المجموع : 5
لَمَعَتْ كناصِيَةِ الحِصانِ الأشْقَرِ
لَمَعَتْ كناصِيَةِ الحِصانِ الأشْقَرِ / نارٌ بمُعتَلِجِ الكَثيبِ الأعْفَرِ
تَخبو وتُوقِدُها ولائِدُ عامِرٍ / بالمَندَليّ وبالقَنا المُتَكَسِّرِ
فتَطارَحَتْ مُقَلُ الرّكائِبِ نحوَها / ولنا بِرامَةَ وِقْفَةُ المُتَحَبِّر
وهَزَزْتُ أطرافَ السّياطِ فأرْقَلَتْ / وبِها مَراحُ الطّارِقِ المُتنَوِّر
حِنّي رُوَيْداً ناقُ إنّ مُناخَنا / بعُنَيْزَتَيْنِ ونارُها بمُحجَّرِ
فمَتى اللّقاءُ ودونَ ذلكَ فِتيَةٌ / ضُرِبَتْ قِبابُهُمُ بقُنّةِ عَرْعَرِ
وأسِنّةُ المُرّانِ حَولَ بُيوتِهِمْ / شُدَّتْ بِها عُذُرُ العِتاقِ الضُّمَّرِ
فهُمُ يَشُبّونَ الحُروبَ إذا خَبَتْ / بالبيضِ تَقطُرُ بالنّجيعِ الأحْمَرِ
يا أخْتَ مُقتَحِمِ الأسنّةِ في الوَغى / لَولا مُراقَبَةُ العِدا لَم تُهْجَري
هلْ تأمُرينَ بزَوْرَةٍ منْ دُونِها / حَدَقٌ تشُقُّ دُجى الظّلامِ الأخْضَرِ
أأُصانِعُ الأعداءَ فيكِ وطالَما / خَضَبَ القَنا بدِماءِ قوْمِكَ مَعْشَري
ويَروعُني لَغَطُ الوُشاةِ وقَبْلَنا / حَكَمَتْ قَبائِلُ خِنْدِفٍ في حِمْيَرِ
لأُشارِفَنّ إلَيكِ كلَّ تَنوفَةٍ / زَوراءَ تُعْقَرُ بالمُشيحِ الأزْوَرِ
فلَكَمْ هَزَزْتُ إلَيكِ أعْطافَ الدُّجى / ورَكِبْتُ هاديَةَ الصّباحِ المُسْفِرِ
نَفْسي فِداؤكِ منْ عَقيلَة مَعْشرٍ / مَنَعوا قُضاعَةَ بالعَديدِ الأكْثَرِ
ألِفَتْ ظِباءَ الوادِيَيْنِ فعِنْدها / حَذَرُ الغَزالَةِ والْتِفاتُ الجُؤذَرِ
وبمَنْشِطِ الحَوْذانِ خَمسَةُ أرْسُمٍ / تَبدو فأحْسَبُهُنَّ خَمسَةَ أسْطُرِ
وافَيْتُها والرّكْبُ يَسْجُدُ للكَرى / والعِيسُ تَركَعُ بالحَزيزِ الأوْعَرِ
فوَقَفْتُ أسأَلُها وفي عَرَصاتِها / طَرَبُ المَشوقِ وحَنّةُ المُتَذَكِّر
وكأنّ أطْلالاً بمُنعَرَجِ اللِّوى / أشْلاءُ قَتْلاكَ التي لمْ تُقْبَرِ
أخلَيْتَ منها الشّامَ حينَ تظلّمَتْ / منها ومَنْ يَستَجْدِ عَدْلَكَ يُنصَرِ
فقَشَرْتَ بالعَضْبِ الجُرازِ قُشَيْرَها / وقَلَعْتَ بالأسَلاتِ قلعَةَ جَعْبَرِ
شمّاءُ تَلعَبُ بالعُيونِ وتَرتَدي / هَضَباتُها حُلَلَ السَّحابِ الأقمَرِ
وتَحِلُّها عُصَبٌ تُضَرِّمُ للْقِرى / شَذَبَ الأراكِ زَهادَةً في العَنْبَرِ
قَوْمٌ حُصونُهُمُ الأسِنّةُ والظُّبا / والخَيْلُ تَنحِطُ في مَطارِ العِثْيَرِ
ألِفوا ظُهورَ المُقْرَباتِ وما دَرَوْا / أنّ المَصيرَ إِلى بُطونِ الأنْسُرِ
فخَبَتْ ببَأْسِكَ فِتْنَةٌ عرَبيّةٌ / كانت تُهَجْهِجُ بالسّوامِ النُّفَّرِ
وفَتَحْتَ أنطاكيّةَ الرّومِ التي / نَشَزَتْ مَعاقِلُها على الإسكَنْدَرِ
وكَفى مُعِزَّ الدين رأيُكَ عَسْكَراً / لَجِباً يُجَنّحُ جانبَيْهِ بعَسْكَرِ
وطِئَتْ مَناكِبَها جِيادُكَ فانْثَنَتْ / تُلقي أجِنّتَها بَناتُ الأصْفرِ
تَردي كما نَسَلَتْ سَراحينُ الغَضى / قُبْلَ العُيونِ بجنّةٍ منْ عَبْقَرِ
وتَرى الشُّجاعَ يُديرُ في حَمْسِ الوَغى / حَدَقَ الشُّجاعِ يَلُحْنَ تحتَ المِغْفَرِ
فتَناوشَ الأسَلُ الشّوارِعُ أرضَها / والخَيلُ تَعثُرُ في العَجاجِ الأكْدَرِ
رُفِعَتْ منارُ العَدلِ في أرْجائِها / فاللّيْثُ يَخْضَعُ للغَزالِ الأحْوَرِ
وترَشّفَ العافونَ منكَ أنامِلاً / يَخْلُفْنَ غاديَةَ الغَمامِ المُغزِرِ
ورَدوا نَداكَ فأصْدَرَتْ نَفَحاتُهُ / عنكَ المُقِلَّ يَجُرُّ ذَيْلَ المُكْثِر
وصَبا الدُّهورُ إلَيْكَ بَعْدَ مُضِيِّها / لتَرى نَضارَةَ عَصرِكَ المُتأخّرِ
فَغدا بِها الإسلامُ يَسْحَبُ ذَيْلَهُ / مَرَحاً ويخْطِرُ خِطْرَةَ المُتَبَخْتِرِ
إيْهاً فقَدْ أدرَكْتَ منْ شَرَفِ العُلا / ما لم يُنَلْ وذَخَرْتَ ما لمْ يُذْخَرِ
وبلَغْتَ غايَةَ سُؤدَدٍ لمْ يُلْفِهِ / كِسْرى ولا عَلِقَتْهُ هِمّةُ قَيصَرِ
فإذا استَجارَ بكَ العُفاةُ تَبَيّنوا / أثَرَ السّماحِ على الجَبينِ الأزْهَرِ
ورَأَوا عُلا إسْحاقَ شَيّدَ سَمْكَها / كَرَمُ الرّضيِّ فَيا لَهُ منْ مَفْخَرِ
ومَناصِباً فَرَعَتْ ذُؤابَةَ فارِسٍ / لمْ يَستَبِدَّ بهِنّ آلُ المُنْذِرِ
يا صاحِبَيَّ دَنا الرّحيلُ فَقَرِّبا / وَجْناءَ تكفُلُ بالغِنى للمُقْتِرِ
وتَجُرُّ أثناءَ الزِّمامِ إِلى فتَىً / خَضِلِ الأنامِلِ كِسْرَويّ المَفْخَرِ
فمَطالعُ البَيداءِ تَعلَمُ أنّني / أسْري وأَعنُفُ بالمَهارَى الحُسَّرِ
وأحَبِّرُ الكَلِمَ التي لا أرتَضي / مِنها بغَيرِ الشّاردِ المُتَخيّرِ
وجَزالةُ البَدَوِيِّ في أثنائِه / مُفْتَرَّةٌ عن رِقَّةِ المُتَحَضِّرِ
وإلَيكَ يَلتَجئُ الكَريمُ ويَتّقي / بكَ ما يُحاذِرُ والنّوائِبُ تَعتَري
والأرضُ دارُكَ والبَرايا أعْبُدٌ / وعلى أوامِرِكَ اختِلافُ الأعْصُرِ
لكَ مِن غَليلِ صَبابَتي ما أُضمِرُ
لكَ مِن غَليلِ صَبابَتي ما أُضمِرُ / وأُسِرُّ منْ ألَمِ الغَرامِ وأُظْهِرُ
وتذَكُّري زَمَنَ العُذَيْبِ يَشِفُّني / والوَجْدُ مَمْنُوٌّ بهِ المُتَذَكِّرُ
إذْ لِمّتي سَحْماءُ مَدَّ على التُّقى / أظْلالَها وَرَقُ الشّبابِ الأخضَرُ
هوَ مَلعَبٌ شَرِقَتْ بِنا أرجاؤُهُ / إذْ نَحنُ في حُلَلِ الشّبيبَةِ نَخْطِرُ
فبِحَرِّ أنفاسي وصَوْبِ مَدامِعي / أضْحَتْ مَعالِمُهُ تُراحُ وتُمطَرُ
وأُجيلُ في تلكَ المَعاهِدِ ناظِري / فالقَلبُ يعرِفُها وطَرْفي يُنكِرُ
وأرُدُّ عَبْرتِيَ الجَموحَ لأنّها / بِمَقيلِ سِرِّكَ في الجَوانِحِ تُخْبِرُ
فأبِيتُ مُحْتَضِنَ الجَوى قلِقَ الحَشى / وأظَلُّ أُعْذَلُ في هَواك وأُعذَرُ
غَضِبَتْ قُرَيشٌ إذْ مَلَكْتُ مَقادَتي / غَضباً يَكادُ السُّمُ منهُ يَقْطُرُ
وتَعاوَدَتْ عَذْلي فَما أرْعَيْتُها / سَمْعاً يَقِلُّ بهِ المَلامُ ويَكْثُرُ
ولقَدْ يَهونُ على العَشيرَةِ أنّني / أشْكو الغَرامَ فيَرقُدونَ وأسْهَرُ
وبمُهْجَتي هَيْفاءُ يَرْفَعُ جِيدَها / رَشَأٌ ويَخْفِضُ ناظِرَيْها جُؤْذَرُ
طَرَقَتْ وأجْفانُ الوُشاةِ على الكَرى / تُطْوى وأرْدِيَةُ الغَياهِبِ تُنْشَرُ
والشُّهْبُ تَلمَعُ في الدُّجى كأَسِنّةٍ / زُرْقٍ يُصافِحُها العَجاجُ الأكْدَرُ
فنِجادُ سَيْفي مَسَّ ثِنْيَ وِشاحِها / بمَضاجِعٍ كَرُمَتْ وعَفَّ المِئْزَرُ
ثمَّ افْتَرَقْنا والرَّقيبُ يَروعُ بي / أسَداً يوَدِّعُهُ غَزالٌ أحْوَرُ
والدُّرُّ يُنظَمُ حينَ يضحَكُ عِقْدُهُ / وإذا بَكَيْتُ فمِنْ جُفوني يُنثَرُ
فَوَطِئْتُ خَدَّ اللّيلِ فوقَ مُطَهَّمٍ / هُوجُ الرِّياحِ وراءَهُ تَسْتَحْسِرُ
طَرِبِ العِنانِ كأنّهُ في حُضْرِهِ / نارٌ بمُعْتَرَكِ الجيادِ تَسَعَّرُ
والعِزُّ يُلحِفُني وشائِعَ بُرْدِهِ / حَلَقُ الدِّلاصِ وصارِمي والأشْقَرُ
وعَلامَ أدَّرِعُ الهَوانَ ومَوْئِلي / خَيْرُ الخَلائِفِ أحْمَدُ المُسْتَظْهِرُ
هوَ غُرَّةُ الزّمنِ الكَثيرِ شِياتُهُ / زُهِيَ السّريرُ بهِ وتاهَ المِنْبَرُ
ولهُ كما اطّرَدَتْ أنابيبُ القَنا / شَرَفٌ وعِرْقٌ بالنُّبُوّةِ يَزْخَرُ
وعُلاً تَرِفُّ على التُّقى وسَماحَةٌ / عَلِقَ الرّجاءُ بِها وبأسٌ يُحْذَرُ
لا تَنفَعُ الصّلواتُ مَنْ هوَ ساحِبٌ / ذَيْلَ الضّلالِ وعنْ هَواهُ أزْوَرُ
ولَوِ اسْتُميلَتْ عَنْهُ هامَةُ مارِقٍ / لَدعا صَوارِمَهُ إلَيْها المِغْفَرُ
فَعُفاتُهُ حَيثُ الغِنى يَسَعُ المُنى / وعُداتُهُ حَيثُ القَنا يتكَسّرُ
وبِسَيْبِهِ وبسِيْفِهِ أعمارُهُمْ / في كُلِّ مُعضِلَةٍ تَطولُ وتَقْصُرُ
وكأنّهُ المَنْصورُ في عَزَماتِهِ / ومُحَمّدٌ في المَكرُماتِ وجَعْفَرُ
وإذا مَعَدٌّ حُصِّلَتْ أنسابُها / فَهُمُ الذُّرا والجَوْهَرُ المُتَخيَّرُ
ولَهمْ وقائِعُ في العِدا مَذْكورةٌ / تَروي الذِّئابُ حَديثَها والأنسُرُ
والسُّمْرُ في اللّبّات راعِفةٌ دَماً / والبِيضُ يَخضِبُها النّجيعُ الأحْمَرُ
والقِرْنُ يرْكَبُ رَدْعَهُ ثَمِلَ الخُطا / والأعْوَجيَّةُ بالجَماجِمِ تَعْثُرُ
ودَجا النّهارُ منَ العَجاجِ وأشْرَقَتْ / فيهِ الصّوارِمُ وهْوَ ليلٌ مُقْمِرُ
يا بْنَ الشّفيعِ إِلى الحَيا ما لأمرئٍ / طامَنْتَ نَخوَتَهُ المَحلُّ الأكبَرُ
أنا غَرْسُ أنْعُمِكَ التي لا تُجتَدى / مَعها السّحائِبُ فهْيَ مِنْها أغْزَرُ
والنُّجْعُ يَضْمَنُهُ لمَنْ يرْتادُها / مِنْكَ الطّلاقَةُ والجَبينُ الأزهَرُ
وإنِ اقتَرَبْتُ أوِ اغْتَرَبْتُ فإنّني / لهِجٌ بشُكإِ عَوارِفٍ لا تُكفَرُ
وعُلاكَ لي في ظِلِّها ما أبتَغي / مِنها ومنْ كَلِمي لَها ما يُذْخَرُ
يُسْدي مَديحَكَ هاجِسي ويُنيرُهُ / فِكري وحظّي في امْتِداحِكَ أوفَرُ
بغْداذَ أيّتُها المَطيُّ فواصِلي / عَنَقاً تئِنُّ لهُ القِلاصُ الضُّمَّرُ
إنّي وحَقِّ المُستَجِنِّ بطَيْبَةٍ / كَلِفٌ بِها وإِلى ذَراها أصْوَرُ
وكأنَّني مما تُسوِّلُهُ المُنى / والدّارُ نازِحةٌ إليها أنظُرُ
أرضٌ تَجُرُّ بِها الخِلافَةُ ذَيْلَها / وبها الجِباهُ منَ المُلوكِ تُعَفَّرُ
فكأنّها جُلِيَتْ عَلَينا جَنّةٌ / وكأنّ دِجلَةَ فاضَ فيها الكَوثَرُ
وهَواؤُها أرِجُ النّسيمِ وتُرْبُها / مِسْكٌ تَهاداهُ الغَدائِرُ أذْفَرُ
يَقْوى الضّعيفُ بِها ويأمَنُ خائِفٌ / قَلِقَتْ وِسادَتُهُ ويُثْري المُقْتِرُ
فصَدَدْتُ عنها إذ نَباني مَعْشَري / وبَغى عليَّ منَ الأراذِلِ مَعْشَرُ
منْ كُلِّ مُلْتَحِفٍ بما يَصِمُ الفَتى / يُؤذي ويَظلِمُ أو يَخونُ ويَغْدِرُ
فنَفَضْتُ منهُ يدي مَخافَةَ كَيْدِهِ / إنَّ الكَريمَ على الأذى لا يَصْبِرُ
وأبَى لشِعْري أن أدَنِّسَهُ بهِمْ / حَسَبي وسَبُّ ذوي الخَنا أن يُحقَروا
قابَلْتُ سيّئَ ما أتَوْا بجَميلِ ما / آتي فإنّي بالمكارِمِ أجْدَرُ
وأبادَ بعضَهُمُ المَنونُ وبَعْضُهُمْ / في القِدِّ وهْوَ بما جَناهُ أبصَرُ
والأبيضُ المأثورُ يَخْطِمُ بالرّدى / مَنْ لا يُنَهْنِهُهُ القَطيعُ الأسمَرُ
فارْفَضَّ شملُهُمُ وكمْ مِنْ مَوْرِدٍ / للظّالِمينَ وليْسَ عنهُ مَصْدَرُ
وإِلى أميرِ المؤمنينَ تطَلَعَتْ / مِدَحٌ كما ابتَسَمَ الرِّياضُ تُحَبَّرُ
ويقيمُ مائِدَهُن لَيلٌ مُظلِمٌ / ويضُمُّ شارِدَهُنَّ صُبحٌ مُسْفِرُ
فبِمِثْلِ طاعَتِهِ الهِدايَةُ تُبْتَغى / وبفَضْلِ نائِلِهِ الخَصاصَةُ تُجْبَرُ
النّائِباتُ كَثيرةُ الإنذارِ
النّائِباتُ كَثيرةُ الإنذارِ / واليومَ طالَبَ صَرْفُها بالثّارِ
سُدَّتْ على عُونِ الرّزايا طُرْقُها / فسَمَتْ لنا بخُطوبِها الأبْكارِ
عَجَباً من القَدَرِ المُتاحِ تولّعَتْ / أحْداثُهُ بمُصَرِّفِ الأقدارِ
ولَنا بمُعتَرَكِ المَنايا أنْفُسٌ / وقَفَتْ بمَدْرَجَةِ القَضاءِ الجاري
في كلِّ يومٍ تعْتَرينا رَوعَةٌ / تَذَرُ العُيونَ كَواسِفَ الأبْصارِ
والموْتُ شِرْبٌ ليسَ يُورِدُهُ الرّدى / أحَداً فيَطْمَعَ منهُ في الإصدارِ
شرِبَ الأوائِلُ عُنفُوانَ غَديرِهِ / ولَنَشْربَنَّ بهِ من الأسْآرِ
ملأَتْ قُبورُهُمُ الفَضاءَ كأنّها / بُزْلُ الجِمالِ أُنِخْنَ بالأكْوارِ
ألْقَوا عِصِيَّهُمُ بدارِ إقامَةٍ / أنْضاءَ أيّامٍ مَضيْنَ قِصارِ
وكأنّهمُم بلَغوا المَدى فتَواقَفوا / يتَذاكَرونَ عَواقِبَ الأسْفارِ
لمْ يَذهَبوا سَلَفاً لنَغْبُرَ بَعدَهُمْ / أينَ البَقاءُ ونحنُ في الآثارِ
حارَتْ وراءَهُمُ العُقولُ كأننا / شَرْبٌ تُطَوِّحُهُمْ كُؤوسُ عُقارِ
يا مَنْ تُخادِعُهُ المُنى ولرُبّما / قطَعَتْ مَخائِلُها قُوى الأعمارِ
والناسُ يستَبِقون في مِضْمارِها / والمَوتُ آخِرُ ذلكَ المِضْمارِ
والعُمْرُ يَذْهَبُ كالحياةِ فما الذي / يُجْدي عَليكَ منَ الخَيالِ السّاري
بَيْنا الفَتى يَسِمُ الثّرى برِدائِهِ / إذ حَلَّ فيهِ رَهينَةَ الأحْجارِ
لوْ فاتَ عاديَةَ المَنونِ مُشَيَّعٌ / لنَجا بمُهْجَتِهِ الهِزَبْرُ الضّاري
أقْعى دوَيْنَ الغابِ يمنَعُ شِبلَهُ / ويُجيلُ نظرَةَ باسِلٍ كَرّارِ
وحَمى الأميرَ ابنَ الخَلائِفِ جعفَراً / إقْدامُ كُلِّ مغَرِّرٍ مِغْوارِ
يمشي كما مَشَتِ الأسودُ إِلى الوَغى / والخَيْلُ تَعثُرُ بالقَنا الخَطّارِ
ويخوضُ مُشْتَجَرَ الرِّماحِ بغِلْمَةٍ / عرَبيّةٍ نَخَواتُها أغْمارِ
ويَجوبُ أرديَةَ العَجاجِ بجَحْفَلٍ / لَجِبٍ تئِنُّ لهُ الرُّبا جَرّارِ
والمَشْرَفيّاتُ الرِّقاقُ كأنّها / ماءٌ أصابَ قَرارَةً في نارِ
ينعَوْنَ فَرْعاً من ذَوائِبِ دَوْحَةٍ / خَضِلَتْ حَواشِيها عَلَيْهِ نُضارِ
نَبَويّةِ الأعراقِ مُقْتَدَرِيّةٍ / تَفْتَرُّ عنْ كَرَمٍ وطِيبِ نِجارِ
ذَرَفَتْ عُيونُ المَكْرُماتِ وأعْصَمَتْ / أسَفاً بأكْبادٍ علَيْهِ حِرارِ
صَبْراً أميرَ المؤْمنينَ فأنْتُمُ / أسْكَنتُمُ الأحْلامَ ظِلَّ وَقارِ
هذا الهِلالُ وقد رَجَوْتَ نُمُوَّهُ / للمَجْدِ عاجَلَهُ الرّدى بسِرارِ
إن غاضَ مِنْ أنوارِهِ فَوراءَهُ / أُفُقٌ تَوَشّحَ منكَ بالأقمارِ
كادَتْ تَزولُ الرّاسِياتُ لِفَقْدِهِ / حتى أذِنْتَ لهُنَّ في استقْرارِ
ومتى أصابَ ولا أصابَكَ حادِثٌ / مِما يُطامِنُ نَخوةَ الجبّارِ
فاذْكُرْ مُصابَكَ بابنِ عمّكَ أحْمَدٍ / والغُرِّ منْ آبائِكَ الأخْيارِ
كانوا بُدورَ أسِرَّةٍ ومَنابِرٍ / يتهلّلونَ بأوْجُهٍ أحْرارِ
قومٌ إذا ذَكَرَتْ قُرَيْشٌ فضْلَهُمْ / أصْغى إليها البَيتُ ذو الأسْتارِ
بلغَ السّماءَ بهِمْ كِنانَةُ وارْتَدى / بالفَخْرِ حَيّا يَعْرُبٍ ونِزارِ
فاسْلَمْ رَفيعَ النّاظِرينَ إِلى العُلا / تُهْدى إليكَ قَلائِدُ الأشْعارِ
والدّهْرُ عَبْدٌ والأوامِرُ طاعَةٌ / والمُلْكُ مُقْتَبَلٌ وزَنْدُكَ وارِ
وَكَواعِبٍ تَشْكو الوُشاةَ كَما شَكَتْ
وَكَواعِبٍ تَشْكو الوُشاةَ كَما شَكَتْ / أَرْدافَها عِنْدَ القِيامِ خُصورُها
وتُريكَ أُدْحِيَّ الظَّليمِ حِجالُها / وَتَضُمُّ غِزْلانَ الصَّريمِ خُدورُها
وَإِذا رَنَتْ وَلَعَ الفُتورُ بِمُهْجَتِي / مِنْ أَعْيُنٍ مَلَكَ القُلوبَ فُتُورُها
حَسُنَتْ لَيالي الوَصْلِ حِيْنَ تَشَابَهَتْ / وَجَناتُها في حُسْنِها وَبُدُورُها
وَصَدَدْتُ عَنْ تِلْكَ المَراشِفِ عِفَةًّ / فَالرِّيقُ خَمْرٌ وَالحَبابُ ثُغورُها
وَمُهَفْهَفٍ أَشْكو فَظاظَةَ عاذِلٍ
وَمُهَفْهَفٍ أَشْكو فَظاظَةَ عاذِلٍ / يُزْري عَلَيَّ إِلى لَطافَةِ خَصْرِهِ
أَسْرى فَجابَ سَناهُ أَرْدِيَةَ الدُّجَى / حَتّى اسْتَجارَ اللَّيلُ مِنْهُ بِشَعْرِهِ
والخَدُّ مِنْ عَرَقٍ يَفيضُ جُمانُهُ / كَالوَرْدِ قَرَّطَهُ الغَمامُ بِقَطْرِهِ
وَبِكَفِّهِ القَدَحُ الرَّوِيُّ وَمِنْهُ ما / أَلْتَذُّهُ وَيَروقُني مِنْ خَمْرِهِ
هِيَ لَوْنُها مِنْ وَجْنَتَيْهِ وَطَعْمُها / مِنْ رِيقِهِ وَحَبابُها مِنْ ثَغْرِهِ