المجموع : 7
أَبَنِي الْكِنَانَةِ أَبْشِرُوا بِمُحَمّد
أَبَنِي الْكِنَانَةِ أَبْشِرُوا بِمُحَمّد / وَثِقُوا بِرَاعٍ فِي الْمَكَارِمِ أَوْحَدِ
فَهُوَ الزَّعِيمُ لَكُمْ بِكُلِّ فَضِيلَةٍ / تَبْقَى مَآثِرُهَا وَعَيْشٍ أَرْغَدِ
مَلِكٌ نَمَتْهُ أَرُومَةٌ عَلَوِيَّةٌ / مَلَكَتْ بِسُؤْدُدِهَا عِنَانَ الْفَرْقَدِ
يَقِظُ الْبَصِيرَةِ لَوْ سَرَتْ في عَيْنِهِ / سِنَةُ الرُّقَادِ فَقَلْبُهُ لَمْ يَرْقُدِ
بَدَهَاتُهُ قَيْدُ الصَّوَابِ وَعَزْمُهُ / شَرَكُ الْفَوارِسِ فِي الْعَجَاجِ الأَرْبَدِ
فَإِذَا تَنَمَّرَ فَهْوَ زَيْدٌ فِي الْوَغَى / وإِذَا تَكَلَّمَ فَهْوَ قَيْسٌ فِي النَّدِي
مُتَقَسَّمٌ مَا بَيْنَ حُنْكَةِ أَشْيبٍ / صَدَقَتْ مَخِيلَتُهُ وَحِلْيَةِ أَمْرَدِ
لا يَسْتَرِيحُ إِلى الْفَرَاغِ ولا يَرَى / عَيْشاً يَلَذُّ بِهِ إِذَا لَمْ يَجْهَدِ
فَنَهَارُهُ غَيْثُ اللَّهِيفِ ولَيْلُهُ / في طَاعَةِ الرَّحْمَنِ لَيْلُ الْعُبَّدِ
لَهِجٌ بِحُبِّ الصَّالِحَاتِ فَكُلَّمَا / بَلَغَ النِّهَايَةَ مِنْ صَنِيعٍ يَبْتَدِي
خُلُقٌ تَمَيَّزَ عَنْ سِوَاهُ بِفَضْلِهِ / والْفَضْلُ فِي الأَخْلاقِ إِرْثُ الْمَحْتدِ
إِقْلِيدُ مُعْضِلَةٍ وَمَعْقِلُ عَائِذٍ / وَسَماءُ مُنْتَجِعٍ وَقِبْلَةُ مُهْتَدِ
حَسُنَتْ بِهِ الأَيَّامُ حَتَّى أَسْفَرَتْ / عَنْ وَجْهِ مَعْشُوقِ الشَّمائِلِ أَغْيَدِ
وَصَفَتْ مَوَارِدُ مِصْرَ حَتَّى أَصْبَحَتْ / بَعْدَ الْكُدُورَةِ شِرْعَةٌ لِلْوُرَّدِ
فَالْعَدْلُ يَرْعَاهَا بِرَأْفَةِ وَالِدٍ / والْبَأْسُ يَحْمِيهَا بِصَوْلَةِ أَصْيَدِ
بَلَغَتْ بِفَضْلِ مُحَمّدٍ مَا أَمَّلَتْ / مِنْ عِيشَةٍ رَغَدٍ وَجَدٍّ أَسْعَدِ
هُوَ ذَلِكَ الْمَلِكُ الَّذي أَوْصَافُهُ / فِي الشِّعْرِ حِلْيَةُ رَاجِزٍ وَمُقَصِّدِ
فَبِنُورِهِ فِي كُلِّ جُنْحٍ نَهْتَدِي / وبِهَدْيِهِ فِي كُلِّ خَطْبٍ نَقْتَدِي
سَنَّ الْمَشُورَةَ وَهيَ أَكْرَمُ خُطَّةٍ / يَجْرِي عَلَيْهَا كُلُّ رَاعٍ مُرْشِدِ
هِيَ عِصْمَةُ الدِّينِ التي أَوْحَى بِهَا / رَبُّ الْعِبَادِ إِلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدِ
فَمَنِ اسْتَعَانَ بِهَا تَأَيَّدَ مُلْكُهُ / وَمَنِ اسْتَهَانَ بِأَمْرِهَا لَمْ يرْشدِ
أَمْرَانِ مَا اجْتَمَعَا لِقَائِدِ أُمَّةٍ / إِلَّا جَنَى بِهِمَا ثِمَارَ السُّؤْدُدِ
جَمْعٌ يَكُونُ الأَمْرُ فِي مَا بَيْنَهُمْ / شُورَى وجُنْدٌ لِلْعَدُوِّ بِمَرْصَدِ
هَيْهَاتَ يَحْيَا الْمُلْكُ دُونَ مَشُورَةٍ / ويَعِزُّ رُكْنُ الْمَجْدِ مَا لَمْ يُعْمَدِ
فَالسَّيْفُ لا يَمْضِي بِدُونِ رَويَّةٍ / وَالرَّأْيُ لا يَمْضِي بِغَيرِ مُهَنَّدِ
فَاعْكُفْ عَلَى الشُّورَى تَجِدْ فِي طَيِّهَا / مِنْ بَيِّنَاتِ الحُكْمِ مَا لَمْ يُوجَدِ
لا غَرْوَ أَنْ أَبْصَرْتَ في صَفَحَاتِهَا / صُوَرَ الْحَوَادِثِ فَهْيَ مِرْآةُ الْغَدِ
فَالعَقْلُ كَالْمِنْظَارِ يُبْصِرُ مَا نَأَى / عَنْهُ قَريباً دُونَ لَمْسٍ بِالْيَدِ
وَكَفَاكَ عِلْمُكَ بِالأُمُورِ وَلَيْسَ مَنْ / سَلَكَ السَّبِيلَ كَجَائِرٍ لَمْ يَهْتَدِ
فَلأَنْتَ أَوَّلُ مَنْ أَفَادَ بِعَدْلِهِ / حُرِّيَّةَ الأَخْلاقِ بَعْدَ تَعَبُّدِ
أَطْلَقْتَ كُلَّ مُقَيَّدٍ وَحَلَلْتَ كُل / لَ مُعَقَّدٍ وَجَمَعْتَ كُلَّ مُبَدَّدِ
وَتَمَتَّعَتْ بِالْعَدْلِ مِنْكَ رَعِيَّةٌ / كَانَتْ فَرِيسَةَ كُلِّ بَاغٍ مُعْتَدِ
فاسْلَمْ لِخَيْرِ وِلايَةٍ عَزَّتْ بِهَا / نَفْسُ النَّصِيحِ وذَلَّ كُلُّ مُفَنَّدِ
ضَرَحَتْ قَذَاةَ الْغَيِّ عَنْ جَفْنِ الْهُدَى / وَسَرَتْ قِنَاعَ الْيَأْسِ عَنْ أَمَلٍ نَدِ
ضَمَّتْ إِلَيْكَ زِمَامَ كُلِّ مُثَلِّثٍ / وَثَنَتْ إِلَيْكَ عِنَانَ كُلِّ مُوَحِّدِ
وَتَأَلَّفَتْ بَعْدَ الْعَدَاوَةِ أَنْفُسٌ / سَكَنَتْ بِعَدْلِكَ في نَعِيمٍ سَرْمَدِ
فَحَبَاكَ رَبُّكَ بِالْجَمِيلِ كَرَامَةً / لِجَزِيلِ مَا أَوْلَيْتَ أُمَّةَ أَحْمَدِ
وَتَهَنَّ بِالْمُلْكِ الَّذِي أَلْبَسْتَهُ / شَرَفاً بِمِثْلِ رِدَائِهِ لَمْ يَرْتَدِ
بَزَغَتْ بِهِ شَمْسُ الْهِدَايَةِ بَعْدَ مَا / أَفَلَتْ وَأَبْصَرَ كُلُّ طَرْفٍ أَرْمَدِ
لَمْ يَبْقَ مِنْ ذِي خَلَّةٍ إِلَّا اغْتَدَى / بِجَمِيلِ صُنْعِكَ مَصْدَرَاً لِلْوُفَّدِ
بَلَغَتْ بِكَ الآمَالُ أَبْعَدَ غَايَةٍ / قَصَرَتْ عَلَى الإِغْضَاءِ طَرْفَ الْحُسَّدِ
فَاسْعَدْ وَدُمْ واغْنَم وَجُدْ وانْعَمْ وَسُدْ / وابْدَأْ وَعُدْ وَتَهَنَّ واسْلَمْ وَازْدَدِ
لا زَالَ عَدْلُكَ فِي الأَنَامِ مُخَلَّداً / فَالْعَدْلُ فِي الأَيَّامِ خَيْرُ مُخَلَّدِ
ظَنَّ الظُّنُونَ فَبَاتَ غَيْرَ مُوَسَّدِ
ظَنَّ الظُّنُونَ فَبَاتَ غَيْرَ مُوَسَّدِ / حَيْرَانَ يَكْلأ مُسْتَنِيرَ الْفَرْقَدِ
تُلْوِي بِهِ الذُّكُراتُ حَتَّى إِنَّهُ / لَيَظَلُّ مُلْقَى بَيْنَ أَيْدِي الْعُوَّدِ
طَوْراً يَهُمُّ بِأَن يَزِلَّ بِنَفْسِهِ / سَرَفاً وتَاراتٍ يَمِيلُ عَلَى الْيَدِ
فَكَأَنَّمَا افْتَرَسَتْ بِطَائِرِ حِلْمِهِ / مَشْمُولَةٌ أَوْ سَاغَ سُمَّ الأَسْوَدِ
قالُوا غَداً يَوْمُ الرَّحِيلِ وَمَنْ لَهُمْ / خَوْفَ التَّفَرُّقِ أَنْ أَعِيشَ إِلَى غَدِ
هِيَ مُهْجَةٌ ذَهَبَ الْهَوَى بِشَغَافِهَا / مَعْمُودَةٌ إِنْ لَمْ تَمُتْ فَكَأَنْ قَدِ
يَا أَهْلَ ذا الْبَيْتِ الرَّفِيعِ مَنَارُهُ / أَدْعُوكُمُ يَا قَوْمُ دَعْوَةَ مُقْصَدِ
إِنِّي فَقَدْتُ الْيَوْمَ بَيْنَ بُيُوتِكُمْ / عَقْلِي فَرُدُّوهُ عَلَيَّ لأَهْتَدِي
أَوْ فَاسْتَقِيدُونِي بِبَعْضِ قِيَانِكُمْ / حَتَّى ترُدَّ إِلَيَّ نَفْسِي أَوْ تَدِي
بَلْ يَا أَخَا السَّيْفِ الطَّوِيلِ نِجَادُهُ / إِنْ أَنْتَ لَمْ تَحْمِ النَّزِيلَ فَأَغْمِدِ
هَذِي لِحَاظُ الْغِيدِ بَيْنَ شِعَابِكُمْ / فَتَكَتْ بِنَا خَلْساً بِغَيْرِ مُهَنَّدِ
مِنْ كُلِّ نَاعِمَةِ الصِّبَا بَدَوِيَّةٍ / رَيَّا الشَّبابِ سَلِيمَةِ الْمُتَجَرّدِ
هَيْفَاءَ إِنْ خَطَرَتْ سَبَتْ وإِذَا رَنَتْ / سَلَبَتْ فُؤَادَ الْعَابِدِ الْمُتَشَدِّدِ
يَخْفِضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ تَخَتُّلاً / لِلنَّفْسِ فِعْلَ الْقَانِتَاتِ الْعُبَّدِ
فَإِذَا أَصَبْنَ أَخَا الشَّبَابِ سَلَبْنَهُ / وَرَمَيْنَ مُهْجَتَهُ بِطَرْفٍ أَصْيَدِ
وَإِذَا لَمَحْنَ أَخَا الْمَشِيبِ قَلَيْنَهُ / وَسَتَرْنَ ضَاحِيَةَ الْمَحَاسِنِ بِالْيَدِ
فَلَئِنْ غَدَوْتُ دَرِيئَةً لعُيُونِهَا / فَلَقدْ أَفُلُّ زَعَارَةَ الْمُتَمَرِّدِ
وَلَقَدْ شَهِدْتُ الْحَرْبَ في إِبَّانِهَا / وَلَبِئْسَ رَاعِي الْحَيِّ إِنْ لَمْ أَشْهَدِ
تَتَقَصَّفُ الْمُرَّانُ فِي حَجَراتِهَا / وَيَعُودُ فِيها السَّيْفُ مِثْلَ الأَدْرَدِ
عَصَفَتْ بها رِيحُ الرَّدَى فَتَدَفَّقَتْ / بِدَمِ الْفَوَارِسِ كَالأَتِيِّ الْمزْبِدِ
مَا زِلْتُ أَطْعَنُ بَيْنَها حَتَّى انْثَنَتْ / عَنْ مِثْلِ حَاشِيَةِ الرَّدَاءِ الْمُجْسَدِ
وَلَقَدْ هَبَطْتُ الْغَيْثَ يَلْمَعُ نَوْرُهُ / فِي كُلِّ وَضَّاحِ الأَسِرَّةِ أَغْيَدِ
تَجْرِي بِهِ الآرَامُ بَيْنَ مَنَاهِلٍ / طَابَتْ مَوَارِدُهَا وَظِلٍّ أَبْرَدِ
بِمُضَمَّرٍ أَرِنٍ كَأَنَّ سَرَاتَهُ / بَعْدَ الْحَمِيمِ سَبِيكَةٌ مِنْ عَسْجَدِ
خَلَصَتْ لَهُ الْيُمْنَى وَعَمَّ ثَلاثَةً / مِنْهُ الْبَيَاضُ إِلَى وَظِيفٍ أَجْرَدِ
فَكَأَنَّمَا انْتَزعَ الأَصِيلَ رِدَاءَهُ / سَلَباً وَخَاضَ مِنَ الضُّحَى فِي مَوْرِدِ
زَجِلٌ يُرَدِّدُ فِي اللَّهَاةِ صَهِيلَهُ / رَفْعاً كَزَمْزَمَةِ الْحَبِيِّ الْمُرْعِدِ
مُتَلَفِّتَاً عَنْ جَانِبَيهِ يَهُزُّهُ / مَرَحُ الصِّبَا كَالشَّارِبِ الْمُتَغَرِِّد
فإِذَا ثَنَيْتَ لَهُ الْعِنَانَ وَجَدْتَهُ / يَمْطُو كَسِيدِ الرَّدْهَةِ الْمُتَوَرِّدِ
وإِذَا أَطَعْتَ لَهُ الْعِنَانَ رَأَيْتَهُ / يَطْوِي الْمَهَامِهَ فَدْفَداً فِي فَدْفَدِ
يَكْفِيكَ مِنْهُ إِذَا أَحَسَّ بِنَبْأَةٍ / شَدُّ كَمَعْمَعَةِ الأَباءِ الْمُوقَدِ
صُلْبُ السَّنابِكِ لا يَمُرُّ بِجَلْمَدٍ / فِي الشَّدِّ إِلَّا رَضَّ فِيهِ بِجَلْمَدِ
نِعْمَ الْعَتَادُ إِذَا الشِّفَاهُ تَقَلَّصَتْ / يومَ الْكَرِيهَةِ في الْعَجَاجِ الأَرْبَدِ
وَلَقَدْ شَرِبْتُ الْخَمْرَ بَيْنَ غَطارِفٍ / شُمِّ الْمَعَاطِسِ كَالْغُصُونِ الْمُيَّدِ
يَتَلاعَبُونَ عَلَى الْكُؤوسِ إِذَا جَرَتْ / لَعِباً يَرُوحُ الْجِدُّ فِيهِ وَيَغْتَدِي
لا يَنْطِقُونَ بِغَيْرِ ما أَمَرَ الْهَوَى / فَكَلامُهُمْ كَالرَّوْضِ مَصْقُولٌ نَدِي
مِنْ كُلِّ وَضَّاحِ الْجَبينِ كَأَنَّهُ / قَمَرٌ تَوَسَّطَ جُنْحَ لَيْلٍ أَسْوَدِ
بَلْ رُبَّ غَانِيَةٍ طَرَقْتُ خِبَاءَهَا / وَالنَّجْمُ يَطْرِفُ عَنْ لَواحِظِ أَرْمَدِ
قَالَتْ وَقَدْ نَظَرَتْ إِلَيَّ فَضَحْتَنِي / فَارْجِعْ لِشَأْنِكَ فَالرِّجَالُ بِمَرْصَدِ
فَخَلَبْتُهَا بِالْقَولِ حَتَّى رُضْتُها / وَطَوَيْتُهَا طَيَّ الْحَبِيرَةِ بِالْيَدِ
مَا زِلْتُ أَمْنَعُهَا الْمَنامَ غَوايَةً / حَتَّى لَقَدْ بِتْنَا بِلَيْلِ الأَنْقَدِ
رَوْعَاءُ تَفْزَعُ مِنْ عَصَافِيرِ الضُّحَى / تَرَفاً وَتَجْزَعُ مِنْ صِيَاحِ الْهُدْهُدِ
حَتَّى إِذا نَمَّ الصَّبَا وَتَتَابَعَتْ / زِيَمُ الْكَواكِبِ كَالْمَهَا الْمُتَبَدِّدِ
قَالَتْ دَخَلْتَ وَمَا إِخَالُكَ بَارِحاً / إِلَّا وَقَدْ أَبْقَيْتَ عَارَ الْمُسْنَدِ
فَمَسَحْتُهَا حَتَّى اطْمَأَنَّ فُؤَادُها / وَنَفَيْتُ رَوْعَتَهَا بِرَأْيٍ مُحْصَدِ
وَخَرَجْتُ أَخْتَرِقُ الصُّفُوفَ مِنَ الْعِدَا / مُتَلَثِّمَاً وَالسَّيْفُ يَلْمَعُ فِي يَدِي
فَلَنِعْمَ ذَاكَ الْعَيْشُ لَوْ لَمْ يَنْقَضِ / وَلَنِعْمَ هَذَا الْعَيْشُ إِنْ لَمْ يَنْفَدِ
يَرْجُو الْفَتَى فِي الدَّهْرِ طُولَ حَيَاتِهِ / وَنَعِيمِهِ وَالْمَرْءُ غَيْرُ مُخَلَّدِ
أَيَدَ الْمَنُونِ قَدَحْتِ أَيَّ زِنَادِ
أَيَدَ الْمَنُونِ قَدَحْتِ أَيَّ زِنَادِ / وَأَطَرْتِ أَيَّةَ شُعْلَةٍ بِفُؤَادِي
أَوْهَنْتِ عَزْمِي وَهْوَ حَمْلَةُ فَيْلَقٍ / وَحَطَمْتِ عُودِي وَهْوَ رُمْحُ طِرَادِ
لَمْ أَدْرِ هَلْ خَطْبٌ أَلَمَّ بِسَاحَتِي / فَأَنَاخَ أَمْ سَهْمٌ أَصابَ سَوَادِي
أَقْذَى الْعُيُونَ فأَسْبَلَتْ بِمَدَامِعٍ / تَجْرِي عَلَى الْخَدَّيْنِ كَالْفِرْصَادِ
ما كُنْتُ أَحْسَبُنِي أُرَاعُ لِحَادِثٍ / حَتَّى مُنِيتُ بِهِ فَأَوْهَنَ آدِي
أَبْلَتْنِيَ الحَسَراتُ حَتَّى لَمْ يَكَدْ / جِسْمِي يَلُوحُ لأَعْيُنِ الْعُوَّادِ
أَسْتَنْجِدُ الزَّفَراتِ وَهْيَ لَوَافِحٌ / وَأُسَفِّهُ الْعَبَرَاتِ وَهْيَ بِوَادِي
لا لَوْعَتِي تَدَعُ الْفُؤَادَ وَلا يَدِي / تَقْوَى عَلَى رَدِّ الحَبِيبِ الْغَادِي
يا دَهْرُ فِيمَ فَجَعْتَنِي بِحَلِيلَةٍ / كَانَتْ خُلاصَةَ عُدَّتِي وَعَتَادِي
إِنْ كُنْتَ لَمْ تَرْحَمْ ضَنَايَ لِبُعْدِهَا / أَفَلا رَحِمْتَ مِنَ الأَسى أَوْلادِي
أَفْرَدْتَهُنَّ فَلَمْ يَنَمْنَ تَوَجُّعَاً / قَرْحَى الْعُيُونِ رَوَاجِفَ الأَكْبَادِ
أَلْقَيْنَ دُرَّ عُقُودِهِنَّ وَصُغْنَ مِنْ / دُرِّ الدُّمُوعِ قَلائِدَ الأَجْيَادِ
يَبْكِينَ مِنْ وَلَهٍ فِرَاقَ حَفِيَّةٍ / كَانَتْ لَهُنَّ كَثِيرَةَ الإِسْعَادِ
فَخُدُودُهُنَّ مِنَ الدُّمُوعِ نَدِيَّةٌ / وَقُلُوبُهُنَّ مِنَ الْهُمُومِ صَوَادِي
أَسَلِيلَةَ الْقَمَرَيْنِ أَيُّ فَجِيعَةٍ / حَلَّتْ لِفَقْدِكِ بَيْنَ هَذَا النَّادِي
أَعزِزْ عَلَيَّ بِأَنْ أَرَاكِ رَهِينَةً / فِي جَوْفِ أَغْبَرَ قَاتِمِ الأَسْدَادِ
أَوْ أَنْ تَبِينِي عَنْ قَرَارَةِ مَنْزِلٍ / كُنْتِ الضِيَاءَ لَهُ بِكُلِّ سَوَادِ
لَوْ كَانَ هَذَا الدَّهْرُ يَقْبَلُ فِدْيَةً / بِالنَّفْسِ عَنْكِ لَكُنْتُ أَوَّلَ فَادِي
أَوْ كَانَ يَرْهَبُ صَوْلَةً مِنْ فَاتِكٍ / لَفَعَلْتُ فِعْلَ الْحَارِثِ بْنِ عُبَادِ
لَكِنَّهَا الأَقْدَارُ لَيْسَ بِنَاجِعٍ / فِيها سِوَى التَّسْلِيمِ وَالإِخْلادِ
فَبِأَيِّ مَقْدِرَةٍ أَرُدُّ يَدَ الأَسَى / عَنِّي وَقَدْ مَلَكَتْ عِنَانَ رَشَادِي
أَفَأَسْتَعِينُ الصَّبْرَ وَهْوَ قَسَاوَةٌ / أَمْ أَصْحَبُ السُّلْوَانَ وَهْوَ تَعَادِي
جَزَعُ الْفَتَى سِمَةُ الْوَفَاءِ وصَبْرُهُ / غَدْرٌ يَدُلُّ بِهِ عَلَى الأَحْقَادِ
وَمِنَ الْبَلِيَّةِ أَنْ يُسَامَ أَخُو الأَسَى / رَعْيَ التَّجَلُّدِ وَهْوَ غَيْرُ جَمَادِ
هَيْهَاتَ بَعْدَكِ أَنْ تَقَرَّ جَوَانِحِي / أَسَفاً لِبُعْدِكِ أَوْ يَلِينَ مِهَادِي
وَلَهِي عَلَيكِ مُصاحِبٌ لِمَسِيرَتِي / وَالدَّمْعُ فِيكِ مُلازِمٌ لِوِسَادِي
فَإِذَا انْتَبَهْتُ فَأَنْتِ أَوَّلُ ذُكْرَتِي / وَإِذَا أَوَيْتُ فَأَنْتِ آخِرُ زَادِي
أَمْسَيْتُ بَعْدَكِ عِبْرَةً لِذَوِي الأَسَى / فِي يَوْمِ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَحِدَادِ
مُتَخَشِّعَاً أَمْشِي الضَّرَّاءَ كَأَنَّنِي / أَخْشَى الْفُجَاءَةَ مِنْ صِيَالِ أَعَادِي
مَا بَيْنَ حُزْنٍ بَاطنٍ أَكَلَ الْحَشَا / بِلَهِيبِ سَوْرَتِهِ وَسُقْمٍ بَادِي
وَرَدَ الْبَرِيدُ بِغَيْرِ ما أَمَّلْتُهُ / تَعِسَ الْبَرِيدُ وشَاهَ وَجْهُ الْحَادِي
فَسَقَطْتُ مَغْشِيَّاً عَلَيَّ كَأَنَّمَا / نَهَشَتْ صَمِيمَ الْقَلْبِ حَيَّةُ وَادِي
وَيْلُمِّهِ رُزءَاً أَطَارَ نَعِيُّهُ / بِالْقَلْبِ شُعْلَةَ مَارِجٍ وَقَّادِ
قَدْ أَظْلَمَتْ مِنْهُ الْعُيُونُ كَأَنَّما / كَحَل الْبُكَاءُ جُفُونَها بِقَتَادِ
عَظُمَتْ مُصِيبَتُهُ عَلَيَّ بِقَدْرِ مَا / عَظُمَتْ لَدَيَّ شَمَاتَةُ الْحُسَّادِ
لامُوا عَلَى جَزَعِي وَلَمَّا يَعْلَمُوا / أَنَّ الْمَلامَةَ لا تَرُدُّ قِيَادِي
فَلَئِنْ لَبِيدُ قَضَى بِحَوْلٍ كَامِلٍ / فِي الْحُزْنِ فَهْوَ قَضَاءُ غَيْرِ جَوَادِ
لَبِسَ الزَّمَانَ عَلَى اخْتِلافِ صُرُوفِهِ / دُوَلاً وَفَلَّ عَرَائِكَ الآبَادِ
كَمْ بَيْنَ عَادِيٍّ تَمَلَّى عُمْرَهُ / حِقَباً وَبَيْنَ حَدِيثَةِ الْمِيلادِ
هَذَا قَضَى وَطَرَ الْحَيَاةِ وتِلْكَ لَمْ / تَبْلُغْ شَبِيبَةَ عُمْرِهَا الْمُعْتَادِ
فَعَلامَ أَتْبَعُ مَا يَقُولُ وَحُكْمُهُ / لا يَسْتَوِي لِتَبَايُنِ الأَضْدَادِ
سِرْ يَا نَسِيمُ فَبَلِّغِ الْقَبْرَ الَّذِي / بِحِمَى الإِمَامِ تَحِيَّتِي ووِدَادِي
أَخْبِرْهُ أَنِّي بَعْدَهُ في مَعْشَرٍ / يَسْتَجْلِبُونَ صَلاحَهُمْ بِفَسَادِي
طُبِعُوا على حَسَدٍ فَأَنْتَ تَرَاهُمُ / مَرْضَى الْقُلُوبِ أَصِحَّةَ الأَجْسَادِ
وَلَوَ انَّهُمْ عَلِمُوا خَبِيئَةَ ما طَوَى / لَهُمُ الرَّدَى لَمْ يَقْدَحُوا بِزِنادِ
كُلُّ امْرِئٍ يَوْماً مُلاقٍ رَبَّهُ / والنَّاسُ فِي الدُّنْيَا عَلى مِيعَادِ
وَكَفَى بِعَادِيَةِ الْحَوَادِثِ مُنْذِراً / لِلْغَافِلِينَ لَوِ اكْتَفُوا بِعَوَادِي
فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ نَظْرَةَ عَاقِلٍ / لِمَصَارِعِ الآباءِ وَالأَجْدَادِ
عَصَفَ الزَمَانُ بِهِمْ فَبَدَّدَ شَمْلَهُمْ / فِي الأَرْضِ بَيْنَ تَهَائِمٍ وَنِجَادِ
دَهْرٌ كَأَنَّا مِنْ جَرَائِرِ سِلْمِهِ / فِي حَرِّ يَوْمِ كَرِيهَةٍ وجِلادِ
أَفْنَى الْجَبَابِرَ مِنْ مَقَاوِلِ حِمْيَرٍ / وأُولِي الزَّعَامَةِ مِنْ ثَمُودَ وَعَادِ
وَرَمَى قُضَاعَةَ فَاسْتَبَاحَ دِيارَهَا / بِالسُّخْطِ مِنْ سابُورَ ذِي الأَجْنَادِ
وَأَصَابَ عَنْ عُرْضٍ إِيادَ فَأَصْبَحَتْ / مَنْكُوسَةَ الأَعْلامِ فِي سِنْدَادِ
فَسَلِ الْمَدَائِنَ فَهْيَ مَنْجَمُ عِبْرَةٍ / عَمَّا رَأَتْ مِنْ حَاضِرٍ أَوْ بَادِي
كَرَّتْ عَلَيْهَا الْحَادِثَاتُ فَلَمْ تَدَعْ / إِلَّا بَقَايَا أَرْسُمٍ وَعِمَادِ
وَاعْكُفْ عَلَى الْهَرَمَيْنِ واسْأَلْ عَنْهُمَا / بَلْهِيبَ فَهْوَ خَطِيبُ ذَاكَ الْوَادِي
تُنْبِئْكَ أَلْسِنَةُ الصُّمُوتِ بِمَا جَرَى / في الدَّهْرِ مِنْ عَدَمٍ ومِنْ إِيْجَادِ
أُمَمٌ خَلَتْ فَاسْتَعْجَمَتْ أَخْبَارُها / حَتَّى غَدَتْ مَجْهُولَةَ الإِسْنَادِ
فَعَلامَ يَخْشَى الْمَرْءُ صَرْعَةَ يَوْمِهِ / أَوَلَيْسَ أَنَّ حَيَاتَهُ لِنَفَادِ
تَعَسَ امْرُؤٌ نَسِيَ الْمَعَادَ وَمَا دَرَى / أَنَّ الْمَنُونَ إِلَيْهِ بِالْمِرْصَادِ
فَاسْتَهْدِ يَا مَحْمُودُ رَبَّكَ وَالْتَمِسْ / مِنْهُ الْمَعُونَةَ فَهْوَ نِعْمَ الْهَادِي
وَاسْأَلْهُ مَغْفِرَةً لِمَنْ حَلَّ الثَّرَى / بِالأَمْسِ فَهْوَ مُجِيبُ كُل مُنَادِي
هِيَ مُهْجَةٌ وَدَّعْتُ يَوْمَ زِيَالِهَا / نَفْسِي وَعِشْتُ بِحَسْرَةٍ وَبِعَادِ
تَاللهِ ما جَفَّتْ دُمُوعي بَعْدَمَا / ذَهَبَ الرَّدَى بِكِ يَا بْنَةَ الأَمْجَادِ
لا تَحْسَبِينِي مِلْتُ عَنْكِ مَعَ الْهَوَى / هَيْهَاتَ مَا تَرْكُ الْوَفاءِ بِعَادِي
قَدْ كِدْتُ أَقْضِي حَسْرَةً لَوْ لَمْ أَكُنْ / مُتَوَقِّعَاً لُقْيَاكِ يَوْمَ مَعَادِي
فَعَلَيْكِ مِنْ قَلْبِي التَّحِيَّةُ كُلَّمَا / نَاحَتْ مُطَوَّقَةٌ عَلَى الأَعْوَادِ
أَنَا مَصْدَرُ الْكَلِمِ النَّوَادِي
أَنَا مَصْدَرُ الْكَلِمِ النَّوَادِي / بَيْنَ الْحَواضِرِ وَالْبَوادِي
أَنَا فَارِسٌ أَنَا شَاعِرٌ / فِي كُلِّ مَلْحَمَةٍ وَنَادِي
فَإِذَا رَكِبْتُ فَإِنَّنِي / زَيْدُ الْفَوارِسِ فِي الْجِلادِ
وَإِذَا نَطَقْتُ فَإِنَّنِي / قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ الإِيَادِي
هَذَا وَذَلِكَ دَيْدَنِي / فِي كُلِّ مُعْضِلَةٍ نَآدِ
وَمُنَادِمٍ غَرِدِ الْحَدِيثِ كَأَنَّمَا
وَمُنَادِمٍ غَرِدِ الْحَدِيثِ كَأَنَّمَا / أَلْفَاظُهُ فِي السَّمْعِ نَغْمَةُ عُودِ
تُغْنِي الإِشَارَةُ مِنْهُ عَنْ تَصْرِيحِهِ / وَتَدُلُّ لَفْظَتُهُ عَلَى الْمَقْصُودِ
سَحَرَ الْعُقُولَ بَيَانُهُ فَكَأَنَّهُ / يَسْقِي الْجَلِيسَ سُلافَةَ الْعُنْقُودِ
عَوِّدْ فُؤَادَكَ أَنْ يَكُونَ مَجَنَّةً
عَوِّدْ فُؤَادَكَ أَنْ يَكُونَ مَجَنَّةً / لِلسِّرِّ فَهْوَ لَدَى الْمَحَافِلِ حَمْدُهُ
السِّرُّ عَبْدُكَ مَا اسْتَطَعْتَ حِفَاظَهُ / فَإِذَا أَفَضْتَ بِهِ فَإِنَّكَ عَبْدُهُ
لا عَيْشَ إِلَّا لِلنَّفَادِ
لا عَيْشَ إِلَّا لِلنَّفَادِ / فَاحْبِبْ حَيَاتَكَ أَوْ فَعَادِ
وَابْخِلْ بِنَفْسِكَ أَوْ فَجُدْ / كُلُّ الأُمُورِ إِلَى فَسَادِ
أَيْنَ الأُلَى شَقُّوا الْبُحُو / رَ وَشَيَّدُوا ذَاتَ الْعِمَادِ
مَلَكُوا التَهَائِمَ وَالنَجَا / ئِدَ وَالْحَوَاضِرَ وَالْبَوَادِي
بَلْ أَيْنَ أَصْحَابُ الْوُفُو / دِ وَأَيْنَ أَرْبَابُ الْجِلادِ
الطَّاعِمُونَ الطَّاعِنُو / نَ الْقَائِلُونَ بِكُلِّ نَادِي
الْكَاشِفُونَ الضُّرَّ وَالْ / عَافُونَ عَنْ ذَنْبِ الْعِبَادِ
بَلْ أَيْنَ صُنَّاعُ الْقَري / ضِ الْجَزْلِ وَالْكَلِمِ الْفِرَادِ
كَالشَّاعِرِ الضِّلِّيلِ أَوْ / قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الإِيَادِي
لَعِبَ الزَّمَانُ بِجَمْعِهِمْ / وَرَمَى بِهِمْ في كُلِّ وَادِي
فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَلْبَثُوا / إِلَّا بَيَاضَاً في سَوادِ