عفت الديار و أنكرت قصّادها
عفت الديار و أنكرت قصّادها / حيّا الحيا تلك الديار و جادها
أبلت بشاشتها الخطوب و أقصدت / فرسانها و تخرّمت أجوادها
و أباد فتيتها الزمان و طالما / مرّ الزمان بفتية فأبادها
هي حسرة فازدد و أنت أخو هوى / حقّ الوفاء عليك أن تزدادها
حيّيتهنّ منازلا مهجورة / سبت المنيّة هندها و سعادها
و حبست فيهنّ المطيّ مسائلا / عن أهل ودّك نؤيها و ثمادها
و سكبت ما شاء الهوى بطلولها / حمر الدّموع . أما تخاف نفادها
تلك الدموع قصيدة قد جوّدت / عيناك يوم فراقهم إنشادها
من أنّه الثكلى أخذت رويّها / و من القلوب قد استعرت مدادها
جاءت مهذّبة القوافي ما اشتكت / إبطاءها و زحافها و سنادها
فإذا تلتها العين و هي نديّة / سكر الزمان بلحنها فأعادها
الحزن أرسلها و وقّع لحنها / واختار في شوط القريض جيادها
غرّاء هذّبها و أحكم صنعها / صنع البيان فأتعبت نقّادها
الشعر ما ملك النفوس و هزّها / و أثار ثائرها الكمين وقادها
تتلو الطبيعة في الصباح قصائدا / بذّت بهنّ لبيدها وزيادها
إنّي لتطربني الحمامة أنشدت / فوق الغصون فرنّحت ميّادها
و يهزّني لحن النسيم مقبّلا / نور الخمائل لاثما أورادها
و الصبح مرّ على الربى بحنانه / فكسى بلؤلؤ دمعه أجيادها
والموج يخطب في الصخور مثرثرا / حنقا و ينقم كبرها و عنادها
و الليل غطّى في رداء سكونه / جسم البسيطة شمّها ووهادها
يا نفحة حملت إليّ من الربى / غبّ الرّبيع شقيقها و زبادها
أمّي الجزيرة و اسرقي من غيدها / برد الثغور على الصبا و برادها
ما للجزيرة. لا تفيق من الكرى / طلع الصباح فنبّهي آسادها
ملّ الشعوب من الرقاد و بكّروا / للطيّبات فهل تملّ رقادها
بنت الغزاة الفاتحين تحكّمت / فيها العداة و أحكمت أصفادها
ملكوا عليها الدجلتين و حرّموا / بردى وذادوا بالظبى ورّادها
و كست جنودهم العواصم فارتدّت / ثوب الحداد وودّعت أعيادها
يا للعواصم خطّة مغزوّة / ملك الغريب بياضها و سوادها
الدهر فلّ سيوفها هنديّة / بيضا و حطّم بالقراع صعادها
مدّت إلى الفيحاء كفّ رجائها / متروكة و ترقّبت إسعادها
ما أسرع الفيحاء لولا أنّها / طغت الخطوب فرّيثت أنجادها
و شكت لبغداد الخطوب و ما درت / أنّ الخطوب تعرّقت بغدادها
حبست مياه الرّافدين و حلاّت / عن ورد دجلة لخمها و إيادها
و يح العروبة ! حلّمت أحبابها / ريب الزمان و نزّقت حسّادها
هي جنّة ما ارتادها ذو شرّة / إلاّ و أطمع حسنها مرتادها
كالطير أسكر لحنها صيّادها / فمشى إليها بالردى و اصطادها
ذاك الجمال جنى على أبنائها / ظلما و جلّل بالأذى أحفادها
و لقد أقول لغاصبين مشوا بها / مرحا و أثقلها الشقاء و آدها
هي جذوة حاولتم إطفاءها / و الظلم راح محولا إيقادها
أقبلتم كالمرشدين و ساءكم / بعد الكرى أن تستبين رشادها
قلتم نؤيّد منعة استقلالها / لكنكم أيّدتم استبعادها
إنّ الغزالة لو ملكتم أمرها / لحبستم عن جلّق آرادها
يا عصبة الأمم القوية . حاذري / بأس الضعاف و حزمها و كيادها
لا تأمني بأس الأعراب إنّهم / كادت تفارق بيضهم أغمادها
و كأنّني بالصيد من أمرائها / يوم الحميّة أنكرت أحقادها
و كأنّني بالتاج ألّف شملها / نظما و لمّ نثيرها و بدادها
هلّلت للنشء الجديد و قد مشى / يصلى الحياة و حربها و جهادها
و خشعت للنشء الجديد و قلت ذا / جند الشام فمن يطيق جلادها
حيّيت فيه حماتها أبطالها / يوم النزال كماتها قوّادها
تلك المهار و لا أكابد لوعة / إن مدّ في عمري شهدت طرادها