المجموع : 22
إن جَلَّ غُنْمُ المسلِمينَ بخيبرٍ
إن جَلَّ غُنْمُ المسلِمينَ بخيبرٍ / فَلَما غَنِمْتِ أجلُّ منه وأكبرُ
اللَّهُ أكبرُ يا عروسَ مُحمّدٍ / هذا هو الشّرفُ الأعمُّ الأوفرُ
هذا مكانكِ عالياً ما مِثلُه / في السُّؤدُدِ العالي مَكانٌ يُؤثَرُ
يا دُرّةً صِينَتْ لِتاجِ جَلالةٍ / الدُّرُّ مِن لَمحاتِهِ والجوهرُ
الشَّأنُ شأنُكِ أنتِ خيرُ صَفِيَّةٍ / والتَّاجُ أنتِ به أحقُّ وأجدرُ
أدركتِ بالإسلامِ في حَرَمِ الهُدَى / جُهْدَ المنى مما يُتاحُ ويُقدَرُ
أدركتِ دُنيا الصالحينَ ودِينَهمْ / فظفرتِ بالحُسنى ومِثلُكِ يَظْفَرُ
ولقد غَنيتِ وَدُونَ ما تَجدِينَهُ / دُنيا مُذمَّمةٌ وَدِينٌ مُنْكَرُ
ذُعِرَ الوطيحُ فأسلمتكِ حُماتُه / وحَللتِ بالحصنِ الذي لا يُذعَرُ
ما مِثلُ رُؤياكِ التي كانت أذىً / رُؤيا تُفسَّرُ للنِّيامِ وَتُعْبَرُ
أَفَكنتِ ناسيةً فجدَّدَ ذِكرَها / أثرٌ بِعينكِ يا صفيّةُ أخضرُ
يا وَيلتَا لابنِ الربيعِ يغيظُه / هذا المقامُ الصَّعبُ كيف يُيَسَّرُ
لَطمتكِ من سَفهٍ وسُوءِ خَلِيقَةٍ / يَدُهُ وتلكَ جنايةٌ ما تُغْفَرُ
ماذا رَأيتِ من الذي أبغضتِهِ / ونَقمتِ ما يَرضى وما يَتخيَّرُ
أردَى أباكِ وهَدَّ زوجَكِ بأسُهُ / وأصابَ قومَكِ منه موتٌ أحمرُ
ماذا رأيتِ أما عَذرتِ سُيوفَهُ / وَعَلِمتِ أنَّ عدوَّه لا يُعذَرُ
ولقد بَلوتِ خِلالَهُ فوجدته / نِعمَ الخليلُ إذا يَسوءُ المَعشرُ
أحببتهِ الحبَّ الكثيرَ على القِلَى / ولَحُبُّ ربِّكِ ذي الجلالةِ أكثَرُ
ذَهَب الرُّعاةُ فما يَسُرُّكِ صاحبٌ / ورعاكِ صاحبُكِ الأبرُّ الأطهرُ
آثرتِهِ ورَضيتِ رَبَّكِ إنّها / للَّهِ عِندكَ نِعمةٌ لا تُكْفَرُ
أعْلَى مَحَلَّكِ فانعمي وتقدّمي / بأجلِّ ما يُثْنَى عليه وَيُشْكَرُ
ولأنتِ إن عظُمتْ فوائدُ خيبرٍ / أسْنَى وأعظمُ ما أفادتْ خَيبرُ
يا قُبَّةَ المُختارِ دُونَكِ ما بَنَى / في مُلكِهِ كِسْرَى وشيَّدَ قيصرُ
مَثوىً يهولُ الناظرين ومنظرٌ / عَجَبٌ يروعُ مقامُه والمظهرُ
فيهِ الجلالُ الضَّخمُ ترتدُّ المنى / من دُونِهِ مذعورةً تتعثّرُ
فيهِ السَّلامُ لكلِّ جِيلٍ يُبتغَى / فيه النظامُ لكلِّ عصرٍ يُذخَرُ
فيه الحياةُ تُسَلُّ من أكفانِها / هَلْكَى الشُّعوبِ إذا تموتُ وتُقبَرُ
إيهٍ أبا أيوبَ ما بِكَ رِيبةٌ / إنّ المحبَّ على الحبيبِ لَيسهرُ
تَأبَى الكرَى وتطوفُ حول مُحمّدٍ / والسَّيفُ يَقظانُ المضاربِ يَنظرُ
ماذا تخافُ على حبيبِكَ من أذىً / واللَّهُ كافٍ ما تخافُ وتَحذرُ
اهْنَأْ بدعوتِهِ فتِلكَ وقايةٌ / من كلِّ ذِي جَبرِيَّةٍ يتنَّمرُ
تِلكَ الولائمُ في رِحابِ مُحمّدٍ / شَتَّى تُسَرُّ بها النُّفُوسُ وتُحْبَرُ
الصَّحبُ من فرحٍ عليها عُكَّفٌ / والرُّسْلُ أجمعُ والملائكُ حُضَّرُ
عُرْسُ النبيِّ وأيُّ عُرسٍ مِثلُه / هَيهاتَ تلك فضيلةٌ لا تُنْكَرُ
تَرَكَ المُلوكَ مُلوكَ كِنْدَةَ وانْتحَى
تَرَكَ المُلوكَ مُلوكَ كِنْدَةَ وانْتحَى / مَن يَتركُ التِّيجانَ واهِيةَ العُرَى
حُيِيتَ عُروَةُ إنّه لكَ مَقْدِمٌ / يُمنٌ وحَسْبُكَ ما تُشاهِدُ أو تَرى
عَطَفَ النبيُّ عليكَ وانْبَسَطتْ له / نَفْسٌ تُرِيكَ مَكَانَهُ والمظهرا
ما كَان يومُ الرّومِ من أوطارِهِ / بل هزَّ نَفْسَكَ واعِظاً ومُذكِّرا
ما أورثَ الإسلامُ قومَكَ زادهم / خَيراً وكان لهم أجلَّ وأكبرا
الجاهليةُ قد عفَتْ آثارُها / فيهم وأصبحَ عهدُها قد أدبرا
كانت لهم مَوْتاً فَتِلكَ حَياتُهم / في دولةِ الإسلامِ عاليةُ الذُّرى
هذا رفيقُك ما لقومِكَ غيرُه / نِعمَ الرفيقُ إذا اللّبيبُ تَخَيَّرا
إنّي جعلتُ لخالدٍ صَدَقاتِهم / تُجبَى إليَّ فما أحقَّ وأجدرا
ولقد أقمتُكَ عاملاً فَكُن امْرءاً / للخيرِ في كلِّ الأمورِ مُيسَّرا
سِيرا على بَرَكاتِ ربِّكما ولا / تَنِيَا إذا أحدٌ ونَى أو قَصّرا
نَهَضَ الغُزاةُ فأين تَمْضِي العِيرُ
نَهَضَ الغُزاةُ فأين تَمْضِي العِيرُ / أعَلَى الغمامِ إلى الشآمِ تَسيرُ
زَيْدُ بْنُ حارثةٍ يَطيرُ وَرَاءَها / مَا ظَنَّهَا بالنَّسرِ حِينَ يَطيرُ
مَهْلاً أبا سُفيانَ إنَّ طِلابَكُمْ / عَسِرٌ وإنَّ مُصَابَكم لَكَبيرُ
صَفْوَانُ يُرْعِدُ خِيفةً وحُوَيْطِبٌ / مِمَّا عَرَاهُ مُرَوَّعٌ مَذعُورُ
زُولُوا بأنفسِكم فَتِلْكَ حُتوفُها / غَضْبَى إليها بالسُّيوفِ تُشِيرُ
هِيَ غارةُ البَطَلِ المُظَفَّرِ مالكم / مِنه إذا خَاضَ الغِمَارَ مُجيرُ
ظَنُّوا الظنُّونَ بهِ فلمَّا اسْتَيْقَنُوا / زَالوا عَنِ الأموالِ وَهْيَ كَثيرُ
أَمْسَتْ تُساقُ إلى النبيِّ غَنيمةً / للَّهِ فيها فَضلُهُ المشكُورُ
هذا دليلُ العِيرِ غُودِرَ وَحْدَهُ / خَلْفَ الأُلَى خَذلُوهُ فَهْوَ أَسِيرُ
اللَّهُ أطلقَهُ على يدِ مُنْقِذٍ / هُوَ للأُسارَى المرهَقِينَ بَشِيرُ
عَقَدَتْ مِنَ الإسلامِ فوقَ جَبينِهِ / تاجاً عليهِ من الجلالةِ نُورُ
مَن علَّمَ القومَ العُكوفَ على الهوى / أنَّ الحياةَ جَهالةٌ وغُرور
تِلك المغانِمُ ما لها كَمُحَمَّدٍ / في النَّاسِ من أحدٍ إليهِ تَصِيرُ
هِيَ قُوَّةٌ لِلمُسْلِمينَ وَمَظهرٌ / للقائِمينَ على الجهادِ خَطيرُ
بُورِكْتَ يا زَيْدُ بنُ حارثةٍ فما / لكَ في الموالِي الصَّالِحينَ نَظيرُ
إيهٍ أميرَ الجندِ ليس كمثلهِ / جُندٌ ولا مِثلَ الأميرِ أميرُ
إِنّا أَتَينا بِالثَناءِ نَسوقُهُ
إِنّا أَتَينا بِالثَناءِ نَسوقُهُ / جَلَلاً يَهُزُّ دَوِيُّهُ الأَقطارا
أَمَّنتَنا كَيدَ الَّذينَ تَنازَعوا / أَرواحَنا وَتَناهَبوا الأَعمارا
يا واهِبَ الأَمنِ النُفوسَ وَلَم تَكُن / لِتُصيبَ أَمناً أَو تَطيقَ قَرارا
إِنَّ الَّذينَ أَدَلتَ مِنهُم عادِلاً / وَتَرَكتَهُم مُتَمَزِّقينَ حَيارى
كانوا النُهاةَ الآمِرينَ فَما اِشتَهوا / نالوا وَما ساموا الخَلائِقَ صارا
كَم أَنَّةٍ تَحتَ الظَلامِ تَرَدَّدَت / فَاِستَوقَفَت أَصداؤُها الأَقدارا
كَم نَكبَةٍ فَدَحَت وَكَم مِن غَمرَةٍ / خُضنا بِها الأَهوالَ وَالأَخطارا
في ظِلِّ قَسوَرِكَ المُبارَكِ عَهدُهُ / عاشَ الَّذي لَقِيَ الحِمامَ مِرارا
أَنتُم وُلاةُ الأَمرِ فَاِحتَفِظوا بِهِ / وَكَفى بِكُم لِبِلادِكُم أَنصارا
إِنَّي نَظَرتُ إِلى الحَوادِثِ نَظرَةً
إِنَّي نَظَرتُ إِلى الحَوادِثِ نَظرَةً / كَشَفَت حَقائِقَها لِعَينِ المُبصِرِ
وَضَحُ اليَقينُ لِذي التَظَنُّنِ جَهرَةً / وَبَدا سَبيلُ الحائِرِ المُتَعَثِّرِ
هِيَ فِتنَةٌ عَمياءُ وَيحَكَ فَاِحتَرِس / وَبِلِيَّةٌ حَمَقى لَعَمرُكَ فَاِحذَرِ
لا تَذهَبَنّ مَعَ العَواصِفِ وَاِجتَنِب / هَبَواتِ هَذا الحادِثِ المُتَنَمِّرِ
اجمَع لَهُ تَقوى الإِلَهِ فِإِنَّها / أَمنُ المَروعِ وَنَجدَةُ المُستَنصِرِ
إِنّي حَلَلتُ مِنَ الإِلَهِ مَحَلَّةً / تلوي بِيَأسِ الظالِمِ المُتَجَبِّرِ
رَبِّ اِتَّخِذني مِن عِبادِكَ إِنَّهُم / عَزّوا بِنَصرٍ مِن لَدُنكَ مُؤَزَّرِ
الحُكمُ إِنصافٌ وَحُسنُ سِياسَةٍ
الحُكمُ إِنصافٌ وَحُسنُ سِياسَةٍ / فَإِذا حَكَمتَ فَلا تَكُن جَبّارا
رُعتَ النُفوسَ بِمُستَبِدٍّ قاهِرٍ / هَلّا ذَكَرتَ الواحِدَ القَهّارا
فِرعَونُ موسى كانَ أَكثَرَ ناصِراً / وَأَشَدَّ بَغياً مِنكَ وَاِستِكبارا
اللَهُ دَمَّرَ مُلكَهُ وَرَمى بِهِ / في جَوفِ أَكدَرَ يَقذِفُ التَيّارا
جَمَعَ العُبابَ عَلَيهِ حينَ مَشى بِهِ / فَهَوى وَأَغرَقَ جَيشَهُ الجَرّارا
أَفَأَنتَ تَدفَعُ بَطشَ رَبِّكَ إِن أَتى / أَم أَنتَ تَملِكُ دونَهُ الأَقدارا
اجعَل سَبيلَكَ أَن تَعِفَّ عَنِ الأَذى / وَخُذِ التَرَفُّقَ وَالآناةَ شِعارا
نَفَسُ الضَعيفِ إِذا تَرَدَّدَ شاكِياً / هَدَمَ الحُصونَ وَزَلزَلَ الأَسوارا
اللَهُ أَكبَرُ وَالإِمامُ مُحَمَّدٌ
اللَهُ أَكبَرُ وَالإِمامُ مُحَمَّدٌ / مَن ذا يُجادِلُ فيهِما وَيُماري
نَسَخَت سُيوفُ الفاتِحينَ بِهَديِها / دينَ الجُحودِ وَمِلَّةَ الإِنكارِ
وَالدينُ في كُلِّ المَمالِكِ لَم يَقُم / إِلّا بِحَدِّ الصارِمِ البَتّارِ
السَيفُ مِن رُسُلِ الهِدايَةِ ما دَجا / لَيلٌ فَغادَرَهُ بِغَيرِ نَهارِ
جَيشَ الخَليفَةِ ما لِبَأسِكَ غالِبٌ / مَن ذا يُغالِبُ صَولَةَ الأَقدارِ
خُضتَ الفَيالِقَ مَوجُها مُتَدافِعٌ / كَالبَحرِ يَدفَعُ زاخِرَ التَيّارِ
أَشبَهتَ موسى غَيرَ أَنَّكَ ضارِبٌ / بِغِرارِ أَسطَعَ باهِرِ الأَسرارِ
زَلَّت بِأَفهامِ الثِقاتِ قَضِيَّةٌ
زَلَّت بِأَفهامِ الثِقاتِ قَضِيَّةٌ / الحُكمُ فيها حائِرٌ مَذعورُ
آناً يَميلُ إِلى اليَمينِ وَتارَةً / يَلوي العِنانَ إِلى الشَمالِ يَسيرُ
تِلكَ الحَياةُ إِذا المَمالِكُ أَفلَحَت / وَإِذا أَصابَ كِيانَها المَقدورُ
فَفَتىً يَقولُ عَلى الشُعوبِ مَدارُها / وَفَتىً يَقولُ عَلى المُلوكِ تَدورُ
هُم يَشرَعونَ لَها المَذاهِبَ تَهتَدي / لِلصالِحاتِ إِذا اِهتَدوا وَتَجورُ
هُم كَالكَواكِبِ في سَماءِ حَياتِها / مِنها الظَلامُ لَها وَمِنها النورُ
وَلَرُبَّما أَحيا أَميرٌ أُمَّةً / وَرَمى بِأُخرى في اللُحودِ أَميرُ
عَدلُ المُلوكِ إِذا اِستَعانَ بِهِمَّةٍ / مُلكٌ تَصولُ بِهِ الشُعوبُ كَبيرُ
وَإِذا أَقاموا لِلمَعارِفِ رُكنَها / تَمَّ البِناءُ بِها وَقامَ السورُ
تِلكَ القَضِيَّةُ هَل تَبَيَّنَ حُكمُها / وَبَدا لِعَينِكَ سِرُّها المَستورُ
حَجَبَت غَواشي الجَهلِ بَعضَ قُضاتِها / وَالناسُ مِنهُم جاهِلٌ وَخَبيرُ
انظُر إِلى أُمَمِ الدُنى وَمُلوكِها / وَاِحكُم فَإِنَّكَ بِالأُمورِ بَصيرُ
مَعنى الحَياةِ لِكُلِّ شَعبٍ ناهِضٍ / تاجٌ يُضيءُ سَبيلَهُ وَسَريرُ
الأَرضُ فَوضى وَالمَمالِكُ فَوقَها / شَتّى فَمِنها جَنَّةٌ وَسَعيرُ
وَالأَمرُ مُختَلِفٌ فَشَعبٌ مُطلَقٌ / فيها وَشَعبٌ في القُيودِ أَسيرُ
وَإِذا الشُعوبُ عَلى الجَهالَةِ قُيِّدَت / فَمَدى الأَرائِكِ وَالعُروشِ قَصيرُ
العِلمُ إِن خَذَلَ الجُنودَ سِلاحُها / فَتَحَ المَمالِكَ جُندُهُ المَنصورُ
لا يُفلِحُ الأَقوامُ ما جَهِلوا وَلا / يُرجى لَهُم في الهالِكينَ نُشورُ
نَنسى وَيَعطِفُنا الإِخاءُ فَنَذكُرُ
نَنسى وَيَعطِفُنا الإِخاءُ فَنَذكُرُ / وَالحُبُّ يُطوى في القُلوبِ وَيُنشَرُ
إِنّا لَعَمرُ اللائِمينَ عَلى الهَوى / لَنَرى سَواءً مَن يَلومُ وَيَعذِرُ
نُرضي الأَحِبَّةَ لا نُراقِبُ بَعدَهُم / أَهواءَ مَن يَرضى وَمَن يَتَذَمَّرُ
يا مَن يُحاوِلُ أَن يُغَيِّرَ عَهدَنا / انظُر إِلى الإيمانِ هَل يَتَغَيَّرُ
الدَهرُ يَشهَدُ وَالحَوادِثُ أَنَّنا / لِسِوى الوَفاءِ لِقَومِنا لا نُؤثِرُ
إِخوانُنا الأَدنَونَ يَجمَعُ بَينَنا / عَهدٌ أَبَرُّ وَذِمَّةٌ ما تُخفَرُ
يا أُمَّةَ الإِنجيلِ إِنّا أُمَّةٌ / في مِصرَ واحِدةٌ لِمَن يَتَدَبَّرُ
دَرَجَت عَلى ذِمَمٍ خَوالِدَ لَم تَزَل / تَمضي القُرونُ بِها وَتَأتي الأَعصُرُ
لَو تَسأَلينَ وَما بِنا مِن رَيبَةٍ / فيما نُكِنُّ مِنَ الإِخاءِ وَنُظهِرُ
لَأَجابَكِ الفاروقُ عَنّا وَاِنبَرى / عَمرٌو يُنَبِّئُكِ اليَقينَ وَيُخبِرُ
لَبَّيكِ مِن داعٍ يُناشِدُ أُخوَةً / لَبَّيكِ في الحَقِّ الَّذي لا يُنكَرُ
لَبَّيكِ مِصرُ فَكُلُّنا لَكِ طائِعٌ / أَنتِ الحَياةُ لِكُلِّ نَفسٍ تَشعُرُ
لا تَجهَل الأَعيادُ حينَ نُقيمُها / أَنَّ الغَدَ المَأمولَ عيدٌ أَكبَرُ
حَيِّ الخَليلَ وَطُف بِتِلكَ الدارِ
حَيِّ الخَليلَ وَطُف بِتِلكَ الدارِ / حَيّاهُ رَبُّ البَيتِ ذي الأَستارِ
إِنَّ التَحِيَّةَ وَالسَلامَ لِمُؤمِنٍ / عالي المَواقِفِ راجِحِ المِقدارِ
لا ريعَ سِربُكَ مِن كَمِيٍّ باسِلٍ / يُرجى لِيَومِ كَريهَةٍ وَمَغارِ
خُضتَ الخُطوبَ لِأَجلِ مِصرَ مَخوفَةً / مِن كُلِّ أَرعَنَ هائِلِ التَيّارِ
وَقَضَيتَ في بَرلينَ حَقَّ شَهيدِها / فَقَضَيتَ حَقَّ اللَهِ وَالمُختارِ
سَدَّ القَضاءُ عَلَيهِ أَقطارَ الدُنى / فَفَتَحتَ عَنهُ مَغالِقَ الأَقطارِ
نَصَرَتكَ هِمَّةُ ماجِدٍ لَولا التُقى / لَظَنَنتُها قَدَراً مِنَ الأَقدارِ
وَالمَرءُ إِن طَلَبَ الأُمورَ بِهِمَّةٍ / لَم يُعيِهِ وَطَرٌ مِنَ الأَوطارِ
وَيحَ الَّتي أَكَلَ النُسورُ وَليدَها / وَمَضَت مُحَلِّقَةً بِكُلِّ مَطارِ
قَذَفَت بِهِ دارُ الجِهادِ إِلى الَّتي / ما بَعدَها لِمُجاهِدٍ مِن دارِ
تَهَبُ الحَياةَ لِمَن يَجيءُ بِشِلوِهِ / وَتَراهُ عَينَ الفارِسِ المِغوارِ
أَوَ ما رَأَت صُنعَ الخَليلِ فَأَكبَرَت / في العالَمينَ جَليلَ صُنعِ الباري
جَعَلَ العِنايَةَ وَالقَضاءَ بِأَسرِهِ / عَونَ الكِرامِ وَنَجدَةَ الأَحرارِ
فَإِذا سَعَوا جَرَتِ الحَوادِثُ طَوعَهُم / وَإِذا مَشوا وَقفَ القَضاءُ الجاري
هُزّي لِنُصرَتِكِ الخَليلَ وَهَيِّجي / فيهِ مَضاءَ الصارِمِ البَتّارِ
مَن لَيسَ لِلجُلّى سِواهُ وَما لَهُ / في الصالِحاتِ الباقِياتِ مُبارِ
يَحمي الحَقيقَةَ وَالذِمارَ وَما الفَتى / إِلّا رَهينُ حَقيقَةٍ وَذِمارِ
فَإِذا هُما ذَهَبا تَهَدَّمَ حَوضُهُ / وَأَقامَ رَهنَ مَذَلَّةٍ وَصَغارِ
وَالمَرءُ تَأخُذُهُ الخُطوبُ بِظُلمِها / فَيَموتُ أَو يَحيا حَياةَ العارِ
وَالناسُ بَينَ مُحَقَّرينَ أَصاغِرٍ / وَمُعَظَّمينَ مِنَ الرِجالِ كِبارِ
لَولا الحَمِيَّةُ في النُفوسِ تُثيرُها / هَتَكَ الكِلابُ حِمى الهِزَبرِ الضاري
وَعَفَت مِنَ الدُنيا الفَضائِلُ وَاِنمَحَت / أَعقابُها وَبَقِيَّةُ الآثارِ
وَلَما رَأَيتَ العِرضَ إِلّا سِلعَةً / تُزجى وَتَدفَعُها يَمينُ الشاري
فَإِذا الحَياةُ غَياهِبٌ مُسوَدَّةٌ / يَشقى الدَليلُ بِها وَيَعيا الساري
وَإِذا النُفوسُ لِما تَذوقُ مِنَ الأَذى / حَرّى الشكاةِ عَلى الحَياةِ زَواري
قُل لِلخَليلِ صَدَقتَ قَومَكَ عَهدَهُم / وَرَعَيتَ مِصرَ رِعايَةَ الأَبرارِ
وَشَفَيتَ وَجدَ شَهيدِها وَحَبَوتَهُ / فيها بِدارِ إِقامَةٍ وَقَرارِ
شُغِفَت بِهِ وَاِهتاجَ مِن بُرَحائِهِ / شَوقٌ إِلَيها في الجَوانِحِ وارِ
فَطَوَيتَ ما يَشكو المَشوقُ مِنَ النَوى / وَجَمَعتَ بَينَ الصَبِّ وَالمُزدارِ
مِصرُ الحَياةُ لِكُلِّ ذي شَغَفٍ جَرى / في العاشِقينَ فَطاحَ في المِضمارِ
إِنّي لَأَعلَمُ وَالمَحَبَّةُ مِحنَةٌ / أَنَّ النُفوسَ لِمَن تُحِبُّ عَواري
تَبقى وَتُؤخَذُ ما أَرادَ وَما أَبى / لا شَيءَ غَيرَ تَحَكُّمِ وَخِيارِ
قالوا أَخٌ لِأَبي الشَهيدِ وَأُمِّهِ / أَم مِن ذَوي القُربى أَمِ الأَصهارِ
ما كُنتَ إِلّا الحُرَّ يَحفَظُ قَومَهُ / وَالحُرُّ صاحِبُ ذِمَّةٍ وَجِوارِ
وَالحَقُّ إِن تَرَكَ المَليءُ قَضاءَهُ / ضاقَت عَلَيهِ مَنادِحُ الأَعذارِ
إِنَّ الفَقيرَ إِلى الحَياةِ لَمَن يَرى / أَنَّ الحَياةَ بِثَروَةٍ وَعَقارِ
المالُ لِلرَجُلِ الكَريمِ ذَرائِعٌ / يَبغي بِهِنَّ جَلائِلَ الأَخطارِ
وَالناسُ شَتّى في الخِلالِ وَخَيرُهُم / مَن كانَ ذا فَضلٍ وَذا إيثارِ
بورِكتَ أَنتَ كَتَبتَ أَبلَغَ آيَةٍ / لِلمُسلِمينَ بِسائِرِ الأَمصارِ
وَنَسَختَ ما كَتَبَ الَّذينَ تَقَدَّموا / مِن تُرُّهاتِ الكُتبِ وَالأَسفارِ
كانوا إِذا لَوَتِ النُفوسَ عَنِ النَدى / سَعَةُ الغِنى قالوا نُفوسُ تِجارِ
أوتيتَ مُلكَ الحَمدِ غَيرَ مُدافِعٍ / وَلَبِستَ تاجَي سُؤدُدٍ وَفَخارِ
وَرُزِقتَ ميراثَ النَوابِغِ كُلِّهِم / فيما وَرِثتَ اليَومَ مِن أَشعاري
أَطرَيتُ أَبلَجَ مِن غَطارِفِ يَعرُبٍ / وَمَدَحتُ أَروَعَ مِن شُيوخِ نِزارِ
أَطَلَبتَ مِن حاجاتِ نَفسِكَ مَأرَباً / أَم كُنتَ في بَرلينَ طالِبَ ثارِ
هِمَمٌ مَضَت في الغابِرينَ وَأُمَّةٌ / ما بَينَنا مِنها سِوى الأَخبارِ
المُسلِمونَ الأَوَّلونَ بِغِبطَةٍ / وَالشَرقُ في فَرَحٍ وَفي اِستِبشارِ
جَدَّدتَ مِن ذِكرِ الصَحابَةِ ما اِنطَوى / وَرَفَعتَ ذِكرَكَ في بَني النَجّارِ
وَأَعدَتَّ مِن عَصرِ النُبُوَّةِ ما مَضى / لَمّا أَعدَتَ لَنا حَديثَ الغارِ
ثِقَةُ المَمالِكِ بِالرِجالِ وَحُبُّها / وَقفٌ عَلى أَبنائِها الأَخيارِ
وَالمَرءُ في الدُنيا العَريضَةِ سَعيُهُ / فَبَدارِ لِلسَعيِ الجَميلِ بَدارِ
مُدّوا السَواعِدَ وَاِرفَعوا الأَبصارا
مُدّوا السَواعِدَ وَاِرفَعوا الأَبصارا / لِمَ لا نَعيشُ أَعِزَّةً أَحرارا
مَن ذا أَتاحَ لَنا الجُمودَ وَمَن قَضى / أَنّا نَضلُّ مُكَبَّلينَ أَسارى
إِنَّ الَّذي خَلَقَ النُفوسَ حَرائِراً / فَكَّ الشُعوبَ وَحَرَّرَ الأَقطارا
اليَومَ يَطلُبُ كُلُّ شَعبٍ حَقَّهُ / لا خائِفاً وَجِلاً وَلا خَوّارا
وَفدَ الكِنانَةِ وَالرَجاءُ مُعَلَّقٌ / بِكَ وَالنُفوسُ كَما عَلِمتَ حَيارى
عاهَدتَ مِصرَ عَلى الوَفاءِ فَكَبَّرَت / لَمّا رَأَت أَبناءَها الأَبرارا
وَحَمَلتَ آمالَ البِلادِ وَأَهلِها / فَحَمَلتَ مَجداً عالِياً وَفَخارا
اطلُب لَنا عِزَّ الحَياةِ فَإِنَّنا / لا نَستَطيعُ عَلى الهَوانِ قَرارا
مَن كان يُؤثِرُ أن يُجيبَ فقد دعا
مَن كان يُؤثِرُ أن يُجيبَ فقد دعا / عبدُ المجيدِ خليفةُ المختارِ
لَبُّوا الخليفةَ وَاشْرَعوا لِنُفوسِكم / سَنَنَ الوفاءِ وخُطّةَ الإِيثارِ
وَقَفَ النبيُّ يَضِجُّ حول لوائِه / ويَصيحُ بالمتردّدينَ بَدارِ
مُدّوا الأكفَّ مُبايعينَ فإنّه / يومُ النبيِّ وموقفُ الأنصارِ
لا تَتْبَعوا المُتخلِّفين فإنّهم / جُنْدُ الغُواةِ وشِيعةُ الأغرارِ
يبغون دينَ المالِ في أربابِه / والدّينُ دينُ الواحدِ القهّارِ
هل صِينَ حقُّ القومِ أو مُنِعَ الحِمى / بمُساوِمينَ على الذِّمارِ تِجارِ
إنّ الخلافةَ قد تَداركَ سُورَها / بأسٌ يُزيلُ شواهِقَ الأسوارِ
عَزّتْ بأسيافِ الغُزاةِ ولن ترى / عِزَّاً كحدِّ الصّارمِ البتّار
لمّا رَمَى القَدَرُ المُروِّعُ رُكنَها / كانوا لها جُنداً من الأقدارِ
أَشَهِدْتَ ما عَقدَ الهُداةُ وأَبرَمتْ / أيدي الحُماةِ الجِلَّةِ الأخيارِ
فَشهِدتَ حَلَّ المُشكلاتِ على يدٍ / عَقدتْ لِواءَ الجحفلِ الجرّارِ
ورأيتَ كيف تعودُ طاغيةُ القُوى / بعد الطِّماحِ بذلّةٍ وصغَارِ
رفعوا المنارَ لكلّ شعبٍ حائرٍ / أعمى المطالبِ جامحِ الأوطارِ
يُزجِي الرَّجاءَ بكلّ أغبرَ قاتمٍ / خافي المعالمِ طامسِ الآثارِ
والنّاسُ في الدُّنيا مَنارُ هدايةٍ / ومُضلَّلٌ لا يهتدي بمنارِ
قُلْ للكنانةِ جَدَّ كلُّ مُجاهدٍ / ومضَى إلى الغاياتِ كلُّ مُبارِ
لكِ في الغُزاةِ النّاهضين بقومهم / عِظةُ الشعوبِ وعبرةُ الأقطارِ
غضبوا فما ركبوا إلى استقلالهم / إلا عُبابَ دمٍ ولُجَّةَ نارِ
ليس التغلُّبُ في الحياةِ لِمُدبرٍ / ذُلُّ الحياةِ عُقوبةُ الإدبارِ
المجدُ إقدامٌ ونهضةُ ثائرٍ / ما المجدُ مسكنةٌ وطولُ قرارِ
إن الشُّعوبَ إذا استقام سبيلُها / أمِنَتْ غَداةَ الجِدّ كلَّ عِثارِ
برق بأنباءِ الأحبّة سارِ
برق بأنباءِ الأحبّة سارِ / صَدعَ القُلوبَ وطار بالأبصارِ
بلغ المطار به محلّةَ رازحٍ / نهضت إليه روائعُ الأقدارِ
قطع الصّلاةَ عليه قبل تَمامِها / فطوى أوائلَها بلا استغفارِ
وأقامَ للأحزانِ من صَلَواتها / نُسْكَ الهُداةِ وسُنّةَ الأبرارِ
صلّوا بني الوطنِ المُصابِ فإنّها / بلوى الشُّعوبِ ونكبةُ الأقطارِ
أودى عليٌّ بعد أحمدَ فانظروا / مَهوى الجبالِ ومَغرِبَ الأقمارِ
وسلوا الكِنانةَ هل لها من ناصرٍ / يُرجَى لِمنعِ حِمىً وصَوْنِ ذِمارِ
عصف الزّمانُ بها فطاحَ لِواؤُها / وهَوتْ سُيوفُ حُماتِها الأحرارِ
أَفضَى الجِهادُ بهم إلى مكروهةٍ / تَغتالُ بأسَ الفارسِ المِغوارِ
يُلقِي السّلاحَ وراءها ويحلُّها / كاللّيثِ عاد مُقلَّمَ الأَظفارِ
سَلَبَ الجبانُ بها الشجاعَ ذِراعَه / وهَوى الضَّعيفُ بهامةِ الجبّارِ
حُفَرٌ تموتُ بها القُوى ومنازلٌ / تَقرِى الترابَ نَضارةَ الزُوّارِ
قُمْ يا عليُّ فأنت أكرمُ قائمٍ / بالأمرِ بعد رِفاقِكَ الأخيارِ
فِيمَ الرُقادُ ومصرُ في أصفادِها / والشّعبُ رَهنُ مَذلَّةٍ وَصغارِ
أَشَفَيْتَ نفسَك حين مِلتَ إلى الكرى / ونزلتَ منزل هَدْأةٍ وقرارِ
أين الشّفاءُ لمن تَضمَّنَ قلبُه / ما بالكنانةِ من جوىً وأوارِ
كنتَ الزّعيمَ الحقَّ في أبنائها / لولا الحياءُ وصالحُ الإِيثارِ
أكرمتَ حزبَك عن مَطامِع عُصبةٍ / شتّى المطامعِ جمّةِ الأوطارِ
عَقدتْ على الغَدْرِ العُهودَ ذميمةً / وَلَوَتْ وُجوهَ مُساومين تجارِ
ووقفتَ جيشاً في طليعة فِتيةٍ / بيضِ الصّحائفِ وُضَّحِ الآثارِ
عَرفوكَ كَنْزَ هُدىً وذُخرَ مُروءةٍ / ورأوك سَيفَ وَغىً ولَيْثَ مَغارِ
أسفِي عليكَ ذهبتَ غير مُودَّعٍ / ومَضَيْتَ بين عَشيَّةٍ ونهارِ
أسفِي على الجارِ القريبِ يؤمُّه / عادى الرَّدى فيؤمُّ أبعدَ دارِ
جارَ الوفاءِ فُجِعْتُ منكَ بنازحٍ / نائي المحلَّةِ مُوحَشِ المُزدارِ
أنت الصّديقُ دفنتُ أكرمَ صُحبةٍ / فيهِ وأصدقَ ذِمّةٍ وجوارِ
لمّا نُعِيتَ إليَّ في وَضَحِ المُنى / سَدَّ الظّلامُ عليَّ مَطلعَ داري
أمسكتُ دمعي فاستهلَّ وهاجني / تَهطالُ آخرَ دافقٍ مِدرارِ
فعَرفتُ أبنائي ولستُ لهم أباً / حتّى يُقيموا سُنَّتي وشِعاري
صحبٌ صِغارُ السِّنِّ ما بِنُفوسِهم / لُؤمٌ ولا أحلامُهم بصِغارِ
عرفوا الزّعيمَ فغالهم ما غالني / لِفراقهِ وَاسْتَعبروا اسْتِعباري
يا فارسَ الوادي وحارسَ ضأنِه / الضأنُ فوضَى والذّئابُ ضواري
قُمْ غيرَ خوّارِ القناةِ فقد وهت / عَزَماتُ كلِّ مُنكّبٍ خَوّارِ
أنت الجديرُ بأن تُفارقَ أُمّةً / وقع الرعاةُ بها على الجزَّارِ
نَمْ غيرَ مكفورِ الجهادِ فإنّها / أيامُ كُلِّ مُشاغبٍ كفّارِ
جَمعٌ يُعظِّمُ كلَّ خَبٍّ ماكرٍ / ويُهينُ كُلَّ مُجاهدٍ صَبَّارِ
قُمْ يا خطيبَ النّيلِ في مَرْضَى الهَوى / وَاشْفِ النُّهى ببيانِكَ السحّارِ
رَاعَ المنابرَ خطبُ مِنبركَ الذي / نَسفَ الجبالَ ومال بالأسوارِ
لمّا استبقتَ القولَ في أعوادهِ / سِيقَتْ إليه يدُ القضاءِ الجاري
أشرفتَ منه تَهُزُّ شعباً رابضاً / والموتُ خلفَك رابضٌ مُتَوارِ
مَيْتٌ على ميتٍ ينوحُ وذاهبٌ / يبكي لِمظْعنِ ذاهبٍ سيّارِ
لاقيتَ ربَّك قائماً تقضي الذي / يقضي الوفيُّ لأُمّةٍ وديارِ
مِثلَ الشُّجاعِ هَوَى الحِمامُ بِسَرْجِهِ / تحتَ العَجاجِ فَطاحَ في المضمارِ
أحييتَ سُنّةَ مصطفى ولَقيِتَه / حيَّ المناقبِ خالدَ التَّذكارِ
فاذهبْ جُزِيتَ من الإله مثوبةً / ممّا اصطفى لفريقهِ المختارِ
حَيُّوا بمصرَ حُماتَها الأحرارا
حَيُّوا بمصرَ حُماتَها الأحرارا / وتَذكَّروا شُهداءها الأبرارا
إنّي لأُبصِرُ مصرَ في أعيادها / وأرى المهارجَ في السَّماءِ كِبارا
حيَّتكمُ الرُّسُلُ الكِرامُ وجَاءَكم / وَفدُ الملائكِ يَحملُ الأقمارا
كبّرتُ واسْتأذنتُ آخُذُ مَوقفي / بين المصاحفِ أنشدُ الأشعارا
فإذا الأَئمّةُ يهتدون بِنُورها / وإذا الخَوارجُ يَذهبون حَيارى
وَحيٌ من الإيمان يَكشفُ نُورُهُ / حُجُبَ الضَّلالِ ويهتكُ الأستارا
باسمِ الذي جَعلَ البيانَ أمانةً / أقضِي الحُقوقَ وأُكرِمُ الآثارا
هيَ هِمّةُ الشّعبِ الأبيِّ وَبأسُهُ / وَجِهادُه يستدفعُ الأقدارا
يَنطادُ عُلْويَّ المطالبِ مُمعِناً / ويصولُ جنِّيَّ القُوى جبّارا
يَطوي الزّلازلَ والرُّجومَ إذا انْبرَى / يمحو الحُصونَ ويَمسحُ الأسوارا
تَعِبتْ خطوبُ الدّهرِ فيه فأذعنتْ / تُلقِي القِيادَ وتَبسطُ الأعذارا
وَلِعَت بِمُضطَرِمِ الإِباءِ ومارسَتْ / جَلْداً على أهوالها صبّارا
والشّعبُ إن جمع الصُّفوفَ مُجاهداً / غلب الصِّعابَ وأدركَ الأوطارا
مَنْ يملكُ السَّيل الأتيَّ إذا انْتحَى / مِلءَ الشِّعابِ ويُمسِكُ التيّارا
ومَنِ الذي ينهَى الرِّياحَ ذوارياً / ويَسومُهنَّ إذا عَصَفْنَ قَرارا
شرُّ السياسةِ أن تَسودَ بَنِي الدُّنَى / غَصْباً وتلتهمَ الدُّنَى اسْتعمارا
ما شاءَ ربُّكَ أن يكونَ عِبادُهُ / هَمَلاً ولا خَلقَ الشُّعوبَ أسارى
هُبّوا بني الشُّهداءِ هذا يومُهم / هاج البقيعَ أسىً وهزَّ الغارا
أَهُمُ الأُلى رفعوا اللّواءَ تحيّةً / رُدّوا التحيّةَ وَارْفعوا الأبصارا
هَبطوا كَمُندفِع الشُّعاعِ جَرَى ضُحىً / يَرِدُ البِقاعَ ويهبطُ الأقطارا
وتنزَّلوا مِلءَ الجِواءِ جَلالةً / وهُدىً ومِلءَ الواديَيْن وقارا
إنّي لأَنظرُ مُصطَفى ورفاقَهُ / بين الصُّفوفِ مُكبِّرين جِهارا
الله أكبرُ ما لنفسٍ عِصمةٌ / حتّى يكونَ لها الإِباءُ شِعارا
سكن الضِّعافُ إلى الحياةِ مُذِلَّةً / وأَبَوْا فكانت عِزَّةً وفَخارا
والنّاسُ يأبون الصَّغائرَ مطلباً / إلا إذا حَملوا النُّفوسَ صِغارا
دَفعوا العدوَّ عن البلادِ مُناجزاً / وَرَمَوا به مُتغلِّباً قهّارا
لم يُغنِه الأسطولُ يَغمرُه دماً / والجيشُ يُطعِمهُ الممالكَ نارا
الحقُّ أُسطولُ الضَّعيفِ وجيشُه / إن شنَّ حرباً أو أرادَ مَغارا
إن كنتَ مُتّهِمي ولستُ بِمُغرِقٍ / فَسَلِ القَوِيَّ إذا طَغَى أو جارا
كم دولةٍ للظُّلمِ عاتيةٍ رَمَى / نَفَسُ اللَّهيفِ كِيانَها فانهارا
إنّ الأُلى سَدُّوا السَّبيلَ على العِدَى / فَتحوا العُقولَ وحَرَّروا الأفكارا
نَصروا الكِنانةَ حين ضاقَ خِناقُها / فتفجّعتْ تستصرخُ الأنصارا
وَهَبوا لها أعمارَهم وكأنّما / وَهبتْ لهم من أهلها الأعمارا
تَركوا المنازِلَ والدّيارَ فأصبحوا / سكنوا الخُلودَ منازلاً وديارا
إنّي رأيتُ النّاسَ رُسْلَ هدايةٍ / بذلوا النُّفوسَ وآخرين تجارا
هلا سألتَ القومَ أين زعيمُهم / أأصاب رِبحاً أم أصاب خَسارا
لن يَبعثوهُ ولن يُتاحَ له الغِنَى / ولوَ اَنّهم جعلوا الضَّريحَ نُضارا
يومَ الكنانةِ أنت أبلغُ واصفٍ / فصِفِ الوقائعَ وانْشُرِ الأخبارا
وانْشُدْ ودائعَ يومِ بَدرٍ إنّه / أمسى أخاً لكَ صادقاً أو جارا
أَخَوانِ في ذات الإلهِ كِلاكُما / نَصرَ الكتابَ وجاهدَ الكُفّارا
بالمانعين الحقَّ رِيعَ لِواؤُه / والدّافعينَ عن الحِمَى الأخطارا
النَّاهِضينَ إلى اللّقاءِ أعزّةً / المُعرضينَ عنِ الدِّماءِ طَهارى
مِن كلِّ مُنصَلتٍ أهابَ به الرَّدَى / فأجابَ لا وَجِلاً ولا خَوّارا
نَبَتِ الصَّوارِمُ في الكريهةِ فانتضتْ / منه المَنِيَّةُ صارِماً بتّارا
يا يومَ جَدّدَ لِلكنانةِ عَهدَهم / بُوركتَ يوماً صالحاً ونهارا
أرِنا الوغَى تجلو السُّيوفَ بَواتِراً / والخيلَ جُرْداً والعَجاجَ مُثارا
وأَفِضْ على النّيلِ الدِّماءَ زَكِيَّةً / تُحيي القُرى مَوْتَى الزُّروعِ قِفارا
زَهَتِ البِلادُ وما فَتِئْنَ هوامداً / ومضى الزّمانُ وما بَرِحْن حِرارا
إنّ الذي منع الكنانةَ رِيَّها / أخْلى الجداولَ منه والأنهارا
يجري الصَّدَى فيها ويندفعُ الرَّدى / مُتدفِّقاً مِلءَ القُرى زخّارا
سُبحانك اللّهمَّ أنتَ قضيتها / دُنيا تدورُ صُروفُها أطوارا
تعلو وتسفُلُ بالشّعوبِ حثيثةً / وتُتابِعُ الإقبالَ والإدبارا
أَدْرِكْ بفضلك أمّةً موقوذةً / تشكو إليك رُماتَها الأغرارا
ملك القضاءُ سبيلَها فاملكْ على / عِزريلِها الأنيابَ والأظفارا
وأَذِقْهُ حُكمكَ في الممالكِ إنّها / ذاقتْ على يدهِ الحِمامَ مِرارا
وتولَّنا في المؤمنينَ وآتِنا / نَصراً يَزيد المجرمين تَبارا
لِمَنِ ادّخرت النّصرَ أو أعددتَه / إن كنتَ تخذُلُ حِزبَكَ المُخْتارا
انْظُرْ إليه على تَمرُّدِ خَصمِه / أَأضاعَ حقّا أم أباحَ ذِمارا
إنّا اتّبعنا فيك آثارَ الأُلى / جعلوا كتابَكَ سُنّةً ومنارا
ثبِّتْ على الحقِّ المبينِ قُلوبَنا / في المتّقينَ وزلزلِ الفُجّارا
بَطَلَ الكِنانةِ مَن لها ولأَهْلِها
بَطَلَ الكِنانةِ مَن لها ولأَهْلِها / يحمِي محارِمَها ويَكشِفُ عَارَها
مَنْ للغِمارِ يخوضُها إن نكّبتْ / عنها العزائمُ تتَّقِي أخطارَها
مَن للسياسةِ يَصطليِ جَمَراتِها / في حيثُ تَجتنبُ الدُّهاةُ أُوارَها
مَن للمغيرِ يَصُدُّه عن أُمَّةٍ / عَرَفَتْكَ في جِدِّ الوغَى بَتَّارَها
وَدّعتنا والحادثاتُ تَرُوعُنا / وتُطيلُ من حول الحِمَى تَهدارَها
هَوَّنْتَ من وَجدِ النُّفوسِ بِقَولةٍ / رَدّتْ عليها بالعَشِيِّ قَرارَها
أنت المؤمّلُ للبلادِ إذا انْتَحتْ / هُوجُ الخُطوبِ فَزلزلتْ أقطارَها
وإذا تُنوزِعَتِ المواقُف في غدٍ / أوفيتَ تأخذُ باليَديْنِ كِبارَها
المجدُ والخطرُ العظيمُ لأُمَّةٍ / وَعَتِ الأُمورَ فَعظَّمتْ أحرارَها
حَسْبُ الممالكِ أن تُعِزَّ حُماتَها / وتُجِلَّ في الهِمَمِ العُلىَ أنصارَها
وَفدُ البحيرةِ جاء طَوْع يَقينهِ
وَفدُ البحيرةِ جاء طَوْع يَقينهِ / يَقضِي لك الحقَّ المُؤَكَّدَ شاكرا
حَصَّنْتَ دُستورَ البلادِ وصُنْتَهُ / عن أن يكون أذىً لِقومكَ ضائرا
يَأبَى الأُلىَ خذلوا الكِنانةَ أن يَرَوْا / لبني الكِنانةِ في الشّدائدِ ناصرا
إن ينتهوا يَغْفِرْ وإن يتمرَّدُوا / يجدوك غَلَّابَ الصَّرامةِ قاهرا
ما الحكمُ تُنكِرُهُ البِلادُ مخازياً / كالحكمِ تَعرفُهُ البلادُ مَفَاخرا
يستنصرون عليك خَصْمَ بِلادِهم / فَيلومُهم ويَصُدُّ عنهم سَاخِرا
أنت الملومُ وإن قَضَيْتَ ذِمَامَها / لِمَ تُرشِدُ الأعمى وتهدي الحائرا
وَفَتِ الظّنونُ وبرّتِ الآمالُ
وَفَتِ الظّنونُ وبرّتِ الآمالُ / ما بعد ذلكَ للخصومِ مَقالُ
إن يذكروا هِمَمَ الرّجالِ فَحسبُهم / هِمَمٌ بِمصرَ أبِيَّةٌ وَرِجالُ
الخير في الوادِي وفي أبنائِه / ما بَانَ عنه ولا عَراهُ زَوالُ
أرضٌ مُطهَّرةٌ وجوٌّ مُشرِقٌ / صَافٍ ومَاءٌ سَائغٌ وَظِلالُ
وَطنُ الأُلىَ وَرَدوا الحياةَ شَهِيَّةً / والأرضُ عطشى والشُّعوبُ نِهالُ
لولا العَوائقُ وَهْيَ مِن أدوائِه / ما ضَاقَ بالنَّفرِ الكِرامِ مجالُ
يَتطلَّعونَ إلى الحياةِ بِأَعْيُنٍ / حَيْرَى اللّحاظِ ودونها أهوالُ
ما تَصنعُ الأيدي تهدُّ عِظامَها / وتشدُّ في أرساغِها الأغلالُ
أَخذَ السّبيلَ على الرجالِ مُسلَّطٌ / يُلقِي إليه قَنيصَهُ الرِّئبالُ
مُتَحَكِّمٌ يبغِي الحياةَ بأسرِها / ويخالُ أنّا في يَدَيْهِ نِبالُ
جَهِلَ الحياةَ لِكلِّ شَعبٍ حَقُّه / ورِضَى الشُّعوبِ بأن تَموتَ مُحالُ
قُل لِلكنانةِ ما لِمجدِكِ هَادِمٌ / نَشَط البُناةُ وغامرَ الأبطالُ
رَمَتِ المضاجعُ بالنّيامِ وهَاجَهم / دَأبٌ يَشبُّ ضِرامُه ونِضالُ
فإذا الجُنوبُ كَأنهنَّ جَواشِنٌ / وإذا الأكفُّ كأنهنُ نِصالُ
نَبنِي فتَحتفلُ المَشارِقُ حَولنا / ونقول مصرُ فَتهتفُ الأجيالُ
طَالَ البِناءُ وما يَزالُ يَزيده / بانٍ أشمُّ المنكبينِ طُوالُ
سَامٍ يمدُّ إلى السِّماكِ يَمينَهُ / وَيُريكَ شَأوَ النَّسرِ كيفَ يُنالُ
أرأيتَ طلعتَ بانياً ومُعلّماً / ورأيتَه عَلماً عليه جلالُ
فِقهُ الحياةِ أصابَ فيه إمامَه / وإلى الأئمةِ يرجَعُ الجُهّالُ
كانت بِمصرَ مقالةٌ مَطموسةٌ / حتّى جَلاها القائل الفعّالُ
حَربٌ على خُلُقِ الجُمودِ وأهلهِ / صَدَقَ الرّجاءُ بهِ وَصَحَّ الفالُ
حَشدَ الحواريّينَ حَولَ جُموعهِ / وَرَمى فتلك صُروحُه تنهالُ
حملوا تكاليفَ الجهادِ تظاهرت / أعباؤها وتوالتِ الأثقالُ
مِن كلِّ مُطَّردِ الكفاح مُظفَّرٍ / ملَّ السّلاحُ وما عَراهُ ملالُ
تِلكَ الحياةُ لخمسَ عشرةَ حِجّةً / لِلنّيلِ منها نَضرةٌ وجَمالُ
هي في صِباها المُرتَجى وَشَبابِها / فَرْحَى على أَيْمانِهم تختالُ
السابحُ الجوّابُ ممّا اسْتَحدثوا / لِبلادِهم والطّائرُ الجوّالُ
هذا على مَتْنِ العُبابِ عَلامةٌ / لَهمُ وهذا في الجِواءِ مِثالُ
وسَلِ المصانعَ هَل يَسيرُ نسيجُها / خَلَلَ البِلادِ وهل يَسيلُ المالُ
من ذا يُفاوضُها فليس لَقومِنا / وَبلادِنا مِن دُونها اسْتقلالُ
زَعموه من نَسجِ اللّسانِ وإنّه / ممّا يَحوكُ وينسجُ المنوالُ
جَعلوا الخيالَ مِن الحياةِ نَصِيبَهم / ومن الحياةِ حَقيقةٌ وَخَيالُ
اجْعَلْ لِباسَكَ من طَرائفِ صُنعِها / نِعمَ اللّباسُ وبُورِكَ السِّربالُ
وَارْغَبْ بنفسكَ عَن سِواها إن دَنا / مِنكَ الرّواحُ وآذنَ التّرحالُ
لولا شَفاعتُها وأنتَ رَهينُها / ما طابَ مُضْطجَعٌ وخَفَّ سُؤالُ
اللهُ ألبسها السّناءَ وخصَّها / بالسرِّ يشفي الدّاءَ وهو عُضالُ
هِيَ كالقميصِ قميصِ يُوسفَ إذ أتَى / يعقوبَ فَانْظُرْ كيف كان الحالُ
البردةُ الغرّاءُ يَعبقُ طيبُها / بين المناسجِ ليس فيه جِدالُ
عَبقُ النُّبُوةِ مَالَهُ مِن جاحدٍ / إلا إذا طَمسَ العُقولَ خَبالُ
قُلْ لِلعروسِ تَعافُ صُنْعَ بِلادِها / أَزْرَى بقومكِ حُسنُكِ المِعطالُ
فاز الأجانبُ واسْتبدَّ غُلاتُهم / أفما يسرُّكِ أَن يفوزَ الآلُ
مصرُ التي وَلدتكِ أَعظمُ حُرمةً / والعَمُّ أكرمُ ذِمَّةً والخالُ
ما ضَاعَ مِن مَالِ الفَتى وعتادِه / ما تَستعيرُ مِنَ اليمينِ شِمالُ
لا يُنكرنَّ الضّيمَ شعبٌ عاجزٌ / فالعَاجِزونَ على الشُّعوبِ عِيالُ
مَن يَبْعَثُ الهِمَمَ الكِبارَ تُعينُها / منّا نُفوسٌ بَرَّةٌ وَخِلالُ
مَن لي بِهنَّ فإنهنَّ مَناهجٌ / كلُّ المناهجِ بَعدهُنَّ ضلالُ
هذا زعيمُ العامِلينَ أقامَها / دُنيا لمصر عِمادُها الأعمالُ
طابتْ بَوادِرُها على يَدِه لَنا / وهو الضَّمِينُ بأن يَطيبَ مآلُ
طالَ التحجُّبُ فارْفَعِ الأستارا
طالَ التحجُّبُ فارْفَعِ الأستارا / أَفَما ترانا نَرفعُ الأبصارا
اطلعْ على الدُّنيا بوجهٍ ضاحكٍ / وانْشُرْ على أقطارها الأنوارا
بَشِّرْ شُعوبَ المسلمينَ بنهضةٍ / تَدَعُ الشُّعوبَ النّاهضينَ حَيارى
فَزِعُوا إليكَ تَهُزُّهم أوطارَهم / فانظُرْ أَتَقضِي تِلكمُ الأوطارا
سَئِموا حياةَ القاعِدينَ وأقبلوا / يتلمَّسُون مع النُّسورِ مَطارا
لمّا رَأَوْكَ تذكَّروا آباءَهم / وتفزَّعوا لا يملكون قَرارا
قالوا أَنَهْدِمُ مجدَهم وهُمُ الأُلىَ / هدموا العُروشَ وزلزلوا الأقطارا
حملوا إلى الدُّنيا الحياةَ كبيرةً / تَلِدُ الممالكَ والشُّعوبَ كِبارا
أَنُضِيعُ ما تركوا لنا ونخونُهم / لسنا إذَنْ مِمّن يخاف العارا
يا طلعةَ العامِ الجديدِ تحيّةً / من قائمينَ على الذّمارِ غَيارَى
إنّا غَضِبنا للأمانةِ فاشهدِي / وتقبَّلي من قومنا الأعذارا
لا نومَ بعدَ اليّوم عن أسلابنا / فَخُذِي العُهودَ ورَدِّدي الأخبارا
هذا شبابُ الشّرق يطلبُ حقَّه / ويُطيعُ فيه شُيوخَه الأبرارا
هتفوا فأقبل كلُّ غضٍّ ناضرٍ / صُلبِ العزيمةِ يركب الأخطارا
يُلقِي إلى الموتِ الزُّؤامِ بِنفسهِ / ويراه مجداً عالياً وفَخارا
يا إخوةَ الإصلاح بُورِك سعيُكم / من فِتْيَةٍ زانوا الشَّبابَ وَقارا
لا يذهبنَّ بناؤُكم فبقاؤُه / أن تجعلوا الأخلاقَ فيه جِدارا
صُونوا الذخائرَ واحفظوا الآثارا / إنّا نُحِبُّ الفِتيةَ الأحرارا
لمّا رَأيتُكَ والقلوبُ خوافقٌ
لمّا رَأيتُكَ والقلوبُ خوافقٌ / تَلتاعُ حولكَ والنُّفوسُ حَيارَى
والنّيلُ من هَوْلِ الفِراقِ كأنّما / يَسْقِي البلادَ دماً ويقذفُ نارا
أيقنتُ أنّ اللهَ غَيَّرَ ما بنا / وأَرادَ أمراً بالبلادِ كُبارا
وإذا أراد اللهُ نجدةَ أُمَّةٍ / نَصرَ الحُماةَ وأيَّدَ الأنصارا
قَومِي أَهابَ مِنَ الحياةِ بَشيرُ
قَومِي أَهابَ مِنَ الحياةِ بَشيرُ / فَخُذوا سَبيلَ العامِلين وَسِيروا
الأمرُ جَدَّ فما لنا من عاذرٍ / إن نَحنُ نِمْنا والشُّعوبُ تطيرُ
ذَهَب القَديمُ وجاء عصرٌ ماله / بين العُصورِ الذّاهباتِ نظيرُ
الجِنُّ مِلءُ الأرضِ زَالَ حِجَابُهم / فَلَهُمْ بها بَعدَ الخَفاءِ ظهورُ
هُمْ في العُبابِ أراقمٌ ما يَنْقَضِي / منها الدّبيبُ وفي السّحابِ نُسورُ
إيهٍ شُعوبَ الإنس إن لم تنهضوا / فالعيشُ جَهلٌ والحياةُ غُرورُ
فيمَ السُّكونُ وكلَّ يومٍ مَارِدٌ / في الأرضِ من أُممِ الحياةِ يَثورُ
أَيظلُّ جَدُّ الغَربِ يَدأبُ صَاعِداً / والشّرقُ مَطويُّ الجَناحِ كَسيرُ
إنّا بَنوهُ فَلن يَرانا نَبْتَغِي / دِينَ الجُمودِ ولن نَراهُ يَبورُ
كَذَب المُضلَّلُ ما الحياةُ لِجَامدٍ / إنّ الحياةَ حَوادِثٌ وأُمورُ
ما حالُ مَنْ يُلقِي السّلاحَ مُجانِباً / والحربُ ثائرةُ العَجاجِ تَدورُ
إيهٍ بني مصرَ انْظُروا ما حولكم / وتأهَّبوا إنّ الخُطوبَ كثيرُ
كلُّ الممالكِ إنْ تَأمّلَ ناظِرٌ / حَرْبٌ وكلُّ العالمينَ مُغيرُ
في كلِّ يومٍ تَستطيرُ مصائبٌ / وتَموجُ في دُنيا الكِفاحِ شُرورُ
حقُّ البَقاءِ لِمَن يَصونُ ذِمارَهُ / والموتُ بالعانِي الذّليلِ جَديرُ
لا تَبخلوا بِالمالِ فهوَ لِمجدِكم / عِند البِنايةِ حائطٌ أَو سورُ
حقُّ البلادِ دَعَتْ تُريد أداءَه / والمالُ في حقِّ البلادِ يَسيرُ
ما عُذْرُكم ألّا يَفيضَ عَطاؤُكم / والنّيلُ فيّاضُ العَطاءِ غزيرُ
لا يَدَّعِي الإملاقَ والفَقرَ امْرُؤٌ / كَزُّ اليَدَيْنِ فما بِمصرَ فقيرُ
القوتُ لو يُعطيه مَن يشكو الطَّوى / لَحَلفتُ جَهْدي إنّه لَقَتورُ
ما جَادَ بَاذِلُ نفسِه لِبلادِه / وإنِ احْتَفَى مُثْنٍ ولَجَّ شَكُورُ
هو من مَواهِبها فإنْ يَبْخَلْ بما / وَهَبتْ عليها إنّه لَكَفُورُ
بئس الفَتَى يقضِي الحُقوقَ رِفاقُه / في النّائباتِ وَمَالُه مَذحورُ
لا يُنكرنَّ المرءُ فضلَ بِلادِه / فضلُ البلادِ على الرجالِ كبيرُ
هُم للفِداءِ فَما لَهمْ مُتزحزَحٌ / إنْ صَحَّ وِجدانٌ وبَرَّ شُعورُ
أوفى الرّجالِ على الحوادثِ مَن له / قَلبٌ بِحُبّ بِلادِه مَعْمورُ
إنّي بقومي إن تنكّرَ حَادِثٌ / أو جَلَّ أمرٌ جَامِعٌ لَفخورُ
صَدعوا قُوى الحِدْثانِ بالبأسِ الذي / فَتَر الزّمانُ وما عَراهُ فُتورُ
وتَدَفَّقُوا يَتَسابَقونَ إلى مَدىً / بالسُّحب عنه وبالبِحارِ قُصورُ
شَكتِ الكِنانةُ ظِمْئَها واسْتَمطرتْ / فَهَمى أميرٌ واستهلّ أجيرُ
لِمَنِ الكنوزُ اسْتُودِعتْ أَسْرارَها / تَحتَ التُّرابِ جَنادِلٌ وَصُخورُ
للجنِّ أو للعلمِ منذ تكدَّسَتْ / رَصَدٌ عليها قائمٌ وخفيرُ
لَبِثَتْ كَأوّلِ عَهدِها وتقادمتْ / أُممٌ مَشَتْ مِن فَوقِها وعُصورُ
يا أرضُ لولا البِرُّ من آبائِنا / ما غَيّبَتْ تِلكَ الكنوزَ قُبورُ
هَلْ أُخِّرَتْ إلا لِيشهدَ بعثَها / يومٌ يَجيءُ به الزَّمانُ خَطيرُ
أدِّى إلى مصرَ الأمانةَ إنّه / بَعثٌ لِمصرَ مُحبَّبٌ ونُشورُ
أنتِ الخِزانَةُ للزّمانِ وَرَيْبهِ / إن حَلَّ صعبٌ أو ألَمَّ عَسيرُ
إنّي رأيتُ الأمرَ بعد مِطَالِه / بلغَ المصيرَ وللأُمورِ مَصيرُ
لو كان لِلأُمَمِ الخِيارُ لما اشْتَفَتْ / منّا بما دونَ السِّماكِ صُدورُ
ماذا احْتِيالُ النّاقِميِنَ وقد مَضَى / قَدَرٌ لِمصرَ وأَهلِها مَقدورُ
أَوَ ما كَفَى ما ذَاقَ مِن آلامِه / شَعبٌ على نُوَبِ الزّمانِ صَبورُ
يا قومُ جِدُّوا في الحوادثِ واعْملوا / فالجِدُّ عَوْنٌ صادقٌ وظَهيرُ
حَفِظَ الإِلهُ بِلادَكم وأعزَّها / عَلَمٌ على أرجائها مَنشورُ
إن تذكروا اسْتقلالَ مِصرَ فإنَّه / رَمزٌ إلى اسْتِقلالِ مِصرَ يُشيرُ
لي مجدُه العالي وَطِيبُ ظِلالهِ / وله بياني الصَّادقُ المأثورُ