المجموع : 11
منّا الوصالُ ومنكُمُ الهجرُ
منّا الوصالُ ومنكُمُ الهجرُ / وعلى إساءَتكمْ بنا الشّكرُ
ولكلّ من أسدى الجميلَ سوى / مسدي الجَميل إليكُمُ أجرُ
يا طَلعَةً للحُسنِ يَظلِمها / مَنْ قال يوماً إنّها البدرُ
إن كان جرماً ما ظننتِ بنا / فالجرم يمحو وِزْرَه العذرُ
حنّت إليكمْ كلُّ غاديةٍ / وبكى عليكمْ بعدِيَ القَطْرُ
وثراكُمُ لا زال مُلتمعاً / في حافَتَيْهِ النَّوْرُ والزّهرُ
وَإِذا اِبتَغى وطناً يقيم بهِ / سحُّ الحَيا فرُباكُمُ الخُضْرُ
وكأنّ قلبِي يوم بينِكُمُ / شطرٌ أقام وعندكمْ شطرُ
ولقد وقفتُ على وداعكُمُ / وجوانحِي من صبرها صِفْرُ
وبهنّ مِن تلذيع بينكُم / جمرٌ بودّي أنّه الجمرُ
وإذا مددتُ يداً إلى جَلَدي / فمحلّقٌ عنِّي به نَسْرُ
يا صاحِبيَّ وَما عَذَرتُكما / أنْ تنجوا عمّن به الأسرُ
وصحوتُها عن صاحبٍ ثمِلٍ / لم تنزُ فِي أوصاله الخمرُ
سكرانَ من عُجْبٍ يمرّ بهِ / ولربّ سكرٍ دونه السُّكرُ
وَصممتُما عنهُ وليسَ بهِ / ممّا يَخاف عليكما وِقْرُ
ألا وقد فسح الزّمانُ لنا / أَعطانَه وَاِستُغزِرَ الدَّرُّ
وَكأنّما الحولُ المجرَّمُ مِنْ / غَفلاتِنا عن مرَّه شهرُ
وإذا الأزمّةُ في أناملنا / والنَّهْيُ للأقوامِ والأمرُ
للّهِ أُمٌّ غَلّستْ بفتىً / حتّى شَككنا أنّه الفجرُ
قامَتْ تمطّى عنه عالمةً / أنّ الذي جاءتْ به الفخرُ
وَتَشاهَدَتْ مِن قبلِ مَولدهِ / بذكائهِ الأعراق والنّجرُ
فَأَتى كَما شاءَ الصديق لَه / لا مَرْقَعٌ فيه ولا جَبْرُ
وَتَخالُ كِبْراً في شَمائلهِ / مِن عزّةٍ ولغيره الكِبرُ
وَتراهُ في يومِ الهياجِ إذا / وَضَحَ الحِمامُ وصرّح الذُّعرُ
يَهوي إلى قنصِ النّفوس كما / يهوي إلى فُرصاته الصَّقْرُ
وَبِكفّه في كلِّ معركةٍ / تَرد الدّماء البِيضُ والسُّمرُ
كَم ذا أُطيلُ القولَ في زمنٍ / سِيّانِ فيه الخيرُ والشّرُّ
أَشراره في نجوةٍ أبداً / مِن شرّه والمُبتَلَى الحُرُّ
قَومٌ يرَون الفقر بينهُمُ / أن تُعدمَ الأموالُ والوَفْرُ
ويعدُّ غيرُهُم فقيرَهمُ / مَن لا جميلَ له ولا ذِكرُ
وكأنّما المعروف بينهمُ / من حشمةٍ منه هو النُّكْرُ
كَيفَ الفلاحُ وبيننا خَلَفٌ / لا نائِلٌ منهمْ ولا بِشْرُ
نبذوا الجميلَ وراء أظهرهمْ / فرباعهمْ من فعله قَفْرُ
وإذا عددتَ خيارهمْ فهمُ / مَن لا اِنتِفاعَ بِهمْ ولا ضَرُّ
في كلِّ يومٍ منهمُ تِرَةٌ / لو كان في أمثالهمْ وِتْرُ
وَلَربّ فعلٍ دقّ صاحبُهُ / حتّى أتاك وجُرمُه هَدْرُ
إِن كانَ غيّبك الترابُ الأحمرُ
إِن كانَ غيّبك الترابُ الأحمرُ / وحَلَلْتَ مَرْتاً لا يزورك زُوَّرُ
فلقد جَزِعتُ على فراقك بعدما / ظنّوا بأنّي عنك جهلاً أصبِرُ
فالنّارُ في جَنْبَيَّ يوقدها الأسى / والماءُ من عينيَّ حُزناً يقطرُ
كم في التّرابِ لنا محيّاً مشرقٌ / بيد المواحِي أو جبينٌ أزهرُ
ومرفّعٌ فوق الرّجال جلالةً / ومتوّجٌ ومطوّقٌ ومسوّرُ
أَعيَتْ على طلبِ الرّدى نُجُبُ السُّرى / وخُطا المَهارى والجيادُ الضُّمَّرُ
وَمَضى الأنامُ تكنّهمْ آجالهمْ / فمغصّصٌ ومنغّصٌ ومُحَسّرُ
ومُخالَسٌ ما كان يُحذر هُلْكُه / ومتارَكٌ ومُقدّمٌ ومؤخّرُ
وكأنّهمْ بيد الحِمامِ يلفُّهمْ / عَصْفٌ تصفِّقُهُ خَريقٌ صَرْصَرُ
وَمواطنٌ لِترنّمٍ وتنعّمٍ / ومواطنٌ فيها الزّوافر تزفِرُ
لو كان في خُلدٍ لحيٍّ مَطمعٌ / فيها وروّادِ المنيّةِ مَزْجَرُ
لنجا المنونَ مغامرٌ في حومةٍ / وخطا المنيّةَ في العرين القَسْوَرُ
ولَسَدّ طُرْق الموتِ عن أبوابه / كِسرى وحاد عن المنيّةِ قيصرُ
وَلكانَ مَن ولدتْ نِزَارٌ في حمىً / منه ودفّاعُ العظيمةِ حِميَرُ
ولما مضى طوعَ الرّدى متكبّرٌ / سكن القلاعَ ولا مضى متجبّرُ
ولما خلا عن أهله ووفودِه / وضيوفِه فينا مكانٌ مُقفِرُ
فَاُنظُرْ بِعينك هل ترى فيما مضى / عنّا وصار إلى التّرابِ مخبّرُ
ولقد فقدتُ معاشراً ومعاشراً / ويسرّني أنْ لم يكن لِيَ معشَرُ
وَاِشتَطّ روّادُ الحمامِ عليَّ في / أهلي وقومي فاِنتقَوْا وتخيَّروا
فمجدّلٌ وسْطَ الأسنّةِ بالقنا / ما كان يوماً للّباسِ يُعَصفِرُ
وَمُعَصفرٌ أَثوابهُ طعن القَنا / ما كان يوماً للّباس يُعَصفرُ
وَمُقطّرٌ لولا القضاءُ تقطّرتْ / فينا النجومُ ولم يكن يتقطّرُ
ومُعفّرٌ دخل السّنانُ فؤادَه / ما كان يألفه الترابُ الأحمرُ
والذّاهبون من الّذين ترحّلوا / ممَّنْ أقام ولم يفتنِي أكثرُ
خذ بالبنانِ من الحياة فإنّما / هو عارضٌ متكشّفٌ مُتحسّرُ
وَدعِ الكثيرَ فإنَّما لِهمومِه / جمع النُّضارِ إلى النُّضارِ مُبَدَّرُ
وكأنّما ظلُّ الحياةِ على الفتى / ظلٌّ أتاهُ في الهجير مُهجّرُ
ما لِلفَتى في الدّهرِ يومٌ أبيضٌ / ووراءَه بالرّغم موتٌ أحمرُ
ولِمنْ تراهُ ساكناً في قصره / مُتنعّماً هذِي الحفائرُ تُحفرُ
وعلى أبي الفتح الّذي قنص الرّدى / ماءُ الأسى من مقلتي يتحدّرُ
قد كان لِي منه أنيسٌ مُبهِجٌ / فالآن لِي منه وَعوظٌ مُذكِرُ
إن لم يكن من عُنصري وأرومتِي / فلحُرمةِ الآدابِ فينا عنصرُ
أو لم تكن للعُربِ فيك ولادَةٌ / فالمعربون كلامهمْ بك بُصِّرُوا
ما ضَرّ شَيئاً مَن نَمَتْه أعاجمٌ / وَلَديهِ آدابُ الأعاربِ تُسطَرُ
وَلَكَمْ لَنا عُربُ الأصولِ تراهُمُ / عُمْياً عَنِ الإِعرابِ لم يَستَبصِروا
وَلَقد حذرتُ من التفرّق بيننا / شُحّاً عَليك فَجاءني ما أحذرُ
وَذخرتُ منكَ على الزّمانِ نفيسةً / لَو كانَ يَبقى لِلفَتى ما يذخرُ
وَنَفضتُ بعدك راحتي من معشرٍ / لو سابقوك إلى الفضيلةِ قصّرُوا
فَمَتى حَزِنتُ عُذِرتُ فيك على الأسى / وإذا سلوتُ فإِنّني لا أُعذَرُ
وَالغَدرُ سُلوانُ الفَتى لِحَميمِه / بعد الحِمامِ وليس مِثلِي يغدُرُ
وَلَقد رَأيتك مطفئاً من لوعتِي / والحزن يُملي منه ما أنا أسطُرُ
فَاِفخَرْ بها ميتاً فكم لمعاشرٍ / من بعد أن قبروا بقبر مَفخرُ
كَلِماً يُعِرْن الشِّيبَ أرديةَ الصِّبا / فكأنّهمْ طرباً بها لم يكْبَرُوا
وَتراهُ طلّاعاً لكلِّ ثنيّةٍ / يسري بأفواه الورى ويُسيَّرُ
يَصفو بِلا كدرٍ يشين صفاءَه / والشّعر يصفو تارةً ويُكدَّرُ
وكأنّه في ليلِ أقوالٍ مضتْ / قمرٌ بدا وسْطَ الدُّجُنَّةِ أنورُ
فَإِليهِ مِنّا كلُّ طَرفٍ ناظرٌ / وعليه مِنّا كلُّ جِيدٍ أَصْوَرُ
وَسَقاكَ ربّك ماءَ كلّ سحابةٍ / تهمي إذا وَنَت الغيوم وَتمطُرُ
وإذا طَوَتْ عنك العُداةُ كَنَهْوَراً / وافى ترابَك بالعشيّ كنَهْوَرُ
وكأنّه والبرقُ ملتمعٌ به / بُرْدٌ على أيدي الرّياحِ مُحبَّرُ
وَمَتى ذهبتَ بزلّةٍ فإلى الّذي / يمحو جرائر مَن يشاء ويغفِرُ
إمّا بقيتَ فهلكُ غيرك هّينٌ
إمّا بقيتَ فهلكُ غيرك هّينٌ / وإذا نجوتَ فجرمُ دهرك يغفرُ
وإذا المَحاذر تِهنَ عنك فما لنا / ولنا الأمان عليك شيءٌ يُحذرُ
ما نَحن إلّا لِلرّدى وإلى الرّدى / فمقدَّمٌ لحِمامه ومؤخَّرُ
وعلى المنيّةِ طُرقنا ومسيرُنا / والرّجلُ تهفو والأخامص تعثرُ
ذاق الرّدى متكِرّمٌ ومبخّلٌ / وأتى الحِمامَ معجّلٌ ومعمّرُ
كم شذّبتْ منّا السّنون وكم طوى / منّا الخضارمَ ذا التّراب الأغبرُ
لا تربةٌ إلّا وَفيها للبِلى / خدٌّ أسِيلٌ أو جبينٌ أزهرُ
مَن عاشَ إِمّا مات أو كانت له / في كلّ يومٍ عَبرةٌ تتحدّرُ
وَهوَ الزّمان فضاحكٌ مستغرِبٌ / ممّا اِستَفادَ وناشجٌ مستعبِرُ
وَقُصورنا قَصران هذا مُخرَبٌ / متعطّلُ حزناً وهذا يُعمرُ
وَعُيوننا عَينان هذي دمعُها / متحلّقٌ ودموع أخرى تقطرُ
إِنّ المصيبة في الأحبّةِ للفتى / لو كان يعلم نعمةٌ لا تُشكرُ
فَدعِ التذكّر للذين تطارحوا / بيدِ المنون فهالكٌ لا يُذكرُ
وإِذا جرى قَدَرٌ بشيءٍ فاِرضَه / فالمُعتبون لَساخِطو ما يُقدَرُ
باهِ الرّجالَ بفضل حلمك فيهمُ / وَاِفخَرْ بِه فَبِمثل ذلك يفخَرُ
وَإِذا ألمَّ بك الزّمان فلا تَلُمْ / خُلْساتِه فَلما خطاهُ أكثرُ
ولطالما عزّيت غيرَك في ردىً / بالصّبر والمُعزى بصبرٍ يصبرُ
ما إِنْ رمتنا بالجنادل شدّةٌ / إلّا وَأَنتَ لها الأشدُّ الأصبرُ
تفدِي الإناثُ ذكورَهنَّ من الورى / ويقِي الكبيرَ من الحمامِ الأصغَرُ
ولْيُسْلَ عنها إنّها درجتْ ولل / تقوى الإزارُ وللعفافِ المِئزَرُ
كسرٌ له جَبرٌ بأمثالٍ له / ووقاك ربُّكَ كسرةً لا تُجبرُ
لا تُوعدَنِّي الشرَّ تُرهبنِي
لا تُوعدَنِّي الشرَّ تُرهبنِي / فلربّما لم ينجنِي حَذرُهْ
فوقوعُ مكروهٍ أعالجُه / خيرٌ من المكروه أنتظرُهْ
وإذا صفا يومٌ ظفرتُ به / فلمن يعيش إلى غدٍ كدرُهْ
فلربّ مغتبطٍ بليلتِه / شنّ الهمومَ بقلبهِ سحرُهْ
والعيشُ ما تقضِي به وَطَراً / فكميّتٍ مَن فاتَه وَطَرُهْ
وإذا قصرن به مطالبُهُ / عن راحتيه فلم يطلْ عُمُرُهْ
والدّهرُ إمّا شمسُه بضحىً / تُرديك أو في ليلةٍ قمرُهْ
وإذا أنامكَ غير متَّئدٍ / في القبر أشبه طولَه قِصَرُهْ
لَو لَم يُعاجله النّوى لَتحيّرا
لَو لَم يُعاجله النّوى لَتحيّرا / وقَصارُه وقد انتأوْا أن يُقصِرا
أَفَكلّما راعَ الخليطُ تصوّبتْ / عبراتُ عينٍ لم تقلَّ فتكثُرا
قَد أوقدتْ حُرَقُ الفراق صبابةٍ / لَم تَستعرْ ومَرَيْنَ دمعاً ما جرى
شَعَفٌ يُكتّمه الحياءُ ولوعةٌ / خفيتْ وحُقّ لمثلها أن يظهرا
وأبي الركائبِ لم يكن ما عُلنه / صبراً ولكن كانَ ذاك تصبّرا
لَبَّيْنَ داعيةَ النّوى فأريننا / بين القِبابِ البيض موتاً أحمرا
وَبعدن بِالبينِ المشتّت ساعةً / فكأنّهنّ بعدن عنّا أشهُرا
عاجوا على ثَمدِ البِطاحِ وحُبّهمْ / أجرى العيونَ غداة بانوا أبحُرا
وَتَنكّبوا وَعْرَ الطّريق وخلّفوا / ما في الجَوانحِ من هَواهمْ أوعرا
أمّا السّلوُّ فإنّه لا يهتدِي / قصد القلوب وقد حُشِينَ تذكّرا
قد رُمتُ ذاك فلم أجده وحقُّ مَنْ / فقدَ السّبيلَ إلى الهُدى أن يُعذَرا
أهلاً بطيفِ خيالِ مانعة الحِبَا / يَقْظى ومُفضلةٍ علينا في الكرَى
ما كان أنعمنا بها من زَورَةٍ / لو باعدتْ وقتَ الورودِ المصدَرا
جزعتْ لوخْطاتِ المشيب وإنّما / بلغَ الشّبابُ مدى الكمال فنوّرا
وَالشيب إِنْ فكّرتَ فيه مَورِدٌ / لا بدّ يوردَهُ الفتى إن عُمِّرا
يَبيضُّ بَعدَ سَواده الشّعرُ الّذي / لو لم يزره الشّيبُ واراه الثّرى
زَمنَ الشبيبةِ لا عدَتْك تحيّةٌ / وسقاك مُنهمِرُ الحَيا ما اِستُغزِرا
فَلَطالَما أَضحى رِدائي ساحباً / في ظلّك الوافي وعودِيَ أخضرا
أَيّامَ يَرمُقنِي الغَزالُ إِذا رنا / شَعَفاً ويطرُقني الخيالُ إذا سرى
وَمرنّحٍ في الكُورِ يُحسَبُ أنّه اِصْ / طبح العُقار وإنّما اِغتبق السُّرى
بَطلٌ صَفاهُ للخداع مَزلّةٌ / فَإِذا مَشى فيه الزّماعُ تَغَشمَرا
إمّا سألتَ به فلا تسألْ بِهِ / ناياً يناغِي في البَطالة مِزْمَرا
وَاِسأَلْ بِهِ الجُرْدَ العِتاقَ مغيرةً / يخبطن هاماً أو يَطأن سَنَوَّرا
يَحمِلنَ كلَّ مُدجَّجٍ يَقرِي الظُّبا / عَلَقاً وأنفاسَ السّوافي عِثيَرا
قَوْمِي الّذين وَقَد دَجَتْ سُبُلُ الهدى / تركوا طريقَ الدّين فينا مُقمِرا
غَلبوا على الشّرَفِ التّليد وجاوزا / ذاك التّليدَ تَطرُّفاً وتخيُّرا
كم فيهمُ من قسْوَرٍ مُتخمّطٍ / يُردِي إذا شاء الهِزَبْرَ القَسْوَرا
متنمّرٍ والحربُ إن هتفت به / أدّته بسّامَ المُحيّا مُسفِرا
وملوَّمٍ في بذلهِ ولطالما / أضحى جديراً في العُلا أن يُشكرا
ومُرَفَّعٍ فوق الرّجال تخالُه / يوم الخطابة قد تسنّم مِنبرا
جَمعوا الجَميلَ إلى الجمالِ وإنّما / خَتَموا إِلى المرأى المُمدَّحِ مَخبَرا
سائلْ بهمْ بَدْراً وأُحداً والّتي / ردّتْ جبينَ بني الضّلال مُعفَّرا
للَّه دَرُّ فَوارسٍ في خيبرٍ / حملوا عن الإسلام يوماً منكرا
عَصَفوا بِسُلطانِ اليهودِ وأَوْلجوا / تلكَ الجَوانح لوعةً وَتحسُّرا
وَاِستَلحموا أَبطالهمْ وَاِستَخرَجوا ال / أَزلامَ من أيديهمُ والمَيسِرا
وَبِمرحبٍ أَلوى فتىً ذو جمرةٍ / لا تُصطلى وبسالةٍ لا تُعتَرى
إِنْ حزّ حزّ مُطبّقاً أو قال قا / لَ مصدَّقاً أو رام رام مطهَّرا
فَثَناهُ مُصفرَّ البَنان كأنّما / لطخ الحِمامُ عليه صِبْغاً أصفرا
تهفو العُقابُ بشِلوِهِ ولقد هَفَتْ / زمناً به شُمُّ الذّوائبِ والذُّرا
أمّا الرّسولُ فقد أبان ولاءَه / لو كان ينفع جائراً أن ينذرا
أمضى مقالاً لم يقله معرِّضاً / وأشاد ذكراً لم يشده مُغَرِّرا
وَثَنى إليهِ رِقابهمْ وأقامهُ / عَلَماً على باب النّجاة مشهَّرا
ولَقد شَفى يومُ الغديرِ مَعاشراً / ثَلِجَتْ نفوسُهُمُ وأدوى معشرا
قَلِقَتْ بهمْ أحقادهمْ فَمُرجّعٌ / نَفَساً ومانعُ أنّةٍ أن تجهرا
يا راكباً رقصتْ به مَهْرِيَّةٌ / أشِبَتْ بساحته الهمومُ فأصحرا
عُجْ بالغَرىِّ فإنّ فيه ثاوياً / جبلاً تطأطأ فاِطمأنّ به الثّرى
وَاِقرا السّلامَ عليه من كَلِفٍ به / كُشفتْ له حجبُ الصّباح فأبصرا
فَلو اِستَطعتُ جعلتُ دار إقامتِي / تلكَ القبور الزُّهرَ حتّى أُقبرا
لَكَ ما تَراماه لِحاظُ النَّاظرِ
لَكَ ما تَراماه لِحاظُ النَّاظرِ / وإليك مرجع كلّ مدحٍ سائرِ
وَأراكَ أَفضل مَن تَعاور فضلَه / إخفاءُ مخفٍ أو إشادةُ ذاكرِ
هَذي الخِلافةُ مُذْ مَلأت سَريرها / في بُردة الزَّمن الأنيق النَّاضرِ
سكنتْ إليك وأكثبَتْ لكفيئها / وهي القصيَّة عن رجاء الخاطرِ
غادرتمُ مُستامَها في غيركمْ / نَهْباً حصيدَ أسنّةٍ وبواترِ
وَإِذا اِنتَمى شَرفٌ إلى أعقابهِ / أغناك أوّل سُودَدٍ عن آخرِ
ضَمِنتْ همومُك كلَّ خطبٍ موئدٍ / وأقام عدلُك كلَّ رأيٍ جائرِ
وَنَأى بِمَجدكَ عَن تقبُّلِ ماجدٍ / كرمٌ يبرّح بالغمام الماطرِ
وَمواطنٌ لكَ لا تَقلّ مُزَنِّداً / صَهَواتِ جُرْدٍ أو ظهور منابرِ
خَبُثَ الزّمانُ فَمُذ غَمرتَ فِناءَه / أضحى سلوكَ مناقبٍ ومآثرِ
فَاِفخرْ أَمير المُؤمنين فما أرى / بعديل عزّك في الورى من فاخرِ
وتهنَّ بالشّهر الجديد فقد أتى / في خير آونةٍ بأسعد طائرِ
تنتابك الأيّامُ غيرَ مُذمّمٍ / يَلقى اِمتنانَك واردٌ عن صادرِ
وَأَنا الّذي يرضيكَ باطنُ غَيبهِ / وكفاك في الأقوامِ حسنُ الظاهرِ
أَفضى إلى خَلَدِي وِدادُك مِثلما / أفضى الرّقادُ إلى جفون السّاهرِ
ما لي يُتيّمني لقاؤك وهْو لِي / شَطَطٌ وغيري فيه كلُّ القادرِ
وَلَربّما أَلغى حقوقك واصلٌ / وأتاك يشرح في رعاية هاجرِ
وَأَحقّ ما أَرجوه منك زيارةٌ / أُدعى لها في النّاس أيمنَ زائرِ
أَرَبٌ متى قضَّيبَه ببلوغه / كثّرتَ شَجْوَ مُكاثري ومفاخري
هَل لي عَلى تلكَ المَمالكِ وقفةٌ / في ذلك الشّرف المنيف الباهرِ
أم هل لساني يوم ذاك مترجمٌ / عَن بَعضِ ما اِشتَمَلَتْ عليهِ ضَمائري
وَتيقُّني أنْ ليس جِدّي نافعي / إنْ لم يكن جَدّي هنالك ناصري
وَإِذا التحيّة لِلخَليفة أعرضتْ / فهناك أُمُّ القول أبخلُ عاقرِ
فَاِمنُنْ بِإذنٍ في الوصول فإنّني / أُلفى بفَرْطِ الشّوق أوّلَ حاضرِ
هَل أَنتَ مِن وَصَبِ الصّبابة ناصري
هَل أَنتَ مِن وَصَبِ الصّبابة ناصري / أو أنت في نَصَب الكآبة عاذري
هيهات ما رأف الصّحيحُ بمُبْتَلٍ / يوماً ولا وقف الحثيثُ لعاثرِ
يا قاتل اللَّهُ الغَواني في الهَوى / باعَدْنَنِي لمّا سكنّ ضمائري
ما زِلن بي حتّى اِلتفتّ إلى الصِّبا / مِن بعدِ إِعراض العَزوف النّافرِ
فَعَرفتُ حينَ صَبوتُ كيف مواردي / لَكِنَّني لم أَدرِ كَيفَ مَصادري
ما لِي وَلِلبيضِ الكَواعبِ هِجْنَ لِي / بِلوى الثّوِيّة ذُكرةً من ذاكرِ
شيّبنَنِي وَذَمَمن شَيبَ مَفارقي / خُذها إليكَ قضيّةً من جائرِ
لا مَرحباً بِالشّيب أَظلم باطني / لَمّا تجلّلنِي وأشرق ظاهري
شَعَرٌ أَبى لِي في الحسان إصاخةً / يوم العتاب إلى قبول معاذري
مثلُ الشَّجاةِ مُلِظَّةً في مَبْلَعٍ / أو كالقَذاة مقيمةً في النّاظرِ
لا ذنبَ لي قبل المشيب وإنّني / لمؤاخذٌ من بعده بجرائرِ
يا سائق الأظعانِ يومَ سُوَيقَةٍ / رفقاً بقلبٍ في الظّعائن سائرِ
جسدٌ أقام على اللّوى ففؤادُهُ / بعد التفرّق في مخالب طائرِ
ما كان ضرّك لو وقفتَ على الأُلى / في الحبّ بين مجاهرٍ ومساترِ
وَمتيّمٍ جَحد الهَوى فَوَشى بهِ / يومَ الوداع لسانُ دمعٍ قاطرِ
وعلى الرّكائب يومَ وَجْرَةَ غائبٌ / لا نفعَ لي من بعده بالحاضرِ
أشهى إليَّ من المنى غِبَّ المُنى / وأعزّ من سمعي عليَّ وناظري
عاصي الوشاة وَزارَني متستِّراً / باللّيل بعد هجوع طرف السّاهرِ
عَجلانَ يَستلبُ الحَديثَ كأنّه / جانٍ يخالس غفلةً من ثائرِ
يا راكباً ظهر المطيّةِ مُوجِفاً / في الصّبحِ بين هواجرٍ وظهائرِ
أبلغْ بني خَلَفٍ بأنّ مودّتي / أُنُفٌ لهمْ وذرائعي وأواصري
أَنتُمْ وَإن لم تُدننا رَحِمٌ بما / أَخلَصتُموه أَقاربي وَمَعاشري
وَأَصاحبي دونَ الرّجالِ إِذا اِلتَوى / خطبٌ يُبرّئُ غائباً من حاضرِ
لا تَحسبوا منّي التغيّرَ بعدكمْ / فأوائلي في حبّكمْ كأواخري
هَل تَذكُرونَ فَإنّني لم أنسَه / ذاك التّداني في الزّمان العابرِ
إذ نحن في أرض التّصابي جيرةٌ / في ظلّ أيامٍ هناك نضائرِ
كم فيكُمُ من طالعٍ شَرَفَ العُلا / أو قامعٍ شَرَفَ العدا أو قاهرِ
ومُرَفّعون تخالهمْ لجميلهمْ / بين الرّجال على ظهور منابرِ
طالوا إلى نيل العُلا وثيابهمْ / تُلوى بمثل متالعِ وقَراقِرِ
يا أيّها الأستاذ طُلتَ تفضّلاً / قولاً فخذ عنه جواب الشاكرِ
قولاً كما رقّ النسيم على ثرىً / عَطرِ النبات عقيب غيثٍ ماطرِ
وافى كما طرق الرّقادُ تعلّقَتْ / بعد الكلال به جفون السّاهرِ
ما خِلتُهُ إلّا عَطيّةَ مانعٍ / نَقَعَ الجوانحَ أو زيارةَ هاجِرِ
وكأنّه بعد المشيب مبشّرِي / بإيابِ آونةِ الشّبابِ الناضِرِ
وظللتَ تنعتُ لي جميلَ مآثرٍ / لولا ثناؤك لم يكنّ مآثري
فمدائحي مشفوعةٌ بمدائحي / ومفاخري مجموعة بمفاخري
لا ترهبَنْ منّي الملالَةَ في الهوى / وَاِرهَبْ مَلالَةَ من لقيتَ وحاذرِ
وَاِعلَمْ بأنّي لا أحول عن الّذي / لكَ في الجوانح من محلٍّ عامرِ
وَبَلوتُ بعدك للرّجال خلائقاً / عُوجاً تُبرِّح بالبصير الخابرِ
لا مرتَعٌ فيها ولا مستمتَعٌ / كسراب قاعٍ أو زجاجة كاسرِ
يَتكالَبونَ عَلى القَبائح بَينهمْ / كَلَبَ الذّئابِ رأين عَقْرَ العاقِرِ
لَم يَبتنوا شَرَقاً ولا بَحثوا على / كَسبِ المَحامِد منهمُ بأظافرِ
وَكأنّ جارَهُمُ مقيمٌ بينهمْ / في منزلٍ قَفْرٍ ورسمٍ داثرِ
فَدعِ التشكّي للفراقِ فَقَد مَضى / وَخذِ الوِصال مجاهراً لمجاهرِ
إِنّي أَغارُ عَلى زَمانٍ بيننا / يمضي بغير تجاورٍ وتحاورِ
يا خيرَ بادٍ في الأنامِ وحاضرِ
يا خيرَ بادٍ في الأنامِ وحاضرِ / وأحقَّ مُولٍ في الزّمان لشاكرِ
وأشقَّ من وطأ الكواكب مُرتقىً / وأعزَّ من ليث العرينِ الخادرِ
قد جاءني التّشريفُ منك كأنّه / قِطعُ الرّياض عقيبَ غيثٍ ماطرِ
وكأنّه بُرْدُ الشّبابِ نضارةً / أو بِشْرُ آونةِ الرّبيع الزّاهرِ
أثوابُ عزٍّ لم يكنّ للابسٍ / إلّا رِياشَ مفاخرٍ ومآثرِ
يُجرَرْنَ فوق ذُرا المجرّةِ عزّةً / ويُطَرْنَ فوق النَّسْرِ ذاك الطّائرِ
وَلَقد سننتَ شَريعةً لِلجودِ في / غير الهديّةِ أنّه للحاضرِ
لَم تَرض ما شَرع الكِرامُ وكم لنا / من ناقصٍ عن غايةٍ أو قاصرِ
حتّى جعلتَ لحاضرٍ أو ناظرٍ / كلَّ الّذي رَمَقَتْه عينُ النّاظرِ
شاطَرتَنِي تلك النّفائسَ قاسماً / بيني وبينك كلَّ عِلْقِ فاخرِ
فَكأنّنا مُتساهمان بضاعةً / حُطّتْ إلينا من ظهور أباعرِ
أرسلتَها مثلاً شروداً في النّدى / يسري بها لك كلُّ بيتٍ سائرِ
جاءَتْ كَما اِقتَرح التكرّمُ ما مشى / فيها اللّسان ولا سَرَتْ في خاطرِ
هَيهات مِنكَ الأوّلون وإنْ هُمُ / صاروا من المعروف خيرَ مصايرِ
سبقوا وجُزتَ مداهُمُ متمهّلاً / سَبْقَ الكريمة للهجين العاثرِ
فمتى أضفناهمْ إليك فإنّما / قسنا الثّماد إلى الخِضَمّ الزَّاخرِ
فَاِفخَرْ وتِهْ فخرَ الملوك على الورى / وعلى الطّوالع في المحيط الدَّائرِ
فلقد فَضَلْتَ جميعهمْ بفضائلٍ / وفواضلٍ ومكارمٍ ومكائرِ
ومحاسنٍ نَظَمَ الزّمانُ لمَفرقَي / ملكِ الملوك بها سُموطَ جواهرِ
وَاِسلَمْ وَإِن لفّتْ صروفُ زَمانِنا / هذا الأنامَ معاشراً بمعاشرِ
في ظلِّ مَلْكٍ ضلَّ عن أيدي الرّدى / وَاِزورَّ عَن سَنَنِ الحمامِ الزَّائرِ
ضَنّتْ عليك ضنينةُ الخِدْرِ
ضَنّتْ عليك ضنينةُ الخِدْرِ / يومَ الوداع بطلعة البدرِ
ووشى إليك بوَشْكِ فُرقتِها / صوتُ الغراب وأنتَ لا تدري
فذُهِلتُ لولا نظرةٌ عرضتْ / وَوَجَمْتُ لولا دمعةٌ تجري
وكأنّنِي لمّا وطأتُ على / حرّ النّوى أمشي على جمرِ
ومخضّب الأطراف ماطَلَنِي / بوصالهِ عَصْراً إلى عَصْرِ
حَتّى أَزارتنِي محاسنُهُ / بعد الهدوّ سُلافَةَ الخمرِ
ما كان عندي أنّنِي أبداً / مُتَخمِّلٌ مَنّاً مِن السُّكرِ
وكأنّما لعفافِ خَلْوَتِنا / ذاك التّلاقي كان في الجهرِ
لا رِيبةٌ في كلّ ذاك ولا / قُرْبٌ ولا قُبَلٌ على ثَغْرِ
والقربُ من خاشٍ عواقبَهُ / مِثل النَّوى والوصل كالهجرِ
شَطّتْ عليك لُبانةُ الصّدرِ
شَطّتْ عليك لُبانةُ الصّدرِ / وحُرِمتَها من حيثُ لا تدري
وطلبتَ عذراً للزّمان فلمْ / تعرف له شيئاً من العذرِ
وفجعتَ في ظلماءَ داجيةٍ / بالنيّراتِ معاً وبالفجرِ
وَمَضى الّذي طَمس الحِمامُ به / وَضَحَ الصّباح وغُرّةَ البدرِ
وطوى الرَّدى رغماً لآنِفِنَا / كلَّ المحاسن منه في القبرِ
فَكَأنّنا مِن بعدِ مَصرعهِ / سَفْرٌ بلا زادٍ ولا ظهرِ
أَو مُرهَقون بكلِّ بائقةٍ / غُلبوا وقد جَهَدوا على الصَّبرِ
هِيمٌ يماطِلها الورودُ وقد / بَعُدَ المدى عشراً إلى عشرِ
من ذا لمرْغَبةٍ ومَرْهَبَةٍ / فينا ومن للنّهي والأمرِ
ومُرَوّعِ شرد الحِذارُ به / ملآن من خوفٍ ومن ذُعْرِ
ومكارمٍ تدعُ الزَّمان بلا / شيءٍ من الإملاقِ والفقرِ
والخيلُ تنزو في الأعنّةِ كال / سيدان في دَيْمومةٍ قَفْرِ
معروقةً بالشَّدِّ تحسبها ال / أشطانَ هاويةً إلى جَفْرِ
أُثنِي عَلَيكَ بِما صَنعتَ وكمْ / فاتَ الصّنيعُ مواقعَ الشّكرِ
وأكفُّ غَرْبَ الدمع مصطبراً / لو كان دمعٌ كُفَّ لا يجري
أَنتَ الّذي لَم تَرضَ في شرفٍ / إلّا بِغُرِّ عقائلِ الفخرِ
ومحوتَ محوَ الطِّرْسِ عن زمنٍ / أصبحتَ فيه مجاثمَ العُسرِ
وجعلتَ مُعدِمَه كواجده / ومُقِلّه بالفضل كالمثري
مِن مَعشرٍ لَم يَرتَضوا وَطَراً / في العزِّ إلّا قِمَّةَ النَّسْرِ
وَإِذا دَعوتهُمُ لنازلةٍ / حشدوا عليك بقُرَّحٍ ضُمْرِ
وَبِكلّ مُلتَهبِ العزيمة في ال / بأساء صبّارٍ على الضُّرِّ
لَم يَمتَطوا كَتَدَ المَعابِ ولا / عقدوا مآزهم على وِزْرِ
وإذا علا لهبُ الجمال بهمْ / وهبوا رُواءَ الحسن للبدرِ
يُعطون في الإعسار من كَرَمٍ / مِثلَ الّذي يُعطونَ في اليُسرِ
وهّابُ مَشْبَعةٍ لمسغَبةٍ / غازونَ ظلّامونَ للجُزْرِ
فَتَرى على حسّادِ نعمَتهمْ / يتلاحظون بأعينٍ شُزْرِ
يا صاحبيَّ على طَماعِيَةٍ / في العيش تُركبنا قَرا وَعْرِ
لا تَحسبا في الدّار عدْوَتَهُ / إنّ الرّدى أعدى من العُرِّ
هي عادةٌ للدّهر واحدةٌ / فَاِصبِرْ لمُرِّ عوائد الدّهرِ
بَقّى الّذي يبقى ويرجع في / كلّ الّذي أولى من البِرِّ
إنْ كان سرّ فقد أساء شجىً / أو كان راش فإِنّه يَبْرِي
سوّى الرَّدى بين المطاح على / طرق الرَّدى ومشيّد القصرِ
يا من يُقيل عِثارَ أرحُلِنا / كيفَ اِستَجبتَ لزلَّة العَثْرِ
ألّا دَفعتَ وَقَد دَفعت إلى / وِرْدِ المنون بمالك الأَثْرِ
وَبأذرعٍ تَهوي بمُصْلَتَةٍ / بيضٍ وطائشةِ الخُطا سُمْرِ
أَوَلستَ ولّاجاً على حَذرٍ / تكفيه خرّاجاً مِنَ القَهرِ
هَيهاتَ لَيسَ لِمن يُطيف بهِ / جيشُ المنيَّةِ عنه من فَرِّ
ما لي أراك بدار مَضْيعةٍ / تسري الرّفاقُ وأنت لا تسري
في هُوَّةٍ ظَلماءَ بين هُوىً / سُدَّتْ مطالعُهنَّ بالصَّخْرِ
وَكأنَّما سُقّيتَ مُنعَقِراً / لا تَستَفيق سلافةَ الخمرِ
زوَّدتنِي ومضيتَ مُبْتدِراً / حزّ المُدى ولواذعَ الجمرِ
وَتَركتَني والدّهرُ ذو دُوَلٍ / أعشى اللّحاظِ مقلَّمَ الظُّفْرِ
أَرمي فَلا أصمي فإنْ رُمِيَتْ / جهتي رُميتُ معرّضاً نحري
وأُصدُّ عن لُقيا العدوِّ وهل / ألقى العدوّ ولستَ في ظهري
وَإِذا مَضى مَن كانَ يَعضدني / ويشدّ يومَ كريهةٍ أزْري
ويردّ عنِّي كلَّ طارقةٍ / ويخوض كلَّ ردىً إلى نصري
فالحظُّ لِي أنْ لا أهيجَ وغىً / حتَّى أكون مسالماً دهري
كَيفَ اللّقاء وَأنتَ رَهْنُ بِلىً / لا يُرتجى إلّا معَ الحَشرِ
هَجرٌ وَلَكن لَيس يُشبِهُهُ / شيءٌ من الإعراضِ والهجرِ
وَقَطيعةٍ ما كُنتُ أَحذَرها / إلّا عَليك فلم يَفِدْ حِذْري
لا مُتعةٌ لي في الحَياةِ فَما / أَحياه بَعدكَ لَيسَ مِن عمري
إِن لَم يَكُن كُلّي علَيكَ قضى / لمَّا قضيتَ فقد قضى شطري
فَاِذهَبْ كَما ذَهبَ الغَمام فَقدْ / مَلأ المذانِبَ منه بالقَطْرِ
وَخَلوتَ مِن عَيني بغير رضاً / منّي ولمّا تخلُ من سرّي
ما زلتُ أَكتم منك شاجيةً / وبلابلاً صُمّاً عن الزّجرِ
وَأُجِلُّه عَن أَن أَبوح بهِ / في نَظمِ قافيةٍ من الشّعرِ
حَتّى اِنقَضى صَبري وَجاشَ كَما / جاش الهدير يهدّه صدري
لمّا طَلَعنَ عَليَّ في غَسَقٍ
لمّا طَلَعنَ عَليَّ في غَسَقٍ / فَخَلَفْنَ ضوءَ الشّمسِ والقمرِ
ساوَمْنَنِي قلبي فرُحنَ به / عنّي وكم بيعٍ على غَرَرِ
وَأَخذنَ منِّي ما سمحتُ به / في اليُسرِ من حالي وفي العُسرِ
وَكحلنَ عينِي كلّما مَرِهَتْ / ببكائها منهنّ بالسَّهَرِ
وَوَعدننِي ما لا يَفِينَ بهِ / من غير معذِرَةٍ لمعتَذِرِ
قد كنتُ أحذرُ ما بليتُ به / دهراً وكم بَلْوى مع الحذرِ