المجموع : 4
بَغْدَادُ يَا بَلَد الرَشِيدِ
بَغْدَادُ يَا بَلَد الرَشِيدِ / وَمَنَارَةَ الْمَجْدِ التَلِيدِ
يَا بَسْمةً لَمَّا تَزْلْ / زَهْرَاءَ في ثَغْرِ الْخُلُودِ
يَا مَوْطنَ الْحُبِّ الْمُقِيمِ / وَمَضْرِبَ الْمَثَلِ الشَرُودِ
يَا سَطْرَ مَجْدٍ لِلْعُرُو / بَةِ خُطَّ في لَوْحِ الْوُجُودِ
يَا رَايَةَ الإِسْلامِ وَالْ / إِسْلاَمُ خَفَّاقُ الْبُنُودِ
يَا مَغْرِبَ الأَمَلِ الْقَديمِ / وَمَشْرِقَ الأَملِ الْجَدِيدِ
يَا بِنْتَ دِجْلَةَ قَدْ ظَمِئْتُ / لِرَشْفِ مُبْسِمِك الْبَرُودِ
يَا زَهْرَةَ الصحْراءِ رُدِّ / ي بَهْجَةَ الدنْيَا وزِيدي
يَا جَنَّة الأحْلاَمِ طَا / لَ بِقَوْمِنَا عَهْدُ الرُّقُودِ
يَا بُهْرَةَ الْمُلْكِ الْفَسِيحِ / وَصَخْرَةَ الْمُلْكِ الْوَطِيدِ
يَا زَوْرَةً تُحْيِي الْمُنَى / إِنْ كُنْتِ صَادِقَةً فَعُودِي
بغْدَادُ يا دَارَ النهَى / وَالْفَنِّ يا بَيْتَ الْقَصِيدِ
نبتَ الْقَرِيضُ عَلَى ضَفَا / فِكِ بَيْنَ أفْنَانِ الْوُرُودِ
سَرَقَ التَدَلُّلَ مِنْ عِنَا / نٍ وَالتَفَنُّن مِنْ وَحِيدِ
يَشْدُو كَأنَّ لَهَاتَهُ / شُدَّتْ عَلَى أوْتَارِ عُودِ
بَغْدَادُ أيْنَ الْبُحْتُرِيُّ / وَأيْنَ أيْنَ ابْنُ الْوَلِيدِ
ومَجَالِسُ الشُعَرَاءِ في / بَيْتِ ابْنِ يَحْيَى وَالرَشِيدِ
أَيْنَ الْقِيَانُ الضَاحِكَا / تُ يَمِسْنَ في وَشْيِ الْبُرُودِ
السَاحِراتُ الْفَاتِنا / تُ النُجْلُ مِنْ هِيفٍ وَغيدِ
السَاهِرَاتُ مَعَ النُجُو / مِ الآنِفَاتُ مِنَ الْهُجُودِ
مِنْ كُلِّ بَيْضَاءِ الطلَى / مَهْضُومَةِ الْكَشْحيْنِ رُودِ
يَخطِرْنَ حَتَّى تَعْجَبَ الْ / أَغْصَانُ مِنْ لِيِن الْقُدُودِ
وَإذَا سَفَرْنَ فَأيْنَ ضَوْ / ءُ الشمْسِ مِنْ شَفَقِ الْخُدُودِ
يَعْبَئْنَ بِالأًيَّامِ وَالْ / أَيَّامُ أَعْبَثُ مِنْ وَلِيدِ
خَبَأَ الْجَمالُ لَهُنَّ كَنْزاً / بَيْنَ سالِفَةٍ وَجِيدِ
كَمْ جَاشَ جَيْشُك بِالْفَوَا / رِسِ مِنْ أَسَاوِرَةٍ وَصِيدِ
لِلنصْرِ في أَعْلاَمِهِمْ / صِلَةٌ بِأَبْنَاءِ الْغُمُود
مُلْكٌ إِذَا صَوَّرْتَهُ / عَجَزَ الْخَيَالُ عَنِ الصُعُودِ
وجُهُودُ جَبَّارِينَ تَصْغُرُ / دُونَهَا شُمُّ الْجُهُودِ
الرُسْل تَتْلُو الرسْلَ مِنْ / بِيضٍ صَقَالِبَةٍ وُسُودِ
سَارُوا لِقَصْرِ الْخُلدِ يُعْشِي / طَرْفَهُمْ وَهَجُ الحَدِيدِ
يَتَعَثَّرُونَ كأنَّهُمْ / يَمْشُونَ في حَلَقِ الْقُيُودِ
الْجَوُّ يَسْطَعُ بالظبَا / وَالأرْضُ تَزْخَرُ بِالْجُنُودِ
حَتَّى إِذَا رَجَعُوا بَدَا / بِجِبَاهِهِمْ أَثَرُ السجُودِ
الْفَلْسَفَاتُ عَرَفْتِها / وَالْعِلْمُ طِفْلٌ في الْمُهُودِ
وَالْغَرْبُ يَنْظُرُ في خُمُودٍ / نَحْوَ قاتِلَةِ الْخُمُودِ
كَمْ مَوْئِلٍ لِلْمُستَجِيرِ / وَمَنْهَلٍ لِلْمُستَفِيدِ
وَ الْجَاحِظُ الْمَرِحُ اللَعُو / بُ يَغُوصُ لِلدُرِّ الْفَرِيدِ
بَغْدَادُ يا وَطَنَ الأَدِيبِ / وَأَيْكَةَ الشعْر الْغَرِيدِ
جَدَّدْتِ أَحْلاَمِي وَكُنْتُ / صَحَوْتُ مِنْ عَهْدٍ عَهِيدِ
جَمَحَ الْخَيَالُ فَما اطْمَأَنَّ / وَلا اسْتَقَرَّ إِلَى خُلُودِ
جَازَ الْقُرونَ النَّائِيَا / تِ وَفَكَّ أَسْرَاَ الْعُقُودِ
ذَكَرَ الْعُهُودَ فَأَنَّ لِلذِّ / كْرَى وَحَنَّ إِلَى الْعُهُودِ
وَاهْتَاجَهُ الطيْفُ الْبَعِيدُ / فَجُنَّ لِلطيْفِ الْبعِيدِ
وَصَبَا إِلَى ظِلِّ الْعُرُو / بَةِ في حِمَى الْمُلْكِ الْعَتِيدِ
يَا أُمَّةَ الْعَرَبِ ارْكُضِي / مِلءَ الْعِنَانِ وَلاَ تَهِيدِي
سُودِي فَآمَالُ الْمُنَى / وَالْعَبْقَرِيَّةِ أَنْ تَسُودِي
هَذَا أَوَانُ الْعَدْوِ لاَ الْ / إِبْطَاءِ وَالْمَشْيِ الْوَئِيد
الْمَجدُ أَنْ تَتَوثَّبِي / وَإِذَأ وَثَبْتِ فَلاَ تَحِيدِي
وَتُحَلِّقي فَوْقَ النُّجُو / مِ بلاَ شَبِيهٍ أَوْ نَدِيدِ
وَإِذَا شَدَا الْكَوْنُ الْمَفَا / خِرَ كُنْتِ عُنْوَانَ النَشِيدِ
لاَ تخْطئِي حَدَّ الْعُلاَ / مَا لِلْمَعَالِي مِنْ حُدُودِ
مَنْ يَصْطَدِ النمِرَ الْوَثُو / بَ يَعِفُّ عَنْ صَيْدِ الْفُهُودِ
هَذِي طَلاَئِعُ نَهْضَةٍ / ذَهَبَتْ بِآثارِ الركُودِ
بَغْدَادُ أَشْرَقَ نَجْمُهَا / وَبَدَا بِهَا سَعْدُ السعُودِ
سَلَكَتْ إِلَى الْمَجْدِ الْقَدِيمِ / مَحَجَّةَ النَهْجِ السدِيدِ
وَزَهَتْ بِأَقْمَارِ الْهُدَى / وَسَطَتْ بِأَظْفَارِ الأُسُودِ
بَغْدَادُ إِنَّا وَفْدَ مِصْرَ / نَفيضُ بالشوْقِ الأَكِيدِ
جِئْنَا نُحَيِّي الْعِلْمَ وَالْ / آدَابَ في الْعَدَدِ الْعَدِيدِ
مَرْآكِ عِيدٌ لِلْمُنَى / فُزْنَا بِهِ في يَوْمِ عِيدِ
أَهْلُوك أَهْلُونَا وَأبْنَاءُ / الْعَشِيرةِ وَالْجُدُودِ
بَيْنَ الْقُلوبِ تَشَوُّفٌ / كَتَشَوُّفِ الصبِّ الْعَمِيدِ
حَتَّى يَكَادَ يُحِبُّ نَخلَكِ / نَخْلُ أَهْلِي في رَشِيدِ
شَطَّتْ مَنَازِلُنَا وَمَا / احْتَاجَ الْفْؤَادَ إِلَى بَرِيدِ
الرَافِدَانِ تَمازَجَا / في الْحُبِّ بِالنِّيل السعيدِ
وَتَعَانَقَ الظلاَّنِ ظِلُّ / الطاقِ وَالْهَرَمِ الْمَشِيدِ
جِئْنَاكِ نَسْتَبِقُ الْخُطَا / أَنْضَاءَ أَوْدِيَةٍ وَبِيد
طَالَتْ بِنَا الصَّحْرَاءُ حَتَّى / خِلْتُهَا أَبَدَ الأَبِيدِ
يَتَخَلَّص الْمَرْمَى المَدِيدُ / بِهَا إِلَى مَرْمَى مَدِيدِ
كَتَخَلُّصِ الْحَسْنَاءِ مِنْ / وَعْدٍ طَوَتْهُ إِلَى وُعُودِ
بَحْرٌ بِلاَ شَطَّيْنِ يَزْ / خَرُ بِالتَنَائِفِ وَالنُجُودِ
وَسَفِينَتِي نَرْنٌ بِهَا / مَا في فُؤَادِي مِنْ وُقُودِ
جِئْنا إِلَى الْغَازِي سَلِيلِ / الْعُرْبِ وَالْحسَبِ الْمَجِيدِ
نَخْتَالُ بَيْنَ هِبَاتِهِ / في ظِلِّ إِحْسَانٍ وَجُودِ
أَحْيَا الْمُنى بِالْعَزْمِ / وَالتَدْبِيرِ والسَعْي الْحَمِيدِ
وغَدَتْ بِهِ سُوحُ الْعُرو / بَةِ مَنْهَلاً عَذْبَ الُورُودِ
في نَهْضَةِ الْفارُوقِ / والْغَازي غِنىً لِلْمُسْتَزِيدِ
فارُوقُ مُنْبَثَقُ الرَجَا / ءِ ومُلْتَقَى الرُكْنِ الشَديدِ
عَاشَا وَعَاشَ الشَرْقُ في / عِزٍ وَفي عَيْشٍ رَغِيدِ
عِيدَ الْجُلُوسِ صَدَقْتَ وَعْدَكَ
عِيدَ الْجُلُوسِ صَدَقْتَ وَعْدَكَ / بِالْمُنَى وَصَدَقْتُ وَعْدِي
عَلَّمْتُ طَيْرَ الْوَادِيَيْنِ / فَغَرَّدَتْ بِحَنينِ وَجْدي
وَنَظَمْتُ فِيكَ فَرَائِداً / كَانَتْ لِجِيدِكَ خَيْرَ عِقْدِ
الشعْرُ يُبْدِي فِيكَ زِينَتَهُ / وَوَجْهُ الرَّوْض يُبْدِي
نَثَرَ الربِيعُ بِكَ الْوُروُ / دَ نَضِيرَةً وَنَثرْتُ وَرْدِي
وَوََى الْبُرُودَ مِنَ الأَزَا / هِرِ وَانْتَقَى لَكَ خَيْرَ بُرْدِ
فِيهِ الريَاضُ تَبَرَّحَتْ / وَثَنَيْنَ مِنْ جِيدٍ وَقَدِّ
كَمْ مِنْ عُيُونٍ غَصَّةٍ / فِيهَا وَمِنْ ثَغْرٍ وَخَدِّ
وَجَرَى النَّسِيمُ مُضَمَّخَ الْ / أَرْدَانِ مِنْ مِسْكٍ وَنَدِّ
عِيدَ الْجُلُوسِ وَكَمْ حَوَتْ / ذِكْرَاكَ مِنْ عِزٍّ وَمَجْدِ
أَصْبَحْتَ وَحْدَكَ في الزمَا / نِ وَصِرْتُ في الشعَرَاءِ وَحْدِي
عِنْدِي لَكَ الدُّرَرُ الْحسَا / نُ وَأَيْنَ إِنْ لَمْ تُلْفَ عِنْدِي
اَلشعْرُ للأَمْلاَكِ خَيْرُ / ذَخِيرَةٍ وَأَعَزُّ بَنْدِ
صاغَتْ سَوَائِرُهُ لَهُمْ / تَاجَيْنِ مِنْ مَجْدٍ وَخُلْدِ
وَلَرُبَّ قَافِيَةٍ بهَا / مَا شِئْتَ مِنْ خَيْلٍ وَجُنْدِ
تَسْرِي فَلاَ صَعْبٌ بِصَعْبٍ / لا وَلاَ بُعْدٌ بِبُعْدِ
تَثِبُ الْجِبَالَ وَمَالَهَا / بَيْنَ الْكَوَاكِبِ مِنْ مصَدِّ
اَلشعْرُ زَنْدٌ للقَويِّ / وَعُدَّةٌ لِلْمُسْتَعِدِّ
كَمْ زَانَ مِنْ مُلْكٍ كَمَا ازْ / دَانَ الْمُهَنَّدِ بِالْفِرِنْدِ
عِيدَ الْجُلُوسِ وَأَنْتَ في الْ / أَعْيَادِ فَرْدٌ أَيُّ فَرْدِ
أَلْفَى بكَ الأَمَلُ الْبَعِيدُ / لِمِصْرَ أَكْرَمَ مُسْتَمَدِّ
وَتَواتَرَتْ نِعَمُ الإِلَهِ / تَجِلُّ عَنْ حَصْرٍ وَعَدِّ
فَارُوقُ يَا أُسَّ الرجا / ءِ وَمُلْتَقَى الركْنِ الأشَدِّ
جُمِّلْتَ بِالقَوْلِ السدِيدِ / وَسَاطِعِ الرأْيِ الأَسَدِّ
وَهَبَتْ لَكَ الدنْيا مَفَا / تِحَ مَجْدِهَا مِنْ غَيْرِ رَدِّ
وَضَمَمْتَ بُرْدَ شَبَابِكَ الزَا / هِي عَلَى جِدٍ وَجَدِّ
خُلُقٌ كأَزْرَارِ النسِيمِ / تَفَتَّحَتْ عَنْ نَفْحِ رَنْدِ
وَعَزِيمَةٌ لَوْ لاَطَمَتْ / أُحُداً مَضَتْ أَيَّامُ أُحْدِ
طَهُرتْ مِنَ الصَّلَفِ الذّمِيمِ / وَعُنْفُوَانِ الْمُسْتَبِدِّ
تَجْرِي على سَنَنِ الْمُهَيْمِنِ / بَيْنَ إِيمانٍ وَرُشْدِ
مَنْ سَارَ في نُورِ الإِلهِ / سَعَى إِلَيْهِ كُلُّ قَصْدِ
وَمَضَى فَعَادَ الوَهْدُ مُسْتَوياً / وَطَأْطَأ كُلُّ نَجْدِ
الْمَجْدُ وَهْوَ مُنَى الْحَيَا / ةِ أعِدَّ لِلْبَطَلِ الْمُجِدِّ
حَسْنَاءُ دُونَ حِجَابِهَا / رَصَدَانِ مِنْ هَجْرٍ وَصَدِّ
تقِفُ الْعُيُونُ حِيَالَهَا / حَيْرَى عَلَى شَغَفٍ وَسُهْدِ
مَهْرُ الْبُطُولَةِ مَا أَجَلَّ / فَمَنْ يُوَفِّي أَوْ يُؤَدِّي
لاَ تَبْكِ إنْ عَزَّ السبيلُ / فَإِنَّ نَوْحَكَ غَيْرُ مُجْدِي
وَاعْمَلْ بِجُهْدِكَ ما اسْتَطَعْتَ / فَلَنْ تَفُوزَ بِغَيْرِ جُهْدِ
فَالسَّيْفُ غِمْدٌ ما أَقَا / مَ وَلَمْ يُفَارِقْ جَوْفَ غِمْدِ
فَارُوقُ فَرْدٌ في الْجَلاَ / لِ يَجِلُّ عَنْ وَصْفٍ وَحَدِّ
الْعَبْقَريَّةُ أَنْ تُحَلِّقَ / للنُّجُومِ بِغَيْرِ نِدِّ
وَتَنالَ قَسْراً مِنْ فَمِ الدنْيَا / حَلاَوَةَ كُلِّ حَمْدِ
مَنْ كَالْمَلِيكِ إِذَا انْتَمَى / بَهَرَ الْعُلاَ بِأَبٍ وَجَدِّ
كَانَا لِمِصْرَ وَأَهْلِهَا / عَضُداً يَصُولُ بِخَيْرِ زَنْدِ
رَكِبَا الْعَزَاتِمَ لِلْعَظَا / ئِم بَيْنَ إِيجافٍ وَشَدِّ
مَلَكَا خِطامَ الْحَادِثا / تِ وَمِقْوَدَ الدهْرِ الأَلَدِّ
وَتَحَدَّيَا قَصَبَ السبَا / قِ فَأَذْعَنَتْ عِنْدَ التَّحَدِّي
شَرَفٌ إِذَا اخْتَارَ الْمُقا / مَ أَقامَ في عُلْيَا مَعَدِّ
فَلَكَمْ تَنَقَّلَ في الْعُلاَ / مِنْ مَهْدِ مَكْرُمَةٍ لِمَهْدِ
مِنْ كُلِّ أَرْوَعَ صادِقِ الرّ / مَيَاتِ كَالْوَتَرِ الْعُرُدِّ
جَعْدٍ أَبِيٍ يَنْتَمِي / لِمُوَثَّقِ الْعَزَماتِ جَعْدِ
جَلْدٍ وَهَلْ خَضَعَ الزما / نُ لِغَيْرِ صُلْبِ الْعُودِ جَلدِ
إِنِّي نَزَلْتُ بِجِيرَةٍ / بُسْلٍ عَلَى النَّجَدَاتِ حَشْدِ
أُنْسِيتُ أَهْلِي بَيْنَهُمْ / وَسَلَوْتُ إِخْوَانِي وَوُلْدِي
الضَيْفُ فِي سَاحَاتِهِمْ / يَجْتَازُ مِنْ رِفْدٍ لِرِفْدِ
عَقَدُوا خَناصِرَهُمْ عَلَى / صِدقِ الْوَفاءِ أَشَدَّ عَقْدِ
وَمَضَتْ أَوَاصِرُنَا تُمَد / إِلَى الْعُرُوبةِ خَيْرَ مَدِّ
فَارُوقُ عِشْ نَجْماً يُضِيءُ / بِيُمْنِ إِقْبالٍ وَسَعْدِ
قَدْ كَانَ عَهْدُكَ في عُهُو / دِ المالِكِينَ أَجَلَّ عَهْدِ
بَلَغَتْ بِهِ مِصْرُ الْمَدَى / وَتَخَلَّصَتْ مِنْ كُلِّ قِدِّ
خُذْهَا عُجَالَةَ شَاعِرٍ / تُغْنِي عَنِ الْقَوْلِ الْمُعَدِّ
سَلَكَتْ سَبِيلاً لَيِّناً / سَهْلاً وَجافَتْ كُلَّ صَلْد
وَالروْضُ إِنْ صَدَحَتْ بَلاَ / بِلُهُ صَدَحْنَ بِغَيْرِ كَدِّ
فَاهْنَأ بِعِيدِكَ في نَعِيمٍ / مُشْرِقِ الْبَسَماتِ رَغْدِ
تَفْدِيكَ مِصْرُ وَنِيلُها / عاشَ الْمُفَدَّى وَالْمُفَدِّي
أَسَمِعْت شَدْوَ الطائر الغِرِّيدِ
أَسَمِعْت شَدْوَ الطائر الغِرِّيدِ / هَزِجاً يُنَاغي فَجْرَ يَوْمَ العِيدِ
وَبَدَا عَمُودُ الصُّبح أَبْيَضَ ناصِعاً / كالسَّلْسَلِ الضَّحْضَاحِ فَوْق جَلِيدِ
أو كاليدِ البَيْضَاءِ تَنْضَح بالنَّدَى / والغيث أو جِيدِ العَذَارَى الغِيدِ
أَو كاقْتِبَالِ الْحُسنِ بعد تَحَجُّبٍ / أو كابتسام الدَّلِّ بعد صُدُودِ
وإِذا لَمحْتَ الشَّرْقَ خِلْتَ عَرَائِساً / مَاسَتْ بثوبٍ كالشَّباب جَدِيدِ
يَرْفُلْنَ في ضَافِي الضِّيَاءِ نَوَاعِماً / في سِحْرِ أنغامٍ وَلينِ قُدُودِ
وَدَمُ الشّباب له روائعُ نَشْوَةٍ / ما نَالَها يوماً دَمُ العُنْقُودِ
ما بين طَرْفٍ بالخديعة ناعِسٍ / ثَمِلٍن وآخَرَ في الهوى عِرْبِيدِ
وَدَّعْتُ أيام الشباب حَوَافِلاً / من بعدها عَصَفَ المشِيبُ بعُودِي
فإِذا خَطَرْنَ فَهُنَّ رُؤْيَا نَائِمٍ / وإِذا هَمسْنَ فَهُنَّ رَجْعُ نَشِيدِ
أَرْنُو إِلى عَهْدٍ لَهُنَّ كأَنمَا / أَرْنُو لِنَجْمٍ في السَّمَاءِ بَعِيدِ
وأَرَى الحياة بلا شَبَابٍ مِثْلَمَا / لَمَعَ السَّرابُ بِمُقْفِرَاتِ البِيدِ
إنَّ الشَّبَابَ رَحِيقُ أَزْهَارِ الرُّبا / وَحَفِيفُ غُصْنِ الْبَانَةِ الأُمْلُودِ
ومَطِيَّةُ الآمال في رَيْعَانِهَا / وسِرَاجُ لَيْلِ السَّاهِدِ المَجْهُودِ
وبَشَاشَةُ الدُّنيا إذا ما أقْبَلَتْ / ونجاةُ وَعْدٍ مِنْ أَكُفِّ وَعِيدِ
هو في كتاب العمرِ أَوَّلُ صَفْحَةٍ / بُدِئتْ بِبِسْمِ اللّهِ وَالتَّحْمِيدِ
وربيعُ أيَّام الحياةِ تَبَسَّمَتْ / رَوْضَاتهُ عن ضَاحِكاتِ وُرُودِ
أَهْدَى لها الوَسْمِيُّ نَسْجَ غَلاَئِلٍ / وَأتَى الوَلِيُّ لها بوَشْيِ بُرُودِ
وسَرَى النَّسِيم بهَا يُغَازِلُ أَعْيُناً / من نَرْجِسٍ ويَشَمُّ وَرْدَ خُدُودِ
إِنَّ الشباب ومَا أُحَيْلَى عَهْدَه / كالواحَةِ الْخَضْرَاءِ في الصَّيْهُودِ
تَلْقَى بها ماءً وظِلاً حَوْلَهُ / جَدْبُ الْجَفَافِ وقَسْوَةُ الْجُلْمُودِ
إِنّي طَرَحْتُ مِنَ الشباب رِدَاءَهُ / وثَنَيْتُ عَنْ لَهْوِ الصَّبَابَةِ جِيدِي
وَاخْتَرْتُ من صُحُفِ الأَوائِلِ صَاحِبي / وجَعَلْتُ مأثُورَ البَيَانِ عَقِيدِي
ومَرَرْتُ بالتاريخِ أَملأُ نَاظِرِي / منه وأُحْيِي بالفناءِ وُجُودِي
كَمْ عَالمٍ قابَلْتُ في صَفَحَاتِه / ولَكَمْ ظَفْرتُ بفاتِحٍ صِنْدِيدِ
وإِذا التمسْتَ مِن الدُّهورِ رِسَالةً / فصَحَائِفُ التَّاريخِ خَيْرُ بَرِيدِ
أَحْنُوا إلى قَلَمي كأنّ صَرِيرَه / في مِسْمَعي المكْدُودِ رَنَّةُ عُودِ
وأَعيشُ في دُنْيَا الْخيالِ لأنَّني / أَحْظَى بها بالفائت المفْقُودِ
كَمْ لَيْلَةٍ سامَرْتُ شِعْرِيَ لاَهِياً / وَالنَّجمُ يَلْحَظُنَا بعين حَسُودِ
حِيناً يُراوغُنِي فأَنْظُرُ ضَارِعاً / فَيَلِينُ بعد تَنَكُّرٍ وجُحُودِ
ولقد أُغَرِّدُ بالقرِيض فَيَنْثَنِي / فأَنَالُ قَادِمَتَيْهِ بالتَّغْرِيدِ
طَهَّرْته ةمن كلِّ مَا تأبى النُّهَى / ويَعَافُهُ سَمْعُ الحِسَانِ الْخُودِ
وَبَعَثْتُ فِيهِ تَجَارِباً مَذْخُورَةً / هِيَ كلُّ أَمْوَالي وكلُّ رَصِيدِي
وَجعلْتُ تَشْبِيبِي بمِصْرَ ومَجْدِهَا / وشمَائِلَ الفَارُوقِ بَيْتَ قَصِيدِي
مَلِكٌ زَهَا الإِسلامُ تَحْتَ لِوَائِه / وَأَوَى لِرُكْنٍ من حِمَاهُ شَدِيدِ
إِنْ فَاتَ عَهْدُ الراشدينَ فَقَدْ رَأَى / في دَوْلَةِ الفَارُوق خَيْرَ رَشِيدِ
قَرَنَتْ مَنَابِرُه جَلاَئِلَ سَعْيِهِ / وَجِهَادِهِ بِشَهَأدَةِ التَّوْحِيدِ
وصَغَتْ مَسَاجِدُه لتَرْدِيدِ اسْمِهِ / فكأنما يَحْلُو عَلَى التَّرْدِيدِ
مَنْ يَجْعَلِ الإِيمَانَ صَخْرَةَ مُلْكِهِ / رَفَعَ البِنَاءَ عَلَى أَشَمَّ وَطِيدِ
كَمْ وقفةٍ لك في المَحَارِبِ جَمَّلَتْ / عِزَّ المُلوك بِخَشْيَةِ الْمعبُودِ
سَجَدَتْ لك الأيَّامُ حِينَ تَلَفَّتَتْ / فرأتك بينَ تَشَهُّدٍ وسُجُودِ
وتَطَلَّعَ الإِسْلاَمُ في أَمْصَارِهِ / يَهْفُو لِظلِّ لِوَائِكَ المَعْقُودِ
سَعِدَ الصِّيَامُ وشَهْرُهُ بمُجَاهِدٍ / عَبِقَ الوُجُودُ بِذِكْرِهِ المَحْمُودِ
فَنَهارُه للصَّالحاتِ ولَيْلُهُ / لِلْبَاقياتِ وللنَّدَى والْجُودِ
حَيَّيْتَ في المِذْيَاعِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ / مِنْهُ بقَولٍ مُحْكَمِ التَّسْدِيدِ
جَمَعَ السِّيَاسَةَ كُلَّها في أَحْرُفٍ / كالعِقْدِ أَلَّفَ بَيْنَ كُلِّ فَرِيدِ
وكَقَطْرَةِ العِطْرِ الّتي كَمْ جَمَّعَتْ / من نَوْرِ أَغْوَارٍ وَزَهْرِ نُجُودِ
قَوْلٌ بِهِ الْحِكَمُ الغَوَالي نُسِّقَتْ / ما بينَ منْثُورٍ وبَينَ نَضِيدِ
أصْغَى إليه الشَّرْقُ يَسْمَعُ دَعوَةً / قُدْسِيَّةً للبَعْثِ والتَّجْدِيدِ
وَزَهَتْ بهِ العَزَمَاتُ بَعْدَ ذُبُولِهَا / وَصَحَتْ به الآمالُ بَعْدَ رُقُودِ
للّهِ صَوْتكَ في الأَثِيرِ فَإِنّه / أَخَذَ الهُدَى والْحُسْنَ عَنْ دَاوُدِ
لَبَّيْكَ يا مَلِكَ القلوب فَمُرْ نَكُنْ / لَكَ طاعَةً واللّهُ خَيْرُ شَهِيدِ
إِنَّا بدَرْسِ الدِّينِ أَبْصَرْنَا الهدَى / نُوراً يُشِعُّ بِجَمْعِهِ المحشُودِ
وَبدَا المْلِيكُ بهِ يُمَجِّدُ رَبَّهُ / للّهِ مِنْ نُسْكٍ وَمِنْ تَمْجِيدِ
أَبْصَرْتُه والشَّعْبُ حَوْلَ بِسَاطِهِ / كَالطَّيْرِ رَفَّ لِوَرْدِهِ المَوْرُودِ
مَا أَسْمَحَ الإِسْلامَ يَجْمَعُ رَحْبُهُ / في اللّهِ بَيْنَ مُسَوَّد ومَسُودِ
حَرَسَتْهُ أَفْئِدَةٌ تُفْدِّي عَرْشَهُ / وَالْحُبُّ أَقْوَى عُدَّةٍ وعَدِيدِ
إِنَّ الْجُنُودَ بِه تَلُوذُ وَتَحْتَمِي / وَلَكَمْ عُرُوش تحْتَمِي بِجُنُودِ
يُصْغِي ويُنْصِتُ للكِتَابِ وَآيِهِ / في سَمْتِ مَوْفُورِ الجَلاَلِ حَمِيد
يا قُدْوَةَ الجِيل الْجَديِدِ وَذخْرَهُ / عِشْ لِلْمُنَى فَرْداً بِغَيرِ نَديدِ
حَارَ القَرِيضُ وكيفَ أَبْلُغُ غَايةً / هي فَوْقَ طَوقِ يِرَاعَتي وجُهُودِي
أَعْدَدْتُ أَلْوَانِي لأَرْسُمَ صُورَةً / أَيْنَ السُّهَا من سَاعِدِي المكْدُودِ
حِلْمٌ كما تُغْضِي الأُسُودُ تَكَرُّماً / وَعَزائِمٌ فِيهَا نِجَارُ أُسُودِ
وَفِرَاسَةٌ سَبَقَتْ حَوادِثَ دَهْرِهَا / حَتَّى كَأنَّ الغَيْبَ كالمَشْهُودِ
وإِرَادَةٌ تَفْرِي الصِّعَابَ شَبَاتُهَا / وَتَهُدُّ عَزْمَ الصَّخْرَةِ الصَّيْخُودِ
وَذكَاءُ قَلْبٍ لَوْ رَمَى حَلَكَ الدُّجَى / لَمضَى يُهَرْوِلُ في المُسُوحِ السُّودِ
مَوْلاَي إِنَّ الشِّعْرَ يَشْهَدُ أَنَّهُ / بَلَغَ المَدَى في ظِلِّكَ المَمْدُودِ
أَلْفَى خِلاَلاً لقَّنَتْهُ بَيَانَهُ / فَأَعَادَهَا كَالصَّادِحِ الغِرِّيدِ
فَلكَمْ بَعَثْتُ مَعَ الأَثِيرِ وَحِيدَةً / في فَنِّهَا تَشْدُو بِمُلْكِ وَحِيدِ
فَاهْنَأْ بِمِيلاَدِ الأَمِيرَةِ إِنَّهَا / عُنْوَانُ مَجْدٍ طَارِفٍ وَتَلِيدِ
وانْعَمْ بِعِيدِ الفِطْرِ واسْعَدْ بالمُنَى / في طالِعٍ ضَافي النَّعيمِ سَعِيدِ
العَيْنُ عَبْرَى والنُّفُوسُ صَوادِي
العَيْنُ عَبْرَى والنُّفُوسُ صَوادِي / ماتَ الْحجَا وقَضَى جَلاَلُ النَّادِي
أرْجَاءَ ذَا الوادِي الخَصِيبِ جنابُهُ / ماذَا أَصَابَكَ يَا رَجَاءَ الوَادِي
سَهْمٌ رَمَاك بهِ الحِمامُ مُسَدَّدٌ / أَوْدَى بأَيِّ رَويَّة وسَدَادِ
وقَضَى على الآمَالِ في أَفْنَانِها / فَذَوَتْ ولم تُمْهَلْ لوَقْتِ حَصَادِ
وأَصَابَ من قَبَس الزَّكَانةِ شُعْلَةً / وَهَّاجَةً فَغَدت فَتيتَ رَمَادِ
وطَوَى حُسَاماً مِنْك في جَفْن الثَرَى / قَدْ كَانَ يَسْتَعْصي عَلَى الأَغْمَادِ
صُحُف الحيَاةِ وأَنْتَ أصْدَقُ قارىءٍ / لسُطُورِها تُطوَى إِلى ميعَادِ
والوَرْدُ يَزْهُو ناضِراً فَوْقَ الرُّبَا / ويَعُودُ حِيناً وهو شَوْكُ قَتَأدِ
والمَاءُ يَجْتَذِبُ النُّفُوسَ نَمِيرُه / وَلَقَدْ يَكُون الماءُ غُصَّةَ صَادِي
مَا هَذِهِ الدُّنْيَا أمَا مِنْ نِعْمةٍ / فيها لغَيْرِ تَشَتُّتٍ ونَفَادِ
قَدْ حَيَّرَتْ شَيْخَ المَعَرَّةِ حِقْبَةً / في نَوْحِ بَاكٍ أَوْ تَرَنُّم شَادِي
تَعَبُ الحيَاةِ يَجيءُ من لَذَّاتِها / ولذِيذُهَا يُجْنَى مِنَ الإِجْهاد
يَطْوِي بِسَاطَ الْعُرْسِ فيها مأتمٌ / في إِثره عِيدٌ من الأعيَادِ
قَدْ كَانَ في رُزْء الحسَيْن بكَرْبَلاَ / عيد اليزيدِ وعيدُ آل زِياد
أَيَمُوتُ عاطفُ والكِنَانةُ تَرْتَجِي / وَثَباتِه واليوْمُ يَوْمُ جلاَدِ
أيَموتُ في المَيْدَانِ لم يُغْمَدْ له / سَيْفٌ ولم يُخْلَعْ نِياط نِجادِ
أَيَمُوتُ والنَّصْرُ المُبِينُ مُلَوِّحٌ / بِلوَائِه لطَلائِع الأجنَادِ
ويَغِيضُ ماءٌ كانَ أيْسَرُ قَطْرةٍ / مِنهُ حَيَاةَ خَلاَئِقٍ وبِلادِ
عُمْرٌ إِذَا قَلَّتْ سِنُوه فإِنَّما / آثارُهُنَّ كثِيرَةُ التَّعْدَادِ
كالعِطْرِ تَجْمَعُ قَطْرةٌ من مائهِ / زَهْراً يَنُوءُ بغُصْنِهِ المَيَّادِ
كَمْ مِنْ فَتيٍ في التُّرابِ وخَلْفَهُ / ذِكْرٌ يُزَاحِمُ مَنْكِبَ الآبَادِ
ومُعَمَّرٍ عَبَرَ الوُجودَ فَما رَنَا / طَرْفٌ إِليهِ ولا بَكَى لِبعَادِ
عُمْرُ الرِّجالِ يُقَاسُ بالمَجْدِ الَّذي / شادُوه لا بِتَقَادُمِ المِيلادِ
عَزَّ المعارِف مُطْرِقاً في عَاطِفٍ / زَيْنِ الفِناءِ وسَيِّدِ الأنْدَادِ
للعِلْم والأخْلاَقِ كانَ مُعَاضِداً / فطَوَى الْحَياةَ وفَتَّ في الأعْضَادِ
ما زالَ يَكْدَحُ والْخُطُوبُ بِمَرْصَدٍ / والدَّاءُ يَطْغَى والزَّمانُ يُعَادِي
لَمْ تثْنِهِ الآلامُ عن غَاياتهِ / أو تَلْوِه الأسْقَامُ دُونَ مُرَادِ
فاللَّيْلُ مَوْصُولٌ بيَوْمٍ حافلٍ / واليومُ مَعقُودٌ بليْل سُهَأدِ
وكأنّما نصْحُ الطبيبِ بسَمْعِه / هَذَرُ الوُشَاة وزَفرَةُ الْحُسَّادِ
وَهَبَ الحياةَ كريمةً لبِلادِهِ / ومَضَى إلى الأُخْرَى صَريعَ جِهاد
وإِذَا بذَلتَ لمِصرَ كلَّ عَزيزةٍ / إِلاّ الحيَاةَ فَأَنتَ غيرُ جَواد
حَمَلُوا على الأعْوَادِ خيرَ وديعةٍ / أَعلمتَ مَنْ حَمَلوا على الأَعْوَاد
في رَكْبِه زُمَرُ السَّمَواتِ العُلاَ / تَحْدُو مَطِيَّتَهُ لِخَيْرِ مَعَاد
والصبرُ ناءٍ والرُّءُوسُ خواشِعٌ / والدَّمعُ جارٍ والقُلوبُ صَوَادِي
حَمَلوا على النَّعْشِ الكَريمِ سُلاَلةَ الْ / حَسَبِ الكَريمِ وصَفوةَ الأَمْجاد
وتَحمَّلوهُ ليَدْفِنوا تَحْتَ الثَّرَى / شَمَمَ الأُبَاةِ وصَوْلَةَ الآسَادِ
حَفّ الشبابُ به وفي عَبَرَاتهم / كَمَدُ الجنودِ لمصْرَعِ القُوّادِ
يا رَامِيَ الأملِ البَعِيدِ بهمّةٍ / شمَّاءَ تُدْرِك غايةَ الأَبْعاد
وعَقيدةٍ لو صُوِّرَتْ بمُماثلٍ / كانت تكونُ رَصانَةَ الأطْواد
لم يَزْهُها ضافي المديح ولم تكن / في الحق ترهب صولةَ النقَّاد
وعزيمةٍ لا الزجر نهنه هَمّها / يوماً ولا فُلَّتْ من الإيعاد
كادت تَدُور مع الكَواكِب دَوْرَها / بالنَّحس آونةً وبالإِسْعاد
كانتْ أَحزَّ من المُدَى وأَحَدَّ مِنْ / غَرْب الظُّبَى يُسلَلْنَ يومَ طِرَاد
وَثِقتْ بخالِقها القَديِرِ فشمَّرتْ / مَحْمودةَ الإِصْدَار والإِيرَاد
سِيشيلُ منه رَأتْ هَصوراً يَزْدَرِي / ألمَ الإِسَارِ وقَسْوَةَ الأصْفَأد
لَهْفِي عَلَيه والدّيارُ بَعِيدةٌ / وخَيالُ مِصْرَ مُرَاوِحٌ ومُغادِي
مُتَوَثِّباً نحوَ المُحِيط كأنَّه / صَقْرُ الفلاةِ بِكفّة الصَّيّاد
ما دكّه عَصْفُ الْخُطُوبِ ولا وَنَى / لزَعازِع الإِبْراق والإِرْعاد
لا تَعْجَبوا مَنْ كان سعدٌ خالَهُ / ألقَتْ له الأخلاقُ كلَّ قِيَاد
سَعْدُ الذي غَرَسَ المُهَيْمِنُ حُبَّه / في كلِّ جارِحةٍ وكلِّ فُؤَادِ
مُحْيي القَضَاءِ رَمَاه في رَيَعَانِهِ / سَهْمُ القضاءِ فما له من فادي
وثبتْ عَليه من المَنُونِ غوائِلٌ / وعَدَت عليه من الزَّمان عَوادِي
شَيّدتَ داراً للقَضاءِ فأصْبَحَتْ / للدّينِ والأخْلاقِ خيرَ عِماد
لو لم تَجِىءْ يومَ الحِسابِ بغَيْرِها / لَسَمَوْتَ فوق مَنازِلِ العُبّادِ
وبَثثتَ رُوحَكَ في الشّيوخِ فكلُّهم / داعٍ إلى نُور النبوّة هادِي
وبَنَيْتَ بالأخْلاقِ منهمْ دولةً / بَلَغتْ بِحَوْلِكَ أَبْعَدَ الآمادِ
الدِينُ سَمْحٌ إِنْ سَلَكْتَ سَبيلَه / لِلْخَيْرِ لا للشَّرِّ والإِفْسَادِ
فلَكَمْ رَأينا في المَعابد أَشْعَباً / للختْل يَلْبَسُ بُرْدَةَ الزُّهّاد
فَزِعت لك الأقْلاَمُ فوق طُروسِها / ومن المِدَادِ لَبِسْنَ ثوْبَ حِداد
وتكادُ تَلْتَهبُ المَنَابرُ حَسْرةً / لمّا رَحَلْتَ على خَطِيب إِياد
والشِّعْرُ أضحتْ هاطلاتُ دُموعِهِ / بَحْراً فنَاح عليكَ في الإِنشاد
مَنْ لي وظِلُّ الموتِ داج بَيْننا / بِضِياءِ ذاك الكَوْكبِ الوقّاد
مَنْ لي بِذاكَ الوجهِ بَيْنَ غُصُونِهِ / أَسْطارُ أَسْرارِ الْحَياةِ بوادِي
يا طالباً نُورَ اليَقينِ حَيَاتَهُ / جاءَ اليقينُ فسِرْ بأَوْفَرِ زَاد
وامْلأْ جُفونَكَ بالكَرَى في غِبْطةٍ / قد كنتَ أَحوجَ ساهدٍ لرُقاد
واخلَعْ ثيابَ الداءِ عَزَّ دواؤه / والْبَسْ بعَدْنٍ أنْفسَ الأبْراد
واذْهبْ كما ذَهب الشباب مُشَيَّعاً / بِدم الجُفونِ وحُرْقة الأكْباد
سَحّتْ عليكَ مع الْجَنُوب رَوَائِحٌ / وهَمَتْ عليك مع الشمالِ غوادِي