المجموع : 13
يا جَنّةَ الوصْلِ التي
يا جَنّةَ الوصْلِ التي / حَفّتْ بها نارُ الصّدودِ
مَن لي بريَّاكِ التي / فُتِقَتْ بريحانِ الخلودِ
ومُجاجَةٍ شَهْدِيّةٍ / تُجْنى من البَرَدِ البَرُودِ
وارحمتا وأنا العُبَيْ / دُ من الهوى لِشَجٍ عميدِ
يَرْمي ولكن لا يَفي / برمايةِ الغَرَضِ البعيدِ
من للمقيمِ على الصّعي / د إلى الغزالَةِ بالصعودِ
حَسّنْ غِذاءَكَ واعتمدْ
حَسّنْ غِذاءَكَ واعتمدْ / منه على وقتٍ وحَدْ
فالنّفسُ تهزل بالمَآ / كلِ كلّما سَمِنَ الجَسَدْ
خَطْبٌ يهزّ شواهقَ الأطوادِ
خَطْبٌ يهزّ شواهقَ الأطوادِ / صَدَعَ الزّمانُ به حصاةَ فؤادي
ومصيبةٌ حَرُّ المصائب عندها / بَرْدٌ بِحُرْقَتِها على الأكبادِ
وكأنّما الأحشاءُ من حَسَراتِها / يُجْذَبْنَ بينَ براثِنِ الآسادِ
كُبَرُ الدّواهي رَحّلَتْ بحلولها / قَرْماً لقد قَرَعَتْ قريعَ أعادي
سكنتْ شقاشِقُهُ وكان هديرُهُ / يستكّ منه مسامعُ الحسّادِ
وكأنّما في الترب غَيّضَ غيضها / لَحْداهُ وَرْداً عن وُرودِ صَوَادِ
نُحِرَتْ شؤوني بالبكاءِ عليه أمْ / عُصِرَتْ مدامعها من الفِرْصادِ
لم أنْتَفِع بالنفسِ عندَ عزائها / فكَأَنّها عينٌ بِغيرِ سوادِ
هَذا الزَمانُ على خَلائِقِه الَّتي / طَوَتِ الخلائقَ من ثمودَ وعادِ
لم يبق منهم من يَشُبّ لِقَرّهِ / بيَدَيهِ سِقْطاً من قداحِ زنادِ
يَفْنى ويُفْني دهرُنا وصروفه / من طارقٍ أو رائحٍ أو غادِ
فكأنّ عينك منه واقعةٌ على / بطَلٍ مُبِيدٍ في الحروب مُبَادِ
والناسُ كَالأحلامِ عندَ نواظرٍ / تَرنو إِلَيهمْ وهي دارُ سهادِ
سَهَرٌ كرى مُقَلٍ تخافُ من الرّدى / للخوْفِ هَجْرُ الطيرِ ماءَ ثمادِ
والعُمرُ يُحْفَزُ بينَ يوْمٍ سابقٍ / لا يستقِرّ وبين يومٍ حادِ
دنيا إلى أُخرى تُنَقِّلُ أهْلَها / هل تُتْرَكُ الأرواحُ في الأَجسادِ
وكأنّهنّ صوارمٌ ما فعلها / إلّا مِنَ الأَجسامِ في أغمادِ
حتى إذا فُجِعَتْ بها أشْباحُها / بَقِيَتْ لِفَقدِ حَياتِها كَجمادِ
والموتُ يُدْرِكُ والفرار مُعقِّلٌ / من فرّ عنه على سَرَاة جوادِ
ويَنَالُ ما صَدَعَ الهواءَ بخافقٍ / موتٌ ومن قَطَع الفَلا بِسُهادِ
ويسومُ ضيماً كلَّ أعصمَ شاهقٍ / ريبُ المنون وكلَّ حيَّةِ وادِ
وهِزبرَ غابٍ يحتمي بمخالبٍ / يُرْهَفْنَ من غيرِ الحديدِ حِدادِ
يَسري إِلى وَجهِ الصباحِ وإنّما / مصباحُهُ من طَرْفِهِ الوقّادِ
أوَ لا ولم يُبَلِ الحِمامُ بشبلهِ / وعنادُهُ بالدلّ غيرُ عِنادِ
وأخو الهدايةِ راحلٌ جَعَلَ التّقى / زاداً له فَتُقَاهُ أفضلُ زادِ
أنا يا ابن أختي لا أزالُ أخا أسىً / حتى أُوَسَّدَ في الضّريح وِسادي
إنّي امرؤٌ ممّا طُرقت مُهَيّدٌ / بفراقِ أهْلي وانْتزاحِ بلادي
أَودى الغريبُ بعلِّةٍ تعتادُهُ / بالكَربَ وهيَ غَريبَة العوّادِ
أمَلٌ وعِدت بهِ وأَوعدَني الرّدى / فَبِهِ يُجَذّ الوعدُ بالإِيعادِ
حيٌّ ومَيْتٌ بالخطوب تباعَدا / شَتّانَ بينَ بِعادِهِ وبِعَادي
نعيٌ دُهيتُ به فمتّ وإنْ أعِشْ / خَلْفَ المَنون فلَم أَعِش بِمُرادي
ما ثُلّمَ السيفُ الذي جَسَدُ الثرى / أمْسَى له جفناً بِغَيرِ نِجادِ
عَضْبٌ يكون عتادَ فارسِهِ إذا / ما سلّهُ والعضبُ غيرُ عَتادِ
قد كان في يُمْنَى أبيه مصمّماً / يعتدّهُ يومَ الوغى لِجِلادِ
أَعزِزْ علَيَّ بِرَونقٍ يبكي دماً / بِتَواتُرِ الأَزمانِ والآبادِ
وأقول بَدْرٌ دبّ فيه مُحاقُهُ / إنّ الكمال إِلَيه غَيرُ مُعَادِ
إن غابَ في جَدَثٍ أنارَ بنورِهِ / فَبِفَقْدِ ذاك النورِ أظْلَمَ نادي
واستَعذَبته المُعضلاتُ لأنّها / مستهدفاتُ مقاتِلِ الأمجادِ
لو أخّرَتْهُ منيَّةٌ لتقدّمَتْ / في الجود همّتُهُ عَلى الأَجوادِ
ولَكانَ في دَرْسِ العلومِ وحِفظِها / بَينَ الأَفاضلِ مبدأَ الأعدادِ
إنّ المَفاخِرَ والمحامدَ سِرّها / لِذَوي البَصائر في المَخايِلِ بادِ
زَيْنُ الحُضورِ ذَوي الفضائِلِ غائِبٌ / يا طولَ غيبةِ مُعْرِضٍ مُتَمَادِ
هلَّا حَمَتْهُ عناصِرُ المَجدِ الَّتي / طابَتْ مِنَ الآباءِ والأَجدادِ
ومكارمٌ بُذِلَتْ لِصَونِ نُفوسهِم / معدودةٌ بالفضلِ في الأَعدادِ
ونجابةٌ وَقْفٌ عَلَيهم فضلُها / مَنقولةٌ منهم إلى الأولادِ
مِنْ مُعْرِقِ الطرَفَينِ مرْكزُ فَخرِهِ / بيتٌ سماءُ عُلاهُ ذاتُ عِمادِ
المُنفِقونَ بِأَرضِهمْ أعمارَهُمْ / ما بين غزوٍ في العِدى وجِهادِ
أذْمارُ حربٍ في سماءِ قتامِهِمْ / شُهُبٌ طوالع في القَنَا المَيّادِ
وبَوارِقٌ تَنسَلُّ مِنْ أجْفَانها / ورقٌ لزرعِ الهامِ ذاتُ حصادِ
فزعَ الصريخُ إليهمُ مُستَنجِداً / فبهم ومنهم شوكة الأنْجَاد
أُسْدٌ لَبُوسُهُمُ جلودُ أراقمٍ / بُهِتَتْ لرؤيتها عيونُ جَرَاد
يا عابِدَ الرَحمَنِ حسبُكَ رحمةً / وفّى لها بالعَهدِ صَوب عِهادِ
بِحَلاوَةِ اسمِك للمَنونِ مَرارةً / طُرِحَتْ بِعَذْبِ الوِرْدِ للورّادِ
إنّي أُنادي منكَ غيرَ مُجَاوِبٍ / ميتاً وعن شوقٍ إِلَيك أُنادي
في جَوفِ قَبرٍ مُفردٍ مِن زائرٍ / قبرُ الغريب يُخَصّ بالإِفرادِ
ما بينَ مَوْتى في صباحٍ عَرّسُوا / لإِعادةٍ بالبَعثِ يومَ مَعَادِ
بَينَ الألوفِ عَفِيّةً أَرسامُهم / ولِرَسمِهِ قبرٌ مِنَ الآحادِ
أوَ لم يَكُن بقراطُ دونَ أبيكَ في / داءٍ يُعادُ لَهُ المريضُ عِدادِ
وأدقّ منهُ فِكرَةً حسبيّةً / حكميَّةَ الإصدارِ والإيرادِ
هلَّا شَفَى سَقَماً فوقّفَ برؤهُ / موتاً تمشّى مِنكَ في الأبْرادِ
هيهاتِ كان مماتُ نفسكَ مثبتاً / بِيَدِ القَضاءِ عَلَيك في الميلادِ
قصَرَتكَ كالممدود قَصْرَ ضرورةٍ / وَعَدَتْكَ عن مَدّ الحياةِ عَوَادِ
وشَرِبتَ كأساً نَحنُ في إيراقها / إِذ أَنْتَ مِنها في طِويلِ رقادِ
وتَركتَ عِرْسَك وهيَ مِنكَ جنازةٌ / ولباسَ عرسك وهوَ ثَوبُ حِدادِ
أهْدَى إلَيك مكانَها حوريّةً / مُهْدٍ وذاك الفضل فَضْلُ الهادي
عِندي عَلَيك منَ البُكاءِ بِحَسْرَةٍ / ماءٌ لِنارِ الحزنِ ذو إِيقادِ
ونياحُ ذي كَمَدٍ يذوب بِهِ إِذا / رفع الرثاءُ عقيرةَ الإنشادِ
وتَخَيّلٌ يُحييكَ في فِكري فذا / مَسْعاكَ في بِرّي ومَحض وِدادي
قَد كَانَ عيدكَ والحَياة على شَفا / مِن قَطعِ عُمرِك آخرَ الأعيادِ
أَرثيكَ عَن طَبعٍ تَجَدْوَلَ بَحْرُهُ / بَعْدَ الغيَابِ وكَثرَةِ الأَولادِ
أَنا في الثَمانين الَّتي فَتَلَتْ بِها / قَيْدي الزمانةُ عِندَ ذلّ قِيادي
أَمشي دَبيباً كَالكَسيرِ وَأَتّقي / وثباً عليّ من الحِمام العادي
ذَبُلت منَ الآدابِ روضتيَ الَّتي / جُلِيَت نَضَارتها على الرُوَّادِ
لو كنتَ بعدي لافتدِيت بأنْفُسٍ / وبما حَوَت مِن طارِفٍ وتِلادِ
فَاصبِر أَبا الحَسَنِ احتِسابَ مُسَلِّمٍ / للَّه أمرَ خواتِمٍ ومَبَادي
فَلَقد عَهِدتُك والحوادثُ جَمّةٌ / وشدادُهُنّ عليك غيرُ شِدادِ
أوَ ليسَ إِبراهيمُ نجلُ مُحمَّدٍ / بالدَفنِ صار إِلى بِلى ونَفادِ
رَدّ النَبيُّ عَلَيهِ تُربةَ لَحدِهِ / بِيَدِ النُبوَّةِ وهيَ ذاتُ أَيادي
فَتَأسّ في ابنكَ بابنِهِ وَخِلالِهِ / تَسْلُكْ بأُسْوَتِهِ سبيلَ رَشادِ
ومُضمَّنٍ راحاً يشفّ زُجاجُهُ
ومُضمَّنٍ راحاً يشفّ زُجاجُهُ / عن ماءِ ياقوتٍ بدُرٍّ يُزْبِدُ
جامٌ يجمِّعُ شربُهُ لذّاتِنا / وعقولُنا بالسكر منه تُبَدّدُ
ويَخِفُّ مَلآناً ويثقُلُ فارغاً / كالجسم تُعدَمُ روحُهُ أو تُوجَدُ
هلْ أنتِ فاديَةٌ فؤادَ عميدِ
هلْ أنتِ فاديَةٌ فؤادَ عميدِ / من لوعةٍ في الصّدْرِ ذاتِ وَقُودِ
أم أنتِ في الفَتَكاتِ لا تخشَينَ في / قَتلِ العبادِ عُقوبةَ المَعبودِ
إِن كَانَ لا تَنبُو سُيوفُكِ عن حَشا / صَبٍّ فَلَيسَ حِدادُها بِحَديدِ
قُلْ كَيفَ تَعطِفُ بِالوِصالِ لِعاشِقٍ / من لا تجودُ له بِعَطْفَةِ جيدِ
لَو بِتّ مُغتَبِقاً مُدامةَ ريقِها / لَخَشيتُ صارمَ جَفنِها العِربِيدِ
إِن شِئتَ أن تَطْوي على ظَمَأٍ فَرِدْ / ماءَ المَحاسِنِ فَوْقَ وَجْنَةِ رُودِ
غيداءُ يُسقِمُ بالملاحةِ دَلُّهَا / جِسمَ العَميدِ كَذاكَ دلّ الغيدِ
كَتَبَتْ لها وَصلاً إِشارةُ ناظِري / فَمَحاهُ ناظِرُ طَرفِها بِصُدودِ
وَلَقَد يَهيجُ لِيَ البُكاءَ صَبابَةً / شادٍ مُطوَّقُ آلةِ التّغريدِ
باتَت سَواري الطَلِّ تَضرِبُ ريشَهُ / بجواهرٍ لم تَدْرِ سِلْكَ فريدِ
غَنّى عَلى عُودٍ يَميسُ بِهِ كَما / غَنّى التَقابُلَ مَعْبَدٌ في العُودِ
واللَّيل قَوّضَ رافِعاً من شَبهِهِ / بيضَ القبابِ على نَجائبَ سُودِ
والصبحُ يلقط من جُمَانِ نجومِهِ / ما كانَ في الآفاقِ ذا تَبديدِ
زُهْرٌ خَبَتْ أنوارُهَا فَكَأَنَّها / سُرُجُ المَشاكي عُولِجَت بِخُمودِ
كَأَزاهِرِ النُوّارِ تَقطِفُها مَهاً / مِن كُلّ مُخضرِّ البقاع مَجُودِ
كَأَسِنَّةٍ طَعَنَتْ بها فُرسانُها / ثُمَّ امتَسكنَ عَنِ القَنا بِكبودِ
كَعُيونِ عُشّاقٍ أبَاحَ لها الكَرى / مَنْ كان عَذّبَهُنّ بالتَّسهِيدِ
والصبحُ يبرقُ كرّةً في كرّةٍ / مِثلَ استلالِ الصارِمِ المَغمودِ
وَتَفرَّقَت تِلكَ الغَياهِبُ عَن سَنا / فلقٍ يُفَلّقُ هامَها بِعَمُودِ
إِنِّي خَبرتُ الدَّهر خُبْرَ مُجَرّبٍ / وكلمْتُ غاربَهُ بِحَمْلِ قتودِ
فالحَظّ فيهِ طَوْعُ كَفّيْ مُظْلِمٍ / بِالجَهلِ مِن نورِ العُلومِ بَلِيدِ
والحَمدُ في الأَقوامِ غَيرُ مُسَلّمٍ / إلّا لأحمدَ ذي العُلى والجُودِ
مَن لا يَجودُ على العُفاةِ بطارِفٍ / حَتّى يَجودَ عليهمُ بِتَليدِ
خَرَقَ العوائدَ منه خِرْقٌ سَيْبُهُ / ثَرُّ الغَمائِمِ مورقُ الجُلمودِ
يأوي إلى شَرَفٍ تَقَادَمَ بيتُهُ / أَزمانَ عادٍ في العلى وثَمودِ
مُتَردِّدٌ في سامِياتِ مَراتِبٍ / والبَدرُ في الأَبراجِ ذو تَغريدِ
كَالشَّمسِ يَبْعُدُ في السماءِ مَحَلُّها / وشُعاعُها في الأَرضِ غَيرُ بَعيدِ
يَلقى وُجوهَ المُعتَفينَ بِغُرّةٍ / بَسّامَةٍ ويدٍ تَسُحّ بِجُودِ
ما زال يشردُ عِرْضُهُ عن ذمّةٍ / وعَطاؤُهُ بالمَطلِ غَيرُ شَريدِ
في رَبعِهِ رَوضٌ مَرُودٌ خِصْبُهُ / أبداً مُصَاقِبُ مَنْهَلٍ مَورودِ
وكَأَنَّما لِلّيْلِ فيه مدارِجٌ / عِندَ التِقاءِ وفودِهِ بِوفودِ
سَبقَ الكِرامَ وأَقبَلوا في إِثرِهِ / كَسِنانِ مُطّرِدِ الكُعُوبِ مَديدِ
مُتَصرّفُ الكَفّيْنِ في شُغُلِ العُلى / لَم يَخلُ من بَذلٍ وَمِن تَشييدِ
والمجدُ لا تُعْلي يَداك بناءَهُ / إلّا بِمالٍ بِالنَدى مَهدودِ
يا ابن السيادةِ والرّياسةِ والعُلَى / وعظيمِ آباءٍ عظيمِ جُدودِ
خُذْهَا كَمُنتَظَمِ الجُمانِ غَرائِباً / تُرْوَى قَصيدَتُها بِكُلِّ قَصيدِ
نِيطَتْ عَلَيكَ عُقودُهَا وَلَطالَما / نُظِمَتْ لأَجيادِ المُلوكِ عُقودي
صَدّتْ وبدرُ التِّمّ مَكسوفٌ بِهِ
صَدّتْ وبدرُ التِّمّ مَكسوفٌ بِهِ / فَحَسِبتُ أَنَّ كُسوفَهُ مَنْ صَدِّها
والبدرُ قد ذهبَ الخسوفُ بنورِهِ / في ليلةٍ حَسَرَتْ أواخِرَ مَدِّها
فَكَأنَّهُ مرآةُ قَيْنٍ أُحْمِيَتْ / فَمَشى احمِرارُ النّارِ في مُسْوَدّها
قَدَحَ المَشيبُ بِمَفرِقَيهِ زِنادَا
قَدَحَ المَشيبُ بِمَفرِقَيهِ زِنادَا / لا يَستَطيعُ لِنارِهِ إِخمادَا
وَثَنَت مَليحَاتُ التَلَفُّتِ سَلْوَةً / عَن شَخصِه الألحاظَ والأَجيادَا
ولَرُبَّما فَرَشَتْ لزائر لحظِهِ / وردَ الخدودِ مَحَبّةً وَوِدادا
إن صادقَتْهُ زمانَ صادَقَهُ الصّبا / فهيَ الَّتي عادَتْهُ لمّا عَادى
أَتَرى بَياضَ الشَيبِ ماءً غاسلاً / في العارِضَينِ وَلِلشبابِ سَوادا
خانَتْ سعادُ وقد وَفَى لك لونُها / لو خانَ ما وَفّى مَلَكتَ سُعادا
أَكثَرتَ مِن ذِكرِ الفَتاءِ وقَلَّما / تُعْطي لذي الذّكَرِ الفتاةُ قيادا
تُفْشي يَداكَ سَرائرَ الأَغْمادِ
تُفْشي يَداكَ سَرائرَ الأَغْمادِ / لِقِطافِ هامٍ واختِلاءِ هَوادِ
إلّا على غزوٍ يُبيدُ بِهِ العِدى / للِّه من غزوٍ لَهُ وجهادِ
وعَزائِمٍ تَرمِيهُمُ بِضَراغِمٍ / تستأصلُ الآلافَ بالآحادِ
مِن كلّ ذِمْرٍ في الكَريهَةِ مُقْدِمٍ / صَالٍ لِحَرّ سَعيرها الوقّادِ
كسنادِ مَسمُرَةٍ وقَسوَرِ غَيضَةٍ / وعُقابِ مَرْقَبَةٍ وَحَيّةِ وادِ
وكَأَنَّهُم في السّابِغاتِ صَوارِمٌ / والسّابِغاتِ لَهُم مِنَ الأَغمادِ
أُسْدٌ عَلَيهِم من جُلودِ أَراقمٍ / قُمُصٌ أزِرّتُها عيونُ جرادِ
ما صَوْنُ دينِ مُحَمَّدٍ من ضَيمِهِ / إلّا بسيفكَ يومَ كلّ جِلادِ
وطُلوعِ راياتٍ وقَودِ جَحافلٍ / وقِراعِ أَبطالٍ وكَرِّ جِيادِ
وَلَدَيكَ هذا كُلَّه عن رائِحٍ / من نَصْرِ ربّكَ في الحروبِ وغادِ
إِنَّ اهتمامَكَ بالهدى عن همّةٍ / علويَّةِ الإِصدارِ والإِيرادِ
وإقامَةُ الأسطولِ تؤذنُ بَغْتَةً / بِقِيامةِ الأعداءِ والحُسّادِ
والحَربُ في حَربِيّةٍ نيرانُها / تَطأُ المياهَ بشدَّةِ الإِيعادِ
تَرْمي بنفطٍ كيفَ يُبْقي لَفْحُهُ / والشَمّ منهُ مُحَرّقُ الأَكبادِ
وكَأَنَّما فيها دخانُ صواعِقٍ / مُلِئَتْ مِنَ الإِبراقِ والإِرعادِ
لا تَسكُنُ الحَرَكاتُ عِندَكَ إنَّها / لخواتِمُ الأَعمالِ خيرُ مَبَادي
وأشدّ مَنْ قَهَرَ الأعادي مِحْرَبٌ / في سِلمِهِ للحَربِ ذو استِعدادِ
سَيُثيرُ مِنكَ العَزمُ بأساً مُهلكاً / والنارُ تَنبعُ عن قِداحِ زنادِ
وغِرارُ سيفكَ ساهرٌ لم تَكتَحِلْ / عَينُ الردى في جَفْنِهِ بِرُقادِ
وزمانُكَ العاصي لغيركَ طائعٌ / لَكَ طاعَةَ المُنقادِ لِلمُقتادِ
ونَرى يَمينَكَ والمُنى في لَثمِها / في كلّ أُفْقٍ بالجنودِ تُنادي
مَن كانَ عَن سَنن الشجاعَةِ والنّدى / بِئسَ المُضلُّ فَأَنتَ نعمَ الهَادي
هَل تَذكُرُ الأَعياجُ سَبْيَ بَناتِها / بظُبىً جُعِلْنَ قلائدَ الأجيادِ
مِن كُلّ بيضاءِ الترائبِ غادةٍ / تمشي كَغُصْنِ البانَةِ الميّادِ
مجذوبةٍ بذوائبٍ كأساودٍ / عَبَثَتْ بهنّ براثنُ الآسادِ
مِن كُلِّ ذي زَبَدٍ عَلَتهُ سُفْنُهُ / يَخْرُجْنَ من جَسَدٍ بِغَيرِ فُؤادِ
ثُعبانُ بَحْرٍ عَضُّهُ بِنَواجذٍ / خُلِعَتْ عَلَيهِ مِنَ الحديدِ حِدادِ
يُبدي غرابٌ منه سقطَ حمامةٍ / بِبَياضِهِ في البحرِ جَرْيُ سوادِ
وكَأَنَّما الريحُ الَّتي تَجْري بِهِ / روحٌ يُحرّكُ منه جِسمَ جَمادِ
يا أَيُّها المُمضي قُواهُ وحَزمَهُ / ومُحالفَ التَأويبِ والإِسآدِ
هذا ابنُ يحيَى ذو السماح جنابُهُ / مُسْتَهْدَفٌ بِعَزائِمِ القُصّادِ
فَرِّغْ مِنَ السّيْرِ الرَذِيّةَ عِندَهُ / تملأ يديكَ بطارفٍ وَتلادِ
مَلِكٌ مَفَاخِرُهُ تُعَدّ مفاخراً / لمآثرِ الآباءِ والأجدادِ
ومراتعُ الروّادِ بينَ رُبُوعِهِ / محفوفةٌ بمناهِلِ الوُرّادِ
ثبتتْ قواعدُ مُلْكِهِ فكأنّما / أرساهُ ربّ العرشِ بالأطوادِ
وطريدُهُ من حيثُ راحَ أوِ اغتَدى / في قبضةٍ منهُ بِغَيرِ طرادِ
والأرضُ في يُمناهُ حَلْقَةً خاتمٍ / والبحرُ في جدواهُ رَشْحُ ثِمادِ
لا تسألَنْ عمّا يصيبُ برأيِهِ / وطعانِهِ بمقوَّمٍ مَيّادِ
يضعُ الهِناءَ مواضعَ النُّقَبِ الَّذي / يضعُ السِّنانَ مواضعَ الأحقادِ
كالبدرِ يومَ الطّعْنِ يُطفئُ رُمحهُ / روحَ الكميِّ بِكَوكبٍ وقّادِ
تبني سلاهبُهُ سماءَ عجاجةٍ / من ذُبّلِ الأرماح ذاتَ عمادِ
وَيَرُدُّ سُمرَ الطعنِ عن أَرضِ العِدى / وكَأَنّها في صِبْغَةِ الفرصادِ
وسُقوطِ هاماتٍ بِضَربِ مَناصِلٍ / وصعودُ أرواحٍ بِطَعنِ صِعادِ
أمّا شِدَادُ المجرمين فعزُّهُ / أبقاهُمُ بالذلّ غيرَ شدادِ
والنّارُ تأخذُ في تَضَرُّمِها الغَضَا / جَزْلاً وتتركُهُ مَهيلَ رمادِ
يا من إليه بانتجاعِ مؤمِّلٍ / مُستَمطِرٌ مِنهُ سَماءَ أَيادي
أُلْقِيتُ من نَيْلِ المنى عن عاتقٍ / فكأنّني سيفٌ بِغَيرِ نِجادِ
ما لي بأرضكَ يومَ جودكَ مُعْرِبٌ / بِلِسانِهِ عن خِدمتِي وَوِدادي
إلّا قصائدُ بالمحامدِ صُغْتُها / غُرّاً تهزّ مَحافلَ الإِنشادِ
خَلَعَتْ معانيها على أَلفاظِها / ألحانَ أشعارٍ ونَقْرَ شَوَادِ
رَجَحَتْ بِقِسطاسِ البَديعِ وإنّها / لَخفيفَةُ الأرْواحِ والأجسادِ
تَبقى كَنَقشِ الصخرِ وهيَ شَواردٌ / مَثَلُ المقيمِ بها وحَدْوُ الحادي
إِنِّي لأبْسُطُ للقَبولِ إذا سَرَتْ
إِنِّي لأبْسُطُ للقَبولِ إذا سَرَتْ / خَدّي وَأَلقاها بِتَقبيلِ اليَدِ
وَأَضُمُّ أَحنائي على أَنفاسِها / كَيمَا تُبَرّدَ حَرّ قلبٍ مُكْمَدِ
مَسَحَتْ كراقيةٍ عليّ بكفّها / ونقابُها ندٌّ من الزّهَرِ النّدي
وعَرَفتُ في الأَرواحِ مَسراها كَما / عَرَفَ المريضُ طبيبَهُ في العُوّدِ
ما لي أطيلُ عنِ الدّيارِ تَغرّباً / أَفبِالتَّغرُّبِ كانَ طالعُ مَولدي
أَبَداً أُبَدِّدُ بِالنَّوى عَزمي إِلى / أَمَلٍ بِأَطرافِ البِلادِ مُبَدَّدِ
كَم مِن فَلاةٍ جُبْتُها بِنَجيبَةٍ / عَن مِنسَمٍ دامٍ وخَطْمٍ مزبدِ
أَبقى الجَزيلُ لها جَميلَ ثَنائِهِ / في العيسِ مَوصولاً بِقَطعِ الفَدفَدِ
ضَرَبَتْ مَعَ الأَعناقِ أَعناقَ الفَلا / بِحُسامِ ماءٍ في حَشاها مُغمَدِ
وَلَرُبّما سَلَّتْ لنا من مائِها
وَلَرُبّما سَلَّتْ لنا من مائِها / سَيفاً وكانَ عَنِ النّواظِرِ مُغمَدا
طَبَعَتهُ لُجِيّاً فَذابَت صَفَحةٌ / مِنهُ وَلَو جَمَدت لَكانَ مُهَنَّدا
الآن أفْرَخَ رَوْعُ كلّ مُهَيَّدِ
الآن أفْرَخَ رَوْعُ كلّ مُهَيَّدِ / وأُعِزّ دينُ مُحَمَّدٍ بِمُحَمَّدِ
إنْ كانَ نَصْرُ اللَّه فَتّحَ بابَهُ / فأبوكَ بادرَ قَرْعَهُ بِمُهنَّدِ
واقتادَ حِزْبَ اللَّه نَحوَ عَدُوِّهِ / فالحرْبُ تَجْدَعُ مَعْطِسَ المُتَمرِّدِ
في جَحفَلٍ يَعلُو عَلَيهِ قَتَامُهُ / كَبُخارِ أخْضَرَ بالعَواصِفِ مُزْبِدِ
صُدِمَتْ جفونُ الفُنشِ منه بِمفعَمٍ / بالأُسْدِ في غَيْلِ القَنا المُتأوِّدِ
وَكَأنَّما احتَطَبَ العلوجَ وساقَهَمْ / بِحَريقِ ضَربٍ بِالصَّوارمِ مُوقَدِ
صَدَعَتْ كتائبَهُ الظُّبا حتَّى إذا / هَمّتْ بهِ أعطى قَذَالَ مُعَرِّدِ
في لَيلَةٍ لَبِسَتْ لِتَستُرَ شَخْصَهُ / عنّا فلم تَلْحَظْهُ عَينُ الفَرقَدِ
أَمسى يُكَذِّبُ مائِناً في ظُلمَةٍ / خَفَرَتْهُ فهيَ لديه بَيضاءُ اليَدِ
وَلَّى يُحاكي البرقَ لَمعُ مُجَرَّدٍ / والرَّعدَ في حَذَرٍ تحَمْحُمُ أجرَدِ
يعدو الجوادُ به على فُرسانِهِ / صَرْعَى كأنّهُمُ نشاوى مُرْقِدِ
مِنْ كُلِّ ذي سَكَرينِ مِن خَمرٍ ومِن / حَدٍّ لِذي فَتكٍ عَلَيهِ مُعَربِدِ
تُبْنَى الصّوامِعُ مِن رُؤوسِهِمُ بما / كَانَت على هَدمِ الصَّوامِعِ تَغتَدي
وَالحَربُ من بيضِ الذُّكورِ كَأنَّما / باضَتْ بِهِنَّ رقائِدٌ في الفَدفَدِ
وكأنّما شَمسُ الظهيرة نارُهُ
وكأنّما شَمسُ الظهيرة نارُهُ / وكأنّما شَجَرُ البسيطةِ عُودُهُ
وكأنّها نونٌ تُمَطّ وعينها
وكأنّها نونٌ تُمَطّ وعينها / ميمٌ لطولِ نحولها بالفدفدِ
كحلتْ جفونَ الصبح منها بالسرى / وتكحلتْ منه بلوْنِ الإثْمِدِ
فلجسمها والصبحُ يتبع نورَهُ / من جفنِ ليلتها انسلالُ المرودِ
يا ليتها كانت سفينَةَ زاجرٍ / فتخوضَ بي مدّ العبابِ المزبدِ
فأرى ابن حمدانٍ ونورَ جبينه / يجلو سناهُ قذى جفون الأرْمَدِ