سطَعَتْ شُموسُ قِبابِهم بزَرُودِ
سطَعَتْ شُموسُ قِبابِهم بزَرُودِ / فهَوَتْ نُجومُ مَدامِعي بخُدودي
وتلاعَبَتْ فرَحاً بهِم فتَياتُهم / فطَفِقْتُ أرسُفُ في الهوى بقُيودي
وعلى الحِمى ضرَبوا الخيامَ فليتَهُم / جعلوا من الأطْنابِ حَبلَ وريدي
عهدي بهم تحيا الرّسومُ وإن عفَتْ / فعلامَ أحشائي ذَواتُ هُمودِ
وحياتِهم لولاهُمُ ما لذّ لي / شهدُ الهَوى المَسمومُ بالتّفْنيدِ
كلّا ولا اِستعذَبتُ سائِلَ عَبرةٍ / لولا مُلوحَتُها لأوْرَقَ عودي
تفدي القنا ما في مناطقِهم وإنْ / هي أشبهَتْ شَدّاتِها بعُقودِ
نفرٌ تكادُ لِطيبِهم بأكفّهم / تَحكي ذوابلُهم رَطيبَ العودِ
لا زالَ في وَجَناتِهم ماءُ الصّبا / يَسقي رياضَ شقائقِ التّوريدِ
وسقَتْهُمُ مُقَلُ الغَمامِ منَ الحَيا / دَمْعاً يخدِّدُ وجْنةَ الجُلْمودِ
للّهِ فيهِم أسرةٌ لا تُفتَدى / أسْرى الهَوى من سجنِهم بنُقودِ
كم من قُلوبٍ بينهُم فوقَ الثّرى / وجَبَتْ وأيْدٍ أُلصِقَتْ بكُبودِ
تَلقى المنيّةَ بين بيضِ خُدودِهم / بسطَتْ ذراعَيْها بكلِّ وَصيدِ
تحت المغافِرِ والغفائِرِ تنجلي / منهم بُدورُ أسرّةٍ وسُعودِ
ضربوا القِبابَ من الحرير وزرّروا ال / أبوابَ منها في نُصولِ حَديدِ
رقّتْ خُدودُهُمُ فرقّ تغزُّلي / وقَسَتْ قلوبُهمُ فلانَ شَديدي
طلبوا حِفاظَ رِهانِ أربابِ الهوى / فاِستودَعوها في حِقاقِ نُهودِ
وحموا الثّغورَ فطاعَنوا من دونِها / برِماحِ خطٍّ أو رِماحِ قُدودِ
ما خِلْتُ قبلَ ثُغورهم أن يُنبِتَ ال / ياقوتُ بيضَ اللّؤلؤِ المَنضودِ
ولوِ اِستطَعْتُ بأن أُجَسِّمَ لفظَهُم / لنظَمْتُ منه قلائِدي وعُقودي
في الكَرْمِ معنىً سرُّه لشفاهِهم / نمّتْ عليه معاصرُ العُنقودِ
بعثوا إليّ الطّيفَ في طلبِ الكرى / فأتى وردّ إليهم بهُجودي
يا صاحِ هذا حيّهُم فاِنزِلْ به / واِنشُدْ هنالكَ مُهجةَ المَعمودِ
بمعارجِ الأقمارِ من تَلَعاتِه / عرّجْ فثمّ مهابِطُ المَقصودِ
وأطِلْ بعَرصَتِهِ السّجودَ فإنّما / مسعاكَ منه في محلِّ سُجودِ
واِلثِمْ حَشاهُ مفتّشاً في تُربِه / فهناك ضيّعتِ الحِسانُ عُهودي
وهناك ألقيتُ العصا وأناخَ بي / حادي الهَوى ووضعْتُ ثمّ قُتودي
يا حبّذا عصرٌ على السّفحِ اِنقضى / ولذيذُ عيشٍ بالعقيقِ رَغيدِ
عصرٌ بسَمعي إذ يمرُّ حديثُهُ / يحلو لديّ به فناءُ وُجودي
ما لي وما للدّهرِ لا أصحو به / من سُكرِ بَيْنٍ أو خمارِ صُدودِ
أوَ ما كَفَتْهُ نائِباتُ خُطوبِه / حتّى رَماني في صُدودِ الغِيدِ
ما بالُ أهوى البيضَ منها وهْي في / فَوْدَيَّ تُنكِرُها وتعشَقُ سُودي
لا تُنكِري يا بيضُ بيضَ مَفارِقي / فلرُبَّ شانٍ ذمّ شأنَ حَميدِ
أنا مِجْمَرٌ والشيْبُ نارُ تسَعُّري / وسوادُ فَوْدي مثلُ لونِ خُمودي
ليس الحُسامُ إذا تجرّد متنُه / في الضّرْبِ مثل الصّارمِ المَغمودِ
حتّام تجرَعُ يا فؤادُ من المَهى / ومن الزّمانِ مرارةَ التّنكيدِ
وتَميلُ للبيضِ الحِسانِ تطرُّباً / مَيلَ العَليّ إلى خِصالِ الجودِ
خيرُ الملوكِ سَليلُ أكرَمِ والدٍ / خلَف الغطارِفةِ الكِرامِ الصيدِ
حرٌّ أتى بعد النبيّ وآله ال / أطهارِ للتأسيسِ والتأكيدِ
سمْحٌ إذا اِنتجَعَ العُفاةُ بنانَهُ / هطلَتْ سحائِبُها بغيرِ رُعودِ
عَضْبٌ إذا ما العَزْمُ جرّد حدَّهُ / ضربَتْ بشعْرَتِه يدُ التأييدِ
رامٍ إذا اِشتدّ النِصالُ تنصّلَتْ / منه سِهامُ الرأيِ بالتّسديدِ
قاضٍ إذا اِختلفَ الخُصومُ كأنّما / فصْلُ الخِطابِ رواهُ عن داودِ
بطلٌ أساوِدُ لُدنِه يومَ الوغى / تذَرُ الأسودَ فرائِساً للسِّيدِ
ذو راحةٍ مَزبورةٌ بخطوطِها / آياتُ وعدٍ بُيّنَتْ ووَعيدِ
وعزائِمٍ يومَ الكفاحِ لدى اللّقا / قامَتْ مَقامَ الجَحْفَلِ المَحشودِ
تتنفّسُ الصّعَداءَ خوفَ صِعادِه / مُهَجُ العِدا فتذوبُ بالتّصعيدِ
عدَمُ الشّريكِ له بكلِّ فضيلةٍ / يقضي لهُ بمزيّةِ التّوحيدِ
طلبَ العُلا بسُيوفِه فاِستخرَجَتْ / بالفتْكِ جوهرَ كنزِها المرصودِ
حظُّ العدوّ لديه بيضُ حديدِه / والوفد حُمرُ نُضارِه المَفقودِ
وافى العُلا من بعدِ طولِ تأوّدٍ / فأقامَ ما فيها منَ التأويدِ
وتعطّلَتْ بئرُ النوالِ وإنْ نَشا / ظفَرَ العُفاة بعذبِها المَورودِ
ملكٌ كأنّي إن نطَقْتُ بمدحِه / شتّتُّ في الأسْماعِ سِمْطَ فَريدِ
فكأنّني للناشِقينَ أفُضُّ عن / مختومِ مِسْكٍ فيه عند نَشيدي
لو تشعُرُ الدُنيا لقالَتْ إنّ ذا / مضمونُ أشعاري وبيتُ قَصيدي
لو تُنصِفُ الأيّامُ لاِعترَفتْ له / بفضيلةِ المَولى وذُلِّ عَبيدِ
لو لم تُنافِسهُ النجومُ على العُلا / خدمَتْ رَفيعَ جنابِه المَحسودِ
تَلقى برؤيتِه المُنى أوَ ما تَرى / عُنوانَه بجبينِه المَسعودِ
تجري بأجمعِهِ المحبّةُ للنّدى / جرْيَ الصّبابةِ في عُروقِ عَميدِ
وأشدُّ فَتْكاً في الكُماةِ بنَصلِهِ / من لحظِ مودودٍ بقلبِ وَدودِ
قبَسٌ يكادُ إذا تسعّرَ بأسُهُ / عنهُ تسيلُ الدِّرْعُ بعدَ جُمودِ
لو تَرتَمي في اليمِّ منه شرارةٌ / لغدَتْ به الأمواجُ ذاتَ وُقودِ
تأوي أسنّتُه الصّدورَ كأنّما / خلطَ القُيون حديدَها بحُقودِ
والبيضُ حيث بُدورُها اِعترفَتْ له / بالفَضْلِ أكرمَها بكلِّ جُحودِ
ما فاتَهُ فخرٌ ولا ذمُّ الوَرى / يَرْقى لِكُنْهِ مقامِهِ المَحمودِ
بِنداهُ يخضرُّ الحصى فكأنّما / أثَرُ الصّعيدِ له بكلِّ صَعيدِ
فالمَجْدُ مَقصورٌ عليه أثيلُهُ / والعزُّ تحتَ ظِلالِه المَمْدودِ
موْلىً شوارِدُ فضلِهِ ونوالِه / فينا تَفوتُ ضوابِطَ التّحديدِ
كلُّ المَفاخِرِ والمناقِبِ جُمِّعَتْ / فيه على الإطْلاقِ والتقْييدِ
يا اِبنَ المَصاليتِ الّذين بسَعْيِهمْ / حازوا العُلا منْ طارِفٍ وتَليدِ
ورَوَوْا أسانيدَ المفاخرِ والتُقى / في عزِّ آباءٍ لهُم وجُدودِ
رهْطٌ بهم شرَفُ الأنامِ وعنهُمُ / نُقِلَتْ أصولُ الذِّكرِ والتّحميدِ
وضعوا لكَ المجدَ الأثيلَ وأسّسوا / فرفَعْتَهُ بقواعِدِ التّمْهيدِ
زخْرَفْتَهُ ونقشْتَ فيه لمنْ يَرى / صوراً من التّعظيمِ والتّمجيدِ
لولا وُرودُك للجزيرةِ ما زَهَتْ / وَجناتُ جنّاتٍ لها بورودِ
كلّا ولا سحَبَتْ على ساحاتِها / أغصانُ قاماتٍ ذُيولَ بُرودِ
فارَقْتَها فخشيتُ بعدَك أنّها / تُضحي كما أضحتْ ديارُ ثَمودِ
كانت بطوفانِ المهالك فاِغتَدَتْ / لمّا رَجَعْتَ على نجاة الجودي
أنقَذْتَ أهليها ولو لم تأتِهم / ما قومُ لوطٍ منهمُ بسَعيدِ
اللّهُ حسبُك كم غفَرْتَ لمُذنِبٍ / منهم وكم أطلَقْتَ من مَصفودِ
فليهنها الرحمنُ منك برجعةٍ / فيها رُجوعُ سُرورِها المَفقودِ
واِلبَس ثِيابَ الأجرِ صافيةً فقدْ / بعثَ الصّيامُ بها رسولَ العِيدِ
لا زِلْتَ للإسلامِ أشرفَ كعبةٍ / لم تَخْلُ يوماً من طَوافِ وُفودِ