المجموع : 9
من حُسنِ عهدٍ للخليطِ المُنْجد
من حُسنِ عهدٍ للخليطِ المُنْجد / ألا يَضُنَّ بوقْفةٍ في المَعْهَدِ
ناشَدْتكمْ إلا قَصْرتمُ ساعةً / فَضْلَ الأزمّةِ عند بُرْقةِ مُنْشِد
أما مُسعِدٌ فيكم فهل من مُغْرمٍ / أو مُغْرَمٌ فيكم فهل من مُسْعِد
ربْعٌ وقَفْتُ أرى وجوهَ أحِبّتي / فيه بعَيْنَيْ ذِكْريَ المُتَجَدّد
رفَع الهوى للعينِ فيه شُخوصَهم / سَقْياً له من آهِلٍ مُتأبِّد
من كلِّ ظاعنةٍ أقامَ خيالُها / ومضَتْ تَروحُ بها الرِكابُ وتغتَدي
بَعُدتْ وخيَّم طيفُها في ناظري / من بعدها فكأنّها لم تَبْعُد
لمّا سَبقْتُ إلى الحمى وتَلاحَقُوا / صَحْبِي وهل لأسيرِ حُبٍّ مُفْتد
وقَفوا فكُلٌّ حَطّ فيه لثامَه / للصّبِ عن فَمِ عاذِلٍ ومُفَنّد
لِمَعاجِ نِضْوٍ في مَحل داثرٍ / ومَجلِّ طَرْفٍ في رسومٍ هُمّد
عَطِرٌ ثَراهُ على تَطاوُل عَهْده / بَمَجّرِ أذيالِ الحِسانِ الخُرَد
فلأتْرُكَنّ الجفْنَ فيه ماطراً / ما بين مُبرِقِ عُذّلِي والمُرعِد
ومُسهَّدٍ قال النّجومُ لطَرْفِه / هي عُقْبةٌ بيني وبينَك فارصُد
كم قد سَهِرْتُ وقَد رَقَدْتَ ليالياً / والآنَ قد أَعيَيْتُ فاسهر أرقُد
وعَدُوا الرّحيل غداً وليس بقاتلي / إلا وَفاؤهمُ بذاكَ المَوعِد
ونَوى الصّباحُ نوىً فقلتُ لقد دنا / يا ليلُ إسفارُ الصّباح فأمدِد
كم طُلْتِ لي فَذُمِمِت في زمنِ النّوى / يا ليلتي فالآن طُولي تُحْمَدي
تَدْري المليحةُ كم لنا في جِيدِها / بينَ القلائدِ من دَمٍ مُتَقلَّد
طاهَرْتِ بينَ طوائلٍ وطوائلٍ / وظَهرْتِ منها في حُلىً لم تُعْهَد
أفذاكِ جيدٌ من هِزَبْرٍ أغلب / يُجْليَ لنا أم من غَزالٍ أغيد
ودليلُ فَرسِكِ أن أشَرتِ بأنمُلٍ / مَخْضوبةٍ أظفارُها من أكْبُد
والحِبُّ إنْ يَغدِرْ بجارٍ لا يَخَفْ / عاراً وإن يقُتلْ قتيلاً لا يَد
ومَنِ امتطى ظَهْرَ الزّمانِ جَرَتْ به / غُلوَاءُ طاغٍ للعنانِ مُقلَّد
فارْبطْ له جأْشَ الصَبور لرَيْبه / ثَبْتاً وأمْهِلْ كُلَّ ريحٍ تَرْكُد
فالطّودُ يَهزأُ بالعواصف كلمّا / لَعِبتْ بخُوطِ البانةِ المُتأود
فانْهَدْ لقاصيةِ المَرامِ ولا تَقُلْ / حَصِراً إذا قامَ الحوادثُ فاقْعُد
واكنِزْ مَودّاتِ الكرامِ ذخيرةً / ولربّما طَنّتْ زُيوفٌ فانْقُد
وإذا أُتيحَ وللجُدودِ مَواهبٌ / لكَ من خلالِ الدّهر صُحبةُ أمجَد
فَرْدٍ يَسُدُّ مكانَ ألفٍ نَجْدةً / فبِخِنْصِرَيْكَ معاً عليه فاعْقِد
ولأرْيحيّات الشّبابِ وعَصْرِه / فُرَصٌ إذا هي أقبلَتْ فكأنْ قد
فأصِخْ لداعيةِ التّصابي عندَها / وعنِ النّصيحِ لخَرْقِ سَمْعكَ فاسْدُد
واقْرِ الهمومَ إذا طَرقْنك طَرْدها / لم يُقْرَ ضَيفُ الهمّ إن لم يُطْرَد
أما الزّمانُ فقد تَجدّدَ آنفاً / فإنِ استطعْتَ تَشبُّهاً فَتجَدّد
أهدَى الرّبيعُ لكلِّ قلبٍ طَرْبةً / وصبَا بِكلِّ صَرورةٍ مُتعبّد
فالروضُ مُفتَرُّ المباسمِ ما بِه / شَكْوى سوى نَفَسِ الصَّبا المُتَردِّد
والطّيرُ تَنطِقُ وَسْطَه بلُغاتِها / من كلِّ مِطْرابِ العَشِّي مُغَرِّد
يَدْعون والقُمْرِى يَخطُب بينها / غَلقاً بسَجْعٍ لا يَمَلُّ مُردَّد
يَعلو ذُؤابةَ منْبرٍ أَعوادُه / لِسوى خطابةِ ذاكَ لم تَتَعَوّد
ويُريكَ أعْلى الكِتْفِ وهْو مُزَيَّنٌ / منه بلَفّةِ طيلسانٍ أسْود
وكأنّما سادَ الطيورَ بأنْ غَدا / يَدعو لعَصْرِ القائمِ المُستَرشِد
وإذا نَظْرتَ إلى الحقائقِ لم تَجِدْ / ذا مَنْطقٍ لزمانه لم يَحْمَد
ما نِيطَ بعدَ الراشِدينَ خلافةٌ / يوماً بأهْدى منه قَطٌ وأرْشَد
مُستَرشدٌ باللهِ يُرشِدُ خَلْقَهُ / بضياء رأى في الخطوبِ مُسدَّد
ملأ الزّمانَ عُلا سوى ما حازَهُ / إرْثاً من المُستَظهِرِ بْنِ المُقْتَدى
فاقَ الجُدودَ وزانَهم فطريفُه / غُرَرٌ بها انتَقَبتْ جِباهُ المُتْلَد
مَلِكٌ رَبوبِيُّ الجَلالِ تَحفُّه / أنوارُ عُلْوِيِّ الخِلالِ مُؤَيَّد
ولذاكَ لمّا أن تَجلّى للعِدا / صَعِقوا بأوّلِ لَمْعةٍ لمُهَنّد
فأعادَ كلَّ شهابِ رُمْح واقِدٍ / أرْدَى شياطيناً ولمّا يَخْمُد
ما كان مَتْنُ الأرضِ يَثْبُتُ عندَها / لو قال ثانيةً لوَطْأتِه اشْدُدِي
إحدى عظيماتِ الزّمانِ مُلِمّةٌ / ذِيدَتْ عنِ الإسلام بعدَ تَوَرُّد
رفَع الحِجابَ لها الخليفةُ رفْعةً / والسّيفُ لولا سَلُّه لم يُغْمَد
سيفٌ يَدُ اللهِ انتضَتْهُ لدينه / غصباً على عنق العدو المعتدى
إلى الحسام نظرت حين عصبته / تعساً لرأيك أم إلى المتقلد
خَطّافُ هامِ عِداهُ قِدْماً مُغمَداً / فاليوم كيف تراه بعد تجرد
قد سار في جندين جند قبائل / صُبُرٍ وجند للسماء مجنَّد
من حيثُ زارَتْ سودُ أعلامٍ له / دارَتْ ببِيضٍ في الكَريهة حُشَّد
كالعَينِ كيف رَمتْ بطَرْفٍ إنّما / يَعْتادُ أبيضُها اتِّباع الأسْود
مَجْرٍ يَشُدُّ نِقابَهُ وجْهُ الضُّحى / إن جَرَّ فاضِلَ ذيلِه في الفَدْفَد
تبدِي شعارَ الحق فيه سُيوفُهم / من كلِّ أبيضَ بالقِرابِ مُسَوّد
فإذا نَضا عن مَتْنتَيهِ سَوادَهُ / لِيُجِيبَ دَعْوةَ صارخٍ مُستَنْجِد
يَعْتاده خَجَلٌ لذاكَ فما يُرَى / في الرَوْعِ منه الخَدُّ غيرَ مُوَرَّد
ولوِ استَطاعَتْ بِيضُهُ لتَسرْبلَتْ / بِدَمِ العِدا من قَبْلِ خَلْعِ الأغْمد
ومنَ الأعاجيبِ اللّواتي مِثْلُها / من قبلِ عَهْدِ جِلادِه لم يَعْهَد
بِيضٌ منَ الأحداقِ في سودٍ من ال / أجفانِ إنْ تَلْمَحْ رؤوساً تَرْمَد
ملأتْ له الآفاقَ نوراً غُرّةٌ / كالبدر وهْو بجنْحِ لَيلٍ مُرتَد
وغدا الظُّبىَ والهامَ حين عَرفْنَه / مِن رُكّعٍ صَلَتْ إليه وسُجَّد
والشمسُ فرْطُ سَناهُ أرمَدَ عَينَها / فكحَلْنَها أيدي الجيادِ بإثْمِد
غُرٌّ فَوارسُها وأوْجُهها معاً / من كُلِّ مُنْجَردٍ وطِرْفٍ أجْرَد
سَهِرَ العِدا من خَوْفهم فتجَشَّموا / تَصبيحَ أعيُنهم برَشْقٍ مُرْقِد
فكأنّ أسهُمَهم طوائفُ من كرىً / غَشِيَتْ معَ الإصباحِ كُلَّ مُسهَّد
فَهناكَ فَتْحٌ عاجِلٌ قَسَم العِدا / قِسمَيْنِ بينَ مُصَرَّعٍ ومُشَرَّد
لا تُسْمِ حَيَّ عِداكَ حَيّاً خائفاً / بل مُلْحِداً من ثَوْبِه في مُلْحَد
مَيْتاً يُعذَّبُ واللّظَى في قَلْبهِ / إن أنت لم تَرْحَمْ ولم تَتَغمَّد
إن كان غاب الدِّينِ أصحَرَ لَيْثُه / وتَكلَّفَ الأيّامَ ما لم تَعْتَد
فأبانَ عن نابٍ لأكْلُبِ فتنة / لولا مِطالُ الحِلْمِ لم تَستأسِد
وكفىَ خيالٌ في الكرى من خَيلِه / رَمْياً لشَمْلِ لَفيفِهم بتَبَدُّد
فلقد سَنَنْتَ الغَزْو سُنّةَ مَنْ مَضَى / لبنى الهُدَى فشَهِدْتَ أوّلَ مَشْهَد
والأرضُ مُحترقٌ تضاءَل شَخْصُه / لِيُعادَ بَدْرٌ في قُراه كما بُدى
والدّهرُ مُجتازٌ ولا بُدَّ له / في كُلِّ يومٍ من جديد تَزَوُّد
والكُفْرُ كُفْرانُ الإمامِ وسَلّةٌ / بخِلافِه للسّيفِ من مُتَمَرّد
فجزاكَ رَبُكَ يا خليفةَ أحمدٍ / عَمَّا نظَمْتَ به خِلافةَ أحمَدِ
أصبحتَ بالقُرآن فيهم حاكماً / والقومُ أمَسوا بالقُرآنِ بمَرْصَد
وأبَى جَلالُك أن تُؤامِرَ أنجُماً / من غيرِ صُنْعِكَ في مُلمٍّ مُوئد
فبنَيْتَ من نَقْعٍ سماءً مِلْؤها / شُهُبُ الأسنّةِ كالذُّبالِ المُوقَد
شُهُبٌ طَلعْنَ على العَدّوِّ بأنْحُسٍ / قَتّالةٍ وعلى الولِيّ بأسْعُد
أسبَغْتَ ظِلَّ العَدْلِ غيرَ مُقَلَّصٍ / وسقَيْتَ ماءَ الخَفْضِ غيرَ مُصرَّد
وأسَلتْ أوديةَ النّوالِ فلم تَدعْ / لِسوى حَسودِكَ غُلّةً لم تَبْرُد
والأرضُ تَذْكرُ ظَمأتَيْنِ شَكتْهما / في سالفٍ من عَهْدِها ومُجَدِّد
ظّمِئَتْ إلى ماءِ السّماءِ جديبةً / أيامَ أصبَحتِ الخلافةُ في عَدِي
وإلى صَبيبِ دماءِ أعداءِ الهُدى / في عَصْرِكَ التاحَتْ فقلتَ لها رِدي
فمطَرْتَها هاماً متى ماتُحصِها / معَ قَطْرِ ذاك اليومِ تُوفِ وتَزددَ
فَسلِ البسيطةَ أيُّ يَومَيْ سَقْيها / أشفَى إذنْ لِغَليلِها المُتَوقّد
وعلى مناكِبها إذا هي قايَستْ / لأبيكَ أو لكَ حَمْلُ شُكْرٍ أزْيد
يا وارثَ البُرْدِ المُجَرَّرِ ذَيْلُه / في ليلة المِعراجِ فوقَ الفَرقَد
ومُعوِدّاً يَدَهُ التَخَصُّرَ بالّذي / أمسى قَطيعَ مَنِ البُراقُ به حُدي
سَلَبا هُدىُ عَبَقُ النُبوةِ فيهما / من كَفّ خيرِ الأنبياء مُحَمّد
فإذا ادّرَعْتَ بذاكَ ثُمّ هَززْتَ ذا / قَطعْتَ جانحةَ الغَويّ المُلْحد
فافْخَرْ فأيُّ مُدَجَّج من عِصْمةٍ / أصَبحْتَ في حَرْبِ الزّمانِ الأنكد
أبني شَفيع القَطْرِ صِنْوِ أبي شَفي / عِ الحَشْرِ لا زلتُم عِمادَ السؤدَد
مِن أهلِ بيتِ شفاعتَينِ أُعدّتا / لليومِ واحدةٌ وأُخرَى للغَد
هذا ابنُ عَمِّكمُ الذي أضحَتْ له / فُرَجُ الأناملِ مَنْهلاً للوُرَّد
وكذا كَليمُ اللهِ ضربةُ كَفّهِ / بعَصاهُ شَقّتْ أعيُناً في الجَلْمَد
وأبوكُمُ رفَع اليَدينِ بدَعْوةٍ / فجَرى لها الوادي بسَيْلٍ مُزْبد
فَتناسبَ الغاياتُ من آياتهم / كلٌّ غدا ماءً يُصوِّبُ من يد
يا ماجِداً قَرَن الكمالَ بمَجْده / كَرَمَ التُقَى بكريمِ ذاكَ المَحْتِد
المُلك قد أضحى حمىً لك فارْعَه / والأرضُ عادَتْ جَنّةٌ بكَ فاخْلُد
طَلعتْ نجومُ الدينِ فوق الفرقدِ
طَلعتْ نجومُ الدينِ فوق الفرقدِ / بمُحمّدٍ ومحمّدٍ ومحمّدِ
بِنَبِيِّنا الهادي وسلطان الورى / ووزيره القرمِ الكريم المَحتِد
سَعْدانِ للأفلاكِ يَكتْنفانِها / والدّينُ تَكنفُهُ ثلاثةُ أسْعُد
هو قد بنى وهُما معاً قد شَيّدا / وتَمامُ كلِّ مُؤسسٍ بِمُشَيّد
بكتابِ ذا وبسيفِ ذا وبرأيِ ذا / نُظِمَتْ أمورُ الدّينِ بعد تَبَدُّد
بدلائلٍ ومنَاصِلٍ وشمائل / ورَدتْ بها الآمالُ أعذبَ مَوْرِد
حُجَجٌ ثلاثٌ للشّريعةِ أصبحَتْ / يُهْدَي إليها كُلُّ مَنْ لم يَهْتَد
فالمُعجِزاتُ لمُقْتَدٍ والباترا / تُ لمُعْتدٍ والمكرماتُ لمُجْتَد
جُمِعَتْ ثلاثةُ أسْمياءَ لدولةٍ / بُنَيتْ على كَبْتِ العِدا والحُسَّد
مَن لم يكن لهَوى الثلاثةِ مُخْلصاً / لم نُسْمِه إلا بطاغٍ مُلْحِد
وكفَى بهذا الاتّحادِ دِلالةً / تَقْضِي إذا وضَحتْ لكُلِّ مُوحِّدِ
ببقَاءِ سلطانِ الورى ووزيرهِ / ألفَيْنِ في مُلكٍ يدومُ مُمَهَّد
ودوامِ بهجةِ جَمْعِ شَمْلهما الّذي / منه الهُدى في ظِلّ عِزٍّ سَرْمَد
اللهِ صَدْرُ زمانِه من ماجدٍ / مَلِكٍ أغَرَّ من الأكارِم أصْيَد
مَولَى الورى مأوى العُلا مُفنِي العدا / مُحيِي الهدى بَحْرُ النّدىَ بدرُ الندي
سَهْلُ الخلائقِ للفضائلِ مَجْمَعٌ / يَحْوِي العلاء وللأفاضِلِ مقْصد
يُردي عِداه بسيفِ بأسٍ مُصْلَتٍ / يُفِري الطُّلى وبسيفِ كَيْدٍ مُغْمَد
فَسلِ الوِزارةَ هل رعاها مثلة / في سالف الأيام والمتجَدِّد
وهل للوزارة غير واحدة غدت / منه وقد نزلت بساحة أوحد
دانَتْ له الدّنيا فَسدّدَ رأيُه / من أمِها ما كان غيرَ مُسَدَّد
مَلِكٌ إذا بَرقَتْ أسِرّةُ وجهِه / جلَتِ الدُّجى بضيائها المُتَوقِّد
خلتِ الدّيارُ وكان قبل خُلُوِّها / مِمّنْ تفرَّد بالعُلا والسُّؤْدَد
اللهُ أيّده ومَن يُضْمِرْ تُقىً / للهِ في رَعْيِ العبادِ يُؤيَّد
ففَداهُ في الأقوامِ كلُّ مُقَصرٍ / يَسْعى إلى نَيْلِ العَلاء بمُسْعِد
كالطّيفِ حَظُّ العين فيهِ وافرٌ / لكنّه لاحَظَّ فيه لليَد
يُمسي ويُصبح جالساً في مُسْندٍ / وكأنّما هو صورةٌ في المَسْنَد
فَلَكَ الثرّيا رِفعةً وله الثَرى / واللهُ في قِسْمِ الورى لا يَعْتدي
فلْيشكُرِ السلطانُ دام جلالُه / ما قد رَعْيتَ لمُلْكهِ وليَحْمَد
خاطَرتَ بالنفسِ النّفيسةِ دُونَه / حتّى تَمَهَّد فوق كُلِّ تَمَهُّد
والأرضُ لا يَغْدو خَطيرَ ملُوكها / إلا المُخاطِرُ في المُلِمِّ المُوئد
بك تَسلَمُ الدُّنيا ويَسَعَدُ أهلُها / فاسلمْ لها يا ابنَ الأكارمِ واسْعَد
أمُبَلِّغي ما قد رَجَوْتُ ولم أسَلْ / ما لو غَدوتَ مُحكِمي لم يَزدَد
من قبلِ أن مَلأ السؤال به فَمي / أضحَى وقد مَلأ النّوالُ به يَدي
بلَّغتَني مَهما قَصدتُ وَزِدتَسني / فوق المُنى فَبلغت ما لم أقصد
وأنلتني ما قد عَهِدْتُ من اللهّا / وأفَدْتني منهُنَ ما لم أعهَد
لم يَبْقَ من نُعماكَ إلا خَصْلةٌ / هي أخلفَتْ عند القوافي مَوْعِدي
إنّي نَشْدتُ لدى ذُراكَ مقاصِدي / فوجَدْتها وقصيدتي لم تُنشَد
فلئن شَكْرتُ لتَشْكُوَنَّ لما بها / من خَجلْةِ المُتأخِّرِ المُتَبلِّد
ومدائحي تَشْأي الرياحَ إذا جَرتْ / في كُلّ نَشْزٍ للبلادِ وفَدْفَد
مِمّا إذا أصغَى الأفاضلُ نحْوه / سَبقَتْ قَوافيه لسانَ المُنْشِد
أبداً تظَلُ قصائدي مَسبوقةً / بَمقاصِدي في شَوطِ جُودِك فاقْصِد
وقصائدي الغُرُّ المُحَجّلةُ التي / أبداً تَخُبُّ بمُتْهمٍ وبمُنجد
جُهِدتْ وبَذَّتْها بَديهةُ خاطِرٍ / جاز المدى كَرماً ولمّا يجهد
كم في الأكابرِ لي لوِ اعتَرفوا لها / بالفَضْلِ حُبّاً للثّناءِ المُخْلِدِ
من مِدْحةٍ للفَخْرِ مُورِثةٍ إذا / نَفِدَ الّذي أسنَوا بها لم تَنْفَد
فِقَرٌ تَظَلُّ حُداءَ كلِّ مَطيّةٍ / لمُعرِّضٍ وغناءُ كُلِّ مُغَرِّد
هم أكرموني فانتحلتُ مديحَهم / مَن يَحتَبِلْني بالكرامةِ يَصطَد
يا أشرف الوزراء دعْوةَ جامعٍ / في الوُدِّ بينَ طريفِهِ والمُتْلد
أفدِيكَ من صَرْفِ الرَّدى يا مَنْ به / وبجُوده من صَرْفِ دَهْرِيَ أفتَدي
مِن باسطٍ يَدَهُ إليَّ بسَيْبه / يَغْدو على حَربِ الحوادثِ مُنْجِدي
إن جِئْتُ قاصِدَه حُبِيتُ وإنْ أُقِمْ / عنه لعُذْرٍ فالمواهبُ قُصَّدي
وإذا بَعُدْتُ دنَتْ إليّ هِباتُه / وصِلاتُه فكأنني لم أبْعُد
دُمْ دِيمةً لبني الرّجاء مُقميةً / يا ذا الأيادي البادياتِ العُوَّد
واقْسِمْ زمانَك بين مُلْكٍ قاهِرٍ / تَرْعَى الأنامَ به وعَيْشٍ أرغَد
فكِفايةُ اللهِ التي عُوِّدْتَها / تُفْنِي العَدُوَّ بها وإن لم تَقْصِد
أمّا الحسودُ فحيثُ يَسمَعُ مِدْحتي / يَلْقَى الرُّواةَ لها بوجْهٍ أربَد
فِلمِقوْلي في قلبِ كُل مُعانِد / تأثيرُ مصْقولِ الغِرارِ مهند
أنا سيفُك الماضي لإرغامِ العِدا / يومَ الفَخارِ فحَلِّني وتَقلد
زرعتْ مُنايَ لدى عُلاك مَطالباً / شتّى فأمِدِدْني برأيْك أحصُد
والدّهرُ أرجَفَ بارتِجاعِكَ مِنْحةً / بدأتْ فَكذِبهُ بعَودٍ أحمَد
ولقد فعلْتَ فَدُمْ كذلك مُنْعماً / أبداً تُعيدُ صنيعةً أو تَبْتَدي
وتَجدَّد العامُ الذي وافَى وقد / أبلَيْتَ ملبوسَ الزّمانِ فَجَدِّد
صُمْ ألفَ عامٍ في ظلالِ سعادةٍ / ولأَلْفِ عيدٍ بالميامِنِ عَيِّد
بِيضٌ طَوالعُ من خيامٍ سُود
بِيضٌ طَوالعُ من خيامٍ سُود / رُفِعَتْ لطَرْفِك من أقاصي البِيدِ
لو مُزِّقَتْ لرقَعْنَها بذَوائبٍ / أو قُوَضَتْ لدعَمْنَها بقُدود
خِيَمٌ تَرى إن زُرتَها بفِنائها / آثارَ جَرِّ قناً وجَرِّ بُرود
تَلقَى أُسودَ الغِيلِ بين عِراصِها / صَرْعَى لأحداقِ الظِباءِ الغِيد
سَكْرَى اللّواحظِ ما يُفِقْنَ من الصِّبا / من كُلِّ هيفاءِ المُوَشَّحِ روُد
مَكْحولةٌ بالسِحْرِ منها مُقلةٌ / كُحِلَتْ لها عَيْنايَ بالتَسهيد
خالَسْنَ تسليمَ الوَداعِ وقد هَفا / بالرَكْبِ شَجْوُ السائقِ الغِرّيد
وتَنافَسَتْ أنفاسُها وشُؤونُها / فَنَثَرْنَ دُرَّىْ أدمُعٍ وعُقود
وكأنّهُنّ نَزعْنَ من أجيادِها / تلك العقودَ ونُطْنَها بخُدود
ومُعذَّبٌ لا البُعْدُ يُسليهِ ولا / في القُرْبِ منك تَجودُ بالموعود
فإذا نأَى أمَسى أسير صَبابةٍ / وإذا دنا أضحَى قَتيل صُدود
عجَباً من الطَّيفِ المُلِمِّ بفتْيةٍ / شُعْثٍ بأطرافِ الفلاةِ هُجود
والصبْحُ أوّلَ ما تَنفّسَ طالعاً / والليّلُ مِثْلُ حُشاشةِ المَجْهود
يُدْني مَزارَك والمهامِهُ دُونَه / ليس البعيدُ على المُنى ببَعيد
يا ليلةً طَرِب الفؤادُ لِذكْرِها / إن كنتِ مُسعِدةَ المَشوقِ فَعُودي
أنا مَن عَهِدْتِ وإن لَقِيتُ حوادثاً / حالَ الزّمانُ بها عنِ المَعْهود
في كلِّ يومٍ أستَجِدُّ مَطامِعاً / يأبَيْنَ عن دارِ الهَوانِ شُرودي
والرّأسُ قد طالَ اشتِعالُ مَشيبِه / منّى وآن له أوانُ خُمود
والشِّعْرُ مثْلُ الشَّعْرِ ليس بمنكَرِ التْ / تَبْيِيضِ بعدَ تَقَدُّمِ التّسْويد
ولَوِ انجَلَتْ عنّى غَيابةُ ناظري / لرأيتُ مَوضِعَ رُشْدِيَ المَنْشود
وزَهِدْتُ في دُنيا تَشُحُّ بنَيْلِها / وإذا سَخَتْ لم تُولِ غيرَ زهيد
وقَطَعتُ في طَلَبِ النّجاةِ عَلائقي / وأرى مَضاءَ السّيفِ في التّجْريد
مالي أُنافسُ كلَّ ناقصِ مَعْشَرٍ / يَزْورُّ دونَ الفَضْلِ ثانيَ جِيد
يُزْهى بصَدْرٍ حَلَّه من مجْلسٍ / أقْصِرْ فلستَ عليه بالمَحْسود
لو كان بالفَضْلِ التّقدُّمُ يُقْتَنى / ما كان لا في أوّلِ التَّوحيد
ولقد أطَعْتُ كما عَصيْتُ عَواذِلي / فغَنيِنَ عن عَذَلي وعن تَفْنيدي
وحَللْتُ من عُقْلِ المَطّيِ مُشيحةً / وشَددْتُ فوق سِراعهنّ قُتودي
في غلْمةٍ ذرعَتْ بهم عَرْضَ الفَلا / هُوجٌ تَلُفُّ تَهائماً بنُجود
وإلى صَفىِ الدّولةِ اصسطحَبا معاً / وَفْدان وَفْدُ عُلاً ووفْدُ سُعود
العيدُ والركْبُ الذين دنَتْ بهِم / من نُورِ غُرَّته بَناتُ العيد
فأتَوْه والمَسعودُ وافِدُ مَعْشَرٍ / قَدِمَ الرَّجاءُ بهِ على مَسْعود
أمسَوا وفوداً مُعتفِينَ وأصبحوا / من سَيْبِه وهُمُ مُناخُ وُفود
واستَمطَروا سُحُبَ المواهبِ من يَدِ / بَيضاءَ صِيغَتْ للنَدى والجُود
فَلْيَهنِه عِيدانِ أمَّا بَيتُه / من كُلِّ عيدٍ قد ألمَّ سعيد
عَجميُّ عِيدٍ تابِعٌ عَربيَّهُ / من بَعْدِ شَهْرٍ كاملٍ مَعْدود
مَلِكٌ جُيوشُ النّصرِ حيث سَما له / يسْرِين تحت لوائه المَعْقود
وإذا أزار الأرضَ جُنْداً أيقنَتْ / أنّ السّماءَ تُمِدُّه بجُنود
وإذا تَجّهَم فيه سِرُّ ضمائرٍ / ألقَى إليه سَناهُ سِرَّ غُمود
أمّا الخلافةُ فَهْي تَأْوِى عِزّةً / منه إلى رُكنٍ يَتيهُ شَديد
وَرِثَ السّيادةَ كابِراً عن كابِرٍ / فَسما بِمجْدٍ طارِفٍ وتَليد
لا كالّذي قَعَدتْ به أجدادُه / لُؤْماً وأنْهَضه اتِفّاقُ جُدود
أوفَيْتَ تاجَ الحَضْرتَيْنِ بهِمّةٍ / قطَعَتْ نياطَ الحاسدِ المَكْبود
ونَظمْتَ شَمْلَ المُلْكِ بعد شَتاتَهِ / وشَبْبتَ نارَ الجُودِ غِبَّ هُمود
وقَمعْتَ أعداءَ الهُدى فتَطأْطَأَتْ / أعناقُهم من قائمٍ وحَصيد
وقَهرْتَهم بعُلُوِّ جَدِّك كلَّهم / ومن العَناءِ عَداوةُ المَجْدود
ورفَعْتَ أعلامَ العلومِ فأهْلُها / يَغْشَوْن ظِلَّ رِواقِك المَمْدود
وألَوكَ من سِرّ القلوبِ وأوجَبوا / بالاجتهادِ هَواك لا التَقْليد
ورأوْك أكبرَ هِمّةً فَتَزاحَموا / من حَولِ حَوضِ نَوالِك المَوْرود
وإذا وجَدْتُ البحرَ كان مُحرَّماً / أن يُستباحَ تَيمُّمٌ بصَعيد
ولْيَهنِكَ المتَجدّدِان تَتابَعَتْ / بُشْراهُما بالنّصْرِ والتّأييد
عِيدانِ مِن عيدٍ أظَلّ مُبَشّرٍ / سَعْدٍ ومِن عَقْدٍ عقَدْتَ جَديد
رَصّعْتَ تاجَ عُلاكَ منه بدرَّةٍ / أعْيَتْ على هِمَم المُلوكِ الصِّيد
شَرَفيّة شَهدَتٌ علي خَلَفِيّةٍ / تَنْمِى على الإحصاء والتّعديد
فتَهنَّها نِعَماً تَفيضُ على الفتى / بينَ الأماثلِ بُردةَ المَحْسود
فاللهَ أسألُ أن يَزيدَكَ رِفْعةً / مادامَ يُوجَدُ مَوضِعٌ لمَزيد
حتّى إذا امتَنع المَزيدُ تَناهِياً / ألقَى المراسِيَ في قَرارِ خُلود
بَكَر العواذِلُ أَنْ رأيْنَ خَصاصتي
بَكَر العواذِلُ أَنْ رأيْنَ خَصاصتي / يُسْرِفْنَ في عَذَلي وفي تَفْنيدي
ويُشِرْنَ بالتَّطوافِ في طَلَبِ الغِنى / ويُسِمْنَ قَطْعَ تهائمٍ ونُجود
والبحرُ لي جارٌ فلِمْ أَطْوي الفَلا / حتى أَنالَ تَيمُّماً بصَعيد
هذا وليّ الدين وابْنُ زعيمه / قصْدي له دونَ الورى وقَصيدي
فاثْنِ العِنانَ إلى رحيبِ فِنائه / من دونِ أَفنيةِ الملوكِ الصِّيد
كم طارقينَ وما طَريقُ فتىً إلى / ناديهِ يومَ نَداهُ بالمَسْدود
أَمسَوا وفوداً في ذُراه وأصبحوا / من سَيْبهِ وهمُ مُناخُ وفود
حامي الحقيقةِ قد أَوى دينُ الهدى / منه إلى رُكنٍ أَعزَّ شديد
والدولةُ الغّراءُ لائذةٌ به / في كلُ يومِ حفيظةٍ مَشْهود
يا كاسِباً شَرفَ العلاء ووارِثاً / هُنّئْتَ وَصْلَك طارفاً بتَليد
فلقد سَمْوتَ بهِمّةٍ عُلْوِيّةٍ / قطَعتْ نِياطَ الحاسِد المَكْبود
أَوسَعْت أَهل الفَضْلِ إفْضالاَ فقد / ظَفِروا بعَيشٍ من نَداك رغيد
ففَداك مَنْ بارَى عُلاك ونَقْصُه / وصْفاً لفَضْلِك ليس بالمَحْدود
ورَعاك مَنْ أَعْلَى مَحلَّك فاعتلَى / فوق النجومِ برغْمِ كلِّ حَسود
من رُكنِ مَجْدٍ شَيّدتْهُ يَدُ العُلا / بندىً وبأسٍ أَيّما تَشْييد
عَشِقَ النّدى والجُود في عَهْدِ الصِّبا / فمَلامُه في ذاك غيرُ مُفيد
وعَطاؤه شَرفٌ تَعوَّدَهُ وما / شَرفٌ سِواهُ في الفتى بحَميد
مُتناصِفُ الآدابِ يَمْشُقُ دائماً / لبياضِ قرطاسٍ سَوادَ كُبود
يَستَخْدِمُ الأسيافَ والأرماحَ وال / أَقلامَ كاستخدامِه لِعَبيد
يُمناهُ محرابٌ إليه صَلاتُها / من طاعةٍ لكَماله المَعْبود
بِيضٌ قيامٌ خلْفَ سُمْرٍ رُكَّعٍ / طعْناً ورُقشٌ بالجباهِ سُجود
لكنْ يُؤدّي السّيفُ فَرْضَ صَلاتِه / بتَمامِ أَركانٍ له وحُدود
فيقومُ في يَدِه ويَركعُ في الطُّلَى / ضَرْباً ويَسجُدُ في الصَّفا المخْدود
يا ذا الذي ما افَترَّ خُوزِستانُ عن / مِثْلٍ له يومَ النَّدى ونَديد
لي منك مولىً وابنُ مَولىً لم أَزلْ / منه أَخُصُّ بنَيْلِ كُلِّ مَزيد
ما زِلْتُ من لُبْسي لتَشْريفاتِه / مُتتابِعَ الإبلاءِ والتّجْديد
كم قِيدَ منه إليّ كلُّ مُطَهَّمٍ / نَهْدٍ كَقَصْرٍ أعتَليهِ مَشيد
من أَشقَرٍ يَبْدو كخدّ خَريدةٍ / خَجِلَتْ فما زادتْ سوى تَوْريد
أَو من كُمَيْتٍ كالكُمَيْتِ مُشارِكٍ / في لَونِه لسَمِيّهِ القِنْديد
أَوأَدْهمٍ كالليّلِ إلاّ غُرَّةً / كالصبحِ شَقّتْ جُنْحَه بعَمود
أَو أَشهبٍ كالصُّبحِ إلاَّ ناظراً / كاللّيلِ تَشْبيهاً بلا تَبْعيد
أَو أَصفرٍ في اللّونِ دينارٌ وفي / تَقْويمهِ مئةٌ بلا تعْديد
أَو آبَنوسِيِّ الجوانبِ أَبلَقٍ / في الخيلِ لا يُؤْتَى له بنَديد
كالسّيفِ في غِمْدٍ تَخرَّق يَغْتدى / لا كلّ مَسْلولٍ ولا مَغْمود
فالطَّرْفُ منه يَجولُ لاستِحسانهِ / ويحَارُ في التّصويبِ والتّصْعيد
كنتُ المخيَّر في لُهاه هكذا / من أَين قُدْتُ نَداهُ كان مَقودي
عَهْدي كذاك مضَى بجَزْلِ نَوالِه / والدّهرُ مَعْروفٌ بنَقْضِ عُهود
يَسْقي ثَراهُ كجُودِ كَفِّك يا ابنَه / غَيْثٌ عطاياهُ بلا تَصْريد
وبَقِيتَ في الدّنيا تَدومُ كذِكْرِه / فالِذّكْرُ للماضي خُلوصُ خُلود
واعذِرْ إنِ استَرسلتُ طالبَ بِغيةٍ / من حيث طالَ لمِثْلِها تَعْويدي
ولقد سَئمْتُ من المُقامِ بمَوطنٍ / مُتَطاوِلَ التَكْديرِ والتَنْكيد
ولقد حننت إلى العراق ومن به / كحنين ظمآن إليه مرود
شوقاً إلى دارِ الخلافةٍ إنّما / لَثمِي ثَراها مُنتَهى مَقْصودي
والمجلسِ الاعَلى لسلطانِ الورى / فمتى يكونُ تُرى عليه وُفودي
وكذا إلى المَولَى الوزيرِ المُرتَجى / تاجٍ عَلادينَ الإلهِ عَقيد
صَدْرٌ له الإسلام قلبٌ تَنْطوِي ال / أحشاءُ منه على التُّقَى والجود
لم يَرْمِ إلاّ رَمْيةً من رَأيهِ الدْ / دُنيا بسهْمٍ قد أصابَ سَديد
حتّى تَتابَعَتِ الفُتوحُ تَتابُعاً / من يُمْنِه ومُقامه المَحْمود
شَردَتْ جُموعُ المارِقينَ مهابةً / وأوَى إلى الأوطانِ كلُّ شَريد
أزِفَ الرّحيلُ ومِن وَداعِ أحبّتي / لم يَبْقَ إلاّ نَظْرةَ التّزويد
وعزيمتي طَيُّ الفلاةِ ومَرْكبِي / من آل أخدَر لا العتاقِ القُود
من آلِ أعوجَ ليسَ مَرْكوبي ولا / من آل أرحبَ نِسبةً والعِيد
فاخلُفْ أبَاك بقَوْدِ طِرْفٍ واغْتنِمْ / تأسيسَ مَجْدٍ تبتنيهِ جَديد
فَلَوَ انّ غيْرَك كان لم أسْتَهْدهِ / لكنْ لماءٍ قد ألِفْتُ وُرودي
وأضاءه ابنُ ذُكاءً أيضاً نُورَها / هو مِن ذُكاءَ يُعَدُّ غيرَ بَعيد
أَحكي الحَمامَ مُطَوَّقاً بنَوالِ مَن / ما خاطري لجَميلهِ بكَنود
أُثْنِي كما يَشْدو الحَمامُ مُغَرِّداً / مُتقابِلَ التّطويقِ بالتَغْريد
دُمْ للعُلا في ظِلّ أشْرفِ دَوْلَةٍ / مَوْصولةِ التأييدِ بالتَّأْييد
لِمَنِ الرّكائبُ سَيْرُهُنّ تَهادِ
لِمَنِ الرّكائبُ سَيْرُهُنّ تَهادِ / مِيلٌ مَسامِعُهنّ نحوَ الحادي
يَطلُعْنَ من شَرفِ العُذَيبِ وهُنّ من / جذْبِ الأزِمّةِ سامِياتُ هَواد
يحدو بهنَّ معَ الصّباحِ مُغَرِدٌ / طرِبٌ يُناجِي بالهوى ويُنادي
ما زال يَنْظِمُهنّ في سِلْكِ البُرى / حتّى تَوشّحَهُنّ بَطْنُ الوادي
فغَدتْ تَجوبُ البِيدَ من تحت الدُّجَى / ذُلُلاَ يَسِرْنَ مَوائَر الأعضاد
والبِيضُ في الأحداجِ فوق متُونِها / مَحْجوبةٌ كالبِيضِ في الأغماد
فإذا اختلَسْنَ بها الخُطا أسمَعْنَنا / زَجَلَ الحُلِيِّ لَهُنّ في الأجياد
فيهنّ لُبْنَي لم تُقَضِّ لُبانتي / منها وسُعْدَى ما رأَتْ إسعادي
رحلُوَا أمامَ الرّكبِ نَشْرُ عَبيرِهم / ووراءهم نفَسُ المشوقِ الصّادي
فكأنّ هذا من وراء رِكابِهم / حادٍ لها وكأنّ ذلكَ هاد
للّهِ مَوقفُ ساعةٍ يومَ النّوى / بمِنَى وأقمارُ الخُدورِ بَواد
لمّا تبِعْتُ وللمُشِيِّعِ غايةٌ / أظعانَهم وقد امتلَكْنَ فُؤادي
أَتبعْتُهم عَينْي وقلبي واقِفاً / فوق الثَّنيّةِ والمَطِيُّ غَواد
حتىّ بَعُدْنَ فعادَ عنهم ناظري / وأبَى الصّبابةُ أن يَعودَ فؤادي
أمّا وقد كلّفُتموهُ راغِماً / سَفَرَ الفراقِ فعَلِّلوهُ بِزاد
فلقد جَزِعْتُ لأنْ أقَمتُ وسِرْتُمُ / جزَعَ العليلِ لوثْبةِ العُوّاد
كيف السّبيلُ إلى التَّلاقي بعدما / ضربَ الغَيورُ عليه بالأسداد
والحيُّ قد رَكَزوا الرِّماحَ بمنزلٍ / فيه الظّباءُ ربائبُ الآساد
وعَد المُنَى بِهمُ فقلتُ لصاحبي / كم دونَ ذلك من عِداً وَعَواد
عَهْدِي بهم وهم بِوَجْرةَ جِيرةٌ / سُقِيَتْ عُهودُهمُ بصَوْبِ عِهاد
فاليومَ من نَفَسِ النّسيمِ إذا سرَى / تبْغِي شِفاءَ غلائلِ الأكباد
يا مُظهرِين لبَعْضِ ما يُخْفى لهم / بُعْدُ النّوى من خِلّةٍ ووِداد
لا تَدَّعوا شوقاً إليّ ولم يدعْ / منّي الغرامُ سوى مِثالٍ باد
إن تذْكروني تُبصروني عندَكُم / ولَوَ انَّ دُوني صَرْفَ كلِّ بِعاد
وكفَى الخيالُ مطيّةً تَسّرِي به / تغْميضةٌ من ناظرٍ لرُقاد
أمّا الخَليُّ فليس عِبْءَ جُفونِه / سَهَرِي فيَجزعَ إن أقَضَّ مِهادي
ماذا عليه أن يَبيتَ مُتيَّمٌ / مَكْحولةً أجفانُه بِسُهاد
دنِفٌ حشا نارَ الجَوى أحشاءَه / للوجْدِ مُذْ سَعِدَ النّوَى بسُعاد
جلَب المَشيبَ هُمومُه فتَرى له / أثَرَ الفؤادِ يلوحُ في الأفواد
شابَ المَفارِقُ للمُفارقِ حُرْقةً / مُذْ بَدَّل الإدناءَ بالإبْعاد
صَدعوا سَوادَيْ فَوْدِه وفُؤادِه / فانجابَ عنه ومنه كلُّ سواد
وكأنّما أحبابُه وشبابُه / رَحَلا غداتَئِذٍ على مِيعاد
يا حَبّذا عُقَبُ الزّمانِ إليهمُ / قبل المَعادِ لئن سخَتْ بمَعاد
أهُوَ التقاءُ أحِبّةٍ بحبائبٍ / أم ردُّ أرواحٍ إلى أجساد
إنّي ليُطْرِبُني الحَمامُ إليهمُ / مُتَرنِّماً في غُصْنِه المَيّاد
ويشوقُني بَرْقُ الحِمَى بوميضِه / حتّى يبُلَّ الدّمْعُ ثِنْىَ نِجادي
وكأنّ عُذّالي إذا ذكَروا الحِمَى / تأْتِي حشايَ بقادحٍ وزِناد
إنّي لأعلَمُ حين أَحلُمُ أنَّني / لاقي مُصافٍ مَرّةً ومُصاد
ولكَم ذَوِي بَغْيٍ كرَهْطِ مُهَلْهِلٍ / أنظرْتُهم كالحارِث بْنِ عُباد
وبذلْتُ جُهْدِي في ارتيادِ تَصادُقٍ / فأبَوا به إلاّ ازديادَ تعاد
وغدوْت كالشّاري بشِسْعٍ نفْسَه / لمّا خطبْتُ صلاحَهم بفَسادي
والمرءُ ليس يَظلُّ خادعَ نفْسِه / حتّى يكونَ مُصادِقاً لِمُعاد
اِلْقَ الزّمانَ بما يُناسِبُ طبْعَه / فأخو العَناءِ مُقوِّمُ المُنْآد
ومتى أردْتَ سَدادَ دَهْرٍ أعْوَجٍ / كان الطّريقَ لِفَوْتِ كلِّ مُراد
عِدْني بإسعادٍ فأمّا أينُقِي / يا صاح فهْي تَعِدْنَ بالإسْآد
كيف المُقامُ ببلدةٍ يَغْدو بها / خوْفُ الهَوانِ مُحَلِّئاً أذْوادي
ولَديَّ ناجيةٌ يدايَ زِمامُها / حتّى أُصيبَ لها حَميدَ مراد
ومُعرَّجي حتّى أُصادِفَ مطلبي / خَرْقٌ مَقيلي فيه ظِلُّ جوادي
فاحْلُلْ عنِ العيسِ المُناخةِ عُقْلَها / واشْدُدْ لهنّ مَعاقِدَ الأقْتاد
أبَني الرّجاءِ السّائرِين ليُدرِكوا / في الدّهرِ أقصَى غايةِ المُرْتاد
مِنَحُ البِحارِ تَدِقُّ عن آمالِنا / فرِدُوا فِناءَ عليٍّ بْنِ طِراد
وإلى مَنِ اليومَ المُناخُ لوافدٍ / إلاّ الرِّضا بعدَ الإمام الهادي
فاطْوِ البعيدَ إليه تَدْنُ من العُلا / وانْزِلْ بأَكرمِ منزلِ الوُفّاد
وامْلأْ يداً منه وعَيْناً إنّه / بحْرُ النَّدى كَرماً وبَدْرُ النّادي
ملِكٌ علُوُّ الجَدِّ زاد تراقِياً / ما شيّدتْهُ له عُلا الأجداد
طَلْقٌ تَخالُ الدّهرَ ضوءَ جبينِه / قمراً أظَلّ لحاضرٍ ولباد
وكأنّ أعيُننَا إذا مِلْنا بها / عن وجْههِ يَرسُفْنَ في أقياد
أخلاقُه بين الخلائِق أصبحتْ / مثلَ الدّراري في ظلامِ دآدِي
وله أيادٍ معْ إدامةِ طَيّها / هَدمتْ مفاخِرَ طَيّئٍ وإياد
من أيِّ آفاقِ البلادِ يَفوتُه / شُكْرُ امرئٍ ونَداهُ بالمِرْصاد
كَهْفُ الإمام إذا أوى منه إلى / رَأْيٍ أفاء عليه ظِلَّ سَداد
ومُجرِّدُ السّيفَيْنِ يَشهَدُ دائماً / يَومَيْ جِدالٍ دُونَه وجِلاد
يَنْفِي العِدا عنه وما ضَرب الهُدى / بجِرانِه إلاّ بضَرْبِ الهادي
عَزيَتْ عنِ العُذّالِ روضةُ جُودِه / أن يَرتَعوا ودنَتْ من القُصّاد
وقضَى له بالفضْلِ أهلُ زمانِه / بشهادةِ الأعداء والحُسّاد
وسَمعتُ أَخبارَ النّدى عَنْ كفِّه / فعرفْتُ فيها صِحّةَ الإسْناد
منْ مَعْشَرٍ بيضِ الوُجوهِ أَكارمٍ / يومَ السَّماحِ وفي الوَغَى أَنجاد
رُجُحُ الحُلومِ لدى النَّديِّ كأنَّما / عُقِد الحُبا مِنْهم على أطواد
رضَعوا لِبانَ المَجْدِ في حِجْر العُلا / فعَلَوا على الأكْفاء والأنداد
وأَظلَّهم بيتُ النّبوّةِ وابتنَوا / مُلكاً ببِيضٍ في الأكُفِّ حِداد
فلهم إذا ما زُرتَهم وَخَبرْتَهم / شَرفُ الملُوكِ وسِيرةُ الزُهّاد
قومٌ إذا سَفَروا حَسِبت وُجوهَهم / للنّاظرِين أَهِلّةَ الأعْياد
وتكادُ إن وَطِئوا المَنابرَ أَن تُرى / في الحالِ وهْي وريقةُ الأعواد
وكَفَاهُمُ شرفاً بأنَّك مِنْهمُ / يومَ افتخارِ مَعاشرِ الأمجاد
ذهبوا بِفخْرٍ في زمانِك طارفٍ / وأَتَوك من عَليائهم بتِلاد
ورِثَتْ يداك الجُودَ من عَمْرِو العلا / والجُودُ يُورَثُه بنو الأجواد
وورِثْتَ عِلْمَ الحَبْرِ ثُمَّ دهاءه / والرأيَ ثُمَّ نزاهةَ السَّجّاد
ونَظمْتَ أَشتاتَ المناقبِ جامِعاً / فأتتْك آلافٌ عنِ الاِفراد
يا مَن بأشرفَ من مدائحِ مَجْده / لم يَختضِبْ قَلَمُ امْرئٍ بمِداد
جاءتْك من غُرَرِ الكلامِ بديعةٌ / تَستوقِفُ الأسماعَ في الإنشاد
سيّارةٌ مثلُ النّجومِ طوالعاً / وقفتْ على الإتْهامِ والإنجاد
كالتِّبرِ حين يَروقُ أَفناءَ الورى / وتَزيدُ قيمتُه لدى النُّقّاد
يا مَن إذا أَبدا الجميل أَعادَه / جَدِّد عَوارِفَ بادئٍ عَوّاد
كم عَمَّني من جاهِه ونَوالِه / بصَنائعٍ جَلَّتْ عنِ التَّعْداد
كتتابُعِ الأمواج إنْ عَدَّدْتَها / أَعيا لفَرْطِ تلاحُقِ الأمداد
صُمْ أَلفَ عامٍ مثْلِ عامِك مُقبِلٍ / في ظلِّ دائمةٍ بغَيرِ نَفاد
في دولةٍ تُصْمِي العِدا وسَعادةٍ / تُنْمي على الأزمانِ والآباد
وَجْدِي بلَومِك يا عذولُ يَزيدُ
وَجْدِي بلَومِك يا عذولُ يَزيدُ / فاستَبْقِ سَهْمَك فالرَّمِيُّ بَعيدُ
بلَغ الهوى من سِرِّ قلبيَ مَوضِعاً / لا العَذْلُ يَبلُغُه ولا التَفْنيد
وتَنِمُّ بالشَّجْوِ المُكَتَّمِ عَبْرَتِي / ومنَ الدُّموعِ على الغرامِ شُهود
كيف السّبيلُ إلى مِزَارِك ليلةً / ومنَ التّهائمِ دونَ وَصْلِكِ بِيد
يَصِلُ الرّسولُ إليكِ وهْو مُساعِدٌ / ويعودُ عنكِ إليّ وهْو حَسود
وأُراقِبُ المِيعادَ منك وإنّما / من دونِ وَعْدِكِ للغَيورِ وَعيد
واهاً لطيفِكِ حين يَطْرُقُ فِتيةً / شُعْثاً تَمِيلُ بها السُّرى ونَميد
عُنِيَ الغرامُ بهم فأيقظَ شَوقَهم / بينَ الجوانحِ والعيونُ رُقود
وجَلا لَهم وجْهَ المليحةِ مَوهِناً / فهمُ إليه على الرِحّالِ سُجود
يا صاحِ إنّ الدّهرَ يأْبَى خُلْقُه / ألاّ يَشوبَ عطاءهُ تَنْكيد
فانْهَضْ إلى فُرَصِ السُّرورِ مبادِراً / فالعُمْرُ عِقْدٌ دُرُّه مَعْدود
أوَما تَرى بُدَدَ النُّجومِ وقد بَدَتْ / فوق السّماء كأنّهنّ فَريد
والبدرُ تَأْتلِقُ الكواكبُ حَوْلَهُ / في جُنْحِ داجيةٍ وهُنّ رُكود
فكأنَّها زُهْرُ الأئمّةِ وَشّحَتْ / أُفُقَ الهدَى وكأنّه مَسْعود
هادي الهُداةِ بعِلْمِه العَلَمُ الذي / فضَل الأنامَ مَقامُه المَحْمود
صدْرٌ لدينِ اللّهِ أُودِعَ سِره / فارتدَّ عنه الغَيُّ وهْو مَذود
مَلَكَ العلومَ فراحَ وهْو لأهلِها / مَلِكٌ حَماهم ظِلُّهُ المَمْدود
فإذا بدا العلماءُ وهْو بمَجْمَعٍ / يوماً تبَيَّن سَيِّدٌ ومَسود
مُتجّرِدٌ للهِ يَنصُرُ دِينَهُ / والسّيفُ أحسَنُ حَلْيِه التَّجْريد
فالدِّينُ فوق النَّسْرِ من إعْلائهِ / وعَدُوُّه في بَطْنِه مَلْحود
وهواهُ حَدٌّ في البريّةِ فاصلٌ / بين الضَّلالةِ والهُدَى مَحْدود
ففَداهُ في الأقوامِ كُلُّ مُقَصِّرٍ / يَنْميهِ لُؤْمٌ طارِفٌ وتليد
كَثُرَتْ نفائسُه وقَلّتْ نَفْسُه / كالحَدِّ زاد لنَقْصِه المَحْدود
ومُحَرِّفون عن الصّوابِ مَقالَهُ / والإفْكُ رُكْنُ سَدادِه مَهْدود
ما ضَرَّ ما قال الغُواةُ فأكثروا / واللهُ بالحقِّ المُبينِ شَهيد
أعَربْتَ للسّلطانِ عن حُجَجٍ وقد / أصبَحْتَ تُبدِيءُ قائلاً وتُعيد
جلَتِ الشُّكوكَ عن التيقُّن مِثْلما / فلَق الظّلاَمَ من الصّباحِ عَمود
أحسَنْتَ غايةَ ما يُطاقُ وإنّما / في النّاسِ مَن إحسانُه مَجْحود
فاليوَم أذعَنَتِ العُداةُ وراعَهم / عِزّاً لواءُ جَلالِك المَعْقود
بلَغُوا نهايةَ ما يُشاءُ فَردَّهُم / لك صاحبانِ النّصرُ والتّأييد
ولَربّما جَمعَ الأعادي كَيْدُهم / ويُزادُ في تَمْكينهِ المَجْدود
وكذا يُعادِي النّاسُ طُرّاً قولَ لا / ويُحِلُّها في صَدْرِه التّوحيد
فاللهَ أسألُ أن يَزيدَك رِفْعةً / إن كان فوقَك للعلاء مَزيد
وَيُتابعَ الأعيادَ نَحوك يَنْثَنِي / عِيدٌ ويُقْبِلُ بالمَيامِن عِيد
يا مَن حُسِدْتُ عليه من شَرفى به / قولُ الحسودِ على الفَتى مَردود
قَسَماً بخُوصٍ كالحنايا فوقَها / أشياخ صِدْقٍ من كِنانةَ صِيد
أَمُّوا بها البلدَ الحرامَ فكلها / ذُلُلٌ يُبارِينَ الأزِمّةَ قُود
وطَوَوْا إليه فِناءَ كلِّ قبيلة / فهم على ربِّ العبادِ وُفود
لم يَصْدُقِ الواشون فيما بَلّغُوا / كَلاّ ولم يَتغيَّرِ المَعْهود
لكنّني لمّا رَميْتُ بنَظرة / حَوْلي كما حَذِرَ الرُّماةَ طَريد
وتَفرَّق الأنصارُ واجتمَع العدا / ألْباً وهل يَكْفي الجُموعَ وحيد
وهَممْتُ منهم أن ألوذ بنَحْوةٍ / فرأيتُ أن طَريقَها مَسْدود
شِمْتُ اللّسانَ تَقيّةً ولَربّما / حَنِقَ الكَمِيُّ وسَيْفُه مَغْمود
عِفْتُ الكلامَ وقد تَكنّفَني العِدا / حذَراً كما عاف النَّشيدَ عَبيد
وغدوْتُ في إسخاطِهم لرِضاكمُ / حَدَّ المُطاقِ ولِلأُمورِ حُدود
ما كان ذلك لا وعَهْدِكَ إنّه / ما سَرَّني بالنّفْسِ دُونَكَ جُود
بلْ غَيْرةً من أن يَغيْبَ بيَ الرّدى / عن خِدْمةٍ والآخَرون شُهود
فأَعِدْ لها نظَر المُصيبِ فَرُبّما / ذمَّمْتَ بعضَ النّاسِ وهْو حميد
أفمِثْلُ وُدِّي للكرامِ وإن جنَتْ / نُوَبُ الزمّانِ تُذَمُّ منه عُهود
أم مِثْلُ خُبْرِكَ للرّجالِ يَجوزُ أن / يَخْفَى عليه كاشِحٌ ووَدود
لا تَحسَبِ المُتصادقِينَ أصادِقاً / ما كُلُّ مَصْقولِ الحديدِ حَديد
واعْلَقْ بمَنْ أولاك خالصَ وُدِّه / يوماً فما أُمُّ الصّفاءِ وَلُود
أفبَعْدَ إبْلائي وإنْ لم يُرضِكم / أيّامَ صِدْقٍ كُلُّها مَشْهود
أصبحتُ أستَكْفِي التَوعُّدَ منكمُ / والحِلْمُ أنْ يُستَنجَزَ المَوعود
وأُسامُ عُذْرَ جريمةٍ لم أجْنِها / إنّ الشّقيَّ بما جَنَى لَسعيد
أمّلْتُ ما طَرق الزّمانُ بغيرِه / اَلغَرْسُ سَعْيٌ والقِطافُ جُدود
ولأبكِيَنَّ عليه عُمْرِيَ كُلَّه / لا مثلّما حَدَّ البُكاءَ لَبيد
أحبابَنا كَثُرَ العِتابُ فأقصِروا / حتّى نعودَ إلى الرِّضا وتَعودوا
لا تُطلِقونا بالإساءةِ بعدما / لُوِيَتْ علينا للجميلِ قُيود
لا تَهْجُروا إنّي على ما نابَني / في الدّهرِ إلاّ هَجْرَكم لجَليد
وصِلُوا فقد جُبِلَتْ على حُبِّيكمُ / نَفْسي وتَبديلُ الطِّباعِ شَديد
إن كان ما زعَم الوُشاةُ فلا يَزلْ / حَظَّيَّ منكم هَجْرةٌ وصُدود
من بَعْد صحبةِ خمس عشْرة حِجّةً / أنساكُمُ إنّي إذَنْ لَكَنود
ولنا بِكُم عَهْد يَرِقُّ لذِكْرِه / قَلْبُ الفتَى ولَوَ انّهُ جُلْمود
وسَوابق الخِدَمِ التي يأْبَينَ أنْ / يتَتابَعَ الإنضاجُ والتَّرميد
يا مَنْ ثَنى العِطْف المَهابةُ دونه / حيرانَ أَمضي خُطْوة وأَعود
لم تَخْل عَيْني من خِيالِك ساعةً / فتَشابَه التّقريب والتَّبعيد
كُنْ كيف شِئْت فبي وإن لم تُدنني / ما عشْتُ حُبٌّ لا يزال يَزيد
إن أخلق الوُدُّ القديم فعِفْتَهُ / فَهُناك وُدُّ تَصطَفيهِ جَديد
أوْ لم ترِدْني في الأصاغرِ خادماً / فبَقِيتَ والقومَ الّذين ترِيد
إنّ الّذي نصَب المكارمَ للورَى
إنّ الّذي نصَب المكارمَ للورَى / غَرضاً يلوحُ من المدى المتباعِدِ
نثَر الكنانةَ عنده نثْراً فَلمْ / يُوجَدْ لديهِ سوى سديدٍ واحد
فبهِ يُكرِّرُ لا يزالُ إصابةً / لبعيدةٍ تَكريرَ بادٍ عائد
ويَحوطُه مُستَبقِياً إذ لا يَرَى / مِثْلاً له إن شاء سهْمَ مَحامِد
كُلٌّ يُدِلُّ بطارفٍ من مَجْدِه / يا مَنْ يَزينُ طَريفَه بالتّالد
أبدَى التعّجُّبَ من وُقوفِ مَقاصِدي / كُلُّ الأنام ومن مسيرِ قصائدي
شِعْرٌ يَهُبُّ هُبوبَ ريحٍ عاصفٍ / من حَوْلِ حَظٍّ ليس يَنهَضُ راكد
وندىً حُسِدْتُ له فحين أذلّني / فَرْطُ التَبذُّلِ زال كَرْبُ الحاسد
كالقَطْرِ أسلَمَه الغمامُ ولم يَقَعْ / في الأرض بعدُ فقد تَبلّد رائدي
فلئن رسَمتَ قطَعتُ عنه مَطامِعي / والقَطعُ أنجَعُ من علاجِ الفاسد
أو لا فأدْركْني بعاجلِ نُصرةٍ / مادام لي عُمْرٌ فلستُ بخالد
ظَمْآنَ أم ريّانَ أم مُتوسِّطاً / لا بُدَّ من صَدَرِ الرِعّاءِ الوارد
عَهْدٌ تغَيَّرَ من سُعادَ ومَعهدُ
عَهْدٌ تغَيَّرَ من سُعادَ ومَعهدُ / فعلام يكْثُرُ عاذِلٌ ومُفَنِّدُ
لا حُلْتُ عن عَهدِ الأحبّةِ في الهوى / وإن استحالَ الرّبْعُ عمّا أعهَد
إن كنتَ تُسعِدُني فإنّي مغرمٌ / أو كنتَ ذا شَجَنٍ فإنّي مُسعِد
أبكي الّذِين تشَعّبَت النّوى / بهمُ فغاروا في البلادِ وأنجدوا
بَعُدوا وَوَكَّل ناظِري بخيالهم / ذِكْرِى لهم فكأنّهم لم يَبْعُدوا
ما زال سَهْمُ اللَّحظِ يجْرحُهُ
ما زال سَهْمُ اللَّحظِ يجْرحُهُ / حتّى تَضاعفَ فوقه الزَّردُ
ومنَ العجائبِ والهوى عَجبٌ / جمْرٌ يَبيتُ يُذيبُهُ البَرَد