ
ياأيُّها الشعراءُ هل مِن لا قطٍ / دُرّاً يسودُ به فهذا الجوهرُ
وقفَ اختياركمُ عليه فما لَهُ / مُتَقَدَّمٌ عنه ولا متأخَّرُ
هذا هو الشِّعرُ الذي لو أنَّه / ماءٌ لقالَ الناسُ هذا الكوثرُ
ولو انَّه خُطَبٌ أرتِّبُ لفظَها / جُمعيَّةً لصبا اليها المنبرُ
عُرُبُ القصائدِ ما غدونَ شوارداً / وغدا النويُّ بهنَّ وهو معطَّرُ
يزددنَ حسناً ما ترنَّمَ منشدٌ / بنسيبهنَّ وما تَكُرُّ الأعصرُ
عزَّتْ على خطّا بهنَّ وكلُّ مَنْ / يستامهنَّ مطوَّقٌ ومسوَّرُ
مِن كلِّ قافيةٍ إذا غضغضتَها / عُبَّ الكلامُ كما تُعَبُّ الأبحرُ
عذراءَ بكرٍ في القريضِ غريبةٍ / بسوى النفوسِ كلامُها لا يُمهَرُ
ما كنتُ أرضى أن يكون خليلَها / كسرى أنوشِرْوانَ والاِسكندَرُ
لا تُخدَعنَّ فتصطفي لكَ صاحباً
لا تُخدَعنَّ فتصطفي لكَ صاحباً / شرَّ الورى نفساً وأخبثَ عنصرا
لَؤمَتْ مغارسُ أصلِه فتكدَّرتْ / نُطَفُ الاِخاءِ بمثلِه وتكدَّرا
يُبدي لكَ الملق الشهي حديثه / وتراه صِلاً مِن ورائكَ أبترا
لا يأتلي بالأوابدِ قاصداً / طبع غدا لابن اللئيمة لمبكرا
ومُطفلٍ سنحتْ في القاعِ ناشدةً / ظبياً لها ضلَّ بينَ الضّالِ والسَّمُرِ
نأتْ نفاراً وداراً مشبهةٌ / ليلى وقد سُمْتُها وصلاً على غررِ
ما الدمعُ بعدَ نوى الأحبَّةِ عارُ
ما الدمعُ بعدَ نوى الأحبَّةِ عارُ / فاِلامَ صبرُكَ والمطيُّ تثارُ
هل بعدَ تَرحالِ المطيَّ عنِ الحِمى / صبرٌ على ألَمِ النوى وقرارُ
كلُّ الخطوبِ على الفراقِ عُلالةٌ / فدعِ الدموعَ تفيضُ وهي غِزارُ
لا تَمنعَنْ حَذَرَ الوشاةِ أتيتَّها / فُهِمَ الغرامُ وذاعتِ الأسرارُ
قفْ بي على الأطلالِ أَندُبُ ما عَفا / منهنَّ وهي مِنَ الأنيسِ قِفارُ
دِمَنٌ أنارَ الوصلُ في أرجائها / ونَوارُ إلا عن هوايَ نَوارُ
تلكَ الديارُ فلا عدا أطلالَها / مِن سُحْبِ جفني دِمةٌ وقِطارُ
ما زلتُ في عرصاتهنَّ بأهلِها / جَذِلَ الفؤادِ وللسرورِ ديارُ
ربعٌ بلغتُ به نهاياتِ المنى / والقومُ لي قبلَ الرحيلِ جِوارُ
أيامَ كنتُ مِنَ الشبيبةِ رافلاً / في فضلِ بُردٍ ما أراه يعارُ
بُردٍ عليه من الشبابِ طَلاوةٌ / ذهبتْ برونقِ حسنهِ الأعصارُ
حتى بدا وَضَحُ المشيبِ فلم يَرُقَ / في العيشِ منه سكينةٌ ووَقارُ
ولربَّ روضٍ بتُّ مشغوفاً به / في جانبيهِ شقائقٌ وبَهارُ
رقمتْ يدُ الأنوارِ وشيَ بساطِه / فغدا به يَتبرجُ النُّوّارُ
وسرى النسيمُ على ثراهُ معطَّراً / فكأنَّما في تربهِ عطّارُ
صدحَ الحمامُ على غصونِ أراكهِ / سحراً وجاوبهنَّ فيه هَزارُ
نكَّبتُ عنه وقد ترحَّحَ سُحرةً / أهلُوه عن تلكَ الرياضِ فساروا
وعزفتُ عنه وفي الفؤادِ لبينهم / عنهم وعنّي جاحِمٌ وشَرارُ
والنومُ مذ رحلَ الخليطُ عنِ الحِمى / ونأى الحبائبُ بعدهنَّ غِرارُ
وأما وأيامٍ بهنَّ قصيرةٍ / ذهبتْ ففي قلبي لهنَّ أُوارُ
أيامِ وصلٍ كلُّهنَّ أصائلٌ / وزمانِ لهوٍ كلُّهُ أسمارُ
لا ملتُ عن سننِ المحبَّةِ بعدما / قد شابَ فيها لِمَّةٌ وعِذارُ
يا صاحبيَّ شكايةٌ مِن وامقٍ / أفناهُ من بعدِ النوى التَّذْكارُ
لم أنسَ قولَكُما غداةَ مُحَجَّرٍ / والعيسُ قد شُدَّتْ لها الأكوارُ
لكَ في المنازلِ كلَّ يومٍ مقلةٌ / عبرى وقد شطَّتْ بهنَّ الدارُ
وهوًى يُثيرُ لكَ الغرامَ ونارُه / بين الربوعِ العذلُ والآثارُ
وهلِ الهوى إلا فؤادٌ خافقٌ / حذرَ الفراقِ ومدمعٌ مدرارُ
وحنينُ مسلوبِ القرارِ يكادُ مشن / مرَّ النسيمِ على الحبيبِ يَغارُ
ولكم سمعتُ الوجدَ يُنشِدُ أهلَه / لو كان يُغني في الغرامِ حذارُ
أمّا الغرامُ ففي ليالي هجرِه / طولٌ وأيامُ الوصالِ قصارُ
وكذاكَ صبحُ الشيبِ ليلٌ مثلما / ليلُ الشبيبةِ في العيونِ نهارُ
ذهبَ الشبابُ ولا أراه يزورُني / بعدَ الذَّهابِ ولا أراه يُزارُ
زمنٌ عليه مِنَ الشبيبةِ رونقٌ / وقفتْ أمامَ رُوائِه الأبصارُ
مَنْ لي بِرَيَّقِ عصرِه وزمانِه / واليه مِن دونِ العصورِ يشارُ
فله إذا ظُلَمُ الصدودِ تكاثفتْ فيها / واِن كره العذولُ منارُ
ولخمرِ شِعري في العقولِ تسرُّعٌ / ما نالَ أيسرَ ما يَنالُ عقارُ
شعرٌ إذا ما أنشدُوه كأنَّما / كأسُ المُدامةِ في لنديَّ تدارُ
فالشَّعرُ ما بين البريَّةِ معصمٌ / وعليه من هذا القريضِ سِوارُ
شَجَرٌ ليَ الفينانُ مِن أغصانِه / وله المعاني الناصعاتُ ثمارُ
مِن كلَّ قافيةٍ بعيدٍ أن يُرى / يومَ الرَّهانِ لشأوهنَّ غبارُ
فيها يُنالُ مِنَ الثوابِ عظائمٌ / وبها يُقالُ مِنَ الذنوبِ عثارُ
جمحتْ على الخُطّابِ فهي عزوفةٌ / وبها اِباءٌ عنهمُ ونِفارُ
ولها الخَيارُ ولا خَيارَ لغيرِها / في كلَّ ما تهوى وما تختارُ
فنشيدُها طربُ الحُداةِ وذكرُها / للَّيلِ يقطعُهُ بها السُّمارُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025