القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِيليا أَبو ماضي الكل
المجموع : 9
يا مَن قَرُبتَ مِنَ الفُؤادِ
يا مَن قَرُبتَ مِنَ الفُؤادِ / وَأَنتَ عَن عَيني بَعيدْ
شَوقي إِلَيكَ أَشَدُّ مِن / شَوقِ السَليمِ إِلى الهُجود
أَهوى لِقاءَكَ مِثلَما / يَهوى أَخو الظَمءِ الوُرود
وَتَصُدُّني عَنكَ النَوى / وَأَصُدُّ عَن هَذا الصُدود
وَرَدَت نَميقَتَكَ الَّتي / جُمِعَت مِنَ الدُرِّ النَضيد
فَكَأَنَّ لَفظَكَ لُؤلُؤٌ / وَكَأَنَّما القِرطاسُ جيد
أَشكو إِلَيك وَلا يُلامُ / إِذا شَكى العاني القُيود
دَهراً بَليداً ما يُنيلُ / وِدادَهُ إِلّا بَليد
وَمَعاشِراً ما فيهُمُ / إِن جِئتَهُم غَيرُ الوُعود
مُتَفَرنِجين وَما التَفَرنُجُ / عِندَهُم غَيرُ الجُحود
لا يَعرِفونَ مِنَ الشَجاعَةِ / غَيرَ ما عَرِفَ القُرود
سَيّانِ قالوا بِالرِضى / عَنّي أَوِ السُخطُ الشَديد
مَن لَيسَ يَصدُقُ في الوُعودِ / فَلَيسَ يَصدُقُ في الوَعيد
نَفَرٌ إِذا عُدَّ الرِجالُ / عَدَدتُهُم طَيَّ اللَحُد
تَأبى السَماحَ طِباعَهُم / ما كُلُّ ذي مالٍ يَجود
أَسخاهُمُ بِنُضارِهِ / أَقسى مِنَ الحَجَرِ الصَلود
جَعدُ البَنانُ بِعِرضِهِ / يَفدي اللُجَينَ مِنَ الوُفود
وَيَخافُ مِن أَضيافِهِ / خَوفَ الصَغيرِ مِنَ اليَهود
تَعِسَ اِمرُؤٌ لا يَستَفيدُ / مِنَ الرِجال وَلا يُفيد
وَأَرى عَديمَ النَفعِ أَنَّ / وُجودُهُ ضَرَرُ الوُجود
لَيتَ الَّذي خَلَقَ العُيونَ السودا
لَيتَ الَّذي خَلَقَ العُيونَ السودا / خَلَقَ القُلوبَ الخافِقاتِ حَديدا
لَولا نَواعِسُها وَلَولا سِحرُها / ما وَدَّ مالِكُ قَلبِهِ لَو صيدا
عَوِّذ فُؤادَكَ مِن نِبالِ لِحاظِها / أَو مُت كَما شءَ الغَرامُ شَهيدا
إِن أَنتَ أَبصَرتَ الجَمال وَلَم تَهِم / كُنتَ اِمرَأً خَشِنَ الطِباعِ بَليدا
وَإِذا طَلَبتَ مَعَ الصَبابَةِ لَذَّةً / فَلَقَد طَلبَتَ الضائِعَ المَوجودا
يا وَيحَ قَلبي إِنَّهُ في جانِبي / وَأَظُنُّهُ نائي المَزارِ بَعيدا
مُستَوفِزٌ شَوقاً إِلى طَحبابِهِ / المَرءُ يَكرَهُ أَن يَعيشَ وَحيدا
بَرَأَ الإِلَهُ لَهُ الضُلوعَ وِقايَةً / وَأَرَتهُ شِقوَتُهُ الضُلوعَ قُيودا
فَإِذا هَفا بَرقُ المُنى وَهَفا لَهُ / هاجَت دَفائِنُهُ عَلَيهِ رُعودا
جَشَّمتُهُ صَبراً فَلَمّا لَم يَطُق / جَشَّمتُهُ التَصويب وَالتَصعيدا
لَو أَستَطيعُ وَقَيتُهُ بَطشَ الهَوى / وَلَوِ اِستَطاعَ سَلا الهَوى مَحمودا
هِيَ نَظرَةٌ عَرَضَت فَصارَت في الحَشا / نارا وَصارَ لَها الفُؤادُ وَقودا
وَالحُبُّ صَوتٌ فَهوَ أَنَّةُ نائِحٍ / طَورا وَآوِنَةً يَكونُ نَشيدا
يَهَبُ البَواغِمَ أَلسُناً صَدّاحَةً / فَإِذا تَجَنّى أَسكَتَ الغِرّيدا
ما لي أُكَلِّفُ مُهجَتي كَتمَ الأَسى / إِن طالَ عَهدُ الجُرحِ صارَ صَديدا
وَيَلَذُّ نَفسي أَن تَكونَ شَقِيَّةً / وَيَلَذُّ قَلبي أَن يَكونَ عَميدا
إِن كُنتَ تَدري ما الغَرامُ فَداوِني / أَو لا فَخَلِّ العَذل وَالتَفنيدا
يا هِندُ قَد أَفنى المَطالُ تَصَبُّري / وَفَنَيتُ حَتّى ما أَخافُ مَزيدا
ما هَذِهِ البيضُ الَّتي أَبصَرتُها / في لِمَّتي إِلّا اللَيالي السودا
ما شِبتُ مِن كِبَر وَلَكِنَّ الَّذي / حَمَّلتِ نَفسي حَمَّلتُهُ الفودا
هَذا الَّذي أَبلى الشَباب وَرَدَّهُ / خَلقا وَجَعَّدَ جَبهَتي تَجعيدا
عَلَّمتِ عَيني أَن تَسُحَّ دُموعُها / بِالبُخلِ عَلَّمتِ البَخيلَ الجودا
وَمَنَعتِ قَلبي أَن يَقَرَّ قَرارَهُ / وَلَقَد يَكونُ عَلى الخُطوبِ جَليدا
دَلَّهَتني وَحَمَيتِ جَفني غَمضَهُ / لا يُستَطاعُ مَعَ الهُمومِ هُجودا
لا تَعجَبي أَنَّ الكَواكِبَ سُهَّدٌ / فَأَنا الَّذي عَلَّمتُها التَسهيدا
أَسمَعتُها وَصفَ الصَبابَةِ فَاِنثَنَت / وَكَأَنَّما وَطِئَ الحُفاةُ صُرودا
مُتَعَثِّراتٍ بِالظَلامِ كَأَنَّما / حالَ الظَلامُ أَساوِدا وَأُسودا
وَأَنَّها عَرِفَت مَكانَكَ في الثَرى / صارَت زَواهِرُها عَلَيكِ عُقودا
أَنتِ الَّتي تُنسي الحَوائِجَ أَهلَها / وَأَخا البَيانِ بَيانَهُ المَعهودا
ما شِمتُ حُسنَكَ قَطُّ إِلّا راعَني / فَوَدِدتُ لَو رُزِقَ الجَمالُ خُلودا
وَإِذا ذَكَرتُكِ هَزَّ ذِكرَكِ أَضلُعي / شَوقاً كَما هَزَّ النَسيمُ بُنودا
فَحَسِبتُ سِقطَ الطَلِّ ذَوبَ مَحاجِري / لَو كانَ دَمعُ العاشِقينَ نَضيدا
وَظَنَنتُ خافِقَةَ الغُصونِ أَضالِعاً / وَثِمارَهُنَّ القانِياتِ كُبودا
وَأَرى خَيالَكَ كُلَّ تَرفَةِ ناظِرٍ / وَمِنَ العَجائِبِ أَن أَراهُ جَديدا
وَإِذا سَمِعتُ حِكايَةً عَن عاشِقٍ / عَرَضاً حَسِبتُني الفَتى المَقصودا
مُستَيقِظ وَيَظُنُّ أَنّي نائِمٌ / يا هِندُ قَد صارَ الذُهولُ جُمودا
وَلَقَد يَكونُ لِيَ السُلُوُّ عَنِ الهَوى / لَكِنَّما خُلِقَ المُحِبُّ وَدودا
قالَت سَكَت وَما سَكَتَّ سُدى
قالَت سَكَت وَما سَكَتَّ سُدى / أَعيا الكَلامُ عَلَيكَ أَم نَفِدا
إِنّا عَرَفنا فيكَ ذا كَرَمٍ / ما إِن عَرَفنا فيكَ مُقتَصِدا
فَأَطلِق يَراعَكَ يَنطَلِق خَبَباً / وَاِحلُل لِسانَكَ يَحلُلِ العُقَدا
ما قيمَةَ الإِنسانِ مُعتقِداً / إِن لَم يَقُل لِلناسِ ما اِعتَقَدا
وَالجَيشِ تَحتَ البَندِ مُحتَشِداً / إِن لَم يَكُن لِلحَربِ مُحتَشِدا
وَالنورِ مُستَتِراً فَقُلتُ لَها / كُفّي المَلامَة وَاِقصُري الفَنَدا
ماذا يُفيدُ الصَوتُ مُرتَفِعاً / إِن لَم يَكُن لّصَوتِ ثَمَّ صَدى
وَالنورُ مُنبَثِقا وَمُنتَشِراً / إِن لَم يَكُن لِلناسِ هُدى
إِنَّ الحَوادِثَ في تَتابُعِها / أَبدَلنَني مِن ضِلَّتي رَشَدا
ما خانَني فِكري وَلا قَلَمي / لَكِن رَأَيتُ الشِعرَ قَد كَسَدا
كانَ الشَباب وَكانَ لي أَمَلٌ / كَالبَحرِ عُمقاً كَالزَمانِ مَدى
وَصَحابَةٌ مِثلُ الرِياضِ شَذىً / وَصَواحِبٌ كَوُرودِها عَدَدا
لَكِنَّني لَمّا مَدَدتُ يَدي / وَأَدَرتُ طَرفي لَم أَجِد أَحَدا
ذَهَبَ الصِبى وَمَضى الهَوى مَعَهُ / أَصَبابَة وَالشَيبُ قَد وَفَدا
فَاليَومَ إِن أَبصَرتُ غانِيَةً / أُغضي كَأَنَّ بِمُقلَتي رَمَدا
وَإِذا تُدارُ الكَأسُ أَصرِفُها / عَنّي وَكُنتُ أَلومُ مَن زَهِدا
وَإِذا سَمِعتُ هُتافَ شادِيَةٍ / أَمسَكتُ عَنها السَمع وَالكَبِدا
كَفَّنتُ أَحلامي وَقُلتُ لَها / نامي فَإِنَّ الحُبَّ قَد رَقَدا
وَقعُ الخُطوبِ عَلَيَّ أَخرَسَني / وَكَذا العَواصِفُ تُسكِتُ الغَرِدا
عَمرٌ صَديقٌ كانَ يَحلِفُ لي / إِن نُحتُ ناح وَإِن شَدَوتُ شَدا
وَإِذا مَشَيتُ إِلى المَنونِ مَشى / وَإِذا قَعَدتُ لِحاجَةٍ قَعَدا
صَدَّقتُهُ فَجَعَلتُهُ عَضُدي / وَأَقَمتُ مِن نَفسي لَهُ عَضُدا
لَكِنَّني لَمّا مَدَدتُ يَدي / وَأَدَرتُ طَرفي لَم أَجِد أَحَدا
هِند وَأَحسَبُني إِذا ذُكِرَت / أَطَءُ الأَفاعي أَو أَجُسُّ مُدى
كانَت إِلَهاً كُنتُ أَعبُدُهُ / وَأَجُلُّه وَالحُسنُ كَم عُبِدا
كَم زُرنَها وَالحَيُّ مُنتَبِهٌ / وَتَرَكتُها وَالحَيُّ قَد هَجَدا
وَلَكَم وَقَفتُ عَلى الغَديرِ بِها / وَالريحُ تَنسُجُ فَوقَهُ زَرَدا
وَالأَرضُ تَرقُصُ تَحتَنا طَرَباً / وَالشُهبُ ترقُصُ فَوقَنا حَسَدا
وَلَكَم جَلَسنا في الرِياضِ مَعاً / لا طارِئً نَخشى وَلا رَصَدا
وَاللَيلُ فَوقَ الأَرضِ مُنسَدِلٌ / وَالغَيمُ فَوقَ البَدرِ قَد جَمَدا
قَد كاشَفَتني الحُبَّ مُقتَرِباً / وَشَكَت إِلَيَّ الشَوقَ مُبتَعِدا
لَكِنَّني لَمّا مَدَدتُ يَدي / وَأَدَرتُ طَرفي لَم أَجِد أَحَدا
قَومي وَقَد أَطرَبتُهُم زَمَناً / ساقوا إِلَيَّ الحُزن وَالكَمَدا
هُم عاهَدوني إِن مَدَدتُ يَدي / لَيَمُدَّ كُلُّ فَتىً إِلَيَّ يَدا
قالوا غَداً تَهمي سَحائِبُنا / فَرَجَعتُ أَدراجي أَقولُ غَدا
وَظَنَنتُ أَنّي مُدرِكٌ أَرَبي / إِن غارَ تَحتَ الأَرضِ أَو صَعَدا
فَذَهَبتُ أَمشي في الثَرى مَرِحاً / ما بَينَ جُلّاسي وَمُنفَرِدا
تيهَ المُجاهِدُ نالَ بُغيَتُهُ / أَو تيهَ مِسكينٍ إِذا سَعِدا
لَكِنَّني لَمّا مَدَدتُ يَدي / وَأَدَرتُ طَرفي لَم أَجِد أَحَدا
هُم هَدَّدوني حينَ صِحتُ بِهِم / صَيحاتِيَ الشَعواءَ مُنتَقِدا
وَرَأَيتُ في أَحداقِهِم شَرَراً / وَرَأَيتُ في أَشداقِهِم زَبَدا
وَسَمِعتُ صائِحُم يَقولُ لَهُم / أَن أُقتُلوهُ حَيثُما وُجِدا
فَرَجَعتُ أَحسَبُهُم بَرابِرَةً / في مَهمَه وَأَظُنُّني وَلَدا
مَرَّت لَيالٍ ما لَها عَدَدٌ / وَأَنا حَزينٌ باهِتٌ كَمَدا
أَرتاعُ إِن أَبصَرتُ واحِدَهُم / ذُعرَ الشُوَيهَةِ أَبصَرَت أَسَدا
وَإِذا رَقَدتُ رَقَدتُ مُضطَرِباً / وَإِذا صَحَوتُ صَحَوتُ مُرتَعِدا
لَكِنَّني لَمّا مَدَدتُ يَدي / وَأَدَرتُ طَرفي لَم أَجِد أَحَدا
لا تَذكُروهُم لي وَإِن سَأَلوا / لا تَذكُروني عِندَهُم أَبَدا
لا يَملَءُ السِربالَ واحِدُهُم / وَلَهُ وُعودٌ تَملَءُ البَلَدا
يا لَيتَني ضَيَّعتُ مَعرِفَتي / مِن قَبلِ أَعرِفَ أَحَدا
في المَنزِلِ المَهجورِ أَذكُرُكُم
في المَنزِلِ المَهجورِ أَذكُرُكُم / فَأَخالَني في جَنَّةِ الخُلدِ
أَنتُم مَعي في كُلِّ آوِنَةٍ / وَالناسُ تَحسَبُ أَنَّني وَحدي
شَوقٌ يَروحُ مَعَ الزَمانِ وَيَغتَدي
شَوقٌ يَروحُ مَعَ الزَمانِ وَيَغتَدي / وَالشَوقُ إِن جَدَّدتَهُ يَتَجَدَّدُ
دَع عَنكَ نُصحي بِالتَبَلُّدِ ساعَةً / يا صاحِ قَد ذَهَبَ الأَسى بِتَبَلُّدي
ما زادَ في أَسَفِ الحَزين وَشَجوِهِ / شَيءٌ كَقَولِكَ لِلحَزينِ تَجَلَّدِ
ما زُلتُ أَعصيهِ إِلى أَن هاجَني / ذِكرُ الحِمى فَعَصَيتُ كُلَّ مُفَنَّدِ
وَأَطارَ عَن جَفني الكَرى وَأَطارَني / عَن مَرقَدي مَشيُ الهُمومِ بِمَرقَدي
في جُنحِ لَيلٍ مِثلِ حَظّي حالِكٍ / كَالبَحرِ ساجٍ مُقفِرٍ كَالفَدفَدِ
أَقبَلتُ أَنظُرُ في النُجومِ مُصَعِّداً / عَينَيَّ بَينَ مُصَوِّب وَمُصَعِّدِ
أَو واجِفٍ أَو راجِفٍ مُتَرَجرِجِ / أَو نافِرٍ أَو حائِرٍ مُتَرَدِّدِ
يَمشينَ في هَذا الفَضاء وَفَوقَهُ / وَكَأَنَّما يَمشينَ فَوقَ الأَكبُدَ
وَالبَدرُ مُنبَعِثُ الشُعاعِ لَطيفُهُ / صافٍ كَذِهنِ الشاعِرِ المُتَوَقِّدِ
ما زالَ يَنفُذُ في الدُجى حَتّى اِستَوى / فيهِ فَيا لَكَ أَبيَضاً في أَسوَدِ
وَالشُهبُ تَلمَعُ في الرَفيعِ كَأَنَّها / أَحلامُ أَرواحِ الصِغارِ الهُجَّدِ
يَنظُرنَ عَن كَثَبٍ إِلَيهِ خِلسَةً / نَظَرَ المِلاحِ إِلى الغَريرِ الأَمرَدِ
فَعَجِبتُ مِمَّن نامَ مِلءَ جُفونِهِ / وَالكَونُ يَشهَدُ مِثلَ هَذا المَشهَدِ
وَرَأَيتُني فَوقَ الغَمامِ مُحَلِّقاً / في الأُفقِ ما بَينَ السُها وَالفَرقَدِ
فَسَمِعتُ صَوتاً مِن بَعيدٍ قائِلاً / يا أَيُّها الساري مَكانَكَ تُحمَدِ
ما دُمتَ في الدُنيا فَلا تَزهَد بِها / فَأَخو الزَهادَةِ مَيِّتٌ لَم يُلحَدِ
لا تَقنَطَنَّ مِنَ النَجاحِ لِعَثرَةٍ / ما لا يَنالُ اليَومَ يُدرَكَ في غَدِ
كَم آكِلٍ ثَمَراً سَقاهُ غَيرُهُ / دَمَه وَكَم مِن زارِعٍ لَم يَحصُدِ
لَو كانَ يَحصُدُ زَرعُهُ كُلُّ اِمرِئٍ / لَم تُخلَقِ الدُنيا وَلَم تَتَجَدَّدِ
بِالذِكرِ يَحيا المَرءُ بَعدَ مَماتِهِ / فَاِنهَض إِلى الذِكرِ الجَميل وَخَلَّدِ
فَلَئِن وُلِدت وَمُتَّ غَيرَ مُخَلَّدٍ / أَثراً فَأَنتَ كَأَنَّما لَم تولَدِ
حَتّى ما في لا شَيءَ يَقتَتِلُ الوَرى / إِنَّ الحِمامَ عَلى الجَميعِ بِمَرصَدِ
طاشَت حُلومُ المالِكينَ فَذاهِلٌ / لا يَستَفيق وَحائِرٌ لا يَهتَدي
وَأَفَقتُ إِذا قَطَعَ الكَلامَ مُكَلِّمي / فَنَظَرتُني فَإِذا أَنا لَم أَصعَدِ
ما لِلكَواكِبِ لا تَنام وَلا تَني / قَد طالَ سُهدُكِ يا كَواكِبُ فَاِرقُدي
كَم تَنظُرينَ إِلى الثَرى مِن حالِقٍ / ما في الثَرى لِأَخي الأَسى مِن مُسعِدِ
أَو ما تَريني عِندَما اِشتَدَّ الدُجى / وَاِشتَدَّ دائي نامَ عَنّي عُوَّدي
حَتّى لَقَد كادَ القَريضُ يَقعُقُّني / وَيَصونُ عَنّي مائَه وَأَنا الصَدي
أُمسي أَهُمُّ بِه وَيَظلَعُ خاطِري / فَكَأَنَّما أَنا ماتِحٌ مِن جَلمَدِ
لا تَسأَليني لِما سَهِدتُ فَإِنَّني / لَو كانَ في وُسعي الكَرى لَم أَسهَدِ
صَرَفَت يَدُ البَلوى يَدي عَن أَمرِها / ما خِلتُ أَمري قَطُّ يَخرُجُ مِن يَدي
في أَضلُعي نارٌ أَذابَت أَضلُعي / وَمَشَت إِلى كَبِدي وَلَمّا تَخمَدِ
أَخشى عَلى الأَحشاءِ مِن كِتمانِها / وَأَخافُ أَن أَشكو فَيَشمَتَ حُسَّدي
وَمَليحَةٍ لا هِندُ مِن أَسمائِها / كَلّا وَلَيسَت كَالحِسانِ الخُرَّدِ
نَشَزَ الجَواري وَالإِماءُ تَمَرَّدَت / وَوَنَت فَلَم تَنشُز وَلَم تَتَمَرَّدِ
في النَفسِ مِنها ما بِها مِن دَهرِها / أَزكى السَلامِ عَلَيكِ أَرضَ المَوعِدِ
يا لَيتَ شِعري كَم أَقولُ لَها اِنهَضي / وَتَقولُ أَحداثُ الزَمانِ لَها اِقعُدي
لَيسَ الَّذي لاقَتهُ هَيناً إِنَّما / حِملُ الأَذى هَيِّنٌ عَلى المُتَعَوِّدِ
قُل لِلحَمائِمِ في ضِفافِ الوادي
قُل لِلحَمائِمِ في ضِفافِ الوادي / يا لَيتَكُنَّ عَلى شَغافِ فُؤادي
لِتَرَيَنَّ كَيفَ تَبَعثَرَت أَحلامُهُ / وَجَرَت بِهِ الآلامُ خَيلَ طِرادِ
كانَت تَشُعُّ عَلى جَوانِبِهِ المُنى / فَخَبَت وَبَدَّلَ جَمرَها بِرَمادِ
أَسعِدنَهُ فَعَسى يَخُفُّ وُلوعُهُ / إِنَّ الشَجِيَّ أَحَقُّ بِالإِسعادِ
ذَهَبَ الصِبا وَبَقَيتِ في حَسَراتِهِ / لَيتَ الأَسى مِثلَ الصِبا لِنَفادِ
إِنَّ الشَبابَ هُوَ الغِنى فَإِذا مَضى / وَأَقَمتَ لا يَنفَكُّ فَقرَكَ بادي
أَمسَيتُ أَنظُرُ في الحَياةِ فَلا أَرى / إِلّا سَواداً آخِذاً بِسَوادِ
أَلقى الصَباحَ فَلا يَطولُ تَأَمُّلي / حَتّى يَحولُ شُعاعُهُ لِصَعادِ
وَإِذا تُقابِلُني النُجومُ تَخاوَصَت / فَكَأَنَّما هِيَ أَعيُنُ الحُسّادِ
ما ثَمَّ ذِكرى إِذا خَطَرَت عَلى / قَلبي اِستَراحَ سِوى خَيالِ الوادي
أَفَلا تَزالُ الشَمسُ تَصبُغُ وَجهَهُ / بِالوَرسِ آوِنَة وَبِالفِرصادِ
أَفَلا يَزالُ يَذوبُ في أَمواجِهِ / ذَهَبُ الأَصيل وَفَضَّةُ الآرادِ
لَهَفي إِذا وَرَدَ الرِفاقُ عَشِيَّةً / وَذَكَرتُ أَنّي لَستُ في الرُوّادِ
وَإِذا الحَمامُ شَدا وَصَفَّقَ مَوجُهُ / أَن لا أُصَفِّقَ لِلحِمامِ الشادي
وَإِذا النَخيلُ تَطاوَلَت أَظلالُهُ / أَن لا يَكونَ مِظَلَّتي وَوِسادي
وَإِذا الكَواكِبُ رَصَّعَت آفاقُهُ / أَن لا يَكونَ لِرَعيِهِنَّ سُهادي
ذُقتُ الهَوى وَعَرَفتُهُ في شَطِّهِ / إِنَّ الهَوى لِلمَرءِ كَالميلادِ
لا تُدرِكُ الأَكبادُ سِرَّ وُجودِها / حَتّى يَجولُ الحُبُّ في الأَكبادِ
ما عُشتُ لَم يَمسُس جَوانِحَكَ الهَوى / لَم نَدرِ ما في العَيشِ مِن أَمجادِ
لا تُبصِرُ العَينُ الرِياض وَحَليَها / إِلّا عَلى ضَوءِ الصَباحِ الهادي
وَطَنانِ أَشوَقُ ما أَكونُ إِلَيهِما / مِصرُ الَّتي أَحبَبتُها وَبِلادي
وَمَواطِنُ الأَرواحِ يَعظُمُ شَأنَها / في النَفسِ فَوقَ مَواطِنِ الأَجسادِ
حِرصي عَلى حُبِّ الكِنانَةِ دونَهُ / حِرصُ السَجينِ عَلى بَقايا الزادِ
بَلَدَ الجَمالي خَفِيِّه وَجَلِيِّهِ / وَالفَنِّ مِن مُستَطرِف وَتِلادِ
عَرَضَت مَواكِبَها الشُعوبُ فَلَم أَجِد / إِلّا بِمِصرَ نَضارَةَ الآبادِ
كَم مِن دَفينٍ في ثَراها لَم يَزَل / كَالحَيِّ ذا مِقَة وَذا أَحقادِ
وَمُشَيَّدٍ لِلناسِ إِذ يَغشونَهُ / مِن كُلِّ أَرضٍ خِشيَةَ العُبّادِ
عاشَ الجُدود وَأَثَّلوا ما أَثَّلوا / وَاليَومَ يَنبَعِثونَ في الأَحفادِ
المُسبِغينَ عَلى النَوابِغِ فَضلَهُم / كَالفَجرِ مُنبَسِطاً عَلى الأَطوادِ
أَبناءَ مِصرَ الناهِضينَ تَحِيَّةً / كَوَدادِكُم إِن لَم أَقُل كَوَدادي
مِن شاعِرٍ كَلِفٍ بِكُم وَبِأَرضِكُم / أَبَداً يُوالي فيكُم وَيُعادي
إِن تُكرِموا شَيخَ الصَحافَةِ تُكرَموا / أَسنى الكَواكِبِ في سَماءِ الضادِ
خَلَعَ الشَبابُ عَلى الكِنانَةِ مُطرَفاً / هُوَ كَالرَبيعِ عَلى رُبىً وَوِهادِ
ما زالَ يُقحِمُ في الجَهالَةِ نورُهُ / حَتّى تَقاصَرَ لَيلُها المُتَمادي
بِصَحيفَةٍ نورُ العُيونِ سَوادُها / وَبَياضُها مِن ناصِعِ الأَجيادِ
يُنبوعُ مَعرِفَة وَهَيكَلُ حِكمَةٍ / وَوِعاءُ آداب وَكُنزُ رَشادِ
أَغلى المَواهِب وَالعُقولِ رَأَيتُها / سَكَنَت قُصورَ مَهارِق وَمِدادِ
ذِكرُ المَجاهِدِ في الحَقيقَةِ خالِدٌ / وَيَزولُ رُبَّ السَيف وَالأَجنادِ
لَولا جَبابِرَةُ القَرائِحِ لَم يَسِر / في الأَرضِ ذِكرُ جَبابِرِ القُوّادِ
ما ذَلَّلتُ سُبُلَ المَعالي أُمَّةٌ / إِلّا بِقُوَّةِ مُصلِحٍ أَو هادي
صَرّوفٌ يَسأَلُكَ الأَنامُ فَقُل لَهُم / كَم في حَياتِكَ ساعَةَ اِستِشهادِ
طَلَعَ القُنوطُ عَلَيكَ مِن أَغوارِهِ / فَرَدَدتَ طائِرَه وَجَأشُكَ هادي
وَمَضَيتَ تَستَقصي الحَياة وَسِرَّها / في كُلِّ عاقِلَة وَكُلِّ جَمادِ
حَتّى لَكِدتَ تُحِسَّ هاجِسَةَ المُنى / وَتَبينَ كَم في النَفسِ مِن أَضدادِ
أَنتَ الَّذي أَسرَت بِهِ عَزَماتُهُ / وَالدَربُ غامِضَةٌ عَلى الرُوّادِ
وَاللَيلُ آفاتٌ عَلى أَغوارِها / وَالهَولُ أَنجادٌ عَلى الأَنجادِ
إِنَّ الحَقائِقَ أَنتَ ناشِرٌ بَندَها / في حينِ كانَ العِلمُ كَالإِلحادِ
وَالعَقلُ في الشَرقِيِّ مِن أَوهامِهِ / كَالنَسرِ في الأَوهاق وَالأَصفادِ
تَشقى مَتى تَشقى الشُعوبُ بِجَهلِها / وَتَعُزُّ حينَ تَعُزُّ بِالأَفرادِ
الساهِرينَ اللَيلَ مِثلَ نُجومِهِ / فَكَأَنَّهُم لِلدَهرِ بِالمِرصادِ
الباذِلينَ نُفوسَهُم لَم يَسأَلوا / وَعَلى النُفوسِ مَدارِعُ الفولادِ
خَفَضوا جَناحَهُم وَتَحتَ بُرودِهِم / هِمَمُ المُلوك وَصَولَةُ المُرّادِ
لَهُمُ الزَمانُ قَديمُه وَحَديثُهُ / ما الناسُ في الدُنيا سِوى الآحادِ
إِنَّ الأَنامَ عَلى اِختِلافِ عُصورِهِم / جَعَلوا لِأَهلِ العِلمِ صَدرَ النادي
ما العيدُ لِلخَمسينَ بَل عيدُ النُهى / وَفُنونِه وَالخاطِرِ الوَقّادِ
عيفدُ الحَصافَة وَالصَحافَةِ كُلِّها / في مِصرَ في بَيروتَ في بَغداسدِ
ما العَيشُ بِالأَعوامِ كَم مِن حِقبَةٍ / كَالمَحوِ في عُمرِ السَوادِ العادي
العُمرُ إِلّا بِالمَآثِرِ فارِغٌ / كَالقَفرِ طالَ بِهِ عَناءُ الحادي
وَسِوى حَياةِ العَبقَرِيِّ نَقيسُها / فَتُقاسُ بِالآجال وَالآمادِ
يا أَيُّها الشادي المُغَرِّدُ في الضُحى
يا أَيُّها الشادي المُغَرِّدُ في الضُحى / أَهواكَ إِن تُنشِد وَإِن لَم تُنشِدِ
الفَنُّ فيكَ سَجِيَّةٌ لا صَنعَةٌ / وَالحُبُّ عِندَكَ كَالطَبيعَةِ سَرمَدي
فَإِذا سَكَتَّ فَأَنتَ لَحنٌ طائِرٌ / وَإِذا نَطَقتَ فَأَنتَ غَيرُ مُقَلِّدِ
لِلَّهِ دَرُّكَ شاعِراً لا يَنتَهي / مِن جَيِّدٍ إِلا صَبا لِلأَجوَدِ
مَرَحُ الأَزهارِ في غِنائِك وَالشَذى / وَطَلاقَةُ الغُدران وَالفَجر وَالنَدى
وَكَأَنَّ زَورَكَ فيهِ أَلفُ كَمَنجَةٍ / وَكَأَنَّ صَدرَكَ فيهِ أَلفُ مُرَدِّدِ
كَم زَهرَةٍ في السَفحِ خادِرَةِ المُنى / سَكَنَت عَلى يَأسٍ سُكونَ الجَلمَدِ
غَنَّيتَها فَاِستَيقَظَت وَتَرَنَّحَت / وَتَأَلَّقَت كَالكَوكَبِ المُتَوَقِّدِ
وَجَرى الهَوى فيها وَشاعَ بَشاشَةً / مَن لَم يُحِبَّ فَإِنَّهُ لَم يولَدِ
وَكَأَنَّي بِكَ حينَ تَهتِفُ قائِلٌ / لِلزَهرِ إِنَّ الحُسنَ غَيرُ مُخَلَّدِ
فَاِستَنفِذي في الحُبِّ أَيّامَ الصِبا / وَاِستَرشِديهِ فَهوَ أَصدَقُ مُرشِدِ
وَاِستَشهِدي فيهِ فَمِن سُخرِ القَضا / أَن لا تَذوقيه وَأَن تُستَشهَدي
يا فَيلَسوفاً قَد تَلاقى عِندَهُ / طَرَبُ الخَلِي وَحَرقَهُ المُتَوَجِّدِ
رَفَعَ الرَبيعُ لَكَ الأَرائِكَ في الرُبى / وَكَسا حَواشيها بُرودَ زَبَرجَدِ
أَنتَ المَليكُ لَهُ الضِياءُ مَقاصِرٌ / وَتَعيشُ عَيشَ الناسِكِ المُتَزَهِّدِ
مُستَوفِزاً فَوقَ الثَرى مُتَنَقِّلاً / في الدَوحِ مِن غُصنٍ لِغُصنٍ أَملَدِ
مُتَزَوِّداً مِن كُلِّ حُسنٍ لَمحَةً / شَأنَ المُحِبِّ الثائِرِ المُتَمَرِّدِ
وَإِذا ظَفِرتَ بِنَفحَة وَبِقَطرَةٍ / فَلَقَد ظَفِرتَ بِرَوضَة وَبِمَورِدِ
تَشدو وَتَبهَتُ حائِراً مُتَرَدِّداً / حَتّى كَأَنَّكَ حينَ تُعطي تَجتَدي
وَتَمُدُّ صَوتَكَ في الفَضا مُتَلَهِّفاً / في ذَلَّةِ المُستَرحِمِ المُستَنجِدِ
فَكَأَنَّما لَكَ مَوطِنٌ ضَيَّعتُهُ / خَلفَ الكَواكِبِ في الزَمانِ الأَبعَدِ
وَطَنٌ جَميلٌ كُنتَ فيهِ سَيِّداً / فَمَضى وَدامَ عَلَيكَ هَمُّ السَيِّدِ
طورِدتَ عَنهُ إِلى الحَضيضِ فَلَم تَزَل / مُتَلَفِّتاً كَالخائِفِ المُتَشَّرِدِ
يَبدو لِعَينِكَ في العَتيقِ خَيالُهُ / وَتَراهُ في وَرَقِ الغُصونِ المَيَّدِ
صُوَرٌ مُعَدَّدَةٌ لِغَيرِ حَقيقَةٍ / كَالآلِ لاحَ لِمُعطِشٍ في فَدفَدِ
فَتَهُمُّ أَن تَدنو إِلَيه وَتَنثَني / حَتّى كَأَنَّكَ خائِفٌ أَن تَهتَدي
وَكَأَنَّهُ حُلمٌ يَصُحُّ مَعَ الكَرى / فَإِنِ اِنتَهَيتَ مِنَ الكَرى يَتَبدَّدِ
كَم ذا نُفَتِّشُ في السُفوح وَفي الذُرى / وَنقاءُ أَقرَبُ مِنهُ لِلمُتَصَيِّدِ
يا أَيُّها الشادي المُغرِّدُ في الضُحى / أَهواكَ إِن تُنشِد وَإِن لَم تُنشِدِ
طوباكَ إِنَّكَ لا تُفَكِّرُ في غَدٍ / بَدءُ الكَآبَةِ أَن تُفَكِّرَ في غَدِ
إِن كُنتَ قَد ضَيَّعتَ إِلفَكَ إِنَّني / أَبكي طَلى إِلفي الَّذي لَم يوجَدِ
يَمشي الزَمانُ بِمَن تَرقَّبَ حاجَةً
يَمشي الزَمانُ بِمَن تَرقَّبَ حاجَةً / مُتَثاقِلاً كَالخائِفِ المُتَرَدِّدِ
حَتّى لِيَحسَبَهُ أَسيراً موثَقاً / وَيَراهُ أَبطَأَ مِن كَسيحٍ مُقعَدِ
وَيَخالُ حاجَتَهُ الَّتي يَصبو لَها / في دارَةِ الجَوزاءِ أَو في الفَرقَدِ
وَيَكونُ ما يَرجوهُ زَورَةَ صاحِبٍ / وَيَكونُ أَبعَدَ ما يُرَجّي في غَدِ
فَإِذا تَوَلّى النَفسَ خَوفٌ في الضُحى / مِن واقِبٍ تَحتَ الدُجى أَو مُعتَدِ
طارَت بِها خَيلُ الزَمان وَنوقُهُ / نَحوَ الزَمانِ المُدلَهِمِّ الأَسوَدِ
فَكَأَنَّها مَحمولَةٌ في بارِقٍ / أَو عارِضٍ أَو عاصِفٍ في فَدفَدِ
وَيَكونُ أَقصَرَ ما يَكونُ إِذا الفَتى / مَدَّت لَهُ الدُنيا يَدَ المُتَوَدِّدِ
فَتَوَسَّطَ اللَذاتِ غَيرَ مُنَفِّرٍ / وَتَوَسَّدَ الأَحلامَ غَيرَ مُنَكَّدِ
فَإِذا لَذيذُ العَيشِ نَغبَةَ طائِرٍ / وَإِذا طَويلُ الدَهرِ خَطرَةَ مَرودِ
وَإِذا الفَتى لَبِسَ الأَسى وَمَشى بِهِ / فَكَأَنَّما قَد قالَ لِلزَمَنِ اِقعُدِ
فَإِذا الثَواني أَشهُر وَإِذا الدَقا / إِقُ أَعصُر وَالحُزنُ شَيءٌ سَرمَدي
وَإِذا صَباحُ أَخي الأَسى أَو لَيلُهُ / مُتَجَدِّدٌ مَعَ هَمِّهِ المُتَجَدِّدِ
قَهَرَ الوَرى وَأَذَلَّهُم أَنَّ الوَرى / مُتَعَلِّلٌ أَو طامِعٌ أَو مُجتَدِ
جَعَلوا رَغائِبَهُم قِياسَ زَمانِهِم / وَالدَهرُ أَكبَرُ أَن يُقاسَ بِمَقصَدِ
وَقَتَلتُ في نَفسي الرَغائِب وَالمُنى / فَقَهَرتُهُ بِتَجَرُّدي وَتَزَهُدي
يَشكو الَّذي يَشكو السُهادَ جُفونَهُ / لَو لَم يَكُن ذا ناظِرٍ لَم يَسهَدِ
إِن كانَ شَيءٌ لِلنَفادِ أُعِدُّهُ / فيما اِنقَضى وَمَضى وَإِن لَم يَنفَدِ
ما أَن رَأَيتُ الكُحلَ في حَدَقِ المَهى / إِلّا لَمَحتُ الدودَ خَلفَ الأَثمَدِ
مَن لَيسَ يَضحَك وَالصَباحُ مُوَرِّدٌ / لِم يَكتَإِب وَالصُبحُ غَيرَ مُوَرِّدِ
سِيّانِ أَحلامٌ أَراها في الكَرى / عِندي وَأَشياءٌ بِها اِشتَمَلَت يَدي
أَنا في الزَمانِ كَمَوجَةٍ في زاخِرٍ / أَنا فيهِ إِن يُزيد وَإِن لَم يُزيدِ
مَهما تَلاطَمَ فَهوَ لَيسَ بِمَغرَقي / أَو مَخرَجي مِنه وَلا بِمُبَدِّدي
هَيهاتِ ما أَرجو وَلا أَخشى غَداً / هَل أَرتَجي وَأَخافُ ما لَم يوجَدِ
وَالأَمسُ فِيَّ فَكَيفَ أَحسَبُهُ اِنتَهى / أَفَما رَأَيتُ الأَصلَ في الفَرعِ النَدي
قَبلٌ كَبَعدٍ حالَةٌ وَهمِيَّةٌ / أُمسي أَنا يَومي أَنا وَأَنا غَدي
يا من قربت من الفؤاد
يا من قربت من الفؤاد / و أنت عن عيني بعيد
شوقي إليك أشدّ من / شوق السليم إلى الهجود
أهوى لقاءك مثلما / يهوى أخو الظمإ الورود
و تصدّني عنك النوى / و أصدّ عن هذا الصدود
وردت نميقتك التي / جمعت من الدرّ النضيد
فكأنّ لفظك لؤلؤ / و كأنّما القرطاس جيد
أشكو إليك و لا يلام / إذا شكى العاني القيود
دهرا بليدا ما ينيل / وداده إلاّ بليد
و معاشرا ما فيهم / إن جئتهم غير الوعود
متفرّجين و ما التفرنج / عندهم غير الجحود
لا يعرفون من الشجاعة / غير ما عرف القرود
سيّان قالوا بالرضى / عنّي أو السخط الشديد
من ليس يصّدق في الوعود / فليس يصدّق في الوعيد
نفر إذا عدّ الرجال / عددتهم طيّ اللحود
تأبى السماح طباعهم / ما كلّ ذي مال يجود
أسخاهم بنضاره / أقسى من الحجر الصلود
جعد البنان بعرضه / يفدي اللجين من الوفود
و يخاف من أضيافه / خوف الصغير من اليهود
تعس امريء لا يستفيد / من الرجال و لا يفيد
و أرى عديم النفع ان / وجوده ضرر الوجود

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025