القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي الجارم الكل
المجموع : 4
خَشَعَت لفَيْضِ جَلالِكَ الأَبْصارُ
خَشَعَت لفَيْضِ جَلالِكَ الأَبْصارُ / وَذَكَتْ بِمِسْك خِلاَلِكَ الأَشْعَارُ
وتَوسَّمتْ مِصرُ العُلاَ في طَلْعةٍ / قد حَفّها الإِجْلالُ والإِكْبار
مَلِكٌ تَغَارُ النَّيِّراتُ إذا بَدَا / أَسَمعْتَ أَنَّ النَّيِّرات تَغَار
وَدَّت لَوِ اشْتَملتْ بِفضْل رِدَائه / هَيْهاتَ ثَوْبُ المَجْدِ لَيْس يُعَار
شَتّانَ بَيْن النيِّراتِ ومَنْ بِهِ / سُبُلُ البُطُولَةِ والْحَياةِ تُنَار
تهْدَي العُيُونُ بضَوْئهنّ وضَوْءُه / تُهْدَى البَصائِرُ فِيه والأَبْصَارُ
ولها مَدارٌ من فَضَاءٍ مُبْهَمٍ / ولَكَ العُلاَ والمَكْرُمَاتُ مَدَار
غُضِّي جُفونَكِ يا نُجومُ فدوُنَه / تَتَضاءَلُ الآمَالُ والأَقْدار
أنتُنّ أقْربُ مُشْبِهٍ لِهِبَاته / فكِلاكُما مِنْ راحَتَيْه نِثَار
مِن حُسْنِه اخْتَلَس الأَصيلُ جَمالَه / وبِبِشْرِهِ تَتَبسَّمُ الأَسْحَار
تبدُو سَجَايا النُّبْلِ وَهْي قَلائِلٌ / فإذا حَلَلْن ذَرَاه فَهْي كِثَار
أَبْصَرنَ فِيه نَصِيرَ كُلِّ كَريمةٍ / إنْ قَلَّت الأَعْوانُ والأَنْصار
للّه يومُكَ والضِّياءُ يَعُمُّه / فَعَشِيُّهُ سِيَّانِ والإِبْكار
نَسِيت به الآمالُ جَفْوةَ دَلِّها / ومِن الدَّلالِ تَحجُّبٌ ونِفَارُ
يَوْمٌ تَمنّاه الزَّمانُ وطَالَما / مَدَّتْ إليه رُءُوسَها الأَعْصَار
سَفَرتْ به البُشْرَى فَطاحَ قِناعُها / عَمْداً وطَار مع الهَواءِ خِمار
والنَّفْسُ أَغْرَى بالْجَمالِ مُحجَّباً / إنْ زُحْزِحَتْ مِنْ دُونِه الأسْتار
ما صُبْحُ يومٍ والسَّماءُ مَريضةٌ / كصَبَاحِ يَوْمٍ والنهَّارُ نَهار
يوْمٌ غَدَا بين الدُّهورِ مُمَلَّكاً / يُوما إِليه مَهَابةً ويُشَار
الأَمْسُ يَجْزَع أنْ تَقَدَّمَ خُطْوَةً / وغَدٌ أَطَارَ صَوابَه اسْتِئْخار
يوْمُ جَثَا التاريخ فيه مَدوِّناً / للّه ما قَدْ ضَمَّتْ الأَسْفارُ
وتَصفَّح الأَخْبَارَ يَبْغِي مِثْلَه / هَيْهاتَ تَحْوِي مِثْلَه الأَخْبَار
يوْمٌ كأَنَّ ضِيَاءَه مِنْ أَعْيُنٍ / مِنْ طُولِ ما اتّجَهتْ له الأَنْظارُ
يَكْفِيه أن يُنْمَى لأَكْرمِ سُدَّةٍ / سَعِدَتْ بها الأَيَّامُ والأَمْصَارُ
بَيْتٌ له عَنَتِ الوُجُوه خَواشِعاً / كالبَيْت يُمْسَح رُكْنُه ويُزَار
ضُمَّتْ به فِلَذُ القُلُوبِ فكوَّنتْ / بَيْتاً فلا صَخْرٌ ولا أَحْجَار
الدينُ والْخُلُقُ المَتِينُ أَساسُه / وحِياطَةُ المَوْلَى له أَسوَار
رَحُبتْ به السَّاحَاتُ فَهْوَ مَثابةٌ / وعَلاَ عُلُوَّ الْحَقِّ فهْوَ مَنَار
غِيلٌ تَهَابُ الأُسْدُ بَطْشَ لُيوثِه / وتَخُونُها الأَنيَابُ والأظْفَارُ
مِنْ كُلِّ خَطَّارٍ إِلَى غَايَاتهِ / يُزْهَى به الصَّمْصَامُ والْخَطَّار
نَدْبٍ إذا حَلّ الْحُبَاءَ لغَارةٍ / أَلْقَى السِّلاَحَ الفَارِسُ المِغْوَار
حامَتْ نُسورُ النَّصْرِ حَوْلَ جُيُوشِهم / حتَّى كأَنَّ غُبارَها أَوْكار
شُمْسُ العَدَاوةِ والْحُسَامُ مُجَرَّدٌ / فإِذَا انْطَوَى فَمَلائِكٌ أَطْهار
سَبَقوا وُثُوبَ الْحادِثاتِ وبادَرُوا / إِنَّ الْحَياةَ تَوثُّبٌ وبِدَار
وعَلَوْا لِنَيْلِ المَجْدِ كُلَّ مَطِيَّةٍ / لو كانَ نَجْماً في السَّمَاءِ لَطَارُوا
الْخَالِدُون عَلَى الزَّمان وأَهْلِه / تَفْنَى الرجالُ وتَخْلُدُ الآثارُ
جاءُوا ومِصْرُ عَفَتْ معالمُ مَجْدها / لا مِصْرُ ولا الدِّيارُ دِيَارُ
العِلْمُ يخْفِقُ للزّوالِ سِرَاجُه / والعَدْلُ مُنْدَكُّ الذُّرَا مُنْهارُ
والناسُ في حَلَكِ الظّلام يَسُوقُهم / نَحْوَ الفَنَاءِ تَخَبُّطٌ وعِثَار
فَبَدا مُحمَّدكُم فهَبَّ صَرِيعُهمْ / حَيّا كَذاكَ البَعْثُ والإنْشَار
والتفَّتْ الرَّاياتُ حولَ لِوائِه / ودَعا الغُفَاةَ إِلى المَسِير فَساروا
وأعادَ مَجْدَ الأَوَّلِين بَعزْمةٍ / إِيرادُها للّه والإِصْدَار
إنّ النُّفوسَ تَضِيقُ وَهْيَ صَغِيرةٌ / ويَضِيق عنها الكَوْنُ وَهْي كِبَار
فاروقُ عيدُك هَزّ أَدْوَاحَ المُنَى / وتَعطَّرتْ بعَبِيرِه الأَزهارُ
اليُمْنُ يَسْطَع في جَبِينِ نهارِه / والسَّعْدُ كوْكبُ لَيْلهِ السَّيّار
رَقَصَتْ به الرَّاياتُ باديةَ الْحُلَى / الْحُبُّ رَنَّحها والاسْتِبْشَار
مُتَلفِّتاتٍ حَوْلَ رَكْبِك حُوَّماً / لا يَسْتقِر لوَجْدِهنّ قَرَار
مُتَدلِّلاتٍ ما عَرَفْن صَبَابةً / نَشْوَى وما لَعِبتْ بهنّ عُقَار
جَعَلتْ سَمَاءَ النيل رَوْضاً أَخْضَراً / هَيْهاتَ مِنْه الرَّوْضَةُ المِعْطار
والناسُ قَدْ سَدُّوا الفَضَاء كأَنَّهم / بَحْرٌ يَعجُّ عَجِيجُه زَخَّار
لو صُبَّتِ الأَمْطَارُ صَبّاً فَوْقَهم / ما مَسَّ مَوْطِىءَ نَعْلِهم أَمْطارُ
مُتجمِّعين كأَنَّهم سِرْبُ القَطا / مُتَدفِّقين كأَنهم أَنْهار
قَدْ لَوَّحوا بالرَّاحَتَيْن وزاحَمُوا / وتلفَّتوا بالنَّاظِرَيْن ومَارُوا
لهمُ دَوِيٌ بالهُتافِ وضَجَّةٌ / ولهمْ بصِدْقِ دُعائِهم تَهْدَار
رفَعُوا العَمارَ وَبَعْثرُوا أَزْهَارَهم / فالْجَوُّ زَهْرٌ ناضِرٌ وعَمَار
حُبُّ المَلِيكِ الأَرْيَحِيِّ شِعَارهم / لو كَان يُنْسَجُ للْوَلاَء شِعار
قَرءُوا السعادةَ في جَبِينك أَسْطُراً / بيَدِ المُهيْمن هذه الأَسْطار
ورَأَوْا شَبَاباً كالْجُمَان يَزِينُه / أَنَّى التَفَتَّ جَلالَةٌ ووَقَار
سُسْتَ القُلوبَ فنلْتَ أَكْرمَ وُدِّها / وعَرَفْتَ بالإِحْسانِ كيف تُثار
ومِنَ القُلُوبِ حَدائقٌ بَسَّامةٌ / ومِنَ القُلُوبِ سَباسِبٌ وقِفَارُ
مَنْ يَغْرِسِ الصُّنْعَ الْجَميلَ بأُمّةٍ / فَلهُ من الشُّكرِ الْجَمِيلِ ثِمَار
لما رَأَوْكَ رأَوْا بَشاشاتِ المُنَى / الوَجْهُ نَضْرٌ والشَّبَابُ نُضَار
مُتَسْربِلاً ثَوْبَ الهُدَى مُتواضِعاً / للّه لا صَلَفٌ ولاَ اسْتِكْبار
نُورُ الإِلَه يَدُور حَوْلَك هَالةً / لم تَزْدَهِر بمَثيِلها الأَقْمَار
في مَوْكبٍ للمُلْك يَخْتَلِب النُّهَى / وَتَتيه في تَصْوِيره الأَفْكارُ
فَتَن العُيونَ الشَّاخِصاتِ بسِحْره / إِنَّ الْجمَالَ لَفاتِنٌ سَحّار
فاروقُ تاجُك رَحْمةٌ وسَعادةٌ / للوادِيَيْن وعِزَّةٌ وفَخار
تَتألّق الآمالُ في جَنَباتِه / ويَدُورُ نَجْمُ السَّعْدِ حَيْثُ يُدَار
ما نالَه كِسْرَى ولم يَظْفَر له / بمُمَاثِل يومَ الفَخارِ نِزَارُ
نورُ الجبين السَّمْحِ مازَجَ ضَوْءَه / فتَشَابَه الأضْوَاءُ والأَنْوَار
المُلْكُ فيكَ طَبِيعةٌ ووِرَاثةٌ / والمَجْدُ فيكَ سَليقَةٌ ونِجَار
أعْلَيْتَ دينَ اللّه جَلَّ جَلالُه / فَرَسَا له أَصْلٌ وطَالَ جِدَار
الدِّينُ نُورُ النَّفْسِ في ظُلُماتِها / والعَقْلُ يَعْثُرُ والظُّنُونُ تَحَارُ
بَيْن المَنابر والمآذِن بَهْجةٌ / وتَحدُّثٌ بِصَنِيعكم وَحِوَار
آياتُ نُبْلِك في شَبابِك سُبَّقٌ / للمَجْدِ لم يُشْقَقْ لهنّ غُبَار
يَبْدو شَذا الرَّيْحانِ أَوَّلَ غَرْسِه / ويَبينُ قَدْرُ الدُّرِّ وَهْي صِغَار
فَتَحَتْ لك الدُّنيا كنوزَ هِباتِها / تَخْتارُ مِنها اليَوْمَ ما تَخْتار
يُمْناك يُمْنٌ للبلاد ورَحْمةٌ / غَدَقٌ ويُسْرَى راحَتَيْك يَسارُ
بَهَرتْ رِجالَ الغَرْب منك شَمائِلٌ / خُلُقٌ أَغَرُّ ورَاحةٌ مِدْرار
عَرَفوا بمَجْدك مَجْدَ مِصْرَ ونُبْلَها / وتَحدَّثتْ بِخلالك السُّمّار
وغَدَوْتَ فَألاً للعُلاَ فتحقَّقَتْ / فيك المُنَى وانحطَّتِ الآصَارُ
وتَخطَّرتْ مِصْرٌ إلى فَاروُقِها / غَيْداءَ ما شانَ الْجَمالَ إِسَار
شَمَّاءَ يَحْنِي الدهرُ أَصْيَدَ رَأْسِه / لجَلالها وتُطَأْطِىءُ الأَقْدار
فانْعَم بما أُوِتيتَ واهْنَأْ شاكِراً / نِعَمَ الإِلهِ فإِنَهنّ غِزَار
لا زِلْتَ بالنَّصْر المُبِينِ مُتوَّجاً / تَحْيَا بِك الأَوْطانُ والأَوْطار
العَيْشُ مُخْضَلُّ الْجَوانِبِ أَخْضَرُ
العَيْشُ مُخْضَلُّ الْجَوانِبِ أَخْضَرُ / واليومُ من نَسْجِ السّحائبِ أَنْضَرُ
والرَّوضُ يَصْدَحُ بالبَشائِرِ أيْكُهُ / فالعُودُ عُودٌ والأَزاهِرُ مِزْهَرُ
يَجْرِي النَّسيمُ به فَيَجْتازُ الرُّبا / صُعُداً وتَجْذِبهُ الغُصونُ فَينْفِر
كم زَهْرةٍ عَلِقَتْ بفَضْلِ رِدَائه / فالوردُ مِلءُ ردائِه والعَبْهر
إن ضجَّ من آبٍ وحَرِّ وَثاقِهِ / فاليومَ يَدْرُجُ ما يشاءُ ويَخْطِر
يَطْفُو على وَجْهِ الْجَدَاوِلِ طائراً / غَرِداً يُصَفِّقُ بالْجَنَاحِ ويَطْفِرُ
في كفِّهِ البُشْرَى وفي هَمساتِهِ / نُعْمَى الحياةِ وعزُّ مِصْرَ الأَوْفر
والشمسُ ضاحكةٌ كأنّ شُعاعَها / أَملُ الوُجوه المُشْرقُ المُسْتَبْشِر
تَخْتالُ في يومٍ تَرَقَّبتِ العُلا / مِيلادَه ورَنتْ إِليه الأَعْصُرُ
نَهَضت به آمالُ مِصْرَ وأَقْسمتْ / مِنْ بعد هذا اليومِ لا تَتَعثَّرُ
فَلكَم تَمنَّى الدينُ طالِعَ صُبْحِه / واهْتزَّ من شَوْقٍ إِليه الْمِنْبَرُ
تَمْشِي المُنَى فيه تجُرُّ خِمارَها / خَفَراً ويَزْهُوها الْجَمالُ فَتسْفِر
فازتْ به مِصْرٌ بخَيْرِ مُتَوَّجٍ / يَنْهَى كما يرضَى الإِلهُ ويأمر
يومٌ إِذا زُهِيَ الزمانُ بِمثْلِه / فبمِثْلِه يُزْهَى الزمانُ وَيفْخَر
السَّعْدُ في ساعاتِهِ مُسْتَوطنٌ / والعِزُّ في جَنَبَاتِه مُتَبخْترُ
هو في فَمِ الدُّنْيا حَدِيثٌ خالِدٌ / يَحْلُو على الأَيَّامِ حين يُكَرَّر
هو طَلْعةُ الرَّوْض النَّضِيرِ وظِلُّه / ونَمِيرُه ونسيمه المُتَعطِّر
أملُ البلادِ تمسّكَتْ بحباله / في الحادثاتِ وعيدُ مصرَ الأكبر
عيدُ بأَنْوار الْجَلالِ مُتَوَّجٌ / وبمُنّة النَّصرِ العَزيزِ مؤَزَّر
هو صُورةٌ للبِشْرِ أُحْكِم رَسْمُها / لو أنَّ أَيَّامَ السُّرورِ تُصَوَّر
لانَتْ به الدُّنيا وأَخْصب عَيْشُها / وبيُمْنِهِ اخْضرَّ الزمانُ المُقْفِر
وشَدَتْ لِمَطْلعِه القُلوبُ كأنّها / طَيْرٌ تُغرِّد للرِّياضِ وتصْفِر
هو في كِتَاب الدَّهْر سَطْرٌ مَجَادَةٍ / خَشَعَتْ لِهَيْبَةِ ما حَواه الأسْطُرُ
وثَبَتْ به مِصْرٌ وقد طال الكَرَى / وَمَضَتْ إِلى قَصَب الفَخَارِ تُغَبِّرُ
وَعَلَتْ بفَضْل مَلِيك مِصرَ مَكَانةً / لم تَقْتَعِدْها في السَّماءِ الأَنْسُر
تَتَقطّعُ الآمالُ دون بُلوغها / وتَوَدّ رُؤْيتَها العُيونُ فَتحْسرُ
تَرْنُو لها الْجَوْزاءُ نَظْرةَ حَاسِدٍ / وبِذكْرِها تَلْهو النُّجومُ وتَسْمُر
وإذا سَما الملِكُ الهُمامُ لغايةٍ / فالصَّعبُ هَيْنٌ والعَسيرُ مُيَسَّر
عيد الجلوسِ وأنت عِزةُ أمةٍ / تَعْلو بمَوْلاها العَظِيم وتَكْبُر
غنَّاكَ شِعْري فاستَمعْ لِغنَائِه / إِنَّ البَلابلَ في الْخَميلةِ نُدَّر
ما كلُّ من عَرَك المَزَاهِرَ مَعْبَدٌ / يَوْماً ولا كلُّ المَواضِع عَبْقَر
إن الرماحَ حَدائدٌ مَنْبُوذَةٌ / حتى يُثقِّفَ جِانِبيْها سَمْهَرُ
حيَّتْ طلائِعَكَ القوافِي هُتّفاً / وشَدَتْ لمَقْدَمِكَ الكريمِ الأَشكُر
والشعرُ مرآةُ النُّفوسِ وصُورةٌ / مَحْسوسةٌ ممَّا تُكِنُّ وتشعر
يا عِيدُ كَمْ بك من جَمالٍ زاهرٍ / يَبْهَى بإِشْراقِ المَليك وَيبْهَر
كم مِنْ مَواكبَ وارداتٍ تَرْتَجي / شَرَفَ المُثُولِ ومِنْ مَواكبَ تَصْدُر
والشعبُ يَزْحَمُ بالمَناكبِ طامِعاً / في نَظْرةٍ تُحْيِي القلوبَ وتَجْبُر
ضاقتْ به السَّاحاتُ حتى أصبحتْ / كالبَحْرِ يَقْذِف بالعُبَاب وَيزْخَر
حتى إِذا ظَهر المَليكُ كأنَّه / بَدْرٌ به انجابَ الظَّلامُ الأَخْدر
في بُرْدِهِ أملُ الكِنانةِ باسِمٌ / وبِوَجْهه نورُ الْجَلالَةِ مُسْفِر
شَخصتْ له الآمالُ تُسرِع خَطْوَها / ودنَا لرُؤيته العدِيدُ الأكْثرُ
تَرْنُو العُيونُ فَتَجْتلي من نوره / فَيْضاً ويَغْلِبُها السَّنا فَتَحَيَّر
والناسُ بين مُسَبِّحٍ ومُكَبِّرٍ / لَبّى نِدَاه مُسبِّحٌ ومُكَبِّر
والبِشْرُ قد ملأ الوُجوهَ نَضارةً / فتكادُ من فَرْطِ النَّضارةِ تَقْطُر
والقُطُرُ يهتفُ أن يعيشَ فؤادُهُ / والشَّعْبُ يجهَرُ بالدعاءِ وَيَجأَر
في مَوْكِبٍ لم يَلْقَ كِسْرَى مثلَه / في السَّابقين ولم يَنَلْه قَيْصَر
قَدَرُوا مآثرَك النَّبيلةَ قَدْرَها / وكذاك مَحْمودُ المآثرِ يُقْدَر
أَحْسنتَ للشَّعب الكَرِيمِ رِعَايةً / فَشَدا بنعمتِكَ التي لا تُكْفَر
اللّهُ قد خَلَقَ المكارمَ والنَّدَى / شَجَراً يُظَلِّلُ في الهَجِير ويُثْمِر
إِنّ الذي ملك القُلوبَ بعَطْفه / أَوْلَى بتَمْجيدِ القُلوبِ وأجدَر
شِعْري استبقْ في الحاشِدين مُبادِراً / لا يُدرِكُ الآمالَ مَنْ يتأَخّرُ
وانزِلْ برَأْس التّين واخْشَعْ مُطْرِقاً / ممّا تُحِسُّ مِنَ الْجَلال وتُبْصِرُ
فهنالك المَجْدُ المُؤَثَّلُ سامِقاً / والملْك حولَكَ واسعٌ مُسْتَبْحِر
هذا ابنُ إِسماعيل فانثُر حولَهُ / دُرَراً تَدُومُ على الزَّمانِ وتُذْخَر
ساسَ البلادَ بِحكْمةٍ عَلَويّة / بسَدادِها تعتزُّ مِصْرُ وتُنْصَر
عَزْمٌ كما صَال الْحُسام وهِمّةٌ / أَسْمَى من النَّجم البَعيدِ وأَبْهر
ومَضاءُ رَأْي لو رَمَى حَلَكَ الدُّجى / لَمضى الدُّجَى مُتَعثِّراً يَتَقَهْقر
بلغتْ به مِصْرُ مَنازِلَها العُلاَ / يُومِي إِليها طَرْفُه فَتُشَمِّر
تَمْضِي كما يَمْضِي الشّهابُ مُجِدَّةً / لا يبلغُ الشأوَ البعيدَ مُقَصِّر
مَلأ البِلادَ عوارِفاً ومَعارفا / تُزْجَى إلى أَقْصى البلاد وتنْشَر
وأعَاد مجدَ الخالِدين بنَهْضةٍ / تَجْتَاح شُمَّ الرَّاسياتِ وتُقْهَر
فتلفَّتَ التارِيخُ مشْدوهَ النُّهَى / وتَطلّعتْ من حُجْبِهنّ الأدْهُر
لا تَدْهَشِ الدُّنيا فصَوْلَةُ عَزْمِهِ / أَقْوَى على كَبْح الصِّعابِ وأقدَرُ
الخالدون على الزمان جدودُهُ / والسابقون قبيلُه والمعشَر
النهضةُ الكبرَى إِليهم تنتمِي / وجلائلُ الآثارِ عنهم تُذْكر
درجوا وأمّا مجدُهم فمُخلَّدٌ / باقٍ وأما ذِكْرهم فمُعَمَّر
أفؤادُ عش للنيلِ ذُخراً إِنما / بِنَدَا كما تحيا البلادُ وتنضُر
قد فاض في طول البلاد وعرضها / لكنّه في جنبِ فَيْضِك يَصْغُر
يتبرّكُ الوادي بلَثْم بنانِهِ / فيعودُ وهو المعْشِب المُخْضَوضِرُ
الْخِضْبُ والإِغداقُ فيضُ يمينه / والمسكُ كُدْرَةُ مائِهِ والعنبر
تِبْرٌ إِذا غَمَر البلادَ رأيتَها / والدرُّ مِلءُ نُحورِها والْجَوْهَر
والأرض وَشْيٌ طُرِّزتْ أفوافُه / والزهرُ منه مُدَرْهَم ومُدَنَّر
أَنَّى جرَى هَمس الخمائلُ باسمه / وتبسَّم النّسرينُ والنِّيلُوفَر
وسرت بمقَدمِه البشائرُ حُوَّما / السُّحْبُ تُنْبِىءُ والنسائمُ تُخبر
إن أصبحتْ مصرُ الخصيبةُ جنَّةً / في عهدك العُمَريِّ فهو الكَوْثَرُ
عِشْ في حِمَى الرَّحمنِ جلّ جلالُه / ترعاك عينٌ لا تنامُ وتخفُرُ
واهنأ بعيدك إنه فألُ المُنَى / فَبيُمْنه تعلو البلادُ وتظْفَر
لا زلتَ ترفُلُ في مطارفِ صحّةٍ / هي كل ما يرجو الزمان ويُؤْثِر
واسلَمْ لمصرَ فأنتَ أنتَ فؤادُها / وحياتُها ولُبابُها المتخَيَّر
فاروقُ زَيْنُ الناشئين المرتجَى / كَرُمت أوائِلُهُ وطَاب العُنصُر
مجدُ الشبابِ مَنَاطُ آمالِ العُلا / وسَنَا الحياةِ ونَجْمُ مصرَ النيّر
أَنبتَّه خيرَ النباتِ يزَيِنُه / خُلُقٌ كأمواهِ السحابِ مُطَهَّرُ
الفضلُ يلمَعُ في وضيء جبينه / زهواً كما ابتسم الربيع المُبْكِر
إنّ الصعيدَ لمُزْدَهٍ بأميرِهِ / جَذْلانُ يصدَحُ بالثناء ويجهر
لو تَسْتطيعُ الباسقاتُ بأرضه / سَعْياً لجاءت نحو بابِكَ تشكُر
عاش المليكُ وعاش فاروقُ الْحِمَى / يزهو بطلعته الوجودُ ويُزْهِر
خَفَقَتْ بساحتِكَ البشائِرْ
خَفَقَتْ بساحتِكَ البشائِرْ / وسَرَتْ بريّاكَ الأزاهرْ
يا يومَ مولِدِه وما / لكَ في جمالِكَ من مُفاخرْ
جاهرْ بنُبْلك في الزما / نِ فحقُّ مثلِكَ أَنْ يجاهرْ
لك أوّلٌ في المَكْرُما / ت وما لفيضِ يدَيْكَ آخرْ
أشرقتَ في أُفُقِ القلو / بِ ودُرْتَ في فَلكِ الضمائرْ
وجُمِعْتَ من ضَوْءِ المنى / وخُلِقْتَ من نور البصائرْ
لكَ بينَ أعيادِ الزما / نِ سَناً على الأعياد باهرْ
شَفَقاكَ خدّا غادةٍ / ودُجاكَ أحداقُ النواظرْ
ما أنتَ في الدنيا سوَى / أملٍ وضِيءِ الْحُسن سافرْ
هذا الجمالُ كأنّه / قد صِيغَ من خَطَراتِ شاعرْ
سَحَر العُيونَ بحُسنِه / والحسنُ للأبصارِ ساحرْ
الصبحُ بسّامُ السنا / والليلُ مصقولُ الغدائرْ
يا يومَ فاروقٍ وكمْ / لكَ عند مصرٍ من مآثِرْ
شهدت بمطلعك الحيا / ة تفيض بالنِعَمِ الزواخرْ
ورأتْ جَبيناً كالصبا / حِ أضاء مُعْتَكِرَ الدياجرْ
ورأتْ مُنىً قدسيَّةً / دقَّ الزمانُ لها البشائرْ
ورأت مخَايلَ دَوْلَةٍ / فوْقَ النجوم لها معَابرْ
ورأت رجاءَ النيلِ في / ثوبٍ من الإيمان طاهرْ
ورأت بَوادرَ هِمَّةٍ / أعظِمْ بهاتيكَ البَوادرْ
ورأت سَرِيرة خاشعٍ / سَجدَتْ لخشيتهِ السرائرْ
وتطلعَ المِحْرابُ في / جَذَلٍ وأشرقتِ المنابرْ
واستبشر الدينُ الحني / فُ بخيرِ من يُحيي الشعائرْ
نادَى البشيرُ به فيا / بُشْرَى المدائنِ والحواضرْ
ومشتْ ملائكَةُ السما / ء تَهُزُّ في الجوِّ المباخرْ
فالأفْقُ مِسْكٌ عاطرٌ / والمَهْدُ مثلُ المسكِ عاطرْ
هتفتْ لمَوْلِدِ كابرٍ / لمُطَهَّرِ الأنسابِ كابرْ
هتفتْ بفاروقٍ أجَ / لِّ مُمَلَّكِ وأعزِّ ناصرْ
خطَّ المثالَ وفضلُهُ / مَثَلٌ يُباري الريحَ سائرْ
والناسُ بينَ مُكَبِّرٍ / داعٍ ومُولي الحمدِ شاكرْ
ملأوا القلوبَ بحبهِ / وبِذِكْرِهِ ملأوا الحناجرْ
فاروقُ فَرْدٌ في الجلا / لِ فلا شبيهَ ولا مناظرْ
هذي بَواكِرُه فكي / ف يكونُ ما بعدَ البواكرْ
ينهَى ويأمر هادياً / أفْدِيه من ناهٍ وآمرْ
فَرْعٌ من الدَّوْح الكر / يم مُباركُ النَّفحاتِ زاهرْ
وقديمُ ماضٍ في العَلا / ء يزينُه في النُّبْل حاضرْ
وسُلاَلةُ الأمجادِ أبنا / ء المواضي والبَواترْ
من كلِّ مِسْعَر غارَةٍ / والموتُ مُحْمَرُّ الأظافرْ
يُجْرِي الحصانَ مُخَاطراً / فوقَ الجِماجم والمغافرْ
أمضَى لدعوةِ صارخٍ / من لمح كرّات الخواطرْ
يأبى عليه نِجاره / وإباؤه ألاّ يبادرْ
للنَّقع فوقَ جَبينه / مِسْكٌ يُضَمِّخُ كلَّ ظافرْ
المجدُ لا يُلْقي العِنا / نَ لغيرِ ذي العزم المثابرْ
السابقِ الوثّابِ طَلاَّ / عِ الثَّنِيَّاتِ المصابرْ
مَنْ لا يُحاذِرُ إنْ دَعا / هُ حِفاظُه ألاّ يُحاذرْ
عشِقَ المخاطرَ مُرَّة / فَجَنى الشِّهادَ من المخاطرْ
من كالأساوِرَةِ البوا / سلِ والقَسَاورةِ الخوادِرْ
أجدادِ فاروقٍ كِرا / م الْمُنتَمى طُهْرِ الأواصرْ
بعثوا تُراثَ الأوَّلي / نَ ووطَّدوا مَجْدَ الأواخرْ
تُزْهَى بهم مِصرٌ كما / زُهِيَتْ بفِتْيتها تُماضرْ
دعْها تُكاثر بالذي / أسدَوْا نَعَمْ دَعْها تُكاثرْ
فاروقُ أشرِقْ بالمنى / يسمو لِضوئك كُلُّ حائرْ
مصرٌ وأنت يمينها / عَقَدت على الحبِّ الخَناصرْ
هَذِي الديَارُ وَأَنْتَ شاعِرْ
هَذِي الديَارُ وَأَنْتَ شاعِرْ / فَانْثُرْ كَرِيماتِ الْجَوَاهِرْ
وَافْعَلْ كَما يُمْلي الْهَوَى / فَاكْتُمْ حَدِيثَكَ أو فَجَاهِرْ
هِيَ مَنْ عَلِمْتَ مَكانَها / فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تُخَاطِرْ
حاذِرْ عَليُّ وَلَيْتَ شِعْرِي / هَلْ يَرُدُّكَ قَوْلُ حاذِرْ
حَوْراءُ تَسْرَحُ في الْقُلُو / بِ كَأَنَّها مَرِحُ الْجَآذِرْ
يَا لَيْلَةً حُمِدَت بِها / عُقْبَى الْمَوَارِدِ وَالْمَصَادِرْ
مَرَّت كَحَسْوَةِ طائرٍ / قِصَراً وَكَرَّاتِ الْخَواطِرْ
وَدَّ الْكَوَاعِبُ لَوْ تُمَدُّ بِمَا / لَهُنَّ مِنَ الْغَدَائِرْ
أوْ لَوْ وَصَلْنَ سَوَادَها / بِسَوَادِ حَبَّاتِ النَواظِرْ
نَشَرَ الْجَلالُ لِوَاءَهُ / فيها وَصَفَّقَتِ الْبَشائِرْ
وَطَفا السرورُ على الْوُجُو / هِ ودَبَّ ما بَيْنَ السرائِرْ
وأَتَتْ كَمَا يأْتِي الشبا / بُ مُبارَكَ النفَحَاتِ ناضِرْ
إِنْ غَاب فيها بَدْرُ ذِي الد / نْيَا فَبَدْرُ الدينِ حاضِرْ
أَمُحَمَّدٌ يا زِينَةَ الْ / فِتْيَانِ يا نَسْلَ الأَكابِرْ
صاهَرْتَ أَكْرَمَ أُسْرَةٍ / نِعْمَ الْمُصَاهَرُ والْمُصَاهِرْ
وَظَفْرْتَ مِنْ نِعَمِ الْحَيَا / ةِ بِنِعْمَةٍ يَا خَيْرَ ظَافِرْ
يا ابْنَ الأُلَى بَزَّتْ فِعا / لُهُمُ الأَوَائِلَ وَالأَوَاخِرْ
يا ابْنَ الأُلَى كانَتْ لَهُمْ / في كُلِّ حادِثَةٍ مَآثِرْ
كانَتْ رَشِيدُ بِجَدِّكَ الْ / أَعْلَى تَتِيهُ عَلَى الْحَوَاضِر
قَدْ كانَ رِدْئَاً لِلْعِبا / دِ وَكانَ مَوْئِلَ كُلِّ عَاثِرْ
كَمْ رَدَّ غَائِلَة الْمُحَا / فِظِ وَالْمُحَصِّلِ والْمُبَاشِرْ
عَصْرٌ بِجَدِّي ثُمَّ جَدِّك / كانَ بِالْعَلْيَاءِ زَاهِرْ
سَهِرَا فَنَامَ الْبَائِسُو / نَ مُحَصَّنِينَ مِنَ الْمَخاطِرْ
وَتَقَاسَمَا فَضْل الْفَخا / رِ وَنَادَيَا هَلْ مِنْ مُفَاخِرْ
جَدِّي بِعِلْمٍ ناصِعٍ / يَهْدِي وَلَيْلُ الشكِّ عاكِرْ
وَبِمِقْوَلٍ يَفْرِي الْحَدِي / د وَيَصْرَعُ الْخصْمَ الْمُكابِرْ
في حِينِ جَدِّكَ بِالسَما / حَةِ يُخْجلُ السحْبَ الْمَواطِرْ
دَانَ الزمانُ لِطَوْلِهِ / فَأَتَى إلَيْهِ وَهْوَ صَاغِرْ
سَلْ مَنْ رَأَوْهُ فَكُلُّهُمْ / لِنَوَالِ بَدْرِ الدينِ ذَاكِرْ
أَمَّا أَبُوكَ فَقَدْ سَعَى / في إثْرِهِ سَعَىَ الْمُثَابِرْ
خُلُقٌ كَنَوْرِ الرَّوْضِ بَا / كَرَهُ الْحَيَا والروْضُ عاطِرْ
وَعَزِيمةٌ أَمْضَى مِنَ الْ / أَقْدارِ في حَلَكِ الديَاجِرْ
بَطْشٌ كَبَطْشِ اللَّيْثِ أَغْ / ضَبَهُ الطوَى واللَّيْثُ خادِرْ
نزَلَتْ مَحَبَّتُهُ الْقُلُو / بَ وَأقْسَمَتْ أَلاَّ تُغادِرْ
هُوَ خَيْرُ مَنْ هَزَّ الْيَرَا / عَ وَهَزَّ أَعْوَادَ الْمَنابِرْ
فَإِذا انْبَرَى لِلْقَوْلِ كا / نَ لَهُ مِنَ التوْفِيقِ ناصِرْ
فَتَكادُ تَأْكُلُهُ النفُو / سُ هَوىً وتشْرَبُهُ الضمائِرْ
أَعليُّ إنَّكَ أنْتَ أَكْ / رَمُ نابِهٍ فِينا وكابِرْ
إنْ عُدَّ أَبْطَالُ الرجا / لِ فَأَنْتَ أَوَّلهُمْ وآخِرْ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025