المجموع : 7
سل عن قديم هوايض هذا الوادي
سل عن قديم هوايض هذا الوادي / هل كان يخفق فيه غير فؤادي
عهد الطفولةفي الهوى كم ليلة / مرت لنا ذهبية الأبرادِ
إذ نحن أهونُ أن نحرِّك ساكناً / في حاسد أو غلّةً في صادِ
تتضاحك الزهر النجوم لأدمُعي / في جيدها فإخالها حسادي
وأكاد أمتشق الغصون تشفيا / لتهامس الأوراق في الأعواد
غرّانِ نمرحُ في الهوى وفنونِهِ / وعلى خدودِ الوردِ والأجيادِ
ونُحِسُّ بالبين المشِتِّ فلا نرى / غير العناق على النوى من زاد
نتخاطف القبلَ الصباح كصبيةٍ / يتخاطفون هدية الأعياد
متواثبينِ كطائرَينِ تشابَكا / وتضاربَ المنقاد بالمنقادِ
أنا مذ أتيت النهر آخرَ ليلةٍ / كانت لنا ذكرتُهُ إنشادي
وسألتهُ عن ضفتيهِ الم يزل / لي فيهما أرجوحتي ووسادي
فبكى لي النهرُ الحنونُ توجعا / لما رأى هذا الشحوب البادي
ورأى مكان الفاحماتِ بمفرِقي / تلك البقيّةَ من جذىً ورمادِ
تلك العشية ما تزايل خاطري / في سفح دمر والضفاف هوادي
شفافة اللمحات نيرةُ الرُؤى / ريا الهوى أزَليَة الميلاد
أبدا يطوف خيالها بنواظري / فأحِلُّهُ بين الكرى وسهادي
وأهُمُ أرشُفُ مقلتيهِ وثغرَهُ / فيغوصُ في أفقٍ من الأبعاد
إيه خيال الماني طيب الكرى / أيتاح لي رجعي مع الورّادِ
لي في قرار الكاس بعد بقيةٌ / سمحت بها الآلمُ للعوّادِ
حنّت لها خُصرُ الدوالي رقَّقً / وبكى لها جفنُ النسيم النادي
هي كنهُ إحساسي وروحُ قصائدي / ومطافُ أحلامي وركنُ ودادي
للشعرُ منطلقَ الجوانحِ هائماً / بين السواقي الخضر والأوراد
متخيراً منهنَّ ما أبتكر الضحى / من لؤلؤٍ غب السحابِ الغادي
أندى على جفنٍ يساوِرهُ الأسى / وأخفُّ من مرحِ الهزارش الشادي
بردى هلِ الخلدُ الذي وعدوا به / إلاكَ بين شوادنٍ وشوادي
قالوا تحبُّ الشام قلتُ جوانِحي / مقصوصةٌ فيها وقلتُ فؤادي
لُبْنَانُ هَلْ مَرَّتْ بِخَاطِرَةِ المُنى
لُبْنَانُ هَلْ مَرَّتْ بِخَاطِرَةِ المُنى / وتَخَيُّلِ المُتَشائِمِ المُتَمادي
أَيَّامَ وَكْرُكَ في النُّسُرِ مُقَدَّسٌ / حُرُّ الجَوانِحِ بارِزُ المِنْقادِ
أيَّامَ يَضْطَجِعُ الخَيَالُ على الرُّبى / مُسْتَأثِراً مِنْ زَهْرِها بِوِسادِ
وَ النَّبْعُ يَضْحَكُ لِلْمَزَارِعِ وَالجَنَى / وَيَكادُ يَلْثُمُ مِنْجَلَ الحُصَّادِ
وَسَماكَ صَافِيَةٌ وَبَيْتُكَ ضَاحِكٌ / وحَشَاكَ رَاوِيَةٌ وَجَارُكَ صَادِ
لُبنانُ هَلْ مَرَّتْ بِخَاطِرَةِ المُنى / وَتَوَهُّمِ الآباءِ وَالأَجْدَادِ
أَنَّ الأُلى غَذَّى الخَيَالَ هَواهُمُ / رِيشاً على وَكْرٍ وَحُلْمَ حَصَادِ
فَطَموا عَنِ الحُبِّ القُلوبَ وغَادَرَوا / عَيْنَ المُحِبِّ لِدَمْعَةٍ وَ سُهادِ
وَتَنَكَّروا بَعْدَ التَّدَلُّهِ في الهَوَى / وَشِكايَةِ السُّقَمَاءِ لِلْعُوَّادِ
أَنَا في شِمَالِ الحُبِّ قَلْبٌ خافِقٌ / وَعَلى يَمِين الحَقِّ طَيْرٌ شَادِ
غَنَّيْتُ ، لِلْشَّرقِ الجَريحِ ، وفي يَدِي / مَا في سَمَاءِ الشَّرْقِ مِنْأَمْجَادِ
فَمَزَجْتُ دَمْعَتَهُ الحَنُونَ بِدَمْعتي / ونَقَشْتُ مِثلَ جِراحِهِ بِفُؤَادي
وَرَدَتْ مَنَاهِلَها الشُّعُوبُ إلى الْعُلى / فَمَتى أَرَى لُبْنانَ في الوُرَّادِ
من للبلاد إذا تجهّم وجهُها
من للبلاد إذا تجهّم وجهُها / وإذا تالب حشدها وتنادى
وتساءلت عن مفرد في حبّه / لبلاده لبس الحياة جهادا
إن قال قالت أمةٌ بلسانه / وتقطعت لسماعه أجيادا
شيخ على جرج الشباب كأنه / لجمَ الزمانَ فكان حيثُ أرادا
لله يومكَ أيّ ساعة محشَرٍ / نشرت على تلك الربى الأجسادا
وهَتِ العزائمُ للمصاب فلم تطق / أجسادها أن تحملَ الأكبادا
وشجى الرياض فقطّعت أطواقها / وبكت ففارق زهرها الأعوادا
ولو استطاع الأرز طأطأ خاشعاً / وأصابَ من تقبيل كفّك زادا
هي خطبةٌ للموت أروعُ ما بها / أن الخطيبَ ولا خطابَ أجادا
أوحيد أمّته تقىً وهدايةً / هلا سمعت وحيدها إنشادا
خلعَت قصائدهُ وعليك عيونها / وحبتكَ من ورقِ الخلود وسادا
تيهاً دمشقُ على المفاخرُ والعُلى
تيهاً دمشقُ على المفاخرُ والعُلى / غير الجهاد وصلته بجهاد
تلك الشمائل من شيوخ أمية / عباقة النفحات في الأحفاد
بيت العروبة كالمقام نقاوة / وعكاظ في الإطراب والإنشاد
تتفجر الأنغام في جنباته / من صدر صادحه وشعر زياد
هو منبت لمكارم هو مطلع / لكواكب هو ملعب لجياد
حسان لم ينقل سوى صلواته / السمحاء في مدح الرسول الهادي
إني وقفت بها أسائل عن فتى / من آل جفنة رائح أو غاد
الحاملين الشمس فوق وجوههم / والحاملين الشهب في الأغماد
خلعت صوارمهم على راياتهم / حللاً مصبغة من الأكباد
ورموا بها أم الزمان، فأنجبت / غرر الملوك وقادة القواد
في مفرق الأيام حمر وقائع / منهم، وفي الأعناق بيض أياد
«يسقون من ورد البريص عليهم» / طرب النفوس ورونق الأجساد
رفعوا الشآم على الصفائح والندى / وبنوا من الصلبان بيت الضاد!
عش أنت أني مت بعدك
عش أنت أني مت بعدك / وأطل إلى ماشئت صدك
ماكان ضرك لو عدلت / أما رأت عيناك قدك
وجعلت من جفني متكأً / ومن عيني مهدك
ورفعت بي عرش الهوى / ورفعت فوق العرش بندك
وأعدت للشعراء سيدهم / وللعشاق عبدك
أغضاضه ياروض إن / أنا شاقني فشممت وردك
أنقى من الفجر الضحوك / فهل أعرت الفجر خدك
وأرق من طبع النسيم / فهل خلعت عليه بردك
وألذ من كأس النديم / فهل أبحت الكأس شهدك
وحياة عينك وهي عندي / مثلما الأيمان عندك
ماقلب أمك إن تفارقها / ولم تبلغ أشدك
فهوت عليك بصدرها / يوم الفراق لتستردك
بأشد من خفقان قلبي / يوم قيل: خفرت عهدك
رضيت وقد ذهب الجفا
رضيت وقد ذهب الجفا / وكذا الهوى لين وشدّه
وتبسمت فعلمت أن / رجعت لناتلك الموده
ورمى الهوى بي فارتميت / وكان نهداها المخدّه
فأنا بصدر حبيبتي / كفراشة في قلب ورده
حسناء، أي فتى رأت تصد
حسناء، أي فتى رأت تصد / قتلى الهوى فيها بلا عدد
بصرت به رث الثياب، بلا / مأوى بلا أهل بلا بلد
فتخيرته، وكان شافعه / لطف الغزال وقوة الأسد
ورأى الفتى الآمال باسمة / في وجهها، لفؤاده الكمد
والمال ملء يديه، ينفقه / متشفياً إنفاق ذي حرد
ظمآن والأهواء جارية / كالسلسبيل، مسى يرد يرد
روض من اللذات، طيبة / أثماره، خلو من الرصد
نعم أفانين، يكاد لها / يختال من غلواه في برد
ماضيه، لو يدري بحاضره / رغم الأخوة مات من حسد
سكران، والكاسات شاهدة / إن الكؤوس لها من العدد
سكران لا يصحو كسكرته / أمساً، وسكرته غداة غد
سكران، وهي تزقه قبلاً / ويزقها، وإذا تزد يزد
سكران، وهي تمص من دمه / وتريه قلب الأم للولد
سكران، حتى رأسه أبداً / لا يستقر لكثرة الميد
قالت له: نم، نم لفجر غد / ضع رأسك الواهي على كبدي
نم، لا تسلط يا حبيب على / مخمور جسمك قلة الجلد
عيناك متعبتان من سهر / ويداك راجفتان من جهد
لا، لا أنام ولا أذوق كرى، / إن النهار مضى ولم يعد
لا أنام و لا أذوق كرى، / أنا لست من يحيا لفجر غد
سلمى، أحس النار سائة / بدمي، وتجري معه في جسدي
وأحس قلبي فاغراً فمه / للحب، للذات، للرغد
إن ضاع يومي، ما أسفت على / خضر الربيع وزرقة الجلد
نم لا تكابر، كاد رأسك أن / يهوي بكأسك، غير أن يدي
يهوي !نعم يا فتنتي ومنى / نفسي، وزهرة جنة الخلد
يهوي ! .. ولم لا، والشباب ذوى / وعلى شبابي كان معتمدي
لم تبق لي من، سوى رمق / متراوح في أضلع همد
رباه مذ يومين كنت فتى / لي قوتي وشبيبتي وغدي
واليوم، أسرع للبلى، وأنا / لم أبلغ العشرين أو أكد
سلماي إنك أنت قاتلي / فجميل جسمك مدفني الأبدي
وطويل شعرك صار لي كفناً / كفن الشباب ذوى وكان ندي
سلمى اطفئي الأنوار وافتتحي / هذي الكوى لنسائم جدد
ودعي شعاع الشمس يضحك لي / فشعاعها يرد على كبدي
ودعي أريج الزهر ينعشني / وهديل طر الأيكة الغرد
أنا، إن قضيت هوى، فلا طلعت / شمس الضحى بعدي على أحد
أنا إن قتلتك كيف تحفظني / إن صح زعمك، حقظ مقتصد
أو كنت مت لليلتي جهد / يا مهجتي خفف ولا تزد
لا، أنت محييتي ومنقذتي / من عيشي المتنكر النكد
أفأنت قاتلتي ؟ كذبت أنا، / لولاك كنت أذل من وتد
لكنما العشاق، عادتهم / ذكر المنايا ذكر مفتئد
يبكون من جزع للذتهم / أن لا تكون طويلة الأمد
قلبي لقلبك خافق أبداً / ويظل يخفق غير متئد
إن كان ذاك، فهذه شفتي / من يشتعل في الحب يبترد
وتصافحا فتعانقا فهما / روحان خافقتان في جسد
نهبا أويقات الصفاء، وقد / عكفا عليهما عكف مجتهد
وترشفا كأس الغرام، وما / تركا بها من نهلة لصدي
ومشى الهوى بهما كعادته، / والبحر لا يخلو من الزبد ...
سنة مضت، فإذا خرجت إلى / ذاك الطريق بظاهر البلد
ولفت وجهك يمنة، فترى / وجهاً متى تذكره ترتعد :
هذا الفتى في الأمس، صار إلى / رجل هزيل الجسم منجرد
متلجلج الألفاظ مضطرب / متواصل الأنفاس مطرد
متجعد الخدين من سرف / متكسر الجفنين من سهد
عيناه عالقتان في نفق / كسراج كوخ نصف متقد
أو كالحباحب، باخ لامعه، / يبدو من الوجنات في خدد
تهتز أنمله، فتحسبها / ورق الخريف أصيب بالبرد
ويكاد يحمله، لما تركت / منه الصبابة، مخلب الصرد
يمشي بعلته على مهل / فكأنه يمشي على قصد
ويمج أحياناً دماً. فعلى / منديله قطع من الكبد
قطع تآبين مفجعة / مكتوبة بدم بغير يد
قطع تقول له: تموت غداً / وإذا ترق، تقول: بعد غد
والموت أرحم زائر لفتى / متزمل بالداء مغتمد
قد كان منتحراً، لو أن له / شبه القوى في جسمه الخصد
لكنه ، والداء ينهشه، / كالشلو بين مخالب الأسد
جلد على الآلام، ينجده / طلل الشباب ودارس الصيد
أين التي علقت به غصناً / حلو المجاني ناضر الملد
أين التي كانت تقول له: / ضع رأسك الواهي على كبدي؟
مات الفتى ، فأقيم في جدث / مستوحش الأرجاء منفرد
متجلل بالفقر، مؤتزر / بالنبت من متيبس وندي
وتزوره حيناً، فتؤنسه / بعض الطيور بصوتها الغرد