المجموع : 3
لِمَ أنتِ أيَّتُها الطبيعةُ كالحزينةِ في بلادي
لِمَ أنتِ أيَّتُها الطبيعةُ كالحزينةِ في بلادي /
لولا أغاريدٌ ترسَّلُ بين شاديةٍ وشادي /
وخيالُ ثوْرٍ حول ساقيةٍ يُراوح أو يُغادي /
وقطيعُ ضأنٍ في المروجِ الخضرِ يضربُ بالهوادي /
لحسبتُ أنك جَنَّةٌ مهجورةٌ من عهدِ عادِ /
هجروكِ لا كنتِ العقيمَ ولستِ مُنجبةَ القَتادِ /
عجباً وماؤك دافقٌ ونجومُ أرضكِ في اتِّقاد /
حُسْنٌ يروع طرازهُ ويُمَلُّ في نَسقٍ مُعاد /
أرنو إليه ولا أحسُّ بفرحةٍ لكِ في فؤادي /
حسناءَ ساذجةَ الملامح في إطارٍ من سوادِ /
دِمَنٌ يُقالُ لها قُرىً غرقى أباطحَ أو وهاد /
الطينُ فيها واليراعُ أساسُ رُكنٍ أو عماد /
يأوي لها قومٌ يقال لهم جبابرة الجلاد /
وهمو ضعافٌ أوثروا بشقائهم بين العباد /
المكثرون الزادَ لم يتمتعوا بوفير زاد /
لهمو الغراسُ وَرَعيُهُ ولغيرهم ثمرُ الحصاد /
لو كنتِ في الغرب الصناع لكنتِ قِبلة كلِّ هادي /
وافتنَّ فيكِ الفنُّ بالروح المحرِّكِ للجماد /
وتفجَّرَ المرَحُ الحبيسُ بكل ناحيةٍ ووادي /
ولقلتُ أبتدر الشُّداةَ غداةَ فخرٍ أو تنادي /
هذي الروائعُ فيكِ لم تُخْلَق لغيركِ يا بلادي /
هل كُنْتَ بين الموت والميلادِ
هل كُنْتَ بين الموت والميلادِ / إلَّا حياةَ مآثرٍ وأيادي
وهل استطبتَ على الرفاهة والصِّبا / إلَّا نهارَ ضنىً وليلَ سُهادِ
وكفاحَ أَيامٍ وعَرْكَ شدائدٍ / بجميلِ صبر أو طويلِ جِهَادِ
مُتواضعاً مترفِّعاً ترقَى الذُّرى / في مثل صمتِ الكوكبِ الوقّادِ
يُلقي أشِعَّتهُ هُناكَ وههُنا / ويُضيء في الأغوارِ والأنجادِ
أهرَامُكَ المُثلى نتاجُ قرائحٍ / خلَّاقةٍ موصُولةِ الإِمدادِ
دُنيا من الفِكرِ الطليقِ وعالمٌ / رَحْبُ الجوانبِ شاسعُ الآمادِ
تهدِي الحَيَارى المُدْلجينَ كأنَّها / في شاطئِ الوادي مَنَارةُ هادي
قُمْ يا فتى الأهرامِ وانظر رفقةً / ينتظرون خُطاكَ في الميعادِ
ويُسائلون بِكَ العَشيَّ كدأبهم / هذا النديُّ فأين صدرُ النَّادي
يا لهفَ ما عَلموا بأنَّكَ مُزمِعٌ / سَفَرَ الحياةِ ورِحلةَ الآبادِ
يا لهفَ ما ظَفِروا كما عوَّدْتهم / عِندَ الودَاعِ بنظرةٍ وتنادي
حينَ الوفاءُ الجمُّ شيمَتُكَ التي / أسرَتْ قلوبَ أحبَّةٍ وأعادِي
دخلوا عَليك البيتَ جسماً ضارِعاً / مُتَفَرّداً والموتُ بالمرْصادِ
والفكرُ صحوٌ والجبينُ شُعاعَةٌ / ألَّاقةٌ والروحُ في إِيقادِ
والشمسُ بينَ سَحَابَتَينِ تدَجَّتا / رمَقٌ يُصارعُ حَيْنَهُ ويُرادي
في شاطئٍ قاني المياهِ كأنها / مصبُوغةٌ بدَمِ النهار الفَادي
هي صورةٌ لكَ والمساءُ مقاربٌ / والرُّوحُ ركبٌ والمنيةُ حادي
والقلبُ في كفِّ القضاءِ فراشةٌ / رفّافةٌ والعمر وشكَ نفَاد
عجباً أيشكو قلبَهُ من قلبه / كنزُ الرِّضى والخيرِ والأسعادِ
وتخونهُ الأنفاسُ وهو رحابةٌ / كم نفَّستْ عن أمّةٍ وبلادِ
وإذا أتى الأجلُ النفوسَ فلا تسَلْ / عَنْ صِحَّةِ الأرواحِ والأجسَادِ
أأبا بشارةَ لا يَرُعكَ بِعادُهُ / مصرُ اجتَبَتهُ فلا تُرَعْ ببعادِ
آثرتَها بهَواكَ يا لغرَامِها / هي مِصْرُ مَهدُ الموتِ والميلادِ
حفِظتْ لوَالداكَ الصنيعَ المجتبى / ورَعَتْ فتاةُ البرِّ في الأولادِ
ورأتْ نجيبكَ فاستفاض حنانُها / لسميِّه المرجوِّ في الأحفادِ
ذكرَتْ بيُتْمكَ يُتمَهُ فتفجَّرتْ / حُبّاً وقبَّلتِ الرجاءَ البادي
لبنانُ نازعها هواكَ وما أرى / لبنانَ إلَّا من ضفاف الوادي
الأرزُ فيهِ والنخيلُ كلاهُما / أعشاشُ حبٍّ أو خمائلُ شادي
أرضُ العروبةِ لا تُخومَ ولا صُوىً / ما مصرُ غيرُ الشّام أو بغدادِ
وأُخُوَّةٍ بالمسجدين وجيرةٍ / من آل طارقَ أو بني عبَّادِ
قسماً بأمساء النديِّ ومجلسٍ / متألقٍ بالرفقةِ الأمجادِ
وجمالِ أسحارٍ وطيبِ أصائلٍ / بالذِّكرياتِ روائحٍ وغَوَادي
ومحبَّةٍ للخيرِ صَفوُ مِزاجِها / مرضاةُ نفسٍ أو عزاءُ فُؤادِ
ألَّا استمعتَ إلى رفاقكَ ليلةً / والنارُ في مهجٍ وفي أكبادِ
جَمَدَ المدادُ على شبا أقلامهم / فصريرُها نوحٌ ولحنُ حدادِ
واحسرتا أيُّ الرثاء أصوغهُ / لوفاءِ حقِّ محبّتي وودادي
أرثيكَ للأُممِ التي شاطرْتَها / كُرَبَ الخطوبِ وفرحةَ الأعيادِ
وأذعتَ دعوتَها وجُزْتَ بصوتِها / في المغْرِبينِ شوامخَ الأطوادِ
ووصَلتَ بينَ قريبها وبعيدها / رَحِمَ العروبة أو عُهُودَ الضَّادِ
قم حدِّثِ القُرَّاءَ عما شِعتَهُ / في العالمِ المُتنافِرِ المُتعادي
وصفِ الممالكَ والشعوبَ كما ترى / ببرَاعَةِ الوصَّافةِ النقَّادِ
تطوي الغمائمَ والخضَارِمَ والثَّرى / وتجُولُ بين حَوَاضرٍ وبوادي
بفَطانةِ الصحفيِّ وهي بصيرَةٌ / تغزُو وتفتَح مُغلقَ الأسدادِ
يا رُبَّما نبأٌ أثارَ بوقعه / ما لا تُثيرُ مَلاحِمُ الأجنادِ
وهَدى قبيلاً أو أضلَّ جماعةً / لسبيلِ غيٍّ أو سبيلِ رشادِ
وا لهفَ نفسي كم تمنَّيتَ المُنى / يوم السيوف تقَرُّ في الأغمادِ
هل كنت تُبصِرُ منْ حضارة عصرها / إلا نثير حجارةٍ ورَمَادِ
إن السَّلامَ الحقَّ ما آثرتهُ / والأرضُ غرقى في دمٍ وسَوَادِ
والناسُ ما زالوا كما خلَّفتهُمْ / صرْعَى الهوى وفرائسَ الأحقادِ
لا السيفُ قَرَّ ولا المحارِبُ عادا
لا السيفُ قَرَّ ولا المحارِبُ عادا / وَيْحَ البشيرِ بأيِّ سلْمٍ نادى
الأرضُ من أجسادِ من قُتِلوا بها / تَجْني العذابَ وتُنْبِتُ الأحقادا
فاض السحابُ لها دَماً مذ شَيَّعت / شمسَ النهارِ فخالطتْهُ سوادا
رأتِ الحِدادَ به على أحيائها / أتُراهمو صَبَغوا السماءَ حِدادا
ودَّ الطُّغاةُ بكلِّ مطلَعِ كوكبٍ / لو أطفأوهُ وأسقطوهُ رَمادا
وتخوّفوا وَمْضَ الشَّهابِ إذا هوى / وَبُروقَ كلِّ غمامةٍ تتهادى
ولو أنَّهم وَصَلوا السماءَ بعِلْمِهم / ضَرَبوا على آفاقها الأسدادا
لولا لوامِعُ من نُهىً وبصائر / تغزو كُهوفاً أو تَؤُمُّ وهادا
لم يَرْقَ عَقْلٌ أو تَرِقُّ سريرةٌ / وقضى الوجودُ ضلالةً وفسادا
راعَ الطُّغاةَ شُعاعُهُ فتساءلوا / مَنْ نَصَّ هذا الكوكبَ الوقَّادا
إنْ تجهلوا فسلوا به آباءَكُم / أيامَ شَعَّ عدالَةً ورِغادا
هل أبصروا حُريَّةً إلَّا به / أو شيَّدوا لحضارةٍ أوْتادا
حَمَلَتْ سناهُ لهم يَدٌ عربيَّةٌ / تبني الشعوبَ وتنسجُ الآبادا
هي أُمَّةٌ بالأمس شادتْ دولةً / لا تعرفُ العِبْدانَ والأسيادا
جُرْتُمْ عليها ظالمين بعَدِّكم / وعدِيدِكم تتخايلون عَتَادا
ومَنَعْتُمُوها من مواهب أرضِها / ماءً به تجدُ الحياةَ وَزَادا
في المغرب الأقصى فتىً من نورِها / قدَحَتْ به كفُّ السماءِ زِنادا
سَلَّتهُ سيفاً كي يحرِّرَ قوْمَهُ / ويُزِيلَ عن أوطانِهِ استعبادَا
ما بالُكم ضِقْتُم به وحشَدْتُمُو / من دونه الأسيافَ والأجنادَا
أشعلتُمُوها ثورةً دمَوِيَّةً / لا تعرفونَ لنارِها إخمادَا
حتى إذا أوْهَى القتالُ جِلادَكم / ومضى أشدَّ بسالةً وجِلادَا
جئتمْ إِليهِ تُهادِنونَ سُيوفهُ / وسيوفُهُ لم تسكُنِ الأغمادَا
وكتبتمو عهداً بحدِّ سيوفكم / مزَّقتُمُوهُ ولم يجِفَّ مِدَادَا
الأهلُ أهْلُك يا أميرُ كما تَرَى / والدَّارُ دارُكَ قُبَّةً وعِمَادَا
أنّى نَزَلْت بمصرَ أو جاراتِها / جئتَ العُروبَةَ أُمَّةً وبلادَا
مَدَّتْ يَديْها واحتَوَتكَ بصدرها / أُمٌّ يَضمُّ حنانُها الأولادا
ولو استطاعت رَدَّ ما استودَعْتَها / ردَّتْ عليك المَهْدَ والميلادا
وأتَتكَ بالذِّكر الخوالِدِ طاقةً / كأجَلِّ ما جمعَ المحبُّ وهادى
ماذا لقِيتَ من الزمان بصخرةٍ / قاسَيتَ فيها غُرْبةً ووِحادَا
وبَلَوْتَ من صَلفِ الطُّغاةِ وعَسْفِهم / فيها الليالي والسنين شِدَادا
جعلوا البحارَ ومثلُهُنَّ جبالُها / سَدّاً عليك وأوسعوك بعادا
دعْهُم فأنتَ سَخِرْتَ من أحلامهم / وأطرتُهُنَّ مع الرياحِ بدادا
عشرين عاماً قد حَرمتَ عيونَهم / غُمْضَ الجفونِ فما عَرفنَ رُقادا
يَتَلفَّتُون وراءَ كلِّ جزيرةٍ / ويسائلون الموجَ والأطوادا
من أيِّ وادٍ موجةٌ هتفَتْ به / ومضى فحمَّلها السلامَ وعادا
لو أنصفوا قدرُوا بطولةَ فارسٍ / لبلادِهِ بدَم الحشاشة جادا
نادَى بأحرار الرجال فقرَّبوا / مُهجاً تموتُ وراءَه استشهادا
يدعو لحقٍّ أو لإِنسانيَّةٍ / تأبى السجونَ وتلعنُ الأصفادا
شيخَ الفوارِسِ حسبُ عيْنِك أن ترى / هذي الفتوح وهذه الأمجادا
الرِّيفُ هَبَّ منازلاً وقبائلاً / يدعو فتاهُ الباسلَ الذَّوَّادا
حَنَّ الحسامُ لقَبْضَتَيْكَ وحَمْحَمَتْ / خيلٌ تُقرِّبُ من يديك قِيادا
وعلى الصَّحَارَى من صَداكَ مَلاحِمٌ / تُشْجي النُّسورَ وتُطرِبُ الآسادا
أوحَتْ إلى العُرْبِ الحُداءَ وألهمتْ / فُرسانهم تحت الوغى الإِنشادا
عبدَ الكريم أنظُرْ حِيالك هل ترى / إلَّا صراعاً قائماً وجهادا
الشرق أجمَعهُ لواءٌ واحدٌ / نَظَمَ الصفوفَ وهيَّأ القُوَّادا
لم يتركِ السيفُ الجوابَ لسائلٍ / أو يَنْسَ من مُترقِّبٍ ميعادا
سالت حلوقُ الهاتفين دماًن وما / هزُّوا لطاغيةِ الشعوب وِسادا
فصُغِ البيانَ بِهِ وأَنْطِقْ حَدّهُ / يَسْمَعْ إِليكَ مكرَّراً ومُعادا
كَذَبَتْ مودَّاتُ الشِّفاه ولم أجدْ / رغم العداوة كالسيوف وِدادا
لهجَتْ قلوبٌ بالذي صَنَعَتْ يدٌ / شَدَّتْ لجُرْح المسلمين ضِمادا
حَملَتْ نَدَى مَلِكٍ ونخوة أُمَّةٍ / صانت بها شرفاً أَشمَّ تِلادا
وحَمَتْ عزيزاً لا يقِرُّ وأَمّنت / حُرّاً يقاسي الجورَ والإِبعادا
فادٍ من الغُرِّ الكُماةِ مجاهدٌ / تتنازعُ الآلامُ منه فؤادا
جارت عليه الحربُ ثم تعقَّبَتْ / في السّلْمِ تحت جَناحِهِ أكبادا
زُغْبٌ صِغارٌ مثل أفراخ القَطَا / وحرائرٌ بِتنَ السنين سُهادا
هو من رواسي المجد إِلا أنه / عَصَفَ الزمانُ بجانِبَيْهِ فمادا
رَجُلٌ رأى شرّاً ففادى قوْمَهُ / وأحسّ عاديَةً فهبّ ورادى
ظلموا هواهُ إذْ أحبّ بلادَهُ / ما كان ذنباً أنْ أَحبّ ففادى