المجموع : 4
ما في الطُّلُولِ مِن الأَحِبَّةِ مُخْبِرُ
ما في الطُّلُولِ مِن الأَحِبَّةِ مُخْبِرُ / فَمَن الَّذِي عن حالِها نَسْتَخْبِرُ
لا تَسأَلنَّ سِوى الفراقِ فإِنَّهُ / يُنْبِيكَ عنهم أَنْجدُوا أَم أَغْوَرُوا
جارَ الزَّمانُ علَيْهِمُ فَتَفَرَّقُوا / في كُلِّ ناحِيّةٍ وبادَ الأَكْثرُ
جَرَتِ الخُطُوبُ على محلِّ دِيارِهِم / وعلَيْهِمُ فَتَغَيَّرَتْ وتَغَيّرُوا
فدَعِ الزَّمانَ يصوغُ في عرصاتِهِم / نُوراً تكادُ له القُلُوبُ تُنَوِّرُ
فلِمثْلِ قُرْطُبةٍ يقلُّ بُكاءُ مَن / يَبْكِي بعَيْنٍ دَمْعُها متَفَجِّرُ
دَارٌ أَقالَ اللَّهُ عَثْرةَ أَهْلِهَا / فَتَبَرْبَرُوا وتَغَرَّبُوا وتَمَصّرُوا
في كُلِّ ناحِيَةٍ فَرِيقٌ منهمُ / مُتَفَطِّرٌ لفراقِها مُتَحَيِّرُ
عَهْدي بها والشملُ فيها جامِعٌ / مِن أَهْلِها والعَيْشُ فيها أَخْضَرُ
ورِياحُ زَهْرَتِها تلوحُ علَيْهمُ / برَوائِحٍ يَفتَرُّ منها العَنْبرُ
والدارُ قد ضَربَ الكَمالُ رِواقَهُ / فيها وباعُ النقص فيها يَقْصُرُ
والقَوْمُ قد أَمنُوا تغيُّرَ حُسْنِها / فَتَعَمَّمُوا بجَمالِها وتأَزَّرُوا
يا طِيبَهُمْ بقُصُورِها وخُدُورِها / وبُدُورها بقُصُورِها تَتَخَدَّرُ
والقَصْرُ قَصْرُ بَني أُمَيّةَ وافِرٌ / من كُلِّ أَمْر والخِلافةُ أَوْفَرُ
والزاهِرِيَّةُ بالمَراكِبِ تُزْهِرُ / والعامِرِيّةُ بالكَواكِبِ تُعْمَرُ
والجامِعُ الأَعْلَى يغصُّ بكُلِّ مَن / يتلو ويَسْمَعُ ما يَشاءُ ويَنْظُرُ
ومسالِكُ الأَسْواقِ تشهد أَنَّها / لا يَستَقِلُّ بسالِكِيها المَحْشَرُ
يا جَنَّةً عَصفَتْ بها وبأَهْلِها / رِيحُ النَّوى فتَدَمَّرتْ وتَدَمَّرُوا
آسَى علَيْكِ مِن المَماتِ وَحقَّ لِي / إِذ لم نَزَلْ بكِ في حَياتِكِ نَفخَرُ
كانَتْ عراصُك للمُيَمِّمِ مَكَّةً / يأوِي إِلَيْها الخائِفُونَ فيُنْصَرُوا
يا مَنْزِلاً نَزَلَت به وبأَهْلِهِ / طَيْرُ النَّوى فَتَغَيَّرُوا وتَنَكَّرُوا
جادَ الفُراتُ بساحَتَيْك ودِجْلةٌ / والنّيلُ جادَ بها وجادَ الكَوْثَرُ
وسُقِيتَ مِن ماءِ الحَياةِ غمامةً / تحيا بها منكَ الرِّياضُ وتُزْهِرُ
أَسَفِي على دارٍ عَهدْتُ ربوعَها / وظباؤُها بفنائِها تَتَبَخْترُ
أَيّامَ كانَتْ عَيْنُ كُلِّ كَرامةٍ / مِن كُل ناحِيَةٍ إِليَهْا تَنظُرُ
أَيْامَ كانَ الأَمْرُ فيها واحِداً / لأَمِيرها وأَمِيرِ مَن يتَأَمَّرُ
أَيَّامَ كانَتْ كَفُّ كُلِّ سلامةٍ / تسمو إِلَيْها بالسّلامِ وتَبْدُرُ
حَزَني على سَرَواتِها ورُواتِها / وثِقاتِها وحُماتِها يَتَكَرَّرُ
نَفْسِي على آلائِها وصفائِها / وبَهائِها وسَنائِها تَتَحَسَّرُ
كَبِدِي على عُلَمائِها حُلَمائِها / أُدَبائِها ظُرَفائِها تَتَفَطَّرُ
ولَرُبَّ حانٍ قد أدَرْتُ بدَيْرِهِ
ولَرُبَّ حانٍ قد أدَرْتُ بدَيْرِهِ / خَمْرَ الصِّبا مُزِجَتْ بِصَفْوِ خُمُورِه
في فِتْيةٍ جَعَلُوا الزِّقاقَ تِكاءَهُمْ / مُتَصَاغِرِينَ تخشُّعاً لكَبِيرِه
يُهْدِي إِليْنا الرّاحَ كُلُّ مُعَصْفَرٍ / كالخِشْفِ خَفَّرَهُ التِماحُ خَفِيرِه
وَالى علَىَّ بطَرْفِهِ وبكَفِّهِ / فأَمالَ مِن رَأسِي لِعَبِّ كَبيرِه
والقسُّ ممَّا شاءَ طُولَ مُقامنا / يدعو يُعَوِّذ حَوْلَنا بِزَبُورِه
وَتَرنَّمَ النَّاقُوسُ عِنْدَ صَلاتِهِمْ / ففَتَحْتُ من عَيْني لرَجْعِ هَدِيرِه
يَتَناوَلُ الظُّرَفاءُ فيه وشُرْبُهمْ / لسلافِهِ والأَكْلُ مِن خِنْزِيرِه
سَقْياً لطِيبِ زَمانِنا وسُرُورهِ
سَقْياً لطِيبِ زَمانِنا وسُرُورهِ / وعَزِيزِ عَيشٍ مُسْعِفٍ بِغَزيرِه
وتكَفُّري برداءِ وَصْلِ مُقَرْطَقٍ / كَتَبُوا بِنقْسِ المِسْكِ في كافُورِه
مُتَلَفِّعٌ بحَريرهِ مُتَضَمِّخٌ / بعَبيرهِ مُتَرَنِّحٌ بفُتُورِه
وَسْنانُ ناوَلَني مُدَامَةَ طَرْفِهِ / فشَرِبْتُها وسَمِعْتُ مِن طُنْبُورِه
يَدْعُو بلُكْنةِ بَرْبَريٍّ لم يَزَلْ / يَسْتَفُّ بالصَّحْراءِ حَبَّ بَريرِه
مُتَقَدِّمٌ بمَضائِهِ مُتَلَفِّعٌ / برِدائِهِ مُتَكَلِّمٌ في عيرِه
مُسْتَفتِحٌ لبَيانِهِ بَبنانِهِ / يُهْدِي السّلامَ إِلى رجالِ عَشِيرِه
مُتَنَصِّبٌ كالغُصْنِ إِلا أَنَّهُ / يَهْتَزُّ مِن أَعْجازِه وصُدُورِه
طارَحْتُهُ كَلِماً وكُنْتُ زَعِيمَهُ / غَرداً أُحَرِّكُ مَنْكَبي لزَميرِه
فَمَشَى إِليَّ فثُرْتُ غَيْرَ مُعَفِّرٍ / كالليثِ مطَّرداً إِلى يَعفورِه
وَمَلكتُه بالكفِّ ملكةَ قادرٍ / فانصاعَ مؤتَمراً لحُكمِ أميرِه
فَقَضَيتُ ما لم أَقْضِ فيه بِرِيبَةٍ / يَأْبَى العَفافُ وعِصْمتي بحُضُورِه
زَمَنٌ قَضَى ثُمَّ انْقَضَى فكأَنه / حُلُمٌ قَرأْتُ المَوْتَ في تَفْسِيرِه
ولَرُبَّ لَيْلٍ للهُمُومِ تَهَلَّلَتْ / أَستارُه فَمحا الصُّوى بِسُتُورِه
كالبَحْر يَضْربُ وَجْهَهُ في وَجْههِ / صَعْبٌ على العُبّار وَجْهُ عُبُورِه
طاوَلْتُهُ مِن عَزْمتي بمُضَمَّرٍ / أثْبَتُّ هَمِّي في قَرارَةِ كورِه
وعليَّ للصَّبْر الجَمِيلِ مُفاضةً / تَلْقَى الرَّدَى فتَكِلُّ دُونَ صَبُورِه
وبراحتي مِن فِكْرتي ذُو ذُكرَةٍ / عَهِدَتْ تُذاكِرُني بطَبْعِ ذَكِيرِه
فَرْدٌ إِذا بَعَثَتْ دَياجي صَرْفِهِ / هَوْلاً عليَّ خَبَطْتُ في دَيْجُورِه
حتَّى بَدا عبْد العَزيز لناظِرَيْ / أَمَلِي فمَزَّقْتُ الدُّجَى عن نُورِه
مَلِكٌ تَبَقَّى المَجْدَ ناصِرُهُ لَهُ / وتَقَيَّلَ العَلْيَاءَ عن مَنْصُورِه
طَلَبَ الحَوادِثَ مُعرِباً عن ثأْرِهِ / فجَرَتْ دِماءُ الخَطْبِ في مأْثُورِه
ورَأَى الزَّمانَ يَحِيدُ عن تَأْمِيرِهِ / فسَقَى سهامَ المَجْدِ مِن تامُورِه
أقبل فديت أبا العلاءِ نَصيحَتي
أقبل فديت أبا العلاءِ نَصيحَتي / بقبولِها وبواجِبِ الشكرِ
لا تَهجُونَّ انس منك فَرُبَّما / تَهجُو أباكَ وأنتَ لا تَدري