المجموع : 9
يا مَن قَرُبتَ مِنَ الفُؤادِ
يا مَن قَرُبتَ مِنَ الفُؤادِ / وَأَنتَ عَن عَيني بَعيدْ
شَوقي إِلَيكَ أَشَدُّ مِن / شَوقِ السَليمِ إِلى الهُجود
أَهوى لِقاءَكَ مِثلَما / يَهوى أَخو الظَمءِ الوُرود
وَتَصُدُّني عَنكَ النَوى / وَأَصُدُّ عَن هَذا الصُدود
وَرَدَت نَميقَتَكَ الَّتي / جُمِعَت مِنَ الدُرِّ النَضيد
فَكَأَنَّ لَفظَكَ لُؤلُؤٌ / وَكَأَنَّما القِرطاسُ جيد
أَشكو إِلَيك وَلا يُلامُ / إِذا شَكى العاني القُيود
دَهراً بَليداً ما يُنيلُ / وِدادَهُ إِلّا بَليد
وَمَعاشِراً ما فيهُمُ / إِن جِئتَهُم غَيرُ الوُعود
مُتَفَرنِجين وَما التَفَرنُجُ / عِندَهُم غَيرُ الجُحود
لا يَعرِفونَ مِنَ الشَجاعَةِ / غَيرَ ما عَرِفَ القُرود
سَيّانِ قالوا بِالرِضى / عَنّي أَوِ السُخطُ الشَديد
مَن لَيسَ يَصدُقُ في الوُعودِ / فَلَيسَ يَصدُقُ في الوَعيد
نَفَرٌ إِذا عُدَّ الرِجالُ / عَدَدتُهُم طَيَّ اللَحُد
تَأبى السَماحَ طِباعَهُم / ما كُلُّ ذي مالٍ يَجود
أَسخاهُمُ بِنُضارِهِ / أَقسى مِنَ الحَجَرِ الصَلود
جَعدُ البَنانُ بِعِرضِهِ / يَفدي اللُجَينَ مِنَ الوُفود
وَيَخافُ مِن أَضيافِهِ / خَوفَ الصَغيرِ مِنَ اليَهود
تَعِسَ اِمرُؤٌ لا يَستَفيدُ / مِنَ الرِجال وَلا يُفيد
وَأَرى عَديمَ النَفعِ أَنَّ / وُجودُهُ ضَرَرُ الوُجود
لَيتَ الَّذي خَلَقَ العُيونَ السودا
لَيتَ الَّذي خَلَقَ العُيونَ السودا / خَلَقَ القُلوبَ الخافِقاتِ حَديدا
لَولا نَواعِسُها وَلَولا سِحرُها / ما وَدَّ مالِكُ قَلبِهِ لَو صيدا
عَوِّذ فُؤادَكَ مِن نِبالِ لِحاظِها / أَو مُت كَما شءَ الغَرامُ شَهيدا
إِن أَنتَ أَبصَرتَ الجَمال وَلَم تَهِم / كُنتَ اِمرَأً خَشِنَ الطِباعِ بَليدا
وَإِذا طَلَبتَ مَعَ الصَبابَةِ لَذَّةً / فَلَقَد طَلبَتَ الضائِعَ المَوجودا
يا وَيحَ قَلبي إِنَّهُ في جانِبي / وَأَظُنُّهُ نائي المَزارِ بَعيدا
مُستَوفِزٌ شَوقاً إِلى طَحبابِهِ / المَرءُ يَكرَهُ أَن يَعيشَ وَحيدا
بَرَأَ الإِلَهُ لَهُ الضُلوعَ وِقايَةً / وَأَرَتهُ شِقوَتُهُ الضُلوعَ قُيودا
فَإِذا هَفا بَرقُ المُنى وَهَفا لَهُ / هاجَت دَفائِنُهُ عَلَيهِ رُعودا
جَشَّمتُهُ صَبراً فَلَمّا لَم يَطُق / جَشَّمتُهُ التَصويب وَالتَصعيدا
لَو أَستَطيعُ وَقَيتُهُ بَطشَ الهَوى / وَلَوِ اِستَطاعَ سَلا الهَوى مَحمودا
هِيَ نَظرَةٌ عَرَضَت فَصارَت في الحَشا / نارا وَصارَ لَها الفُؤادُ وَقودا
وَالحُبُّ صَوتٌ فَهوَ أَنَّةُ نائِحٍ / طَورا وَآوِنَةً يَكونُ نَشيدا
يَهَبُ البَواغِمَ أَلسُناً صَدّاحَةً / فَإِذا تَجَنّى أَسكَتَ الغِرّيدا
ما لي أُكَلِّفُ مُهجَتي كَتمَ الأَسى / إِن طالَ عَهدُ الجُرحِ صارَ صَديدا
وَيَلَذُّ نَفسي أَن تَكونَ شَقِيَّةً / وَيَلَذُّ قَلبي أَن يَكونَ عَميدا
إِن كُنتَ تَدري ما الغَرامُ فَداوِني / أَو لا فَخَلِّ العَذل وَالتَفنيدا
يا هِندُ قَد أَفنى المَطالُ تَصَبُّري / وَفَنَيتُ حَتّى ما أَخافُ مَزيدا
ما هَذِهِ البيضُ الَّتي أَبصَرتُها / في لِمَّتي إِلّا اللَيالي السودا
ما شِبتُ مِن كِبَر وَلَكِنَّ الَّذي / حَمَّلتِ نَفسي حَمَّلتُهُ الفودا
هَذا الَّذي أَبلى الشَباب وَرَدَّهُ / خَلقا وَجَعَّدَ جَبهَتي تَجعيدا
عَلَّمتِ عَيني أَن تَسُحَّ دُموعُها / بِالبُخلِ عَلَّمتِ البَخيلَ الجودا
وَمَنَعتِ قَلبي أَن يَقَرَّ قَرارَهُ / وَلَقَد يَكونُ عَلى الخُطوبِ جَليدا
دَلَّهَتني وَحَمَيتِ جَفني غَمضَهُ / لا يُستَطاعُ مَعَ الهُمومِ هُجودا
لا تَعجَبي أَنَّ الكَواكِبَ سُهَّدٌ / فَأَنا الَّذي عَلَّمتُها التَسهيدا
أَسمَعتُها وَصفَ الصَبابَةِ فَاِنثَنَت / وَكَأَنَّما وَطِئَ الحُفاةُ صُرودا
مُتَعَثِّراتٍ بِالظَلامِ كَأَنَّما / حالَ الظَلامُ أَساوِدا وَأُسودا
وَأَنَّها عَرِفَت مَكانَكَ في الثَرى / صارَت زَواهِرُها عَلَيكِ عُقودا
أَنتِ الَّتي تُنسي الحَوائِجَ أَهلَها / وَأَخا البَيانِ بَيانَهُ المَعهودا
ما شِمتُ حُسنَكَ قَطُّ إِلّا راعَني / فَوَدِدتُ لَو رُزِقَ الجَمالُ خُلودا
وَإِذا ذَكَرتُكِ هَزَّ ذِكرَكِ أَضلُعي / شَوقاً كَما هَزَّ النَسيمُ بُنودا
فَحَسِبتُ سِقطَ الطَلِّ ذَوبَ مَحاجِري / لَو كانَ دَمعُ العاشِقينَ نَضيدا
وَظَنَنتُ خافِقَةَ الغُصونِ أَضالِعاً / وَثِمارَهُنَّ القانِياتِ كُبودا
وَأَرى خَيالَكَ كُلَّ تَرفَةِ ناظِرٍ / وَمِنَ العَجائِبِ أَن أَراهُ جَديدا
وَإِذا سَمِعتُ حِكايَةً عَن عاشِقٍ / عَرَضاً حَسِبتُني الفَتى المَقصودا
مُستَيقِظ وَيَظُنُّ أَنّي نائِمٌ / يا هِندُ قَد صارَ الذُهولُ جُمودا
وَلَقَد يَكونُ لِيَ السُلُوُّ عَنِ الهَوى / لَكِنَّما خُلِقَ المُحِبُّ وَدودا
قالَت سَكَت وَما سَكَتَّ سُدى
قالَت سَكَت وَما سَكَتَّ سُدى / أَعيا الكَلامُ عَلَيكَ أَم نَفِدا
إِنّا عَرَفنا فيكَ ذا كَرَمٍ / ما إِن عَرَفنا فيكَ مُقتَصِدا
فَأَطلِق يَراعَكَ يَنطَلِق خَبَباً / وَاِحلُل لِسانَكَ يَحلُلِ العُقَدا
ما قيمَةَ الإِنسانِ مُعتقِداً / إِن لَم يَقُل لِلناسِ ما اِعتَقَدا
وَالجَيشِ تَحتَ البَندِ مُحتَشِداً / إِن لَم يَكُن لِلحَربِ مُحتَشِدا
وَالنورِ مُستَتِراً فَقُلتُ لَها / كُفّي المَلامَة وَاِقصُري الفَنَدا
ماذا يُفيدُ الصَوتُ مُرتَفِعاً / إِن لَم يَكُن لّصَوتِ ثَمَّ صَدى
وَالنورُ مُنبَثِقا وَمُنتَشِراً / إِن لَم يَكُن لِلناسِ هُدى
إِنَّ الحَوادِثَ في تَتابُعِها / أَبدَلنَني مِن ضِلَّتي رَشَدا
ما خانَني فِكري وَلا قَلَمي / لَكِن رَأَيتُ الشِعرَ قَد كَسَدا
كانَ الشَباب وَكانَ لي أَمَلٌ / كَالبَحرِ عُمقاً كَالزَمانِ مَدى
وَصَحابَةٌ مِثلُ الرِياضِ شَذىً / وَصَواحِبٌ كَوُرودِها عَدَدا
لَكِنَّني لَمّا مَدَدتُ يَدي / وَأَدَرتُ طَرفي لَم أَجِد أَحَدا
ذَهَبَ الصِبى وَمَضى الهَوى مَعَهُ / أَصَبابَة وَالشَيبُ قَد وَفَدا
فَاليَومَ إِن أَبصَرتُ غانِيَةً / أُغضي كَأَنَّ بِمُقلَتي رَمَدا
وَإِذا تُدارُ الكَأسُ أَصرِفُها / عَنّي وَكُنتُ أَلومُ مَن زَهِدا
وَإِذا سَمِعتُ هُتافَ شادِيَةٍ / أَمسَكتُ عَنها السَمع وَالكَبِدا
كَفَّنتُ أَحلامي وَقُلتُ لَها / نامي فَإِنَّ الحُبَّ قَد رَقَدا
وَقعُ الخُطوبِ عَلَيَّ أَخرَسَني / وَكَذا العَواصِفُ تُسكِتُ الغَرِدا
عَمرٌ صَديقٌ كانَ يَحلِفُ لي / إِن نُحتُ ناح وَإِن شَدَوتُ شَدا
وَإِذا مَشَيتُ إِلى المَنونِ مَشى / وَإِذا قَعَدتُ لِحاجَةٍ قَعَدا
صَدَّقتُهُ فَجَعَلتُهُ عَضُدي / وَأَقَمتُ مِن نَفسي لَهُ عَضُدا
لَكِنَّني لَمّا مَدَدتُ يَدي / وَأَدَرتُ طَرفي لَم أَجِد أَحَدا
هِند وَأَحسَبُني إِذا ذُكِرَت / أَطَءُ الأَفاعي أَو أَجُسُّ مُدى
كانَت إِلَهاً كُنتُ أَعبُدُهُ / وَأَجُلُّه وَالحُسنُ كَم عُبِدا
كَم زُرنَها وَالحَيُّ مُنتَبِهٌ / وَتَرَكتُها وَالحَيُّ قَد هَجَدا
وَلَكَم وَقَفتُ عَلى الغَديرِ بِها / وَالريحُ تَنسُجُ فَوقَهُ زَرَدا
وَالأَرضُ تَرقُصُ تَحتَنا طَرَباً / وَالشُهبُ ترقُصُ فَوقَنا حَسَدا
وَلَكَم جَلَسنا في الرِياضِ مَعاً / لا طارِئً نَخشى وَلا رَصَدا
وَاللَيلُ فَوقَ الأَرضِ مُنسَدِلٌ / وَالغَيمُ فَوقَ البَدرِ قَد جَمَدا
قَد كاشَفَتني الحُبَّ مُقتَرِباً / وَشَكَت إِلَيَّ الشَوقَ مُبتَعِدا
لَكِنَّني لَمّا مَدَدتُ يَدي / وَأَدَرتُ طَرفي لَم أَجِد أَحَدا
قَومي وَقَد أَطرَبتُهُم زَمَناً / ساقوا إِلَيَّ الحُزن وَالكَمَدا
هُم عاهَدوني إِن مَدَدتُ يَدي / لَيَمُدَّ كُلُّ فَتىً إِلَيَّ يَدا
قالوا غَداً تَهمي سَحائِبُنا / فَرَجَعتُ أَدراجي أَقولُ غَدا
وَظَنَنتُ أَنّي مُدرِكٌ أَرَبي / إِن غارَ تَحتَ الأَرضِ أَو صَعَدا
فَذَهَبتُ أَمشي في الثَرى مَرِحاً / ما بَينَ جُلّاسي وَمُنفَرِدا
تيهَ المُجاهِدُ نالَ بُغيَتُهُ / أَو تيهَ مِسكينٍ إِذا سَعِدا
لَكِنَّني لَمّا مَدَدتُ يَدي / وَأَدَرتُ طَرفي لَم أَجِد أَحَدا
هُم هَدَّدوني حينَ صِحتُ بِهِم / صَيحاتِيَ الشَعواءَ مُنتَقِدا
وَرَأَيتُ في أَحداقِهِم شَرَراً / وَرَأَيتُ في أَشداقِهِم زَبَدا
وَسَمِعتُ صائِحُم يَقولُ لَهُم / أَن أُقتُلوهُ حَيثُما وُجِدا
فَرَجَعتُ أَحسَبُهُم بَرابِرَةً / في مَهمَه وَأَظُنُّني وَلَدا
مَرَّت لَيالٍ ما لَها عَدَدٌ / وَأَنا حَزينٌ باهِتٌ كَمَدا
أَرتاعُ إِن أَبصَرتُ واحِدَهُم / ذُعرَ الشُوَيهَةِ أَبصَرَت أَسَدا
وَإِذا رَقَدتُ رَقَدتُ مُضطَرِباً / وَإِذا صَحَوتُ صَحَوتُ مُرتَعِدا
لَكِنَّني لَمّا مَدَدتُ يَدي / وَأَدَرتُ طَرفي لَم أَجِد أَحَدا
لا تَذكُروهُم لي وَإِن سَأَلوا / لا تَذكُروني عِندَهُم أَبَدا
لا يَملَءُ السِربالَ واحِدُهُم / وَلَهُ وُعودٌ تَملَءُ البَلَدا
يا لَيتَني ضَيَّعتُ مَعرِفَتي / مِن قَبلِ أَعرِفَ أَحَدا
في المَنزِلِ المَهجورِ أَذكُرُكُم
في المَنزِلِ المَهجورِ أَذكُرُكُم / فَأَخالَني في جَنَّةِ الخُلدِ
أَنتُم مَعي في كُلِّ آوِنَةٍ / وَالناسُ تَحسَبُ أَنَّني وَحدي
شَوقٌ يَروحُ مَعَ الزَمانِ وَيَغتَدي
شَوقٌ يَروحُ مَعَ الزَمانِ وَيَغتَدي / وَالشَوقُ إِن جَدَّدتَهُ يَتَجَدَّدُ
دَع عَنكَ نُصحي بِالتَبَلُّدِ ساعَةً / يا صاحِ قَد ذَهَبَ الأَسى بِتَبَلُّدي
ما زادَ في أَسَفِ الحَزين وَشَجوِهِ / شَيءٌ كَقَولِكَ لِلحَزينِ تَجَلَّدِ
ما زُلتُ أَعصيهِ إِلى أَن هاجَني / ذِكرُ الحِمى فَعَصَيتُ كُلَّ مُفَنَّدِ
وَأَطارَ عَن جَفني الكَرى وَأَطارَني / عَن مَرقَدي مَشيُ الهُمومِ بِمَرقَدي
في جُنحِ لَيلٍ مِثلِ حَظّي حالِكٍ / كَالبَحرِ ساجٍ مُقفِرٍ كَالفَدفَدِ
أَقبَلتُ أَنظُرُ في النُجومِ مُصَعِّداً / عَينَيَّ بَينَ مُصَوِّب وَمُصَعِّدِ
أَو واجِفٍ أَو راجِفٍ مُتَرَجرِجِ / أَو نافِرٍ أَو حائِرٍ مُتَرَدِّدِ
يَمشينَ في هَذا الفَضاء وَفَوقَهُ / وَكَأَنَّما يَمشينَ فَوقَ الأَكبُدَ
وَالبَدرُ مُنبَعِثُ الشُعاعِ لَطيفُهُ / صافٍ كَذِهنِ الشاعِرِ المُتَوَقِّدِ
ما زالَ يَنفُذُ في الدُجى حَتّى اِستَوى / فيهِ فَيا لَكَ أَبيَضاً في أَسوَدِ
وَالشُهبُ تَلمَعُ في الرَفيعِ كَأَنَّها / أَحلامُ أَرواحِ الصِغارِ الهُجَّدِ
يَنظُرنَ عَن كَثَبٍ إِلَيهِ خِلسَةً / نَظَرَ المِلاحِ إِلى الغَريرِ الأَمرَدِ
فَعَجِبتُ مِمَّن نامَ مِلءَ جُفونِهِ / وَالكَونُ يَشهَدُ مِثلَ هَذا المَشهَدِ
وَرَأَيتُني فَوقَ الغَمامِ مُحَلِّقاً / في الأُفقِ ما بَينَ السُها وَالفَرقَدِ
فَسَمِعتُ صَوتاً مِن بَعيدٍ قائِلاً / يا أَيُّها الساري مَكانَكَ تُحمَدِ
ما دُمتَ في الدُنيا فَلا تَزهَد بِها / فَأَخو الزَهادَةِ مَيِّتٌ لَم يُلحَدِ
لا تَقنَطَنَّ مِنَ النَجاحِ لِعَثرَةٍ / ما لا يَنالُ اليَومَ يُدرَكَ في غَدِ
كَم آكِلٍ ثَمَراً سَقاهُ غَيرُهُ / دَمَه وَكَم مِن زارِعٍ لَم يَحصُدِ
لَو كانَ يَحصُدُ زَرعُهُ كُلُّ اِمرِئٍ / لَم تُخلَقِ الدُنيا وَلَم تَتَجَدَّدِ
بِالذِكرِ يَحيا المَرءُ بَعدَ مَماتِهِ / فَاِنهَض إِلى الذِكرِ الجَميل وَخَلَّدِ
فَلَئِن وُلِدت وَمُتَّ غَيرَ مُخَلَّدٍ / أَثراً فَأَنتَ كَأَنَّما لَم تولَدِ
حَتّى ما في لا شَيءَ يَقتَتِلُ الوَرى / إِنَّ الحِمامَ عَلى الجَميعِ بِمَرصَدِ
طاشَت حُلومُ المالِكينَ فَذاهِلٌ / لا يَستَفيق وَحائِرٌ لا يَهتَدي
وَأَفَقتُ إِذا قَطَعَ الكَلامَ مُكَلِّمي / فَنَظَرتُني فَإِذا أَنا لَم أَصعَدِ
ما لِلكَواكِبِ لا تَنام وَلا تَني / قَد طالَ سُهدُكِ يا كَواكِبُ فَاِرقُدي
كَم تَنظُرينَ إِلى الثَرى مِن حالِقٍ / ما في الثَرى لِأَخي الأَسى مِن مُسعِدِ
أَو ما تَريني عِندَما اِشتَدَّ الدُجى / وَاِشتَدَّ دائي نامَ عَنّي عُوَّدي
حَتّى لَقَد كادَ القَريضُ يَقعُقُّني / وَيَصونُ عَنّي مائَه وَأَنا الصَدي
أُمسي أَهُمُّ بِه وَيَظلَعُ خاطِري / فَكَأَنَّما أَنا ماتِحٌ مِن جَلمَدِ
لا تَسأَليني لِما سَهِدتُ فَإِنَّني / لَو كانَ في وُسعي الكَرى لَم أَسهَدِ
صَرَفَت يَدُ البَلوى يَدي عَن أَمرِها / ما خِلتُ أَمري قَطُّ يَخرُجُ مِن يَدي
في أَضلُعي نارٌ أَذابَت أَضلُعي / وَمَشَت إِلى كَبِدي وَلَمّا تَخمَدِ
أَخشى عَلى الأَحشاءِ مِن كِتمانِها / وَأَخافُ أَن أَشكو فَيَشمَتَ حُسَّدي
وَمَليحَةٍ لا هِندُ مِن أَسمائِها / كَلّا وَلَيسَت كَالحِسانِ الخُرَّدِ
نَشَزَ الجَواري وَالإِماءُ تَمَرَّدَت / وَوَنَت فَلَم تَنشُز وَلَم تَتَمَرَّدِ
في النَفسِ مِنها ما بِها مِن دَهرِها / أَزكى السَلامِ عَلَيكِ أَرضَ المَوعِدِ
يا لَيتَ شِعري كَم أَقولُ لَها اِنهَضي / وَتَقولُ أَحداثُ الزَمانِ لَها اِقعُدي
لَيسَ الَّذي لاقَتهُ هَيناً إِنَّما / حِملُ الأَذى هَيِّنٌ عَلى المُتَعَوِّدِ
قُل لِلحَمائِمِ في ضِفافِ الوادي
قُل لِلحَمائِمِ في ضِفافِ الوادي / يا لَيتَكُنَّ عَلى شَغافِ فُؤادي
لِتَرَيَنَّ كَيفَ تَبَعثَرَت أَحلامُهُ / وَجَرَت بِهِ الآلامُ خَيلَ طِرادِ
كانَت تَشُعُّ عَلى جَوانِبِهِ المُنى / فَخَبَت وَبَدَّلَ جَمرَها بِرَمادِ
أَسعِدنَهُ فَعَسى يَخُفُّ وُلوعُهُ / إِنَّ الشَجِيَّ أَحَقُّ بِالإِسعادِ
ذَهَبَ الصِبا وَبَقَيتِ في حَسَراتِهِ / لَيتَ الأَسى مِثلَ الصِبا لِنَفادِ
إِنَّ الشَبابَ هُوَ الغِنى فَإِذا مَضى / وَأَقَمتَ لا يَنفَكُّ فَقرَكَ بادي
أَمسَيتُ أَنظُرُ في الحَياةِ فَلا أَرى / إِلّا سَواداً آخِذاً بِسَوادِ
أَلقى الصَباحَ فَلا يَطولُ تَأَمُّلي / حَتّى يَحولُ شُعاعُهُ لِصَعادِ
وَإِذا تُقابِلُني النُجومُ تَخاوَصَت / فَكَأَنَّما هِيَ أَعيُنُ الحُسّادِ
ما ثَمَّ ذِكرى إِذا خَطَرَت عَلى / قَلبي اِستَراحَ سِوى خَيالِ الوادي
أَفَلا تَزالُ الشَمسُ تَصبُغُ وَجهَهُ / بِالوَرسِ آوِنَة وَبِالفِرصادِ
أَفَلا يَزالُ يَذوبُ في أَمواجِهِ / ذَهَبُ الأَصيل وَفَضَّةُ الآرادِ
لَهَفي إِذا وَرَدَ الرِفاقُ عَشِيَّةً / وَذَكَرتُ أَنّي لَستُ في الرُوّادِ
وَإِذا الحَمامُ شَدا وَصَفَّقَ مَوجُهُ / أَن لا أُصَفِّقَ لِلحِمامِ الشادي
وَإِذا النَخيلُ تَطاوَلَت أَظلالُهُ / أَن لا يَكونَ مِظَلَّتي وَوِسادي
وَإِذا الكَواكِبُ رَصَّعَت آفاقُهُ / أَن لا يَكونَ لِرَعيِهِنَّ سُهادي
ذُقتُ الهَوى وَعَرَفتُهُ في شَطِّهِ / إِنَّ الهَوى لِلمَرءِ كَالميلادِ
لا تُدرِكُ الأَكبادُ سِرَّ وُجودِها / حَتّى يَجولُ الحُبُّ في الأَكبادِ
ما عُشتُ لَم يَمسُس جَوانِحَكَ الهَوى / لَم نَدرِ ما في العَيشِ مِن أَمجادِ
لا تُبصِرُ العَينُ الرِياض وَحَليَها / إِلّا عَلى ضَوءِ الصَباحِ الهادي
وَطَنانِ أَشوَقُ ما أَكونُ إِلَيهِما / مِصرُ الَّتي أَحبَبتُها وَبِلادي
وَمَواطِنُ الأَرواحِ يَعظُمُ شَأنَها / في النَفسِ فَوقَ مَواطِنِ الأَجسادِ
حِرصي عَلى حُبِّ الكِنانَةِ دونَهُ / حِرصُ السَجينِ عَلى بَقايا الزادِ
بَلَدَ الجَمالي خَفِيِّه وَجَلِيِّهِ / وَالفَنِّ مِن مُستَطرِف وَتِلادِ
عَرَضَت مَواكِبَها الشُعوبُ فَلَم أَجِد / إِلّا بِمِصرَ نَضارَةَ الآبادِ
كَم مِن دَفينٍ في ثَراها لَم يَزَل / كَالحَيِّ ذا مِقَة وَذا أَحقادِ
وَمُشَيَّدٍ لِلناسِ إِذ يَغشونَهُ / مِن كُلِّ أَرضٍ خِشيَةَ العُبّادِ
عاشَ الجُدود وَأَثَّلوا ما أَثَّلوا / وَاليَومَ يَنبَعِثونَ في الأَحفادِ
المُسبِغينَ عَلى النَوابِغِ فَضلَهُم / كَالفَجرِ مُنبَسِطاً عَلى الأَطوادِ
أَبناءَ مِصرَ الناهِضينَ تَحِيَّةً / كَوَدادِكُم إِن لَم أَقُل كَوَدادي
مِن شاعِرٍ كَلِفٍ بِكُم وَبِأَرضِكُم / أَبَداً يُوالي فيكُم وَيُعادي
إِن تُكرِموا شَيخَ الصَحافَةِ تُكرَموا / أَسنى الكَواكِبِ في سَماءِ الضادِ
خَلَعَ الشَبابُ عَلى الكِنانَةِ مُطرَفاً / هُوَ كَالرَبيعِ عَلى رُبىً وَوِهادِ
ما زالَ يُقحِمُ في الجَهالَةِ نورُهُ / حَتّى تَقاصَرَ لَيلُها المُتَمادي
بِصَحيفَةٍ نورُ العُيونِ سَوادُها / وَبَياضُها مِن ناصِعِ الأَجيادِ
يُنبوعُ مَعرِفَة وَهَيكَلُ حِكمَةٍ / وَوِعاءُ آداب وَكُنزُ رَشادِ
أَغلى المَواهِب وَالعُقولِ رَأَيتُها / سَكَنَت قُصورَ مَهارِق وَمِدادِ
ذِكرُ المَجاهِدِ في الحَقيقَةِ خالِدٌ / وَيَزولُ رُبَّ السَيف وَالأَجنادِ
لَولا جَبابِرَةُ القَرائِحِ لَم يَسِر / في الأَرضِ ذِكرُ جَبابِرِ القُوّادِ
ما ذَلَّلتُ سُبُلَ المَعالي أُمَّةٌ / إِلّا بِقُوَّةِ مُصلِحٍ أَو هادي
صَرّوفٌ يَسأَلُكَ الأَنامُ فَقُل لَهُم / كَم في حَياتِكَ ساعَةَ اِستِشهادِ
طَلَعَ القُنوطُ عَلَيكَ مِن أَغوارِهِ / فَرَدَدتَ طائِرَه وَجَأشُكَ هادي
وَمَضَيتَ تَستَقصي الحَياة وَسِرَّها / في كُلِّ عاقِلَة وَكُلِّ جَمادِ
حَتّى لَكِدتَ تُحِسَّ هاجِسَةَ المُنى / وَتَبينَ كَم في النَفسِ مِن أَضدادِ
أَنتَ الَّذي أَسرَت بِهِ عَزَماتُهُ / وَالدَربُ غامِضَةٌ عَلى الرُوّادِ
وَاللَيلُ آفاتٌ عَلى أَغوارِها / وَالهَولُ أَنجادٌ عَلى الأَنجادِ
إِنَّ الحَقائِقَ أَنتَ ناشِرٌ بَندَها / في حينِ كانَ العِلمُ كَالإِلحادِ
وَالعَقلُ في الشَرقِيِّ مِن أَوهامِهِ / كَالنَسرِ في الأَوهاق وَالأَصفادِ
تَشقى مَتى تَشقى الشُعوبُ بِجَهلِها / وَتَعُزُّ حينَ تَعُزُّ بِالأَفرادِ
الساهِرينَ اللَيلَ مِثلَ نُجومِهِ / فَكَأَنَّهُم لِلدَهرِ بِالمِرصادِ
الباذِلينَ نُفوسَهُم لَم يَسأَلوا / وَعَلى النُفوسِ مَدارِعُ الفولادِ
خَفَضوا جَناحَهُم وَتَحتَ بُرودِهِم / هِمَمُ المُلوك وَصَولَةُ المُرّادِ
لَهُمُ الزَمانُ قَديمُه وَحَديثُهُ / ما الناسُ في الدُنيا سِوى الآحادِ
إِنَّ الأَنامَ عَلى اِختِلافِ عُصورِهِم / جَعَلوا لِأَهلِ العِلمِ صَدرَ النادي
ما العيدُ لِلخَمسينَ بَل عيدُ النُهى / وَفُنونِه وَالخاطِرِ الوَقّادِ
عيفدُ الحَصافَة وَالصَحافَةِ كُلِّها / في مِصرَ في بَيروتَ في بَغداسدِ
ما العَيشُ بِالأَعوامِ كَم مِن حِقبَةٍ / كَالمَحوِ في عُمرِ السَوادِ العادي
العُمرُ إِلّا بِالمَآثِرِ فارِغٌ / كَالقَفرِ طالَ بِهِ عَناءُ الحادي
وَسِوى حَياةِ العَبقَرِيِّ نَقيسُها / فَتُقاسُ بِالآجال وَالآمادِ
يا أَيُّها الشادي المُغَرِّدُ في الضُحى
يا أَيُّها الشادي المُغَرِّدُ في الضُحى / أَهواكَ إِن تُنشِد وَإِن لَم تُنشِدِ
الفَنُّ فيكَ سَجِيَّةٌ لا صَنعَةٌ / وَالحُبُّ عِندَكَ كَالطَبيعَةِ سَرمَدي
فَإِذا سَكَتَّ فَأَنتَ لَحنٌ طائِرٌ / وَإِذا نَطَقتَ فَأَنتَ غَيرُ مُقَلِّدِ
لِلَّهِ دَرُّكَ شاعِراً لا يَنتَهي / مِن جَيِّدٍ إِلا صَبا لِلأَجوَدِ
مَرَحُ الأَزهارِ في غِنائِك وَالشَذى / وَطَلاقَةُ الغُدران وَالفَجر وَالنَدى
وَكَأَنَّ زَورَكَ فيهِ أَلفُ كَمَنجَةٍ / وَكَأَنَّ صَدرَكَ فيهِ أَلفُ مُرَدِّدِ
كَم زَهرَةٍ في السَفحِ خادِرَةِ المُنى / سَكَنَت عَلى يَأسٍ سُكونَ الجَلمَدِ
غَنَّيتَها فَاِستَيقَظَت وَتَرَنَّحَت / وَتَأَلَّقَت كَالكَوكَبِ المُتَوَقِّدِ
وَجَرى الهَوى فيها وَشاعَ بَشاشَةً / مَن لَم يُحِبَّ فَإِنَّهُ لَم يولَدِ
وَكَأَنَّي بِكَ حينَ تَهتِفُ قائِلٌ / لِلزَهرِ إِنَّ الحُسنَ غَيرُ مُخَلَّدِ
فَاِستَنفِذي في الحُبِّ أَيّامَ الصِبا / وَاِستَرشِديهِ فَهوَ أَصدَقُ مُرشِدِ
وَاِستَشهِدي فيهِ فَمِن سُخرِ القَضا / أَن لا تَذوقيه وَأَن تُستَشهَدي
يا فَيلَسوفاً قَد تَلاقى عِندَهُ / طَرَبُ الخَلِي وَحَرقَهُ المُتَوَجِّدِ
رَفَعَ الرَبيعُ لَكَ الأَرائِكَ في الرُبى / وَكَسا حَواشيها بُرودَ زَبَرجَدِ
أَنتَ المَليكُ لَهُ الضِياءُ مَقاصِرٌ / وَتَعيشُ عَيشَ الناسِكِ المُتَزَهِّدِ
مُستَوفِزاً فَوقَ الثَرى مُتَنَقِّلاً / في الدَوحِ مِن غُصنٍ لِغُصنٍ أَملَدِ
مُتَزَوِّداً مِن كُلِّ حُسنٍ لَمحَةً / شَأنَ المُحِبِّ الثائِرِ المُتَمَرِّدِ
وَإِذا ظَفِرتَ بِنَفحَة وَبِقَطرَةٍ / فَلَقَد ظَفِرتَ بِرَوضَة وَبِمَورِدِ
تَشدو وَتَبهَتُ حائِراً مُتَرَدِّداً / حَتّى كَأَنَّكَ حينَ تُعطي تَجتَدي
وَتَمُدُّ صَوتَكَ في الفَضا مُتَلَهِّفاً / في ذَلَّةِ المُستَرحِمِ المُستَنجِدِ
فَكَأَنَّما لَكَ مَوطِنٌ ضَيَّعتُهُ / خَلفَ الكَواكِبِ في الزَمانِ الأَبعَدِ
وَطَنٌ جَميلٌ كُنتَ فيهِ سَيِّداً / فَمَضى وَدامَ عَلَيكَ هَمُّ السَيِّدِ
طورِدتَ عَنهُ إِلى الحَضيضِ فَلَم تَزَل / مُتَلَفِّتاً كَالخائِفِ المُتَشَّرِدِ
يَبدو لِعَينِكَ في العَتيقِ خَيالُهُ / وَتَراهُ في وَرَقِ الغُصونِ المَيَّدِ
صُوَرٌ مُعَدَّدَةٌ لِغَيرِ حَقيقَةٍ / كَالآلِ لاحَ لِمُعطِشٍ في فَدفَدِ
فَتَهُمُّ أَن تَدنو إِلَيه وَتَنثَني / حَتّى كَأَنَّكَ خائِفٌ أَن تَهتَدي
وَكَأَنَّهُ حُلمٌ يَصُحُّ مَعَ الكَرى / فَإِنِ اِنتَهَيتَ مِنَ الكَرى يَتَبدَّدِ
كَم ذا نُفَتِّشُ في السُفوح وَفي الذُرى / وَنقاءُ أَقرَبُ مِنهُ لِلمُتَصَيِّدِ
يا أَيُّها الشادي المُغرِّدُ في الضُحى / أَهواكَ إِن تُنشِد وَإِن لَم تُنشِدِ
طوباكَ إِنَّكَ لا تُفَكِّرُ في غَدٍ / بَدءُ الكَآبَةِ أَن تُفَكِّرَ في غَدِ
إِن كُنتَ قَد ضَيَّعتَ إِلفَكَ إِنَّني / أَبكي طَلى إِلفي الَّذي لَم يوجَدِ
يَمشي الزَمانُ بِمَن تَرقَّبَ حاجَةً
يَمشي الزَمانُ بِمَن تَرقَّبَ حاجَةً / مُتَثاقِلاً كَالخائِفِ المُتَرَدِّدِ
حَتّى لِيَحسَبَهُ أَسيراً موثَقاً / وَيَراهُ أَبطَأَ مِن كَسيحٍ مُقعَدِ
وَيَخالُ حاجَتَهُ الَّتي يَصبو لَها / في دارَةِ الجَوزاءِ أَو في الفَرقَدِ
وَيَكونُ ما يَرجوهُ زَورَةَ صاحِبٍ / وَيَكونُ أَبعَدَ ما يُرَجّي في غَدِ
فَإِذا تَوَلّى النَفسَ خَوفٌ في الضُحى / مِن واقِبٍ تَحتَ الدُجى أَو مُعتَدِ
طارَت بِها خَيلُ الزَمان وَنوقُهُ / نَحوَ الزَمانِ المُدلَهِمِّ الأَسوَدِ
فَكَأَنَّها مَحمولَةٌ في بارِقٍ / أَو عارِضٍ أَو عاصِفٍ في فَدفَدِ
وَيَكونُ أَقصَرَ ما يَكونُ إِذا الفَتى / مَدَّت لَهُ الدُنيا يَدَ المُتَوَدِّدِ
فَتَوَسَّطَ اللَذاتِ غَيرَ مُنَفِّرٍ / وَتَوَسَّدَ الأَحلامَ غَيرَ مُنَكَّدِ
فَإِذا لَذيذُ العَيشِ نَغبَةَ طائِرٍ / وَإِذا طَويلُ الدَهرِ خَطرَةَ مَرودِ
وَإِذا الفَتى لَبِسَ الأَسى وَمَشى بِهِ / فَكَأَنَّما قَد قالَ لِلزَمَنِ اِقعُدِ
فَإِذا الثَواني أَشهُر وَإِذا الدَقا / إِقُ أَعصُر وَالحُزنُ شَيءٌ سَرمَدي
وَإِذا صَباحُ أَخي الأَسى أَو لَيلُهُ / مُتَجَدِّدٌ مَعَ هَمِّهِ المُتَجَدِّدِ
قَهَرَ الوَرى وَأَذَلَّهُم أَنَّ الوَرى / مُتَعَلِّلٌ أَو طامِعٌ أَو مُجتَدِ
جَعَلوا رَغائِبَهُم قِياسَ زَمانِهِم / وَالدَهرُ أَكبَرُ أَن يُقاسَ بِمَقصَدِ
وَقَتَلتُ في نَفسي الرَغائِب وَالمُنى / فَقَهَرتُهُ بِتَجَرُّدي وَتَزَهُدي
يَشكو الَّذي يَشكو السُهادَ جُفونَهُ / لَو لَم يَكُن ذا ناظِرٍ لَم يَسهَدِ
إِن كانَ شَيءٌ لِلنَفادِ أُعِدُّهُ / فيما اِنقَضى وَمَضى وَإِن لَم يَنفَدِ
ما أَن رَأَيتُ الكُحلَ في حَدَقِ المَهى / إِلّا لَمَحتُ الدودَ خَلفَ الأَثمَدِ
مَن لَيسَ يَضحَك وَالصَباحُ مُوَرِّدٌ / لِم يَكتَإِب وَالصُبحُ غَيرَ مُوَرِّدِ
سِيّانِ أَحلامٌ أَراها في الكَرى / عِندي وَأَشياءٌ بِها اِشتَمَلَت يَدي
أَنا في الزَمانِ كَمَوجَةٍ في زاخِرٍ / أَنا فيهِ إِن يُزيد وَإِن لَم يُزيدِ
مَهما تَلاطَمَ فَهوَ لَيسَ بِمَغرَقي / أَو مَخرَجي مِنه وَلا بِمُبَدِّدي
هَيهاتِ ما أَرجو وَلا أَخشى غَداً / هَل أَرتَجي وَأَخافُ ما لَم يوجَدِ
وَالأَمسُ فِيَّ فَكَيفَ أَحسَبُهُ اِنتَهى / أَفَما رَأَيتُ الأَصلَ في الفَرعِ النَدي
قَبلٌ كَبَعدٍ حالَةٌ وَهمِيَّةٌ / أُمسي أَنا يَومي أَنا وَأَنا غَدي
يا من قربت من الفؤاد
يا من قربت من الفؤاد / و أنت عن عيني بعيد
شوقي إليك أشدّ من / شوق السليم إلى الهجود
أهوى لقاءك مثلما / يهوى أخو الظمإ الورود
و تصدّني عنك النوى / و أصدّ عن هذا الصدود
وردت نميقتك التي / جمعت من الدرّ النضيد
فكأنّ لفظك لؤلؤ / و كأنّما القرطاس جيد
أشكو إليك و لا يلام / إذا شكى العاني القيود
دهرا بليدا ما ينيل / وداده إلاّ بليد
و معاشرا ما فيهم / إن جئتهم غير الوعود
متفرّجين و ما التفرنج / عندهم غير الجحود
لا يعرفون من الشجاعة / غير ما عرف القرود
سيّان قالوا بالرضى / عنّي أو السخط الشديد
من ليس يصّدق في الوعود / فليس يصدّق في الوعيد
نفر إذا عدّ الرجال / عددتهم طيّ اللحود
تأبى السماح طباعهم / ما كلّ ذي مال يجود
أسخاهم بنضاره / أقسى من الحجر الصلود
جعد البنان بعرضه / يفدي اللجين من الوفود
و يخاف من أضيافه / خوف الصغير من اليهود
تعس امريء لا يستفيد / من الرجال و لا يفيد
و أرى عديم النفع ان / وجوده ضرر الوجود