المجموع : 35
سَل يَلدِزاً ذاتَ القُصورِ
سَل يَلدِزاً ذاتَ القُصورِ / هَل جاءَها نَبَأُ البُدور
لَو تَستَطيعُ إِجابَةً / لَبَكَتكَ بِالدَمعِ الغَزير
أَخنى عَلَيها ما أَنا / خَ عَلى الخَوَرنَقِ وَالسَدير
وَدَها الجَزيرَةَ بَعدَ إِس / ماعيلَ وَالمَلِكِ الكَبير
ذَهَبَ الجَميعُ فَلا القُصو / رُ تُرى وَلا أَهلُ القُصور
فَلَكٌ يَدورُ سُعودُهُ / وَنُحوسُهُ بِيَدِ المُدير
أَينَ الأَوانِسُ في ذُرا / ها مِن مَلائِكَةٍ وَحور
المُترَعاتُ مِنَ النَعي / مِ الراوِياتُ مِنَ السُرور
العاثِراتُ مِنَ الدَلا / لِ الناهِضاتُ مِنَ الغُرور
الآمِراتُ عَلى الوُلا / ةِ الناهِياتُ عَلى الصُدور
الناعِماتُ الطَيِّبا / تُ العَرفِ أَمثالُ الزُهور
الذاهِلاتُ عَنِ الزَما / نِ بِنَشوَةِ العَيشِ النَضير
المُشرِفاتُ وَما اِنتَقَل / نَ عَلى المَمالِكِ وَالبُحور
مِن كُلِّ بَلقيسٍ عَلى / كُرسِيِّ عِزَّتِها الوَثير
أَمضى نُفوذاً مِن زُبَي / دَةَ في الإِمارَةِ وَالأَمير
بَينَ الرَفارِفِ وَالمَشا / رِفِ وَالزَخارِفِ وَالحَرير
وَالرَوضُ في حَجمِ الدُنا / وَالبَحرِ في حَجمِ الغَدير
وَالدُرِّ مُؤتَلِقِ السَنا / وَالمِسكِ فَيّاحِ العَبير
في مَسكَنٍ فَوقَ السِما / كِ وَفَوقَ غاراتِ المُغير
بَينَ المَعاقِلِ وَالقَنا / وَالخَيلِ وَالجَمِّ الغَفير
سَمَّوهُ يَلدِزَ وَالأُفو / لُ نِهايَةُ النَجمِ المُغير
دارَت عَلَيهِنَّ الدَوا / ئِرُ في المَخادِعِ وَالخُدور
أَمسَينَ في رِقِّ العَبي / لِ وَبِتنَ في أَسرِ العَشير
ما يَنتَهينَ مِنَ الصَلا / ةِ ضَراعَةً وَمِنَ النُذور
يَطلُبنَ نُصرَةَ رَبِّهِنَّ / وَرَبُّهُنَّ بِلا نَصير
صَبَغَ السَوادُ حَبيرَهُنَّ / وَكانَ مِن يَقَقِ الحُبور
أَنا إِن عَجِزتُ فَإِنَّ في / بُردَيَّ أَشعَرَ مِن جَرير
خَطبُ الإِمامِ عَلى النَظي / مِ يَعُزُّ شَرحاً وَالنَشير
عِظَةُ المُلوكِ وَعِبرَةُ ال / أَيّامِ في الزَمَنِ الأَخير
شَيخُ المُلوكِ وَإِن تَضَع / ضَعَ في الفُؤادِ وَفي الضَمير
تَستَغفِرُ المَولى لَهُ / وَاللَهُ يَعفو عَن كَثير
وَنَراهُ عِندَ مُصابِهِ / أَولى بِباكٍ أَو عَذير
وَنَصونُهُ وَنُجِلُّهُ / بَينَ الشَماتَةِ وَالنَكير
عَبدَ الحَميدِ حِسابُ مِث / لِكَ في يَدِ المَلِكِ الغَفور
سُدتَ الثَلاثينَ الطِوا / لَ وَلَسنَ بِالحُكمِ القَصير
تَنهى وَتَأمُرُ ما بَدا / لَكَ في الكَبيرِ وَفي الصَغير
لا تَستَشيرُ وَفي الحِمى / عَدَدُ الكَواكِبِ مِن مُشير
كَم سَبَّحوا لَكَ في الرَوا / حِ وَأَلَّهوكَ لَدى البُكور
وَرَأَيتَهُم لَكَ سُجَّداً / كَسُجودِ موسى في الحُضور
خَفَضوا الرُؤوسَ وَوَتَّروا / بِالذُلِّ أَقواسَ الظُهور
ماذا دَهاكَ مِنَ الأُمو / رِ وَكُنتَ داهِيَةَ الأُمور
ما كُنتَ إِن حَدَثَت وَجَلَّت / بِالجُزوعِ وَلا العَثور
أَينَ الرَوِيَّةُ وَالأَنا / ةُ وَحِكمَةُ الشَيخِ الخَبير
إِنَّ القَضاءَ إِذا رَمى / دَكَّ القَواعِدِ مِن ثَبير
دَخَلوا السَريرَ عَلَيكَ يَح / تَكِمونَ في رَبِّ السَرير
أَعظِم بِهِم مِن آسِري / نَ وَبِالخَليفَةِ مِن أَسير
أَسَدٌ هَصورٌ أَنشَبَ ال / أَظفارَ في أَسَدٍ هَصور
قالوا اِعتَزِل قُلتَ اِعتَزَل / تُ وَالحُكمُ لِلَّهِ القَدير
صَبَروا لِدَولَتِكَ السِني / نَ وَما صَبَرتَ سِوى شُهور
أوذيتَ مِن دُستورِهِم / وَحَنَنتَ لِلحُكمِ العَسير
وَغَضِبتَ كَالمَنصورِ أَو / هارونَ في خالي العُصور
ضَنّوا بِضائِعِ حَقِّهِم / وَضَنَنتَ بِالدُنيا الغَرور
هَلّا اِحتَفَظتَ بِهِ اِحتِفا / ظَ مُرَحِّبٍ فَرِحٍ قَرير
هُوَ حِليَةُ المَلِكِ الرَشي / دِ وَعِصمَةُ المَلِكِ الغَرير
وَبِهِ يُبارِكُ في المَما / لِكِ وَالمُلوكِ عَلى الدُهور
يا أَيُّها الجَيشُ الَّذي / لا بِالدَعِيِّ وَلا الفَخور
يَخفي فَإِن ريعَ الحِمى / لَفَتَ البَرِيَّةَ بِالظُهور
كَاللَيثِ يُسرِفُ في الفِعا / لِ وَلَيسَ يُسرِفُ في الزَئير
الخاطِبُ العَلياءِ بِال / أَرواحِ غالِيَةِ المُهور
عِندَ المُهَيمِنِ ما جَرى / في الحَقِّ مِن دَمِكَ الطَهور
يَتلو الزَمانُ صَحيفَةً / غَرّا مُذَهَّبَةَ السُطور
في مَدحِ أَنوَرِكَ الجَري / ءِ وَفي نِيازيكَ الجَسور
يا شَوكَتَ الإِسلامِ بَل / يا فاتِحَ البَلَدِ العَسير
وَاِبنَ الأَكارِمِ مِن بَني / عُمَرَ الكَريمِ عَلى البَشير
القابِضينَ عَلى الصَلي / لِ كَجَدِّهِم وَعَلى الصَرير
هَل كانَ جَدُّكَ في رِدا / ئِكَ يَومَ زَحفِكَ وَالكُرور
فَقَنَصَت صَيّادَ الأُسو / دِ وَصِدتَ قَنّاصَ النُسور
وَأَخَذتَ يَلدِزَ عَنوَةً / وَمَلَكتَ عَنقاءَ الثُغور
المُؤمِنونَ بِمِصرَ يُه / دونَ السَلامَ إِلى الأَمير
وَيُبايِعونَكَ يا مُحَم / مَدُ في الضَمائِرِ وَالصُدور
قَد أَمَّلوا لِهِلالِهِم / حَظَّ الأَهِلَّةِ في المَسير
فَاِبلُغ بِهِ أَوجَ الكَما / لِ بِقُوَّةِ اللَهِ النَصير
أَنتَ الكَبيرُ يُقَلِّدو / نَكَ سَيفَ عُثمانَ الكَبير
شَيخُ الغُزاةِ الفاتِحي / نَ حُسامُهُ شَيخُ الذُكور
يَمضي وَيُغمِدُ بِالهُدى / فَكَأَنَّهُ سَيفُ النَذير
بُشرى الإِمامُ مُحَمَّدٌ / بِخِلافَةِ اللَهِ القَدير
بُشرى الخِلافَةِ بِالإِما / مِ العادِلِ النَزِهِ الجَدير
الباعِثِ الدُستورَ في ال / إِسلامِ مِن حُفَرِ القُبور
أَودى مُعاوِيَةٌ بِهِ / وَبَعَثتَهُ قَبلَ النُشور
فَعَلى الخِلافَةِ مِنكُما / نورٌ تَلَألَأَ فَوقَ نور
ظَلَمَ الرِجالُ نِساءَهُم وَتَعَسَّفوا
ظَلَمَ الرِجالُ نِساءَهُم وَتَعَسَّفوا / هَل لِلنِساءِ بِمِصرَ مِن أَنصارِ
يا مَعشَرَ الكُتّابِ أَينَ بَلاؤُكُم / أَينَ البَيانُ وَصائِبُ الأَفكارِ
أَيَهُمُّكُم عَبَثٌ وَلَيسَ يَهُمُّكُم / بُنيانُ أَخلاقٍ بِغَيرِ جِدارِ
عِندي عَلى ضَيمِ الحَرائِرِ بَينَكُم / نَبَأٌ يُثيرُ ضَمائِرَ الأَحرارِ
مِمّا رَأَيتُ وَما عَلِمتُ مُسافِراً / وَالعِلمُ بَعضُ فَوائِدِ الأَسفارِ
فيهِ مَجالٌ لِلكَلامِ وَمَذهَبٌ / لِيَراعِ باحِثَةٍ وَسِتِّ الدارِ
كَثُرَت عَلى دارِ السَعادَةِ زُمرَةٌ / مِن مِصرَ أَهلُ مَزارِعٍ وَيَسارِ
يَتَزَوَّجونَ عَلى نِساءٍ تَحتَهُم / لا صاحِباتِ بُغىً وَلا بِشَرارِ
شاطَرنَهُم نِعَمَ الصِبا وَسَقَينَهُم / دَهراً بِكَأسٍ لِلسُرورِ عُقارُ
الوالِداتُ بَنيهُمُ وَبَناتِهِم / الحائِطاتُ العِرضَ كَالأَسوارِ
الصابِراتُ لِضَرَّةٍ وَمَضَرَّةٍ / المُحيِياتُ اللَيلَ بِالأَذكارِ
مِن كُلِّ ذي سَبعينَ يَكتُمُ شَيبَهُ / وَالشَيبُ في فَودَيهِ ضَوءُ نَهارِ
يَأبى لَهُ في الشَيبِ غَيرَ سَفاهَةٍ / قَلبٌ صَغيرُ الهَمِّ وَالأَوطارِ
ما حَلَّهُ عَطفٌ وَلا رِفقٌ وَلا / بِرٌّ بِأَهلٍ أَو هَوىً لِدِيارِ
كَم ناهِدٍ في اللّاعِباتِ صَغيرَةٍ / أَلهَتهُ عَن حَفَدٍ بِمِصرَ صِغارِ
مَهما غَدا أَو راحَ في جَولاتِهِ / دَفَعَتهُ خاطِبَةٌ إِلى سِمسارِ
شُغِلَ المَشايِخُ بِالمَتابِ وَشُغلُهُ / بِتَبَدُّلِ الأَزواجِ وَالأَصهارِ
في كُلِّ عامٍ هَمُّهُ في طَفلَةٍ / كَالشَمسِ إِن خُطِبَت فَلِلأَقمارِ
يَرشو عَلَيها الوالِدينَ ثَلاثَةً / لَم أَدرِ أَيُّهُمُ الغَليظُ الضاري
المالُ حَلَّلَ كُلَّ غَيرِ مُحَلَّلِ / حَتّى زَواجَ الشيبِ بِالأَبكارِ
سَحَرَ القُلوبَ فَرُبَّ أُمٍّ قَلبُها / مِن سِحرِهِ حَجَرٌ مِنَ الأَحجارِ
دَفَعَت بُنَيَّتَها لِأَشأَمَ مَضجَعٍ / وَرَمَت بِها في غُربَةٍ وَإِسارِ
وَتَعَلَّلَت بِالشَرعِ قُلتُ كَذِبتِهِ / ما كانَ شَرعُ اللَهِ بِالجَزّارِ
ما زُوِّجَت تِلكَ الفَتاةُ وَإِنَّما / بيعَ الصِبا وَالحُسنُ بِالدينارِ
بَعضُ الزَواجِ مُذَمَّمٌ ما بِالزِنا / وَالرِقِّ إِن قيسا بِهِ مِن عارِ
فَتَّشتُ لَم أَرَ في الزَواجِ كَفاءَةً / كَكَفاءَةِ الأَزواجِ في الأَعمارِ
أَسَفي عَلى تِلكَ المَحاسِنِ كُلَّما / نُقِلَت مِنَ البالي إِلى الدَوّارِ
إِنَّ الحِجابَ عَلى فُروقٍ جَنَّةٌ / وَحِجابُ مِصرَ وَريفِها مِن نارِ
وَعَلى وُجوهٍ كَالأَهِلَّةِ رُوِّعَت / بَعدَ السُفورِ بِبُرقُعٍ وَخِمارِ
وَعَلى الذَوائِبِ وَهيَ مِسكٌ خولِطَت / عِندَ العِناقِ بِمِثلِ ذَوبِ القارِ
وَعَلى الشِفاهِ المُحيِياتِ أَماتَها / ريحُ الشُيوخِ تَهُبُّ في الأَسحارِ
وَعَلى المَجالِسِ فَوقَ كُلِّ خَميلَةٍ / بَينَ الجِبالِ وَشاطِئٍ مِحبارِ
تَدنو الزَوارِقُ مِنهُ تُنزِلُ جُؤذَراً / بِقِلادَةٍ أَو شادِناً بِسِوارِ
يَرفُلنَ في أُزُرِ الحَريرِ تَنَوَّعَت / أَلوانُهُ كَالزَهرِ في آذارِ
الطاهِراتُ اللَحظِ أَمثالَ المَها / الناطِقاتُ الجَرسِ كَالأَوتارِ
الدَهرُ فَرَّقَ شَملَهُنَّ فَمُر بِهِ / يا رَبِّ تَجمَعُهُ يَدُ المِقدارِ
جِبريلُ هَلِّل في السَماءِ وَكَبِّرِ
جِبريلُ هَلِّل في السَماءِ وَكَبِّرِ / وَاِكتُب ثَوابَ المُحسِنينَ وَسَطِّرِ
سَل لِلفَقيرِ عَلى تَكَرُّمِهِ الغِنى / وَاِطلُب مَزيداً في الرَخاءِ لِموسِرِ
وَاِدعُ الَّذي جَعَلَ الهِلالَ شِعارَهُ / يَفتَح عَلى أُمَمِ الهِلالِ وَيَنصُرِ
وَتَوَلَّ في الهَيجاءِ جُندَ مُحَمَّدٍ / وَاِقعُد بِهِم في ذَلِكَ المُستَمطَرِ
يا مِهرَجانَ البَرِّ أَنتَ تَحِيَّةٌ / لِلَّهِ مِن مَلَإٍ كَريمٍ خَيِّرِ
هُم زَيَّنوكَ بِكُلِّ أَزهَرِ في الدُجى / وَاللَهُ زانَكَ بِالقَبولِ الأَنوَرِ
حَسُنَت وُجوهُكَ في العُيونِ وَأَشرَقَت / مِن كُلِّ أَبلَجَ في الأَكارِمِ أَزهَرِ
كَثُرَت عَلَيكَ أَكُفُّهُم في صَوبِها / فَكَأَنَّها قِطَعُ الغَمامِ المُمطِرِ
لَو يَعلَمونَ السوقَ ما حَسَناتُها / بيعَ الحَصى في السوقِ بَيعَ الجَوهَرِ
جِبريلُ يَعرُضُ وَالمَلائِكُ باعَةٌ / أَينَ المُساوِمُ في الثَوابِ المُشتَري
وَمُجاهِدينَ هُناكَ عِندَ مُعَسكَرٍ / وَمِنَ المَهابَةِ بَينَ أَلفِ مُعَسكَرِ
موفينَ لِلأَوطانِ بَينَ حِياضِها / لا يَسمَحونَ بِها وَبَينَ الكَوثَرِ
عَرَبٌ عَلى دينِ الأُبُوَّةِ في الوَغى / لا يَطعَنونَ القِرنَ ما لَم يُنذَرِ
أَلِفوا مُصاحَبَةَ السُيوفِ وَعُوِّدوا / أَخذَ المَعاقِلِ بِالقَنا المُتَشَجِّرِ
يَمشونَ مِن تَحتِ القَذائِفِ نَحوَها / لا يَسأَلونَ عَنِ السَعيرِ المُمطِرِ
في أَعيُنِ الباري وَفَوقَ يَمينِهِ / جَرحى نُجِلُّهُمُ كَجَرحى خَيبَرِ
مِن كُلِّ مَيمونِ الضِمادِ كَأَنَّما / دَمُ أَهلِ بَدرٍ فيهِ أَو دَمُ حَيدَرِ
جَذلانُ هَيِّنَةٌ عَلَيهِ جِراحُهُ / وَجِراحُهُ في قَلبِ كُلِّ غَضَنفَرِ
ضُمِدَت بِأَهدابِ الجُفونِ وَطالَما / ضُمِدَت بِأَعرافِ الجِيادِ الضُمَّرِ
عُوّادُهُ يَتَمَسَّحونَ بِرُدنِهِ / كَالوَفدِ مَسَّحَ بِالحَطيمِ الأَطهَرِ
وَتَكادُ مِن نورِ الإِلَهِ حِيالَهُ / تَبيَضُّ أَثناءُ الهِلالِ الأَحمَرِ
قُم في فَمِ الدُنيا وَحَيِّ الأَزهَرا
قُم في فَمِ الدُنيا وَحَيِّ الأَزهَرا / وَاِنثُر عَلى سَمعِ الزَمانِ الجَوهَرا
وَاِجعَل مَكانَ الدُرِّ إِن فَصَّلتَهُ / في مَدحِهِ خَرَزَ السَماءِ النَيِّرا
وَاِذكُرهُ بَعدَ المَسجِدَينِ مُعَظِّماً / لِمَساجِدِ اللَهِ الثَلاثَةِ مُكبِرا
وَاِخشَع مَلِيّاً وَاِقضِ حَقَّ أَئِمَّةٍ / طَلَعوا بِهِ زُهراً وَماجوا أَبحُرا
كانوا أَجَلَّ مِنَ المُلوكِ جَلالَةً / وَأَعَزَّ سُلطاناً وَأَفخَمَ مَظهَرا
زَمَنُ المَخاوِفِ كانَ فيهِ جَنابُهُم / حَرَمَ الأَمانِ وَكانَ ظِلُّهُمُ الذَرا
مِن كُلِّ بَحرٍ في الشَريعَةِ زاخِرٍ / وَيُريكَهُ الخُلُقُ العَظيمُ غَضَنفَرا
لا تَحذُ حَذوَ عِصابَةٍ مَفتونَةٍ / يَجِدونَ كُلَّ قَديمِ شَيءٍ مُنكَرا
وَلَوِ اِستَطاعوا في المَجامِعِ أَنكَروا / مَن ماتَ مِن آبائِهِم أَو عُمِّرا
مِن كُلِّ ماضٍ في القَديمِ وَهَدمِهِ / وَإِذا تَقَدَّمَ لِلبِنايَةِ قَصَّرا
وَأَتى الحَضارَةَ بِالصِناعَةِ رَثَّةً / وَالعِلمِ نَزراً وَالبَيانِ مُثَرثِرا
يا مَعهَداً أَفنى القُرونَ جِدارُهُ / وَطَوى اللَيالِيَ رَكنُهُ وَالأَعصُرا
وَمَشى عَلى يَبَسِ المَشارِقِ نورُهُ / وَأَضاءَ أَبيَضَ لُجِّها وَالأَحمَرا
وَأَتى الزَمانُ عَلَيهِ يَحمي سُنَّةً / وَيَذودُ عَن نُسُكٍ وَيَمنَعُ مَشعَرا
في الفاطِمِيّينَ اِنتَمى يَنبوعُهُ / عَذبَ الأُصولِ كَجَدِّهِم مُتَفَجِّرا
عَينٌ مِنَ الفُرقانِ فاضَ نَميرُها / وَحياً مِنَ الفُصحى جَرى وَتَحَدَّرا
ما ضَرَّني أَن لَيسَ أُفقُكَ مَطلَعي / وَعَلى كَواكِبِهِ تَعَلَّمتُ السُرى
لا وَالَّذي وَكَلَ البَيانَ إِلَيكَ لَم / أَكُ دونَ غاياتِ البَيانِ مُقَصِّرا
لَمّا جَرى الإِصلاحُ قُمتَ مُهَنِّئاً / بِاِسمِ الحَنيفَةِ بِالمَزيدِ مُبَشِّرا
نَبَأٌ سَرى فَكَسا المَنارَةَ حَبرَةً / وَزَها المُصَلّى وَاِستَخَفَّ المِنبَرا
وَسَما بِأَروِقَةِ الهُدى فَأَحَلَّها / فَرعَ الثُرَيّا وَهيَ في أَصلِ الثَرى
وَمَشى إِلى الحَلَقاتِ فَاِنفَجَرَت لَهُ / حَلقاً كَهالاتِ السَماءِ مُنَوِّرا
حَتّى ظَنَنّا الشافِعِيَّ وَمالِكاً / وَأَبا حَنيفَةِ وَاِبنَ حَنبَلِ حُضَّرا
إِنَّ الَّذي جَعَلَ العَتيقَ مَثابَةً / جَعَلَ الكِنانِيَّ المُبارَكَ كَوثَرا
العِلمُ فيهِ مَناهِلاً وَمَجانِياً / يَأتي لَهُ النُزّاعُ يَبغونَ القِرى
يا فِتيَةَ المَعمورِ سارَ حَديثُكُم / نَدّاً بِأَفواهِ الرِكابِ وَعَنبَرا
المَعهَدُ القُدسِيُّ كانَ نَدِيُّهُ / قُطباً لِدائِرَةِ البِلادِ وَمِحوَرا
وُلِدَت قَضِيَّتُها عَلى مِحرابِهِ / وَحَبَت بِهِ طِفلاً وَشَبَّت مُعصِرا
وَتَقَدَّمَت تُزجي الصُفوفَ كَأَنَّها / جاندَركُ في يَدِها اللِواءُ مُظَفَّرا
هُزّوا القُرى مِن كَهفِها وَرَقيمِها / أَنتُم لَعَمرُ اللَهِ أَعصابُ القُرى
الغافِلُ الأُمِّيُّ يَنطُقُ عِندَكُم / كَالبَبَّغاءِ مُرَدِّداً وَمُكَرِّرا
يُمسي وَيُصبِحُ في أَوامِرِ دينِهِ / وَأُمورِ دُنياهُ بِكُم مُستَبصِرا
لَو قُلتُمُ اِختَر لِلنِيابَةِ جاهِلاً / أَو لِلخَطابَةِ باقِلاً لَتَخَيَّرا
ذُكِرَ الرِجالُ لَهُ فَأَلَّهَ عُصبَةً / مِنهُم وَفَسَّقَ آخَرينَ وَكَفَّرا
آباؤُكُم قَرَأوا عَلَيهِ وَرَتَّلوا / بِالأَمسِ تاريخَ الرِجالِ مُزَوَّرا
حَتّى تَلَفَّتَ عَن مَحاجِرِ رَومَةٍ / فَرَأى عُرابي في المَواكِبِ قَيصَرا
وَدَعا لِمَخلوقٍ وَأَلَّهَ زائِلاً / وَاِرتَدَّ في ظُلَمِ العُصورِ القَهقَرى
وَتَفَيَّئوا الدُستورَ تَحتَ ظِلالِهِ / كَنَفاً أَهَشَّ مِنَ الرِياضِ وَأَنضَرا
لا تَجعَلوهُ هَوىً وَخُلقاً بَينَكُم / وَمَجَرَّ دُنيا لِلنُفوسِ وَمَتجَرا
اليَومَ صَرَّحَتِ الأُمورُ فَأَظهَرَت / ما كانَ مِن خُدَعِ السِياسَةِ مُضمَرا
قَد كانَ وَجهُ الرَأيِ أَن نَبقى يَداً / وَنَرى وَراءَ جُنودِها إِنكِلتِرا
فَإِذا أَتَتنا بِالصُفوفِ كَثيرَةً / جِئنا بِصَفٍّ واحِدٍ لَن يُكسَرا
غَضِبَت فَغَضَّ الطَرفَ كُلُّ مُكابِرٍ / يَلقاكَ بِالخَدِّ اللَطيمِ مُصَعَّرا
لَم تَلقَ إِصلاحاً يُهابُ وَلَم تَجِد / مِن كُتلَةٍ ما كانَ أَعيا مِلنَرا
حَظٌّ رَجَونا الخَيرَ مِن إِقبالِهِ / عاثَ المُفَرِّقُ فيهِ حَتّى أَدبَرا
دارُ النِيابَةِ هَيَّأَت دَرَجاتُها / فَليَرقَ في الدَرَجِ الذَوائِبُ وَالذُرا
الصارِخونَ إِذا أُسيءَ إِلى الحِمى / وَالزائِرونَ إِذا أُغيرَ عَلى الشَرى
لا الجاهِلونَ العاجِزونَ وَلا الأُلى / يَمشونَ في ذَهَبِ القُيودِ تَبَختُرا
مَلِكَ السَماءِ بَهَرتَ في الأَنوارِ
مَلِكَ السَماءِ بَهَرتَ في الأَنوارِ / فَفَداك كُلُّ مُتَوَّجٍ مِن ساري
لَمّا طَلَعتَ عَلى المِياهِ تُنيرُها / سَكَنَت وَقَد كانَت بِغَيرِ قَرارِ
وَزَهَت لِناظِرِها السَماءُ وَقَرَّ ما / في البَحرِ مِن عُبُبٍ وَمِن تَيّارِ
وَأَهَلَّ لِلَّهِ السُراةُ وَأَزلَفوا / لَكَ في الكَمالِ تَحِيَّةَ الإِكبارِ
وَتَأَمَّلوكَ فَكُلُّ جارِحَةٍ لَهُم / عَينٌ تُسامِرُ نورَها وَتُساري
وَالبَدرُ مِنكَ عَلى العَوالِمِ يَجتَلي / بِشرَ الوُجوهِ وَزَحمَةِ الأَبصارِ
مُتَقَدِّمٌ في النورِ مَحجوبٌ بِهِ / موفٍ على الآفاقِ بِالأَسفارِ
يا دُرَّةَ الغَوّاصِ أَخرَجَ ظافِراً / يُمناهُ يَجلوها عَلى النُظّارِ
مُتَهَلِّلاً في الماءِ أَبدى نِصفَهُ / يَسمو بِها وَالنِصفُ كاسٍ عارِ
وافى بِكَ الأُفُقُ السَماءَ فَأَسفَرَت / عَن قُفلِ ماسٍ في سِوارِ نُضارِ
وَنَهَضتَ يَزهو الكَونُ مِنكَ بِمَنظَرٍ / ضاحٍ وَيَحمُلُ مِنكَ تاجَ فَخارِ
الماءُ وَالآفاقُ حَولَكَ فِضَّةٌ / وَالشُهبُ دينارٌ لَدى دينارِ
وَالفُلكُ مُشرِقَةُ الجَوانِبِ في الدُجى / يَبدو لَها ذَيلٌ مِنَ الأَنوارِ
بَينا تَخَطَّرُ في لُجَينٍ مائِجٍ / إِذ تَنثَني في عَسجَدٍ زَخّارِ
وَكَأَنَّها وَالمَوجُ مُنتَظِمٌ وَقَد / أَوفَيتَ ثُمَّ دَنَوتَ كَالمُختارِ
غَيداءُ لاهِيَةٌ تَخُطُّ لِأَغيَدٍ / شِعراً لِيَقرَأَهُ وَأَنتَ القاري
فَليَهنِ بَدرَ الأَرضِ أَنَّكَ صِنوُهُ / وَنَظيرُهُ قُرباً وَبُعدَ مَزارِ
وَحَلاكُما ما البَدرُ إِلّا أَنتُما / وَسِواكُما قَمَرٌ مِنَ الأَقمارِ
أَنتَ الكَريمُ عَلى الوُجودِ بِوَجهِهِ / وَهيَ الضَنينَةُ بِالخَيالِ الساري
هَيفاءُ أَهواها وَأَعشَقُ ذِكرَها / لَكِن أُداري وَالمُحِبُّ يُداري
لي في الهَوى سِرٌّ أَبيتُ أَصونُهُ / وَاللَهُ مُطَّلِعٌ عَلى الأَسرارِ
لا السُهدُ يُدنيني إِلَيهِ وَلا الكَرى
لا السُهدُ يُدنيني إِلَيهِ وَلا الكَرى / طَيفٌ يَزورُ بِفَضلِهِ مَهما سَرى
تَخِذَ الدُجى وَسَماءَهُ وَنُجومَهُ / سُبُلاً إِلى جَفنَيكِ لَم يَرضَ الثَرى
وَأَتاكَ مَوفورَ النَعيمِ تَخالُهُ / مَلَكاً تَنُمُّ بِهِ السَماءُ مُطَهَّرا
عَلِمَ الظَلامُ هُبوطَهُ فَمَشَت لَهُ / أَهدابُهُ يَأخُذنَهُ مُتَحَدِّرا
وَحَمى النَسائِمَ أَن تَروحَ وَأَن تَجي / حَذَراً وَخَوفاً أَن يُراعَ وَيُذعَرا
وَرَقَدتَ تُزلِفُ لِلخَيالِ مَكانَهُ / بَينَ الجُفونِ وَبَينَ هُدبِكَ وَالكَرى
فَهَنِئتَهُ مِثلَ السَعادَةِ شائِقاً / مُتَصَوِّراً ما شِئتَ أَن يَتَصَوَّرا
تَطوي لَهُ الرَقباءُ مَنصورَ الهَوى / وَتَدوسُ أَلسِنَةَ الوُشاةِ مُظَفَّرا
لَولا اِمتِنانُ العَينِ يا طَيفَ الرِضا / ما سامَحَت أَيّامَها فيما جَرى
باتَت مُشَوَّقَةً وَباتَ سَوادُها / زونا بِتِمثالِ الجَمالِ مُنَوِّرا
تُعطى المُنى وَتُنيلُهُنَّ خَليقَةً / بِكَ أَن تُقَدِّمَ في المِنى وَتُؤَخِّرا
وَتُعانِقُ القَمَرَ السَنِيَّ عَزيزَةً / حَتّى إِذا وَدَّعتَ عانَقتَ الثَرى
في لَيلَةٍ قَدِمَ الوُجودَ هِلالُها / فَدَنَت كَواكِبُها تُعَلِّمُهُ السُرى
وَتُريهِ آثارَ البُدورِ لِيَقتَفي / وَيَرى لَهُ الميلادُ أَن يَتَصَدَّرا
ناجَيتُ مَن أَهوى وَناجاني بِها / بَينَ الرِياضِ وَبَينَ ماءِ سُوَيسِرا
حَيثُ الجِبالُ صِغارُها وَكِبارُها / مِن كُلِّ أَبيَضَ في الفَضاءِ وَأَخضَرا
تَخِذَ الغَمامُ بِها بُيوتاً فَاِنجَلَت / مَشبوبَةَ الأَجرامِ شائِبَةَ الذُرى
وَالصَخرُ عالٍ قامَ يُشبِهُ قاعِداً / وَأَنافَ مَكشوفَ الجَوانِبِ مُنذِرا
بَينَ الكَواكِبِ وَالسَحابِ تَرى لَهُ / أُذُناً مِنَ الحَجَرِ الأَصَمِّ وَمِشفَرا
وَالسَفحُ مِن أَيِّ الجِهاتِ أَتَيتَهُ / أَلفَيتَهُ دَرَجاً يَموجُ مُدَوَّرا
نَثَرَ الفَضاءُ عَلَيهِ عِقدَ نُجومِهِ / فَبَدا زَبَرجَدُهُ بِهِنَّ مُجَوهَرا
وَتَنَظَّمَت بيضُ البُيوتِ كَأَنَّها / أَوكارُ طَيرٍ أَو خَميسٌ عَسكَرا
وَالنَجمُ يَبعَثُ لِلمِياهِ ضِياءَهُ / وَالكَهرُباءُ تُضيءُ أَثناءَ الثَرى
هامَ الفِراشُ بِها وَحامَ كَتائِباً / يَحكي حَوالَيها الغَمامُ مُسَيَّرا
خُلِقَت لِرَحمَتِهِ فَباتَت نارُهُ / بَرداً وَنارُ العاشِقينَ تَسَعُّرا
وَالماءُ مِن فَوقِ الدِيارِ وَتَحتَها / وَخِلالِها يَجري وَمِن حَولِ القُرى
مُتَصَوِّباً مُتَصَعِّداً مُتَمَهِّلاً / مُتَسَرِّعاً مُتَسَلسِلاً مُتَعَثِّرا
وَالأَرضُ جِسرٌ حَيثُ دُرتَ وَمَعبَرٌ / يَصِلانِ جِسراً في المِياهِ وَمَعبَرا
وَالفُلكُ في ظِلِّ البُيوتِ مَواخِراً / تَطوي الجَداوِلَ نَحوَها وَالأَنهُرا
حَتّى إِذا هَدَأَ المَلا في لَيلِهِ / جاذَبتُ لَيلي ثَوبَهُ مُتَحَيِّرا
وَخَرَجتُ مِن بَينَ الجُسورِ لَعَلَّني / أَستَقبِلُ العَرفَ الحَبيبَ إِذا سَرى
آوي إِلى الشَجَراتِ وَهيَ تَهُزُّني / وَقَدِ اِطمَأَنَّ الطَيرُ فيها بِالكَرى
وَيَهُزُّ مِنّي الماءُ في لَمَعانِهِ / فَأَميلُ أَنظُرُ فيهِ أَطمَعُ أَن أَرى
وَهُنالِكَ اِزدَهَتِ السَماءُ وَكانَ أَن / آنَستُ نوراً ما أَتَمَّ وَأَبهَرا
فَسَرَيتُ في لَألائِهِ وَإِذا بِهِ / بَدرٌ تُسايِرُهُ الكَواكِبُ خُطَّرا
حُلُمٌ أَعارَتني العِنايَةُ سَمعَها / فيهِ فَما اِستَتمَمتُ حَتّى فُسِّرا
فَرَأَيتُ صَفوى جَهرَةً وَأَخَذتُ أَن / سى يَقظَةً وَمُنايَ لَبَّت حُضَّرا
وَأَشَرتَ هَل لُقيا فَأوحِيَ أَن غَداً / بِالطَودِ أَبيَضَ مِن جِبالِ سُوَيسِرا
إِن أَشرَقَت زَهراءَ تَسمو لِلضُحى / وَإِذا هَوَت حَمراءَ في تِلكَ الذُرى
فَشُروقُها مِنهُ أَتَمُّ مَعانِياً / وَغُروبُها أَجلى وَأَكمَلُ مَنظَرا
تَبدو هُنالِكَ لِلوُجودِ وَليدَةً / تَهنا بِها الدُنيا وَيَغتَبِطُ الثَرى
وَتُضيءُ أَثناءَ الفَضاءِ بِغُرَّةٍ / لاحَت بِرَأسِ الطَودِ تاجاً أَزهَرا
فَسَمَت فَكانَت نِصفَ طارٍ ما بَدا / حَتّى أَنافَ فَلاحَ طاراً أَكبَرا
يَعلو العَوالِمَ مُستَقِلّاً نامِياً / مُستَعصِياً بِمَكانِهِ أَن يُنقَرا
سالَت بِهِ الآفاقُ لَكِن عَسجَداً / وَتَغَطَّتِ الأَشباحُ لَكِن جَوهَرا
وَاِهتَزَّ فَالدُنيا لَهُ مُهتَزَّةٌ / وَأَنارَ فَاِنكَشَفَ الوُجودُ مُنَوَّرا
حَتّى إِذا بَلَغَ السُمُوُّ كَمالَهُ / أَذِنَت لِداعي النَقصِ تَهوى القَهقَرى
فَدَنَت لِناظِرِها وَدانَ عَنانُها / وَتَبَدَّلَ المُستَعظِمُ المُستَصغِرا
وَاِصفَرَّ أَبيَضُ كُلِّ شَيءٍ حَولَها / وَاِحمَرَّ بُرقُعُها وَكانَ الأَصفَرا
وَسَما إِلَيها الطَودُ يَأخُذُها وَقَد / جَعَلَت أَعالِيَهُ شَريطاً أَحمَرا
مَسَّتهُ فَاِشتَعَلَت بِها جَنَباتُهُ / وَبَدَت ذُراهُ الشُمُّ تَحمِلُ مِجمَرا
فَكَأَنَّما مَدَّت بِهِ نيرانَها / شَرَكاً لِتَصطادَ النَهارَ المُدبِرا
حَرَقَتهُ وَاِحتَرَقَت بِهِ فَتَوَلَّيا / وَأَتى طُلولَهُما الظَلامُ فَعَسكَرا
فَشُروقُها الأَمَلُ الحَبيبُ لِمَن رَأى / وَغُروبُها الأَجَلُ البَغيضُ لِمَن دَرى
خَطبانِ قاما بِالفَناءِ عَلى الصَفا / ما كانَ بَينَهُما الصَفاءُ لِيَعمُرا
تَتَغَيَّرُ الأَشياءُ مَهما عاوَدا / وَاللَهُ عَزَّ وَجَلَّ لَن يَتَغَيَّرا
أَنهارُنا تَحتَ السَليفِ وَفَوقَهُ / وَلَدى جَوانِبِهِ وَما بَينَ الذُرى
رَجلاً وَرُكباناً وَزَحلَقَةً عَلى / عَجلٍ هُنالِكَ كَهرُبائِيِّ السَرى
في مَركَبٍ مُستَأنِسٍ سالَت بِهِ / قُضُبُ الحَديدِ تَعَرُّجاً وَتَحَدُّرا
يَنسابُ ما بَينَ الصُخورِ تَمَهُّلاً / وَيَخِفُّ بَينَ الهُوَّتَينِ تَخَطُّرا
وَإِذا اِعتَلى بِالكَهرُباءِ لِذَروَةٍ / عَصماءَ هَمَّ مُعانِقاً مُتَسَوِّرا
لَمّا نَزَلنا عَنهُ في أُمِّ الذُرى / قُمنا عَلى فَرعِ السَليفِ لِنَنظُرا
أَرضٌ تَموجُ بِها المَناظِرُ جَمَّةٌ / وَعَوالِمٌ نِعمَ الكِتابُ لِمَن قَرا
وَقُرىً ضَرَبنَ عَلى المَدائِنِ هالَةً / وَمَدائِنٌ حَلَّينَ أَجيادَ القُرى
وَمَزارِعٌ لِلناظِرينَ رَوائِعٌ / لَبِسَ الفَضاءُ بِها طِرازاً أَخضَرا
وَالماءُ غَدرٌ ما أَرَقَّ وَأَغزَرا / وَجَداوِلٌ هُنَّ اللُجَينُ وَقَد جَرى
فَحَشَونَ أَفواهَ السُهولِ سَبائِكاً / وَمَلَأنَ أَقبالَ الرَواسِخِ جَوهَرا
قَد صَغَّرَ البُعدُ الوُجودَ لَنا فَيا / لِلَّهِ ما أَحلى الوُجودَ مُصَغَّرا
تِلكَ الطَبيعَةُ قِف بِنا يا ساري
تِلكَ الطَبيعَةُ قِف بِنا يا ساري / حَتّى أُريكَ بَديعَ صُنعِ الباري
الأَرضُ حَولَكَ وَالسَماءُ اِهتَزَّتا / لِرَوائِعِ الآياتِ وَالآثارِ
مِن كُلِّ ناطِقَةِ الجَلالِ كَأَنَّها / أُمُّ الكِتابِ عَلى لِسانِ القاري
دَلَّت عَلى مَلِكِ المُلوكِ فَلَم تَدَع / لِأَدِلَّةِ الفُقَهاءِ وَالأَحبارِ
مَن شَكَّ فيهِ فَنَظرَةٌ في صُنعِهِ / تَمحو أَثيمَ الشَكِّ وَالإِنكارِ
كَشَفَ الغَطاءُ عَنِ الطُرولِ وَأَشرَقَت / مِنهُ الطَبيعَةُ غَيرَ ذاتِ سِتارِ
شَبَّهتُها بَلقيسَ فَوقَ سَريرِها / في نَضرَةٍ وَمَواكِبٍ وَجَواري
أَو بِاِبنِ داوُدٍ وَواسِعِ مُلكِهِ / وَمَعالِمٍ لِلعِزِّ فيهِ كِبارِ
هوجُ الرِياحِ خَواشِعٌ في بابِهِ / وَالطَيرُ فيهِ نَواكِسُ المِنقارِ
قامَت عَلى ضاحي الجِنانِ كَأَنَّها / رَضوانُ يُزجي الخُلدُ لِلأَبرارِ
كَم في الخَمائِلِ وَهيَ بَعضُ إِمائِها / مِن ذاتِ خِلخالٍ وَذاتِ سِوارِ
وَحَسيرَةٍ عَنها الثِيابُ وَبَضَّةٍ / في الناعِماتِ تَجُرُّ فَضلَ إِزارِ
وَضَحوكِ سِنٍّ تَملَأُ الدُنيا سَنىً / وَغَريقَةٍ في دَمعِها المِدرارِ
وَوَحيدَةٍ بِالنَجدِ تَشكو وَحشَةً / وَكَثيرَةِ الأَترابِ بِالأَغوارِ
وَلَقَد تَمُرُّ عَلى الغَديرِ تَخالُهُ / وَالنَبتُ مِرآةً زَهَت بِإِطارِ
حُلوُ التَسَلسُلِ مَوجُهُ وَجَريرُهُ / كَأَنامِلٍ مَرَّت عَلى أَوتارِ
مَدَّت سَواعِدُ مائِهِ وَتَأَلَّقَت / فيها الجَواهِرُ مِن حَصىً وَجِمارِ
يَنسابُ في مُخضَلَّةٍ مُبتَلَّةٍ / مَنسوجَةٍ مِن سُندُسٍ وَنُضارِ
زَهراءَ عَونِ العاشِقينَ عَلى الهَوى / مُختارَةِ الشُعَراءِ في آذارِ
قامَ الجَليدُ بِها وَسالَ كَأَنَّهُ / دَمعُ الصَبابَةِ بَلَّ غُضنَ عَذارِ
وَتَرى السَماءَ ضُحىً وَفي جُنحِ الدُجى / مُنشَقَّةً مِن أَنهُرٍ وَبِحارِ
في كُلِّ ناحِيَةٍ سَلَكتَ وَمَذهَبٍ / جَبَلانِ مِن صَخرٍ وَماءٍ جاري
مِن كُلِّ مُنهَمِرِ الجَوانِبِ وَالذُرى / غَمرِ الحَضيضِ مُحَلَّلٍ بِوَقارِ
عَقَدَ الضَريبُ لَهُ عَمامَةَ فارِعٍ / جَمِّ المَهابَةِ مِن شُيوخِ نِزارِ
وَمُكَذِّبٍ بِالجِنِّ ريعَ لِصَوتِها / في الماءِ مُنحَدِراً وَفي التَيّارِ
مَلَأَ الفَضاءَ عَلى المَسامِعِ ضَجَّةً / فَكَأَنَّما مَلَأَ الجِهاتِ ضَواري
وَكَأَنَّما طوفانُ نوحٍ ما نَرى / وَالفُلكُ قَد مُسِخَت حَثيثَ قِطارِ
يَجري عَلى مَثَلِ الصِراطِ وَتارَةً / ما بَينَ هاوِيَةٍ وَجُرفٍ هاري
جابَ المَمالِكَ حَزنَها وَسُهولَها / وَطَوى شِعابَ الصِربِ وَالبُلغارِ
حَتّى رَمى بِرِحالِنا وَرَجائِنا / في ساحِ مَأمولٍ عَزيزِ الجارِ
مَلِكٌ بِمَفرَقِهِ إِذا اِستَقبَلتَهُ / تاجانِ تاجُ هُدىً وَتاجُ فَخارِ
سَكَنَ الثُرَيّا مُستَقَرَّ جَلالِهِ / وَمَشَت مَكارِمُهُ إِلى الأَمصارِ
فَالشَرقُ يُسقى ديمَةً بِيَمينِهِ / وَالغَربُ تُمطِرُهُ غُيوثُ يَسارِ
وَمَدائِنُ البَرَّينِ في إِعظامِهِ / وَعَوالِمُ البَحرَينِ في الإِكبارِ
اللَهُ أَيَّدَهُ بِآسادِ الشَرى / في صورَةِ المُتَدَجِّجِ الجَرّارِ
الصاعِدينَ إِلى العَدُوِّ عَلى الظُبى / النازِلينَ عَلى القَنا الخَطّارِ
المُشتَرينَ اللَهَ بِالأَبناءِ وَال / أَزواجِ وَالأَموالِ وَالأَعمارِ
القائِمينَ عَلى لِواءِ نَبِيِّهِ / المُنزَلينَ مَنازِلَ الأَنصارِ
يا عَرشَ قُسطَنطينَ نِلتَ مَكانَةً / لَم تُعطَها في سالِفِ الأَعصارِ
شُرِّفتَ بِالصَديقِ وَالفاروقِ بَل / بِالأَقرَبِ الأَدنى مِنَ المُختارِ
حامي الخِلافَةِ مَجدِها وَكِيانِها / بِالرَأيِ آوِنَةً وَبِالبَتّارِ
تاهَت فُروقُ عَلى العَواصِمِ وَاِزدَهَت / بِجُلوسِ أَصيَدَ باذِخِ المِقدارِ
جَمِّ الجَلالِ كَأَنَّما كُرسِيُّهُ / جُزءٌ مِنَ الكُرسِيِّ ذي الأَنوارِ
أَخَذَت عَلى البوسفورِ زُخرُفَها دُجىً / وَتَلَألَأَت كَمَنازِلِ الأَقمارِ
فَالبَدرُ يَنظُرُ مِن نَوافِذِ مَنزِلٍ / وَالشَمسُ ثَمَّ مُطِلَّةٌ مِن دارِ
وَكَواكِبُ الجَوزاءِ تَخطُرُ في الرُبى / وَالنَسرُ مَطلَعُهُ مِنَ الأَشجارِ
وَاِسمُ الخَليفَةِ في الجِهاتِ مُنَوِّرٌ / تَبدو السَبيلُ بِهِ وَيَهدي الساري
كَتَبوهُ في شُرَفِ القُصورِ وَطالَما / كَتَبوهُ في الأَسماعِ وَالأَبصارِ
يا واحِدَ الإِسلامِ غَيرَ مُدافِعٍ / أَنا في زَمانِكَ واحِدُ الأَشعارِ
لي في ثَنائِكَ وَهوَ باقٍ خالِدٌ / شَعرٌ عَلى الشِعرى المَنيعَةِ زاري
أَخلَصتُ حُبّي في الإِمامِ دِيانَةً / وَجَعَلتُهُ حَتّى المَماتِ شِعاري
لَم أَلتَمِس عَرضَ الحَياةِ وَإِنَّما / أَقرَضتُهُ في اللَهِ وَالمُختارِ
إِنَّ الصَنيعَةَ لا تَكونُ كَريمَةً / حَتّى تُقَلِّدُها كَريمَ نِجارِ
وَالحُبُّ لَيسَ بِصادِقٍ ما لَم تَكُن / حَسَنَ التَكَرُّمِ فيهِ وَالإيثارِ
وَالشِعرُ إِنجيلٌ إِذا اِستَعمَلتَهُ / في نَشرِ مَكرُمَةٍ وَسَترِ عَوارِ
وَثَنَيتَ عَن كَدَرِ الحِياضِ عِنانَهُ / إِنَّ الأَديبَ مُسامِحٌ وَمُداري
عِندَ العَواهِلِ مِن سِياسَةِ دَهرِهِم / سِرٌّ وَعِندَكَ سائِرُ الأَسرارِ
هَذا مُقامٌ أَنتَ فيهِ مُحَمَّدٌ / أَعداءُ ذاتِكَ فِرقَةٌ في النارِ
إِنَّ الهِلالَ وَأَنتَ وَحدَكَ كَهفُهُ / بَينَ المَعاقِلِ مِنكَ وَالأَسوارِ
لَم يَبقَ غَيرُكَ مَن يَقولُ أَصونُهُ / صُنهُ بِحَولِ الواحِدِ القَهّارِ
عَرَضوا الأَمانَ عَلى الخَواطِر
عَرَضوا الأَمانَ عَلى الخَواطِر / وَاِستَعرَضوا السُمرَ الخَواطِر
فَوَقَفتُ في حَذَرٍ وَيَأ / بى القَلبُ إِلّا أَن يُخاطِر
يا قَلبُ شَأنَكَ وَالهَوى / هَذي الغُصونُ وَأَنتَ طائِر
إِنَّ الَّتي صادَتكَ تَس / عى بِالقُلوبِ لَها النَواظِر
يا ثَغرَها أَمسَيتُ كَال / غَوّاصِ أَحلُمُ بِالجَواهِر
يا لَحظَها مَن أُمُّها / أَو مَن أَبوها في الجَآذِر
يا شَعرَها لا تَسعَ في / هَتكي فَشَأنُ اللَيلِ ساتِر
يا قَدَّها حَتّامَ تَغ / دو عاذِلاً وَتَروحُ جائِر
وَبِأَيِّ ذَنبٍ قَد طَعَن / تَ حَشايَ يا قَدَّ الكَبائِر
في ذي الجُفونِ صَوارِمُ الأَقدارِ
في ذي الجُفونِ صَوارِمُ الأَقدارِ / راعي البَرِيَّةَ يا رَعاكِ الباري
وَكَفى الحَياةُ لَنا حَوادِثَ فَاِفتِني / مَلَأَ النُجوم وَعالَمَ الأَقمارِ
ما أَنتِ في هَذي الحلى إِنسِيَّة / إِن أَنتِ إِلّا الشَمسُ في الأَنوارِ
زَهراءُ بِالأُفقِ الَّذي مِن دونِهِ / وَثبُ النُهى وَتَطاوُلُ الأَفكارِ
تَتَهَتَّكُ الأَلبابُ خَلفَ حِجابِها / مَهما طَلَعتِ فَكَيفَ بِالأَبصارِ
يا زينَةَ الإِصباحِ وَالإِمساءِ بَل / يا رَونَقَ الآصالِ وَالأَسحارِ
ماذا تُحاوِلُ مِن تَنائينا النَوى / أَنتِ الدُنى وَأَنا الخَيالُ الساري
أَلقى الضُحى أَلقاكِ ثُمَّ مِنَ الدُجى / سُبُلٌ إِلَيك خَفِيَّةُ الأَغوارِ
وَإِذا أَنِستُ بِوَحدَتي فَلِأَنَّها / سَبَبي إِلَيكِ وَسُلَّمي وَمَناري
إيهٍ زَماني في الهَوى وَزَمانَها / ما كُنتُما إِلّا النَميرَ الجاري
مُتَسَلسِلاً بَينَ الصَبابَةِ وَالصِبا / مُتَرَقرِقاً بِمَسارِحِ الأَوطارِ
نَظَرَ الفُراقُ إِلَيكُما فَطَواكُما / إِنَّ الفِراقَ جَهَنَّمُ الأَقدارِ
لَكَ أَن تَلومَ وَلي مِنَ الأَعذارِ
لَكَ أَن تَلومَ وَلي مِنَ الأَعذارِ / أَنَّ الهَوى قَدَرٌ مِنَ الأَقدارِ
ما كُنتُ أَسلَمُ لِلعُيونِ سَلامَتي / وَأُبيحُ حادِثَةَ الغَرامِ وَقاري
وَطَرٌ تَعَلَّقَهُ الفُؤادُ وَيَنقَضي / وَالنَفسُ ماضِيَةٌ مَعَ الأَوطارِ
يا قَلبُ شَأنَكَ لا أَمُدُّكَ في الهَوى / أَبَداً وَلا أَدعوكَ لِلإِقصارِ
أَمري وَأَمرُكَ في الهَوى بِيَدِ الهَوى / لَو أَنَّهُ بِيَدي فَكَكتُ إِساري
جارِ الشَبيبَةَ وَاِنتَفِع بِجِوارِها / قَبلَ المَشيبِ فَما لَهُ مِن جارِ
مَثَلُ الحَياةِ تُحَبُّ في عَهدِ الصِبا / مَثَلُ الرِياضِ تُحَبُّ في آذارِ
أَبَداً فروقُ مِنَ البِلادِ هِيَ المُنى / وَمُنايَ مِنها ظَبيَةٌ بِسِوارِ
مَمنوعَةٌ إِلّا الجَمالَ بِأَسرِهِ / مَحجوبَةٌ إِلّا عَنِ الأَنظارِ
خُطُواتُها التَقوى فَلا مَزهُوَّةٌ / تَمشي الدَلالَ وَلا بِذاتِ نِفارِ
مَرَّت بِنا فَوقَ الخَليجِ فَأَسفَرَت / عَن جَنَّةٍ وَتَلَفَّتَت عَن نارِ
في نِسوَةٍ يورِدنَ مَن شِئنَ الهَوى / نَظَراً وَلا يَنظُرنَ في الإِصدارِ
عارَضتُهُنَّ وَبَينَ قَلبِيَ وَالهَوى / أَمرٌ أُحاوِلُ كَتمَهُ وَأُداري
قَلبٌ يَذوبُ وَمَدمَعٌ يَجري
قَلبٌ يَذوبُ وَمَدمَعٌ يَجري / يا لَيلُ هَل خَبَرٌ عَنِ الفَجرِ
حالَت نُجومُكَ دونَ مَطلَعِهِ / لا تَبتَغي حِوَلاً وَلا يَسري
وَتَطاوَلَت جُنحاً فَخُيِّلَ لي / أَنَّ الصَباحَ رَهينَةُ الحَشرِ
أَرسَيتَها وَمَلَكتَ مَذهَبَها / بِدُجُنَّةٍ كَسَريرَةِ الدَهرِ
ظُلُمٌ تَجيءُ بِها وَتُرجِعُها / وَالمَوجُ مُنقَلِبٌ إِلى البَحرِ
لَيتَ الكَرى موسى فَيورِدَها / فِرعَونُ هَذا السُهدِ وَالفِكرِ
وَلَقَد أَقولُ لِهاتِفٍ سحراً / يَبكي لِغَيرِ نَوىً وَلا أَسرِ
وَالرَوضُ أَخرَسُ غَيرَ وَسوَسَةٍ / خَفَقَ الغُصونِ وَجِريَةِ الغَدرِ
وَالطَيرُ مِلءُ الأَيكِ أَرؤُسُها / مِثلُ الثِمارِ بَدَت مِنَ السِدرِ
أَلقى الجَناحَ وَناءَ بِالصَدرِ / وَرَنا بِصَفراوَينِ كَالتِبرِ
كَلَمَ السُهادُ بُيوتَ هُدبِهِما / وَأَقامَ بَينَ رُسومِها الحُمرِ
تَهدا جَوانِحُهُ فَتَحسَبُهُ / مِن صَنعَةِ الأَيدي أَوِ السِحرِ
وَتَثورُ فَهوَ عَلى الغُصونِ يَدٌ / عَلِقَت أَنامِلُها مِنَ الجَمرِ
يا طَيرُ بُثَّ أَخاكَ ما يَجري / إِنّا كِلانا مَوضِعُ السِرِّ
بي مِثلُ ما بِكَ مِن جَوىً وَنَوىً / أَنا في الأَنامِ وَأَنتَ في القُمرِ
عَبَثَ الغَرامُ بِنا وَرَوَّعَنا / أَنا بِالمَلامِ وَأَنتَ بِالزَجرِ
يا طَيرُ لا تَجزَع لِحادِثَةٍ / كُلُّ النُفوسِ رَهائِنُ الضَرِّ
فيما دَهاكَ لَوِ اِطَّلَعتَ رِضىً / شَرٌّ أَخَفُّ عَلَيكَ مِن شَرِّ
يا طَيرُ كَدرُ العَيشِ لَو تَدري / في صَفوِهِ وَالصَفوُ في الكَدرِ
وَإِذا الأُمورُ اِستُصعِبَت صَعُبَت / وَيَهونُ ما هَوَّنتَ مِن أَمرِ
يا طَيرُ لَو لُذنا بِمُصطَبَرٍ / فَلَعَلَّ روحَ اللَهِ في الصَبرِ
وَعَسى الأَمانِيُّ العِذابُ لَنا / عَونٌ عَلى السُلوانِ وَالهَجرِ
سَكَنَ الزَمانُ وَلانَتِ الأَقدارُ
سَكَنَ الزَمانُ وَلانَتِ الأَقدارُ / وَلِكُلِّ أَمرٍ غايَةٌ وَقَرارُ
أَرخى الأَعِنَّةَ لِلخُطوبِ وَرَدَّها / فَلَكٌ بِكُلِّ فُجاءَةٍ دَوّارُ
يَجري بِأَمرٍ أَو يَدورُ بِضِدِّهِ / لا النَقضُ يُعجِزُهُ وَلا الإِمرارُ
هَل آذَنَتنا الحادِثاتُ بِهُدنَةٍ / وَهَل اِستَجابَ فَسالَمَ المِقدارُ
سُدِلَ السِتارُ وَهَل شَهِدتَ رِوايَةً / لَم يَعتَرِضها في الفُصولِ سِتارُ
وَجَرَت فَما اِستَولَت عَلى الأَمَدِ المُنى / وَعَدَت فَما حَوَتِ المَدى الأَوطارُ
دونَ الجَلاءِ وَدونَ يانِعِ وَردِهِ / خُطُواتُ شَعبٍ في القَتادِ تُسارُ
وَبِناءُ أَخلاقٍ عَلَيهِ مِنَ النُهى / سُوَرٌ وَمِن عِلمِ الزَمانِ إِطارُ
وَحَضارَةٌ مِن مَنطِقِ الوادي لَها / أَصلٌ وَمِن أَدَبِ البِلادِ نِجارُ
أَعمى هَوى الوَطَنِ العَزيزِ عِصابَةٌ / مُستَهتِرينَ إِلى الجَرائِمِ ساروا
يا سوءَ سُنَّتِهِم وَقُبحَ غُلُوِّهِم / إِنَّ العَقائِدَ بِالغُلُوِّ تُضارُ
وَالحَقُّ أَرفَعُ مِلَّةً وَقَضِيَّةً / مِن أَن يَكونَ رَسولُهُ الإِضرارُ
أُخِذَت بِذَنبِهِمُ البِلادُ وَأُمَّةٌ / بِالريفِ ما يَدرونَ ما السِردارُ
في فِتنَةٍ خُلِطَ البَريءُ بِغَيرِهِ / فيها وَلُطِّخَ بِالدَمِ الأَبرارُ
لَقِيَ الرِجالُ الحادِثاتِ بِصَبرِهِم / حَتّى اِنجَلَت غُمَمٌ لَها وَغِمارُ
لانوا لَها في شِدَّةٍ وَصَلابَةٍ / لَينَ الحَديدِ مَشَت عَلَيهِ النارُ
الحَقُّ أَبلَجُ وَالكِنانَةُ حُرَّةٌ / وَالعِزُّ لِلدُستورِ وَالإِكبارُ
الأَمرُ شورى لا يَعيثُ مُسَلَّطٌ / فيهِ وَلا يَطغى بِهِ جَبّارُ
إِنَّ العِنايَةَ لِلبِلادِ تَخَيَّرَت / وَالخَيرُ ما تَقضي وَما تَختارُ
عَهدٌ مِنَ الشورى الظَليلَةِ نُضِّرَت / آصالُهُ وَاِخضَلَّتِ الأَسحارُ
تَجني البِلادُ بِهِ ثِمارَ جُهودِها / وَلِكُلِّ جُهدٍ في الحَياةِ ثِمارُ
بُنيانُ آباءٍ مَشَوا بِسِلاحِهِم / وَبَنينَ لَم يَجِدوا السِلاحَ فَثاروا
فيهِ مِنَ التَلِّ المُدَرَّجِ حائِطٌ / وَمِنَ المَشانِقِ وَالسُجونِ جِدارُ
أَبَتِ التَقَيُّدَ بِالهَوى وَتَقَيَّدَت / بِالحَقِّ أَو بِالواجِبِ الأَحرارُ
في مَجلِسٍ لا مالُ مِصرَ غَنيمَةٌ / فيهِ وَلا سُلطانُ مِصرَ صِغارُ
ما لِلرِجالِ سِوى المَراشِدَ مَنهَجٌ / فيهِ وَلا غَيرَ الصَلاحِ شِعارُ
يَتَعاوَنونَ كَأَهلِ دارٍ زُلزِلَت / حَتّى تَقَرَّ وَتَطمَئِنَّ الدارُ
يُجرونَ بِالرِفقِ الأُمورَ وَفُلكَها / وَالريحُ دونَ الفُلكِ وَالإِعصارُ
وَمَعَ المُجَدِّدِ بِالأَناةِ سَلامَةٌ / وَمَعَ المُجَدِّدِ بِالجِماحِ عِثارُ
الأُمَّةُ اِئتَلَفَت وَرَصَّ بِناءَها / بانٍ زَعامَتُهُ هُدىً وَمَنارُ
أَسَدٌ وَراءَ السِنِّ مَعقودُ الحُبا / يَأبى وَيَغضَبُ لِلشَرى وَيَغارُ
كَهفُ القَضِيَّةِ لا تَنامُ نُيوبُهُ / عَنها وَلا تَتَناعَسُ الأَظفارُ
يَومَ الخَميسِ وَراءَ فَجرِكَ لِلهُدى / صُبحٌ وَلِلحَقِّ المُبينِ نَهارُ
ما أَنتَ إِلّا فارِسِيٌّ لَيلُهُ / عُرسٌ وَصَدرُ نَهارِهِ إِعذارُ
بَكَرَت تُزاحِمُ مِهرَجانِكَ أُمَّةٌ / وَتَلَفَّتَت خَلفَ الزِحامِ دِيارُ
وَرَوى مَواكِبَكَ الزَمانُ لِأَهلِهِ / وَتَنَقَّلَت بِجَلالِها الأَخبارُ
أَقبَلتَ بِالدُستورِ أَبلَجَ زاهِراً / يَفتَنُّ في قَسَماتِهِ النُظّارُ
وَذُؤابَةُ الدُنيا تَرِفُّ حَداثَةً / عَن جانِبَيهِ وَلِلزَمانِ عِذارُ
يَحمي لَفائِفَهُ وَيَحرُسُ مَهدَهُ / شَيخٌ يَذودُ وَفِتيَةٌ أَنصارُ
وَكَأَنَّهُ عيسى الهُدى في مَهدِهِ / وَكَأَنَّ سَعداً يوسُفُ النَجّارُ
التاجُ فُصِّلَ في سَمائِكَ بِالضُحى / مِنكَ الحِلى وَمِنَ الضُحى الأَنوارُ
يَكسو مِنَ الدُستورِ هامَةَ رَبِّهِ / ما لَيسَ يَكسو الفاتِحينَ الغارُ
بِالحَقِّ يَفتَحُ كُلُّ هادٍ مُصلِحٍ / ما لَيسَ يَفتَحُ بِالقَنا المِغوارُ
وَطَني لَدَيكَ وَأَنتَ سَمحٌ مُفضِلٌ / تُنسى الذُنوبُ وَتُذكَرُ الأَعذارُ
تابَ الزَمانُ إِلَيكَ مِن هَفَواتِهِ / بِوَزارَةٍ تُمحى بِها الأَوزارُ
قُل لِلرِجالِ طَغى الأَسير
قُل لِلرِجالِ طَغى الأَسير / طَيرُ الحِجالِ مَتى يَطير
أَوهى جَناحَيهِ الحَدي / دُ وَحَزَّ ساقَيهِ الحَرير
ذَهَبَ الحِجابُ بِصَبرِهِ / وَأَطالَ حَيرَتَهُ السُفور
هَل هُيِّئَت دَرَجُ السَما / ءِ لَهُ وَهَل نُصَّ الأَثير
وَهَل اِستَمَرَّ بِهِ الجَنا / حُ وَهَمَّ بِالنَهضِ الشَكير
وَسَما لِمَنزِلِهِ مِنَ الدُن / يا وَمَنزِلُهُ خَطير
وَمَتى تُساسُ بِهِ الرِيا / ضُ كَما تُساسُ بِهِ الوُكور
أَوَ كُلُّ ما عِندَ الرِجا / لِ لَهُ الخَواطِبُ وَالمُهور
وَالسِجنُ في الأَكواخِ أَو / سِجنٌ يُقالُ لَهُ القُصور
تَاللَهِ لَو أَنَّ الأَدي / مَ جَميعُهُ رَوضٌ وَنور
في كُلِّ ظِلٍّ رَبوَةٌ / وَبِكُلِّ وارِفَةٍ غَدير
وَعَلَيهِ مِن ذَهَبٍ سِيا / جٌ أَو مِنَ الياقوتِ سور
ما تَمَّ مِن دونِ السَما / ءِ لَهُ عَلى الأَرضِ الحُبور
إِنَّ السَماءَ جَديرَةٌ / بِالطَيرِ وَهوَ بِها جَدير
هِيَ سَرجُهُ المَشدودُ وَه / وَ عَلى أَعِنَّتِها أَمير
حُرِّيَّةٌ خُلِقَ الإِنا / ثُ لَها كَما خُلِقَ الذُكور
هاجَت بَناتَ الشِعرِ عَي / نٌ مِن بَناتِ النيلِ حور
لي بَينَهُنَّ وَلائِدٌ / هُم مِن سَوادِ العَينِ نور
لا الشِعرُ يَأتي في الجُما / نِ بِمِثلِهِنَّ وَلا البُحور
مِن أَجلِهِنَّ أَنا الشَفي / قُ عَلى الدُمى وَأَنا الغَيور
أَرجو وَآمَلُ أَن سَتَج / ري بِالَّذي شِئنَ الأُمور
يا قاسِمُ اُنظُر كَيفَ سا / رَ الفِكرُ وَاِنتَقلَ الشُعور
جابَت قَضَيَّتُكَ البِلا / دَ كَأَنَّها مَثَلٌ يَسير
ما الناسُ إِلّا أَوَّلٌ / يَمضي فَيَخلِفُهُ الأَخير
الفِكرُ بَينَهُما عَلى / بُعدِ المَزارِ هُوَ السَفير
هَذا البِناءُ الفَخمُ لَي / سَ أَساسُهُ إِلّا الحَفير
إِنَّ الَّتي خَلَّفتَ أَم / سِ وَما سِواكَ لَها نَصير
نَهَضَ الحَقُّ بِشَأنِها / وَسَعى لِخِدمَتِها الظَهِر
في ذِمَّةِ الفُضلى هُدى / جيلٌ إِلى هادٍ فَقير
أَقبَلنَ يَسأَلنَ الحَضا / رَةَ ما يُفيدُ وَما يُضير
ما السُبلُ بَيِّنَةٌ وَلا / كُلُّ الهُداةِ بِها بَصير
ما في كِتابِكَ طَفرَةٌ / تُنعى عَلَيكَ وَلا غُرور
هَذَّبتَهُ حَتّى اِستَقامَت / مِن خَلائِقِكَ السُطور
وَوَضَعتَهُ وَعَلِمتَ أَن / نَ حِسابَ واضِعِهِ عَسير
لَكَ في مَسائِلِهِ الكَلا / مُ العَفُّ وَالجَدَلُ الوَقور
وَلَكَ البَيانُ الجَذلُ في / أَثنائِهِ العِلمُ الغَزير
في مَطلَبٍ خَشِنٍ كَثي / رٌ في مَزالِقِهِ العُثور
ما بِالكِتابِ وَلا الحَدي / ثِ إِذا ذَكَرتَهُما نَكير
حَتّى لَنَسأَلُ هَل تَغا / رُ عَلى العَقائِدِ أَم تُغير
عُشرونَ عاماً مِن زَوا / لِكَ ما هِيَ الشَيءُ الكَثير
رُعنَ النِساءَ وَقَد يَرو / عُ المُشفِقَ الجَلَلُ اليَسير
فَنَسينَ أَنَّكَ كَالبُدو / رِ وَدونَ رِفعَتِكَ البُدور
تَفنى السِنونُ بِها وَما / آجالُها إِلّا شُهور
لَقَد اِختَلَفنا وَالمُعا / شِرُ قَد يُخالِفُهُ العَشير
في الرَأيِ ثُمَّ أَهابَ بي / وَبِكَ المُنادِمُ وَالسَمير
وَمَحا الرَواحُ إِلى مَغا / ني الوُدِّ ما اِقتَرَفَ البُكور
في الرَأيِ تَضطَغِنُ العُقو / لُ وَلَيسَ تَضطَغِنُ الصُدور
قُل لي بِعَيشِكَ أَينَ أَن / تَ وَأَينَ صاحِبُكَ الكَبير
أَينَ الإِمامُ وَأَينَ إِس / ماعيلُ وَالمَلَأُ المُنير
لَمّا نَزَلتُم في الثَرى / تاهَت عَلى الشُهُبِ القُبور
عَصرُ العَباقِرَةِ النُجو / مِ بِنورِهِ تَمشي العُصور
جِنٌّ عَلَى حَرَمِ السَماءِ أَغاروا
جِنٌّ عَلَى حَرَمِ السَماءِ أَغاروا / أَم فِتيَةٌ رَكِبوا الجَناحَ فَطاروا
مِن كُلِّ أَهوَجَ في الهَواءِ عِنانُهُ / هَوَجُ الرِياحِ وَسَرجُهُ الإِعصارُ
يَبغي حِجابَ الشَمسِ يَطلُبُ عِندَها / عِزّاً تَحَمَّلَهُ الجُدودُ وَساروا
لَم يَبقَ مِنهُ وَمِن حَضارَةِ عَهدِهِ / إِلّا صُوى مَحجوبَةٌ وَمَنارُ
وَمَقالَةُ الأَجيالِ لَم يَلحَق بِهِم / بانٍ وَلَم يُدرِكُهُمُ حَفّارُ
طَلَعوا عَلى الوادي بِرايَةِ عَصرِهِم / وَلِكُلِّ عَصرٍ رايَةٌ وَشِعارُ
اِثنانِ ثَمَّ تَرى النُسورَ كَثيرَةً / مِن كُلِّ ناحِيَةٍ لَها أَوكارُ
سِرُّ النَجاحِ وَرُكنُ حَضارَةٍ / هِمَمٌ مِنَ المُتَطَوِّعينَ كِبارُ
نُسِخَت بِأَبطالِ السَماءِ بُطولَةٌ / في الأَرضِ يوشِكُ رُكنُها يَنهارُ
هَذا زَمانٌ لا الأَعِنَّةُ مَنزِلٌ / لِلبَأسِ فيهِ وَلا الأَسِنَّةُ دارُ
ما البَأسُ إِلّا مِن جَناحَي خاطِفٍ / في البَرِّ وَالبَحرِ اِسمُهُ الطَيّارُ
أَتُرى السَلامَةُ في السَماءِ وَظِلِّها / أَم بِالسَماءِ يَصولُ الاِستِعمارُ
حَرَمُ الهُدى وَالحَقُّ ريعَ جَلالُهُ / وَغَدا وَراحَ بِجانِبَيهِ دَمارُ
يا جائِبَ الصَحراءِ مِلءُ سَرابِها / غَرَرٌ وَمِلءُ تُرابِها أَخطارُ
يَكفيكَ مِن هِمَمِ الشَجاعَةِ لَيلَةٌ / لَكَ مِن غَوائِلِها خَلَت وَنَهارُ
لَمّا اِعتَمَدتَ عَلى الجَناحِ تَلَفَّتَت / بيدٌ وَقَلَّبَتِ العُيونَ قِفارُ
في كُلِّ صَحراءٍ وَكُلِّ تَنوفَةٍ / أَرضٌ عَلَيكَ مِنَ السَماءِ تَغارُ
حَسَنَينُ لَو لَم يَعذِروكَ لبادَرَت / لَكَ مِن لِسانِ جِراحِكَ الأَعذارُ
لِلَّهِ سَرجُكَ في السَماءِ فَإِنَّهُ / سَرجُ الأَهِلَّةِ ما عَلَيهِ غُبارُ
عَرَضَ الخُسوفُ لَهُ فَما أَزرى بِهِ / ما في الخُسوفِ عَلى الأَهِلَّةِ عارُ
أَوَ لَم تَطَءُ أَرضَ السَماءِ وَلَم تَدُر / حَيثُ الشُموسُ تَدورُ وَالأَقمارُ
أَلقى أَبو الفاروقِ نَحوَكَ بالَهُ / وَتَشاغَلَت بِكَ أُمَّةٌ وَدِيارُ
مَلِكٌ رُحِمتَ بِقُربِهِ وَجِوارِهِ / حَتّى كَأَنَّكَ لِلعِنايَةِ جارُ
نُصِبَ السُرادِقُ وَالمَطارُ وَحَلَّقَت / في الجَوِّ تَلمَسُ شَخصَكَ الأَبصارُ
فَلَمَستَ أَقضِيَةِ السَماءِ وَأَسفَرَت / حَتّى نَظَرَت وُجوهَها الأَقدارُ
قَدَرٌ عَلى يُمنى يَدَيهِ سَلامَةٌ / لَكَ حَيثُ مِلتَ وَفي السَماءِ عِثارُ
فَإِذا سَقَطتَ عَلى حَديدٍ مُضرَمٍ / صَدَفَ الحَديدُ وَلَم تَنَلكَ النارُ
ماذا لَقيتَ مِنَ النَجائِبِ كُلِّها / قُل لي أَعِندَكَ لِلنَجائِبِ ثارُ
هَذي تَعَثَّرُ في الزِمامِ وَتِلكَ لا / تَمضي وَأُخرى في السُلوكِ تَحارُ
فَشَلٌ يُعَظَّمُ كَالنَجاحِ عَلَيهِ مِن / شَرَفِ الجُروحِ وَنورِهِنَّ فَخارُ
لَو لَم يَكُن قَتلى وَجَرحى في الوَغى / لَم يَعلُ هامَ الظافِرينَ الغارُ
كَأسٌ مِنَ الدُنيا تُدار
كَأسٌ مِنَ الدُنيا تُدار / مَن ذاقَها خَلَعَ العِذار
اللَيلُ قَوّامٌ بِها / فَإِذا وَنى قامَ النَهار
وَحَبا بِها الأَعمارَ لَم / تَدُمِ الطِوالُ وَلا القِصار
شَرِبَ الصَبِيُّ بِها وَلَم / يَخلُ المُعَمَّرُ مِن خُمار
وَحَسا الكِرامُ سُلافَها / وَتَناوَلَ الهَمَلُ العُقار
وَأَصابَ مِنها ذو الهَوى / ما قَد أَصابَ أَخو الوَقار
وَلَقَد تَميلُ عَلى الجَما / دِ وَتَصرَعُ الفَلَكَ المُدار
كَأسُ المَنِيَّةِ في يَدٍ / عَسراءَ ما مِنها فِرار
تَجري اليَمينَ فَمَن تَوَل / لى يَسرَةً جَرَتِ اليَسار
أَودى الجَريءُ إِذا جَرى / وَالمُستَميتُ إِذا أَغار
لَيثُ المَعامِعِ وَالوَقا / ئِعِ وَالمَواقِعِ وَالحِصار
وَبَقِيَّةُ الزُمَرِ الَّتي / كانَت تَذودُ عَنِ الذِمار
جُندُ الخِلافَةِ عَسكَرُ السُل / طانِ حامِيَةُ الدِيار
ضاقَت كَريدُ جِبالُها / بِكَ يا خَلوصي وَالقِفار
أَيّامُكُم فيها وَإِن / طالَ المَدى ذاتُ اِشتِهار
عَلِمَ العَدُوُّ بِأَنَّكُم / أَنتُم لِمِعصَمِها سِوار
أَحدَقتُمُ بِمَقَرِّهِ / فَتَرَكتُموهُ بِلا قَرار
حَتّى اِهتَدى مَن كانَ ضَل / لَ وَثابَ مَن قَد كانَ ثار
وَاِعتَزَّ رُكنٌ لِلوِلا / يَةِ كانَ مُنقَضَّ الجِدار
عِش لِلعُلا وَالمَجدِ يا / خَيرَ البَنينِ وَلِلفَخار
أَبكي لِدَمعِكَ جارِياً / وَلِدَمعِ إِخوَتِكَ الصِغار
وَأَوَدُّ أَنَّكُمُ رِجا / لٌ مِثلَ والِدِكُم كِبار
وَأُريدُ بَيتَكُمُ عَما / راً لا يُحاكيهِ عَمار
لا تَخرُجُ النَعماءُ مِن / هُ وَلا يُزايِلهُ اليَسار
ما جَلَّ فيهِم عيدُكَ المَأثورُ
ما جَلَّ فيهِم عيدُكَ المَأثورُ / إِلّا وَأَنتَ أَجَلُّ يا فِكتورُ
ذَكَروكَ بِالمِئَةِ السِنينَ وَإِنَّها / عُمرٌ لِمِثلِكَ في النُجومِ قَصيرُ
سَتدومُ ما دامَ البَيانُ وَما اِرتَقَت / لِلعالَمينَ مَدارِكٌ وَشُعورُ
وَلَئِن حُجِبتَ فَأَنتَ في نَظَرِ الوَرى / كَالنَجمِ لَم يُرَ مِنهُ إِلّا النورُ
لَولا التُقى لَفَتَحتُ قَبرَكَ لِلمَلا / وَسَأَلتُ أَينَ السَيِّدَ المَقبورُ
وَلَقُلتُ يا قَومُ اُنظُروا اِنجيلَكُم / هَل فيهِ مِن قَلَمِ الفَقيدِ سُطورُ
مَن بَعدَهُ مَلَكَ البَيانَ فَعِندَكُم / تاجٌ فَقَدتُم رَبَّهُ وَسَريرُ
ماتَ القَريضُ بِمَوتِ هوجو وَاِنقَضى / مُلكُ البَيانِ فَأَنتُمُ جُمهورُ
ماذا يَزيدُ العيدُ في إِجلالِهِ / وَجَلالُهُ بِيَراعِهِ مَسطورِ
فَقَدَت وُجوهَ الكائِناتِ مُصَوِّراً / نَزَلَ الكَلامُ عَلَيهِ وَالتَصويرُ
كُشِفَ الغَطاءُ لَهُ فَكُلُّ عِبارَةٍ / في طَيِّها لِلقارِئينَ ضَميرُ
لَم يُعيِهِ لَفظٌ وَلا مَعنىً وَلا / غَرَضٌ وَلا نَظمٌ وَلا مَنثورُ
مُسلي الحَزينِ يَفُكُّهُ مِن حُزنِهِ / وَيَرُدُّهُ لِلَّهِ وَهوَ قَريرُ
ثَأَرَ المُلوكُ وَظَلَّ عِندَ إِبائِهِ / يَرجو وَيَأمَلُ عَفوَهُ المَثؤورُ
وَأَعارَ واتِرلو جَلالَ يَراعِهِ / فَجَلالُ ذاكَ السَيفِ عَنهُ قَصيرُ
يا أَيُّها البَحرُ الَّذي عَمَّرَ الثَرى / وَمِنَ الثَرى حُفَرٌ لَهُ وَقُبورُ
أَنتَ الحَقيقَةُ إِن تَحَجَّبَ شَخصُها / فَلَها عَلى مَرِّ الزَمانِ ظُهورُ
اِرفَع حِدادَ العالَمينَ وَعُد لَهُم / كَيما يُعَيِّدَ بائِسٌ وَفَقيرُ
وَاِنظُر إِلى البُؤَساءِ نَظرَةَ راحِمٍ / قَد كانَ يُسعَدُ جَمعَهُم وَيُجيرُ
الحالُ باقِيَةٌ كَما صَوَّرتَها / مِن عَهدِ آدَمَ ما بِها تَغييرُ
البُؤسُ وَالنُعمى عَلى حالَيهِما / وَالحَظُّ يَعدِلُ تارَةً وَيَجورُ
وَمِنَ القَوِيِّ عَلى الضَعيفِ مُسَيطِرٌ / وَمِنَ الغَنِيِّ عَلى الفَقيرِ أَميرُ
وَالنَفسُ عاكِفَةٌ عَلى شَهَواتِها / تَأوي إِلى أَحقادِها وَتَثورُ
وَالعَيشُ آمالٌ تَجِدُّ وَتَنقَضي / وَالمَوتُ أَصدَقُ وَالحَياةُ غُرورُ
يا أَيُّها الدَمعُ الوَفِيُّ بِدارِ
يا أَيُّها الدَمعُ الوَفِيُّ بِدارِ / نَقضي حُقوقَ الرِفقَةِ الأَخيارِ
أَنا إِن أَهَنتُكَ في ثَراهُمُ فَالهَوى / وَالعَهدُ أَن يُبكَوا بِدَمعٍ جاري
هانوا وَكانوا الأَكرَمينَ وَغودِروا / بِالقَفرِ بَعدَ مَنازِلٍ وَدِيارِ
لَهَفي عَلَيهِم أُسكِنوا دورَ الثَرى / مِن بَعدِ سُكنى السَمعِ وَالأَبصارِ
أَينَ البَشاشَةُ في وَسيمِ وُجوهِهِم / وَالبِشرُ لِلنُدَماءِ وَالسُمّارِ
كُنّا مِنَ الدُنيا بِهِم في رَوضَةٍ / مَرّوا بِها كَنَسائِمِ الأَسحارِ
عَطفاً عَلَيهِم بِالبُكاءِ وَبِالأَسى / فَتَعَهُّدُ المَوتى مِنَ الإيثارِ
يا غائِبينَ وَفي الجَوانِحِ طَيفُهُم / أَبكيكُمُ مِن غُيَّبٍ حُضّارِ
بَيني وَبَينَكُمُ وَإِن طالَ المَدى / سَفَرٌ سَأَزمَعُهُ مِنَ الأَسفارِ
إِنّي أَكادُ أَرى مَحَلِّيَ بَينَكُم / هَذا قَرارُكُمُ وَذاكَ قَراري
أَوَ كُلَّما سَمَحَ الزَمانُ وَبُشِّرَت / مِصرٌ بِفَردٍ في الرِجالِ مَنارِ
فُجِعَت بِهِ فَكَأَنَّهُ وَكَأَنَّها / نَجمُ الهِدايَةِ لَم يَدُم لِلساري
إِنَّ المَصيبَةَ في الأَمينِ عَظيمَةٌ / مَحمولَةٌ لِمَشيئَةِ الأَقدارِ
في أَريَحِيِّ ماجِدٍ مُستَعظَمٌ / رُزءُ المَمالِكِ فيهِ وَالأَمصارِ
أَوفى الرِجالِ لِعَهدِهِ وَلِرَأيِهِ / وَأَبَرَّهُم بِصَديقِهِ وَالجارِ
وَأَشَدَّهُم صَبراً لِمُعتَقَداتِهِ / وَتَأَدُّباً لِمُجادِلٍ وَمُماري
يَسقي القَرائِحَ هادِئًا مُتَواضِعاً / كَالجَدوَلِ المُتَرقرِقِ المُتَواري
قُل لِلسَماءِ تَغُضُّ مِن أَقمارِها / تَحتَ التُرابِ أَحاسِنُ الأَقمارِ
مِن كُلِّ وَضّاءِ المَآثِرِ فائِتٍ / زُهرَ النُجومِ بِذَهرِهِ السَيّارِ
تَمضي اللَيالي لا تَنالُ كَمالَهُ / بِمَعيبِ نَقصٍ أَو مَشينِ سِرارِ
آثارُهُ بَعدَ المَوتِ حَياتُهُ / إِنَّ الخُلودَ الحَقَّ بِالآثارِ
يا مَن تَفَرَّدَ بِالقَضاءِ وَعِلمِهِ / إِلّا قَضاءَ الواحِدِ القَهّارِ
مازِلتَ تَرجوهُ وَتَخشى سَهمَهُ / حَتّى رَمى فَأَحَطَّ بِالأَسرارِ
هَلّا بُعِثتَ فَكُنتَ أَفصَحَ مُخبَراً / عَمّا وَراءَ المَوتِ مِن لازارِ
اِنفُض غُبارَ المَوتِ عَنكَ وَناجِني / فَعَسايَ أَعلَمُ ما يَكونُ غُباري
هَذا القَضاءُ الجِدُّ فَاِروِ وَهاتِ عَن / حُكمِ المَنِيَّةِ أَصدَقَ الأَخبارِ
كُلٌّ وَإِن شَغَفَتهُ دُنياهُ هَوىً / يَوماً مُطَلِّقُها طَلاقَ نَوارِ
لِلَّهِ جامِعَةٌ نَهَضتَ بِأَمرِها / هِيَ في المَشارِقِ مَصدَرُ الأَنوارِ
أُمنِيِّةُ العُقَلاءِ قَد ظَفِروا بها / بَعدَ اِختِلافِ حَوادِثٍ وَطَواري
وَالعَقلُ غايَةُ جَريِهِ لِأَعِنَّةٍ / وَالجَهلُ غايَةُ جَريِهِ لِعِثارِ
لَو يَعلَمونَ عَظيمَ ما تُرجى لَهُ / خَرَجَ الشَحيحُ لَها مِنَ الدينارِ
تَشري المَمالِكُ بِالدَمِ اِستِقلالَها / قوموا اِشتَروهُ بِفِضَّةٍ وَنُضارِ
بِالعِلمِ يُبنى المُلكُ حَقَّ بِنائِهِ / وَبِهِ تُنالُ جَلائِلُ الأَخطارِ
وَلَقَد يُشادُ عَلَيهِ مِن شُمِّ العُلا / ما لا يُشادُ عَلى القَنا الخَطّارِ
إِن كانَ سَرَّكَ أَن أَقَمتَ جِدارَها / قَد ساءَها أَن مالَ خَيرُ جِدارِ
أَضحَت مِنَ اللَهِ الكَريمِ بِذِمَّةٍ / مَرموقَةِ الأَعوانِ وَالأَنصارِ
كُلِأَت بِأَنظارِ العَزيزِ وَحُصِّنَت / بِفُؤادَ فَهيَ مَنيعَةُ الأَسوارِ
وَإِذا العَزيزُ أَعارَ أَمراً نَظرَةً / فَاليُمنُ أَعجَلُ وَالسُعودُ جَواري
ماذا رَأَيتَ مِنَ الحِجابِ وَعُسرِهِ / فَدَعَوتَنا لِتَرَفُّقٍ وَيَسارِ
رَأيٌ بَدا لَكَ لَم تَجِدهُ مُخالِفاً / ما في الكِتابِ وَسُنَّةِ المُختارِ
وَالباسِلانِ شُجاعُ قَلبٍ في الوَغى / وَشُجاعُ رَأيٍ في وَغى الأَفكارِ
أَوَدِدتَ لَو صارَت نِساءُ النيلِ ما / كانَت نِساءُ قُضاعَةٍ وَنِزارِ
يَجمَعنَ في سِلمِ الحَياةِ وَحَربِها / بَأسَ الرِجالِ وَخَشيَةَ الأَبكارِ
إِنَّ الحِجابَ سَماحَةٌ وَيَسارَةٌ / لَولا وُحوشٌ في الرِجالِ ضَواري
جَهِلوا حَقيقَتَهُ وَحِكمَةَ حُكمِهِ / فَتَجاوَزوهُ إِلى أَذىً وَضِرارِ
يا قُبَّةَ الغوري تَحتَكِ مَأتَمٌ / تَبقى شَعائِرُهُ عَلى الأَدهارِ
يُحييِهِ قَومٌ في القُلوبِ عَلى المَدى / إِن فاتَهُم إِحياؤُهُ في دارِ
هَيهاتَ تُنسى أُمَّةٌ مَدفونَةٌ / في أَربَعينَ مِنَ الزَمانِ قِصارِ
إِن شِئتَ يَوماً أَو أَرَدتَ فَحُقبَةً / كُلٌّ يَمُرُّ كَلَيلَةٍ وَنَهارِ
هاتوا اِبنَ ساعِدَةٍ يُؤَبِّنُ قاسِماً / وَخُذوا المَراثِيَ فيهِ مِن بَشّارِ
مِن كُلِّ لائِقَةٍ لِباذِخِ قَدرِهِ / عَصماءَ بَينَ قَلائِدِ الأَشعارِ
اليَومَ أَصعَدُ دونَ قَبرِكَ مِنبَرا
اليَومَ أَصعَدُ دونَ قَبرِكَ مِنبَرا / وَأُقَلِّدُ الدُنيا رِثاءَكَ جَوهَرا
وَأَقُصُّ مِن شِعري كِتابَ مَحاسِنٍ / تَتَقَدَّمُ العُلَماءَ فيهِ مُسَطَّرا
ذِكراً لِفَضلِكَ عِندَ مِصرَ وَأَهلِها / وَالفَضلُ مِن حُرُماتِهِ أَن يُذكَرا
العِلمُ لا يُعلي المَراتِبَ وَحدَهُ / كَم قَدَّمَ العَمَلُ الرِجالَ وَأَخَّرا
وَالعِلمُ أَشبَهُ بِالسَماءِ رِجالُهُ / خُلِطَت جَهاماً في السَحابِ وَمُمطِرا
طُفنا بِقَبرِكَ وَاِستَلَمنا جَندَلاً / كَالرُكنِ أَزكى وَالحَطيمِ مُطَهَّرا
بَينَ التَشَرُّفِ وَالخُشوعِ كَأَنَّما / نَستَقبِلُ الحَرَمَ الشَريفَ مُنَوَّرا
لَو أَنصَفوكَ جَنادِلاً وَصَفائِحاً / جَعَلوكَ بِالذِكرِ الحَكيمِ مُسَوَّرا
يا مَن أَراني الدَهرُ صِحَّةَ وُدِّهِ / وَالوُدُّ في الدُنيا حَديثٌ مُفتَرى
وَسَمِعتُ بِالخُلُقِ العَظيمِ رِوايَةً / فَأَرانِيَ الخُلُقَ العَظيمَ مُصَوَّرا
ماذا لَقيتَ مِنَ الرُقادِ وَطولِهِ / أَنا فيكَ أَلقى لَوعَةً وَتَحَسُّرا
نَم ما بَدا لَكَ آمِناً في مَنزِلٍ / الدَهرُ أَقصَرُ فيهِ مِن سِنَةِ الكَرى
ما زِلتَ في حَمدِ الفِراشِ وَذَمِّهِ / حَتّى لَقيتَ بِهِ الفِراشَ الأَوثَرا
لا تَشكُوَنَّ الضُرَّ مِن حَشَراتِهِ / حَشَراتُ هَذا الناسِ أَقبَحُ مَنظَرا
يا سَيِّدَ النادي وَحامِلَ هَمِّهِ / خَلَّفتَهُ تَحتَ الرَزِيَّةِ موقَرا
شَهِدَ الأَعادي كَم سَهِرتَ لِمَجدِهِ / وَغَدَوتَ في طَلَبِ المَزيدِ مُشَمِّرا
وَكَمِ اِتَّقَيتَ الكَيدَ وَاِستَدفَعتَهُ / وَرَمَيتَ عُدوانَ الظُنونِ فَأَقصَرا
وَلَبِثتَ عَن حَوضِ الشَبيبَةِ ذائِداً / حَتّى جَزاكَ اللَهُ عَنهُ الكَوثَرا
شُبّانُ مِصرَ حِيالَ قَبرِكَ خُشَّعٌ / لا يَملِكونَ سِوى مَدامِعِهِم قِرى
جَمَعَ الأَسى لَكَ جَمعَهُم في واحِدٍ / كانَ الشَبابَ الواجِدَ المُستَعبِرا
لَولاكَ ما عَرَفوا التَعاوُنَ بَينَهُم / فيما يَسُرُّ وَلا عَلى ما كَدَّرا
حَيثُ اِلتَفَتَّ رَأَيتَ حَولَكَ مِنهُمُ / آثارَ إِحسانٍ وَغَرساً مُثمِرا
كَم مَنطِقٍ لَكَ في البِلادِ وَحِكمَةٍ / وَالعَقلُ بَينَهُما يُباعُ وَيُشتَرى
تَمشي إِلى الأَكواخِ تُرشِدُ أَهلَها / مَشيَ الحَوارِيّينَ يَهدونَ القُرى
مُتَواضِعاً لِلَّهِ بَينَ عِبادِهِ / وَاللَهُ يُبغِضُ عَبدَهُ المُتَكَبِّرا
لَم تَدرِ نَفسُكَ ما الغُرورُ وَطالَما / دَخَلَ الغُرورُ عَلى الكِبارِ فَصَغَّرا
في كُلِّ ناحِيَةٍ تَخُطُّ نِقابَةً / فيها حَياةُ أَخي الزِراعَةِ لَو دَرى
هِيَ كيمِياؤُكَ لا خُرافَةُ جابِرٍ / تَذَرُ المُقِلَّ مِنَ الجَماعَةِ مُكثِرا
وَالمالُ لا تَجني ثِمارَ رُؤوسِهِ / حَتّى يُصيبَ مِنَ الرُؤوسِ مُدَبِّرا
وَالمُلكُ بِالأَموالِ أَمنَعُ جانِباً / وَأَعَزُّ سُلطاناً وَأَصدَقُ مَظهَرا
إِنّا لَفي زَمَنٍ سِفاهُ شُعوبِهِ / في مُلكِهِم كَالمَرءِ في بَيتِ الكِرا
أَسِواكَ مِن أَهلِ المَبادِىءِ مَن دَعا / لِلجِدِّ أَو جَمَعَ القُلوبَ النُفَّرا
المَوتُ قَبلَكَ في البَرِيَّةِ لَم يَهَب / طَهَ الأَمينُ وَلا يَسوعُ الخَيِّرا
لَمّا دُعيتُ أَتَيتُ أَنثُرُ مَدمَعي / وَلَوِ اِستَطَعتَ نَثَرتُ جَفني في الثَرى
أَبكي يَمينَكَ في التُرابِ غَمامَةً / وَالصَدرَ بَحراً وَالفُؤادَ غَضَنفَرا
لَم أُعطَ عَنكَ تَصَبُّراً وَأَنا الَّذي / عَزَّيتُ فيكَ عَنِ الأَميرِ المَعشَرا
أَزِنُ الرِجالَ وَلي يَراعٌ طالَما / خَلَعَ الثَناءَ عَلى الكِرامِ مُحَبَّرا
بِالأَمسِ أَرسَلتُ الرِثاءَ مُمَسَّكاً / وَاليَومَ أَهتِفُ بِالثَناءِ مُعَنبَرا
غَيَّرتَني حُزناً وَغَيَّرَكَ البِلى / وَهَواكَ يَأبى في الفُؤادِ تَغَيُّرا
فَعَلَيَّ حِفظُ العَهدِ حَتّى نَلتَقي / وَعَلَيكَ أَن تَرعاهُ حَتّى نُحشَرا
أَبكيكَ إِسماعيلَ مِصرَ وَفي البُكا
أَبكيكَ إِسماعيلَ مِصرَ وَفي البُكا / بَعدَ التَذَكُّرِ راحَةُ المُستَعبِرِ
وَمِنَ القِيامِ بِبَعضِ حَقِّكَ أَنَّني / أَرقى لِعِزِّكَ وَالنَعيمِ المُدبِرِ
هَذي بُيوتُ الرومِ كَيفَ سَكَنتَها / بَعدَ القُصورِ المُزرِياتِ بِقَيصَرِ
وَمِنَ العَجائِبِ أَنَّ نَفسَكَ أَقصَرَت / وَالدَهرُ في إِحراجِها لَم يُقصِرِ
ما زالَ يُخلي مِنكَ كُلَّ مَحِلَّةٍ / حَتّى دُفِعتَ إِلى المَكانِ الأَقفَرِ
نَظَرَ الزَمانُ إِلى دِيارِكَ كُلِّها / نَظَرَ الرَشيدِ إِلى مَنازِلِ جَعفَرِ
اللَهُ يَحكُمُ في المَدائِنِ وَالقُرى
اللَهُ يَحكُمُ في المَدائِنِ وَالقُرى / يا ميتَ غَمرَ خُذي القَضاءَ كَما جَرى
ما جَلَّ خَطبٌ ثُمَّ قيسَ بِغَيرِهِ / إِلّا وَهَوَّنَهُ القِياسُ وَصَغَّرا
فَسَلي عَمورَةَ أَو سدونَ تَأَسِّياً / أَو مَرتَنيقَ غَداةَ وُورِيَتِ الثَرى
مُدنٌ لَقينَ مِنَ القَضاءِ وَنارِهِ / شَرَراً بِجَنبِ نَصيبِها مُستَصغَرا
هَذي طُلولُكِ أَنفُساً وَحِجارَةً / هَل كُنتِ رُكناً مِن جَهَنَّمَ مُسعَرا
قَد جِئتُ أَبكيها وَآخُذُ عِبرَةً / فَوَقَفتُ مُعتَبِراً بِها مُستَعبِرا
أَجِدُ الحَياةَ حَياةَ دَهرٍ ساعَةً / وَأَرى النَعيمَ نَعيمَ عُمرٍ مُقصِرا
وَأَعُدُّ مِن حَزمِ الأُمورِ وَعَزمِها / لِلنَفسِ أَن تَرضى وَأَلّا تَضجَرا
ما زِلتُ أَسمَعُ بِالشَقاءِ رِوايَةً / حَتّى رَأَيتُ بِكِ الشَقاءَ مُصَوَّرا
فَعَلَ الزَمانُ بِشَملِ أَهلِكِ فِعلَهُ / بِبَني أُمَيَّةَ أَو قَرابَةِ جَعفَرا
بِالأَمسِ قَد سَكَنوا الدِيارَ فَأَصبَحوا / لا يَنظُرونَ وَلا مَساكِنُهُم تُرى
فَإِذا لَقيتَ لَقيتَ حَيّاً بائِساً / وَإِذا رَأَيتَ رَأَيتَ مَيتاً مُنكَرا
وَالأُمَّهاتُ بِغَيرِ صَبرٍ هَذِهِ / تَبكي الصَغيرَ وَتِلكَ تَبكي الأَصغَرا
مِن كُلِّ مودِعَةِ الطُلولِ دُموعَها / مِن أَجلِ طِفلٍ في الطُلولِ اِستَأخَرا
كانَت تُؤَمِّلُ أَن تَطولَ حَياتُهُ / وَاليَومَ تَسأَلُ أَن يَعودَ فَيُقبَرا
طَلَعَت عَلَيكِ النارُ طَلعَةَ شُؤمِها / فَمَحَتكِ آساساً وَغَيَّرَتِ الذُرا
مَلَكَت جِهاتِكِ لَيلَةً وَنَهارَها / حَمراءَ يَبدو المَوتُ مِنها أَحمَرا
لا تَرهَبُ الطوفانَ في طُغيانِها / لَو قابَلَتهُ وَلا تَهابُ الأَبحُرا
لَو أَنَّ نيرونُ الجَمادَ فُؤادُهُ / يُدعى لِيَنظُرَها لَعافَ المَنظَرا
أَو أَنَّهُ اِبتُلِيَ الخَليلُ بِمِثلِها / أَستَغفِرُ الرَحمَنَ وَلّى مُدبِرا
أَو أَنَّ سَيلاً عاصِمٌ مِن شَرِّها / عَصَمَ الدِيارَ مِنَ المَدامِعِ ما جَرى
أَمسى بِها كُلُّ البُيوتِ مُبَوَّباً / وَمُطَنَّباً وَمُسَيَّجاً وَمُسَوَّرا
أَسَرَتهُمو وَتَمَلَّكَت طُرُقاتِهِم / مَن فَرَّ لَم يَجِدِ الطَريقَ مُيَسَّرا
خَفَّت عَلَيهِم يَومَ ذَلِكَ مَورِداً / وَأَضَلَّهُم قَدَرٌ فَضَّلوا المَصدَرا
حَيثُ اِلتَفَتَّ تَرى الطَريقَ كَأَنَّها / ساحاتُ حاتِمَ غِبَّ نيرانِ القِرى
وَتَرى الدَعائِمَ في السَوادِ كَهَيكَلٍ / خَمَدَت بِهِ نارُ المَجوسِ وَأَقفَرا
وَتَشَمُّ رائِحَةَ الرُفاتِ كَريهَةً / وَتَشَمُّ مِنها الثاكِلاتُ العَنبَرا
كَثُرَت عَلَيها الطَيرُ في حَوماتِها / يا طَيرُ كُلُّ الصَيدِ في جَوفِ الفَرا
هَل تَأمَنينَ طَوارِقَ الأَحداثِ أَن / تَغشى عَلَيكِ الوَكرَ في سِنَةِ الكَرى
وَالناسُ مِن داني القُرى وَبَعيدِها / تَأتي لِتَمشِيَ في الطُلولِ وَتَخبُرا
يَتَساءَلونَ عَنِ الحَريقِ وَهَولِهِ / وَأَرى الفَرائِسَ بِالتَساؤُلِ أَجدَرا
يا رَبِّ قَد خَمَدَت وَلَيسَ سِواكَ مَن / يُطفي القُلوبَ المُشعَلاتِ تَحَسُّرا
فَتَحوا اِكتِتاباً لِلإِعانَةِ فَاِكتَتِب / بِالصَبرِ فَهوَ بِمالِهِم لا يُشتَرى
إِن لَم تَكُن لِلبائِسينَ فَمَن لَهُم / أَو لَم تَكُن لِلّاجِئينَ فَمَن تَرى
فَتَوَلَّ جَمعاً في اليَبابِ مُشَتَّتاً / وَاِرحَم رَميماً في التُرابِ مُبَعثَرا
فَعَلَت بِمِصرَ النارُ ما لَم تَأتِهِ / آياتُكَ السَبعُ القَديمَةُ في الوَرى
أَوَ ما تَراها في البِلادِ كَقاهِرٍ / في كُلِّ ناحِيَةٍ يُسَيِّرُ عَسكَرا
فَاِدفَع قَضاءَكَ أَو فَصَيِّر نارَهُ / بَرداً وَخُذ بِاللُطفِ فيما قُدِّرا
مُدّوا الأَكُفَّ سَخِيَّةً وَاِستَغفِري / يا أُمَّةً قَد آنَ أَن تَستَغفِرا
أَولى بِعَطفِ الموسِرينَ وَبِرِّهِم / مَن كانَ مِثلَهُمو فَأَصبَحَ مُعسِرا
يا أَيُّها السُجَناءُ في أَموالِهِم / أَأَمِنتُمو الأَيّامَ أَن تَتَغَيَّرا
لا يَملكُ الإِنسانُ مِن أَحوالِهِ / ما تَملكُ الأَقدارُ مَهما قَدَّرا
لا يُبطِرَنَّكَ مِن حَريرٍ مَوطِئٌ / فَلَرُبَّ ماشٍ في الحَريرِ تَعَثَّرا
وَإِذا الزَمانُ تَنَكَّرَت أَحداثُهُ / لِأَخيكَ فَاِذكُرهُ عَسى أَن تُذكَرا