المجموع : 3
جازَت مُلِمّاتُ الزَمانِ حُدودَها
جازَت مُلِمّاتُ الزَمانِ حُدودَها / وَاِستَفرَغَت أَيّامُها مَجهودَها
وَقَضَت عَلَينا بِالمَنونِ فَعَوَّضَت / بِالكَرهِ مِن بيضِ اللَيالي سودَها
بِاللَهِ ما بالُ الأَحِبَّةِ أَعرَضَت / عَنّا وَرامَت بِالفِراقِ صُدودَها
رَضِيَت مُصاحَبَةَ البِلى وَاِستَوطَنَت / بَعدَ البُيوتِ قُبورَها وَلُحودَها
حَرِصَت عَلى طولِ البَقاءِ وَإِنَّما / مُبدي النُفوسِ أَبادَها لِيُعيدَها
عَبَثَت بِها الأَيّامُ حَتّى أَوثَقَت / أَيدي البِلى تَحتَ التُرابِ قُيودَها
فَكَأَنَّما تِلكَ الجُسومُ صَوارِمٌ / نَحَتَ الحِمامُ مِنَ اللُحودِ غُمودَها
نَسَجَت يَدُ الأَيّامِ مِن أَكفانِها / حُلَلاً وَأَلقَت بَينَهُنَّ عُقودَها
وَكَسا الرَبيعُ رُبوعَها أَنوارَهُ / لَما سَقَتها الغادِياتُ عُهودَها
وَسَرى بِها نَشرُ النَسيمِ فَعَطَّرَت / نَفَحاتُ أَرواحِ الشَمالِ صَعيدَها
هَل عيشَةٌ طابَت لَنا إِلّا وَقَد / أَبلى الزَمانُ قَديمَها وَجَديدَها
أَو مُقلَةٌ ذاقَت كَراها لَيلَةً / إِلّا وَأَعقَبَتِ الخُطوبُ هُجودَها
أَو بِنيَةٌ لِلمَجدِ شيدَ أَساسُها / إِلّا وَقَد هَدَمَ القَضاءُ وَطيدَها
شَقَّت عَلى العَليا وَفاةُ كَريمَةٍ / شَقَّت عَلَيها المَكرُماتُ بُرودَها
وَعَزيزَةٍ مَفقودَةٍ قَد هَوَّنَت / مُهَجُ النَوافِلِ بَعدَها مَفقودَها
ماتَت وَوُسِّدَتِ الفَلاةَ قَتيلَةً / يا لَهفُ نَفسي إِذ رَأَت تَوسيدَها
يا قَيسُ إِنَّ صُدورَنا وَقَدَت بِها / نارٌ بِأَضلُعِنا تَشُبُّ وَقودَها
فَاِنهَض لِأَخذِ الثَأرِ غَيرَ مُقَسِّرٍ / حَتّى تُبيدَ مِنَ العِداةِ عَديدَها
فَخرُ الرِجالِ سَلاسِلٌ وَقُيودُ
فَخرُ الرِجالِ سَلاسِلٌ وَقُيودُ / وَكَذا النِساءُ بَخانِقٌ وَعُقودُ
وَإِذا غُبارُ الخَيلِ مَدَّ رُواقَهُ / سُكري بِهِ لا ما جَنى العُنقودُ
يا دَهرُ لا تُبقِ عَلَيَّ فَقَد دَنا / ما كُنتُ أَطلُبُ قَبلَ ذا وَأُريدُ
فَالقَتلُ لي مِن بَعدِ عَبلَةَ راحَةٌ / وَالعَيشُ بَعدَ فِراقِها مَنكودُ
يا عَبلَ قَد دَنَتِ المَنِيَّةُ فَاِندُبي / إِن كانَ جَفنُكِ بِالدُموعِ يَجودُ
يا عَبلَ إِن تَبكي عَلَيَّ فَقَد بَكى / صَرفُ الزَمانِ عَلَيَّ وَهوَ حَسودُ
يا عَبلَ إِن سَفَكوا دَمي فَفَعائِلي / في كُلِّ يَومٍ ذِكرُهُنَّ جَديدُ
لَهفي عَلَيكِ إِذا بَقيتِ سَبِيَّةً / تَدعينَ عَنتَرَ وَهوَ عَنكِ بَعيدُ
وَلَقَد لَقيتُ الفُرسَ يا اِبنَةَ مالِكٍ / وَجُيوشُها قَد ضاقَ عَنها البيدُ
وَتَموجُ مَوجَ البَحرِ إِلّا أَنَّها / لاقَت أُسوداً فَوقَهُنَّ حَديدُ
جاروا فَحَكَّمنا الصَوارِمَ بَينَنا / فَقَضَت وَأَطرافُ الرِماحِ شُهودُ
يا عَبلَ كَم مِن جَحفَلٍ فَرَّقتُهُ / وَالجَوُّ أَسوَدُ وَالجِبالُ تَميدُ
فَسَطا عَلَيَّ الدَهرُ سَطوَةَ غادِرٍ / وَالدَهرُ يَبخُلُ تارَةً وَيَجودُ
بَينَ العَقيقِ وَبَينَ بُرقَةِ ثَهمَدِ
بَينَ العَقيقِ وَبَينَ بُرقَةِ ثَهمَدِ / طَلَلٌ لِعَبلَة مُستَهِلُّ المَعهَدِ
يا مَسرَحَ الآرامِ في وادي الحِمى / هَل فيكَ ذو شَجَنٍ يَروحُ وَيَغتَدي
في أَيمَنِ العَلَمينِ دَرسُ مَعالِمٍ / أَوهى بِها جَلَدي وَبانَ تَجَلُّدي
مِن كُلِّ فاتِنَةٍ تَلَفَّتَ جيدُها / مَرَحاً كَسالِفَةِ الغَزالِ الأَغيَدِ
يا عَبلَ كَم يُشجى فُؤادي بِالنَوى / وَيَروعُني صَوتُ الغُرابِ الأَسوَدِ
كَيفَ السَلُوُّ وَما سَمِعتُ حَمائِماً / يَندُبنَ إِلّا كُنتُ أَوَّلَ مُنشِدِ
وَلَقَد حَبَستُ الدَمعَ لا بُخلاً بِهِ / يَومَ الوَداعِ عَلى رُسومِ المَعهَدِ
وَسَأَلتُ طَيرَ الدَوحِ كَم مِثلي شَجا / بِأَنينِهِ وَحَنينِهِ المُتَرَدِّدِ
نادَيتُهُ وَمَدامِعي مُنهَلَّةٌ / أَينَ الخَلِيُّ مِنَ الشَجِيِّ المُكمَدِ
لَو كُنتَ مِثلي ما لَبِثتَ مَلاوَةٌ / وَهَتَفتَ في غُصنِ النَقا المُتَأَوِّدِ
رَفَعوا القِبابَ عَلى وُجوهٍ أَشرَقَت / فيها فَغَيَّبتِ السُها في الفَرقَدِ
وَاِستَوكَفوا ماءَ العُيونِ بِأَعيُنٍ / مَكحولَةٍ بِالسِحرِ لا بِالإِثمِدِ
وَالشَمسُ بَينَ مُضَرَّجٍ وَمُبَلَّجٍ / وَالغُصنُ بَينَ مُوَشَّحٍ وَمُقَلَّدِ
يَطلُعنَ بَينَ سَوالِفٍ وَمَعاطِفٍ / وَقَلائِدٍ مِن لُؤلُؤٍ وَزَبَرجَدِ
قالوا اللِقاءَ غَداً بِمُنعَرَجِ اللِوى / وَأَطولَ شَوقِ المُستَهامِ إِلى غَدِ
وَتَخالُ أَنفاسي إِذا رَدَّدتُها / بَينَ الطُلولِ مَحَت نُقوشَ المِبرَدِ
وَتَنوفَةٍ مَجهولَةٍ قَد خُضتُها / بِسِنانِ رُمحٍ نارُهُ لَم تَخمُدِ
باكَرتُها في فِتيَةٍ عَبسِيَّةٍ / مِن كُلِّ أَروَعِ في الكَريهَةِ أَصيَدِ
وَتَرى بِها الراياتِ تَخفُقُ وَالقَنا / وَتَرى العَجاجَ كَمِثلِ بَحرٍ مُزبِدِ
فَهُناكَ تَنظُرُ آلُ عَبسٍ مَوقِفي / وَالخَيلُ تَعثَرُ بِالوَشيجِ الأَملَدِ
وَبَوارِقُ البيضِ الرِقاقِ لَوامِعٌ / في عارِضٍ مِثلِ الغَمامَ المُرعِدِ
وَذَوابِلُ السُمرُ الرِقاقِ كَأَنَّها / تَحتَ القَتامِ نُجومِ لَيلٍ أَسوَدِ
وَحَوافِرُ الخَيلِ العِناقِ عَلى الصَفا / مِثلُ الصَواعِقِ في قِفارِ الفَدفَدِ
باشَرتُ مَوكِبَها وَخُضتُ غُبارَها / أَطفَأتُ جَمرَ لَهيبِها المُتَوَقِّدِ
وَكَرَرتُ وَالأَبطالُ بَينَ تَصادُمٍ / وَتَهاجُمٍ وَتَحَزُّبٍ وَتَشَدُّدِ
وَفَوارِسُ الهَيجاءِ بَينَ مُمانِعٍ / وَمُدافِعٍ وَمُخادِعٍ وَمُعَربِدِ
وَالبيضُ تَلمَعُ وَالرِماحُ عَواسِلٌ / وَالقَومُ بَينَ مُجَدَّلٍ وَمُقَيَّدِ
وَمُوَسَّدٍ تَحتَ التُرابِ وَغَيرُهُ / فَوقَ التُرابِ يَئِنُّ غَيرَ مُوَسَّدِ
وَالجَوُّ أَقتَمُ وَالنُجومُ مُضيئَةٌ / وَالأُفقُ مُغبَرُّ العَنانِ الأَربَدِ
أَقحَمتُ مُهري تَحتَ ظِلِّ عَجاجَةٍ / بِسِنانِ رُمحٍ ذابِلٍ وَمُهَنَّدِ
وَرَغَمتُ أَنفَ الحاسِدينَ بِسَطوَتي / فَغَدَوا لَها مِن راكِعينَ وَسُجَّدِ