المجموع : 15
بُشراكِ أُمَّ حَبيبَةٍ بِمُحَمَّدٍ
بُشراكِ أُمَّ حَبيبَةٍ بِمُحَمَّدٍ / تَمَّتْ لكِ النُّعمى فَفوزِي وَاسْعَدِي
هَذا بَشيرُ الخيرِ أيُّ طَلاقةٍ / تَحكِي طلاقَةَ وجههِ الغَضِّ النَّدِ
حَمَلَ الرِّسالَةَ مَشرعاً من رَحمةٍ / فيهِ الشِّفاءُ لِغُلَّةِ القَلْبِ الصَّدِ
بُشراكِ أُمَّ المؤمنينَ فهذهِ / رؤياكِ عِندَ أوانِها والموعدِ
بَعثَ النَجَاشِيُّ الوليدةَ فاسمعي / أشهَى الحديثِ إلى الكرائمِ واشْهَدي
هَذا عَطَاؤُكِ لو يكونُ مَكانَهُ / أغلى الكُنوزِ خَشيْتُ أن لا تُحْمَدِي
نِعمَ العطاءُ بَذَلْتِهِ مَرْضِيَّةً / في اللَّهِ راضيةً وَيَالكِ من يَدِ
قلّدتِ أمرَكِ خالداً فمضَى بهِ / شرفاً على شَرَفٍ أشمَّ مُخَلَّدِ
هَتَفَ الرسولُ أَجِبْ وكيلَ مُحَمَّدٍ / فمشَى إلى المَلِكِ الأعزِّ الأصيَدِ
يَلقاهُ في تَاجِ الهُدى وسريرِه / بين الأَرائكِ والجُموعِ الحُشَّدِ
في مشهدٍ زانته غُرَّةُ جَعفرٍ / زَيْنَ النَّدِيِّ ونُورِ عينِ المنتدي
جَمَعَ الأحبَّةَ والرفاقَ فأقبلوا / من كلِّ عالٍ في الرجالِ مُمَجَّدِ
أدَّى النجاشيُّ الصَداقَ مُبارَكاً / مِلءَ اليدينِ يَسوقُه من عَسْجَدِ
وأقامَ للَّهِ الولائمَ كلّما / زَادتْ وفودُ القومِ قال لها ازْدَدِي
مَضَتِ الوليدةُ بالصّداقِ فَصادفتْ / كَرَماً يُجاوِزُ مَطْمَعَ المُسْتَرْفِدِ
نَالتْ ولم تَسألْ وَلِمَ تمدُدْ يداً / خَمسِينَ دِيناراً عطاءً كالدَّدِ
فضلٌ لأُمِّ المؤمنِينَ تَفَجَّرَتْ / عنه فَرَاحَ يَفِيْضُ غَيْرَ مُصَرَّدِ
تِلْكَ الوليدةُ قال سيّدُها ارجِعي / أَنَسِيتِ حَقَّ الضّيفِ عِنْدَ السَّيِّدِ
رُدِّي العَطِيَّةَ والهَدِيَّةَ واذكرِي / آلاءَ رَبِّكِ ذي الجلالِ الأَوْحَدِ
لا تَرْزَئِي زوجَ النبيِّ بأرضِنا / شَيئاً فَبِئسَ الزّادُ للمتزوّدِ
قالت إليكِ المالَ والحلْي الذي / أعْطَيتِنيهِ فليس أمري في يَدِي
أَمرَ المليكُ فلا مَرَدَّ لأمرِهِ / وَلَكِ الكرامةُ في الفريقِ الأرشدِ
لي في ذمامِكِ حاجةٌ مَنْشُودَةٌ / لولا الهُدَى وَسَبيلُهُ لم تُنْشَدِ
هل تحملينَ إلى الرَّسولِ تَحِيَّةً / منّي إذا انطلقتْ رِكابُكِ في غَدِ
حَيّيهِ مُنْعِمةً وَقولِي إنّني / أحببتُه حُبَّ التَّقِيِّ المُهْتَدِي
وَرَضِيْتُ مِلَّتَهُ لنفسي إنَّه / لعلى طريقٍ للسدادِ مُعَبَّدِ
رَضِيَ المليكُ وراحَ يَحمدُ رَبَّه / حَمْدَ امرئٍ للصالحاتِ مُسدَّدِ
وَدَعا إلى الصُّنعِ الجميلِ نِساءَهُ / فالطيبُ ذو عَبَقٍ يروحُ وَيَغتدِي
تَمشِي الولائدُ خلفَهُ يَحْمِلْنَهُ / في مُلْتقىً بَهِجٍ وَحُسنِ تَودُّدِ
يَأتينَ أمَّ المؤمنينَ يَزِدْنَها / وَيَقُلْنَ مَهْلاً كلّما قالت قَدِي
سِيري هَداكِ اللَّهُ شَطْرَ نَبيِّهِ / في موكبٍ مِن نُورِهِ المتوقِّدِ
إلا يكنْ من هاشمٍ وَفْدٌ فكم / للَّهِ حَولَكِ من رَسولٍ مُوفَدِ
جِبريْلُ يَمشِي في رِكابِكِ خَاشعاً / بَيْنَ الملائِكِ فَاشْهَدي وَتَفَقَّدِي
اللَّهُ بَوَّأكِ الكرامَةَ مَنزلاً / وأعزَّ جَدَّكِ بالنبيِّ مُحَمَّدِ
شَيْخٌ يُقادُ إلى النَّبيِّ على يَدِ
شَيْخٌ يُقادُ إلى النَّبيِّ على يَدِ / هِيَ للنَّبيِّ إذا رَمَى أعلى يَدِ
هذا أبو بكرٍ يُقَدِّمُ شَيْخَهُ / يهديه إنّ الألمعيَّ لَيَهْتَدِي
قال النَّبي ألا رَثِيتَ لِضَعْفِهِ / وتركتَهُ في دارِهِ لم يُجهَدِ
لو لم يَجِئْ لَمَشِيْتُ أشهدُ أمرَهُ / وأُجِلُّهُ شَيْخاً كريمَ المَشْهَدِ
يا والِدَ الصِّدِّيقِ خُذْهَا نِعمةً / سِيقَتْ إليكَ من النبيِّ مُحمَّدِ
ما كنتَ بالمصروفِ عن دينِ الأُلَى / كفروا بآلهةٍ كأنْ لم تُعبَدِ
العاكفينَ على شرائِعِ ربِّهم / من رُكَّعٍ بيضِ الجباهِ وسُجَّدِ
الظامئينَ إلى الجهادِ فإن دُعُوا / وَردوا حِياضَ الموتِ عَذْبَ المَوْرِدِ
يتهَافَتونَ على جوانِبِها إذا / نَادَى رسولُ اللّهِ أيُّكُمُ الصَّدِي
مَن كان يسعدُ في الرجالِ بوالدٍ / فَبِمَنْ وَلَدتَ أبا قحافَةَ فاسْعَدِ
من سُؤدُدِ الصِّدِّيقِ أنّ زمانَهُ / لو لم يَلِدْهُ لكانَ خَصْمَ السُّؤْدُدِ
الحاضِنِ الإسلامَ يجعلُ صَدرَهُ / كَهفاً يقيهِ أذَى العَدُوِّ المُفسِدِ
يُعطيهِ مُهجَتَهُ وَصَفْوَةَ مالِهِ / وَيكُونُ للحَدَثِ الجليلِ بِمرصَدِ
قال النبيُّ اهْنَأْ فقال وَددتُها / كانت لِعَمِّكَ ذي الفِعالِ الأمجَدِ
هذا هو الإيثارُ فاعجَبْ وَاعْتَبِرْ / وأَعِدْ على الدَّهرِ الحديثَ ورَدِّدِ
أنِخِ البعيرَ فقد بلغتَ المسجدا
أنِخِ البعيرَ فقد بلغتَ المسجدا / واخشع ضمامُ فأنتَ في حَرَمِ الهُدَى
أضَلْلتَ حين سألت أين مُحمَّدٌ / أفما رأيتَ الكوكبَ المتوَقَّدا
إن كنتَ تعرفُ مطلعَ النُّورِ الذي / صَدَع الظلامَ فقد عَرفتَ محمدا
هو ذاك فاصدعْ يا ضمامُ بنورِهِ / ليلَ العَمى وحَذارِ أن تَتردَّدا
اسْأَلهُ وَاسْمَعْ ما يقولُ ووالهِ / واتبعْ شريعتَهُ إماماً مُرشِدا
اجمعْ قُواكَ فقد بلغتَ المُنتهى / وانقعْ صَداكَ فقد أصبتَ الموردا
قُلْ ما تشاءُ فلن يَضيقَ بسائلٍ / يرجو الصَّوابَ وإن ألحَّ وشَدَّدا
كلُّ الذي قال النبيُّ وقلتَهُ / حقٌّ وحَسْبُكَ مَغنماً أن تشهدا
ولقد سَعِدتَ بها شهادةَ مُؤمنٍ / ما كنتَ لو كبرتْ عليك لتسعدا
حَمِدَ النبيُّ وصحبُه لك شَيمةً / ما كُنتَ تطمعُ قبلها أن تُحمدا
ولربَّما ازْدانَ الفتى بسجيَّةٍ / كانت له شَرَفاً أشمَّ وسُؤْدَدا
رَضِيَ الهُدَى دِيناً وعادَ بنعمةٍ / يدعو إلى اللهِ النُّفوسَ الشُّرَّدا
وضحَ السّبيلُ لقومِهِ فتدفّقوا / زُمراً يريدونَ النَّجاةَ من الرَّدى
خلصوا على يده فيا لكِ من يدٍ / فتحت لدينِ اللهِ باباً مُوصَدا
أبشِرْ ضمامُ فأنتَ جاوزتَ المدى / وبلغتَ في الحُسنَى المكان الأبعدا
عَهدٌ لِمِصرَ مِنَ الحَياةِ جَديدُ
عَهدٌ لِمِصرَ مِنَ الحَياةِ جَديدُ / أَرَأَيتَ شَعبَ النيلِ كيف يَسودُ
جَمَعت قُلوبَ الأُمَّتَينِ عَلى الرِضى / ذِمَمٌ لِمِصرَ مَصونَةٌ وَعُهودُ
عَقَدت يَدُ اللَهِ القَوِيِّ حِبالَها / وَالرُسلُ وَالمَلَأُ العَلِيُّ شُهودُ
طَرفٌ عَلى كَفِّ المَسيحِ يَمُدُّهُ / طَرفٌ بِكَفِّ مُحَمَّدٍ مَشدودُ
هَل تَنزَعُ الطَرَفَينِ مِن كَفَّيهما / كَفٌّ تَرومُ حِماهُما وَتُريدُ
آلَ المُقَوقَسِ وَهوَ عَهدٌ خالِدٌ / يَرِثُ الدُنى وَالناسَ حينَ تَبيدُ
وَيُشَيِّعُ الأَهرامَ يَومَ يُصيبُها / أَجَلُ الدُهورِ وَأَهلَها فَتَميدُ
أَنتُم لِمَجدِ النيلِ رُكنٌ قائِمٌ / عالي الجَوانِبِ لِلخُلودِ مَشيدُ
حَمَتِ الشُموسُ جَلالَهُ وَأَعَزَّهُ / مِن آلِ رَمسيسَ المُلوكُ الصيدُ
تُعليهِ تيجانٌ لَهُم وَأَرائِكٌ / وَتَزيدُ فيهِ مَواكِبٌ وَجُنودُ
تَمشي العُصورُ الشُمُّ بَينَ صُفوفِها / وَالأَرضُ تَرجِفُ وَالمُلوكُ تَحيدُ
وَالشَعبُ يَسمَحُ خاشِعاً في مَوقِفٍ / يَعلو لِبِنتاؤورَ فيهِ نَشيدُ
فِرعَونُ يُصغي في مَظاهِرِ عِزِّهِ / وَالجُندُ حَولَ لِوائِهِ مَحشودُ
فَيُجِلُّ شاعِرَهُ وَيُكرمُ قَومَهُ / وَيُعَلِّمُ الشُعَراءَ كَيفَ تُجيدُ
المُلكُ عالٍ وَالمَواكِبُ فَخمَةٌ / وَسَنا الحَضارَةِ واسِعٌ مَمدودُ
وَالناسُ شُغلٌ وَالبِلادُ رِعايَةٌ / وَالعَيشُ مَجدٌ وَالفُنونُ خُلودُ
وَالنيلُ خِصبٌ في القُرى مُتَدَفِّقٌ / وَالزَرعُ مِنهُ قائِمٌ وَحَصيدُ
مِصرُ الخَزائِنِ في وِلايَةِ يوسُفٍ / وَالعالَمونَ قَوافِلٌ وَوُفودُ
تُعطي فَتَحتَفِلُ البِلادُ وَتَحتَفي / أُمَمٌ عَلَيها بِالحَياةِ تَجودُ
أَبناءُ يَعقوبٍ حِيالَ عَزيزِها / يَشكونَ ما جَنَتِ الخُطوبُ السودُ
يَستَعطِفونَ أَخاً رَموهُ بِكَيدِهِم / فَإِذا المَكائِدُ أَنعُمٌ وَسُعودُ
وَضَعَ الصِواعَ فَفي الرِحالِ جِنايَةٌ / يُعيي الشَوامِخَ حَملُها وَيَؤودُ
لا يَحمَدُ المَلِكُ الكَبيرُ أَمينَهُ / حَتّى يُرَدَّ صواعُهُ المفقودُ
تركوا أخاهم فاستبدَّ بشيخهم / همّان همٌّ طارِفٌ وَتَليدُ
يَجِدُ الحَياةَ نَدِيَّةً أَنفاسُها / مِن ريحِ يوسُفَ وَالفُؤادُ كَميدُ
وَأَتى القَميصُ فَعادَ مِن بَعدِ العَمى / بَصَرٌ لَهُ حَيُّ الضِياءِ حَديدُ
جاءوا الكِنانَةَ يَنظُرونَ فَراعَهُم / مُلكٌ لِيوسُفَ ما يُرامُ عَتيدُ
مَلَأَ النَواظِرَ وَالقُلوبَ جَلالُهُ / فَإذا الجَميعُ عَلى الجِباهِ سُجودُ
رُؤيا العَزيزِ تَأَوَّلَت وَمِنَ الرُؤى / لِذَوي البَصائِرِ واقِعٌ مَشهودُ
إِنَّ الحَوادِثَ لِلرِجالِ تَجارِبٌ / وَمِنَ المَصائِبِ ضائِرٌ وَمُفيدُ
يَشكو الفَتى نَكَدَ الحَياةِ وَرُبَّما / خَبَأَ المَيامِنَ عَيشُهُ المَنكودُ
يا أُمَّةَ الإِنجيلِ آمِناً بِهِ / ما بِالنَبِيِّ وَلا يَسوعَ جُحودُ
الدينُ في أَمرٍ وَنَهيٍ واحِدٌ / وَاللَهُ جَلَّ جَلالُهُ المَعبودُ
دُنيا المَمالِكِ لا تُحَدُّ وَدينُها / وَقفٌ عَلى دَيّانِها مَحدودُ
دَرَجَ الزَمانُ عَلى المَوَدَّةِ بَينَنا / وَأَراهُ يَنقُصُ وَالإِخاءُ يَزيدُ
ذُخرُ البَنينَ نَصونُ مِن مَوروثِهِ / ما صانَ آباءٌ لَنا وَجدودُ
بِرّاً بِمِصرَ وَمِصرُ أَعظَمُ حُرمَةً / مِن أَن يَضيعَ رَجاؤُها المَنشودُ
إِلّا يَكُن مَجدٌ أَشَمُّ وَسُؤدُدٌ / فَحَياةُ شَعبٍ صالِحٍ وَوُجودُ
شُدّوا القُلوبَ عَلى الإِخاءِ فَإِنَّها / مِصرٌ وَإِنَّ بَلاءَها لَشَديدُ
أَنَرى المَمالِكَ كُلَّ يَومٍ حَولَنا / تَسعى وَنَحنُ عَلى الرَجاءِ قُعودُ
الأَمرُ مُشتَرِكٌ وَمِصرُ لَنا مَعاً / في العالَمينَ مَنازِلٌ وَلُحودُ
وَالنيلُ إِن حَمَلَ القَذى وَإِذا صَفا / فَهوَ الحَياةُ وَوِردُها المَورودُ
أَنَخونُ أَنفُسَنا وَنُفسِدُ أَمرَنا / أَن قالَ واشٍ أَو أَرادَ حَسودُ
زَعَمَ العِدى أَنّا نَعُقُّ بِلادَنا / زَعمٌ لَعَمرُ الأُمَّتَينِ بَعيدُ
مَن كانَ يَحكُمُ أَن نَعيشَ أَذِلَّةً / بَينَ الشُعوبِ فَحُكمُهُ مَردودُ
لا نَعرِفُ اليَأسَ المُميتَ وَلا نَرى / أَنَّ الحَياةَ سَبيلُها مَسدودٌ
أَيُهانُ لِلأَهرامِ مَجدٌ باذِخٌ / وَيُضامُ تَاريخٌ لِمِصرَ مجيدُ
إِن تَبكِ مِصرُ عَلى مُؤثَّلِ مَجدِها / فَلَسَوفَ يَرجِعُ عالِياً وَيَعودُ
فَزَعَ الدُجى لِأَنينِهِ المُتَرَدِّدِ
فَزَعَ الدُجى لِأَنينِهِ المُتَرَدِّدِ / وَبَدا الصَباحُ لَهُ بِوَجهٍ أَربَدِ
مُلقىً عَلى عادي الصَيعدِ مُلَحَّبٌ / في الحَربِ يَلتَحِفُ النَجيعَ وَيَرتَدي
هاجَتهُ يَومَ الرَوعِ حِميَةُ باسِلٍ / خَوّاضِ أَهوالِ الكَريهَةِ أَنجَدِ
يَحمي الحَقيقَةَ يَومَ تَلمَعُ في الطُلى / بيضُ الظُبى تَحتَ العَجاجِ الأَسوَدِ
شَقَّ الصُفوفَ إِلى الحُتوفِ مُغامِراً / في الحَربِ يوقِدُها وَلَمّا تَخمَدِ
لا يرهبُ المَوتَ الوَحِيَّ إِذا دَنا / وَيَخافُ قَولَ اللائِمينَ أَلا ابعدِ
مُستَبسِلٌ تَحتَ العَجاجِ كَأَنَّهُ / صادٍ تُعَلِّلُهُ السُيوفُ بِمَورِدِ
نُصِبَت لَهُ الجَنّاتُ تَحتَ ظِلالِها / فَهَفا إِلَيها كَرَّةَ المُستَشهِدِ
وَدَنا فَحَيّاهُ النَبِيُّ وَكَبَّرَت / شُهَداءُ بَدرٍ حَولَ ذاكَ المَشهَدِ
نَفَذَت عَلَيهِ الفَيلَقَينِ قَذيفَةٌ / مالَت بِمَنكِبِهِ وَطارَت بِاليَدِ
فَهَوى يَهُزُّ العَرشَ رَجعُ أَنينِهِ / وَيُثيرُ مِن حَرَدِ المَسيحِ وَأَحمَدِ
عَكَفَت عَلَيهِ الطَيرُ تَحسَبُ أَنَّما / طاحَت بِهِ أَيدي الرَدى وَكَأَنْ قَدِ
باتَت مَناسِرُها تَمُزِّقُ لَحمَهُ / حَيّاً وَباتَ يَقولُ هَل مِن مُنجِدِ
أَينَ الفَوارِسُ يَمنَعونَ بَقِيَّتي / مالِي جُفيتُ وَكَيفَ لي بِالعُوَّدِ
أَينَ البَنونَ وَكَيفَ أَمسَت أُمُّهُم / ماذا أَحَلَّ بِها المُغيرُ المُعتَدي
هَل صينَ عِرضٌ بِالعَفافِ مُطَهَّرٌ / صَوني لَهُ أَيّامَ لَم نَتَبَدَّدِ
وَغَدا البَنونَ مُنعَّمينَ نَواضِراً / يَتَجاذَبونَ ظِلالَ عَيشٍ أَرغَدِ
هَيهاتَ قَد شَغَلَ الفَوارِسَ هَمُّها / وَنَأى بِها طَرَدُ النَعامِ الشُرَّدِ
يا لَيتَني مَعَهُم أُغيرُ مَغارَهُم / وَأَذُبُّ عَن وَطَني بِحَدِّ مُهَنَّدي
أَينَ الأُساةُ فَقَد ظَمِئتُ إِلى الوَغى / وَهيَ الشِفاءُ لِغُلَّةِ القَلبِ الصَدي
أَأَموتُ أَو يَبقى الحُسامُ مُضاجِعي / وَالحَربُ عاصِفَةُ الرَدى لَم تَركُدِ
إِنّي لَأَخشى أَن يُعاجِلَني الرَدى / فَأَظَلُّ مَحزونَ الصَدى في مَرقَدي
باتَت خَيالاتُ الحُروبِ تَشوقُني / شَوقَ الغَوِيِّ إِلى الحِسانِ الخُرَّدِ
مِن مِخذَمٍ ماضي المَضارِبِ فَيصَلٍ / وَمُسَوَّمٍ طاوي الجَوانِبِ أَجرَدِ
وَمُعَضَّلٍ تُسقى الكُماةُ سِمامَه / وَكَأَنَّما تُسقى سِمامَ الأَسوَدِ
يَطفو الرَدى آناً وَيَرسُبُ مَرَّةً / مِن هَولِهِ في ذي غَوارِبَ مُزبِدِ
أَعيا عَلى عِزريلَ خَوضُ غِمارِهِ / فَاِرتَدَّ يَرقُبُ أَيَّةً يَهوي الرَدي
أَينَ الأُساةُ تُقيمُني مِن ضَجعَةٍ / نَفَدَ العَزاءُ وَهَمُّها لَم يَنفَدِ
لَبّاهُ مِن أَعلى الكِنانَةِ أَروَعٌ / ماضي العَزيمَةِ لَيسَ بِالمُتَرَدِّدِ
مُتَرادِفُ النَجداتِ مُنصَلِتُ القُوى / مُتَطايِحُ النَخَواتِ وَاري الأَزنُدِ
يَرمي مَهولاتِ الخُطوبِ بِمِثلِها / مِن عَزمِهِ حَتّى تَقولَ لَهُ قَدي
لَبّى الجَريحَ فَفارَقَتهُ كُلومُهُ / وَمَضى فَكانَت وَقعَةً لَم تُجحَدِ
فَسَقا الحَيا القَومَ الَّذينَ تَكَفَّلوا / بِقَضاءِ حَقٍّ لِلهِلالِ مُؤَكَّدِ
مِن أَريحِيٍّ بِالنَدى مُتَدَفِّقٍ / أَو أَحوَذِيٍّ لِلسَرى مُتَجَرِّدِ
يَجتابُ أَجوازَ المَهامهِ ضارِباً / فيها بِأَخفافِ المَطايا الوُخَّدِ
ماضٍ عَلى هَولِ السُرى يَفري الدُجى / بِمَضاءِ عَزمٍ كَالشِهابِ المُوقَدِ
وَإِذا الهَجيرُ تَوَقَّدَت جَمَراتُهُ / أَوفى فَكافَحَها وَلَم يَتَبَلَّدِ
قَذَفَت بِهِ المَرمى البَعيدَ صَريمَةٌ / تَهفو نَوازِعُها بِأَبلَجَ أَمجَدِ
جَمِّ النِزاعِ إِلى الصِعابِ يَخوضُها / كَلِفٍ بِغاياتِ العُلى وَالسُؤدُدِ
قَطّاعِ أَقرانِ الأُمورِ مُغامِرٍ / فيها بِهِمَّةِ ذي بَوادِرَ أَصيَدِ
لَم يُلهِهِ أَرَبٌ وَلَم يَقعُد بِهِ / قَولُ المُغَرِّرِ أَلقِ رَحلَكَ وَاِقعُدِ
لَمّا وَقَفنا لِلوَداعِ عَشِيَّةً / خَفَقَت لِمَوقِفِنا قُلوبُ الحُسَّدِ
جِبريلُ ثالِثُنا وَعَينُ مُحَمَّدٍ / تَرنو إِلَينا مِن بَقيعِ الغَرقَدِ
وَدَّعتُهُ وَكَأَنَّنا لِقُنوتِنا / وَخُشوعِ نَفسَينا بِساحَةِ مَسجِدِ
سِر ظَلَّلتَكَ مِنَ الإِلَهِ غَمامَةٌ / وَكّافَةٌ لَكَ بِالمُنى وَالأَسعُدِ
وَإِذا أَتَيتَ الباسِلينَ فَحَيِّهِم / عَنّي تَحِيَّةَ شَيِّقٍ مُتَوَجِّدِ
وَاِسأَل عَنِ الشُهَداءِ أَينَ قُبورُهُم / فَإِذا عَرَفتَ فَطُف بِها وَتَعَبَّدِ
وَإِخالُها بَينَ الحَطيمِ وَزَمزَمٍ / ضُرِحَت لَهُم أَو في عِراصِ الفَرقَدِ
لَهفي وَلَهفَ المُؤمِنينَ عَلى دَمٍ / تُهريقُهُ أَيدي الطُغاةِ الجُحَّدِ
لَهفَ القُلوبِ العاطِفاتِ أَما لَهُم / في الناسِ مِن ناهٍ وَلا مِن مُرشِدِ
لَهفَ الجَلامِدِ إِنَّ بَينَ جُنوبِهِم / مَوتى قُلوبٍ عولِيَت بِالجَلمَدِ
يا عيدُ هَيَّجتَ الأَسى لِمُعَذَّبٍ / قَلِقِ الفِراشِ مِنَ الهُمومِ مُسَهَّدِ
أَقبَلتَ تَزحَفُ بِالفَيالِقِ تَرتَمي / بَينَ القَواضِبِ وَالقَنا المُتَقَصِّدِ
وَالمُرعِداتِ تُبيحُ كُلَّ مُمَنَّعٍ / وَتَطيرُ أَو تَهوي بِكُلِّ مُمَرَّدِ
القاذِفاتِ المَوتَ أَحمَرَ هائِلاً / يَنسابُ بَينَ مُصَوِّبٍ وَمُصَعِّدِ
تَرمي فَتَجتاحُ الأُلوفَ حَواصِداً / وَتَظَلُّ جاثِيَةً كَأَن لَم تَحصُدِ
يا عيدُ أَيَّ شَجىً بَعَثتَ وَلَوعَةٍ / لِعُيونِنا وَقُلوبِنا وَالأَكبُدِ
عادَيتَنا فَحُرِمتَ صَفوَ وِدادِنا / فَإِذا رَجَعتَ فَصافِنا وَتَوَدَّدِ
لِلَهِ دَرُّ المُنعِمينَ بِمالِهِم / في اللَهِ لا نَزراً وَلا بِمُصَرَّدِ
ظَلَّت أَكُفُّهُمُ تَسُحُّ فَديمَةٌ / مِن فضَّةٍ وَغَمامَةٌ مِن عَسجَدِ
صاحَ المُؤَيَّدُ أَدرِكوا جَرحى الوَغى / فَإِذا بِهِم مِثلُ العِطاشِ الوُرَّدِ
يَتَنازَعونَ مَدى الفَخارِ وَغايَةً / مَن يَحوِها يَعظُم بِها وَيُسَوَّدِ
وَالمَرءُ ما لَم يَنتَدب لِعَظيمَةٍ / شَنعاءَ يَكشِفُ هَولَها لَم يُحمَدِ
إيهٍ بَني مِصرٍ وَتِلكَ إِهابَةٌ / مِن عائِذٍ بِنوالِكُم مُستَنجِدِ
كونوا كَأُمِّ المُحسِنينَ سَماحَةً / إِنَّ المُوَفَّقَ بِالمُوَفَّقِ يَقتَدي
رَفَعتَ مَنارَ الجودِ فيكُم عالِياً / تَعشو الكِرامُ إِلى سَناهُ فَتَهتَدي
تِلكَ المُروءَةُ خالِداً مَأثورُها / وَالصُنعُ مُحتَقَرٌ إِذا لَم يَخلُدِ
وَضَحُ السَبيلُ فَما لَنا نَتَرَدَّدُ
وَضَحُ السَبيلُ فَما لَنا نَتَرَدَّدُ / أَلِمَوعِدٍ فَمَتى يَكونُ المَوعِدُ
القَومُ يَمشونَ الضَراءَ حِيالَنا / مَشيَ المُخاتِلِ غُدوَةً يَتَصَيَّدُ
أَينَ الحُماةُ أَفي المَضاجِعِ نُوَّمٌ / أَم هُم هُنالِكَ في المَقابِرِ هُمَّدُ
يا قَومُ ماذا تورِدونَ بِلادَكُم / بِئسَ الجَزاءُ لَها وَبِئسَ المَورِدُ
بِئسَ الدُعاةُ سَبيلُهُم مُتَجانِفٌ / وَدَليلُهُم جَمُّ المَعاثِرِ أَنكَدُ
لَهُمُ المَجاهِلُ يَركَبونَ بِها الهَوى / وَلَنا المَحَجَّةُ وَالسَبيلُ الأَقصَدُ
النيلُ يَعلَمُ وَالمَواقِفُ وُضَّحٌ / وَالدَهرُ يُخبِرُ وَالمَمالِكُ شُهَّدُ
هَل لامرِئٍ في الأَرضِ بَعدَ بِلادِهِ / مَجدٌ يَزينُ بِهِ الحَياةَ وَسُؤدُدُ
أَعلى الحِمايَةِ يَحرِصونَ وَغَيرُها / أَسمى لِأَحرارِ الرِجالِ وَأَمجَدُ
خَدَعوا الصِغارَ بِها وَقالوا نِعمَةٌ / شَرُّ البَلِيَّةِ نِعمَةٌ لا تُحمَدُ
يَتَعَجَّلونَ الأَمرَ شَرّاً كُلُّهُ / وَالشَعبُ يَصخَبُ وَالكِنانَةُ تَحردُ
وَاللَهُ يَنظُرُ في عَظيمِ جَلالِهِ / أَيُطاعُ أَم يَطغى العُصاةُ فَيُجحَدُ
يَتَذَمَّرونَ إِذا تَجَرَّدَ شَعبُهُ / لِلحَقِّ يُطلَبُ وَالأَمانَةِ تُنشَدُ
اللَهُ أَكبَرُ هَل لَهُ مِن غالِبٍ / في العالَمينَ وَهَل على يَدِهِ يَدُ
ماذا عَسى يَبغي القَوِيُّ بِخَلقِهِ / وَيُريدُ في مَلَكوتِهِ المُتَمَرِّدُ
وَيحَ البِلادِ أَما يَقومُ بِنَصرِها / حِزبٌ يُقامُ لَهُم وَوَفدٌ يوفَدُ
يا مِصرُ لا تَلِدي رِجالاً بَعدَهُم / وَأَرى الرِجالَ لِغَيرِ ذَلِكَ تولَدُ
ذَهَبَ السُرورُ وَوَلَّتِ الأَعيادُ
ذَهَبَ السُرورُ وَوَلَّتِ الأَعيادُ / فَالعَيشُ هُمٌّ وَالحَياةُ حِدادُ
طُف بِالمَشارِقِ وَالمَغارِبِ هَل تَرى / دَعَةً تُرامُ وَغَبطَةً تُرتادُ
في كُلِّ مَمسى لَيلَةٍ وَصَبيحَةٍ / يَنهاضُ شَعبٌ أَو تَطيحُ بِلادُ
الناسُ حُزنٌ دائِمٌ وَشِكايَةٌ / وَالأَرضُ شَرٌّ شامِلٌ وَفَسادُ
أَودى بِأَعراسِ المَمالِكِ مَأتَمٌ / طاحَت لَهُ المُهجاتِ وَالأَكبادُ
تَتَفَزَّعُ الأَجيالُ مِن أَهوالِهِ / وَتَضُجُّ مِن صَعَقاتِهِ الآبادُ
كَيفَ القَرارُ وَما تَزالُ تَروعُنا / نِوَبٌ تَهُدُّ الراسِياتِ شِدادُ
ما بالُنا نَبغي الحَياةَ شَهِيَّةً / فَنُرَدُّ عَن ساحاتِها وَنُذادُ
وَمَتى أَرى أُمَمَ البَسيطَةِ أُخوَةً / كُرَماءَ لا إِحَنٌ وَلا أَحقادُ
رُحَماءَ لا حَربٌ تَشُبُّ وَلا دَمٌ / يَجري وَلا ظُلمٌ وَلا اِستِعبادُ
شَعبٌ يَزولُ وَأُمَّةٌ يَعتادُها / مِن رائِعِ الحِدثانِ ما يَعتادُ
أَو كُلَّما طارَت بِتاجٍ نَزوَةٌ / نَزَتِ السُيوفُ وَطارَتِ الأَجنادُ
أَفَتِلكَ أَنعامٌ تُساقُ جُموعُها / لِلنَحرِ أَم بَينَ الجُنوبِ جَمادُ
يا رَبِّ إِنَّكَ في سَمائِكَ ناظِرٌ / ما يَصنَعُ الذَبّاحُ وَالجَلّادُ
رُحماكَ يا رَبَّ المَمالِكِ إِنَّها / أُمَمٌ تُساقُ إِلى الرَدى وَتُقادُ
أَدرِك عِبادَكَ إِنَّهُم إِن يُترَكوا / ذَهَبوا كَما ذَهَبَت ثَمودُ وَعادُ
أَجَزَيتَهُم سوءَ العَذابِ بِظُلمِهِم / أَم ذاكَ شَيءٌ بِالشُعوبِ يُرادُ
عَصَفَت أَعاصيرُ الوَغى فَتَطايَرَت / شُمُّ الحُصونِ وَزالَتِ الأَطوادُ
قَدَرٌ أُتيحَ وَنَكبَةٌ ما لِاِمرِئً / في الدَهرِ مِنها مَوئِلٌ وَمَصادُ
تَمضي الفَيالِقُ وَالمَنايا تارَةً / تَطَأُ الصَعيدَ وَتارَةً تَنطادُ
تَمشي بِإِنجيلِ السَلامِ وَعِندَها / أنَّ السَلامَ تَناحُرٌ وَجِلادُ
وَيَقولُ قَومٌ تِلكَ آيَةُ مُلكِنا / تُملَى وَتُكتَبُ كُلُّها وَتُزادُ
كُتِبَت بِأَيدي الفاتِحينَ صَحيفَةٌ / وَدَمُ الكُماةِ الهالِكينَ مِدادُ
تِلكَ الحَضارَةُ لا حُكومَةُ مَعشَرٍ / مَلَكوا بِعدلِهِمُ الرِقابَ وَسادوا
ساسوا فَلا صَلَفٌ وَلا جَبرِيَّةٌ / وَرَعَوا فَلا خَسفٌ وَلا اِستِبدادُ
رَفَعوا عَلى هامِ القَياصِرِ مُلكَهُم / وَالعَدلُ رُكنٌ قائِمٌ وَعِمادُ
دَرَجوا فَلَم تَصفُ الحَياةُ وَلَم تَزَل / تَشقى بِناقِعِ سُمِّها الوُرّادُ
غالَت سَلامَ العالَمينَ جَوانِحٌ / ما لِلنُفوسِ وَلا لَهُنَّ نَفادُ
فَمَتى تَثوبُ إِلى السُيوفِ حُلومُها / وَيَكُفُّ غَيَّ المُرعِداتِ رَشادُ
عامانِ ما عَطَفَ المَمالِكَ فيهِما / حُبٌّ وَلا جَمَعَ الشُعوبَ وِدادُ
حَربٌ نُريدُ لَها الخُمولَ وَقَد أَبى / صَلَفٌ يَشُبُّ ضِرامَها وَعِنادُ
الصُلحُ أَجمَلُ وَالجُنودُ أَعِزَّةٌ / وَالسِلمُ أَفضَلُ وَالسُيوفُ حِدادُ
يا عيدُ أَسعِد ذا الهُمومِ إِذا اِشتَكى / إِنَّ الحَزينَ يُعينُهُ الإِسعادُ
وَعُدِ العَليلَ مُؤاسِياً وَمُعَلِّلاً / إِنَّ العَليلَ تُريحُهُ العُوّادُ
وانْهَ اليَتيمَ عَنِ البُكى مُتَرَفِّقاً / إِنَّ اليَتيمَ تَهيجُهُ الأَعيادُ
عَزِّ الفَقيرَ وَعِدهُ مَوفورَ الغِنى / إِنَّ الَّذي يَهَبُ الغِنى لَجَوادُ
ضَمِّد جِراحاتِ القُلوبِ فَرُبَّما / نَفَعَ القُلوبَ الدامِياتِ ضِمادُ
طُف بِالرُقادِ عَلى سَهارى أَعيُنٍ / أَلوى بِنَضرَتِها أَسىً وَسُهادُ
لا يَجزَعِ العاني فَكُلٌّ زائِلٌ / وَلِكُلِّ دَولَةِ مَعشَرٍ ميعادُ
اللَهُ أَعدَلُ مِن حُكومَةِ مَعشَرٍ
اللَهُ أَعدَلُ مِن حُكومَةِ مَعشَرٍ / يَبغونَ كُلَّ ظلامَةٍ بِعِبادِهِ
يَتَوَعَّدونَ ذَوي الحُقوقِ كَأَنَّما / أَمِنوا حُماةَ الحَقِّ مِن أَجنادِهِ
هَل يَدفَعونَ قَضاءَهُ بِقَضائِهِم / أَو يَخلِطونَ مُرادَهُم بِمُرادِهِ
كَم في ثَنايا الدَهرِ مِن عِظَةٍ لَهُم / لَو يَتبَعُ الغاوي سَبيلَ رَشادِهِ
هَل يَرعَوونَ إِلى حَكيمِ قَضائِهِ / إِن نُبِّئوا بِثَمودِهِ أَو عادِهِ
هذا الدفاعُ وهذه الأجنادُ
هذا الدفاعُ وهذه الأجنادُ / أَأَمِنتَ أن تتوثَّبَ الآسادُ
مِصرُ الطريدةُ هبَّ من أعلامها / بطلٌ هوادتُه وغىً وطِرادُ
مِن جانبِ الغيلِ المنيعِ تتابعت / وَثَباتُه وتجاوب الإرعادُ
شَرَع التقدُّمَ بالفيالقِ قومُه / فتعلّم الأبطالُ والقُوّادُ
قومٌ إذا لَمعتْ مَفاخرُ بيتِهم / لمعت سيوفٌ في الجهادِ حِدادُ
كشفوا الظّلامَ فهم نُجومُ هدايةٍ / وَرَستْ جوانبُهم فهم أطوادُ
لِلشُّمِّ ميعادٌ يجيءُ وهذه / ملء الحوادثِ ما لها ميعادُ
تَطغَى الزّلازلُ حولَها وتُريدُها / فإذا السماواتُ العُلىَ أسنادُ
هم في الكنانة آلُ بدرٍ ما لهم / إلا الشّهادةُ مطلبٌ ومُرادُ
إن صال منهم في الكريهةِ مُقدِمٌ / صالَ الزُّبَيرُ وأقدم المقدادُ
وُلِدُوا حياةً للبلادِ فبوركتْ / تلك البطونُ وبورك الميلادُ
دَرَجوا على الإيمانِ أبيضَ ساطعاً / لا الكفرُ شيبَ به ولا الإلحادُ
الأُمّهاتُ المجدُ حين ولدنهم / والسُّؤددُ الآباءُ والأجدادُ
طَوِيَتْ على أحشاءِ مِصرَ ضُلوعُهم / فالقومُ وِجدانٌ لها وفُؤادُ
عُنوانُها والحادثاتُ هَوادةٌ / ومثالُها والحادثاتُ جِلادُ
ولقد أراهم والحياةُ بأسرها / والدَّهرُ أجمعُ مأتمٌ وحِدادُ
وأرى بِدارِي من عليٍّ دمعةً / هي للعيونِ الباكياتِ عَتَادُ
هاجَتْهُ مصرُ تُضامُ وهي عزيزةٌ / وتُسامُ خَسْفاً والحُماةُ شِدادُ
قصفوا بأيديهم سِلاحَ جُنودِها / فَهَوى لها عَلَمٌ وخرَّ عِمادُ
فإذا المعاقلُ والحُصونُ مَصارعٌ / وإذا الأسِنَّةُ والظُّبيَ أصفادُ
حَسرَاتُ حُرٍّ لا تُفارِقُ نفسَه / حتّى يُفارقَ قومَهُ اسْتِعبادُ
أَتُرابُ شعبٍ أم تريكةُ ناقفٍ / عَصفتْ بها الأحداثُ فَهْيَ رمادُ
ما الشّعبُ فوضى لا يُصان له حِمىً / إلا ذُبابٌ هالكٌ وجرادُ
أَسَفِي على الوادِي ينامُ حُماتُه / ويَعيثُ في جَنَباتهِ المُرتادُ
رزقُ الذّئابِ أبيحَ غير مُكدَّرٍ / ومن الشُّعوبِ ضراغمٌ ونِقادُ
الصيدُ من نُسُكِ الحياةِ لِمُتَّقٍ / يخشَى عذابَ الهُونِ حين يُصادُ
فإذا الأُلى زَهدوا كأن لم يُؤمنوا / وإذا الغُزاةُ كأنّهم زُهّادُ
دينٌ تتابعَ بالهدايةِ رسلُهُ / والأنبياءُ الجُلَّةُ الأمجادُ
أحكامُه الجُرْدُ الصّوافِنُ تَرتمي / وَحُدودُه الأسيافُ والأجنادُ
والقاذفاتُ من الجحيم صواعقاً / هي للممالكِ والشُّعوبُ حصادُ
والسّابحاتُ على الغمارِ كأنّها / للجنِّ في الحدثِ الجليل مَصادُ
والرّاصداتُ لها تَبِيتُ عُيونُها / يَقظَى إذا أخذ البِحارَ رُقادُ
والطائراتُ تفوتُ كلَّ مُحلِّقٍ / وتظلُّ ناهضةَ القوى تنطادُ
تلك الحياةُ جرت إلى غاياتها / فاللُّج سُبْلٌ والرّياحُ جيادُ
وإذا سألتَ عن الصِّعابِ وحكمِها / فالعلمُ للصَّعبِ الأبيِّ قيادُ
جَدَّ الدّفاعُ فللكنانةِ حَقُّها / والحقُّ يُؤخذُ عنوةً ويُعادُ
إنّ الرجالَ مُجاهدٌ لبلادهِ / فادٍ يذود عن الحمَى ويُذادُ
وفتىً ضنينٌ في الجهادِ بنفسِه / سَمحٌ بآلافِ النُّفوسِ جَوادُ
آلَ الشّهيدِ وما دعوتُ سوى الأُلَى / هم للبلادِ القادةُ الأنجادُ
أنتم أولو الحقِّ المقدَّمِ فانهضوا / بالأمرِ تَنهضُ أمّةٌ وبلادُ
مِيثاقُكم مَجدٌ لِمصرَ وسُؤددٌ / وسبيلكم فيها هُدىً ورشادُ
علّمتمُ النّاسَ الجهادَ أذلّةً / والعزُّ بأسٌ صادقٌ وجهادُ
لولا مَواقِفُكم وصِدقُ بلائِكم / تحمونَ أبناءَ البلادِ لبادوا
أيّامَ يحمي السُّبْلَ ذو جَبَريّةٍ / جَمُّ الصَّواعقِ مُبرِقٌ مِرعادُ
يَقضِي على مِصرَ القضاءَ سَبيلُه / عَسْفٌ وملءُ كِتابهِ اسْتعبادُ
لمّا رَميتُمْ تَفتحونَ فِجاجَها / هَوَتِ الصُّروحُ وزالتِ الأسدادُ
فإذا الوقائعُ ما بهنّ مُكذَّبٌ / وإذا الفيالقُ ما لهنّ عِدادُ
وإذا الفتوحُ تحار فيها جِلَّقٌ / وتغار من أنبائها بغدادُ
سكنت رُبَى الوادي المُروَّعِ وانجلى / فَزَعُ النُّفوسِ وما انجلى الجلّادُ
أَمِنَ الحُتوفِ لِذي المخافةِ مأمنٌ / ومن الأسنَّةِ مَضجعٌ وَوِسادُ
باتت عيونُ الجاهلين قَريرةً / والعيشُ هَمٌّ ناصبٌ وسُهادُ
إنّ الأُلى تركوا البلادَ ذَليلةً / لَهُمُ الأُلىَ ملكوا الرِّقابَ وسادوا
ألِكلِّ طائفةٍ زعيمٌ صالحٌ / وبكلِّ ناحيةٍ أذىً وفسادُ
يا أُمّةَ الوادي تَموجُ ذِئابُه / ويُجلِّلُ السّارين فيه سَوادُ
هذا إمامُكِ فاسلكي سُبلَ الهُدى / نِعمَ الإمامُ الكوكبُ الوقّادُ
سيري على السَّنَنِ السويِّ فإنّه / نورُ الشَّهيد على المدى يزدادُ
ثِقةٌ وإيمانٌ وصِدقُ عزيمةٍ / تلك الذخائرُ ما لَهُنَّ نَفادُ
أرأيتها تبغي السّبيلَ فتهتدي
أرأيتها تبغي السّبيلَ فتهتدي / وتسنّها بيضاءَ للمُسْترشِدِ
حَيِّ الشُّعاعَ المُستفيضَ وَسِرْ على / بركاتِ ربّكَ في السّنا المتوقِّدِ
حَيِّ الأخيذةَ طال عنك بِعادُها / ثم انثنتْ فكأنّها لم تبعدِ
هي تلك تعرفها بحسنِ سِماتِها / وبما تريك من الطّرازِ الأوحدِ
طلعت عليك الرافعيّةُ حُرَّةً / في موكبٍ للحقِّ فخم المشهدِ
تُلقِي الجِنانُ عليه أنضرَ ما بها / من سَوْسَنٍ عَبِقٍ ورَيْحانٍ نَدِ
أخذ الأمينُ مكانَه في صدرها / فزهت بدين هُدىً ودنيا سُؤدُدِ
اللهُ آثر بالصنيعِ فَريقَهُ / فاذْكر صنيعَ اللهِ وَاشْكُرْ وَاسْجُدِ
قُلْ يا وَفيقُ ونادِ قومَك إنهّم / ما بين مُعتَسٍّ وشاربِ مُرقِدِ
رَدِّدْ لهم صوتَ النَّذيرِ فإنّها / سِمَةُ الضّعيفِ وشيمةُ المتردّدِ
ما في الطبائعِ أن تُساوَمَ أُمّةٌ / في عِرضها وتَدينَ للمُسْتعبِدِ
والمرءُ لو رُزِقَ الخُلودَ مُقيَّداً / لالْتذَّ طعمَ الموتِ غيرَ مُقيَّدِ
اجمعْ قُواكَ وإن تَباعَدَ شأوُها / إنّا نَعُدُّك للوغَى وكأن قدِ
ليتَ البلادَ تَزولُ يومَ يَخونُها / أهلُ الحِفاظِ من السَّوادِ المُرصدِ
حملوا الأمانةَ فَهْيَ في أعناقهم / للهِ يَنشُدها وإن لم ننشُدِ
إنَّ التي شُغِفَ الرّجالُ بحبِّها / لم تُبْنَ من جُثَثِ الضَّحايا للددِ
هي عُدَّةُ الشَّعبِ الضَّعيفِ ليومهِ / وذخيرةُ الوطنِ المُعذَّبِ للغدِ
الله في تلكَ المقاعدِ إنّها / مُهَجُ الأُبوَّةِ والبنينَ الهُمَّدِ
شرُّ البليَّةِ من يَبيعُ بلادَه / منها إذا جدَّ البلاءُ بمقعدِ
قُلْ للفتى الثَّعليِّ عند نضالهِ / هذي سِهامُ الرّافعيِّ فسدِّدِ
نشطَ الرُّماةُ فإن ظَفرتَ بمقتلٍ / فإليه إن نَكَلَ الهَيوبَةُ فَاعْمدِ
فَلَشَرُّ صحبِكَ في النّضالِ سليمُها / ولَخَيْرُ رفقتِكَ الشَقِيُّ بك الرَّدي
أهلاً بميراثِ الأمين وبوركت / يدُكَ التي نزعته من تلك اليدِ
سَيفٌ تعاورهُ الرجال فتارةً / تعمَى مضاربُه وأُخرى تهتدي
اشْدُدْ يديكَ عليه إنّ غِرارَهُ / حَتْفُ الظَّلومِ ومَصرعُ المُتَمرِّدِ
وَاحْرِصْ على القَبَسِ الذي أوتِيتَه / من نور ربِّكَ ذي الجلالةِ وازْدَدِ
عَوَّذْتُ أقلامَ الكِرامِ فإنّها / ذُخرُ الكِنانةِ للزَّمانِ الأنكدِ
صوتٌ من الأُفقِِ العَليِّ يُنادِي
صوتٌ من الأُفقِِ العَليِّ يُنادِي / ما الحرُّ إلا مَن يقولُ بلادي
وإذا جعلتَ أنا شِعارَكَ لم تَسُدْ / بين الرجالِ ولم تَفُزْ بُمِرادِ
المرءُ في حُكم الحياةِ لقومهِ / وبلادِه والعصرُ عَصرُ جِهادِ
يا معشرَ النُّوابِ بُورك سَعْيُكم / من رائحٍ يقضي الذِّمامَ وغادِ
إنّ الأُلى اختبروا الرّجالَ تخيّروا / أوفى السُّراةِ وأصدقَ الأمجادِ
وَضعوا الأمانةَ مُحسِنينَ بموضعٍ / تَرتدُّ عنه يدُ المُغيرِ العادي
أنتم مصابيحُ البُحَيْرةِ إن دَجتْ / سُبلُ الحياةِ بها وضَلَّ الهادي
الرأيُ في جِدِّ الحوادثِ رأيُكم / والحقُّ وضّاحُ المعالمِ بادِ
صُونوا النُّفوسَ عن التشيُّعِ للهَوى / وزِنوا الأُمورَ بحكمةٍ وسدادِ
القَصدُ منزلةُ الهُداةِ وشيمةٌ / للمصلِحينَ تُزِيلُ كلَّ فسادِ
فَدعوا سبيلَ المُسْتَبِدِّ برأيهِ / ودعوا سبيلَ العاجزِ المُنقادِ
حيَّيْتُ مَجْلِسَكُمْ أُعظِّمُ حقَّهُ / فَخُذوا التّحيَّة من أديبِ الوادي
نَسْلٌ من الدُّستورِ بُورِكَ عَهدُهُ / عَهدُ الحياةِ كريمةِ الميلادِ
وإذا رَفعتم للحياةِ عِمادَها / ألفيتمُ الدُّستورَ خيرَ عمادِ
دُنيا الممالكِ لم تَقُمْ أركانُها / يوماً على عَنَتٍ ولا اسْتبدادِ
أَوَما تَرَوْنَ الشّرقَ كيف أضاعَهُ / عَبَثُ الهوَى وتحكُّمُ الأفرادِ
أَمنارةَ السَّاري وأَمْنَ الوادِي
أَمنارةَ السَّاري وأَمْنَ الوادِي / هَلْ بَاتَ حَوْلَكِ سَامِرٌ فَأُنادِي
أَسَفُ الصَّدَى أن يَضمَحِلَّ ومَا قضَى / وَطراً مِنَ الأَسماعِ والأَكبادِ
وَمِنَ العَناءِ وقد بَلوتُ صُنُوفَهُ / فَشلُ الهُداةِ وخَيْبةُ القُوّادِ
في ذِمَّةِ الذّكرِ الحكيمِ رِسَالَتي / وإليكَ رَبِّي مَرْجِعي وَمَعادي
أنتَ العليمُ بِما أُريدُ وأَبْتَغي / وَبِما أكابِدُ مِن أذىً وَعِنادِ
عِفْتُ الصِّبى وَجعلتُ شَيْبِي قُرْبَةً / أَبْغِي الحياةَ لأُمَّتِي وبِلادي
كلٌّ لِوجْهِكَ لَيسَ شَيءٌ غَيرُه / إلّا يصيرُ إلى بِلىً وَنَفادِ
أَغْرَى الخوارجَ بالعداوةِ أنّهم / وَجَدوا مُرادَكَ في الحياةِ مُرادي
لَكِ يا مُنَوِّرَةَ البقاع تَحَيَّةٌ / مِن رائحٍ في نُورِ عِلْمِكِ غادِ
سِيري عَلى نُورِ الكِتابِ وَهدْيِهِ / وعلى التي سَنَّ الأمينُ الهادي
لَكِ في بني الإِسلامِ أَجرُ مُجَدِّدٍ / لِشرائعِ الآباءِ والأجدادِ
أَنْصَفْتِ دينَ اللهِ مِن أعدائِه / وهَزَمْتِ دِينَ الكُفْرِ والإِلحادِ
وغِضبتِ للأخلاقِ غَضْبَةَ حُرَّةٍ / تَأْبَى الحياةَ مَشوبةً بفَسادِ
وَجَهِدْتِ تَبنينَ العُروبةَ كُلَّما / أَبْصَرتِ حَائِطَها بِغيرِ عِمادِ
رُدِّي الغُواةَ إلى السّبيلِ وأَذِّني / في الجامحينَ بِحكمةٍ وسَدادِ
وَخُذِي العُهودَ على الرِّجالِ فَحسْبُهم / مَا كانَ مِن شَغَبٍ وَطُولِ تَعادِ
الضّعفُ أَدركَهُمْ وكانوا قُوّةً / لا تُستباحُ بِقُوَّةٍ وَعَتادِ
يُلقِي إليها المُستبِدُّ قِيادَهُ / والحقُّ منها آخِذٌ بِقيادِ
إنْ أَمْسَكتْ فَعَنِ الأَذَى وإذا مَضَتْ / مَضَتِ السُّيوفُ على هُدىً وَرَشادِ
عَطفْت على الأُمَمِ الضعافِ وطَوَّحَتْ / خَلْفَ الدُّروبِ بآخرينَ شِدادِ
لم تَتَّخِذْ مُلكاً أزلَّ وَلم تُقِمْ / حُكماً على شَطَطٍ ولا اسْتبدادِ
خُلِقَتْ سَلاماً لِلشُّعوبِ وَرحمةً / في عَالَمٍ بادي الشَّراسَةِ عادِ
يَرْعَى الضِّعافَ بهِ ويَمْلِكُ أَمْرَهُمْ / غَرثانُ يَلتهمُ الممالكَ صادِ
يَرِدُ الدّماءَ بَريئةً ويخوضُها / وَلْهَى ولم تَكُ مَطْمَحَ الوُرَّادِ
اللهُ حَرَّمَها ودَافعَ دُونها / مَن ذا يُدافِعُ ربَّه ويُرادي
نظر الهداةُ إلى الشُّعوبِ فما دَرَوْا / أَعُقولُ وَحْشٍ أم طِباعُ جمادِ
وتعجَّبوا للأرضِ كيفَ يَسوسُها / طُغيانُ أربابٍ وجَهلُ عِبادِ
مَرِضَتْ نُفوسُ العالَمينَ فَعادَها / خيرُ الأُساةِ وأفضلُ العُوّادِ
طِبٌّ من الوحْي المفصَّلِ آخِذٌ / بِمجامعِ الأَرواحِ والأجسادِ
ما انفكّتِ الأفهامُ في أصفادِها / حتّى تداركها الرّسولُ الفادي
إيهٍ مُحبَّ الدّينِ زِدْهُ محَبّةً / في المؤمنين وَزِدْهُ صَفْوَ وِدادِ
ليِ مِن يراعكَ في الصَّبابةِ مُسعِدٌ / فَامْزجْ مِدادَك في الهَوى بِمدادي
وتَعالَ نَقْضِ الحقَّ في ميعادهِ / إن الحياةَ قريبةُ الميعادِ
اليومَ نَملِكُ أن نَقولَ وإنَّنا / لإِلى رُفاتٍ صَامتٍ وَرَمادِ
قُلْ ما أردتَ ونادِ قومَكَ أَقْبِلوا / مِن حاضرٍ يَخْشَى الإلهَ وبادِ
اللهُ يَسألُ أين غُوْدِرَ دينُه / ويقولُ أين فَوارِسي وَجِيادي
أَفَيَطْمعُ النُّوَّامُ مِلءَ عُيونهِمِ / أن يَملِكُوا الدُّنيا بِغَيْرِ جِهادِ
سِرْ يا دَليلَ الرّكبِ مَأمونَ الخُطَى / وَارْفَعْ يَديكَ تَحيَّةً للحادي
المُسلمونَ على هُدىً مِن رَبِّهم / ما دَامَ نُورُكَ عن يَمينِ الوادي
تلك القضيّةُ هل لها ميعادُ
تلك القضيّةُ هل لها ميعادُ / شرطُ القضيَّةِ أن يطولَ جِهادُ
كم للشُّعوبِ قضيّةٌ من دُونها / تمضِي القُرونُ وتنقضي الآمادُ
هل دَانَ للهِمَمِ الرَّواكدِ مَطْلَبٌ / أم صَحَّ للأُمَمِ الضِّعافِ مُرادُ
لا تَحْسَبَنَّ الحقَّ صَيْحَة عاجزٍ / الحقُّ عَزمٌ صادقٌ وجلادُ
صُوني فلسطينُ الذِّمارَ وجَاهِدي / ما للحياةِ سوى الجهادِ عِمادُ
صُونِي ذِمارَكِ إنّه لكِ موقفٌ / فَصْلٌ ويومٌ مِنكِ ليس يُعادُ
هو آخرُ الأيّامِ إمّا مَطْلَعٌ / عالٍ وإمّا مَصْرَعٌ وحِدادُ
طَغَتِ الخطوبُ عليكِ لا مُتوقِّدٌ / يَخْبُو ولا مُتَمَرِّدٌ ينقادُ
وتَحَيَّفتْ فيكِ الحياةَ حوادثٌ / مرّت بها مِئةٌ عليكِ شِدادُ
الكَسْبُ عُطِّلَ والمتاجِرُ طُلِّقَتْ / فالعيشُ ضَنْكٌ والحياةُ كسادُ
نِعمَ الجهادُ لمن يضنُّ بِحقّهِ / لو كان للشّعبِ المُجاهدِ زادُ
في نُصرةِ الآجامِ يُحتَملُ الأَذَى / ولها تَجُوعُ وتَشْبَعُ الآسادُ
هِمَمُ النُّسورِ النَّاهِضينَ دَوائبٌ / ومخالبُ الأُسْدِ الغِضابِ حِدادُ
عَرَبٌ إذا غَضِبوا لأمرٍ طارقٍ / غَضِبَتْ على بيضِ الظُّبى الأغمادُ
وتفزّعَ الآباءُ في أجداثِهم / وتطلَّعتْ مِن ذُعرها الأَجدادُ
واهْتاجتِ الجُرْدُ العِتاقُ وأَقْبلتْ / صُوَرُ المنايا ما لهنَّ عِدادُ
وجَرَى الدّمُ المسفوحُ يَشْهَدُ أنَّهم / سُئِلوا الجزيلَ مِن الفِداءِ فجادوا
جُودوا حماةَ القُدسِ ما بِكِرَامِكُمْ / بُخلٌ ولا للمَكْرُماتِ نَفادُ
ذُودوا العَدُوَّ عنِ البلادِ وناضِلوا / إنّ العدوَّ عن البلادِ يُذادُ
اللهُ أكبرُ يا خلائفَ يَعْرُبٍ / أتَضيعُ أوطانٌ لكم وبلادُ
صُنْتُم ودائعَ ربّكم ما رَاعَكُمْ / في الحقِّ طُغيانٌ ولا اسْتبدادُ
تلك الذّخائرُ ما لكم من بَعْدِها / في المُؤمِنينَ الصّادقينَ عَتادُ
تلك الذّخائر يَأْنَفُ الإسلامُ أن / تُؤذَى كرائِمُها وتأبى الضَّادُ
إنّا لَنَذْكُرها جَوازِعَ جُفَّلاً / فَتَبِيتُ تَجْفُلُ حَوْلَها الأكبادُ
أَبَنِي العُمومةِ ما سَهِرْتُمْ وَحْدَكم / مصرُ الشّقيقةُ لوعةٌ وسُهادُ
إن سَاءَكُمْ ألا تَزالَ هُمومُكم / تَتْرَى فتلك همومُنا تَزدادُ
لَيْتَ الأُلىَ نَصَبُوا المَصائِدَ جمَّةً / سَألوا عنِ العَنْقاءِ كيفَ تُصادُ
يا قومُ تلك شريعةٌ ما سَنَّها / من قبلُ ذبّاحٌ ولا جَلَّادُ
بلفورُ أنزلها وَباءَ بإثْمِها / والظُّلمُ إثمٌ كلُّه وفسادُ
هلّا تبيَّنَ وهو يقضِي أَمرَه / أَيُباعُ شعبٌ أم يُباعُ جَمادُ
شَرُّ الخلائِقِ مَن يَسوسُ فلا يَرى / أنّ السياسةَ حِكْمةٌ وسَدادُ
لا تُنكروا الدَّمَ في المَصارع يلتقي / إنّ الرّجالَ بمثل ذلكَ سادوا
كذبوا على الدُّستورِ ما فيهم له
كذبوا على الدُّستورِ ما فيهم له / حامٍ ولا هو بعدهم بِمُهدَّدِ
هم حَلَّلوا البغيَ المحرّمَ باسمهِ / وجنوا عليه جناية المتعمِّدِ
أمسى بمنزلةِ البغيضِ وإنّه / لأَحبُّ ما تهوى النُّفوسُ وتفتدي
يدعون مِصرَ ومصرُ من طغيانهم / في مأتمٍ جللٍ وعيشٍ أنكدِ
رفعوا الطّغامَ على الكرامِ وقوّضوا / صَرحَ النّظامِ بجرأةٍ لم تُعْهَدِ
كانت رواية هازلين فيَا لهم / من جاهلين وياله من مشهدِ
عضّوا أصابعَهم وراح كبيرُهم / يطفو ويرسبُ في المُقيمِ المُقعِدِ
غضبوا على معبودهم وتجنّبوا / محسودهم فكأنّه لم يُحسدِ
وتفرّقوا جزعين ممّا نابهم / إلا بقايا كالأصابع في اليدِ
وخلا البِساطُ من السُّكارى فانطوى / وصحا من النُّدمانِ كلُّ مُعَرْبِدِ
العدل دمَّرَ ما بنوا من دولةٍ / للزُّرقِ في الزمن الأحمِّ الأسودِ
لو لم يكونوا آثمين لأنكروا / آثامَ جُندٍ للفسادِ مُجنَّدِ
جُندٌ من البغي المُذمَّمِ والأذى / جعلوه للقوم الهُداةِ بمرصدِ
كرهوا الرَّشادَ فما تموج زحوفُه / إلا بساحةِ ناصِحٍ أو مُرشدِ
وترى حُماةَ الأمن من أنصارِه / يخشَوْن شَرَّ الظّالمِ المتوعِّدِ
لا اليومُ يومك إذ وُلِدتَ ولا الغدُ
لا اليومُ يومك إذ وُلِدتَ ولا الغدُ / يا ليت أنّك كلّ يوم تُولَدُ
عاد الظلامُ كما عَهدتَ وهذه / دُنيا الجهالةِ والأَذى تَتجدّدُ
ما ذاق مهلكه أبو جهلٍ ولا / أودى أبو لهبٍ وربُّك يَشهدُ
في كلّ أرضٍ منهما مُتجبِّرٌ / يأبى الرّشادَ وظالمٌ يتمرّدُ
وعبادةُ الأصنامِ قام دُعاتُها / مِلءَ الممالكِ ما على يدهم يَدُ
فلكلِّ قومٍ من سفاهةِ رأيهم / ربٌّ يُعظَّمُ أو إلهٌ يُعبَدُ
قُمْ يا محمّدُ ما لحقِّكَ ناصرٌ / حتّى تَقومَ وما لدينك مُنجِدُ
قم في جنودك غازياً وافتح بهم / دنيا الجحودِ لأُمّةٍ لا تَجْحَدُ
تمشي على نُورِ الكتابِ فتهتدي / وتُقيمُ آداب الحياةِ فتسعدُ
جَدِّدْ لنا أيّامَ بدرٍ إنّها / أيّامُنا اللّاتي نُحِبُّ وَنحْمَدُ
حَفِظَتْ على الإسلامِ يَانِعَ غرسِه / والجاهليّةُ بالقَواضبِ تُحْصَدُ
غَرْسٌ نَما فالأرضُ من بَرَكاتِه / تُعطِي الحياةَ كريمةً وَتُزَوِّدُ
قُمْ يا رسولَ الله وانْظُرْ هل تَرَى / إلا شعوباً غابَ عنها المَرْشَدُ
نامتْ سُيوفُك بعد طُولِ سُهادِها / فاسْتَيْقَظَ الغاوي وهَبَّ المُفْسِدُ
عَمَّ الفسادُ فلا صَلاحٌ يُرْتَجَى / لِلعَالَمينَ ولا فَلاحٌ يُنْشَدُ
الأمرُ فوضَى والحياةُ ذميمةٌ / والشَّرُّ لا يَفْنَى ولا هو يَنْفَدُ
دُنيا الهوى ترمِي الشُّعوبَ من الأذَى / ومن العَذابِ بِعاصِفٍ لا يركدُ
انْظُرْ إلى أيّامِ عادٍ إذ طَغَتْ / وثمودَ يبعثُها الزّمانُ الأنكدُ
أَسَفِي على الإِسلامِ هَانَ عَرينُه / وعَدَا عليه الفاتِكُ المُسْتَأسِدُ
إنَّ الذي جَمَعتْ سيوفُ مُحمّدٍ / أَمْسَى بأيدي المُسلِمينَ يُبَدَّدُ
ما أَوْجَعَ الذكرَى ويالكِ لوعةً / في قلبِ كل مُوَحِّدٍ تَتَوقَّدُ
يا مَوْلِدَ النُّورِ الذي صَدَعَ الدُّجَى / فَرأَى السَّبيلَ الحائِرُ المُتَردِّدُ
السُّبْلُ خافيةُ المعالِمِ والهُدَى / قوْلٌ يُقالُ ومَطْلَبٌ لا يُوجَدُ
طَالَ الرّجاءُ فهل لنا مِن مَوْعِدٍ / وَاحَسرتَاهُ مَتَى يَحينُ المَوْعِدُ
ذَهبَ الزَّمانُ فَمَنْ لنا بِبَقِيَّةٍ / منه تُحَلُّ بها الأُمورُ وتُعْقدُ
الناسُ مُعْوَجُّ السّبيلِ مُضلَّلٌ / ومُوَفَّقٌ في العالمينَ مُسَدَّدُ
ربِّ اتَّخِذْ لِلمُسلِمينَ سبيلَهم / فإلَيْكَ مَرْجِعُهم وأنت المَقْصِدُ
فَزِعُوا إليكَ فَكُنْ لهم لا تُقْصِهِمْ / عن بابِ رحمتِكَ الذي لا يُوصَدُ
مَنْ كانَ يَسْألُ في الشّدائِدِ مَنْ لَنا / فالله جلَّ جلالهُ ومُحمَّدُ
نهض الشبابُ وجالتِ الآمالُ / والمجدُ أجمعُ نهضةٌ ومجالُ
نهضت قُوى الجيل الذي انتفضت له / وتطلّعت من حوله الأجيالُ
للدّهر منه ومن عجائبِ صنعِه / مَثَلٌ يُريهِ بلاءَه فَيُهالُ
دفعَ الحوادثَ فاعتزلن سبيلَه / ومضى إلى غاياتِه يَنثالُ
جاشت به هِمَمٌ بلغن به المدى / وعلقن بالأقدار وهيَ عِجالُ
هزّ الرّواسِيَ مُقدِماً ما مثله / في البأسِ إعصارٌ ولا زلزالُ
كَلِفٌ بأسباب السّماءِ يُريدها / لو أنّ اسبابَ السّماء تُنالُ
يبني لأُمَّتهِ الحياةَ جديدةً / للعلم فيها روعةٌ وجلالُ
تأبى المعاولُ أن يقرَّ قرارُها / حتّى تُدمّرَ ما بَنى الجُهّالُ
شَرَفُ الشُّعوبِ عُلومُها وحياتُها / أن تَصلُحَ الأخلاقُ والأعمالُ
وإذا الشّبابُ رمى الأمور بعزمِه / عَنَتِ الصِّعابُ وخفّتِ الأثقالُ
ما للأُمورِ إذا التوت أسبابُها / إلا كفاحٌ دائمٌ ونضالُ
خُذْ ما أردتَ بقوّةٍ وادأبْ ولا / يأخذْك ضعفٌ أو يَنَلْكَ مَلالُ
واليأسُ فاصْدِفْ عنه واحْذرْ داءَه / فاليأسُ داءٌ للنّفوسِ عُضالُ
واضرِبْ بما زعم الضّعافُ وجوهَهم / فمن المزاعمِ للعقولِ خَبالُ
وإذا هُمُ ذكروا المحالَ فَقُلْ لهم / ما في الأُمور على الرجالِ مُحالُ
قَعَد الشُّيوخُ عن النّضالِ وهذه / دُنيا الشّبابِ فبوركَ الأبطالُ
صدأُ الحديدِ طغى على آبائهم / وخبا الفِرِنْدُ فما يُفيد صِقالُ
وهوى اللّواء مُعفَّراً وتحطَّمت / حولَ اللّواءِ أسِنّةٌ ونصالُ
أخَذ الشّبابُ لواءَهم وتدافعوا / حيث ارتمتْ تَتدافعُ الأهوالُ
في كلِّ مُعتَركٍ تهون نفوسُهم / فيه وترخصُ عنده الأموالُ
لا المستبيحُ يَعيثُ في أوطانهم / إن رامَ بَيْضتَها ولا المغتالُ
يحمون بالدمِ عِرضَها وهو الحمى / إن رِيع مُعتصَمٌ وخِيفَ مآلُ
العارُ أجمعُ والمهانةُ كلُّها / عِرضٌ بأيدي العابثين مُذالُ
نَفَضَ الشّبابُ العَجزَ عن آمالهِ / والعاجزون على الشُّعوب عِيالُ
وانسابَ يأبى أن يَعيبَ زَمانَهُ / قِيلٌ يضيعُ به الزّمانُ وقالُ
لم يقضِ حاجَتَه ولم يظفرْ بها / في النّاس إلا القائل الفعّالُ
الأمرُ جِدٌّ مابه من ريبةٍ / والبعثُ حقٌّ ليس فيه جدالُ
قُلْ للأُلىَ ظنّوا الظُّنونَ وأرجفوا / لا شيءَ يمنعُ أن تحولَ الحالُ
للهِ أمرٌ في الممالكِ نافذٌ / تجرِي به الأقدارُ والآجالُ
لا تركننَّ إلى الوساوسِ واحترِسْ / إنّ الوساوسَ للنُّفوسِ ضلالُ