جانَبتُ بَعدَكَ عِفَّتي وَوَقاري
جانَبتُ بَعدَكَ عِفَّتي وَوَقاري / وَخَلَعتُ في طُرُقِ المُجونِ عِذاري
وَرَأَيتُ إيثارَ الصَبابَةِ في الَّذي / تَهوى النُفوسُ مُمَحِّقَ الأَعمارِ
لا تَأمُرَنّي بِالتَسَتُّرِ في الهَوى / فَالعَيشُ أَجمَعُ في رُكوبِ العارِ
إِنَّ التَوَقُّرَ لِلحَياةِ مُكَدِّرٌ / وَالعَيشُ فَهوَ تَهَتُّكُ الأَستارِ
مَن تابَعَت أَمرَ المُروءَةِ نَفسُهُ / فَنِيَت مِنَ الحَسَراتِ وَالأَفكارِ
لا تُكثِرَنَّ عَلَيَّ إِنَّ أَخا الحِجا / بَرِمٌ بِقُربِ الصاحِبِ المِهذارِ
خَوَّفَتني بِالنارِ جُهدَكَ دائِباً / وَلَجَجتَ في الإِرهابِ وَالإِنذارِ
خَوفي كَخَوفِكَ غَيرَ أَنّي واثِقٌ / بِجَميلِ عَفوِ الواحِدِ القَهّارِ
أَقرَرتُ أَنّي مُذنِبٌ وَمُحَرَّمٌ / تَعذيبُ ذي جُرمٍ عَلى الإِقرارِ
اِنظُر إِلى زَهرِ الرَبيعِ وَما جَلَت / فيهِ عَلَيكَ طَرائِفُ الأَنوارِ
أَبدَت لَنا الأَمطارُ فيهِ بَدائِعاً / شَهِدَت بِحِكمَةِ مُنزِلِ الأَمطارِ
ما شِئتَ لِلأَزهارِ في صَحرائِهِ / مِن دِرهَمٍ بَهِجٍ وَمِن دينارِ
وَجَواهِرٍ لَولا تَغَيُّرُ حُسنِها / جَلَّت عَنِ الأَثمانِ وَالأَخطارِ
مِن أَبيَضٍ يُقَقٍ وَأَصفَرَ فاقِعٍ / مِثلِ الشُموسِ قُرِنَّ بِالأَقمارِ
ناحَت لَنا الأَطيارُ فيهِ فَأَرهَجَت / عُرسَ السُرورِ وَمَأتَمَ الأَطيارِ
دارٌ لَو اِتَّصَلَ البَقاءُ لِأَهلِها / لَم يَحفِلوا بِنَعيمِ تِلكَ الدارِ
فَاِنهَض بِنا نَحوَ السُرورِ فَإِنَّهُ / ما زالَ يَسكُنُ حانَةَ الخَمّارِ
فَاِشرَب مُعَتَّقَةً كَأَنَّ نَسيمَها / مِسكٌ تُضَوِّعُهُ يَدُ العَطّارِ
أَخفى دَبيباً في مَفاصِلِ شَربِها / وَأَدَقَّ أَلطافا مِنَ المِقدارِ
أَحكامُها في العَقلِ إِن هِيَ حُكِّمَت / أَحكامُ صَرفِ الدَهرِ في الأَحرارِ
يَرضى عَلى الأَقدارِ شارِبُها الَّذي / ما زالَ ذا سَخَطٍ عَلى الأَقدارِ
وَكَأَنَّها وَالكَأسُ ساطِعَةٌ بِها / ذَوبٌ تَحَلَّلَ في عَقيقٍ جاري
لا سِيِّما مِن كَفِّ أَغيَدَ شادِنٍ / يَسبي العُقولَ بَطرَفِهِ السَحّارِ
فَضَلَ الغُصونَ لِأَنَّها مِن غَرسِنا / عِندَ التَأَمُّلِ وَهوَ غَرسُ الباري
قَد غَيَّبَ الزُنّارَ دِقَّةُ خَصرِهِ / حَتّى ظَنَنّاهُ بِلا زُنّارِ
مُتَنَصِّرٌ قَوِيتَ عَلى إِسلامِنا / بِالحُسنِ مِنهُ حُجَّةُ الكُفّارِ
قالوا أَيَصنَعُ مِثلَ هذا رَبُّكُم / وَيَرى فَسادَ صَنيعِهِ بِالنارِ
مَع مُسمِعٍ حَلَفَت لَهُ أَوتارُهُ / أَن لا تُنافِرَ رَنَّةَ المِزمارِ
فَطِنٍ يُحَرِّكُ كُلَّ عُضوٍ ساكِنٍ / تَحريكَهُ لِسَواكِنِ الأَوتارِ
شَدوٌ إِذا الحُلَماءُ زارَ حُلومَهُم / باعوا بِطيبِ السُخفِ كُلَّ وَقارِ
وَالشَدوُ أَحسَنُهُ الَّذي لَم يُستَمَع / إِلّا أَطارَ العَقلَ كُلَّ مُطارِ
ذا العَيشُ لا نَعتُ المَهامِهِ وَالفَلا / وَسُؤالُ رَسمِ الدارِ وَالأَحجارِ
لا فَرَّجَ الرَحمنُ كُربَةَ جاهِلٍ / يَبكي عَلى الأَطلالِ وَالآثارِ