المجموع : 7
بهر الزمان بمجده وفخاره
بهر الزمان بمجده وفخاره / فالدهر طوع يمينه ويسارهِ
أرياض يا كهف العفاة وذخرهم / ومن استمد الغيث من مدراره
أوليتني العرف الجميل فلذ لي / حلو الثناء عليك في تكراره
جاد الوزير وما مدحت لانني / فرحان بالاحسان أو اكثاره
لكنَّ عِيّاً أن يجود ولم أفه / بمديحه المأثور عن آثاره
وافي الرسول بما منحت فزدتني / شرفاً أرى الجوزاء بعض شعاره
أولانيَ البر الذي أسديته / فحمدت صاحبه ورب نثاره
ولكم جعلت الشعر روضاً يانعاً / كان الثناء عليك بعض ثماره
وأراك كالمأمون عند رحابه ال / علماء والشعراء حول دياره
فليفخر القطر الخصيب بناظر / يربي بحكمته على نظاره
أحييت فيه العلم بعد عفائه / من أرض مصر وكنت من أنصاره
فاسلم على طول الزمان لأمة / ترجوك مثل البدر في إسفاره
يبقى القريض بذكر فضلك خالداً / حتى يعدَّ الدهر من اعماره
طال السكوت فما لهذا الشاعر
طال السكوت فما لهذا الشاعر / وضع اليراع وماله من عاذر
مرت عليه الحادثات فخالها / في مرها مثل السحاب العابر
يا طائراً في روض شعرك بلبلا / هل سجعة تزرى بسجع الطائر
فاشهر يراعك بعد طول غموده / وافلل به حد الحسام الباتر
واستجل من آيات فكرك غادة / يدعونها في الغيد بنت الخاطر
ماذا ترجى من أديب لم يزل / يحيى لياليهُ بطرف ساهر
أسفاً على ماضي الزمان وخشية / مما يجيء وحسرة في الحاضر
والقوم ليس بهم نصير عندما / تسطو الحوادث كالهزبر الكاسر
فاذا وفيت إلى صديق منهمُ / أخلصت في ود له وسرائر
عد الوفاء ذريعة تبغى بها / ممن صحبت بلوغ حظ وافر
يجفو ويعبس ان قصدت رحابه / متبوئاً منها مكان الزائر
فاذا أفدت لهى يديه بدا به / ملل ينم عن الوداد الفاتر
حتى ينغصك النوال وتبتغي / لو عدت في النعمى بصفقة خاسر
أين الأولى كانوا اذا مدوا يدا / هطلت كشؤبوب السحاب الماطر
هاتيكم الايدي التي لا ينقضى / مدح الأديب لها وشكر الشاكر
درجوا وها أنا بعدهم في معشر / جاروا عليّ مع الزمان الجائر
ان بحت بالشكوى هتكت سريرتي / فيهم ورحت حليف جد عاثر
واذا سكت اكاد أقضي حسرة / من كل همّ في الفؤاد مخامر
واذا عتبت خشيت كسر قلوبهم / عند العتاب وما لها من جابر
ويذود عنهم مقولي بشوارد / في جيدهم كاللؤلؤ المتناثر
ولربما يشكو الحزين فلم ينل / الا الشمات من العدو الكاشر
جيل سواسية وشعب عنده / ان الوفيَّ بعهده كالغادر
ولكم صبرت وللحوادث مرهف / ان سل يوماً فلّ عزم الصابر
يبغون مني أن اثير عزائمي / واهز في كفي يراع الثائر
ليقال احمد يا له من ناظم / جم البيان ويا له من ناثر
ماذا ينسق في زمان لقبوا / فيه الجبان بليث غاب خادر
ودعوا الذي يدري الكتابة فاضلا / وربيب أقلام وخدن محابر
فاذا تعلم بعضٍ ما يرضى النهى / سموه مفضالاً ورب مفاخر
واذا تهدج في الخطابة صوته / سموه منطيقا وحلف منابر
واذا تبين حذقه فخروا به / ودُعي بنابغة الزمان النادر
انظر إلى شعراء قد يدعونهم / في كل ناد بالفضائل عامر
هذا الأمير وذا الكبير وآخر / رب الفصاحة والبيان الساحر
والشعر يبكي عصره مستعدياً / منهم إلى اللَه العزيز القادر
ولغيرهم القاب علم أصبحت / تعلو وتهبط مثل قدح الياسر
والعلم يشهد انهم نقلوا لنا / ما في صحائف كل سفر داثر
وسطوا على ما دونته يد الأولى / كدوا وجدوا في الزمان الغابر
ولمعشر رتب العلاء تظنها / جاءت اليهم كابراً عن كابر
هذا السريّ وذا الوجيه وآخر / رغم الضلال شريف بيت طاهر
والمجد يشهد أنها رتب لهم / فرحوا بها فرح الصغير القاصر
وأجلهم قدراً وأموجهم غنى / ما بين سكير وبين مقامر
وأذلهم ذاك الشريف اذا أتى / يوم الحساب بوجه جان باسر
يعزى إلى بيت النبيّ وحقه / يعزى إلى النمرود أو للسامري
ولقد ترى الألقاب في أسمائهم / مما يكل لها لسان الحاصر
والصحف ما زالت تجود لهم بها / والعقل يرمقها بعين الساخر
فلتتق الرحمن في ألقابها / تلك الكبار وفي الثناء العاطر
كثرت علينا حيث لا تحصى ولا / ندري لها من أول أو آخر
عبَّاد ألقاب اذا هم ازهقوا / من دونها الأرواح ليس بضائر
هم كالممثل في الثياب فسافل / في نفسه ومملك في الظاهر
عمون لا ادعو سواك أخا نهى / ضافى الجلال ورب فضل باهر
حسبي من الحكماء أنك بينهم / ترنو إلى الدنيا بأصدق ناظر
كلمات صدق أشبهت نجم الهدى / ان لاح بين حنادس ودياجر
قد خطها قلمي الضعيف وفاتها / للناشئين منار عصر زاهر
لما بين وعظ للعباد وعبرة / للناس أو مثل شرود سائر
حكم تُبلّ النفس من أدواءها / وتريهمُ حذق الطبيب الماهر
جاءت كما يبغي حجاك لآلئا / أقبلت أهديها لبحر زاخر
فاليك ازجيها فانت كفيلها / وأجلّ مرجو وأفضل ناصر
ذكر الرجال مخلد بفعالهم / والشعر في التاريخ أصدق ذاكر
حتام هذا الجؤذر
حتام هذا الجؤذر / يجفو المحب ويهجر
رشأ أسيل خده / أحوى المباسم احور
ومن العجائب شادن / يعنو لديه القسور
يا أخت مقتحم الوغى / يعلوه نقع اكدر
هل تنعمين بزروة / فيها يعف المئزر
او ترفقين بمهجة / بين الجوانح تصهر
ارجو نداك وبالندى / رب الاريكة اجدر
سمح كأن يمينه / في الجود غيث ممطر
وكأن عيد جلوسه / للناس عيد أكبر
عيد العزيز ومن به / آي الثناء تحبر
قد قلَّ عنه تبع / في مجده والمنذر
شمل الجناة بعفوه / والعفو حظ اوفر
أمنوا الشقاء فكلهم / يطرى الامير ويشكر
لا غرو فهو مملك / يمحو الذنوب ويغفر
طلق اليدين كانه / يوم الرغائب جعفر
وضح الجبين كأنه / قمر تألق مبدر
في موكب تخذ السهى / أرضاً عليها يعبر
ضخم الجلال كأنما / كسرى به أو قيصر
حفت بموكبه فوا / رس دارعون وحسر
مثل السيول اذا جرت / من شاهق تتحدر
وترى العتاق كأنها / ظبيات قاع ضمر
تطوى السهوب وخلفها / ريح الصبا تستحسر
نهد أغر وأدهم / يطأ الهواء وأشقر
ركب يتوق لمثله / رمسيس والاسكندر
عيد ابان لخاطري / كيف الخيال يصور
فالازبكية حولها / سُرُج تنير وتزهر
روض اضاء كأنه / فلك منير مقمر
فكأنما هو جنة ال / فردوس اوهو انضر
فيه الحمائم جثم / تخشى المصاد وتحذر
رأت الضياء كأنه / صبح تلألأ مسفر
فتنبهت بعد الكرى / بين الارائك تهدر
ترجو الهجوع بأيكها / فيروعها من يزجر
وترى البيارق تارة / تطوى وطورا تنشر
فكأنما هي أعقب / قد رفرفت أو أنسر
وترى المشاعل تلتوى / مثل الاسنة تشهر
أو كالاراقم سربت / من وكرها تتسور
رقش تثور وما بها / الا اللظى المتسعر
متها الكواكب طلع / آنا وآنا غوّر
يغشو الغريب لضوءها / والطارق المتنور
يقق يروق وازرق / صافي الاديم واصفر
او احمر متوهج / يطفو عليه الاخضر
فكأنما هي جوهر / في نثرها متخير
وكأنها صوب الحيا / في قطره او أغزر
وترى الظلام كراهب / في برده يتعثر
او بنت حام فوقها / أبهى اللآلئ ينثر
ماذا اقول ووصفها / عنه البلاغة تقصر
واريكة يشدو بها / حلو الضروب مؤثر
فكأنما هو واعظ / وكأنما هي منبر
شاد يداعب عوده / ويُسِرّه ما يضمر
وذوى غرام حوله / مثلَ العرمرم يزخر
من كل ذي شغف على / مضض الهوى لا يصبر
او عاشق يشكو الجوى / او وامق يتذكر
يا عيد اسعد شاعراً / بجلال قدرك يشعر
لا زال ربك سيداً / ينهى العباد ويامر
هل ذاك ليل مقمرُ
هل ذاك ليل مقمرُ / أم وجه ليلى مسفرُ
وقوام بان مائس / أم قدها متبخترُ
هي ظبية لكنها / لمحبها تتنمرُ
وهي التي قد غادرت / عقلى يغيب ويحضر
والوجد هتاك الفتى / لكنني متستر
وكأن قلبي منزل / بسوى الهوى لا يعمر
يهوى بمصر ظباءها / ويحب من يتمصر
قل للتي مرت على / قدم الشبيبة تخطر
لو قدمت نحوي الهوى / فالقلب لا يتأخر
يا اخت مقتحم الوغى / وبه العجاج الاكدر
القلب فيك متيم / وبأن يساعد اجدر
انا والهوى كلف الى / وصف الكواعب اصور
فانظر تجد قبعاته / ن على الخمائل تؤثر
فالورد زاه فوقها / وسط الكمائم أحمر
والزهر أبيض ناصع / فيها وآخر أصفر
والياسمين زها بها / وكذلك النيلوفر
فكأنها روض على / وشى الغدائر مزهر
والريش ما بين الزهو / ر معسجد ومعصفر
فكأن طيراً فوقها / تطوى الجناح وتنشر
والقرط في آذانه / ن مذهب ومجوهر
كالقلب في خفقانه / لكنه لا يشعر
وحواجب من فوقها / يزهو الجبين الازهر
وعيونهن نواعس ترمي / الخلى فيسهر
ولها فعال في الحشا / فوق الذي يتصور
وخدودهن بها لظى / في مهجتي يتسعر
لو كان من ورد الخدو / د طلا فمنها يعصر
وقناعهن مثقب / والوشي فيه مشجر
فكأنه شرك به / من كل خود جؤذر
والجيد فيه قلائد / فوضي جلاها الجوهر
فكأنها في نظمها / عبرات عين تنثر
وخصورهن تدق عن / درك العيون وتصغر
والبند يحكى خاتما / والخصر فيه الخنصر
روحي فداءُ خريدة / في الحسن رئم أحور
فتانة من دونها / سمر القنا تتكسر
والاسد حول كناسها / ربضت وباتت تزأر
لم أنس يوم فراقها / يا ليتها تتذكر
في ليلة كنا بها / نبدي الغرام ونضمر
ولنا الجزيرة قد خلت / أنا والغزال الاعفر
والنيل يجري هادئاً / حينا وحينا يزخرُ
فكأنني في جنة / قد فاض فيها الكوثر
ولقد نسيت بقربها / دهري ومثلي يعذر
وصفا الزمان مع التي / هي كالهلال وأبهر
حتى رأت بين الدجى / شبحاً يغيب ويظهر
قالت رقيب مختف / او صاحب متنكر
وبدت تودعني وفي / اذيالها تتعثر
ونأت بها دراجة / لمثال ذلك تدخر
دراجة من حسنها / فيها السراج ينورُ
كالنجم يسطع في الظلا / م ومن بعيد يبصر
تعدو فلم يسمع لها / الا نفير يزمر
فكأنها في عدوها / طير يطير ويصفر
لا تشتكي ظمأ بها / ابداً ولا تتضور
جوالة من خلفها / ريح الصبا تستحسر
سيارة عن سبقها / تعيي العتاق الضمر
واذا تقضى منظر / لم يبق الا مخبر
طلع الهلال فأنجدوا وأغاروا
طلع الهلال فأنجدوا وأغاروا / وبدا النبيّ فكبر الانصار
القوا عصا التسيار حيث تبلجت / للمهتدين وللهدى أنوار
يا أسعد الايام فيك تثبتت / للمصطفى قدم وقر قرار
فيك اطمأَن على الهداية معشر / درجوا على نهج الرشاد وساروا
وأقيم للدين الحنيف دعائم / فيها من الشم الطوال وقار
انا نطالع غرة ميمونة / لك تجتلي أنوارها الاقطار
فانشر صحيفتك الجريرة علها / تنبي بما أوحى به المقدار
يا عام ان قدومك استبشار / ألديك عما نبتغي اسرار
خبر بما تدري فان قلوبنا / ظمآى الى يوم الجلاء حرار
خبر بما تدري لعلك ذاكر / أملا تنال بذكره الاوطار
انظر الى هذي الخلائق نظرة / تنبئك كيف تجمع الاحرار
اليوم تجمعنا المآرب والمنى / ويحفنا الاجلال والاكبار
جادت بلاديَ بالرفاهة ديمة / وهمي عليها بالعلي مدرار
نعم الشعور ونعم ود خالص / هو للرجال المخلصين شعار
مرت بنا السنوات حالكة الدجى / حتى جلاها منكم الاسفار
فطلعتمُ والخطب ساج ليله / متهللين كأنكم اقمار
بكم الدهور تفاخرت وبمثلكم / تزهى الدهور وتعجب الاعصار
ذودوا عن الدار التي تحويكم / جدرانها حتى تصان الدار
وابنوا الرجال على أشم موطد / يبقى البناءُ وتحمد الآثار
اليوم نغرس كل غرس يانع / يرجي له الافراخ والاثمار
لا تكتموا بين الجوانح مبدأ / أحرى به الاعلان لا الاسرار
أسمى المبادئ ما تبلج نوره / كالصبح لا شك ولا انكار
ايا كمُ كيد العدو فانه / مذق اللسان مذبذب خوار
ما انفك يبغي ان يشتت شملكم / غاو مضل مارق غدار
لا تتركوه على الضلال فبئسما / شاعت بسيء ذكره الاخبار
ما زال يبتدع الصغائر ضلة / حتى احتوته مذلة وصغار
ان المهانة في الحياة جزاؤه / وعقابه بعد الممات النار
فليحذر السرحان في غلوائه / من ان يثور الضيغم الهصار
وعليكم الانحاء يوم حسابه / وعليَّ يوم هجائه الاشعار
واذا نكثت ولم أقم بهجائه / باتت مطلقة لدي نوار
ما للعداة تجول في طغيانها / جول السكيت اذا خلال المضمار
عابوا علينا ان نناضل وافتروا / انا على الوطن المحبب عار
قالوا لكم حزب عرته هزة / أخذت لها اركانه تنهار
اللَه لو نظروا القضاء يصونه / بيمينه وتحوطه الاقدار
ما كانت الغوغاء من أعوانه / كلا ولا عبثت به الاغمار
هي امة رجت المعاليَ فانبرى / منها صغار للعلى وكبار
عجزوا فقالوا أزمة نزلت بنا / فتساقطت نوب وحل دمار
وتقولوا أنا نحاول ثورة / تهتز فيها للسيوف شفار
قالوا سخرتم بالصليب وخنتمُ / عهد الجوار فليس ثم جوار
قالوا دعوتم للتعصب دعوة / هلعت لهول سماعها الامصار
قالوا نهضتم نهضة قال الورى / فيها أتلكم نهضة أم ثار
قالوا نكثتم بالامير وانه / خير امرئ يرعى لديه ذمار
قالوا وقالوا كل شيءٍ مفترى / املت به الاحقاد والاوغار
حتى لقد صرنا مظنة كيدهم / ان كان يكو بالامير قطار
وهو الذي تثب القلوب لصونه / وتجله الاسماع والابصار
قد صورونا للاجانب صورة / إما بدت تقذي لها الانظار
قد صورونا جحفلا متأهباً / في إثره الاهوال والاخطار
قد مثلونا في التعصب مثلما / قد شاءت الآثام والاوزار
كذب قد ابتدعوه حتى مالهم / في مصر الا الكيد والاضرار
بان الضلال من الهدى وبدا لنا / في منهج الحق القويم منار
يا أمة ثبتت على كيد العدى / لا تجزعي ان الثبات فخار
سيري الى طلب الجلاء ولا تني / نمنح من العلياء ما نختار
أفريد لا تخذل بلادك بعدما / جمعت لديك اولئك الانصار
هذي الشبيبة قل لها لا تحجمي / ما في ثبات المقدمين شنار
لك من يراع الكاتبين صوارم / ولديك منهم جحفل جرار
ترمي العداة اليك سهم سمومها / ويذود عنك الواحد القهار
دعهم كما شاؤوا ليوم حسابهم / فلهم كما شاء الهوى اطوار
إنا قد اخترناك خير مدافع / يرضى به الرحمن والمختار
يا ليتَ سجنكَ لم يكن بمقدَّر
يا ليتَ سجنكَ لم يكن بمقدَّر / فاصبر على المقدور ستة أشهر
قد جلَّ رزءُ الشعر حتى خلتُه / بعض الرثاء وأنت لما تقبر
لولا احترام الحاكمين وحكمهم / لجعلته مثل الشواظ الأحمر
أقصَرتَ في ما قلتَ حتى لم تَسَل / أمقصرا أم كنتَ غير مقصر
وتركت أقيال الدفاع فلم تعن / بالمِدرَه المشهور أو بالأشهَرِ
يكفيك عطفُ العالمين ووجدهم / من أكبرٍ يطأ الثَّرى أو أصغر
حتى لقد ماد البقيع ويثرب / وتزلزت أرض الصفا والمشعر
التاعَ قلبُ محمد لمحمد / رب المحامد والعلا والمفخر
إني نظرتك في اتهامك واقفاً / فظننتُ أنك واقف في المِنبر
لتقول شعبي أو بلادي إنني / لِهَواكُما بين اللَّظى المتَسَعِّر
ولقد رأيتك جالساً مستبسلا / خلف الشِّباك جلوس من لم يُذعرَ
فرأيتُ في هذا الشباك مَعانياً / فهي العرينُ وأنتَ أجرأ قَسوَر
ولقد لمحتك ماشياً في ثُلَّةٍ / تعتز بينهم بقدر أوفر
فسألت هل هذا المسور خالد / أم جوهر يختال بين العسكر
أفريدُ يا ابنَ الأكرمينَ تحيةً / من شاعر بسوى الأسى لم يشعر
في مصر قوم ناوأوك بشرِّهم / فاردد مكايدَهم إليهم وانحر
ذكروك في حب البلاد وأهلها / ما قيمةُ الإنسان إن لم يُذكر
لو كنتَ ممن تاجروا بضميرهم / للعبتَ لعباً بالنضار الأصفر
أو كنتَ ممن يطلبون مراتباً / لشأوت في العلياء نجم المشتري
وسبقت أجرام السماء وفُتَّها / من مظلم في ذاته أو نيِّر
أمحمدٌ كن في النوائب ضَيغماً / مستجمعاً للطارئ المتنمر
إن بتَّ أنت من الفوادح جازعاً / ما فضل مفتول الذراع غضنفر
أشرق لعلك بين سجنك مشرقا / تهدي سبيل الطارق المتنور
فالشعب بعدك بات ينتجع العُلا / وغدا مُناهُ ورود هذا الكوثر
أنعم بسؤددك العظيم ومرحبا / بك من كريم الأصل زاكي العنصُر
أعزِز علينا يا ابن أحمد حالةٌ / جاءت بعيش بالهموم مكدر
فكأنه بدرٌ يحجب نورَه / ظلماتُ غيم في السماء كَنَهوَر
أو دُرّةٍ مكنونة في زاخر / أو دمعة مخبوءة في محجر
أو زهرة فيحاء خيف ذبولُها / وضياع نفحتها إذا لم تستر
أو ناظر غمضت عليه جفونه / حذرا عليه من القذى والعثير
أو أنت سر الكائنات محجب / أو بعض مكنون القضاء المضمر
أمحمد ما أنت أولُ مبتَلىً / بالفادحات من الزمان الأكدر
إني عهدتك خير من يسدى الورى / رأياً وخير مفكر ومدبِّر
فاشهر لدى الأهوال عزماً صادقاً / فلربَّ عزمٍ كالحُسام الأبتر
ما الناس إلا اثنان ذاك ميسِّرٌ / للصالحات وذاك غير ميسر
جل الإله فقد أرانا علمه / من كل شيء في الوجود مسخر
بانت مراحمه بأكمل رونق / وبدت مآثره بأكمل مظهر
لولا الفؤاد وما أصاب دفينه / ما كنتُ عن ذكراك بالمتأخر
لولا مراس الداء صغت قصيدة / أربت على شعر الأديب المكثر
عفواً رئيسَ المخلصين فإنني / ما رمت إلَّا جل عفوك فاغفر
قد جئتُ أزجي في القريض خريدة / قد بات يحسدني عليها البحتري
عطرية فيحاء طوراً عن شذا / وَرَدٍ وطوراً عن أريح العنبر
فيها معان صاغها لك مبدع / جم البيان خياله لم يحصر
فاخلع عليها من خلالك نفحة / حتى تضوع بنفح مسك أذفر
لي فيك ملء الخافقين لآلئ / زهر تبيع بها الرواة وتشترى
فعليك مني ما حييت تحية / وسلام كسرى في الملوك وقيصر
يا وحى أسعفني بنظم قلادة
يا وحى أسعفني بنظم قلادة / صِيغت لآلئها من الأشعار
هذا أمين الرافعي ومن له / خير السجايا الغرّ والآثار
يا رافعيّ لأنت أصدق مخلص / للنيل في الإعلان والإسرار
جَرّد يراع المخلصين وذُد بها / بطش القوى وصولة الجبّار
واحذر على الاخبار من آفاقها / إن الرواة لآفة الأخبار
اليوم هنأتُ البلا بكاتب / ملكت يداه صحيفة الأحرار