المجموع : 11
بأبي مُنَطَّقَةُ القَوامِ مَشَتْ
بأبي مُنَطَّقَةُ القَوامِ مَشَتْ / كَالغُصنِ بَينَ القَحفِ والقَمَرِ
لَمياءُ تَنطِقُ عَن مُؤشَّرَةٍ / خُتِمَ العَقيقُ بها على الدُّرَرِ
كَيفَ السُّلوُّ وسِحرُ مُقْلَتِها / قَيْدُ الحياة وَمِقْوَدُ النَظَرِ
شَوقي إِلَيكَ مُجَدَّدٌ
شَوقي إِلَيكَ مُجَدَّدٌ / يُبْلي جَديدَ تَصَبُّري
وجَوانِحي يَجنَحنَ مِنْ / حُرَقِ الهوى المُتَسَعِّرِ
نَقَلَتْ مِنَ الدُّرَرِ الدُّموعَ / إِلى العَقيقِ الأَحمَرِ
وَلَبِستُ فيهِ مِنَ الضَّنى / عَرَضاً يُلازمُ جَوهَري
كَحَلَ الهوَى والسِّحرُ مِن / ك جفونَ رئمٍ أحورِ
فَجَوارِحي مَجروحَةٌ / مِنها بِسَيفٍ مُضمَرِ
كَم ذا يُغَيِّرُني هوا / ك بِخَلقك المُتَغَيِّرِ
نَقَضَتْ حلاوةَ موردي / مِنهُ مَرارَةُ مَصدري
وَمَنعتَني مِن لَثمِ فيك / جَنَى الرُّضابِ المُسكِرِ
أَبِجَنَّةِ الفِردَوسِ أُحْرَمُ / شُرْبَ ماءِ الكَوثَرِ
للَّه دَرُّ عصابَةٍ نَزَلوا
للَّه دَرُّ عصابَةٍ نَزَلوا / بَينَ الرّياضِ مَجالساً خُضْرا
شَرِبوا بِكَاساتٍ مُعَتَّقَةً / شَرِبَت عُقولُهُمُ بِها سَكرا
وكأنّما الأقمارُ تلثمُ من / أيدي السقاةِ كواكباً زُهْرا
وكأنّما صُوَرُ القِنانِ وقد / مُلِئت إلى لَهواتِها خَمرا
بيضُ الحسان وَقَفْنَ في عُرُسٍ / لمَّا لَبِسْنَ غَلائِلاً حُمرا
في كُنْهِ قَدْرِكُ للعقولِ تَحَيّرُ
في كُنْهِ قَدْرِكُ للعقولِ تَحَيّرُ / فَلِذاكَ عنه النَيّرَاتُ تُقَصّرُ
والوَاصِفونَ عُلاكَ مِنّا قَرِّبوا / ما تَرجَموا لِلنَّاسِ عَنهُ وعَبَّروا
أَلقَيتَ عَزمَكَ بَينَ عَيْنَيْ ضَيْغَمٍ / وأباتَ طَيْفُكَ كُلَّ شَيءٍ يُذْعَرُ
وَرَحلتَ في جَوْنِ القَتامِ عَرمرَمٍ / وَكَأنَّهُ لَيلٌ بِوَجهِكَ مُقمِرُ
وَلَئِن قَدِمْتَ وفي اعتِقادِكَ عَوْدَةٌ / فَالبَحرُ من عظمٍ يَمُدُّ ويَجزُرُ
والفتحُ من فَضْلِ الإله ويومُهُ / مُتَقدّمٌ بِالنَّصرِ أو مُتأخِّرُ
لَولا اقتِرابُ الوَقتِ عَن قدَرٍ لَما / فُتِحَتْ على حالٍ لأَحمَد خَيبَرُ
وفَوارِسٍ يَحْمَرُّ مِنْ ضربِ الطِّلا / بِأَكُفِّهم وَرَقُ الحَديدِ الأَخضَرُ
لا غُشَّ جُبْنٍ فيهمُ فَكأنَّهم / سُبكوا بِنِيرانِ الحُروبِ وسُجِّروا
وَمِنَ الرِّجالِ مُرَوَّعٌ ومُشَجَّع / ومنَ السُّيوفِ مُؤنّثٌ ومُذَكَّرُ
ألِفَتْ قلوبُهُمُ الخضوعَ لِرَبِّهِم / والبَأسُ في أَسيافِهِم مُتَكَبِّرُ
يَرْمُونَ أغراضَ الحتوفِ بأنفسٍ / وَوُجوهُها لِعُيونِهِم تَتَنَمَّرُ
وَتَغورُ في هامِ العُلوجِ جَداوِلٌ / لِلضَّربِ مِن أَغمادِهِم تَتفَجَّرُ
مِن كُلِّ وَحشِيِّ الطِّباعِ كَأَنَّهُ / بَينَ القَنا الخَطِّيِّ لَيثٌ مُخْدَرُ
مُتَقَدِّمٌ مِن صَبرِهِ ولِثامُهُ / يَومَ القراعِ أضاتُهُ والمِغفَرُ
صًحِبَت جُيوشُهُمُ جيوشاً يا لها / مِن أبْحُرٍ زَخَرَتْ عَلَيها أَبحُرُ
ويلٌ لِحصنِ لَبَيطَ من يومٍ على / جَنَبَاتهِ يجري النجيعُ الأحمرُ
والرَّوعُ تَثْقُلُ بالرَّدى ساعاتُهُ / وَتَخِفُّ بِالأَبطالِ فيهِ الضُّمَّرُ
يُثْنَى النَّهارُ بِهِ على أَعْقابِهِ / حَتَّى كَأنَّ الشَّمسَ فيه تُكَوَّرُ
والنّقْعُ فيه دُجُنّةٌ لا تَنجلي / والصُّبحُ مِنهُ مَلاءةٌ لا تُنشَرُ
وَلَقَد شَدَدتَ على خِناقِ علوجِهِم / وَأَدارَ رأيَكَ فيهِمُ مُستَبصِرُ
واستَعصَموا بِذُرى أَشَمَّ كَأَنَّهُم / عُصْمٌ أُتيحَ لَها هِزَبرٌ قَسْوَرُ
قَلّوا لَدَيْكَ غنيمةً فكأنّما / أَبقتهُمُ الأَيّامُ فيه لِيَكثُروا
وَلَقَلَّمَا يبقى رمادُهُمُ إذا / طارَتْ بِهِ في الجَوِّ ريحٌ صَرْصَرُ
قامَ الدَّليلُ وما الدَّليلُ بِكاذِبٍ / أَنَّ النَّصارى يُخْذَلونَ وتُنْصَرُ
سكّنْتَ في الآفاقِ من حَرَكاتِهِم / والنَّبضُ من خَوَرِ الطَّبيعَةِ يَفْتُرُ
هلّا أطاقَ الكفرُ جَرَّ قَناتِهِ / لَمَّا تَرَكتَ كُعُوبَها تَتَكَسّرُ
يَومَ العُروبَةِ والعِرَابُ لواعِبٌ / تَكبو على هامِ العُلوجِ وَتَعثُرُ
والفَنشُ يَحصِبُ ناظريه وقلبَهُ / بقوارعِ الأحزانِ يوْمٌ مُعْوِرُ
رَكبَ الغِوايةَ واستبَدَّ برأيِهِ / جهلاً ليَعبُرَ خضرماً لا يُعبَرُ
خُذ في عَزائِمِكَ الَّتي تركَتهُمُ / خَبَراً مَعَ الأيّامِ لا يَتَغَيَّرُ
بِالخيلِ تَحتَ اللَّيلِ يُسْرَجُ حَولَها / في كُلِّ ذابِلَةٍ سِنانٌ أَزهَرُ
وَتَلوكُ من فَقْدِ القَضيمِ شَكائِماً / تُنْهَى بها أفْواهُهُنَّ وَتُؤمَرُ
عَرَكَتْ أَديم الأَرضِ تَحتَ حَوافرٍ / صَخْرُ البلادِ بِوَطئِهِنَّ مُسَخَّرُ
حَتَّى تُغَنّيهِمْ ظُبَاكَ مِنَ الرَّدى / نَغَماً وتسقيهم كؤوساً تُسْكِرُ
جاهَدتَ في الرَّحمَنِ حَقَّ جِهادِهِ / وجَرَى المُلوكُ كما جَرَيتَ فقصَّروا
فَيَبيتُ ناجودٌ وعودٌ حَولَهم / ويَبيتُ حَولَكَ شزَّبٌ وَسَنَوّرُ
وتَفوحُ غالِيَةٌ بِهِم وَذَريرَةٌ / وَهُما دمٌ في بُردَتَيكَ وَعِثْيَرُ
أَعطَتكَ رَيحانَ الثَّناءِ حَديقَةٌ / ظَمِئَتْ وَلَكِن قَلَّما تَستَمطِرُ
وَأَنا العَليمُ بِأَنَّ طَوْلَكَ شاملٌ / وَذُراكَ رَحراحٌ وَجُودُكَ كَوْثَرُ
هُنَّ الحِسانُ وَحَرْبُهَا الهَجْرُ
هُنَّ الحِسانُ وَحَرْبُهَا الهَجْرُ / فَلِذاكَ يَجْبُنُ عِندَها الذِّمْرُ
أصَلِيتَ تلك الحربَ تجربةً / أم أنْتَ عن فَتَكاتِها غَمْرُ
مِن كُلِّ ناشِئةٍ إذا اتّصَلَت / مِنْ عُمْرها بالأرْبَعِ العَشْرُ
وكَمِ اشْتَهَى مِنها عَليلُ هوىً / ثَمَراً بِهِنَّ تَفَلَّكَ الصَّدرُ
خُلُقي مَطِيَّةُ خُلْقِها وَهُمَا / سهلٌ يديرُ عِنَانَهُ وَعْرُ
يا ظبيةً إنْ مَرّضَتْ نظراً / فَلِكُلِّ قَسْوَرَةٍ به قَسرُ
كَرْبٌ هواك وما له فَرَجٌ / وَمَتى يُفارِقُ لَذعَهُ الجَّمرُ
حَتّى الأَراكةُ منك ظالمةٌ / دُرّاً بفيكِ أيُظْلَمُ الدّرُّ
وَكَأنَّ بَرْقاً في تَبَسّمِهِ / وكأنّما دَمْعي له قَطرُ
أشكو خُماراً ما شربتُ له / خَمراً بِفيكَ فَريقُكَ الخمرُ
وَيَهيجُ بي وَجَعٌ وَعِلَّتُهُ / سَقَمٌ بِطَرفِكَ إنَّ ذا سحرُ
وَأَرى الَّذي تَجِدينَ فيكِ لَهُ / نَفْعاً فَمنهُ مَسَّنِيَ الضُّرُّ
من وجهكِ الحُسنُ اقتنى مُلَحاً / فكأنّها في وَجْهِهِ بِشرُ
ليستْ تنالُ الشمسُ منزلةً / مِنها فَكَيفَ ينالها البَدرُ
وأراكِ قد حاولتِ نَقْلَ خُطىً / فَقَصَرْتِها وعلا بكِ البُهْرُ
وعَذَرتُ مِنكِ الخصرَ مَرْحَمَةً / ولِحَملِ ردفِكِ يُعْذَرُ الخصرُ
عَذَلتْ على دَنفٍ أخا مِقَةٍ / لا يَستَقِلُّ بِبَعضِها الصَّبرُ
فَرَثَتْ لِذِلَّتِهِ ورُبَّتَما / لانَ الصّفَا وَتَواضَعَ الكبرُ
بَعَثَتْ لَواحِظُها بِعِطفَتِها / سِرّاً إِلَيهِ فَلَيتَها جَهرُ
قَتَلَتْهُ وهيَ تُريدُ عِيشَتَهُ / ذنبٌ بعيشكِ ذاك أمْ أجْرُ
هَجَرَ الخيالُ فزرتُهُ بالخاطرِ
هَجَرَ الخيالُ فزرتُهُ بالخاطرِ / ولقد يكونُ زمانَ هجركِ زائري
أسَدَدْتِ مسراه فلم يُطِقِ السُّرَى / أمْ باتَ عِندَكِ نائِماً عن ساهِرِ
طُمعَتْ مصافحتي له إذ زُرتُهُ / فَقَبضتُ مِن ظلِّ الخيالِ النافِرِ
إِنّي اقتَنَعْت بِزَورَةٍ زُوْرِيَّةٍ / أَلفَيتُ باطِنَها خِلافَ الظاهِرِ
وَإِذا أَرَدتَ بِأَنْ تُصَوِّرَ للمُنى / صُوَراً فَسَلِّمْها لِفِكرَةِ شاعِرِ
يا مَنْ لها بالسِّحرِ طرْفٌ قاتلٌ / أسَمِعْتِ بالفُتْيَا الَّتي في الساحِرِ
إِنِّي نَظَرتُ فَلَم أجِدْ لك فتكَةً / إلّا بِحَدِّ حسامِ لَحظٍ فاتِرِ
أثْبَتِّ حُبّكِ في فؤادٍ خافقٍ / أوَ ما عجبت لواقعٍ في طائِرِ
وأَشَمَّ من بَيتِ الرئاسَةِ أكبرٍ
وأَشَمَّ من بَيتِ الرئاسَةِ أكبرٍ / يُنْمَى إِلى شُمِّ الأُنوفِ أَكابِرِ
يُرْدي المدجَّجَ وهوَ غَيرُ مدجَّجٍ / كم دارِعٍ أرداه رمحُ الحاسِرِ
ويشِبُّ نيرانَ الحُروب بمرهفٍ / كصبيب ماءٍ في الجماجِم غائِرِ
في جَحْفَلٍ يَغْشَى الوقائعَ زاحفاً / بسماءِ أجنحة وأرضِ حوافِرِ
وَعَجاجَةٍ كَسحابَةٍ مُلْتَفّةٍ / فوْقَ الرُؤوسِ على بُروقِ بَواتِرِ
ضحكتْ تُقهقِه والكماةُ عوابسٌ / بالضربِ فوق قوانسٍ ومغافِرِ
وكأنّ جُرْدَ الخيل تحت حُماتها / عُقبانُ جوٍّ جُنّحٍ بِقساوِرِ
والسابِغاتُ على الكماة حبائكٌ / كَحُبابِ ماءٍ أَو نَثيرِ غَدائِرِ
وكأنّ أطرافَ السيوف نواجذٌ / يحرِقْنَ في شِدْقِ الحِمام الكاشِرِ
ما قستُ نجدتَهُ بحدّةِ مِحْرَبٍ / إلا قضيتُ له بفضلٍ قاهِرِ
إنّ الشجاعةَ في الحُماة وإنها / لأشدّ منها في الأبيِّ الصابِرِ
فتخافُ أذمارُ الكريهةِ فتكَهُ / خَوْفَ البُغاثِ من العُقابِ الكاسِرِ
بسنانِ أسْمَرَ للحيازم ناظمٍ / وغرارِ أبيضَ للجماجمِ ناثرِ
تَبدو مِنَ المَنصورِ فيهِ شَمائِلٌ / تِلكَ السجايا مِن سجايا الناصِرِ
إِنّ الفروعَ على الأصول شواهدٌ / تَقْضي بطيبِ مناقبٍ وعناصرِ
مِن كُلّ أَروعَ من ذؤابةِ حِمْيَرٍ / ناهٍ بألْسِنَةِ القواضبِ آمِرِ
مَن كانَ عنهُ يدافِعُ القَدَرُ
مَن كانَ عنهُ يدافِعُ القَدَرُ / لم يُرْدِهِ جنٌّ ولا بَشَرُ
وثَنى الرَّدى عنهُ الرَّدى جَزَعاً / وسَعَتْ على غيراتهِ غِيَرُ
وَرَمَى عِداهُ بكلِّ داهيَةٍ / دهياءَ لا تُبقي ولا تذَرُ
لا عيبَ فيما كانَ من جَلَلٍ / يَجري بِكُلِّ مُقَدَّرٍ قَدَرُ
إنَّ الملوكَ وإنْ هُمُ عَظُموا / تُغْرَى العُداةُ بِهِم وَإِن حَقَروا
والغَدْرُ قد مُلِئَ الزَّمانُ به / قِدماً وكم نَطَقَتْ بهِ السيَرُ
وأولو المكايدِ إنْ رأوا فُرصاً / ركبوا لها العزَماتِ وابتدروا
والمُصطَفَى سَمّتْهُ كافِرَةٌ / لِتُضيرَهُ أو مسّهُ الضّررَ
وعَلا مُعاويةً بِذي شُطَبٍ / عند الصّباحِ لِشَجّهِ غُدَرُ
وعصابَةٍ لِلْحَينِ قادَ بها / ظُلْمُ النّفوسِ وساقَها الأشَرُ
حَتَّى إِذا ظَنُّوا بأنَّهُمُ / رَبِحوا وأنْجَحَ سَعْيُهُمْ خَسِروا
وَرَدوا الحتُوفَ وبئسَ ما وَرَدوا / لَكِنَّهمْ ورَدوا وما صَدروا
مثلَ الفراشِ تَقَحّمَتْ سُعُراً / فانظرْ إلى ما تَصنَعُ السُّعرُ
خُذلِوا وما نُصروا على مَلِكٍ / ما زالَ بالرّحمنِ يَنتَصِرُ
ردّوا المكايدَ في نُحورِهِمُ / عن عادِلٍ بسيوفِهِ نُحروا
كانَ ابتداءُ فسادِهِمْ لهُمُ / وَعَلَيهِمُ بِصَلاحِهِ الخبَرُ
رفعوا عيُونَهُمُ إلى قَمَرٍ / فَرَماهُمُ برُجُومِهِ القَمَرُ
صَبَّ الحديدَ عليهِمُ ذَرِباً / فكأنّهُمْ من حولهِ جَزَرُ
عَجباً لهم بُطِنُوا بعَيشهِمُ / وَبِقَتلِهمْ إذْ صُلِّبوا ظَهروا
يَبِسَتْ جُذوعُهُمُ وهُم ثَمَرٌ / للضُّبْعِ أينعَ ذلك الثّمَرُ
مِن كُلِّ رابٍ سَلهَبٍ رَسخَتْ / منهُ القوائمُ ما له حُضُرُ
وَكَأَنَّما الحرباءُ مِنهُ علا / عوداً ونارُ الشمسِ تَستَعِرُ
أوَ ما رَأَوْا يحيَى سعادَتُهُ / وقفٌ عليها النّصْرُ والظّفَرُ
إِنَّ الزّمانَ خَديمُ دَولَتِهِ / يُفني أعاديها وإنْ كَثُروا
مَلِكٌ على الإسلامِ ذِمّتُهُ / سِتْرٌ مَديدٌ ظِلّهُ خَصِرُ
سَمْحٌ تَبَرّجَ جودُ راحتهِ / لعفُاته ولعِرضه خفَرُ
ذو هيبَةٍ كالشّمْسِ مُنْقَبِضٌ / عنها إِذا انبَسَطَتْ له النّظرُ
والعَدلُ فيها والتّقى جُمِعَا / فَكأَنَّ ذا سَمعٌ وذا بَصَرُ
خَفَضَ الجناحَ وخَفْضُهُ شَرَفُ / وعلى السِّماكِ علا له قَدرُ
مُتَيَقّظُ العَزَمات تحسبُها / ينتابُها من خَوْفِهِ السّهَرُ
كَالسَّيفِ هُزَّ غِرارُهُ بِيَدٍ / لِلضَّربِ وهوَ مُصَمِّمٌ ذكَرُ
وكأنّ طيبَ ثنائِهِ أرجٌ / عن روَضِهِ يَتَنَفّسُ السّحَرُ
تَنْمي على الأعداءِ عَزْمَتُهُ / والزّندُ أوَّلُ نارِهِ شرَرُ
وكأنّ ركنَ أناتِهِ سَبَلٌ / بموارِدِ المَعروفِ يَنفَجِرُ
يا فاتِكاً بِعُداتِهِ أبداً / إنّ الذِّئابَ تُبيدُها الهُصُرُ
شُكراً فَإِنَّ السَّعْدَ مُتَّصِلٌ / وُصِلَتْ بهِ أيّامُكَ الغُرَرُ
واسْلَمْ فَإِنَّكَ في الندى مَطَرٌ / يَمحُو المحولَ ولِلهدى وَزَرُ
هل كان أودعَ سرَّ قلب مِحجرا
هل كان أودعَ سرَّ قلب مِحجرا / صَبٌّ يُكابِدُ دَمعَهُ المُتَحَدِّرا
باتَت لَهُ عَينُ تَفيضُ بِلُجّةٍ / قَذَفَ السّهادُ على سَواحِلِها الكرى
ما بالُ سالي القلبِ عَنَّفَ مَن لَهُ / قَلبٌ بِتَفتيرِ اللِّحاظِ تَفَطَّرا
وَرَمى نَصيحَتهُ إلى قَنصِ الهَوى / فإذا رَعَى حَوْلَ الحبائلِ نُفّرا
إِنَّ الغرامَ غرامُهُ ذو سَوْرَةٍ / وَمِنَ العيونِ على القلوبِ تَسَوّرا
وإذا تَعَلّقَ بالعَلاقةِ مُهْتَدٍ / ورنا إلى حَوَرِ الظباءِ تحيّرا
وَمِن الفواتِكِ بِالوَرى لكَ غادَةٌ / كَحَلَتْ بمثلِ السحرِ طرفاً أحوَرا
ملآنُ منها حِقْفُها وَوِشاحُها / صِفْرٌ تخالُ الخَصْرَ فيه خِنْصَرا
عادَت سَقيماً مِن سَقامِ جُفونِها / خَطَرَت عَلَيهِ كَرُؤيَة فَتَخَطَّرا
شَرِقَ الظلامُ تألّقاً بضيائها / فكأنّما شَرِبَ الصَّباحُ المُسفرا
سَحَبَتْ ذوائبَها فَيا لأَساودٍ / نَفَثَتْ على القدمينِ مِسْكاً أَذفَرا
وَمَشَت تَرَنّحُ كَالنَّزيفِ وَمَشيها / فَضَحَ القطاةَ بِحُسنِهِ والجُؤذَرَا
فَعَجِبتُ من غُصْنٍ تُدَافِعُهُ الصَّبا / بِالنهدِ أَثمَر وَالثنايا نَوّرَا
معشوقةٌ حَيّتْ بوردةِ وجنةٍ / وَسقَتْ بكاسِ فمٍ سلافاً مُسْكرا
لا تَعجَبَنْ مما أقولُ فَمِقوَلي / عن حُكْمِ عَيْني بالبخيلة أخْبَرا
إنِّي امرؤ كلّ الفكاهة حازها / والصّيْدُ كلُّ الصَّيدِ في جوفِ الفِرا
يا ربَّ ذي مَدٍّ وجزرٍ ماؤهُ / للفلك هُلْكٌ قَطْعُهُ فَتَيَسّرا
نَفَخ الدُّجى لما رآه ميِّتاً / فيه مكان الروح ريحاً صرصرا
يُفضي إلى حيِّ العبابِ تَخاله / لولا رُبى الآذيِّ قيعاً مقفرا
يخشى لوحشَتِه السُّلَيْكُ سلوكَهُ / ويلوكُ فيه الرعبُ قلبَ الشنفرى
خُضنا حشاه في حَشَى زِنجيَّةٍ / كَمُسِفّةٍ شَقَّتْ سُكاكاً أغبرا
تنجو أمَامَ القدح وَخْدَ نجيبةَ / فكأنّه فحلٌ عليها جرجرا
بحرٌ حكى جودَ ابن يحيى فيضُهُ / وطما بسيفِ القصر منه فَقَصّرا
أقرَى الملوك يداً وأرفع ذِمَّةً / وأجلّ منقبةً وأكرمُ عُنْصُرا
لا تحسبِ الهمّاتِ شيئاً واحداً / شتّانَ ما بين الثُّريَّا والثَّرى
بدرُ المهابة يحتبي في دَسْتِهِ / مَلِكٌ إذا مَلكٌ رآه كبّرا
نجْلُ الأعاظم من ذؤابةِ حِمْيَرٍ / صقَلَ الزمانُ به مفاخرَ حميَرا
يزدانُ في العلياءِ منه سريرهُ / بِمُمَلَّكٍ في المهدِ كانَ مؤمَّرا
لبِسَ التَّذلُّلَ والخشوعَ لعزّهِ / كلّ امرئٍ لبس الخنى وتحيَرا
وكأنّما في كل مِقوَلِ ناطقٍ / من ذكره خَوْفٌ يُسَلّ مُذَكَّرا
وكأنّهُ في الدَّهرِ خُيِّرَ فانتقى / أيّامَهُ من حُسْنِها وتَخَيّرا
طَلْقُ المُحَيَّا لا بُسُورَ له إذا / بَسَرَ الحِمامُ بِمأزِقٍ وتَمَعَّرا
أخدودهُ في الرأسِ ضَرْبَةُ أبيضٍ / وقليبُه في القلب طعنةُ أَسمَرا
وإذا تَعَرّى للشجاع حُسَامُهُ / بكريهةٍ قَتلَ الشجاعةَ بالعَرا
كم منْ صريعٍ عاطلٍ من رأسه / بالضرب طَوّقَهُ حساماً مبترا
مُتَيَقِّظٌ ملأ الزمانَ لأهله / أمنْاً أنامَ به وخوفاً أسهَرا
عَصَفتْ لِتُدرِكَهُ الصَّبا فكأنَّما / جَمدَتْ وَقرَّت خلفه لمَّا جَرى
أَحْبِبْ بِذاكَ السبقِ إذ هوَ في مَدى / شَرَفٍ يثيرُ به العلى لا العِثيَرا
يُسْدي المكارم من أناملِ مُفْضِلٍ / أغْنى الزمانُ بنَيلها مَن أَفقَرا
أحيا بِهِ المعروفَ بينَ عِبادِهِ / ربٌّ بسيرته أماتَ المُنكَرا
وكتيبةٍ كَتَبَتْ صدورُ رماحها / للموتِ في صُحُفِ الحيازم أسْطُرا
مُلِئَتْ بها الحربُ العَوَانُ ضراغماً / وصلادماً وقشاعماً وَسَنَوّرا
جاءت لفيفاً في رواق عجاجةٍ / سوداءَ دَرْهَمَها اللميعُ ودنّرا
وبدا عليٌّ في سماءِ قتامها / قمراً وصالَ على الفوارس قَسْوَرا
بخطيبِ موتٍ في الوقائع جاعلٍ / لغراره رأسَ المدجَّج مِنْبَرا
بحرٌ إذا ما القرنُ رام عبورَهُ / لم يَلْقَ فيه إلى السَّلامَةِ مَعبرا
عَطِبَتْ به مُهَجُ الجبابِرَةِ الأُلى / بَصُرُوا بِكِسرى في الزَّمانِ وقَيصَرا
رسبت بلَجَّتِهِ النُّفوسُ ولو طَفَتْ / لحسبتَهُ قَبْلَ القيامةِ محشرا
وَرَدَ النجيعَ وَسَوْسَنٌ جنباته / ثُمَّ استَقَلَّ بِهِنَّ وَرداً أَحمرا
وكأنّما نارٌ تُشَبُّ بمتنه / أبداً تُحَرّقُ فيه روضاً أخضرا
فَتَقَ الرياح بفخره فكأنّما / خُضْنا إليه بالمعاطسِ عنبرا
رَفَعَ القريضُ به عقَائِرَ مَدحِهِ / فَاهتَزَّ في يَدِهِ النّدى وتَفَجَّرا
وأَتى العَطاءُ مُفَضضاً ومُذهباً / وأتى الثناءُ مسهّماً ومحبَّرا
فكأنّما زخرتْ غواربُ دجلةٍ / وكأنّما نُشِرَتْ وشائعُ عبقرا
يا مَنْ إذا بَصَرٌ رآه فقد رأى / في بردَتَيهِ الأَكرَمينَ مِنَ الوَرى
وَبَدا لَهُ أَنَّا بِأَلْسِنَةِ العلى / في جَوهَرِ الأَملاكِ نَنظِمُ جَوهَرا
من نُور بِشرِكَ أشرقَ النور الَّذي / بِتَكاثُرِ الأعيادِ عِندَكَ بَشّرا
وَاسلَمْ لِملكِكَ في تَقَاعُسِ عِزَّةٍ / وَأَبِدْ بِسَيفِكَ مَن عَدا واستَكبَرا
بَكرَتْ تُغَازِلُهُ الدُّمى الأبْكارُ
بَكرَتْ تُغَازِلُهُ الدُّمى الأبْكارُ / فهفا له حِلْمٌ وطاشَ وَقَارُ
وأظنّهُ مترنّحاً من نَشْوَةٍ / كاساتُها بهوَى العيون تُدارُ
يا لُوّمي ومتى بُليت بلوّمٍ / إلّا وَهُمْ ببليّتي أغمَارُ
فُكُّوا الغضَنفَرَ من إسار غزالَةٍ / قيداه خَلْخَالٌ لها وسِوارُ
ما أَحْرَقتْ خَدِّي سَواكِبُ أدمُعي / إلّا بِماءٍ في حَشَاهُ نارُ
والماءُ مُنفَجِرٌ منَ النارِ الَّتي / في القلب منها يَسْتَطيرُ شرارُ
عَجَبي لأَضدادٍ عَلَيَّ تَناصَرَتْ / جَوْراً عَلَيَّ وَلَيس لي أنْصارُ
فَخُذوا الهوى عنِّي بِنَقل ملاحةٍ / عَن أَعيُنٍ يرنو بِهِنَّ صُوَارُ
ومباسماً تجلو شقائقَ روضةٍ / للأقحُوَانَةِ بينها نُوّارُ
إنَّ المها تُمْهي سيوفَ جفونها / فَحَذارِ منها لو يُطاقُ حِذارُ
مِنْ كلِّ مُشْرَبةٍ بجريال الصبا / لوناً كما لَمسَ اللُّجَينَ نُضارُ
في خلقها الإنْسيِّ من وحشيّةٍ / كُحْلٌ وحُسْنُ تَلَفُّتٍ وَنِفارُ
طَرفي بِرَجْعَتِهِ إِلَيَّ أذاقَني / مِنها الرّدى لا طَرْفُها السَّحّارُ
وإذا انثى سهمٌ على الرّامي به / غَرَضاً له فالجُرْحُ منه جبارُ
طَرَقَتْ تَهادى في اختيالِ شبيبةٍ / تُخطِي مُطِيلَ الوجد وهيَ قصارُ
سَفَرَتْ فما دَرَتِ الظنون ضميرها / أَسُفُورها من صُبحِها إِسفارُ
حَتَّى إذا خافَتْ مُرَاقِبَها عَلا / مِنها عَلى الوجهِ المنيرِ عِجارُ
وَكَأنَّما زُهْرُ النُّجومِ حمائِمٌ / بِيضٌ مَغارِبُها لَها أَوكارُ
وكأنّما تذكي ذُكاءُ تَوَهُّجاً / فيه يذوبُ من الدُّجُنَّةِ قارُ
يا هَذِهِ لا تَسألي عن عَبرَتي / عَيني على عَيني عَلَيكِ تَغارُ
هل كانَ نَهدُكِ صِنوَ قَلبكِ تَتَّقي / عَن لَمسِهِ في صَدرِكِ الأَزرارُ
ما كنتُ أحسبُ غُصنَ بانٍ في نَقا / تشكو أليمَ القطفِ منه ثمارُ
نَصَّلْتِ سَهْمَيْ مُقلَتَيكِ ليُصْمِيا / بِنِصالِ سِحرِ الطرفِ فهيَ حِرارُ
وهما المعلّى والرقيبُ وإنّما / قلبي المعذَّبُ منهما أعشارُ
لا ثأر يدرَك منك في المُّهَجِ الَّتي / أرديتها أوَ مِنْكِ يُدْرَك ثارُ
هلَّا التفَتِّ كما تَلَفّتُ مُغْزِلٌ / لترَى مَكان الخِشْفِ وهيَ نَوَارُ
وَبرَدْتِ حرَّ الشّوْقِ بالبردِ الَّذي / شَهدٌ ومِسكٌ دونَهُ وعقارُ
إِنّي دُفِعْتُ إلى هَواكِ وغُربةٍ / هَتَفَتْ بها العَزَمَاتُ والأَسفارُ
وغَرستُ عمري في الزَّماعِ فمرّرتْ / لفمي جَنَاهُ نجائِبٌ وقِفارُ
وَجَعَلتُ دَاري في النَّوى فَمُؤانسي / وحشُ الفلا وَمَجَالسي الأكوارُ
لولا ذُرَى الحسن الهمامِ وَفَضْلُهُ / ما قَرَّ بي في الخافِقَينِ قَرارُ
هَذا الَّذي بَذَلَتْ أناملُهُ النّدى / وهُدِيْ الكرامُ إليه لمّا حاروا
هذا الَّذي سلَّ السيوفَ مجاهداً / فَبِضْربها للمُشركينَ دَمَارُ
هذا الذّي جَرّ الرّماحَ لحربهم / سَعْيَ الأساود جيشُهُ الجرّارُ
قَهَرَتْ ظُبَا توحيده تثليثَهمْ / وقَضى بذاكَ الواحِدُ القهّارُ
غَضباً على الأعلاج منه فَرَبّهُ / يَرْضَى به ونَبِيُّهُ المختارُ
فَلِوَجهِهِ البادي عَلَيهِ سَنا الهدى / ضَرَبَتْ وُجُوهَ عُداتِهِ الأقدارُ
أمّا عُلا حسنٍ فبين مَصَامِها / شَرَفاً وبين الفرقَدَينِ جِوارُ
خَلُصَتْ خلائِقُهُ ولَم يَعْلَقْ بها / جَبْرِيّةٌ لم يَرْضَها الجبّارُ
وَسما لَهُ حلمٌ وَجَلَّ تَفَضُّلٌ / وَزَكا لَهُ فَرعٌ وَطاب نجارُ
يَنْدى بلا وَعْدٍ وكم من عارضٍ / من غير بَرْقٍ صوبه مدرارُ
فربُوعُه بالمُعتَفينَ أوَاهِلٌ / وَبَنَانُهُ بالمَكرُمات بحارُ
وإذا عفا صفحاً عفا عن قُدْرَةٍ / والحلمُ في الملك القدير فخارُ
سُلَّتْ صوَارِمُهُ الحِداد ففَلَّقَتْ / هاماً عليها للجيادِ عِثارُ
في جَحفَلٍ كَالبحرِ ماج بضمَّرٍ / فتَكَتْ على صَهوَاتِها الأذْمارُ
لا يَجْزَعُونَ مِنَ المَنونِ كَأَنَّما / آجالُهُمْ لِنُفوسِهِم أعمارُ
فَصَعيدُ وجهِ الأرْضِ منه مُبَعْثَرٌ / وَذَرُورُ عين الشَّمسِ منه غبارُ
إنَّ الحروبَ وأنتُمُ آسادُها / فَتَكاتُكمْ في عُرْبها أبكارُ
أَضحَتْ لِصَونِكُمُ الثغورُ كأعيُنٍ / وشفاركمْ من حولها أشفارُ
زانَت سِيادَتُكم كرامَةَ بَرِّكم / خيرُ الملوكِ السادةُ الأبرارُ
يا من عِتاقُ الخَيْلِ تُوسَمُ باسمِهِ / والدرهمُ المضروبُ والدّينارُ
وبكلّ أرضٍ تستنيرُ بذكره / خُطَبٌ منَ الفصحاءِ أو أشعارُ
خدمتْ رئاستَك السعودُ وأصبحتْ / للفضل تحْسُدُ عَصرَكَ الأعصارُ
ورِجالُ دَولَتِكَ الَّذينَ لِقَدرِهِم / بكَ في الورى الإجلالُ والإكبارُ
فمن المقدّم والزمام كفايةٌ / نُجْحٌ بها الإيرادُ والإِصْدارُ
فَهُما وَزيراكَ اللَّذانِ عَلَيهِما / لنفوذِ أمْرِكَ في السداد مَدَارُ
جَبَلانِ يَقتَرِنانِ للرأيِ الَّذي / لِعِداكَ منه مذلّةٌ وصَغارُ
فالملك بينهما حديثٌ حُسْنُهُ / قَطَعَتْ لياليَها به السُّمّارُ
وكأنّ ذا سمعٌ وذا بصرٌ له / حَسَدتْهُما الأسْماعُ والأبصارُ
واللَّيثُ إبراهيمُ قائدُك الّذي / تَدمى بِصَولَتِه لهُ أظْفارُ
يرمي شدادَ المُعْضِلاتِ بنفسه / بَطَلُ الكفاحِ وَذِمْرُها المغوارُ
وإذا تَفَجّرَ جدولٌ من غِمْدِهِ / شَرِقَتْ بماءِ غَمامِهِ الفُجّارُ
وعبِيدُكَ الغلمانُ إن نادَيْتَهُم / نَهَضُوا مُوَاثَبَةَ الأسود وثاروا
وَمَشَوْا مع التّأييدِ قاماتٍ إلى / هيجاءَ مَشْيُ حُماتِها أشبارُ
سَبَحوا إلى الأعلاج إذ لم ينزلوا / مِن فُلكهم فَحِجالُها تَيَّارُ
وَرَمَوْهُمُ بِجَنادِلٍ فكأنَّها / لأجورها عندَ الإِلهِ جِمارُ
وَبِكُلِّ سَهمٍ واقعٍ لِكنَّهُ / بِثلاثِ أجنِحَةٍ له طَيَّارُ
وَحمَوْا حِمى الأسوَارِ وهيَ وراءهُم / حَتَّى كأنَّهُمُ لها الأسوارُ
وكَأنَّما حَرّ المَنايا عِندَهم / بَرْدٌ إذا ما اشتدَّ مِنهُ أوارُ
لا يتَّقي في الضَّربِ سَيْفُكَ مِغْفَراً / فله من القَدَرِ المُطاعِ غِرَارُ
لو أنَّ أعْرَاضاً تُجَوْهَرُ أصْبَحَتْ / في كفّكَ العَزَماتُ وهيَ شِفارُ
أَو أنَّ للأرْضِ الجمادِ تَنقُّلاً / حَجّتْ إلى أمْصارِكَ الأمْصارُ
فليهنِك الشهرُ المعظَّمُ إنّه / ضيفٌ قِراه البِرُّ والإيثارُ
أَصبَحتَ فيه لِوَجهِ ربِّكَ صائماً / لَكِن لِكَفِّكَ بالنّدى إفطارُ
ضيفٌ أتَاكَ به لتعرفَ حَقّهُ / فَلُكٌ بقدرةِ ربّهِ دَوّارُ
لا زالتِ الأيّامُ وافِدةً على / ما تشْتَهي منها وما تختارُ
واعمُرْ بقصرِ المُلْك ناديكَ الذي
واعمُرْ بقصرِ المُلْك ناديكَ الذي / أضحى بمجدك بيته معمورا
قصرٌ لوَ انَّكَ قد كحلتَ بنوره / أعمى لعادَ إلى المقام بصيرا
واشتقّ من معنى الحياة نسيمه / فيكادُ يُحْدِثُ للعظام نُشورا
نُسيَ الصبيحُ مع المليح بذكره / وسما ففاقَ خورنقاً وسديرا
ولوَ اَنَّ بالألوان قوبلَ حسنُهُ / ما كان شيءٌ عنده مذكورا
أعيت مصانعه على الفُرْسِ الألى / رفعوا البناء وأحكموا التدبيرا
ومضَتْ على الرّومْ الدهورُ وما بنوْا / لملوكهم شَبَهاً له ونظيرا
أذكرْتَنَا الفرْدوْس حينَ أرَيْتَنَا / غُرَفاً رفعتَ بناءَها وقصورا
فالمحسنون تَزَيّدوا أعمالهمْ / وَرَجَوْا بذلك جَنّةً وحريرا
والمذنبون هُدوا الصراطَ وَكفّرَتْ / حسناتُهُمْ لذنوبهم تكفيرا
فَلَكٌ من الأفلاكِ إلّا أنّهُ / حَقَرَ البدورَ فأطلعَ المنصورا
أبصرتُهُ فرأيتُ أبدعَ منظرٍ / ثم انثنيتُ بناظري محسورا
وظننتُ أني حالمٌ في جَنّةٍ / لمّا رأيتُ الملكَ فيه كبيرا
وإذا الولائدُ فَتّحَتْ أبوابَهُ / جَعَلَتْ ترحّبُ بالعُفاةِ صريرا
عَضّتْ على حلقاتهنّ ضراغمٌ / فَغَرَتْ بها أفواهَها تكسيرا
فكأنّها لَبَدَتْ لتهصرَ عندها / من لم يكنْ بدخوله مأمورا
تجري الخواطرُ مطلقاتِ أعنةٍ / فيه فتكبو عن مداه قصورا
بمرخَّم الساحاتِ تحسبُ أنّهُ / فُرِشَ المَها وتَوَشّحَ الكافورا
ومحصَّبٍ بالدرّ تحسبُ تربَهُ / مسكاً تَضَوّعَ نشره وعبيرا
يستخلفُ الإصباحُ منه إذا انقضى / صبحاً على غَسَقِ الظلام منيرا
وضراغمٌ سَكَنَتْ عرينَ رئاسةٍ / تركتْ خريرَ الماء فيه زئيرا
فكأنّما غَشّى النّضارُ جُسومَهَا / وأذابَ في أفواهِها البلّورا
أُسْدٌ كأنّ سكونَها متحرّكٌ / في النفس لو وجدتْ هناك مثيرا
وتذكّرَتْ فتكاتها فكأنّما / أقعتْ على أدبارها لتثورا
وتخالُها والشمسُ تجلو لونَها / ناراً وألسُنَها اللواحسَ نورا
فكأنّما سُلّتْ سيوفُ جداولٍ / ذابتْ بلا نارٍ فَعُدْنَ غديرا
وكأنما نسج النسيم لمائه / درعاً فقدر سردها تقديرا
وبديعةِ الثّمَرَاتِ تعبُرُ نحوها / عينايَ بحرَ عجائبٍ مسجورا
شجريةٍ ذهبيةٍ نزعتْ إلى / سحر يؤثّر في النهى تأثيرا
قد صَوْلَجَتْ أغصانَها فكأنّما / قَنَصَتْ لهنّ من الفضاء طيورا
وكأنّما تأبى لواقع طيرها / أن تستقلّ بنهضها وتطيرا
من كلّ واقعةٍ ترَى منقارها / ماءً كسلسال اللجين نميرا
خُرْسٌ تُعدّ من الفصَاح فإن شدَتْ / جعلتْ تغرّدُ بالمياه صفيرا
وكأنّما في كلّ غصنٍ فضةٌ / لانتْ فأُرسِلَ خيطها مجرورا
وتريكَ في الصّهريج موقعَ قَطْرِهَا / فوْقَ الزّبَرْجَدِ لؤلؤاً منثورا
ضحكتْ محاسنُهُ إليك كأنّما / جُعلتْ لها زُهرُ النجوم ثغورا
ومصَفَّحِ الأبوابِ تبراً نَظّروا / بالنقش بين شكوله تنظيرا
تبدو مساميرُ النضارِ كما عَلَت / فلك النهود من الحسان صدورا
خَلَعَتْ عليه غلائلاً ورسيَّةً / شمسٌ تردّ الطرفَ عنه حسيرا
وإذا نَظَرْتَ إلى غرائبِ سَقفهِ / أبصرتَ روضاً في السماء نضيرا
وعجبتَ من خطّافِ عسجده الّتي / حامتْ لتبني في ذراه وكورا
وضعتْ به صنّاعُهُ أقلامَها / فأرَتْكَ كلّ طريدةٍ تصويرا
وكأنّما للشمس فيه ليقةٌ / مَشَقوا بها التّزْويقَ والتشجيرا
وكَأنّما للأزَوَرْد مُخَرِّمٌ / بالخطّ في وَرَقِ السماءِ سطورا
وكأنّما وَشّوْا عَلَيه ملاءَةً / تركوا مكان وشاحِها مقصورا
يا مالكَ الأرض الّذي أضحى له / مَلِكُ السماءِ على العداة نصيرا
كم من قصورٍ للملوك تَقَدّمَتْ / واستوْجَبَتْ لقصورك التّأخيرا
فعمرتها وَملَكتَ كلّ رئاسةٍ / منها ودمّرْتَ العدا تدميرا