القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 9
من حُسنِ عهدٍ للخليطِ المُنْجد
من حُسنِ عهدٍ للخليطِ المُنْجد / ألا يَضُنَّ بوقْفةٍ في المَعْهَدِ
ناشَدْتكمْ إلا قَصْرتمُ ساعةً / فَضْلَ الأزمّةِ عند بُرْقةِ مُنْشِد
أما مُسعِدٌ فيكم فهل من مُغْرمٍ / أو مُغْرَمٌ فيكم فهل من مُسْعِد
ربْعٌ وقَفْتُ أرى وجوهَ أحِبّتي / فيه بعَيْنَيْ ذِكْريَ المُتَجَدّد
رفَع الهوى للعينِ فيه شُخوصَهم / سَقْياً له من آهِلٍ مُتأبِّد
من كلِّ ظاعنةٍ أقامَ خيالُها / ومضَتْ تَروحُ بها الرِكابُ وتغتَدي
بَعُدتْ وخيَّم طيفُها في ناظري / من بعدها فكأنّها لم تَبْعُد
لمّا سَبقْتُ إلى الحمى وتَلاحَقُوا / صَحْبِي وهل لأسيرِ حُبٍّ مُفْتد
وقَفوا فكُلٌّ حَطّ فيه لثامَه / للصّبِ عن فَمِ عاذِلٍ ومُفَنّد
لِمَعاجِ نِضْوٍ في مَحل داثرٍ / ومَجلِّ طَرْفٍ في رسومٍ هُمّد
عَطِرٌ ثَراهُ على تَطاوُل عَهْده / بَمَجّرِ أذيالِ الحِسانِ الخُرَد
فلأتْرُكَنّ الجفْنَ فيه ماطراً / ما بين مُبرِقِ عُذّلِي والمُرعِد
ومُسهَّدٍ قال النّجومُ لطَرْفِه / هي عُقْبةٌ بيني وبينَك فارصُد
كم قد سَهِرْتُ وقَد رَقَدْتَ ليالياً / والآنَ قد أَعيَيْتُ فاسهر أرقُد
وعَدُوا الرّحيل غداً وليس بقاتلي / إلا وَفاؤهمُ بذاكَ المَوعِد
ونَوى الصّباحُ نوىً فقلتُ لقد دنا / يا ليلُ إسفارُ الصّباح فأمدِد
كم طُلْتِ لي فَذُمِمِت في زمنِ النّوى / يا ليلتي فالآن طُولي تُحْمَدي
تَدْري المليحةُ كم لنا في جِيدِها / بينَ القلائدِ من دَمٍ مُتَقلَّد
طاهَرْتِ بينَ طوائلٍ وطوائلٍ / وظَهرْتِ منها في حُلىً لم تُعْهَد
أفذاكِ جيدٌ من هِزَبْرٍ أغلب / يُجْليَ لنا أم من غَزالٍ أغيد
ودليلُ فَرسِكِ أن أشَرتِ بأنمُلٍ / مَخْضوبةٍ أظفارُها من أكْبُد
والحِبُّ إنْ يَغدِرْ بجارٍ لا يَخَفْ / عاراً وإن يقُتلْ قتيلاً لا يَد
ومَنِ امتطى ظَهْرَ الزّمانِ جَرَتْ به / غُلوَاءُ طاغٍ للعنانِ مُقلَّد
فارْبطْ له جأْشَ الصَبور لرَيْبه / ثَبْتاً وأمْهِلْ كُلَّ ريحٍ تَرْكُد
فالطّودُ يَهزأُ بالعواصف كلمّا / لَعِبتْ بخُوطِ البانةِ المُتأود
فانْهَدْ لقاصيةِ المَرامِ ولا تَقُلْ / حَصِراً إذا قامَ الحوادثُ فاقْعُد
واكنِزْ مَودّاتِ الكرامِ ذخيرةً / ولربّما طَنّتْ زُيوفٌ فانْقُد
وإذا أُتيحَ وللجُدودِ مَواهبٌ / لكَ من خلالِ الدّهر صُحبةُ أمجَد
فَرْدٍ يَسُدُّ مكانَ ألفٍ نَجْدةً / فبِخِنْصِرَيْكَ معاً عليه فاعْقِد
ولأرْيحيّات الشّبابِ وعَصْرِه / فُرَصٌ إذا هي أقبلَتْ فكأنْ قد
فأصِخْ لداعيةِ التّصابي عندَها / وعنِ النّصيحِ لخَرْقِ سَمْعكَ فاسْدُد
واقْرِ الهمومَ إذا طَرقْنك طَرْدها / لم يُقْرَ ضَيفُ الهمّ إن لم يُطْرَد
أما الزّمانُ فقد تَجدّدَ آنفاً / فإنِ استطعْتَ تَشبُّهاً فَتجَدّد
أهدَى الرّبيعُ لكلِّ قلبٍ طَرْبةً / وصبَا بِكلِّ صَرورةٍ مُتعبّد
فالروضُ مُفتَرُّ المباسمِ ما بِه / شَكْوى سوى نَفَسِ الصَّبا المُتَردِّد
والطّيرُ تَنطِقُ وَسْطَه بلُغاتِها / من كلِّ مِطْرابِ العَشِّي مُغَرِّد
يَدْعون والقُمْرِى يَخطُب بينها / غَلقاً بسَجْعٍ لا يَمَلُّ مُردَّد
يَعلو ذُؤابةَ منْبرٍ أَعوادُه / لِسوى خطابةِ ذاكَ لم تَتَعَوّد
ويُريكَ أعْلى الكِتْفِ وهْو مُزَيَّنٌ / منه بلَفّةِ طيلسانٍ أسْود
وكأنّما سادَ الطيورَ بأنْ غَدا / يَدعو لعَصْرِ القائمِ المُستَرشِد
وإذا نَظْرتَ إلى الحقائقِ لم تَجِدْ / ذا مَنْطقٍ لزمانه لم يَحْمَد
ما نِيطَ بعدَ الراشِدينَ خلافةٌ / يوماً بأهْدى منه قَطٌ وأرْشَد
مُستَرشدٌ باللهِ يُرشِدُ خَلْقَهُ / بضياء رأى في الخطوبِ مُسدَّد
ملأ الزّمانَ عُلا سوى ما حازَهُ / إرْثاً من المُستَظهِرِ بْنِ المُقْتَدى
فاقَ الجُدودَ وزانَهم فطريفُه / غُرَرٌ بها انتَقَبتْ جِباهُ المُتْلَد
مَلِكٌ رَبوبِيُّ الجَلالِ تَحفُّه / أنوارُ عُلْوِيِّ الخِلالِ مُؤَيَّد
ولذاكَ لمّا أن تَجلّى للعِدا / صَعِقوا بأوّلِ لَمْعةٍ لمُهَنّد
فأعادَ كلَّ شهابِ رُمْح واقِدٍ / أرْدَى شياطيناً ولمّا يَخْمُد
ما كان مَتْنُ الأرضِ يَثْبُتُ عندَها / لو قال ثانيةً لوَطْأتِه اشْدُدِي
إحدى عظيماتِ الزّمانِ مُلِمّةٌ / ذِيدَتْ عنِ الإسلام بعدَ تَوَرُّد
رفَع الحِجابَ لها الخليفةُ رفْعةً / والسّيفُ لولا سَلُّه لم يُغْمَد
سيفٌ يَدُ اللهِ انتضَتْهُ لدينه / غصباً على عنق العدو المعتدى
إلى الحسام نظرت حين عصبته / تعساً لرأيك أم إلى المتقلد
خَطّافُ هامِ عِداهُ قِدْماً مُغمَداً / فاليوم كيف تراه بعد تجرد
قد سار في جندين جند قبائل / صُبُرٍ وجند للسماء مجنَّد
من حيثُ زارَتْ سودُ أعلامٍ له / دارَتْ ببِيضٍ في الكَريهة حُشَّد
كالعَينِ كيف رَمتْ بطَرْفٍ إنّما / يَعْتادُ أبيضُها اتِّباع الأسْود
مَجْرٍ يَشُدُّ نِقابَهُ وجْهُ الضُّحى / إن جَرَّ فاضِلَ ذيلِه في الفَدْفَد
تبدِي شعارَ الحق فيه سُيوفُهم / من كلِّ أبيضَ بالقِرابِ مُسَوّد
فإذا نَضا عن مَتْنتَيهِ سَوادَهُ / لِيُجِيبَ دَعْوةَ صارخٍ مُستَنْجِد
يَعْتاده خَجَلٌ لذاكَ فما يُرَى / في الرَوْعِ منه الخَدُّ غيرَ مُوَرَّد
ولوِ استَطاعَتْ بِيضُهُ لتَسرْبلَتْ / بِدَمِ العِدا من قَبْلِ خَلْعِ الأغْمد
ومنَ الأعاجيبِ اللّواتي مِثْلُها / من قبلِ عَهْدِ جِلادِه لم يَعْهَد
بِيضٌ منَ الأحداقِ في سودٍ من ال / أجفانِ إنْ تَلْمَحْ رؤوساً تَرْمَد
ملأتْ له الآفاقَ نوراً غُرّةٌ / كالبدر وهْو بجنْحِ لَيلٍ مُرتَد
وغدا الظُّبىَ والهامَ حين عَرفْنَه / مِن رُكّعٍ صَلَتْ إليه وسُجَّد
والشمسُ فرْطُ سَناهُ أرمَدَ عَينَها / فكحَلْنَها أيدي الجيادِ بإثْمِد
غُرٌّ فَوارسُها وأوْجُهها معاً / من كُلِّ مُنْجَردٍ وطِرْفٍ أجْرَد
سَهِرَ العِدا من خَوْفهم فتجَشَّموا / تَصبيحَ أعيُنهم برَشْقٍ مُرْقِد
فكأنّ أسهُمَهم طوائفُ من كرىً / غَشِيَتْ معَ الإصباحِ كُلَّ مُسهَّد
فَهناكَ فَتْحٌ عاجِلٌ قَسَم العِدا / قِسمَيْنِ بينَ مُصَرَّعٍ ومُشَرَّد
لا تُسْمِ حَيَّ عِداكَ حَيّاً خائفاً / بل مُلْحِداً من ثَوْبِه في مُلْحَد
مَيْتاً يُعذَّبُ واللّظَى في قَلْبهِ / إن أنت لم تَرْحَمْ ولم تَتَغمَّد
إن كان غاب الدِّينِ أصحَرَ لَيْثُه / وتَكلَّفَ الأيّامَ ما لم تَعْتَد
فأبانَ عن نابٍ لأكْلُبِ فتنة / لولا مِطالُ الحِلْمِ لم تَستأسِد
وكفىَ خيالٌ في الكرى من خَيلِه / رَمْياً لشَمْلِ لَفيفِهم بتَبَدُّد
فلقد سَنَنْتَ الغَزْو سُنّةَ مَنْ مَضَى / لبنى الهُدَى فشَهِدْتَ أوّلَ مَشْهَد
والأرضُ مُحترقٌ تضاءَل شَخْصُه / لِيُعادَ بَدْرٌ في قُراه كما بُدى
والدّهرُ مُجتازٌ ولا بُدَّ له / في كُلِّ يومٍ من جديد تَزَوُّد
والكُفْرُ كُفْرانُ الإمامِ وسَلّةٌ / بخِلافِه للسّيفِ من مُتَمَرّد
فجزاكَ رَبُكَ يا خليفةَ أحمدٍ / عَمَّا نظَمْتَ به خِلافةَ أحمَدِ
أصبحتَ بالقُرآن فيهم حاكماً / والقومُ أمَسوا بالقُرآنِ بمَرْصَد
وأبَى جَلالُك أن تُؤامِرَ أنجُماً / من غيرِ صُنْعِكَ في مُلمٍّ مُوئد
فبنَيْتَ من نَقْعٍ سماءً مِلْؤها / شُهُبُ الأسنّةِ كالذُّبالِ المُوقَد
شُهُبٌ طَلعْنَ على العَدّوِّ بأنْحُسٍ / قَتّالةٍ وعلى الولِيّ بأسْعُد
أسبَغْتَ ظِلَّ العَدْلِ غيرَ مُقَلَّصٍ / وسقَيْتَ ماءَ الخَفْضِ غيرَ مُصرَّد
وأسَلتْ أوديةَ النّوالِ فلم تَدعْ / لِسوى حَسودِكَ غُلّةً لم تَبْرُد
والأرضُ تَذْكرُ ظَمأتَيْنِ شَكتْهما / في سالفٍ من عَهْدِها ومُجَدِّد
ظّمِئَتْ إلى ماءِ السّماءِ جديبةً / أيامَ أصبَحتِ الخلافةُ في عَدِي
وإلى صَبيبِ دماءِ أعداءِ الهُدى / في عَصْرِكَ التاحَتْ فقلتَ لها رِدي
فمطَرْتَها هاماً متى ماتُحصِها / معَ قَطْرِ ذاك اليومِ تُوفِ وتَزددَ
فَسلِ البسيطةَ أيُّ يَومَيْ سَقْيها / أشفَى إذنْ لِغَليلِها المُتَوقّد
وعلى مناكِبها إذا هي قايَستْ / لأبيكَ أو لكَ حَمْلُ شُكْرٍ أزْيد
يا وارثَ البُرْدِ المُجَرَّرِ ذَيْلُه / في ليلة المِعراجِ فوقَ الفَرقَد
ومُعوِدّاً يَدَهُ التَخَصُّرَ بالّذي / أمسى قَطيعَ مَنِ البُراقُ به حُدي
سَلَبا هُدىُ عَبَقُ النُبوةِ فيهما / من كَفّ خيرِ الأنبياء مُحَمّد
فإذا ادّرَعْتَ بذاكَ ثُمّ هَززْتَ ذا / قَطعْتَ جانحةَ الغَويّ المُلْحد
فافْخَرْ فأيُّ مُدَجَّج من عِصْمةٍ / أصَبحْتَ في حَرْبِ الزّمانِ الأنكد
أبني شَفيع القَطْرِ صِنْوِ أبي شَفي / عِ الحَشْرِ لا زلتُم عِمادَ السؤدَد
مِن أهلِ بيتِ شفاعتَينِ أُعدّتا / لليومِ واحدةٌ وأُخرَى للغَد
هذا ابنُ عَمِّكمُ الذي أضحَتْ له / فُرَجُ الأناملِ مَنْهلاً للوُرَّد
وكذا كَليمُ اللهِ ضربةُ كَفّهِ / بعَصاهُ شَقّتْ أعيُناً في الجَلْمَد
وأبوكُمُ رفَع اليَدينِ بدَعْوةٍ / فجَرى لها الوادي بسَيْلٍ مُزْبد
فَتناسبَ الغاياتُ من آياتهم / كلٌّ غدا ماءً يُصوِّبُ من يد
يا ماجِداً قَرَن الكمالَ بمَجْده / كَرَمَ التُقَى بكريمِ ذاكَ المَحْتِد
المُلك قد أضحى حمىً لك فارْعَه / والأرضُ عادَتْ جَنّةٌ بكَ فاخْلُد
طَلعتْ نجومُ الدينِ فوق الفرقدِ
طَلعتْ نجومُ الدينِ فوق الفرقدِ / بمُحمّدٍ ومحمّدٍ ومحمّدِ
بِنَبِيِّنا الهادي وسلطان الورى / ووزيره القرمِ الكريم المَحتِد
سَعْدانِ للأفلاكِ يَكتْنفانِها / والدّينُ تَكنفُهُ ثلاثةُ أسْعُد
هو قد بنى وهُما معاً قد شَيّدا / وتَمامُ كلِّ مُؤسسٍ بِمُشَيّد
بكتابِ ذا وبسيفِ ذا وبرأيِ ذا / نُظِمَتْ أمورُ الدّينِ بعد تَبَدُّد
بدلائلٍ ومنَاصِلٍ وشمائل / ورَدتْ بها الآمالُ أعذبَ مَوْرِد
حُجَجٌ ثلاثٌ للشّريعةِ أصبحَتْ / يُهْدَي إليها كُلُّ مَنْ لم يَهْتَد
فالمُعجِزاتُ لمُقْتَدٍ والباترا / تُ لمُعْتدٍ والمكرماتُ لمُجْتَد
جُمِعَتْ ثلاثةُ أسْمياءَ لدولةٍ / بُنَيتْ على كَبْتِ العِدا والحُسَّد
مَن لم يكن لهَوى الثلاثةِ مُخْلصاً / لم نُسْمِه إلا بطاغٍ مُلْحِد
وكفَى بهذا الاتّحادِ دِلالةً / تَقْضِي إذا وضَحتْ لكُلِّ مُوحِّدِ
ببقَاءِ سلطانِ الورى ووزيرهِ / ألفَيْنِ في مُلكٍ يدومُ مُمَهَّد
ودوامِ بهجةِ جَمْعِ شَمْلهما الّذي / منه الهُدى في ظِلّ عِزٍّ سَرْمَد
اللهِ صَدْرُ زمانِه من ماجدٍ / مَلِكٍ أغَرَّ من الأكارِم أصْيَد
مَولَى الورى مأوى العُلا مُفنِي العدا / مُحيِي الهدى بَحْرُ النّدىَ بدرُ الندي
سَهْلُ الخلائقِ للفضائلِ مَجْمَعٌ / يَحْوِي العلاء وللأفاضِلِ مقْصد
يُردي عِداه بسيفِ بأسٍ مُصْلَتٍ / يُفِري الطُّلى وبسيفِ كَيْدٍ مُغْمَد
فَسلِ الوِزارةَ هل رعاها مثلة / في سالف الأيام والمتجَدِّد
وهل للوزارة غير واحدة غدت / منه وقد نزلت بساحة أوحد
دانَتْ له الدّنيا فَسدّدَ رأيُه / من أمِها ما كان غيرَ مُسَدَّد
مَلِكٌ إذا بَرقَتْ أسِرّةُ وجهِه / جلَتِ الدُّجى بضيائها المُتَوقِّد
خلتِ الدّيارُ وكان قبل خُلُوِّها / مِمّنْ تفرَّد بالعُلا والسُّؤْدَد
اللهُ أيّده ومَن يُضْمِرْ تُقىً / للهِ في رَعْيِ العبادِ يُؤيَّد
ففَداهُ في الأقوامِ كلُّ مُقَصرٍ / يَسْعى إلى نَيْلِ العَلاء بمُسْعِد
كالطّيفِ حَظُّ العين فيهِ وافرٌ / لكنّه لاحَظَّ فيه لليَد
يُمسي ويُصبح جالساً في مُسْندٍ / وكأنّما هو صورةٌ في المَسْنَد
فَلَكَ الثرّيا رِفعةً وله الثَرى / واللهُ في قِسْمِ الورى لا يَعْتدي
فلْيشكُرِ السلطانُ دام جلالُه / ما قد رَعْيتَ لمُلْكهِ وليَحْمَد
خاطَرتَ بالنفسِ النّفيسةِ دُونَه / حتّى تَمَهَّد فوق كُلِّ تَمَهُّد
والأرضُ لا يَغْدو خَطيرَ ملُوكها / إلا المُخاطِرُ في المُلِمِّ المُوئد
بك تَسلَمُ الدُّنيا ويَسَعَدُ أهلُها / فاسلمْ لها يا ابنَ الأكارمِ واسْعَد
أمُبَلِّغي ما قد رَجَوْتُ ولم أسَلْ / ما لو غَدوتَ مُحكِمي لم يَزدَد
من قبلِ أن مَلأ السؤال به فَمي / أضحَى وقد مَلأ النّوالُ به يَدي
بلَّغتَني مَهما قَصدتُ وَزِدتَسني / فوق المُنى فَبلغت ما لم أقصد
وأنلتني ما قد عَهِدْتُ من اللهّا / وأفَدْتني منهُنَ ما لم أعهَد
لم يَبْقَ من نُعماكَ إلا خَصْلةٌ / هي أخلفَتْ عند القوافي مَوْعِدي
إنّي نَشْدتُ لدى ذُراكَ مقاصِدي / فوجَدْتها وقصيدتي لم تُنشَد
فلئن شَكْرتُ لتَشْكُوَنَّ لما بها / من خَجلْةِ المُتأخِّرِ المُتَبلِّد
ومدائحي تَشْأي الرياحَ إذا جَرتْ / في كُلّ نَشْزٍ للبلادِ وفَدْفَد
مِمّا إذا أصغَى الأفاضلُ نحْوه / سَبقَتْ قَوافيه لسانَ المُنْشِد
أبداً تظَلُ قصائدي مَسبوقةً / بَمقاصِدي في شَوطِ جُودِك فاقْصِد
وقصائدي الغُرُّ المُحَجّلةُ التي / أبداً تَخُبُّ بمُتْهمٍ وبمُنجد
جُهِدتْ وبَذَّتْها بَديهةُ خاطِرٍ / جاز المدى كَرماً ولمّا يجهد
كم في الأكابرِ لي لوِ اعتَرفوا لها / بالفَضْلِ حُبّاً للثّناءِ المُخْلِدِ
من مِدْحةٍ للفَخْرِ مُورِثةٍ إذا / نَفِدَ الّذي أسنَوا بها لم تَنْفَد
فِقَرٌ تَظَلُّ حُداءَ كلِّ مَطيّةٍ / لمُعرِّضٍ وغناءُ كُلِّ مُغَرِّد
هم أكرموني فانتحلتُ مديحَهم / مَن يَحتَبِلْني بالكرامةِ يَصطَد
يا أشرف الوزراء دعْوةَ جامعٍ / في الوُدِّ بينَ طريفِهِ والمُتْلد
أفدِيكَ من صَرْفِ الرَّدى يا مَنْ به / وبجُوده من صَرْفِ دَهْرِيَ أفتَدي
مِن باسطٍ يَدَهُ إليَّ بسَيْبه / يَغْدو على حَربِ الحوادثِ مُنْجِدي
إن جِئْتُ قاصِدَه حُبِيتُ وإنْ أُقِمْ / عنه لعُذْرٍ فالمواهبُ قُصَّدي
وإذا بَعُدْتُ دنَتْ إليّ هِباتُه / وصِلاتُه فكأنني لم أبْعُد
دُمْ دِيمةً لبني الرّجاء مُقميةً / يا ذا الأيادي البادياتِ العُوَّد
واقْسِمْ زمانَك بين مُلْكٍ قاهِرٍ / تَرْعَى الأنامَ به وعَيْشٍ أرغَد
فكِفايةُ اللهِ التي عُوِّدْتَها / تُفْنِي العَدُوَّ بها وإن لم تَقْصِد
أمّا الحسودُ فحيثُ يَسمَعُ مِدْحتي / يَلْقَى الرُّواةَ لها بوجْهٍ أربَد
فِلمِقوْلي في قلبِ كُل مُعانِد / تأثيرُ مصْقولِ الغِرارِ مهند
أنا سيفُك الماضي لإرغامِ العِدا / يومَ الفَخارِ فحَلِّني وتَقلد
زرعتْ مُنايَ لدى عُلاك مَطالباً / شتّى فأمِدِدْني برأيْك أحصُد
والدّهرُ أرجَفَ بارتِجاعِكَ مِنْحةً / بدأتْ فَكذِبهُ بعَودٍ أحمَد
ولقد فعلْتَ فَدُمْ كذلك مُنْعماً / أبداً تُعيدُ صنيعةً أو تَبْتَدي
وتَجدَّد العامُ الذي وافَى وقد / أبلَيْتَ ملبوسَ الزّمانِ فَجَدِّد
صُمْ ألفَ عامٍ في ظلالِ سعادةٍ / ولأَلْفِ عيدٍ بالميامِنِ عَيِّد
بِيضٌ طَوالعُ من خيامٍ سُود
بِيضٌ طَوالعُ من خيامٍ سُود / رُفِعَتْ لطَرْفِك من أقاصي البِيدِ
لو مُزِّقَتْ لرقَعْنَها بذَوائبٍ / أو قُوَضَتْ لدعَمْنَها بقُدود
خِيَمٌ تَرى إن زُرتَها بفِنائها / آثارَ جَرِّ قناً وجَرِّ بُرود
تَلقَى أُسودَ الغِيلِ بين عِراصِها / صَرْعَى لأحداقِ الظِباءِ الغِيد
سَكْرَى اللّواحظِ ما يُفِقْنَ من الصِّبا / من كُلِّ هيفاءِ المُوَشَّحِ روُد
مَكْحولةٌ بالسِحْرِ منها مُقلةٌ / كُحِلَتْ لها عَيْنايَ بالتَسهيد
خالَسْنَ تسليمَ الوَداعِ وقد هَفا / بالرَكْبِ شَجْوُ السائقِ الغِرّيد
وتَنافَسَتْ أنفاسُها وشُؤونُها / فَنَثَرْنَ دُرَّىْ أدمُعٍ وعُقود
وكأنّهُنّ نَزعْنَ من أجيادِها / تلك العقودَ ونُطْنَها بخُدود
ومُعذَّبٌ لا البُعْدُ يُسليهِ ولا / في القُرْبِ منك تَجودُ بالموعود
فإذا نأَى أمَسى أسير صَبابةٍ / وإذا دنا أضحَى قَتيل صُدود
عجَباً من الطَّيفِ المُلِمِّ بفتْيةٍ / شُعْثٍ بأطرافِ الفلاةِ هُجود
والصبْحُ أوّلَ ما تَنفّسَ طالعاً / والليّلُ مِثْلُ حُشاشةِ المَجْهود
يُدْني مَزارَك والمهامِهُ دُونَه / ليس البعيدُ على المُنى ببَعيد
يا ليلةً طَرِب الفؤادُ لِذكْرِها / إن كنتِ مُسعِدةَ المَشوقِ فَعُودي
أنا مَن عَهِدْتِ وإن لَقِيتُ حوادثاً / حالَ الزّمانُ بها عنِ المَعْهود
في كلِّ يومٍ أستَجِدُّ مَطامِعاً / يأبَيْنَ عن دارِ الهَوانِ شُرودي
والرّأسُ قد طالَ اشتِعالُ مَشيبِه / منّى وآن له أوانُ خُمود
والشِّعْرُ مثْلُ الشَّعْرِ ليس بمنكَرِ التْ / تَبْيِيضِ بعدَ تَقَدُّمِ التّسْويد
ولَوِ انجَلَتْ عنّى غَيابةُ ناظري / لرأيتُ مَوضِعَ رُشْدِيَ المَنْشود
وزَهِدْتُ في دُنيا تَشُحُّ بنَيْلِها / وإذا سَخَتْ لم تُولِ غيرَ زهيد
وقَطَعتُ في طَلَبِ النّجاةِ عَلائقي / وأرى مَضاءَ السّيفِ في التّجْريد
مالي أُنافسُ كلَّ ناقصِ مَعْشَرٍ / يَزْورُّ دونَ الفَضْلِ ثانيَ جِيد
يُزْهى بصَدْرٍ حَلَّه من مجْلسٍ / أقْصِرْ فلستَ عليه بالمَحْسود
لو كان بالفَضْلِ التّقدُّمُ يُقْتَنى / ما كان لا في أوّلِ التَّوحيد
ولقد أطَعْتُ كما عَصيْتُ عَواذِلي / فغَنيِنَ عن عَذَلي وعن تَفْنيدي
وحَللْتُ من عُقْلِ المَطّيِ مُشيحةً / وشَددْتُ فوق سِراعهنّ قُتودي
في غلْمةٍ ذرعَتْ بهم عَرْضَ الفَلا / هُوجٌ تَلُفُّ تَهائماً بنُجود
وإلى صَفىِ الدّولةِ اصسطحَبا معاً / وَفْدان وَفْدُ عُلاً ووفْدُ سُعود
العيدُ والركْبُ الذين دنَتْ بهِم / من نُورِ غُرَّته بَناتُ العيد
فأتَوْه والمَسعودُ وافِدُ مَعْشَرٍ / قَدِمَ الرَّجاءُ بهِ على مَسْعود
أمسَوا وفوداً مُعتفِينَ وأصبحوا / من سَيْبِه وهُمُ مُناخُ وُفود
واستَمطَروا سُحُبَ المواهبِ من يَدِ / بَيضاءَ صِيغَتْ للنَدى والجُود
فَلْيَهنِه عِيدانِ أمَّا بَيتُه / من كُلِّ عيدٍ قد ألمَّ سعيد
عَجميُّ عِيدٍ تابِعٌ عَربيَّهُ / من بَعْدِ شَهْرٍ كاملٍ مَعْدود
مَلِكٌ جُيوشُ النّصرِ حيث سَما له / يسْرِين تحت لوائه المَعْقود
وإذا أزار الأرضَ جُنْداً أيقنَتْ / أنّ السّماءَ تُمِدُّه بجُنود
وإذا تَجّهَم فيه سِرُّ ضمائرٍ / ألقَى إليه سَناهُ سِرَّ غُمود
أمّا الخلافةُ فَهْي تَأْوِى عِزّةً / منه إلى رُكنٍ يَتيهُ شَديد
وَرِثَ السّيادةَ كابِراً عن كابِرٍ / فَسما بِمجْدٍ طارِفٍ وتَليد
لا كالّذي قَعَدتْ به أجدادُه / لُؤْماً وأنْهَضه اتِفّاقُ جُدود
أوفَيْتَ تاجَ الحَضْرتَيْنِ بهِمّةٍ / قطَعَتْ نياطَ الحاسدِ المَكْبود
ونَظمْتَ شَمْلَ المُلْكِ بعد شَتاتَهِ / وشَبْبتَ نارَ الجُودِ غِبَّ هُمود
وقَمعْتَ أعداءَ الهُدى فتَطأْطَأَتْ / أعناقُهم من قائمٍ وحَصيد
وقَهرْتَهم بعُلُوِّ جَدِّك كلَّهم / ومن العَناءِ عَداوةُ المَجْدود
ورفَعْتَ أعلامَ العلومِ فأهْلُها / يَغْشَوْن ظِلَّ رِواقِك المَمْدود
وألَوكَ من سِرّ القلوبِ وأوجَبوا / بالاجتهادِ هَواك لا التَقْليد
ورأوْك أكبرَ هِمّةً فَتَزاحَموا / من حَولِ حَوضِ نَوالِك المَوْرود
وإذا وجَدْتُ البحرَ كان مُحرَّماً / أن يُستباحَ تَيمُّمٌ بصَعيد
ولْيَهنِكَ المتَجدّدِان تَتابَعَتْ / بُشْراهُما بالنّصْرِ والتّأييد
عِيدانِ مِن عيدٍ أظَلّ مُبَشّرٍ / سَعْدٍ ومِن عَقْدٍ عقَدْتَ جَديد
رَصّعْتَ تاجَ عُلاكَ منه بدرَّةٍ / أعْيَتْ على هِمَم المُلوكِ الصِّيد
شَرَفيّة شَهدَتٌ علي خَلَفِيّةٍ / تَنْمِى على الإحصاء والتّعديد
فتَهنَّها نِعَماً تَفيضُ على الفتى / بينَ الأماثلِ بُردةَ المَحْسود
فاللهَ أسألُ أن يَزيدَكَ رِفْعةً / مادامَ يُوجَدُ مَوضِعٌ لمَزيد
حتّى إذا امتَنع المَزيدُ تَناهِياً / ألقَى المراسِيَ في قَرارِ خُلود
بَكَر العواذِلُ أَنْ رأيْنَ خَصاصتي
بَكَر العواذِلُ أَنْ رأيْنَ خَصاصتي / يُسْرِفْنَ في عَذَلي وفي تَفْنيدي
ويُشِرْنَ بالتَّطوافِ في طَلَبِ الغِنى / ويُسِمْنَ قَطْعَ تهائمٍ ونُجود
والبحرُ لي جارٌ فلِمْ أَطْوي الفَلا / حتى أَنالَ تَيمُّماً بصَعيد
هذا وليّ الدين وابْنُ زعيمه / قصْدي له دونَ الورى وقَصيدي
فاثْنِ العِنانَ إلى رحيبِ فِنائه / من دونِ أَفنيةِ الملوكِ الصِّيد
كم طارقينَ وما طَريقُ فتىً إلى / ناديهِ يومَ نَداهُ بالمَسْدود
أَمسَوا وفوداً في ذُراه وأصبحوا / من سَيْبهِ وهمُ مُناخُ وفود
حامي الحقيقةِ قد أَوى دينُ الهدى / منه إلى رُكنٍ أَعزَّ شديد
والدولةُ الغّراءُ لائذةٌ به / في كلُ يومِ حفيظةٍ مَشْهود
يا كاسِباً شَرفَ العلاء ووارِثاً / هُنّئْتَ وَصْلَك طارفاً بتَليد
فلقد سَمْوتَ بهِمّةٍ عُلْوِيّةٍ / قطَعتْ نِياطَ الحاسِد المَكْبود
أَوسَعْت أَهل الفَضْلِ إفْضالاَ فقد / ظَفِروا بعَيشٍ من نَداك رغيد
ففَداك مَنْ بارَى عُلاك ونَقْصُه / وصْفاً لفَضْلِك ليس بالمَحْدود
ورَعاك مَنْ أَعْلَى مَحلَّك فاعتلَى / فوق النجومِ برغْمِ كلِّ حَسود
من رُكنِ مَجْدٍ شَيّدتْهُ يَدُ العُلا / بندىً وبأسٍ أَيّما تَشْييد
عَشِقَ النّدى والجُود في عَهْدِ الصِّبا / فمَلامُه في ذاك غيرُ مُفيد
وعَطاؤه شَرفٌ تَعوَّدَهُ وما / شَرفٌ سِواهُ في الفتى بحَميد
مُتناصِفُ الآدابِ يَمْشُقُ دائماً / لبياضِ قرطاسٍ سَوادَ كُبود
يَستَخْدِمُ الأسيافَ والأرماحَ وال / أَقلامَ كاستخدامِه لِعَبيد
يُمناهُ محرابٌ إليه صَلاتُها / من طاعةٍ لكَماله المَعْبود
بِيضٌ قيامٌ خلْفَ سُمْرٍ رُكَّعٍ / طعْناً ورُقشٌ بالجباهِ سُجود
لكنْ يُؤدّي السّيفُ فَرْضَ صَلاتِه / بتَمامِ أَركانٍ له وحُدود
فيقومُ في يَدِه ويَركعُ في الطُّلَى / ضَرْباً ويَسجُدُ في الصَّفا المخْدود
يا ذا الذي ما افَترَّ خُوزِستانُ عن / مِثْلٍ له يومَ النَّدى ونَديد
لي منك مولىً وابنُ مَولىً لم أَزلْ / منه أَخُصُّ بنَيْلِ كُلِّ مَزيد
ما زِلْتُ من لُبْسي لتَشْريفاتِه / مُتتابِعَ الإبلاءِ والتّجْديد
كم قِيدَ منه إليّ كلُّ مُطَهَّمٍ / نَهْدٍ كَقَصْرٍ أعتَليهِ مَشيد
من أَشقَرٍ يَبْدو كخدّ خَريدةٍ / خَجِلَتْ فما زادتْ سوى تَوْريد
أَو من كُمَيْتٍ كالكُمَيْتِ مُشارِكٍ / في لَونِه لسَمِيّهِ القِنْديد
أَوأَدْهمٍ كالليّلِ إلاّ غُرَّةً / كالصبحِ شَقّتْ جُنْحَه بعَمود
أَو أَشهبٍ كالصُّبحِ إلاَّ ناظراً / كاللّيلِ تَشْبيهاً بلا تَبْعيد
أَو أَصفرٍ في اللّونِ دينارٌ وفي / تَقْويمهِ مئةٌ بلا تعْديد
أَو آبَنوسِيِّ الجوانبِ أَبلَقٍ / في الخيلِ لا يُؤْتَى له بنَديد
كالسّيفِ في غِمْدٍ تَخرَّق يَغْتدى / لا كلّ مَسْلولٍ ولا مَغْمود
فالطَّرْفُ منه يَجولُ لاستِحسانهِ / ويحَارُ في التّصويبِ والتّصْعيد
كنتُ المخيَّر في لُهاه هكذا / من أَين قُدْتُ نَداهُ كان مَقودي
عَهْدي كذاك مضَى بجَزْلِ نَوالِه / والدّهرُ مَعْروفٌ بنَقْضِ عُهود
يَسْقي ثَراهُ كجُودِ كَفِّك يا ابنَه / غَيْثٌ عطاياهُ بلا تَصْريد
وبَقِيتَ في الدّنيا تَدومُ كذِكْرِه / فالِذّكْرُ للماضي خُلوصُ خُلود
واعذِرْ إنِ استَرسلتُ طالبَ بِغيةٍ / من حيث طالَ لمِثْلِها تَعْويدي
ولقد سَئمْتُ من المُقامِ بمَوطنٍ / مُتَطاوِلَ التَكْديرِ والتَنْكيد
ولقد حننت إلى العراق ومن به / كحنين ظمآن إليه مرود
شوقاً إلى دارِ الخلافةٍ إنّما / لَثمِي ثَراها مُنتَهى مَقْصودي
والمجلسِ الاعَلى لسلطانِ الورى / فمتى يكونُ تُرى عليه وُفودي
وكذا إلى المَولَى الوزيرِ المُرتَجى / تاجٍ عَلادينَ الإلهِ عَقيد
صَدْرٌ له الإسلام قلبٌ تَنْطوِي ال / أحشاءُ منه على التُّقَى والجود
لم يَرْمِ إلاّ رَمْيةً من رَأيهِ الدْ / دُنيا بسهْمٍ قد أصابَ سَديد
حتّى تَتابَعَتِ الفُتوحُ تَتابُعاً / من يُمْنِه ومُقامه المَحْمود
شَردَتْ جُموعُ المارِقينَ مهابةً / وأوَى إلى الأوطانِ كلُّ شَريد
أزِفَ الرّحيلُ ومِن وَداعِ أحبّتي / لم يَبْقَ إلاّ نَظْرةَ التّزويد
وعزيمتي طَيُّ الفلاةِ ومَرْكبِي / من آل أخدَر لا العتاقِ القُود
من آلِ أعوجَ ليسَ مَرْكوبي ولا / من آل أرحبَ نِسبةً والعِيد
فاخلُفْ أبَاك بقَوْدِ طِرْفٍ واغْتنِمْ / تأسيسَ مَجْدٍ تبتنيهِ جَديد
فَلَوَ انّ غيْرَك كان لم أسْتَهْدهِ / لكنْ لماءٍ قد ألِفْتُ وُرودي
وأضاءه ابنُ ذُكاءً أيضاً نُورَها / هو مِن ذُكاءَ يُعَدُّ غيرَ بَعيد
أَحكي الحَمامَ مُطَوَّقاً بنَوالِ مَن / ما خاطري لجَميلهِ بكَنود
أُثْنِي كما يَشْدو الحَمامُ مُغَرِّداً / مُتقابِلَ التّطويقِ بالتَغْريد
دُمْ للعُلا في ظِلّ أشْرفِ دَوْلَةٍ / مَوْصولةِ التأييدِ بالتَّأْييد
لِمَنِ الرّكائبُ سَيْرُهُنّ تَهادِ
لِمَنِ الرّكائبُ سَيْرُهُنّ تَهادِ / مِيلٌ مَسامِعُهنّ نحوَ الحادي
يَطلُعْنَ من شَرفِ العُذَيبِ وهُنّ من / جذْبِ الأزِمّةِ سامِياتُ هَواد
يحدو بهنَّ معَ الصّباحِ مُغَرِدٌ / طرِبٌ يُناجِي بالهوى ويُنادي
ما زال يَنْظِمُهنّ في سِلْكِ البُرى / حتّى تَوشّحَهُنّ بَطْنُ الوادي
فغَدتْ تَجوبُ البِيدَ من تحت الدُّجَى / ذُلُلاَ يَسِرْنَ مَوائَر الأعضاد
والبِيضُ في الأحداجِ فوق متُونِها / مَحْجوبةٌ كالبِيضِ في الأغماد
فإذا اختلَسْنَ بها الخُطا أسمَعْنَنا / زَجَلَ الحُلِيِّ لَهُنّ في الأجياد
فيهنّ لُبْنَي لم تُقَضِّ لُبانتي / منها وسُعْدَى ما رأَتْ إسعادي
رحلُوَا أمامَ الرّكبِ نَشْرُ عَبيرِهم / ووراءهم نفَسُ المشوقِ الصّادي
فكأنّ هذا من وراء رِكابِهم / حادٍ لها وكأنّ ذلكَ هاد
للّهِ مَوقفُ ساعةٍ يومَ النّوى / بمِنَى وأقمارُ الخُدورِ بَواد
لمّا تبِعْتُ وللمُشِيِّعِ غايةٌ / أظعانَهم وقد امتلَكْنَ فُؤادي
أَتبعْتُهم عَينْي وقلبي واقِفاً / فوق الثَّنيّةِ والمَطِيُّ غَواد
حتىّ بَعُدْنَ فعادَ عنهم ناظري / وأبَى الصّبابةُ أن يَعودَ فؤادي
أمّا وقد كلّفُتموهُ راغِماً / سَفَرَ الفراقِ فعَلِّلوهُ بِزاد
فلقد جَزِعْتُ لأنْ أقَمتُ وسِرْتُمُ / جزَعَ العليلِ لوثْبةِ العُوّاد
كيف السّبيلُ إلى التَّلاقي بعدما / ضربَ الغَيورُ عليه بالأسداد
والحيُّ قد رَكَزوا الرِّماحَ بمنزلٍ / فيه الظّباءُ ربائبُ الآساد
وعَد المُنَى بِهمُ فقلتُ لصاحبي / كم دونَ ذلك من عِداً وَعَواد
عَهْدِي بهم وهم بِوَجْرةَ جِيرةٌ / سُقِيَتْ عُهودُهمُ بصَوْبِ عِهاد
فاليومَ من نَفَسِ النّسيمِ إذا سرَى / تبْغِي شِفاءَ غلائلِ الأكباد
يا مُظهرِين لبَعْضِ ما يُخْفى لهم / بُعْدُ النّوى من خِلّةٍ ووِداد
لا تَدَّعوا شوقاً إليّ ولم يدعْ / منّي الغرامُ سوى مِثالٍ باد
إن تذْكروني تُبصروني عندَكُم / ولَوَ انَّ دُوني صَرْفَ كلِّ بِعاد
وكفَى الخيالُ مطيّةً تَسّرِي به / تغْميضةٌ من ناظرٍ لرُقاد
أمّا الخَليُّ فليس عِبْءَ جُفونِه / سَهَرِي فيَجزعَ إن أقَضَّ مِهادي
ماذا عليه أن يَبيتَ مُتيَّمٌ / مَكْحولةً أجفانُه بِسُهاد
دنِفٌ حشا نارَ الجَوى أحشاءَه / للوجْدِ مُذْ سَعِدَ النّوَى بسُعاد
جلَب المَشيبَ هُمومُه فتَرى له / أثَرَ الفؤادِ يلوحُ في الأفواد
شابَ المَفارِقُ للمُفارقِ حُرْقةً / مُذْ بَدَّل الإدناءَ بالإبْعاد
صَدعوا سَوادَيْ فَوْدِه وفُؤادِه / فانجابَ عنه ومنه كلُّ سواد
وكأنّما أحبابُه وشبابُه / رَحَلا غداتَئِذٍ على مِيعاد
يا حَبّذا عُقَبُ الزّمانِ إليهمُ / قبل المَعادِ لئن سخَتْ بمَعاد
أهُوَ التقاءُ أحِبّةٍ بحبائبٍ / أم ردُّ أرواحٍ إلى أجساد
إنّي ليُطْرِبُني الحَمامُ إليهمُ / مُتَرنِّماً في غُصْنِه المَيّاد
ويشوقُني بَرْقُ الحِمَى بوميضِه / حتّى يبُلَّ الدّمْعُ ثِنْىَ نِجادي
وكأنّ عُذّالي إذا ذكَروا الحِمَى / تأْتِي حشايَ بقادحٍ وزِناد
إنّي لأعلَمُ حين أَحلُمُ أنَّني / لاقي مُصافٍ مَرّةً ومُصاد
ولكَم ذَوِي بَغْيٍ كرَهْطِ مُهَلْهِلٍ / أنظرْتُهم كالحارِث بْنِ عُباد
وبذلْتُ جُهْدِي في ارتيادِ تَصادُقٍ / فأبَوا به إلاّ ازديادَ تعاد
وغدوْت كالشّاري بشِسْعٍ نفْسَه / لمّا خطبْتُ صلاحَهم بفَسادي
والمرءُ ليس يَظلُّ خادعَ نفْسِه / حتّى يكونَ مُصادِقاً لِمُعاد
اِلْقَ الزّمانَ بما يُناسِبُ طبْعَه / فأخو العَناءِ مُقوِّمُ المُنْآد
ومتى أردْتَ سَدادَ دَهْرٍ أعْوَجٍ / كان الطّريقَ لِفَوْتِ كلِّ مُراد
عِدْني بإسعادٍ فأمّا أينُقِي / يا صاح فهْي تَعِدْنَ بالإسْآد
كيف المُقامُ ببلدةٍ يَغْدو بها / خوْفُ الهَوانِ مُحَلِّئاً أذْوادي
ولَديَّ ناجيةٌ يدايَ زِمامُها / حتّى أُصيبَ لها حَميدَ مراد
ومُعرَّجي حتّى أُصادِفَ مطلبي / خَرْقٌ مَقيلي فيه ظِلُّ جوادي
فاحْلُلْ عنِ العيسِ المُناخةِ عُقْلَها / واشْدُدْ لهنّ مَعاقِدَ الأقْتاد
أبَني الرّجاءِ السّائرِين ليُدرِكوا / في الدّهرِ أقصَى غايةِ المُرْتاد
مِنَحُ البِحارِ تَدِقُّ عن آمالِنا / فرِدُوا فِناءَ عليٍّ بْنِ طِراد
وإلى مَنِ اليومَ المُناخُ لوافدٍ / إلاّ الرِّضا بعدَ الإمام الهادي
فاطْوِ البعيدَ إليه تَدْنُ من العُلا / وانْزِلْ بأَكرمِ منزلِ الوُفّاد
وامْلأْ يداً منه وعَيْناً إنّه / بحْرُ النَّدى كَرماً وبَدْرُ النّادي
ملِكٌ علُوُّ الجَدِّ زاد تراقِياً / ما شيّدتْهُ له عُلا الأجداد
طَلْقٌ تَخالُ الدّهرَ ضوءَ جبينِه / قمراً أظَلّ لحاضرٍ ولباد
وكأنّ أعيُننَا إذا مِلْنا بها / عن وجْههِ يَرسُفْنَ في أقياد
أخلاقُه بين الخلائِق أصبحتْ / مثلَ الدّراري في ظلامِ دآدِي
وله أيادٍ معْ إدامةِ طَيّها / هَدمتْ مفاخِرَ طَيّئٍ وإياد
من أيِّ آفاقِ البلادِ يَفوتُه / شُكْرُ امرئٍ ونَداهُ بالمِرْصاد
كَهْفُ الإمام إذا أوى منه إلى / رَأْيٍ أفاء عليه ظِلَّ سَداد
ومُجرِّدُ السّيفَيْنِ يَشهَدُ دائماً / يَومَيْ جِدالٍ دُونَه وجِلاد
يَنْفِي العِدا عنه وما ضَرب الهُدى / بجِرانِه إلاّ بضَرْبِ الهادي
عَزيَتْ عنِ العُذّالِ روضةُ جُودِه / أن يَرتَعوا ودنَتْ من القُصّاد
وقضَى له بالفضْلِ أهلُ زمانِه / بشهادةِ الأعداء والحُسّاد
وسَمعتُ أَخبارَ النّدى عَنْ كفِّه / فعرفْتُ فيها صِحّةَ الإسْناد
منْ مَعْشَرٍ بيضِ الوُجوهِ أَكارمٍ / يومَ السَّماحِ وفي الوَغَى أَنجاد
رُجُحُ الحُلومِ لدى النَّديِّ كأنَّما / عُقِد الحُبا مِنْهم على أطواد
رضَعوا لِبانَ المَجْدِ في حِجْر العُلا / فعَلَوا على الأكْفاء والأنداد
وأَظلَّهم بيتُ النّبوّةِ وابتنَوا / مُلكاً ببِيضٍ في الأكُفِّ حِداد
فلهم إذا ما زُرتَهم وَخَبرْتَهم / شَرفُ الملُوكِ وسِيرةُ الزُهّاد
قومٌ إذا سَفَروا حَسِبت وُجوهَهم / للنّاظرِين أَهِلّةَ الأعْياد
وتكادُ إن وَطِئوا المَنابرَ أَن تُرى / في الحالِ وهْي وريقةُ الأعواد
وكَفَاهُمُ شرفاً بأنَّك مِنْهمُ / يومَ افتخارِ مَعاشرِ الأمجاد
ذهبوا بِفخْرٍ في زمانِك طارفٍ / وأَتَوك من عَليائهم بتِلاد
ورِثَتْ يداك الجُودَ من عَمْرِو العلا / والجُودُ يُورَثُه بنو الأجواد
وورِثْتَ عِلْمَ الحَبْرِ ثُمَّ دهاءه / والرأيَ ثُمَّ نزاهةَ السَّجّاد
ونَظمْتَ أَشتاتَ المناقبِ جامِعاً / فأتتْك آلافٌ عنِ الاِفراد
يا مَن بأشرفَ من مدائحِ مَجْده / لم يَختضِبْ قَلَمُ امْرئٍ بمِداد
جاءتْك من غُرَرِ الكلامِ بديعةٌ / تَستوقِفُ الأسماعَ في الإنشاد
سيّارةٌ مثلُ النّجومِ طوالعاً / وقفتْ على الإتْهامِ والإنجاد
كالتِّبرِ حين يَروقُ أَفناءَ الورى / وتَزيدُ قيمتُه لدى النُّقّاد
يا مَن إذا أَبدا الجميل أَعادَه / جَدِّد عَوارِفَ بادئٍ عَوّاد
كم عَمَّني من جاهِه ونَوالِه / بصَنائعٍ جَلَّتْ عنِ التَّعْداد
كتتابُعِ الأمواج إنْ عَدَّدْتَها / أَعيا لفَرْطِ تلاحُقِ الأمداد
صُمْ أَلفَ عامٍ مثْلِ عامِك مُقبِلٍ / في ظلِّ دائمةٍ بغَيرِ نَفاد
في دولةٍ تُصْمِي العِدا وسَعادةٍ / تُنْمي على الأزمانِ والآباد
وَجْدِي بلَومِك يا عذولُ يَزيدُ
وَجْدِي بلَومِك يا عذولُ يَزيدُ / فاستَبْقِ سَهْمَك فالرَّمِيُّ بَعيدُ
بلَغ الهوى من سِرِّ قلبيَ مَوضِعاً / لا العَذْلُ يَبلُغُه ولا التَفْنيد
وتَنِمُّ بالشَّجْوِ المُكَتَّمِ عَبْرَتِي / ومنَ الدُّموعِ على الغرامِ شُهود
كيف السّبيلُ إلى مِزَارِك ليلةً / ومنَ التّهائمِ دونَ وَصْلِكِ بِيد
يَصِلُ الرّسولُ إليكِ وهْو مُساعِدٌ / ويعودُ عنكِ إليّ وهْو حَسود
وأُراقِبُ المِيعادَ منك وإنّما / من دونِ وَعْدِكِ للغَيورِ وَعيد
واهاً لطيفِكِ حين يَطْرُقُ فِتيةً / شُعْثاً تَمِيلُ بها السُّرى ونَميد
عُنِيَ الغرامُ بهم فأيقظَ شَوقَهم / بينَ الجوانحِ والعيونُ رُقود
وجَلا لَهم وجْهَ المليحةِ مَوهِناً / فهمُ إليه على الرِحّالِ سُجود
يا صاحِ إنّ الدّهرَ يأْبَى خُلْقُه / ألاّ يَشوبَ عطاءهُ تَنْكيد
فانْهَضْ إلى فُرَصِ السُّرورِ مبادِراً / فالعُمْرُ عِقْدٌ دُرُّه مَعْدود
أوَما تَرى بُدَدَ النُّجومِ وقد بَدَتْ / فوق السّماء كأنّهنّ فَريد
والبدرُ تَأْتلِقُ الكواكبُ حَوْلَهُ / في جُنْحِ داجيةٍ وهُنّ رُكود
فكأنَّها زُهْرُ الأئمّةِ وَشّحَتْ / أُفُقَ الهدَى وكأنّه مَسْعود
هادي الهُداةِ بعِلْمِه العَلَمُ الذي / فضَل الأنامَ مَقامُه المَحْمود
صدْرٌ لدينِ اللّهِ أُودِعَ سِره / فارتدَّ عنه الغَيُّ وهْو مَذود
مَلَكَ العلومَ فراحَ وهْو لأهلِها / مَلِكٌ حَماهم ظِلُّهُ المَمْدود
فإذا بدا العلماءُ وهْو بمَجْمَعٍ / يوماً تبَيَّن سَيِّدٌ ومَسود
مُتجّرِدٌ للهِ يَنصُرُ دِينَهُ / والسّيفُ أحسَنُ حَلْيِه التَّجْريد
فالدِّينُ فوق النَّسْرِ من إعْلائهِ / وعَدُوُّه في بَطْنِه مَلْحود
وهواهُ حَدٌّ في البريّةِ فاصلٌ / بين الضَّلالةِ والهُدَى مَحْدود
ففَداهُ في الأقوامِ كُلُّ مُقَصِّرٍ / يَنْميهِ لُؤْمٌ طارِفٌ وتليد
كَثُرَتْ نفائسُه وقَلّتْ نَفْسُه / كالحَدِّ زاد لنَقْصِه المَحْدود
ومُحَرِّفون عن الصّوابِ مَقالَهُ / والإفْكُ رُكْنُ سَدادِه مَهْدود
ما ضَرَّ ما قال الغُواةُ فأكثروا / واللهُ بالحقِّ المُبينِ شَهيد
أعَربْتَ للسّلطانِ عن حُجَجٍ وقد / أصبَحْتَ تُبدِيءُ قائلاً وتُعيد
جلَتِ الشُّكوكَ عن التيقُّن مِثْلما / فلَق الظّلاَمَ من الصّباحِ عَمود
أحسَنْتَ غايةَ ما يُطاقُ وإنّما / في النّاسِ مَن إحسانُه مَجْحود
فاليوَم أذعَنَتِ العُداةُ وراعَهم / عِزّاً لواءُ جَلالِك المَعْقود
بلَغُوا نهايةَ ما يُشاءُ فَردَّهُم / لك صاحبانِ النّصرُ والتّأييد
ولَربّما جَمعَ الأعادي كَيْدُهم / ويُزادُ في تَمْكينهِ المَجْدود
وكذا يُعادِي النّاسُ طُرّاً قولَ لا / ويُحِلُّها في صَدْرِه التّوحيد
فاللهَ أسألُ أن يَزيدَك رِفْعةً / إن كان فوقَك للعلاء مَزيد
وَيُتابعَ الأعيادَ نَحوك يَنْثَنِي / عِيدٌ ويُقْبِلُ بالمَيامِن عِيد
يا مَن حُسِدْتُ عليه من شَرفى به / قولُ الحسودِ على الفَتى مَردود
قَسَماً بخُوصٍ كالحنايا فوقَها / أشياخ صِدْقٍ من كِنانةَ صِيد
أَمُّوا بها البلدَ الحرامَ فكلها / ذُلُلٌ يُبارِينَ الأزِمّةَ قُود
وطَوَوْا إليه فِناءَ كلِّ قبيلة / فهم على ربِّ العبادِ وُفود
لم يَصْدُقِ الواشون فيما بَلّغُوا / كَلاّ ولم يَتغيَّرِ المَعْهود
لكنّني لمّا رَميْتُ بنَظرة / حَوْلي كما حَذِرَ الرُّماةَ طَريد
وتَفرَّق الأنصارُ واجتمَع العدا / ألْباً وهل يَكْفي الجُموعَ وحيد
وهَممْتُ منهم أن ألوذ بنَحْوةٍ / فرأيتُ أن طَريقَها مَسْدود
شِمْتُ اللّسانَ تَقيّةً ولَربّما / حَنِقَ الكَمِيُّ وسَيْفُه مَغْمود
عِفْتُ الكلامَ وقد تَكنّفَني العِدا / حذَراً كما عاف النَّشيدَ عَبيد
وغدوْتُ في إسخاطِهم لرِضاكمُ / حَدَّ المُطاقِ ولِلأُمورِ حُدود
ما كان ذلك لا وعَهْدِكَ إنّه / ما سَرَّني بالنّفْسِ دُونَكَ جُود
بلْ غَيْرةً من أن يَغيْبَ بيَ الرّدى / عن خِدْمةٍ والآخَرون شُهود
فأَعِدْ لها نظَر المُصيبِ فَرُبّما / ذمَّمْتَ بعضَ النّاسِ وهْو حميد
أفمِثْلُ وُدِّي للكرامِ وإن جنَتْ / نُوَبُ الزمّانِ تُذَمُّ منه عُهود
أم مِثْلُ خُبْرِكَ للرّجالِ يَجوزُ أن / يَخْفَى عليه كاشِحٌ ووَدود
لا تَحسَبِ المُتصادقِينَ أصادِقاً / ما كُلُّ مَصْقولِ الحديدِ حَديد
واعْلَقْ بمَنْ أولاك خالصَ وُدِّه / يوماً فما أُمُّ الصّفاءِ وَلُود
أفبَعْدَ إبْلائي وإنْ لم يُرضِكم / أيّامَ صِدْقٍ كُلُّها مَشْهود
أصبحتُ أستَكْفِي التَوعُّدَ منكمُ / والحِلْمُ أنْ يُستَنجَزَ المَوعود
وأُسامُ عُذْرَ جريمةٍ لم أجْنِها / إنّ الشّقيَّ بما جَنَى لَسعيد
أمّلْتُ ما طَرق الزّمانُ بغيرِه / اَلغَرْسُ سَعْيٌ والقِطافُ جُدود
ولأبكِيَنَّ عليه عُمْرِيَ كُلَّه / لا مثلّما حَدَّ البُكاءَ لَبيد
أحبابَنا كَثُرَ العِتابُ فأقصِروا / حتّى نعودَ إلى الرِّضا وتَعودوا
لا تُطلِقونا بالإساءةِ بعدما / لُوِيَتْ علينا للجميلِ قُيود
لا تَهْجُروا إنّي على ما نابَني / في الدّهرِ إلاّ هَجْرَكم لجَليد
وصِلُوا فقد جُبِلَتْ على حُبِّيكمُ / نَفْسي وتَبديلُ الطِّباعِ شَديد
إن كان ما زعَم الوُشاةُ فلا يَزلْ / حَظَّيَّ منكم هَجْرةٌ وصُدود
من بَعْد صحبةِ خمس عشْرة حِجّةً / أنساكُمُ إنّي إذَنْ لَكَنود
ولنا بِكُم عَهْد يَرِقُّ لذِكْرِه / قَلْبُ الفتَى ولَوَ انّهُ جُلْمود
وسَوابق الخِدَمِ التي يأْبَينَ أنْ / يتَتابَعَ الإنضاجُ والتَّرميد
يا مَنْ ثَنى العِطْف المَهابةُ دونه / حيرانَ أَمضي خُطْوة وأَعود
لم تَخْل عَيْني من خِيالِك ساعةً / فتَشابَه التّقريب والتَّبعيد
كُنْ كيف شِئْت فبي وإن لم تُدنني / ما عشْتُ حُبٌّ لا يزال يَزيد
إن أخلق الوُدُّ القديم فعِفْتَهُ / فَهُناك وُدُّ تَصطَفيهِ جَديد
أوْ لم ترِدْني في الأصاغرِ خادماً / فبَقِيتَ والقومَ الّذين ترِيد
إنّ الّذي نصَب المكارمَ للورَى
إنّ الّذي نصَب المكارمَ للورَى / غَرضاً يلوحُ من المدى المتباعِدِ
نثَر الكنانةَ عنده نثْراً فَلمْ / يُوجَدْ لديهِ سوى سديدٍ واحد
فبهِ يُكرِّرُ لا يزالُ إصابةً / لبعيدةٍ تَكريرَ بادٍ عائد
ويَحوطُه مُستَبقِياً إذ لا يَرَى / مِثْلاً له إن شاء سهْمَ مَحامِد
كُلٌّ يُدِلُّ بطارفٍ من مَجْدِه / يا مَنْ يَزينُ طَريفَه بالتّالد
أبدَى التعّجُّبَ من وُقوفِ مَقاصِدي / كُلُّ الأنام ومن مسيرِ قصائدي
شِعْرٌ يَهُبُّ هُبوبَ ريحٍ عاصفٍ / من حَوْلِ حَظٍّ ليس يَنهَضُ راكد
وندىً حُسِدْتُ له فحين أذلّني / فَرْطُ التَبذُّلِ زال كَرْبُ الحاسد
كالقَطْرِ أسلَمَه الغمامُ ولم يَقَعْ / في الأرض بعدُ فقد تَبلّد رائدي
فلئن رسَمتَ قطَعتُ عنه مَطامِعي / والقَطعُ أنجَعُ من علاجِ الفاسد
أو لا فأدْركْني بعاجلِ نُصرةٍ / مادام لي عُمْرٌ فلستُ بخالد
ظَمْآنَ أم ريّانَ أم مُتوسِّطاً / لا بُدَّ من صَدَرِ الرِعّاءِ الوارد
عَهْدٌ تغَيَّرَ من سُعادَ ومَعهدُ
عَهْدٌ تغَيَّرَ من سُعادَ ومَعهدُ / فعلام يكْثُرُ عاذِلٌ ومُفَنِّدُ
لا حُلْتُ عن عَهدِ الأحبّةِ في الهوى / وإن استحالَ الرّبْعُ عمّا أعهَد
إن كنتَ تُسعِدُني فإنّي مغرمٌ / أو كنتَ ذا شَجَنٍ فإنّي مُسعِد
أبكي الّذِين تشَعّبَت النّوى / بهمُ فغاروا في البلادِ وأنجدوا
بَعُدوا وَوَكَّل ناظِري بخيالهم / ذِكْرِى لهم فكأنّهم لم يَبْعُدوا
ما زال سَهْمُ اللَّحظِ يجْرحُهُ
ما زال سَهْمُ اللَّحظِ يجْرحُهُ / حتّى تَضاعفَ فوقه الزَّردُ
ومنَ العجائبِ والهوى عَجبٌ / جمْرٌ يَبيتُ يُذيبُهُ البَرَد

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025