القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ مَعْتوق المُوسَوِيّ الكل
المجموع : 6
خَفَرَتْ بسيفِ الغُنج ذمّةَ مِغفَري
خَفَرَتْ بسيفِ الغُنج ذمّةَ مِغفَري / وفَرَتْ برُمح القدِّ دِرعَ تصبُّري
وجلَتْ لنا من تحت مِسكةِ خالِها / كافورَ فجرٍ شقَّ ليلَ العنْبرِ
وغدَتْ تذُبُّ عن الرُضابِ لِحاظها / فحمَتْ علينا الحورُ وِردَ الكوثرِ
ودنتْ إلى فمِها أراقِمُ فرعِها / فتكلّفتْ بحِفاظِ كَنزِ الجوهري
يا حاملَ السيفِ الصّحيح إذا رَنَتْ / إياكَ ضربةَ جفنِها المُتكسِّرِ
وتَوقَّ يا ربَّ القناةِ الطّعنَ إنْ / حملَتْ عليكَ من القَوامِ بأسْمَرِ
برزَتْ فشِمْنا البرقَ لاحَ ملثّماً / والبدرَ بين تقَرطُقٍ وتخمُّرِ
وسعَتْ فمرّ بنا الغزالُ مطوّقاً / والغُصنُ بين موشّحٍ ومؤزّرِ
بأبي مَراشِفها الّتي قد لُثِّمتْ / فوق الأقاحي بالشّقيقِ الأحمرِ
وبمُهجَتي الروضُ المُقيمُ بمُقلةٍ / ذهبَ النُعاسُ بها ذهابَ تحيّري
تاللَّهِ ما ذُكرَ العقيقُ وأهلُه / إلّا وأجراهُ الغرامُ بمِحجَري
لولاهُ ما ذابتْ فرائدُ عَبرَتي / بعدَ الجمودِ بحرِّ نارِ تذكّري
كم قد صَحِبْتُ به منَ اِبْناءِ الظبا / سِرباً ومن أسُدِ الشّرى من معشَرِ
وضَللتُ من غسَقِ الشعورِ بغيهبٍ / وهُديتُ من تلك الوجوهِ بنيّرِ
يا لَلعشيرةِ مَنْ لمهجةِ ضَيغمٍ / كمنَتْ منيّتُه بمقلةِ جُؤذرِ
روحي الفِداءُ لظبيةِ الخِدرِ الّتي / بُنِيَ الكِناسُ لها بغابِ القَسْوَرِ
لم أنسَ زَورَتَها ووجناتُ الدُجى / تنباعُ ذِفْراها بمسكٍ أذْفرِ
أمّتْ وقد هزّ السِماكُ قناتَه / وسَطا الضياءُ على الظلامِ بخنجرِ
والقوسُ معترضٌ أراشَتْ سَهمَه / بقوادِم النَسرَينِ أيدي المُشتري
وغدَتْ تُشنّف مسمعيَّ بلُؤلؤٍ / لولاهُ ناظمُ عَبرَتي لم ينثُرِ
وتضمُّ منّي في القميص مهنّداً / وأضمّ منها بالنصيفِ السّمهري
طوراً أرى طوقي الذراعَ وتارةً / منها أرى الكفّ الخضيبَ بمِسْوَرِ
حتّى بَدا كِسرى الصّباح وأدبرَتْ / قومُ النّجاشي عن عَساكر قيصَرِ
لمّا رأتْ روضَ البنفسجِ قد ذوى / من ليلِنا وزهَتْ رياضُ العُصفُرِ
والنجمُ غارَ على جوادٍ أدهمٍ / والفجرُ أقبل فوقَ صهوةِ أشقرِ
فزعَتْ فضرّسَتِ العقيقَ بلؤلؤٍ / سكنَتْ فرائِدُه غديرَ السُّكّرِ
وتنهّدتْ جزَعاً فأثّرَ كفُّها / في صَدرِها فنظرْتُ ما لم أنظُرِ
أقلامَ مَرجانٍ كتَبْن بعنبَرٍ / بصحيفةِ البِلّورِ خمسةَ أسطُرِ
ومضَتْ وحُمرةُ خدِّها من أدْمِها / لبسَتْ رَمادَ المِسكِ بعد تستُّرِ
للّهِ دَرُّ جَمالِها من زائرٍ / رسمَ الخيالُ مثالَها بتصوّري
لم ألقَ أطيبَ بهجةً من نَشرِها / إلّا البشارةَ في إيابِ الحَيدَري
ابنُ الهُمامِ أخو الغَمامِ أبو النّدى / بركاتُ شمس نهارنا المَولى السّري
الخاطبُ المعروف قبلَ فِطامِه / والطالبُ العلياء غيرَ مُقدّرِ
مِصباحُ أهلِ الجود والصُبحُ الّذي / ما اِنجابَ لَيلُ البُخلِ لو لمْ يُسفِرِ
قِرنٌ إذا سلَّ الحُسام حسِبتَهُ / نهراً جرى من لُجّ خمسةِ أبحُرِ
قرَن البراعةَ بالشجاعةِ والنّدى / والرأيَ في عَفوٍ وحُسنِ تدبّرِ
آباؤهُ الغُرُّ الكِرامُ وجدّهُ / خيرُ الأنام أبو شُبيرَ وشَيْبرِ
لو أنّ موسى قد أتى فرعَونَه / في آي ذاتِ فقاره لم يَكفُرِ
أو لو دَعا إبليسَ آدمُ باِسْمهِ / عندَ السُجودِ لديه لم يستكْبِرِ
أو كان بالبَدرِ المُنير كمالُه / ما غار أو بالشمسِ لم تتكوّرِ
أو في السماء تكون قوّةُ بأسهِ / في الروعِ يومَ البعثِ لم تتفطّرِ
سمحٌ أذلَّ الدرَّ حتّى أنّه / خَشيَتْ ثُغورُ البيضِ فيها يزدري
ومَحا سَوادَ الجَورِ أبيض عدلِه / حتّى تخوّف كلُّ طَرفٍ أحوَرِ
يجدُ الظِباءَ البيضَ كالبيضِ الظُبا / وصَليلها بالكَعْمِ نغمةَ مِزْمَرِ
بعد المشقّة نال لذّاتِ العُلى / لا يستلذّ الغُمضَ مَنْ لم يَسْهَرِ
قُلْ للّذي في الجودِ يطلبُ شأوَه / أربيْتَ في الغُلواءِ ويحكَ فاِقصِرِ
بُدِئَ النّدى منه فأفعالُ السّخا / عن غيرِ مصدرِ ذاته لم تَصْدُرِ
فالناسُ من ماءٍ مَهينٍ وهوَ من / ماءٍ مَعينٍ طاهِرٍ ومُطَهِّرِ
يا مَنْ بكُنيتهِ نريدُ تيمُّناً / وبه يُزالُ تشاؤُمُ المتطيّرِ
إنْ عُدَّ قبلَك في المكارم ماجدٌ / قد كان دونَك في قديم الأعْصُرِ
فكذلك الإبهامُ فهوَ مقدَّمٌ / عند الحِساب يُعدُّ بعد الخِنصرِ
بالفخرِ ساد أبوكَ سادات الورى / وأبوك لولاكَ ابنُه لم يفخَرِ
كالعين بالبصرِ المُنير تفضّلتْ / والعينُ لولا نَجلُها لم تُبصِرِ
قسَماً ببارقِ مُرهفٍ قُلِّدتَهُ / وبعارِضٍ من مُزنِ جودِك مُمطِرِ
لولا إيابُك للجزيرة ما صفَتْ / منها مشارِعُ أمنِها المتكدِّرِ
أسكَنْتَ أهليها النّعيمَ وطالما / شهدوا الجحيمَ بها وهَولَ المَحْشَرِ
وكسَوْتَها حُلَلَ الأمان وإنّها / لولاك أضحتْ عَورةً لم تُسْتَرِ
بوركْتَ من شهمٍ قدِمتَ مشمّراً / نحو العُلى إذ يُحجِم الليثُ الشّري
وقطعْتَ أنوار الفَخار بأنمُل ال / فِتيان من روضِ الجديد الأخضرِ
فليَهْنِكَ المجدُ التّليد وعادكَ الْ / عيدُ الجديد بنبلِ سعدٍ أكبرِ
واِلبَس قميصَ المُلكِ يا طالوتَه / واِسحبْ ذيولَ الفضل فخراً وأجْرُرِ
واِستَجل بِكرَ ثَنا فصاحةِ لفظها / عبثَتْ بحِكمتِها بسِحرِ البُحتُري
لو يعلمُ الكوفي بها لم يزدَري / أو يشعرُ الطائي بها لم يشعرِ
لا زِلتَ تاجَ عُلىً وحِليةَ مَنصِب / وطرازَ مَكرُمةٍ وزينةَ منبَرِ
كتمَ الهوى فوشى النّحولُ بسرِّه
كتمَ الهوى فوشى النّحولُ بسرِّه / وصحا فحيّاهُ النسيمُ بخمرِهِ
وصغى إلى رجعِ الحمام بسجعِهِ / فأهاجَتِ البَلوى بلابِلُ صدرِهِ
وسقَتْهُ ممرَضَةُ الجُفونِ فقلبُه / صاحٍ يرقّصُهُ الخُفوقُ لسُكرِهِ
ونسجْنَ ديباجَ السّقامِ لجسمِه / بيضُ الخُصورِ فسربَلَتْهُ بصُفْرِهِ
ووشَتْ له سُودُ العيونِ بهديها / وشيَ الحَمامِ فقمّصَتْهُ بحُمْرِهِ
وحَلا له في الحبِّ خلعُ عِذارِه / فجَلا ظلامَ العدل نيّرُ عُذرِهِ
ودنا الفِراقُ وكان يبخلُ قبلَهُ / بلُجَين مدمَعِه فجادَ بتِبرِهِ
وبَدا له برقُ العَقيق فظنّه / بيضَ الثّنايا وهْيَ لمعةُ تِبرِهِ
ورأى بها شِبهَ النجومِ فخالَها / قبَساتِ نارٍ وهْي أوجُهُ غُرِّهِ
للَّه أيّامُ العقيقِ وحبّذا / أوقاتُ لذّاتٍ مضَتْ في عصرِهِ
ثغرٌ يُجابُ صهيلُه بصهيلِه / ويُجيبُ باغِمَهُ الهزَبرُ بزأرِهِ
تَحمي أسودُ الغاب خِشفَ كِناسِه / ويضُمُّ ريشُ النّبْلِ بيضةَ خِدرِهِ
لا فرقَ بين وصولِ طوقِ قَناتِه / للطّالبين وبينَ هالةِ بَدْرِهِ
أقمارُه حملَتْ أهلّةَ بِيضِه / وشُموسُه حُرِسَتْ بأنجُم سُمرِهِ
حرمٌ مَنيعُ الحيّ قد كمن الرّدى / بجُفونِ شادِنه ونابِ هِزَبْرِهِ
هو ملعبُ البيضِ الحوالي فاِلتقِطْ / منه اللآلي واِنتشِقْ من عِطرهِ
إيّاكَ تقربُ ورْدَ منهلِ حيّه / فالموتُ ممزوجٌ بجرعةِ خُصْرهِ
تهَبُ الظُماةُ به لطالوت الرّدى / بحرَ النّجيع بغرفةٍ من نهرهِ
سلْ يا حَماكَ اللَّهُ عن خبَر الحِمى / نفَسَ الشِّمالِ فقد طَواهُ بنَشْرِهِ
واِستَخبِر البَرْقَ الضحوكَ إذا اِنْبرى / شطرَ اللّوى عمّن حكاه بثغرِهِ
يا حبّذا المتحمّلونَ وإنّهُم / سلَبوا فؤادَ الصّبِّ ملبَسَ صبرِهِ
لولا اِنتظامُ الدُرِّ بين شفاهِهم / ما جادَ ناظمُ عَبرَتي في نثرِهِ
وبمهجَتي الرَّكْبُ المعرَّضُ للحِمى / وبُدورُ تِمٍّ في أكلّةِ سِفرِهِ
جعلوا عليَّ بقاءَ روحي منّةً / أوَ ما رآها ركبُهمْ في إثرِهِ
كيفَ البَقاءُ وفي غفائِر بيضِهم / ساروا عن المُضنى بألْيَلِ عُمرهِ
لا تطلبنّ القلبَ بعد رحيلهم / منّي فقد ذهبَ الأسيرُ بأسْرهِ
قالوا الفِراقُ غداً فلاح لناظري / صُوَرُ المَنايا في سُحيّرِ فَجرِهِ
يا ليتَ يوم البينِ من قبلِ النّوى / لم تسمحِ الدُنيا بمولِدِ شهرِهِ
يوماً علينا بالكآبةِ والأسى / شهدَتْ جَوارحُنا بموقفِ حَشرِهِ
كيف السُّلوُّ وليس صبرُ أخي الهَوى / إلّا كحظِّ أخي النُهى في دهرِهِ
فإلى مَ أرجو الدّهرَ يُنجزُ بالوَفا / وعدي فتعرِضُ لي مكايِدُ غَدرِهِ
لا شيءَ أوهى من مواعِدِه سوى / دعوى شريكِ أبي الحُسين بفخرِهِ
ملكٌ إذا حدَثُ الزّمان لنا قَضى / أمضى مُضارعَهُ بصيغةِ أمرِهِ
فرعٌ إلى نحوِ العُلا يسمو به / أصلٌ رَسا بين النبيّ وصهرِهِ
نورٌ إذا ما بالوصيّ قرَنتَه / أيقَنْتَ أنّ ظُهورَه من ظهرِهِ
حرٌّ لو اِنتظَمَتْ مفاخِرُ هاشمٍ / بقِلادةٍ لرأيتَها في نحرِهِ
لا يُدركنَّ مديحَهُ لسِنٌ ولو / نظمَ الكواكبِ في قلائِدِ شِعرِهِ
للّه بينَ بيانهِ وبنانِه / كنزٌ أفادَ السائِلينَ بدُرّهِ
لو كان للبحرِ الخضَمِّ سماحُه / لم يخزُنِ الدُرَّ اليتيمَ بقَعرِهِ
سمحٌ لو اِنّ النيّراتِ جواهرٌ / قذفَتْ بها للوَفدِ لجّةُ بحرِهِ
يعطي ويحتقر النّوالَ وإنْ سَما / فيرى الثُريّا في أصاغِرِ صِرِّهِ
خطب العُلا فتطلّقَتْ أموالُه / منه وزوّجَه النّوالُ ببِكرهِ
تاللَّهِ ما سيفُ الرّدى بيدِ القَضا / يوماً بأفتَكَ من نَداهُ بوَفرِهِ
لو تلمِسُ الصّخرَ الأصمّ يَمينُه / لتفجّرَتْ بالعَذْبِ أعيُنُ صخرِهِ
قتلَتْ مهابتُه العدوَّ مخافةً / فكفَتْ صوارِمَهُ أسنّةُ ذُعرِهِ
بطلٌ إذا في الضّربِ ألهبَ مارِقاً / خِلْتَ الكواكبَ من تَطايُر جَمرهِ
فسلاحُ ليلِ الحتْفِ مِخلَبُ سيفِه / وجَناحُ طيرِ النُّجْحِ رايةُ نصرِهِ
بحرٌ إذا خاضَتْهُ أفكارُ الوَرى / غرِقَتْ به قبلَ البلوغُ لعِبْرِهِ
فطِنٌ يكادُ الليلُ يُشرِقُ كالضُحى / لو أنّ فكرَتَه تمرُّ بفِكرِهِ
آيُ الفَصاحةِ إن يخُطَّ يَراعُهُ / لم تَبدُ أنجمُها بظُلمةِ حِبرِهِ
ترك المواكبَ كالكواكِبِ فاِهتدى / فيهنّ مَنْ يَسْري لمَشرِقِ يُسْرِهِ
غيثٌ يكادُ التِّبرُ ينبُتُ بالرُبى / كالنورِ لو وُسِمَتْ بلؤلؤِ قَطْرِهِ
لو أنّ للأعناقِ منها ألسُناً / نطَقَتْ بأفواهِ الجُيوبِ بشُكرِهِ
لم يغشَ وجهَ الأفْقِ حتّى ينطوي / كلَفُ الدُجى لو حاز رونَق بِشرِهِ
سامٍ يمُدُّ إلى العُلا باعاً طوتْ / مجرى الدّراري السبْعِ خُطوةُ بِشرهِ
من آلِ حيدرَةَ الأُلى اِزدانَ العُلا / فيهم كما اِزْدانَ الرّبيعُ بزَهرِهِ
غُرٌّ إذا منهم تولّدَ كوكَبٌ / حسدَتْ شُموسُ الأفْقِ مفخَرَ ظِئْرِهِ
قفرٌ لوَ اِنّهُمُ جلَوْا أحسابَهم / في اللّيل لاشتبَهَتْ بأضوإِ زَهرِهِ
من كلِّ أبلَجَ في ذُيولِ قِماطِه / علقَ العُلا ونَشا السّماحُ بحِجْرِهِ
لم يبكِ وهْوَ على حَشيّةِ مهدِه / إلّا لحُبِّ ركوبِ صهوَة مُهرِهِ
للَّه دَرُّك يا عليُّ ففضلُهُم / بك فُصِّلَتْ آياتُ مُحكَمِ ذِكرِهِ
اللّهُ حَسبُك كيف سِرْتَ إلى العُلا / ما بينَ أنيابِ الحِمامِ وظُفْرِهِ
لولاكَ قُدْسُ المجدِ أصبحَ طورُه / دكّاً يموجُ وخرَّ موسى قدْرِهِ
قامت بنجدتِه سيوفُك فاِغْتدَتْ / بالنّصرِ تبسِمُ كالثّغورِ بثغرِهِ
جرّدْتَها فرجَمْتَ شيطانِ العِدا / بنُجومِها ودحَرْتَ ماردَ شرِّهِ
قُضُبٌ إذا رأتِ الأسودُ فرِنْدَها / شهِدَتْ مَناياها بأيدي ذرِّهِ
مولايَ سمعاً من رَقيقِك مِدحةً / هي بنتُ فكرتِه ودُميةُ قَصْرِهِ
بِكرٌ يحجِّبُها الجَمالُ وإنْ بدَتْ / ويصونُها خفرُ الدّلالِ بسَتْرِهِ
لو كان تخطِبُها النُجومُ لبَدرِها / حاشاكَ لم تُعْطِ القَبولَ لمَهْرِهِ
فاِستجلِها عذراءَ هذّبَ لفظَها / طبعٌ أرقُّ من النّسيمِ بمرّهِ
وليَهْنِكَ الشّهرُ المباركُ صومُه / وجزاكَ ربُّك عنه أفضلَ أجرِهِ
شهرٌ لوَ اِنّ من الوَرى أوقاتُه / عُدّتْ لرُحْتَ وأنت ليلَةُ قَدْرِهِ
واِسْعَدْ بعِيدٍ أنت فينا مِثلُه / واِفْطُرْ قُلوبَ المعتَدين بفِطرِهِ
يا مِنّةً لذّ بها السُّكْرُ
يا مِنّةً لذّ بها السُّكْرُ / لا ينقَضي منّي لها الشُّكْرُ
فلَقَ الدُجى بعَمودِه الفجرُ / وبكى النّدى وتبسّمَ الزّهرُ
وتنفّسَ النّسرينُ عن عبقٍ / منهُ بأذيالِ الصَّبا عِطْرُ
والوقتُ قد لطُفَتْ شمائِلُهُ / فصَفا ورقَّ وراقَتِ الخَمْرُ
فاِنهَضْ على قدمِ السّرورِ إلى / شمسٍ يَطوفُ بكأسِها بَدْرُ
بِكْرٌ إذا ما الماءُ خالَطَها / منها تولّدَ لؤلؤٌ نَثْرُ
عَذراءُ ما لبَني الخلاعةِ عنْ / خَلْعِ العِذارِ بحبُّها عُذْرُ
نفسٌ من الياقوتِ سائِلةٌ / روحٌ ولكنْ جِسمُها تِبْرُ
تَبدو براقِعُها فتحسَبُها / برداً تلظّى تحتَهُ جَمْرُ
نورٌ يكادُ فؤادُ شارِبِها / للعَينِ منها ينجَلي السّرُّ
لطُفَتْ فخِلنا ذات جوهرِها / فنِيَتْ وقامَ بنفْسِها السُّكْرُ
تذَرُ الزُّجاجَ بلَونِها ذهَباً / فلها بعِلْمِ الكيميا خبَرُ
وكأنّ سرَّ المومياءِ لها / فيها لكَسْرِ قُلوبِنا جَبْرُ
وكأنّما راوُوقُها دَنِفٌ / أجرى عَقيقَ دموعِهِ الهَجْرُ
ومُهَفهَفٍ كالشمسِ طلعَتُه / بالجيدِ منهُ كواكبٌ زُهْرُ
شُغِفَتْ بقامَتِه القَنا فلِذا / ألوانُها لشحوبِها سُمْرُ
ورأى البهار شَقيق وجْنَتِها / فخُدودُها كَلَفاً بهِ صُفْرُ
بوِشاحِه معنى عِبارتِه / رقّتْ ودقّقْ شرْحَها الخَضْرُ
وبلحظِه وفؤادِ وامقِه / سُكْرٌ له بكِلَيْهِما كَسْرُ
باتَتْ تُضاحِكُني براحتِه / راحٌ كأنّ حَبابَها ثَغْرُ
فأرضته بعدَ الجِماحِ بها / حتّى تسهّلَ خُلقُه الوَعْرُ
نظمَ الهوى عقدَ العِناقِ لنا / ومنَ العَفافِ تضمّنا أُزْرُ
رفعَ الشّبابُ حِجابَ أوجهنا / ومن الفتوّةِ بينَنا سِتْرُ
ولكم عرجتُ إلى محلِّ عُلاً / فوقَ السِّماكِ وتحتَهُ الغَفْرُ
بمطهَّمٍ مثلِ الظّليمِ إذا / ما شدّ قُلْتُ بأنّهُ صَقْرُ
تَدري المَها أن لا نَجاةَ لها / منهُ ويعلَمُ ذلكَ العُفْرُ
فإذا له آجالُها عرضَتْ / عرضَتْ لها آجالُها الحُمرُ
مثلُ الرّياحِ رواحُ أربعةٍ / شهرٌ وسَيرُ غُدوّها شَهْرُ
كمُلَتْ صِفاتُ الصّافِناتِ به / فبذاتِه لجميعِها حَصْرُ
يجري ويجري الفِكرُ يتبَعُهُ / فيَفوتُ ثمّ ويحسَرُ الفِكرُ
ويكاد أن يرِدَ السّماءَ إذا / ظنّ المجرّةَ أنّها نَهْرُ
أطلَعتُ منه سَهمَ حادثةٍ / يرمي به عن قوسِه الدّهْرُ
حتّى بلغْتُ أبا الحُسين به / فبلغْتُ حيث يُرَفرِفُ النّسرُ
حيث العُلا ضربَتْ سُرادقه / فيه وحلّ المجدُ والفخرُ
حيث التُّقى والفضلُ أجمعُهُ / تأوي إليه ويأمَنُ البرُّ
فوثِقْتُ منذُ حلَلْتُ ساحتَهُ / أن لا يحِلَّ بساحَتي فَقْرُ
ما زالَ يقذِفُ لي جواهرَهُ / حتّى علِمْتُ بأنّه بحرُ
يُجدي ندىً ويُفيدُ مسألةً / فنوالُه وكلامُه دُرُّ
فوقَ الخصيبِ محلُّ رِفعتِهِ / وبهِ الخَويزةُ دونَها مِصْرُ
كم من أيادِيه لديّ يدٌ / ما ينقَضي منّي لها الشُّكْرُ
هلَّ المحرّمُ فاستهِلَّ مُكَبِّرا
هلَّ المحرّمُ فاستهِلَّ مُكَبِّرا / واِنْثُرْ به دُررَ الدّموعِ على الثّرى
واِنظُرْ بغُرّتِه الهِلالَ إذا اِنجَلى / مُستَرجِعاً متفجِّعاً متفكّرا
واِقطِف ثِمارَ الحُزنِ من عُرجونِه / واِنحَر بخَنجَرِه بمُقلَتِك الكَرى
واِنْسَ العَقيقَ وأُنْسَ جيرانِ النّقا / واِذْكُر لنا خبرَ الصّفوفِ وما جَرى
واِخلَع شِعارَ الصّبرِ منك وزُرَّ مِنْ / خِلَعِ السَّقامِ عليكَ ثوباً أصفَرا
فثِيابُ ذي الأشجانِ أليَقُها بهِ / ما كان من حُمرِ الثّيابِ مُزَرَّرا
شهرٌ بحُكمِ الدّهرِ فيه تحكّمتْ / شَرُّ الكِلابِ السّودِ في أسَدِ الشّرى
للّهِ أيُّ مُصيبةٍ نزلَتْ به / بكَتِ السّماءُ لها نجيعاً أحمَرا
خطْبٌ وهَى الإسلامُ عندَ وُقوعِه / لبِسَتْ عليهِ حِدادَها أمُّ القُرى
أوَ مَا ترى الحرَمَ الشّريفَ تكادُ من / زفَراتِه الجَمَراتُ أن تتسعّرا
وأبا قُبَيس في حَشاهُ تصاعدَتْ / قبَساتُ وجْدٍ حرُّها يَصلي حِرا
علِمَ الحطيمُ به فحطّمَهُ الأسى / ودَرى الصّفا بمُصابه فتكدّرا
واِستَشْعَرَتْ منه المشاعِرُ بالبَلا / وعَفا محسَّرُها جوىً وتحسَّرا
قُتِلَ الحُسينُ فيا لَها من نَكبةٍ / أضحى لها الإسلامُ منهدِمَ الذُّرا
قتْلٌ يدلُّكَ إنّما سرُّ الفِدا / في ذلك الذِبْحِ العظيمِ تأخّرا
رُؤيا خليلِ اللّهِ فيهِ تعبّرَتْ / حقّاً وتأويلُ الكِتابِ تفسّرا
رُزْءٌ تدارَكَ منه نفْسُ محمّدٍ / كَدَراً وأبكى قبرَهُ والمِنْبَرا
أهدى السّرورَ لقلبِ هِندٍ واِبنها / وأساءَ فاطمةً وأشجى حيدَرا
ويلٌ لقاتلِه أيدري أنّهُ / عادى النبيَّ وصِنوَهُ أمْ ما دَرى
شُلّتْ يَداهُ لقد تقمّصَ خِزيةً / يأتي بها يومَ الحِسابِ مؤزَّرا
حُزني عليه دائِمٌ لا ينقضي / وتصبُّري منّي عليَّ تعذَّرا
وا رَحمَتاهُ لصارِخاتٍ حولهُ / تبكي لهُ ولوَجْهِها لنْ تَسْتُرا
ما زالَ بالرُّمحِ الطّويلِ مُدافعاً / عنها ويكْفَلُها بأبيضَ أبْتَرا
ويَصونُها صونَ الكريمِ لعِرْضِه / حتّى له الأجَلُ المُتاحُ تقدّرا
لهفي على ذاكَ الذّبيحِ من القَفا / ظُلْماً وظلّ ثلاثةً لن يُقْبَرا
مُلقىً على وجهِ التُرابِ تظنّه / داودَ في المحرابِ حينَ تسوّرا
لهفي على العاري السّليبِ ثيابُه / فكأنّه ذو النّونِ يُنبَذُ بالعَرا
لهفي على الهاوي الصّريعِ كأنّه / قمرٌ هَوى من أوجِه فتكوّرا
لهفي على تلكَ البَنانِ تقطّعتْ / لو أنّها اِتّصلَتْ لكانتْ أبحُرا
لهفي على العبّاسِ وهو مجنْدَلٌ / عرضَتْ منيّتُهُ له فتعثّرا
لحِقَ الغُبارُ جَبينَهُ ولَطالَما / في شأوِه لحِقَ الكرامَ وغبّرا
سلَبَتْهُ أبناءُ اللِّئامِ قميصَهُ / وكَسَتْهُ ثوباً بالنّجيعِ معَصْفَرا
فكأنّما أثرُ الدِّماءِ بوجهِه / شفقٌ على وجهِ الصّباحِ قد اِنْبَرا
حُرٌّ بنصرِ أخيهِ قام مُجاهِداً / فهَوى المَماتَ على الحياةِ وآثَرا
حفِظَ الإخاءَ وعهدَهُ فوفى له / حتّى قضى تحت السّيوفِ معفَّرا
مَنْ لي بأن أفدي الحُسينَ بمُهجَتي / وأرى بأرضِ الطّيفِ ذاك المحْضَرا
فلوِ اِستطَعْتُ قذَفْتُ حبّةَ مُقلتي / وجعلْتُ مدفِنَهُ الشريفَ المَحجرا
روحي فِدى الرّاسِ المُفارِقِ جسمَهُ / يُنشي التِلاوةَ ليلَهُ مُستَغفِرا
رَيحانةٌ ذهبَتْ نضارةُ عودِها / فكأنّها بالتُّربِ تَسقي العَنْبَرا
ومضرّجٍ بدمائِه فكأنّما / بجُيوبِه فتّتَّ مِسكاً أذْفَرا
عَضْبٌ يدُ الحِدثانِ فلّتْ غَربَهُ / ولَطالما فلقَ الرؤوسَ وكسّرا
ومثقّفٍ حطَمَ الحِمامُ كُعوبَه / فبكى عليهِ كلُّ لَدْنٍ أسْمَرا
عَجباً له يشكو الظّماءَ وإنّه / لو لامَسَ الصّخرَ الأصمَّ تفجّرا
يلِجُ الغُبارَ به جَوادٌ سابِحٌ / فيَخوضُ نَقعَ الصّافِناتِ الأكْدَرا
طلبَ الوصولَ إلى الوُرودِ فعاقَهُ / ضَرْبٌ يَشُبُّ على النّواصي مِجْمَرا
ويلٌ لمَنْ قتَلوهُ ظمآناً أمَا / علِموا بأنّ أباهُ يَسْقي الكَوثَرا
لم يَقتُلوهُ على اليقينِ وإنّما / عرضَتْ لهُم شُبَهُ اليهودِ تصوُّرا
لعنَ الإلهُ بَني أميّةَ مِثلما / داودُ قد لعنَ اليَهودَ وكَفرا
وسَقاهُمُ جُرَعَ الحميمِ كما سَقَوْا / جُرَعَ الحِمامِ اِبْنَ النّبيِّ الأطْهَرا
يا لَيْتَ قومي يُولَدونَ بعصْرِه / أو يسمعونَ دُعاءَهُ مُستَنصِرا
ولوَ اِنّهُم سمِعوا إذاً لأجابَه / منهُم أُسودُ شَرىً مؤيَّدَةُ القُرى
من كلِّ شهمٍ مهدَويٍّ دأبُه / ضرْبُ الطُّلا بالسّيفِ أو بَذْلُ القِرى
من كلِّ أنمُلةٍ تجودُ بعارضٍ / وبكلِّ جارحةٍ يُريكَ غضَنْفَرا
قومٌ يَروْنَ دمَ القُرونِ مُدامةً / ورياضَ شُربِهم الحديدَ الأخضَرا
يا سادَتي يا آلَ طهَ إنّ لي / دَمعاً إذا يجري حديثُكُمُ جرَى
بي منكُمُ كاِسمي شِهابٌ كلّما / أطفَيْتُهُ بالدّمعِ في قلبي وَرى
شرّفتُموني في زكيِّ نِحارِكُم / فدُعيتُ فيكُم سيّداً بينَ الوَرى
أهوى مدائِحَكُم فأنظِمُ بعضَها / فأرى أجلَّ المَدْحِ فيكُم أصغَرا
ينحطُّ مَدحي عن حقيقةِ مدحِكُم / ولوَ اِنّني فيكُم نظَمْتُ الجَوهَرا
هَيهاتَ يَستوفي القريضُ ثناءَكُم / لو كان في عددِ النّجومِ وأكثَرا
يا صفوةَ الرّحمنِ أبرَأُ من فتىً / في حقِّكُم جحَدَ النّصوصَ وأنْكَرا
وأعوذُ فيكُم من ذُنوبٍ أثْقَلَتْ / ظهري عسى بولائِكُم أن تُغْفَرا
فبِكُم نجاتي في الحياةِ من الأذى / ومنَ الجحيمِ إذا ورَدْتُ المَحْشَرا
فعليكُمُ صلّى المُهيمِنُ كلّما / كرَّ الصّباحُ على الدُّجى وتكوَّرا
أشذاء زهرِ الباقلاءِ تضوَّعت
أشذاء زهرِ الباقلاءِ تضوَّعت / نفحاتهُ أم نشر مسكٍ أذفرِ
يققٌ بهِ نشف السواد تظنّهُ / فوق الغصون نضارة للمنظرِ
أظفار درٍّ قمعت في عنبرٍ / من فوق أيدٍ من زجاجٍ أخضرِ
يا ناقل المصباحِ لا تمرر على
يا ناقل المصباحِ لا تمرر على / وجهِ الحبيبِ وقد تكحّل بالكرى
أخشى خيال الهدبِ يجرح خدَّهُ / فيقومُ من سِنة الكرى متذعّرا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025