المجموع : 8
فصل الربيع بوجهه قد أَقبلا
فصل الربيع بوجهه قد أَقبلا / متبسماً ببدائع الأزهار
وَغدا به نبتُ الخمائل مخْضَلا / يحكي السما بالنور والأنوار
فكأنَهُ حلّى الربى أَو كلّلا / إذ أَنجما بجواهرٍ وَنُضار
والطيرُ بين رياضه قد رتَلا / مُترنما يُلهي عن المزمار
شكراً لِمُبْدعه تعالى ذي العلا / ما أَعظما من واحد قهّار
وتخالُ هاتيكَ السحائبُ هُطّلا / لمّا همى سحاحها بقطار
جودُ المليك الصالح الهامي على / من أَعدما بنواله الزّخار
مَلِك إذا ما حلَّ قطراً ممحلا / متكرماً كالقطر للأقطار
أَورى وأروى مُبرقاً أَو مسبلا / مُهجاً وما لعداه والأنصار
وترى الكماةَ إذا أَثارَ القسطلا / تبكي دَما بالصارم البتار
فاللهُ يكلأ ملكَهُ ما أَعدلا / ما أَكرما من باسلٍ مِغوار
لولاه سعُر الشّعر سوماً ما غلا / إذ نُظَّما من بعد طول بوار
كلا ولا اتضحت مذاهبُه ولا / ما استَبْهما أضحى عليَّ منار
ووزيره الفخرُ الذي قد خوّلا / بالمنتمي فخراً على النظار
والدارُ تمّمها لعزٍّ مَعقِلا / أسنى حمى فغدا تميمُ الدار
فَلْيُهنِه عيد أَتاه مُقبلا / جذلاً بما أَولاه في الأمصار
لا زالَ ما تالى أَخير أَوّلا / مُتَنَعِّما ما لاحَ ضوءُ نَهار
وافى كِتابُكَ يومَ دَجْنٍ مُمْطرٍ
وافى كِتابُكَ يومَ دَجْنٍ مُمْطرٍ / والروضُ بينَ مُدَرْهَمٍ وَمُدَنَر
فرأيتُ ما فاقَ الرِّياضَ محاسناً / وَوَعَيتُ ما يُغني الفتى من مُسْكِر
وَنَشَقْتُ من طيِّ الكتاب وَنَشْره / أرجاً يفوحُ لِناشقٍ كالَعَنْبَرِ
وَلَقَدْ ذكرتُكَ في مواطنِ لذَّتي / مُتشَوِّقاً لجميلِ ذاكَ المنظَرِ
وَبَعَثْتُ للوردِ الجنيِّ تَحِيّةً / أرسَلْتُها وقباهُ غيرُ مزرَّرِ
فتأرَجَتْ نَفَحَاتُه وَتَضَرَّجت / وَجَنَاتُه وبدا بِخَدِّ أحْمرِ
وبكى لِبُعدكَ نَرْجِس ما غمّضت / منهُ الجفونُ وَمَنْ يُحِبكَ يَسْهَر
وبدا البنفسجُ أزرقاً أسفاً على / أوقات أنسِكَ يا كريمَ المحضر
والياسمينُ انحلَّ منه فِصادُهُ / فبكى النجيعُ لناجعٍ في العسكر
واستعبَرَ المنثورُ ينثرُ دَمعَه / شوقاً ولا شوقُه لم يُنْثَرِ
وأصابِعُ الأترجِ تحسبُ مدَّةً / للهجر فيها مِثلُه لم يُهجَرِ
وكذلكَ الكبّادُ مكبودٌ وَقَدْ / أَمسى بوجهٍ من فراقِكَ أَصفَرِ
ولقد تَقَلّى ذلك البَلطي من / مرأى جمالِكَ ثمَّ والبوري الطري
وبدا منَ القَصَب الدِّقاق يصول بال / عسّال مُرْتَشِفاً وماسَ السكّري
وأصابَ للرمّان حبّةَ قَلبه / فتفرَّطَتْ منهُ صحاحُ الجوهري
وَمُقطّعاتُ النّيلِ قد رقَتْ وقد / راقَت وأمسى نهرُها كالكوثرِ
تاللهِ لا أنساكَ يا سكني الذي / أَبدي إليهِ تلفتي وتَذَكري
أحذَرْ نَديميَ أنْ تذوقَ المسكرا
أحذَرْ نَديميَ أنْ تذوقَ المسكرا / أو أنْ تُحاوِلَ قطّ أمراً مُنكرا
لا تَشَربِ الصّهباءَ صرفاً قرقفا / وتزورَ مَن تَهواهُ إلا في الكرى
أنا ناصحٌ لَكَ إنْ قَبلتَ نَصيحتي / إشربْ متى ما رُمتَ سُكراً سكّرا
والرأيُ عِندي تَرْكُ عَقْلكَ سالماً / من أنْ تراهُ بالمدام تَغيّرا
ذي دولةً المنصور لاجين الذي / قهرّ الملوكَ وكانَ سُلطان الورى
إياكَ تأكُلُ أخضراً في عَصْره
إياكَ تأكُلُ أخضراً في عَصْره / يا ذا الفقيرُ يَصير جَنبُكَ أحمرا
والمزرُ يا مَسعودُ دَعْهُ جانباً / واشرَبْ من اللّبن المخيص مبَكرِّا
وبني حرامِ إحفظوا أيديكمُ / فالوقتُ سيفٌ والمراقبُ قد دَرَى
توبوا وصلّوا داعيين لمُلكه / فيه تنالون النّعيمَ الأكبرا
فَرَسٌ تَراهُ إذا سَرى
فَرَسٌ تَراهُ إذا سَرى / للضّعف يمشي القهقرى
يحكي سكابَ سوى المحا / سن لا يُباعُ فَيُشْتَرى
وكأنّه الفتّالُ يَمشي / في الطّريقِ إلى ورا
لم يَبْقَ عِندِيَ ما يُباعُ فَيُشترَى
لم يَبْقَ عِندِيَ ما يُباعُ فَيُشترَى / إلا حَصيرٌ قَدْ تَساوى بالثّرَى
وَبَقيّةُ النّطعِ الذي وَلِعَتْ بهِ / أيدي البِلى حتى تَمَزَّقَ وانبَرى
نَطْعٌ تُرٍيقُ دَمي عَلَيهِ بَقّةٌ / حتّى تَراهُ وهو أسودُ أحمرا
في منزلٍ كالقَبرِ كَمْ قَدْ شاهَدَتْ / فيه نَكيراً مُقلتاي وَمُنكرا
لو لم يَكُنْ قبراً لَما أمسيتُ نسِياً / فيهِ حتى أنّني لم أذكرا
والقبرُ أهنا مَسكناً إذْ لم أكنْ / مَعْ ضيقِِ سُكناهُ أُطالبُ بالكرى
لا فَرقَ بينَ ذوي القبورِ وبينَ مَن / لا رِزقَ يُرزَقُه سوى العيش الخرا
أفٍّ لِعُمْرٍ صارَ في رَيَعانهِ / مثلي يَوَدُّ بأنْ يَموتَ فَيُقْبرا
ولَرُبَّ قائلةٍ أما من رحلةٍ / تُمسي وَقَدْ أعَسرت منها مُوسِرا
سِر فالهِلالُ كمالُهُ في سَيْرِهِ / والماءُ أَطيَبُ ما يكونُ إذا جرى
كم مُدْبرٍ لمّا تحرَّكَ عَدَّهُ / بعَد السُّكونِ ذوو العقولِ مُدبِّرا
فأجبتُها سَيري وَمَكثي واحدٌ / النّحسُ نَحسٌ مُنجِداً وَمُغَوِّرا
إنَّ المدائِنَ وَهيَ أوسعُ بقعة / ضاقَتْ عَلَيَّ فكيف أرحَلُ للقرى
تاللهِ قَد أقوى السّماحُ وأصبَحَتْ / منهُ عِراصُ البِرِّ برَّاً مُقْفِرا
وَلَقَد سألتُ عنِ الكرامِ فلم أجد / في الناس عن تلكَ الكرامِ مُخَبِّرا
حتّى كنَّ حديثَ كُل أخي نَدَى / عَن كُلِّ مَنْ يَروي حديثاً مفتَرى
إنْ كانَ حقّاً ما يُقالُ فإنّهم / كانوا وما ولّى الزَّمانُ القهقرى
لم يبقَ عندَهُم حَديثٌ طيِّبٌ / للطّارِقينَ ولا مُناخٌ في الذُّرى
واليومَ أبناءُ الزَّمانِ أشَحُّهم / يدعى المُدَبِّرَ والسّخِيُّ مُبَذِّرا
منْ كُلِّ مَن قد ساءَ خَلقاً مثلما / قد ساءَ خُلقاً في النُّهى وَتَصّورا
قَرَنَ الفضيّلةَ بالرَّذيلةِ جاهلاً / وكفاهُ جَهلاً أنّه لَن يَشْعُرا
وَمِنَ المصيبةِ أَنَّ رِزقيَ فيهم / نَزْر وَرُبّتما غداً متعذِّرا
فَلَئِنْ ذَمَمْتُ ذَمَمْتُ مَن لا يَرْعَوي / ولئن شَكَرتُ شكرتُ من لم يشكرا
فلأصبِرَنَّ على الزَّمانِ وإنّني / لأخو الشّقاءِ صبرتُ أو لنْ أصبِرا
يا سائلي عَن لَيْلَتي بالمَنْسرِ
يا سائلي عَن لَيْلَتي بالمَنْسرِ / يُغنيكَ شاهدُ مَنْظَري عَنْ مَخبري
خارَتْ لسُكنى الخورِ قُوَّتي التي / كانَتْ تفوقُ على شجاعةِ عَنْتَرِ
نزَلَتْ بداري عُصْبَةٌ فَتَاكةٌ / هَتَكَتْ حِجابي بعدَ طولِ تَستُّرِ
من كُلِّ مُنْقَفلِ اللِّثامِ مُفَتِّح / أقفالَها بشَبا الحديدِ الأَخضرِ
وافى يُّكَوِّرني ولولا أنْ عرى / شَمسي الكسوفُ لَكانَ غيرَ مُّكَوَّري
بمُلَثَمٍ وَمُكَمّمٍ وَمُعَمّمٍ / ومخرَّصٍ وَمُوَشّحِ وَمُوَزَّرِ
مزجوا القَساوةَ بالجهالةِ وانبرى / كلٌّ يُهَدِّدُني بلَفظٍ حوتري
في صورَةِ المرِّيخ إلا أنّه / زُحَلٌ لهُ في كُلِّ سوقٍ مُشتَري
طَرَقوا بساطي بالطّوارقِ والقنا / متلاعبينَ بأبيضٍ وبأسمرِ
لم أنْتَبهْ إلاَّ بكوزَةِ رامحٍ / منهم أقامتني إلى ألحالِ الزَّري
وَبضَربةٍ من ذي حُسامٍ منتضى / يَفري الفريسة من جهولٍ مُفترى
صَفحاً بلا صَفْح فليتَ تبدَّلتْ / بالعينِ حاءً بالأديمِ الأَحمرِ
في شَر نوروزِ بَدالِي نَطعُهُ / بالسّيْفِ مُقْتَرِناً يُلاحِظُ مَنْخري
فَجُرِرتُ بعدَ الرَّفعِ في أيديهِم / وَنُصِبتُ ذا نَصب بِحالِ مُسَمّرِ
هذا يقولُ المالُ أين خَبَأتَهُ / فأجبتُهُ خوفاً جوابَ مُحَيِّر
وأقولُ مالي غير برذَوني وأث / وابي وَجُزءٌ من صِحاحِ الجّوهَري
وَمُسَوِّداتُ الشّعرِ مَدْحُكُمُ بها / قالوا سَبَالُكَ في أمِّ البحتري
فَبَكَتْ صِغاري إذْ رأوني بينَهم / مثلَ الأسير وما أنا بالموسِرِ
قالوا اقتلوهُ واطرَحوهُ إنّهُ / عينُ الأمير ويا لَهُ منْ مُخْبرِ
أو فأعصروهُ كالخراء فإنه / جَلدٌ وليسَ يقرُّ ما لَمْ يُعْصَر
عصروا كِعابي بالبَلاطِ وَشَوَّطوا / رأسي بِطاساتٍ حُمينَ بِمجمَرِ
ناديتُهم في السّطح عندي تاجرٌ / مُتَمَوِّكٌ مثلَ الخواجا الصّرصري
فَرَمى إلى طَبْيانَ أطولِهْم يداً / بِشَبا الظُّباةِ وَكُلِّ رمح سَمْهَري
فَبَدا خيفةً من كيدِهم / وَلَرُبّما وَجَدوهُ خَوْفاً قد
عرَّفْ كمالَ الدِّينِ عنَي ما ترى
عرَّفْ كمالَ الدِّينِ عنَي ما ترى / وانقل لَهُ هذا الحديثَ كما جَرى
واخبرهُ عنّي أنني في حالةٍ / فارقتُ منها في الدُّجى طيفَ الكرى
متقلبّاً فوقَ الفراش كأنّني / أودعتُ من لَهَبِ الجوانحِ مجمرا
أُحمى فأُسقى بعدَ بَرْدٍ مَسّني / لو أنّني سيفٌ لَصرْت مُجَوْهرا
وأرى الشرابَ ولوا شراب بقيعةٍ / وغدايَ أكثرهُ أراهُ مُزوَّرا
طَوراً تَراني بالوهادِ مُزَمّلا / أشكو وطوراً بالحصيرِ مُدَثّرا
في عُصَبةٍ بعدَ اخضرارِ معزَّةٍ / قَد عاينوا بالذُّلِّ موتاً أحمرا
فَرضانِ سقمٌ ثمَّ فقرٌ مدقعٌ / فلعلَّ جودَكَ أن يداوي الأخطرا
ولئن سَلِمتُ جعلتُ شكري كافلاً / ولئن هلكتُ فلا حِقاً أنْ تُؤجَرا