القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد زكي أبو شادي الكل
المجموع : 10
قالوا تصبر قد يتوب الغادرُ
قالوا تصبر قد يتوب الغادرُ / قبل الحسابِ وقد يحجّ الفاجرُ
عجباً أينسىِ الغافلينَ هو أنهمُ / عما جَنتهُ ضغائنٌ وصغائرُ
ايقامر المتسامحون بفكرهم / ان جاز أن يهب الثراءَ مقامر
أيخادعون مخادعاً إحسانُه / عبثٌ وأسخفُ ما حكاه مهاتُر
من مَّرغ الأدب اللبابَ جنونُه / وعلى يديه غدا الخرابُ العامرُ
وتحجرَ الشعرُ الكريم بنظمه / فشكت أذاهُ مَقاولٌ ومشاعر
سَرقَ الروائعَ من مفاخرِ غيره / وأماتهَّن ولا يزال يفاخر
ما خفَّفَ الإثمَ الكبير سوابق / حاكى مقابحها وراح يكابر
رُزءٌ تكَّررَ فالسفاهُة ملكها / إرثٌ على السفهاء وَقفٌ دائر
شقيت بهم مصرُ الأسيفهُ حقبةً / طالت وكلُ بالغرور يجاهر
من كل أرعن مالهُ أو كيدهُ / سيفٌ على الأحرار صَلتٌ باتر
حتى أتى البطل الأشمّ كأنّه / تُّل الخرائبِ جَفَّ فيه النَّاضرُ
فَرضَ الضريبةَ للسلامة من أذَّى / سُوَرَ التملق والتملقُ آسرُ
فتكاثر الغلمان حول سريره / مترنمين كما يشاء الساحر
ومرتلين له الخشوع كأنّه / في كل شعوذةِ إمامٌ نادر
وهو الممثل كم يسئ ويشتكى / أنَّ المساء هو النبيلُ الطَّاهر
جيلٌ من الأدباء ضُحىَ نَفعهُ / كيما تُعبَّقَ بالنفاق مجامر
تَخذَ السفيهُ من التبجح حُجَّةَ / للعبقريةِ وهو لاهٍ ساخر
وَجنىَ كما يجني الوباءُ على الحجى / وعلى التفوّقِ سُمُّهُ المتطايرُ
سَدَّ الطريقَ على مدى إبداهم / فالفُّن قبلهمو الفقيرُ الخاسرُ
جَعلَ السياسةَ سُلَّماً لصعوده / ولكم تصاعد بالسياسة عاثر
مَن ذا يعوّضهم وماذا يَرتَجىِ / إن غُيبوا يومَ الرثاءِ الشاعر
بل أى تكفير لجانٍ كافر / إن راحَ يبكى أو تباكي الكافر
أسفى على وطني المذَال عَظيمهُ / يَشقىَ وينعمُ بالنفاق الصاغر
والمخلص الحر الغيور مآله / نفىٌ تنوع أو مماتٌ جائر
الظلم مهما زُينت الوانه / ظلمٌ وظلمُ الفكر عاتٍ عاهر
واذا تنكر للمواهب مُدَّعٍ / سفهاً وصفق للدعىِ القادرُ
وغدا التصُّنعُ فوقَ كل أصالةٍ / واِلغُّر دان له الأبُّى الثائر
وَتخاذَل الأدباءُ يوم تعاونٍ / ومشى علهيم فاجرٌ وُمغامر
فالعدل ظلمٌ والمهانةُ ربُمَّا / هينت بهم ولقد تُهان مقابِر
أمواكبَ الذكرى تَأَنى واهتفي
أمواكبَ الذكرى تَأَنى واهتفي / كالرَّعدِ يهتفُ للسماءِ مرارا
تتجاوبُ الأجيالُ حولكِ مثلما / تتجاوبُ السبَّع الطباقُ جهارَا
مرفوعةَ الأعناقِ ليس لزهوها / معنى الغرور بل السموِّ شِعاراَ
سيرى ملاحمَ للفخار وأنشدي / للخالدينَ الحبَّ والأشعارا
سير مآثر للتحرّر والعلى / فاليومَ يُلهمُ حَظُّكِ الأحرارا
ويصوغُ للأقدار سيرتها غداً / فَتكيفُ الأحلامَ والأقدارا
يصغى الزمانُ إلى نشيدك واعياً / ما كان في ماضي الزمان مُعارا
لا حُكمَ بعدَ اليوم إلاّ ما قضت / شِيمُ الشعوب به وإلاّ انهارا
سَترَّددُ الأقطارُ صوتك قاهراً / خورَ النفوسِ وسائحاً جبارا
سيرُ البطولةِ كالمعارفِ للنُّهى / تغذو الشعورَ وتخلق الأفكارا
رَوَّى الدمُ الغالي مآثرها كما / شَعَّت بأبهى التضحياتِ منارا
وجلاُلها حيُّ وإن هي وُوريت / حِقباً من التاريخ لا تتوارى
عيدٌ يقدّسهُ ذووه تفانياً / ويظل فيهم حاكماً قهارا
هو للبرَّيةِ كلها إيمانُها / أَو ثارُها أيانَّ تطلب ثارا
صانت مبادئه السلامَ وإن تكن / حملت إباءَ الصُّلبِ يقدحُ نارا
يا ويلَ من عملوا على إرهاقه / مِثلُ الحليم على التعسفِ ثارا
تَخذَ النجومَ شعارَه ولعلَّها / أَولى به في فهمها الأسرار
فَلتنصت الدنيا لما هو قائلٌ / فَتضف إلى أعمارِها أعمارا
يا مالكاً لا عن وراثة شامخٍ
يا مالكاً لا عن وراثة شامخٍ / بجدوده حين الجدودُ فخارُ
بل عن محبة شعبة وخياره / والشعبُ حُقَّ له الذي يَختارُ
الملك مُلك الشعبِ حين زعيمهُ / ملكٌ هو المأثورُ لا الجبار
مُتوِّهجٌ بدم الكفاح وإن يكن / سلماً وفي سَلمِ الكفاحِ النار
قالوا ألا تَصفُ المليكَ فقلت بل / وصفَ المليك سلوُكه القَّهارُ
هو واحدٌ من شعبه لم يغترر / يوماً ولا مجدٌ لديه مُعارُ
يحنو عليه فيستجيبُ لعطفه / ما فيه أضداد ولا أنصارُ
بل كلُّهُ يومَ الكريهةِ شُعلة / وجميعه يومَ السلام الغارُ
إن كان ماضيه الحضارة والعلى / فإلى غدٍ له تَشخصُ الأبصارُ
شبل الألى عمَّت حضارتُهم هدىً / أمماً ولم يمسسُ علاها العار
سطعت بأندلسَ العظيمةِ حُرةً / ومضت وظلَّ عبيدَها الأحرارُ
يستلهمون جمالها وشعارَها / إن أَعوز المستلهمين شعارُ
أمحمدٌ ما كنتَ خامس عاهلٍ يقظٍ / يَهابُ جلاله الفجَّارُ
يا رائداً للمكرمات وحَكمهُ / سِيرَ البطولةِ حولها الإعصار
ماذا اقدِّمُ يومَ عيدِك من حُلىً / وَحلاَكَ زاهيةٌ بها الآثارُ
ليس التمسُّح في الملوك سجيتي / إن صاحَ خلفهمو العفاةُ وساروا
بل للمبادئ وحدَها أزجى لها / ما ترتضي الأحلامُ والأشعارُ
عش مَضربَ الأمثالِ للأُمم التي / عانت ودوَّخَ حظَّها الأشرارُ
يا رُبَّ فردٍ قد يُضِّيعُ أمةً / سواه تَعمرُ حوَله الأعمارُ
بوركتَ يا شعبَ الكنانة ثائرا
بوركتَ يا شعبَ الكنانة ثائرا / حُراً ويا وطنَ البطولةِ قاهرَا
أُزجىِ إليك تحَّيتي من خاطرٍ / دامٍ ومن قلبٍ يذوبُ شواعرا
يأبى النفاقَ ولا يبوحُ بغير ما / جَعلَ الحياةَ نفائساً وذخائرا
ليسَ الصديقُ هو المقَّربُ وحدهُ / ولربَّ مهجورٍ يُظن الهاجرا
إبدأ بنفسكَ مُصلحاً وُمقوما / فتكونَ أقدرَ حين تَلقى الفاجِرا
إن كان غيبني العتاةُ فَمهجتني / لكَ أينَ كنتَ مُكافحاً ومُناصِرا
آبى مساومةَ الطُّغاةِ وإن أذُق / شَرَّ الأذاةِ مُوالياً لكَ ذاكِرا
من عَّلمَ الأسدَ العجوزَ وقد مضت / أيامَّه ألاّ يكونَ مُحاذرا
ليسَ المغامِرُ والموفقُ واحداً / فَمنَ التدهور ما يكونُ مُغامراً
إن كان يُعوزنُا السلاحُ فربَّما / خلقَ الإباءُ بنا السلاحَ الباترا
وَحشٌ للاستعمارِ يُمعنُ شَرُّهُ / باسمِ الحضارةِ والتَّقدمِ ساخرا
وكأنما حسبَ العقولَ نفايةً / للناسِ أو بعضَ الهواجسِ دائرا
هل يُصلحُ المذياعُ من آثامِه / حين الرصاصُ يصيحُ أرعنَ كافرا
حينَ الفظائعث قد خَطبن بألسنٍ / للنارِ واعتلت الجراحُ منابرا
حينَ الأساطيرُ التي يُدلى بها / سَبت بصائر للورى وسرائرا
حينَ الخرائبُ صارخاتُ حول / مثلَ اليتامَى لا تمثِّلُ عامِرا
حين التحُّكمُ في الحقوقِ ونهبها / مِثلُ الوعودِ الضائعاتِ طَوائرا
إن كان حسنُ الظنِّ ذنباً أولاً / فيه فكيف يُعُّد ذنباً آخرا
هو غايةُ الإجرامِ للوطنِ الذي / عانى وعانى من أذاهُ خسائرا
لن يمنحَ الوطنُ المفدَّى صفحهُ / لفتىً يُخادع أو يُخادع صابرا
ويرى بالاستعمار بعضَ خلاصه / هل كان الاستعمارُ إلاّ جائرا
يفتُّن في سفك الدماء وإنها / لأَعز ما خلقَ الإباءَ الثائرا
يا ليتني كنتُ الفداءَ وإن أكن / أعطى أعزَّ نهاى فكراً سائراً
وابيتُ من شيخوختي اسقامها / فوهبتُ صدقَ هواى لحنا شاعرا
ما كان من شيمِ الأسودِ تسفُّلٌ / فهو ابنُ آوى كيفَ قالَ مُكابرا
قَرنٌ من التغرير علَّم نشأنا / أن يَحذروه مفاوضاً ومُشاورا
الغادرُ السَّفاحُ نافارينُ لم / تبرح تُحِّدثُ عنه عَهداً غادرا
منه تَلقنت الدسائسُ فنهَّا / وقَتلنَ للفن الوضيعِ ضمائرا
حذاً بنى وطني فذاك عدوكم / مهما تقلبَ في المظاهرِ ماكرا
لا تمنحوه سوى القطيعه وحدَها / فمن القطيعةِ ما يكونُ الزاجرا
أو ما يكون به الخلاصُ ليومكم / وغدٍ نؤَملُ فيه بعثاً باهرا
حذراً بنى وطني وكونوا وحدةً / فعالةض لا ضجةً وحناجرا
ليست سلاَمتكم مجالاً هيناً / إن السلامةَ قد تكونُ مخاطرا
لا تأسفوا مهما حزنتم للألى / ذهبوا الضحايا في القناة حرائر
حملَ الأديمُ من النجيعِ وَصيَّةً / تبقىَ لأحقابٍ تدومُ ذواكرا
ويظل يسألنا المزيدَ تطهُّراً / من رجسِ ماضينا ويُرشد حائرا
خلوا التغنِّى بالجدودِ وفضلهم / مهما تلألأ روعةً ومفاخرا
فهو الغنى بذاته عن ذكرهِ / إلاَّ ليلهمَ عافياً أو ساهرا
وخذوا بأسبابٍ لمتعةِ حاضرٍ / إنَّ الحقيقةَ ما تمثَّلَ حاضرا
كونوا من الشهداءِ في إعجازكم / بثباتكم لا تجعلوهُ العابرا
لا عُذرَ بعدَ اليومِ عند تهاونٍ / إنَّ التفوقَ لا يُطيقُ معاذرا
يا ابن الخصاصة حين تحسب عزة
يا ابن الخصاصة حين تحسب عزة / وابن الكفاح على المدى قهارا
في ظلمة الكوخ الحقير تشربت / روح لك النورا النبيل مرارا
فنشأت كالراعي الشفيق على الورى / تستلهم الآلام والأكدارا
وكدحت طفلا في الحقول وبعدها / في الليل تكدح دارسا صبارا
فإذا نبوغك في الطفولة ساطع / مثل الضحى نورا أغر ونارا
وإذا شبابك في فصاحة مدره / بهر الكبار وملك الإكبارا
وبعثت مندوبا لندوة أمة / قدرت نبوغا فيك لا يتوارى
دافعت فيها عن كرامة من هووا / في الرق واعتنقوا الأذى والعارا
ناديت لن تبقى الغداة حكومة / فخرا وزدت جلاله أعمارا
هيهات غير الحق يخلق قوة / هيهات مهما يخلب الأنظارا
لنطلق الأسرى وهم أخواننا / في الرق قد وجدوا الحياة يوارا
وبلغت أعلى منصب قد زدته / فخرا وزدت جلاله أعمارا
لولا التعصب في الجنوب أثاره / زعماؤه في حمقهم إعصارا
وأبوا سوى الحرب الأثيمة وحدها / ردّا وغير جموحهم أنصارا
فجعلت تحرير العبيد سياسة / وتخذت توحيد البلاد منارا
حتى إذا انتصرت جيوشك لم تعد / إلا زعيم بلادك الغفارا
وأخذت تبني من جديد حظّها / كالغيث يطلع في الربى النوارا
ويدا الرجاء من الرماد كأنه / بعث أعاد خلائقا وديارا
فإذا القضاء مهيئ لك مصرعا / واها له والنصر صار معارا
كلا وكلا ما قتلت لميتة / بل للخلود مكرّرا وجهارا
عمّدت بالدم أيها الفادي لنا / مثلا على الأدهار سوف تجارى
ما أن مظلوم وضحى ماجد / إلا وكنت له لظى وشرارا
ورآك في أحلامه ويقينه / أبدا فهمّ يصارع الجبّار
الأخطبوط أراه بدل شكله
الأخطبوط أراه بدل شكله / كمحيطه ولقد يظنّ صخورا
ولسوف يمتصّ الدماء مضحيا / بغريمه ويفوته معصورا
يا للزعامة حين تحسب أنها / تلهو به وتظنه مقهورا
وهو الذي تخذت وصولياته / حيلا لتقتل من ينام غرورا
حين الذين ينافحون لصونها / والماهدين لها أذيقوا الزورا
أو أهملوا مثل النفاية ما لهم / أمل يداعب لو غدا منشورا
يا أيها الزعماء ليس بنافع / إخلاصكم إن لم يكن مبرورا
هل تنكرون الظلم ثم بعهدكم / يبقى الذي عانى لكم منكورا
ويسود فيه الألعبان وكل من / نشر الظلام ومن أمات النورا
إن ترتضوا هذا فحسبي أنني / ابقى بمنفاي السحيق شكورا
هيهات أرضى أن أساوم مرة / في الحق أو أرضى به مدحورا
إن الإساءة من زعيم صالح / قتل المواهب جاحدا مغرورا
مجد البلاد على المدى أحرارها / الماهدون الرائدون عصورا
الملهمون بفكرهم تحريرها / والخالقون لها منى وشعورا
فإذا أهينوا أو أذلّ تراثهم / لم يحي مجد بعدهم مذكورا
بل لطخت صحف الفخار برحمة / تبقى ويحسبها الزمان فجورا
رمضان يا حلو الشمائل
رمضان يا حلو الشمائل / يا سمير الشاعر
يا من تزين بالنجوم / فواتنا كجواهر
يا من تفنّن في ترنّمه / تفنّن ساحر
يا من يعاف الشمس / إيثاراً لنجوى الساهر
يا من تلألأت الموائد فيه / مثل منائر
يا من تبسّط في / ملاهيه تبسّط قاهر
يا من تدفّق بالمواعظ / كالإله الغافر
يا من تعلق بالطهارة / مثل فجر طاهر
يا من أتى كالفصح / بين مدامع وبشائر
يا من يعدّ أخا / الفقير أمام دهر كافر
يا من شأى حلم الصغار / بكل حلم طائر
ماذا ادخرت وما أتيت / به لحظ العاثر
من كل فرد مقعد أو / كل شعب قاصر
صاموا وخير الصوم عن / عبث لهم وصغائر
إن الشعوب كبيرة / ليست عبيد كبائر
لا صام من جعل الصيام / ذريعة للفاجر
لا صام كالتمساح أفطر / في شهية غادر
لا صام من لم يدر / فلسفة الصيام الثائر
المستهين بكل وضع / جائر أو ماكر
الخالق العدل المؤيد / من عديد مآثر
بوركت شهر النور / تغزو الليل دون عساكر
ما بين أعراس / وألعاب ولهو دائر
ومسبحين مرتلين / إلى نهى ومنابر
ونوافح علوية / سارت كشعر سائر
بوركت ولتهنأ بك / الدنيا هناءة شاكر
حتى إذا ما عدت جئت / مع الخميس الظافر
بالحب لا بالسيف فوق / سرائر وبصائر
وفتحت للإسلام كنز مآثر / ومفاخر
واشعت افراحاً مكان / مآتم ومقابر
لكما شكرت تحيّة الزهر
لكما شكرت تحيّة الزهر / في باقة الألوان والعطر
قد حبّبت لي غائبا سقمي / مذ خفّفت من نفحها ألمي
وتحدثت بحنان إنسان / إن غبت لا ييسلو وينساني
قربتها مني فنادتني / ولو أنها قطفت وناجتني
وهي الجريحة بعد ما قصت / ولو أنها في زخرف رصت
لكننا بتجاوب صرنا / صنوين نعرف عمرنا الفنا
شكرتكما شكري وقد فرحت / بلقائنا وشدت بما نفحت
وأنا المترجم عن معانيها / يا ليتني أحكي أغانيها
صرنا كأنا خالدان معا / والكون ينفحنا بما جمعا
ولو أنه خلد لأحلام / كخلود أطياف وأنغام
أغلى الهدايا لحظة الأنس / لطفت كذوب النفس في النفس
حتى الفناء بها له معنى / مستعذب يرضاه من يفنى
فلمن أفاضا الأنس ألوانا / شكرا وشكرا من حنايانا
أين الربيع سألت عنه فلم أجد
أين الربيع سألت عنه فلم أجد / من رد غير تدفق الأمطار
ولي ولم يحضر فغاب كأنه / قد عاش في الأوهام والأفكار
قالوا هي الذرات حين تفجرت / نثرت نظام الجو أي نثار
فغدا الربيع هو الخريف كأنما / قد جن من مطر ومن غعصار
ومن الرعود تكلمت كمدافع / ذرية وتراشقت بالنار
فتحجبت أطياره وتبرقعت / أزهاره وبكى الغدير الجاري
وبكيت في نفسي كأني فاقد / أهلي وكل مجالس السمار
وغذا أناخ بنا السكون حسبته / ضوضاء من قلق ومن إنذار
أين السماحة والهدوء تآلفا / والأمن فاحتكمت على الأبصار
أين الجمال برقصه وبلهوه / في النور أبدع فاتن الأنوار
أين الصبايا النحل تجمع شهدها / كالصيرفي ونده العطار
أين الأزاهير التي كم سابقت / شغفي فما احتجبت عن الأنظار
أين المروج الحاليات عرائسا / كعرائس الأحلام في آذار
أين العصافير التي لم تكتمل / أعشاشها بالحب والأسرار
ضاعت جميعها كالطيوف إذا هوت / واللحن فوق مقطع الأوتار
إحلم بها يا قلب أو لا فأنسها / فجميع ما وهب الربيع عواري
والعام ما عرف الحياة كأنها / معنى حواه الموت بالإضمار
الجود ترقب من سماحة ميت / ما كان غير تعثر الأقدار
أخرى من السنوات أبدؤها غدا / متهللا كالورد في أيار
إن عقّني وطني القديم فما هوى / حبي لدى الوطن المعز شعاري
أو كان جافاني الربيع فعله / مرآة ما عانيت من تذكار
سأظل عاما ناظرا لوداده / حتى يعود لنا من الأسفار
ولربما يأتي رسول محبة / من مصر بعد تمتع وتواري
فأرى الجنان به نوافح بالهوى / وتفيض عن أشعارها أشعاري
يا شعر من ترجو تحسب أنه
يا شعر من ترجو تحسب أنه / أولى بحبك أو بعيد باهر
ولدت أزاهير الربيع بعيده / فتضمّخت منه بنفح عاطر
ومشى الجمال مواكبا بحقوله / علويّة مثل المسيح الطاهر
جاءت عقود سنينه بتراثها / للعارفين به عقود جواهر
أنسيته يا شعر حاشا أن ترى / في الجاحدين لماهد ولماهر
ضحى وضحى باسما أو صابرا / حتى مشى للصلب أكرم صابر
هيهات تنسى كيف تنسى مبدعا / نجواه كالإيمان ملء خواطر
من ساح في دنيا الفنون ولم يزل / السائح القهار غير مفاخر
من أبدع القصص العجيبة مثلما / خلقت بإبداع الإله القادر
من سلسل الأنشاء سمفونية / أخاذة وملاحما للساحر
من أرجع التاريخ بين دروسه / عبرا وأوقفه مكان الحاضر
من علم الآداب إنسانية / شعت بإشراق الصباح لثائر
من لقّن الإيثار دينا للورى / كأخيه واستبقا استباق الغافر
من فلسف الشعر الذي غنى به / فشدت جداوله كبحر زاخر
من ظل يحسب جده ومزاحه / كالآيتين لمؤمن ولكافر
عبد المسيح العبقريّ وحسبه / في العبقرية خلق شهم نادر
أنا التففنا حول أمجاد له / مثل التفاف السفن حول منائر
أو كالتفاف النحل لما أولعت / بالشهد حول معاسل لأزاهر
جئنا نعيّد شاكرين وربما / يدري جلال العيد غير الشاكر
والشمس قد يشكو نفوذ شعاعها / عان ويصغرها حليف صغائر
الأربعون ونيف من عمره / مثلت بهذا العيد مثل بشائر
توحي الجديد لنا وقبلا طالما / أوحت ولم تبرح كفلك دائر
من فاته إبداعها قد فاته / إشعاعها النفاذ خلف ستائر
أرثي له أضعاف ما يرثي لنا / ولئن تمادى في رقاعة ساخر
فالحق لا تخفيه ضلة ساخر / كالله لا تنفيه غضبة فاجر

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025